( حوار في الصميم )
في اللقاء مع سماحة العلامة المهتدي
(حفظه الله ورعاه)
أجراه معه:
علي حسين الجابر
زرناه في مجلسه الاسبوعي ليلة الجمعة بحسينية أهل البيت (عليهم السلام).. وفي زاوية الخلوة حاورناه حول سبب التهجم الأخير ضد المرجع سماحة السيد صادق الشيرازي وجماعته.. فابتدأ الشيخ المهتدي قائلا:
لكي نقترب من الحقيقة دائما يجب علينا نبذ الطاغوت أبدا.. سواءا الذي يتحكم في داخلنا أو الذي يحكم في خارجنا.. بعد ذلك سنتأهل إلى مستوى البشارة بنتائج الإنابة إلى الله.. وهذا التوفيق يحتاج إلى الإنفتاح على الآراء لاتباع الأحسن منها.. ومن يرتقي بهذا المستوى من الحرية المنضبطة بالإنابة فإنه يستحق من الله الهداية.. كيف لا وقد سبق منه التعقل والتفكر وهو المفتاح الأول للنجاح والفلاح.
على ضوء هذه البصيرة التي نستفيدها من قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) لابد لنا في زمن الفتنة من تشخيص المكان الصحيح الذي يجب الوقوف فيه حتى لا نأتي إلى يوم القيامة ونتفاجأ بأوزار لا يحملها عنا إلا أنفسنا.. أوزار لا ينفع معها المرجع فلان ولا القائد فلان ولا الحزب الفلاني.. ذلك هناك من الأوزار بسبب آثارها التدميرية الطويلة المدى لا يمكن الشفاعة فيها لصاحبها.. لذا وجب أن ننتبه بأنفسنا ولا نكون إمعيين نناصر هذا وذاك بالعواطف وننسى قول ربنا تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ).
وبالتأسيس على هذه المقدمة أضاف سماحة الشيخ المهتدي يقول:
إن الهجمة التي تجري منذ أيام ضد المرجع الرباني سماحة السيد صادق الشيرازي (دام ظله العالي) وجماعته الولائيين وتياره المنتشرين في العالم لها أسباب كثيرة. جزء منها يرتبط بالجهات التي تنتفع من الخلافات بين الشيعة.. وجزء يرتبط بالجهلة الذين ينعقون مع كل ناعق ولا يدرون ما وراء الكواليس.. وجزء منها يرتبط بشخص لم يؤت من الحكمة شيئا وهو المدعو ياسر الحبيب، الإسم الذي اقترن بالتكفير والبذاءة والجدل والقيل والقال.
رأيي هذا لا يعبر عن رأي المرجعية التي أفخر بها.. أقوله من باب حرية التعبير عن الرأي وﻷن كثيرين قالوا آراءهم وبقي رأي يجب أن يقال انتصارا لمبدأ الإنصاف كما علمنا أهل البيت (ع) "إنصاف الناس من نفسك".. خاصة والقضية لها علاقة بي من جهة الإنتماء المرجعي وكثرة الأسئلة التي وردتني بهذا الشأن وبعضها من علماء دين وشخصيات لها وزنها الإجتماعي.
* سألناه:
ولكن الشيخ ياسر يقول أنه يقف تحت سقف مرجعية سماحة السيد صادق الشيرازي وسكوت السيد ومكتبه عنه يفيد الرضا!!
* المهتدي:
إذا كنت تستمع لمحاضرات سماحة السيد المرجع (حفظه الله ورعاه) كنت تعرف البون الشاسع بين فكر السيد وأدبه الراقي وأسلوبه الأخلاقي وبين أسلوب ياسر الحبيب المستهتر بالقيم والآداب.. بتكفيره هذا وتفسيقه ذاك والإستهزاء بثالث والتمسخر برابع وبذكر الأسماء على مستوى المراجع والخطباء.. بينما سماحة المرجع السيد صادق (بالذات) معروف بالأدب والأخلاق والورع والحكمة وعفة اللسان.. حتى في جلساته الخاصة معي لا يتفوه بألفاظ البذاءة ضد أحد ولا يعلق على مخالفيه بكلمات الاستهزاء. وتلك محاضراته ومؤلفاته، إئتني بكلمة واحدة منها تشبه كلمات ياسر الحبيب المفخخة الذي لم يبق أحدا إلا نال منه حتى أنا المحسوب على مرجعية السيد الشيرازي والعامل فيها قرابة 36 سنة لم أسلم من لسانه ولسان المخدوعين به.
قبل يومين سمعت له مقطع فيديو في محرم (1434) يستهزء بي وأنا يومئذ في السجن أعاني من تعذيب النواصب.. فهو بلا ورع ولا خجل يسميني بالساذج ويشن هجوما علي بسبب قصة ذكرتها للإمام الخميني في كتابي (قصص وخواطر) يفسرها على حسب هواه بما هو بارع في التدليس المعهود عنه في بتر المواضيع التي يتناولها بتقصد. القصة هي أن عالما يأتي إلى السيد الخميني ويطلب منه مالا لبناء مدرسة في قريته ويبرر مشروعه باعتبار أن أهل السنة عندهم مدرسة هناك. ففهم السيد الخميني بأن القضية فيها روح التقابل والأنا وليس معها نية الإخلاص لله.
فرفض هذا الطلب نظرا لدافع الرجل!!
وكان تعليقي إيجابيا على هذا الموقف من السيد الخميني. بينما ياسر الحبيب مضافا لإهانته المتكررة لي وتحريفه للقصة وتدليسه يقول لمستمعيه أنظروا إن الخميني لا يريد خدمة المذهب لذلك لم يدعم بناء المدرسة!!
ولا أدري ماذا يقول الأخ ياسر هذا عن المجدد الشيرازي الكبير الذي ساهم في بناء مدرسة لأهل السنة في سامراء من أموال الإمام الحجة بن الحسن المهدي (أرواحنا فداه) إنطلاقا من قاعدة (المؤلفة قلوبهم)؟!
إنني لا أستغرب منه يوما أن يكفر حتى المجدد الشيرازي الثاني مرجعنا الراحل الذي يتكلم بقوة عن اتحاد المسلمين عبر أطروحاته السلمية في بناء الأمة الواحدة ونظام الشورى وإلغاء الحدود الجغرافية بين البلاد.. فهل الطرف الآخر لهذه المشاريع هو الواقع التعددي الموجود بين الشيعة والمسلمين أم أن هذه المشاريع خاصة بمن يفكر على الطريقة اللندنية بالتوقيع الياسري؟!
لا أدري.. ربما الأخ (سامحه الله) ينتظر اليوم الذي يقوى فيه عوده ليتكلم حتى على سيدنا المرجع الراحل.. بل لا أستغرب منه يوما أن يتكلم فيه على سماحة المرجع السيد صادق الشيرازي أيضا إذا قرأ رأيه حول التعايش ودعواته إلى اللين وعفة اللسان.. ومثله لا أعتقد أنه استمع يوما إلى شرح سيدنا المرجع لدعاء مكارم الأخلاق.. فكل مضامين هذا الدعاء الشريف التي جسدها مرجعنا في أفعاله قبل أقواله لم تجد لها طريقا إلى ياسر الحبيب (هدانا وهداه الله).
فأنى لهذا الرجل أن يمثل مرجعية الشيرازي التي تجسد العقيدة والأخلاق والفقه والحكمة والشعائر والعقلانية واللين والتسامح والمحبة وهي من صميم هدى القرآن وسيرة النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) الذي قال عنه رب العزة والجلال:
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
* سألناه:
شيخنا الجليل من خلال قصصك الكثيرة التي تنقلها في كتابك عن المرجع الراحل السيد محمد (رحمة الله عليه) نعرف مدى قربك منه ولكن بالنسبة لشقيقه المرجع السيد صادق منذ متى تعرفون سماحته؟
* المهتدي:
تعود معرفتي بشخصية المرجع الرباني سماحة السيد صادق إلى سنة (1978) يوم زرته في الكويت وعمري (18 سنة) جلست معه ساعة ثم واصلت لقائي به في قم المقدسة من أواخر سنة (1980) إلى (1982) ولكن كان لقائي به قليلا حيث الأكثر كنت أحضر عند شقيقه المرجع الراحل. ثم هاجرت إلى طهران ومتى ما كنت أعود إلى قم ألتقي به أحيانا والأكثر بشقيقه السيد محمد. ولكن بعد وفاة السيد وتقلد سماحة السيد صادق المرجعية في سنة (2002) كنت أسافر من البحرين وألتقي به وأتنهل من معينه بصفته أيضا مرجعي الذي أقلده وأنا وكيله.. ولكن طوال السنوات تلك لم أنقطع غالبا من استماعي لمحاضراته المسجلة وقرائتي لكتبه حتى وجدته في المجموع مصداقا لهذا الحديث الشريف عن الإمام الصادق (ع):﴿ إِنَّا لَنُحِبُّ مَنْ كَانَ عَاقِلاً فَهِماً فَقِيهاً حَلِيماً مُدَارِياً صَبُوراً صَدُوقاً وَفِيّاً. إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ خَصَّ الأنْبِيَاءَ بِمَكَارِمِ الأخْلاقِ فَمَنْ كَانَتْ فِيهِ فَلْيَحْمَدِ الله عَلَى ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ فَلْيَتَضَرَّعْ إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ وَلْيَسْأَلْهُ إِيَّاهَا.
قَال الراوي:َ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَا هُنَّ ؟
قَالَ هُنَّ : الْوَرَعُ • وَالْقَنَاعَةُ • وَالصَّبْرُ • وَالشُّكْرُ • وَالْحِلْمُ • وَالْحَيَاءُ • وَالسَّخَاءُ • وَالشَّجَاعَةُ • وَالْغَيْرَةُ • وَالْبِرُّ • وَصِدْقُ الْحَدِيثِ • وَأَدَاءُ الأمَانَةِ﴾.
* مداخلة:
ما أجمل هذا الحديث الشريف.. وماذا يمنع ياسر الحبيب من العمل به ليكف عن الناس لسانه السليط المتخبئ وراء الولاية والبراءة لقصف الداني والقاصي واستعداء الشيعة ضد بعضهم البعض.
مداخلة أخرى:
يبدو أن السيد المرجع ضعيف في ولائيته وبرائيته حيث لا يسب ولا يشتم ولا يستهزأ ولا يذكر الأسماء التي يذكرها ياسر؟!
* سألناه:
شيخنا العزيز.. هل الشيخ ياسر وكيل للمرجع الشيرازي؟
* المهتدي:
قبل أن يظهر بهذا المظهر العنفي صدرت له إجازة رواية من السيد المرجع. وهي لا تعني أمرا مهما في العرف الحوزوي. وأما وكالة وهي الأهم فليست عنده حسب مصدري المؤكد الموثوق الذي طلب مني عدم ذكر إسمه والذي قال أنه طلب وكالة وتم الرفض.
* سألناه:
لماذا إذن لا يصدر المرجع السيد صادق أو مكتبه بيانا يعلنون فيه أنه لا يمثل المرجعية؟
* المهتدي:
ليس من سيرة البيت المرجعي إصدار بيانات ضد الأشخاص. وهذه سيرة أكثر المراجع الكرام. وكم جاءت رسائل إلى السيد المرجع الراحل يطلبون منه كلمة يسطر فيها ضد السيد فضل الله. فكان يرفض. ومرة قال لي أن الرد يجب أن يكون الفكر بالفكر. ولذا كتب موسوعته (من فقه الزهراء) في ست مجلدات ولم يذكر انها ردا على تشكيكات فلان.
* مداخلة:
بالفعل هذا كلام منطقي. هذا السيد حسن الكشميري محسوب على مرجعية سماحة السيد الخامنئي ويخرج على قناة الكوثر باستمرار وقد ألف 4 كتابا ضد المراجع الأموات والأحياء ويذكرهم بالإسم وضد أولادهم وحاشيتهم يتهمهم بالفساد المالي والأخلاقي فلماذا السيد الخامنئي أو مكتبه لا يصدر ضده بيانا. فهل نستطيع القول بأن السيد القائد راض عما يكتبه وكيله الكشميري المؤيد للسيد فضل الله؟!
* سألناه:
إذن لماذا جماعة ولاية الفقيه يتهمون المرجع الشيرازي بما يتفوه به الشيخ ياسر في لندن وهم ساكتون عن الكشميري؟
* المهتدي:
لا أدري.. هذا السؤال يمكنك طرحه عليهم.
ولكني أقول أن الشيعة اليوم أمام ظاهرة فتنوية ذات وجهين.. وجه هو هذا المسمى بياسر الحبيب ومن لف لفه وغاب عقله وداس أخلاقه ولم يفهم المرجعية الشيرازية النزيهة فهما جامعا ودقيقا. ووجه آخر هم الذين ابتلوا بسكر السياسة وولاءاتها الدنيوية واستسهلوا واجب الثوابت الاعتقادية وراحوا يبيعون على السنة مبادئ الولاية لأهل البيت برخص الثمن.. حتى خرج الشيخ الرفسنجاني في مؤتمر الوحدة الاسلامية كما سمعته بنفسي مقللا من قيمة الإمامة وأهمية الخلافة والولاية. معتبرا أنها قضية تاريخية ولا ينبغي لنا الإشتغال بها اليوم. فهل هذا كلام حق أم كلام باطل؟! إنه كلام باطل بصريح الروايات التي تنص على أن الأحكام كلها من غير الولاية لا قيمة لها عند الله.
أليس من حق كل شيعي غيور على مذهبه أن يرد على الشيخ ويقول من فوض لك لتتكلم بالنيابة عن ملايين الشيعة ومراجعهم وعلمائهم بهذا الكلام الباطل؟!
نعم.. هاتان فئتان.. الأولى تحاول أن تلصق نفسها بجماعة المرجع الشيرازي الراحل (رحمه الله) وشقيقه سماحة السيد صادق (حفظه الله) لتظهر نفسها بمظهر الشرعية بين الشيعة وأنها المدافعة الوحيدة عن المذهب.. وأن من لا يتفق معها فهو ضال مضل ويجب جلده بالتشهير وتشويه سمعته بين الناس...
والثانية هي المحسوبة على إيران وحزب الدعوة العراقي المعروف قديما -قبل الثورة- بارتجاجاته العقائدية في الولائيات والشعائريات. وهم لا يختلفون كثيرا عن جماعة ياسر في التشهير وحرب التسقيط على المنافس.
إنهما فئتان تحتطبان وزر الفتنة بين المؤمنين وتدخلان السرور على أعداء مذهب أهل البيت (عليهم السلام) من حيث يعلمون أو لا يعلمون. وهذا مع الأسف يحدث في زمن ما أحوج المذهب وأتباعه المستهدفون إلى أعلى درجات الورع والحكمة وضبط النفس واللقاء والحوار والتعاون لينقذوا أنفسهم لا أقل من القتل والتفجيرات.. وأما إن كانوا يفكرون في المذهب وجمهور الشيعة الأبرياء فبطريق أولى كان يجب عليهم ترك الخلافات بالطريقة الإستعدائية.. وتبديلها إلى مناقشات علمية ودية هادفة أو تجميدها إلى وقت آخر.
* سألناه:
شيخنا وما هو الحل.. علما أن الطرفين (الشيرازيين المتشددين وجماعة ايران والدعوة) متفقان في مواجهة تكفيريي أهل السنة، وإنما يختلفان في الموقف من السنة غير التكفيريين، حيث الطرف الأول يربطونهم مع التكفيريين، بينما الطرف الثاني يرونهم إخوانا ويعملون للتقريب معهم؟
* المهتدي:
الشيرازي المرجع والشيرازيون المعتدلون لا يختلفون مع مبدأ الفصل بين السنة المعتدلين والتكفيريين القتلة.. هذا الفصل هو ما يجعل المرجع الشيرازي يخاطب المعتدلين منهم باللين ويدعو لمواجهة التكفيريين. إلا أن الخلاف هنا مع جماعة ايران والدعوة هو في التنازلات التي يقدمونها للسنة المعتدلين.. بينما المرجع الشيرازي لا يرى داعيا للتنازل.. فنحن نتعايش ويمكننا أن نتعاون في المشتركات من دون التنازل عن مبادئنا الولائية.
وهذا ما لا يدركه ياسر الحبيب من ناحية ويحسبه الايرانيون وحزب الدعوة أنه يعبر عن رأي المرجع الشيرازي. من الضروري تفكيك المسائل المتداخلة هنا وهو ما لم يتحقق في جو التوتر والنفوس المشحونة بالقديم المتجدد. وهذا ما يجعل الحل صعبا على العقلاء بين الطرفين.
من هنا فنحن نحتاج إلى إرادة رجال يفكرون بعقول كبيرة وهمم عالية وصدور واسعة وقلوب تحن إلى هداية الآخر وترأف به لأجل هدايته لا أن تستثيره بأساليب القهر والتشفي والإزدراء وتستعديه بأكاذيب الزور والكراهية والبغضاء.
لا أدري كيف سيأتي هؤلاء القوم إلى يوم الحساب وكلماتهم ومواقفهم تركت من ورائهم سننا سيئة في ترويج ثقافة المراء والتفرقة والضديات والكراهية إذ قد حملوا الشيعة معاناة فوق معاناتهم وسببوا في خروج بعضهم عن الدين وإن كانوا من حيث لا يقصدون؟!
* سأله أحد الحاضرين:
وصلني الليلة في الواتسب بأن جمعا من العلماء كتبوا رسالة الى سماحة السيد المرجع الشيرازي يطلبون منه أن يسحب ثقته عن الشيخ ياسر.. فرفض السيد.
* المهتدي:
أنا قبل ساعة وصلتني نفس الرسالة وفورا سألت عبر الواتسب مصدرا مقربا من البيت المرجعي بقم المقدسة فأجابني أن أصل الرسالة كذب وإشاعة. لم يكن هنالك سؤال ولا طلب ولا جواب.
* سألناه:
إن تكفير الشيعي بلسان شيعي آخر والتجاهر في لعنه والتمسخر به عبر توصيفه بكلمات سوقية.. لم نألفه من قبل حتى جاء ياسر الحبيب وخطابه التشاحني.. هذا يجب الوقوف بوجهه كيلا تتبدل آراؤه إلى ثقافة بين الشيعة.. فهل أنتم بصفتكم وكلاء المرجعية الشيرازية تحركتم في هذا المضمار؟
* المهتدي:
شخصيا موقفي واضح من أفكار ياسر الحبيب وتطاوله على غيره من دون رعاية الحكمة والأخلاق وموازين الأهم والمهم.. ما عدا تلك الأفكار التي يطرحها بأدلة قرآنية وعتروية وهي لا تكاد ترى بين دخانه العاتي مع الأسف.. وهناك كثير من الوكلاء وبعضهم من كبار المعروفين صارحوني بمخالفتهم لهذا الرجل وهم يتحركون للإصلاح بعيدا عن الأضواء لأنهم كما قالوا لي لا يحبون أن يشهر بهم بلسانه المنفلت ومؤيديه الذين لا يخلوا منهم من مخابرات دول وهو قد لا يعلم!!
هكذا قالوا وأضافوا ﻷنهم لا يشرفهم الوقوف تحت سقف واحد في المرجعية مع رجل جلب إليها وإلى الشيعة مشاكل ومشاحنات بخوضه في تكفير مراجع والتمسخر من العلماء والتنابز بالألقاب والتشهير بالأسماء...
نعم.. إنه عمل غير صالح وقد نهى عنه القرآن والعترة.. وهو سلوك صبياني لا يحبذ حتى للأطفال ولذا ترانا ننهى الطفل لما يستخدم هذه الألفاظ السوقية.. ولكنه المرض الذي كان بين البشر والمسلمين منذ القديم وقد نفذ اليوم إلى بعض الشيعة ودخل بين فئة تلصق نفسها بتيار المرجع الشيرازي.. بينما لما نقرأ فكر هذا الشيرازي العظيم من كتبه أو نسمعه من محاضراته لا نرى إلا عمقا في الأصالة وجمالا في الحداثة.. مما يعني أنه بريء من هذه الفئة براءة الذئب من دم يوسف.
فبالقطع واليقين هذه المرجعية هي أبعد ما يكون عن هؤلاء الفاشلين.. الذين لم ينجحوا سوى في جرأتهم على خلق عداوات وكأنهم قطب رحى الهداية وقد خصهم الله من العصمة والكمال ما خصها للنبي محمد وآله (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين)!!
نعترف أن جماعة الإمام الشيرازي كبقية الجماعات الشيعية وغير الشيعية قد بليت بنفر لم يؤتوا من عفة اللسان نصيبا ولم يذوقوا من حلاوة الحكمة طعما ولم يفقهوا من الدين إلا حرفا..
* مداخلة:
البعض يبرر لنفر من هؤلاء أن ما عانوه في السجون الايرانية زمن الإقامة الجبرية على المرجع الشيرازي الراحل التي فرضت عليه قرابة 20 سنة.. جعلهم اليوم يعيشون ردة فعل على سياسة الدولة آنذاك.
* المهتدي:
لا شك أن ذلك كان من الأخطاء الكبيرة للحكومة الإيرانية.. حتى رد علي أحد المسجونين في تلك الفترة المؤلمة بأن المهتدي ذاق في سجون آل خليفة الويلات فصار في موقف المعارضة ولو كان يذوق مثلنا في سجون الجمهورية لكان واحدا منا!!
ولكن في رأيي هناك فارق بين سجن هنا وسجن هناك ومن هم السجانون وما هي آثار المواقف بين الشيعة ومن المستفيد.. لذا كان جوابي للأخ أن الأولويات توجب علينا رد السيئة بالحسنة وأن ننتقد سياسة الايرانيين بورع وأدب لنبقي بيننا وبين الذين أخطأوا ما يميزنا عنهم في الأخلاق والتقوى. إذن كيف يحقق الإنسان تفوقه الأخلاقي في العمل بهذا النداء القرآني: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) وغيره كثير كثير...
كلامي هذا موجه حتى للإخوة في الجمهورية الاسلامية ولتيارها.. فالقرآن قرآن الجميع وعلينا جميعا أن نلتزم بآياته وخاصة من يكونوا في موقع السلطة لابد لهم من سعة الصدر وأن يتحملوا حرية الرأي ولاسيما إذا كان صاحبه فقيها بمستوى المرجعية وله ملايين المقلدين والمحبين في العالم مثل المرجع السيد صادق الشيرازي...
أليس الإمام أميرالمؤمنين (ع) قال:
"آلة الرئاسة سعة الصدر".
وحتى على فرض أن ياسر الحبيب مربوط بالسيد المرجع الشيرازي فعلى السلطات الايرانية أن يتذكروا كيف كان يتصرف الإمام علي مع المعارضة الفحاشة!!
وقد كان بحلمه وعطائه من بيت المال يهديهم أو يبعد شرهم عنه. فليس كل الحل في استخدام القوة ضد الآخر.. إنه حل مؤقت ولكنه على المدى البعيد تولد مضاعفات لأي أسلوب قمعي. فلابد للجميع من المعالجة باللاعنف الذي قال عنه الرسول الأعظم (ص):
"المسلم من سلم الناس من يده ولسانه".
وقال: "ما وضع الرفق على سيء إلا زانه".
وهذا قول ربنا عزوجل يحسم كل نزاع بين المسلم وأخيه المسلم:
(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
* سألناه:
لقد قرأنا استنفار أتباع السيد المرجع الشيرازي ضد الذين تهجموا عليه.. أما يعني هذا أنهم والشيخ ياسر الذي سبب للمرجعية الشيرازية هذه الأزمة يقفون في صف واحد؟!
* المهتدي:
من المؤسف جدا حصول خلط من الخصوم ومن الاصدقاء معا بين هذا المنهج الشيرازي الواضح وبين القلة الياسرية الصاخبة بالبذاءة.. هذا الخلط وقع فيه بعض جماعتنا الذين انبروا للدفاع عن المرجعية ولم ينتقدوا الذي جلب لها هذه الأزمة الجديدة التي ما كانت لتكون لولا هذه الفئة التي تعمل على خطف الأضواء على حساب عقلاء القوم!!
نعم لابد لنا أن نميز بين المرجعية الشيرازية الحقيقية وخطها السليم في الدفاع عن المذهب الحق بالأسلوب الأخلاقي الرفيع.. وبين الذين ورطوا المرجعية وتيارها الواسع في معركة ليست هي معركتهم...
وهنا أقولها وبملئ فمي.. وليسمعها الغيارى على مدرسة الإمام الشيرازي: إذا استولى هؤلاء التكفيريون التسقيطيون البذيئون على المرجعية الشيرازية فعلى الشيرازي والشيرازيين السلام!!
* مداخلة:
يا ليت هذه المدرسة الأصيلة تصمد أمام الطريقة الداعشية لياسر الحبيب الذي لم يبق أحدا من مراجع الشيعة وعلمائها وخطبائها وحتى المعتدلين من الشيرازيين أمثالك وأمثال سماحة المرجع المدرسي إلا وكفروه أو فسقوه أو استهزأوا به أو شتموه وهتكوا حرمته.. مثل هذا الفكر لو كان أصحابه مسلحون -والعياذ بالله- لقطعوا رؤوس من لم يركع لهم ولا يرقص على أنغامهم!!
* المهتدي:
عموما تأكدوا أن فكر سيدنا المرجع المفدى ليس إلا ما ذكرته لكم. وأن تسلل الآفة في أية جماعة ليست خاصة بالشيرازيين.. فما أكثر الياسريين لدى الآخرين إلا أن الفوكس الإعلامي له مآربه الإنتقامية من هذا الخط الولائي الأصيل.
نعم لابد من تنبيه المدافعين عن هذا الخط بأن لا يخلطوا بينه وبين من لا يمثله ولا هو ناطق باسمه ولا خطابه يشبه خطاب مؤسسيه ورواده الأوائل؟!
هذه المغالطة يجب كشفها للجمهور حتى لا يكون دفاعهم عن الحق دفاعا ضمنيا عمن تقمصوا الشيرازية ويعملون على تقزيم هذه المدرسة الشامخة وتحجيمها في أمور جزئية وبروح التحدي والاستعداء.. لقد كان فخرنا أن الفكر الشيرازي شمولي في التغيير والإنقاذ العالمي، وابتلينا اليوم بأفراد قشريين في فهم الدين وباسم الشيرازي العظيم يريدون مصادرته.
إن هذا الظلم لن نسكت عليه وليعرف جماعة ياسر أننا في يقضة لما يدور من مؤامرة خفية لهدم ما بنته المرجعية طوال عقود من الآلام والعطاء الموسوعي.
وأضاف الشيخ المهتدي قائلا:
لابد لنا في جماعة المرجع الشيرازي من عقلاء (استراتيجيين) يجلسون لترتيب الأولويات وإعادة النظر في الأوراق والملفات والتفكير بمساحة التشيع العابرة للحدود لا التشيع المحدود بالعقول الصغيرة.
ومن واجب الناس أن يميزوا بين المتطرفين الملتصقين بهذا الخط وبين المعتدلين المدافعين عن إرث الشيرازي المجدد المقروء منه والمسموع...
* قال أحد الحاضرين:
لقد دار نقاش بيني وبين شخص يبغض السيد الشيرازي وجماعته بشدة. فقلت لماذا تهينون هذا السيد وتتكلمون عليه؟ فقال منذ سنوات يسبون الإمام الخميني وقائدنا الخامنئي سب العرض والشرف ويخرجوننا من الدين والملة علنا في قناة فدك ومواقعهم الالكترونية ولدينا عليهم بالصوت والصورة.. والآن فليتحملوا الرد على رموزهم. فلماذا هم منزعجون لما يأتي التعامل بالمثل؟!
ماذا تقولون شيخنا العزيز؟
* المهتدي:
أقول كلام سليم ولكن كما قلت إن الإخوة المؤيدين لإيران أيضا يجب أن لا ينسوا فترة الثمانينات إذ فعلت الحكومة الايرانية بالشيرازي الراحل والعاملين في بيته ما لم يكن ينبغي لها أن تفعل. فمن ذلك الوقت أخذت الأمور خلال 33 عاما الى اليوم تتدحرج بفعل من طرف ورد فعل من طرف آخر واستغلتها المخابرات الدولية والإقليمية ونفخت فيها لتشغيل ماكنة الخلافات لئلا يقف الشيعة موقفا صحيحا من القضايا الكبيرة للتشيع والأمة.. وهذا عراق اليوم ومقدساتنا فيه والدم العراقي والخطر الداعشي لو كان الشيعة يتركون القيل والقال بينهم عملا بقاعدة الأهم والمهم لاختصروا الطريق إلى النصر وإيقاف حمام الدم البريء. ومثل العراق أحداث لبنان وسوريا وغيرها. ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟!
* مداخلة:
نعم يجب أن لا ننسى الإشكالات التي تصدر عن النظام الايراني.. فهم ليسوا معصومون كما يروج لهم مؤيدوهم.. أما يرون اهتمامهم بولاية الفقيه قد فاق اهتمامهم بولاية الإمام علي (ع)؟! فالذي يخالف ولاية الفقيه يدوسونه بشعارهم المعروف (مرگ بر ضد ولايت فقيه) وأما الذين يخالفون ولاية الإمام علي يسمونهم إخواننا السنة ويدفعون الملايين لحماس الفلسطيني الناصبي الذي انقلب عليهم في سوريا وخان حزب الله اللبناني!!
فالتطرف الذي ينتقدونه في بعض جماعة السيد الشيرازي ليس بأكثر من تطرفهم!!
* وهنا ختم سماحة الشيخ المهتدي (حفظه الله) حديثه قائلا:
الأخطاء والإشكالات يا أخي موجودة عند الجميع.. إيرانيين وشيرازيين والدعوجيين وغيرهم.. ونبقى كلنا تحت سقف الإسلام وولاية أهل البيت.. وبتعاليمهم نعالج كل تلك الأخطاء.. فمثلا في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين وعهد الإمام علي لمالك الأشتر وروايات تربية النفس وكنس العيوب منها قبل الذهاب إلى نقد الآخرين توجد حلول سهلة لو كنا نقرأها بعين الهدفية ونطبقها بروح الإخلاص لله تعالى.
وهنا أضاف العلامة المهتدي قائلا:
اسمحوا لي أن أقرأ من تلك الروايات ما ينشره أحد علمائنا الأجلاء المقيم في الدنمارك:
قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
✧ اشتغالك بمعائب نفسك يكفيك العار.
✧ الكيس من كان غافلا عن غيره ولنفسه كثير التغاضي.
✧ أفضل الناس من شغلته معايبه عن عيوب الناس.
✧ شر الناس من كان متتبعا لعيوب الناس عميا عن معايبه.
✧ عجبت لمن ينكر عيوب الناس ونفسه أكثر شيء معابا ولا يبصرها وعجبت لمن يتصدى لاصلاح الناس ونفسه أشد شيء فسادا فلا يصلحها ويتعاطى اصلاح غيره.
✧ كفى بالمرء غباوة أن ينظر من عيوب الناس إلى ما خفي عليه من عيوبه.
✧ كفى بالمرء جهلا أن يجهل عيوب نفسه ويطعن على الناس بما لا يستطيع التحول عنه.
✧ لينهك عن معايب الناس ما تعرف من معايبك.
✧ ليكف من علم منكم من عيب غيره لما يعرف من عيب نفسه.
✧ من أبصر عيب نفسه لم يعب أحدا.
✧ من بحث عن عيوب الناس فليبدأ بنفسه.
✧ من أنكر عيوب الناس ورضيها لنفسه فذلك الأحمق.
✧ لا تتبعن عيوب الناس فإن لك من عيوبك (إن عقلت) ما يشغلك أن تعيب الناس.
المصدر:
جامع احاديث الشيعة
للسيد البروجردي ج 14 ص 202
إعداد:
علي حسين الجابر
2014/1/26
ملاحظة من سماحة الشيخ (دام ظله):
راجعنا ما كتبه الأخ الفاضل علي الجابر ونتبنى منه فقط ما هو تحت إسمنا.. ومن الله السداد في إصلاح ما فسد من أمور المسلمين وهو المستعان وعليه التكلان.
داعيكم..
عبدالعظيم المهتدي البحراني
(حفظه الله ورعاه)
أجراه معه:
علي حسين الجابر
زرناه في مجلسه الاسبوعي ليلة الجمعة بحسينية أهل البيت (عليهم السلام).. وفي زاوية الخلوة حاورناه حول سبب التهجم الأخير ضد المرجع سماحة السيد صادق الشيرازي وجماعته.. فابتدأ الشيخ المهتدي قائلا:
لكي نقترب من الحقيقة دائما يجب علينا نبذ الطاغوت أبدا.. سواءا الذي يتحكم في داخلنا أو الذي يحكم في خارجنا.. بعد ذلك سنتأهل إلى مستوى البشارة بنتائج الإنابة إلى الله.. وهذا التوفيق يحتاج إلى الإنفتاح على الآراء لاتباع الأحسن منها.. ومن يرتقي بهذا المستوى من الحرية المنضبطة بالإنابة فإنه يستحق من الله الهداية.. كيف لا وقد سبق منه التعقل والتفكر وهو المفتاح الأول للنجاح والفلاح.
على ضوء هذه البصيرة التي نستفيدها من قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) لابد لنا في زمن الفتنة من تشخيص المكان الصحيح الذي يجب الوقوف فيه حتى لا نأتي إلى يوم القيامة ونتفاجأ بأوزار لا يحملها عنا إلا أنفسنا.. أوزار لا ينفع معها المرجع فلان ولا القائد فلان ولا الحزب الفلاني.. ذلك هناك من الأوزار بسبب آثارها التدميرية الطويلة المدى لا يمكن الشفاعة فيها لصاحبها.. لذا وجب أن ننتبه بأنفسنا ولا نكون إمعيين نناصر هذا وذاك بالعواطف وننسى قول ربنا تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ).
وبالتأسيس على هذه المقدمة أضاف سماحة الشيخ المهتدي يقول:
إن الهجمة التي تجري منذ أيام ضد المرجع الرباني سماحة السيد صادق الشيرازي (دام ظله العالي) وجماعته الولائيين وتياره المنتشرين في العالم لها أسباب كثيرة. جزء منها يرتبط بالجهات التي تنتفع من الخلافات بين الشيعة.. وجزء يرتبط بالجهلة الذين ينعقون مع كل ناعق ولا يدرون ما وراء الكواليس.. وجزء منها يرتبط بشخص لم يؤت من الحكمة شيئا وهو المدعو ياسر الحبيب، الإسم الذي اقترن بالتكفير والبذاءة والجدل والقيل والقال.
رأيي هذا لا يعبر عن رأي المرجعية التي أفخر بها.. أقوله من باب حرية التعبير عن الرأي وﻷن كثيرين قالوا آراءهم وبقي رأي يجب أن يقال انتصارا لمبدأ الإنصاف كما علمنا أهل البيت (ع) "إنصاف الناس من نفسك".. خاصة والقضية لها علاقة بي من جهة الإنتماء المرجعي وكثرة الأسئلة التي وردتني بهذا الشأن وبعضها من علماء دين وشخصيات لها وزنها الإجتماعي.
* سألناه:
ولكن الشيخ ياسر يقول أنه يقف تحت سقف مرجعية سماحة السيد صادق الشيرازي وسكوت السيد ومكتبه عنه يفيد الرضا!!
* المهتدي:
إذا كنت تستمع لمحاضرات سماحة السيد المرجع (حفظه الله ورعاه) كنت تعرف البون الشاسع بين فكر السيد وأدبه الراقي وأسلوبه الأخلاقي وبين أسلوب ياسر الحبيب المستهتر بالقيم والآداب.. بتكفيره هذا وتفسيقه ذاك والإستهزاء بثالث والتمسخر برابع وبذكر الأسماء على مستوى المراجع والخطباء.. بينما سماحة المرجع السيد صادق (بالذات) معروف بالأدب والأخلاق والورع والحكمة وعفة اللسان.. حتى في جلساته الخاصة معي لا يتفوه بألفاظ البذاءة ضد أحد ولا يعلق على مخالفيه بكلمات الاستهزاء. وتلك محاضراته ومؤلفاته، إئتني بكلمة واحدة منها تشبه كلمات ياسر الحبيب المفخخة الذي لم يبق أحدا إلا نال منه حتى أنا المحسوب على مرجعية السيد الشيرازي والعامل فيها قرابة 36 سنة لم أسلم من لسانه ولسان المخدوعين به.
قبل يومين سمعت له مقطع فيديو في محرم (1434) يستهزء بي وأنا يومئذ في السجن أعاني من تعذيب النواصب.. فهو بلا ورع ولا خجل يسميني بالساذج ويشن هجوما علي بسبب قصة ذكرتها للإمام الخميني في كتابي (قصص وخواطر) يفسرها على حسب هواه بما هو بارع في التدليس المعهود عنه في بتر المواضيع التي يتناولها بتقصد. القصة هي أن عالما يأتي إلى السيد الخميني ويطلب منه مالا لبناء مدرسة في قريته ويبرر مشروعه باعتبار أن أهل السنة عندهم مدرسة هناك. ففهم السيد الخميني بأن القضية فيها روح التقابل والأنا وليس معها نية الإخلاص لله.
فرفض هذا الطلب نظرا لدافع الرجل!!
وكان تعليقي إيجابيا على هذا الموقف من السيد الخميني. بينما ياسر الحبيب مضافا لإهانته المتكررة لي وتحريفه للقصة وتدليسه يقول لمستمعيه أنظروا إن الخميني لا يريد خدمة المذهب لذلك لم يدعم بناء المدرسة!!
ولا أدري ماذا يقول الأخ ياسر هذا عن المجدد الشيرازي الكبير الذي ساهم في بناء مدرسة لأهل السنة في سامراء من أموال الإمام الحجة بن الحسن المهدي (أرواحنا فداه) إنطلاقا من قاعدة (المؤلفة قلوبهم)؟!
إنني لا أستغرب منه يوما أن يكفر حتى المجدد الشيرازي الثاني مرجعنا الراحل الذي يتكلم بقوة عن اتحاد المسلمين عبر أطروحاته السلمية في بناء الأمة الواحدة ونظام الشورى وإلغاء الحدود الجغرافية بين البلاد.. فهل الطرف الآخر لهذه المشاريع هو الواقع التعددي الموجود بين الشيعة والمسلمين أم أن هذه المشاريع خاصة بمن يفكر على الطريقة اللندنية بالتوقيع الياسري؟!
لا أدري.. ربما الأخ (سامحه الله) ينتظر اليوم الذي يقوى فيه عوده ليتكلم حتى على سيدنا المرجع الراحل.. بل لا أستغرب منه يوما أن يتكلم فيه على سماحة المرجع السيد صادق الشيرازي أيضا إذا قرأ رأيه حول التعايش ودعواته إلى اللين وعفة اللسان.. ومثله لا أعتقد أنه استمع يوما إلى شرح سيدنا المرجع لدعاء مكارم الأخلاق.. فكل مضامين هذا الدعاء الشريف التي جسدها مرجعنا في أفعاله قبل أقواله لم تجد لها طريقا إلى ياسر الحبيب (هدانا وهداه الله).
فأنى لهذا الرجل أن يمثل مرجعية الشيرازي التي تجسد العقيدة والأخلاق والفقه والحكمة والشعائر والعقلانية واللين والتسامح والمحبة وهي من صميم هدى القرآن وسيرة النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) الذي قال عنه رب العزة والجلال:
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
* سألناه:
شيخنا الجليل من خلال قصصك الكثيرة التي تنقلها في كتابك عن المرجع الراحل السيد محمد (رحمة الله عليه) نعرف مدى قربك منه ولكن بالنسبة لشقيقه المرجع السيد صادق منذ متى تعرفون سماحته؟
* المهتدي:
تعود معرفتي بشخصية المرجع الرباني سماحة السيد صادق إلى سنة (1978) يوم زرته في الكويت وعمري (18 سنة) جلست معه ساعة ثم واصلت لقائي به في قم المقدسة من أواخر سنة (1980) إلى (1982) ولكن كان لقائي به قليلا حيث الأكثر كنت أحضر عند شقيقه المرجع الراحل. ثم هاجرت إلى طهران ومتى ما كنت أعود إلى قم ألتقي به أحيانا والأكثر بشقيقه السيد محمد. ولكن بعد وفاة السيد وتقلد سماحة السيد صادق المرجعية في سنة (2002) كنت أسافر من البحرين وألتقي به وأتنهل من معينه بصفته أيضا مرجعي الذي أقلده وأنا وكيله.. ولكن طوال السنوات تلك لم أنقطع غالبا من استماعي لمحاضراته المسجلة وقرائتي لكتبه حتى وجدته في المجموع مصداقا لهذا الحديث الشريف عن الإمام الصادق (ع):﴿ إِنَّا لَنُحِبُّ مَنْ كَانَ عَاقِلاً فَهِماً فَقِيهاً حَلِيماً مُدَارِياً صَبُوراً صَدُوقاً وَفِيّاً. إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ خَصَّ الأنْبِيَاءَ بِمَكَارِمِ الأخْلاقِ فَمَنْ كَانَتْ فِيهِ فَلْيَحْمَدِ الله عَلَى ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ فَلْيَتَضَرَّعْ إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ وَلْيَسْأَلْهُ إِيَّاهَا.
قَال الراوي:َ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَا هُنَّ ؟
قَالَ هُنَّ : الْوَرَعُ • وَالْقَنَاعَةُ • وَالصَّبْرُ • وَالشُّكْرُ • وَالْحِلْمُ • وَالْحَيَاءُ • وَالسَّخَاءُ • وَالشَّجَاعَةُ • وَالْغَيْرَةُ • وَالْبِرُّ • وَصِدْقُ الْحَدِيثِ • وَأَدَاءُ الأمَانَةِ﴾.
* مداخلة:
ما أجمل هذا الحديث الشريف.. وماذا يمنع ياسر الحبيب من العمل به ليكف عن الناس لسانه السليط المتخبئ وراء الولاية والبراءة لقصف الداني والقاصي واستعداء الشيعة ضد بعضهم البعض.
مداخلة أخرى:
يبدو أن السيد المرجع ضعيف في ولائيته وبرائيته حيث لا يسب ولا يشتم ولا يستهزأ ولا يذكر الأسماء التي يذكرها ياسر؟!
* سألناه:
شيخنا العزيز.. هل الشيخ ياسر وكيل للمرجع الشيرازي؟
* المهتدي:
قبل أن يظهر بهذا المظهر العنفي صدرت له إجازة رواية من السيد المرجع. وهي لا تعني أمرا مهما في العرف الحوزوي. وأما وكالة وهي الأهم فليست عنده حسب مصدري المؤكد الموثوق الذي طلب مني عدم ذكر إسمه والذي قال أنه طلب وكالة وتم الرفض.
* سألناه:
لماذا إذن لا يصدر المرجع السيد صادق أو مكتبه بيانا يعلنون فيه أنه لا يمثل المرجعية؟
* المهتدي:
ليس من سيرة البيت المرجعي إصدار بيانات ضد الأشخاص. وهذه سيرة أكثر المراجع الكرام. وكم جاءت رسائل إلى السيد المرجع الراحل يطلبون منه كلمة يسطر فيها ضد السيد فضل الله. فكان يرفض. ومرة قال لي أن الرد يجب أن يكون الفكر بالفكر. ولذا كتب موسوعته (من فقه الزهراء) في ست مجلدات ولم يذكر انها ردا على تشكيكات فلان.
* مداخلة:
بالفعل هذا كلام منطقي. هذا السيد حسن الكشميري محسوب على مرجعية سماحة السيد الخامنئي ويخرج على قناة الكوثر باستمرار وقد ألف 4 كتابا ضد المراجع الأموات والأحياء ويذكرهم بالإسم وضد أولادهم وحاشيتهم يتهمهم بالفساد المالي والأخلاقي فلماذا السيد الخامنئي أو مكتبه لا يصدر ضده بيانا. فهل نستطيع القول بأن السيد القائد راض عما يكتبه وكيله الكشميري المؤيد للسيد فضل الله؟!
* سألناه:
إذن لماذا جماعة ولاية الفقيه يتهمون المرجع الشيرازي بما يتفوه به الشيخ ياسر في لندن وهم ساكتون عن الكشميري؟
* المهتدي:
لا أدري.. هذا السؤال يمكنك طرحه عليهم.
ولكني أقول أن الشيعة اليوم أمام ظاهرة فتنوية ذات وجهين.. وجه هو هذا المسمى بياسر الحبيب ومن لف لفه وغاب عقله وداس أخلاقه ولم يفهم المرجعية الشيرازية النزيهة فهما جامعا ودقيقا. ووجه آخر هم الذين ابتلوا بسكر السياسة وولاءاتها الدنيوية واستسهلوا واجب الثوابت الاعتقادية وراحوا يبيعون على السنة مبادئ الولاية لأهل البيت برخص الثمن.. حتى خرج الشيخ الرفسنجاني في مؤتمر الوحدة الاسلامية كما سمعته بنفسي مقللا من قيمة الإمامة وأهمية الخلافة والولاية. معتبرا أنها قضية تاريخية ولا ينبغي لنا الإشتغال بها اليوم. فهل هذا كلام حق أم كلام باطل؟! إنه كلام باطل بصريح الروايات التي تنص على أن الأحكام كلها من غير الولاية لا قيمة لها عند الله.
أليس من حق كل شيعي غيور على مذهبه أن يرد على الشيخ ويقول من فوض لك لتتكلم بالنيابة عن ملايين الشيعة ومراجعهم وعلمائهم بهذا الكلام الباطل؟!
نعم.. هاتان فئتان.. الأولى تحاول أن تلصق نفسها بجماعة المرجع الشيرازي الراحل (رحمه الله) وشقيقه سماحة السيد صادق (حفظه الله) لتظهر نفسها بمظهر الشرعية بين الشيعة وأنها المدافعة الوحيدة عن المذهب.. وأن من لا يتفق معها فهو ضال مضل ويجب جلده بالتشهير وتشويه سمعته بين الناس...
والثانية هي المحسوبة على إيران وحزب الدعوة العراقي المعروف قديما -قبل الثورة- بارتجاجاته العقائدية في الولائيات والشعائريات. وهم لا يختلفون كثيرا عن جماعة ياسر في التشهير وحرب التسقيط على المنافس.
إنهما فئتان تحتطبان وزر الفتنة بين المؤمنين وتدخلان السرور على أعداء مذهب أهل البيت (عليهم السلام) من حيث يعلمون أو لا يعلمون. وهذا مع الأسف يحدث في زمن ما أحوج المذهب وأتباعه المستهدفون إلى أعلى درجات الورع والحكمة وضبط النفس واللقاء والحوار والتعاون لينقذوا أنفسهم لا أقل من القتل والتفجيرات.. وأما إن كانوا يفكرون في المذهب وجمهور الشيعة الأبرياء فبطريق أولى كان يجب عليهم ترك الخلافات بالطريقة الإستعدائية.. وتبديلها إلى مناقشات علمية ودية هادفة أو تجميدها إلى وقت آخر.
* سألناه:
شيخنا وما هو الحل.. علما أن الطرفين (الشيرازيين المتشددين وجماعة ايران والدعوة) متفقان في مواجهة تكفيريي أهل السنة، وإنما يختلفان في الموقف من السنة غير التكفيريين، حيث الطرف الأول يربطونهم مع التكفيريين، بينما الطرف الثاني يرونهم إخوانا ويعملون للتقريب معهم؟
* المهتدي:
الشيرازي المرجع والشيرازيون المعتدلون لا يختلفون مع مبدأ الفصل بين السنة المعتدلين والتكفيريين القتلة.. هذا الفصل هو ما يجعل المرجع الشيرازي يخاطب المعتدلين منهم باللين ويدعو لمواجهة التكفيريين. إلا أن الخلاف هنا مع جماعة ايران والدعوة هو في التنازلات التي يقدمونها للسنة المعتدلين.. بينما المرجع الشيرازي لا يرى داعيا للتنازل.. فنحن نتعايش ويمكننا أن نتعاون في المشتركات من دون التنازل عن مبادئنا الولائية.
وهذا ما لا يدركه ياسر الحبيب من ناحية ويحسبه الايرانيون وحزب الدعوة أنه يعبر عن رأي المرجع الشيرازي. من الضروري تفكيك المسائل المتداخلة هنا وهو ما لم يتحقق في جو التوتر والنفوس المشحونة بالقديم المتجدد. وهذا ما يجعل الحل صعبا على العقلاء بين الطرفين.
من هنا فنحن نحتاج إلى إرادة رجال يفكرون بعقول كبيرة وهمم عالية وصدور واسعة وقلوب تحن إلى هداية الآخر وترأف به لأجل هدايته لا أن تستثيره بأساليب القهر والتشفي والإزدراء وتستعديه بأكاذيب الزور والكراهية والبغضاء.
لا أدري كيف سيأتي هؤلاء القوم إلى يوم الحساب وكلماتهم ومواقفهم تركت من ورائهم سننا سيئة في ترويج ثقافة المراء والتفرقة والضديات والكراهية إذ قد حملوا الشيعة معاناة فوق معاناتهم وسببوا في خروج بعضهم عن الدين وإن كانوا من حيث لا يقصدون؟!
* سأله أحد الحاضرين:
وصلني الليلة في الواتسب بأن جمعا من العلماء كتبوا رسالة الى سماحة السيد المرجع الشيرازي يطلبون منه أن يسحب ثقته عن الشيخ ياسر.. فرفض السيد.
* المهتدي:
أنا قبل ساعة وصلتني نفس الرسالة وفورا سألت عبر الواتسب مصدرا مقربا من البيت المرجعي بقم المقدسة فأجابني أن أصل الرسالة كذب وإشاعة. لم يكن هنالك سؤال ولا طلب ولا جواب.
* سألناه:
إن تكفير الشيعي بلسان شيعي آخر والتجاهر في لعنه والتمسخر به عبر توصيفه بكلمات سوقية.. لم نألفه من قبل حتى جاء ياسر الحبيب وخطابه التشاحني.. هذا يجب الوقوف بوجهه كيلا تتبدل آراؤه إلى ثقافة بين الشيعة.. فهل أنتم بصفتكم وكلاء المرجعية الشيرازية تحركتم في هذا المضمار؟
* المهتدي:
شخصيا موقفي واضح من أفكار ياسر الحبيب وتطاوله على غيره من دون رعاية الحكمة والأخلاق وموازين الأهم والمهم.. ما عدا تلك الأفكار التي يطرحها بأدلة قرآنية وعتروية وهي لا تكاد ترى بين دخانه العاتي مع الأسف.. وهناك كثير من الوكلاء وبعضهم من كبار المعروفين صارحوني بمخالفتهم لهذا الرجل وهم يتحركون للإصلاح بعيدا عن الأضواء لأنهم كما قالوا لي لا يحبون أن يشهر بهم بلسانه المنفلت ومؤيديه الذين لا يخلوا منهم من مخابرات دول وهو قد لا يعلم!!
هكذا قالوا وأضافوا ﻷنهم لا يشرفهم الوقوف تحت سقف واحد في المرجعية مع رجل جلب إليها وإلى الشيعة مشاكل ومشاحنات بخوضه في تكفير مراجع والتمسخر من العلماء والتنابز بالألقاب والتشهير بالأسماء...
نعم.. إنه عمل غير صالح وقد نهى عنه القرآن والعترة.. وهو سلوك صبياني لا يحبذ حتى للأطفال ولذا ترانا ننهى الطفل لما يستخدم هذه الألفاظ السوقية.. ولكنه المرض الذي كان بين البشر والمسلمين منذ القديم وقد نفذ اليوم إلى بعض الشيعة ودخل بين فئة تلصق نفسها بتيار المرجع الشيرازي.. بينما لما نقرأ فكر هذا الشيرازي العظيم من كتبه أو نسمعه من محاضراته لا نرى إلا عمقا في الأصالة وجمالا في الحداثة.. مما يعني أنه بريء من هذه الفئة براءة الذئب من دم يوسف.
فبالقطع واليقين هذه المرجعية هي أبعد ما يكون عن هؤلاء الفاشلين.. الذين لم ينجحوا سوى في جرأتهم على خلق عداوات وكأنهم قطب رحى الهداية وقد خصهم الله من العصمة والكمال ما خصها للنبي محمد وآله (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين)!!
نعترف أن جماعة الإمام الشيرازي كبقية الجماعات الشيعية وغير الشيعية قد بليت بنفر لم يؤتوا من عفة اللسان نصيبا ولم يذوقوا من حلاوة الحكمة طعما ولم يفقهوا من الدين إلا حرفا..
* مداخلة:
البعض يبرر لنفر من هؤلاء أن ما عانوه في السجون الايرانية زمن الإقامة الجبرية على المرجع الشيرازي الراحل التي فرضت عليه قرابة 20 سنة.. جعلهم اليوم يعيشون ردة فعل على سياسة الدولة آنذاك.
* المهتدي:
لا شك أن ذلك كان من الأخطاء الكبيرة للحكومة الإيرانية.. حتى رد علي أحد المسجونين في تلك الفترة المؤلمة بأن المهتدي ذاق في سجون آل خليفة الويلات فصار في موقف المعارضة ولو كان يذوق مثلنا في سجون الجمهورية لكان واحدا منا!!
ولكن في رأيي هناك فارق بين سجن هنا وسجن هناك ومن هم السجانون وما هي آثار المواقف بين الشيعة ومن المستفيد.. لذا كان جوابي للأخ أن الأولويات توجب علينا رد السيئة بالحسنة وأن ننتقد سياسة الايرانيين بورع وأدب لنبقي بيننا وبين الذين أخطأوا ما يميزنا عنهم في الأخلاق والتقوى. إذن كيف يحقق الإنسان تفوقه الأخلاقي في العمل بهذا النداء القرآني: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) وغيره كثير كثير...
كلامي هذا موجه حتى للإخوة في الجمهورية الاسلامية ولتيارها.. فالقرآن قرآن الجميع وعلينا جميعا أن نلتزم بآياته وخاصة من يكونوا في موقع السلطة لابد لهم من سعة الصدر وأن يتحملوا حرية الرأي ولاسيما إذا كان صاحبه فقيها بمستوى المرجعية وله ملايين المقلدين والمحبين في العالم مثل المرجع السيد صادق الشيرازي...
أليس الإمام أميرالمؤمنين (ع) قال:
"آلة الرئاسة سعة الصدر".
وحتى على فرض أن ياسر الحبيب مربوط بالسيد المرجع الشيرازي فعلى السلطات الايرانية أن يتذكروا كيف كان يتصرف الإمام علي مع المعارضة الفحاشة!!
وقد كان بحلمه وعطائه من بيت المال يهديهم أو يبعد شرهم عنه. فليس كل الحل في استخدام القوة ضد الآخر.. إنه حل مؤقت ولكنه على المدى البعيد تولد مضاعفات لأي أسلوب قمعي. فلابد للجميع من المعالجة باللاعنف الذي قال عنه الرسول الأعظم (ص):
"المسلم من سلم الناس من يده ولسانه".
وقال: "ما وضع الرفق على سيء إلا زانه".
وهذا قول ربنا عزوجل يحسم كل نزاع بين المسلم وأخيه المسلم:
(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
* سألناه:
لقد قرأنا استنفار أتباع السيد المرجع الشيرازي ضد الذين تهجموا عليه.. أما يعني هذا أنهم والشيخ ياسر الذي سبب للمرجعية الشيرازية هذه الأزمة يقفون في صف واحد؟!
* المهتدي:
من المؤسف جدا حصول خلط من الخصوم ومن الاصدقاء معا بين هذا المنهج الشيرازي الواضح وبين القلة الياسرية الصاخبة بالبذاءة.. هذا الخلط وقع فيه بعض جماعتنا الذين انبروا للدفاع عن المرجعية ولم ينتقدوا الذي جلب لها هذه الأزمة الجديدة التي ما كانت لتكون لولا هذه الفئة التي تعمل على خطف الأضواء على حساب عقلاء القوم!!
نعم لابد لنا أن نميز بين المرجعية الشيرازية الحقيقية وخطها السليم في الدفاع عن المذهب الحق بالأسلوب الأخلاقي الرفيع.. وبين الذين ورطوا المرجعية وتيارها الواسع في معركة ليست هي معركتهم...
وهنا أقولها وبملئ فمي.. وليسمعها الغيارى على مدرسة الإمام الشيرازي: إذا استولى هؤلاء التكفيريون التسقيطيون البذيئون على المرجعية الشيرازية فعلى الشيرازي والشيرازيين السلام!!
* مداخلة:
يا ليت هذه المدرسة الأصيلة تصمد أمام الطريقة الداعشية لياسر الحبيب الذي لم يبق أحدا من مراجع الشيعة وعلمائها وخطبائها وحتى المعتدلين من الشيرازيين أمثالك وأمثال سماحة المرجع المدرسي إلا وكفروه أو فسقوه أو استهزأوا به أو شتموه وهتكوا حرمته.. مثل هذا الفكر لو كان أصحابه مسلحون -والعياذ بالله- لقطعوا رؤوس من لم يركع لهم ولا يرقص على أنغامهم!!
* المهتدي:
عموما تأكدوا أن فكر سيدنا المرجع المفدى ليس إلا ما ذكرته لكم. وأن تسلل الآفة في أية جماعة ليست خاصة بالشيرازيين.. فما أكثر الياسريين لدى الآخرين إلا أن الفوكس الإعلامي له مآربه الإنتقامية من هذا الخط الولائي الأصيل.
نعم لابد من تنبيه المدافعين عن هذا الخط بأن لا يخلطوا بينه وبين من لا يمثله ولا هو ناطق باسمه ولا خطابه يشبه خطاب مؤسسيه ورواده الأوائل؟!
هذه المغالطة يجب كشفها للجمهور حتى لا يكون دفاعهم عن الحق دفاعا ضمنيا عمن تقمصوا الشيرازية ويعملون على تقزيم هذه المدرسة الشامخة وتحجيمها في أمور جزئية وبروح التحدي والاستعداء.. لقد كان فخرنا أن الفكر الشيرازي شمولي في التغيير والإنقاذ العالمي، وابتلينا اليوم بأفراد قشريين في فهم الدين وباسم الشيرازي العظيم يريدون مصادرته.
إن هذا الظلم لن نسكت عليه وليعرف جماعة ياسر أننا في يقضة لما يدور من مؤامرة خفية لهدم ما بنته المرجعية طوال عقود من الآلام والعطاء الموسوعي.
وأضاف الشيخ المهتدي قائلا:
لابد لنا في جماعة المرجع الشيرازي من عقلاء (استراتيجيين) يجلسون لترتيب الأولويات وإعادة النظر في الأوراق والملفات والتفكير بمساحة التشيع العابرة للحدود لا التشيع المحدود بالعقول الصغيرة.
ومن واجب الناس أن يميزوا بين المتطرفين الملتصقين بهذا الخط وبين المعتدلين المدافعين عن إرث الشيرازي المجدد المقروء منه والمسموع...
* قال أحد الحاضرين:
لقد دار نقاش بيني وبين شخص يبغض السيد الشيرازي وجماعته بشدة. فقلت لماذا تهينون هذا السيد وتتكلمون عليه؟ فقال منذ سنوات يسبون الإمام الخميني وقائدنا الخامنئي سب العرض والشرف ويخرجوننا من الدين والملة علنا في قناة فدك ومواقعهم الالكترونية ولدينا عليهم بالصوت والصورة.. والآن فليتحملوا الرد على رموزهم. فلماذا هم منزعجون لما يأتي التعامل بالمثل؟!
ماذا تقولون شيخنا العزيز؟
* المهتدي:
أقول كلام سليم ولكن كما قلت إن الإخوة المؤيدين لإيران أيضا يجب أن لا ينسوا فترة الثمانينات إذ فعلت الحكومة الايرانية بالشيرازي الراحل والعاملين في بيته ما لم يكن ينبغي لها أن تفعل. فمن ذلك الوقت أخذت الأمور خلال 33 عاما الى اليوم تتدحرج بفعل من طرف ورد فعل من طرف آخر واستغلتها المخابرات الدولية والإقليمية ونفخت فيها لتشغيل ماكنة الخلافات لئلا يقف الشيعة موقفا صحيحا من القضايا الكبيرة للتشيع والأمة.. وهذا عراق اليوم ومقدساتنا فيه والدم العراقي والخطر الداعشي لو كان الشيعة يتركون القيل والقال بينهم عملا بقاعدة الأهم والمهم لاختصروا الطريق إلى النصر وإيقاف حمام الدم البريء. ومثل العراق أحداث لبنان وسوريا وغيرها. ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟!
* مداخلة:
نعم يجب أن لا ننسى الإشكالات التي تصدر عن النظام الايراني.. فهم ليسوا معصومون كما يروج لهم مؤيدوهم.. أما يرون اهتمامهم بولاية الفقيه قد فاق اهتمامهم بولاية الإمام علي (ع)؟! فالذي يخالف ولاية الفقيه يدوسونه بشعارهم المعروف (مرگ بر ضد ولايت فقيه) وأما الذين يخالفون ولاية الإمام علي يسمونهم إخواننا السنة ويدفعون الملايين لحماس الفلسطيني الناصبي الذي انقلب عليهم في سوريا وخان حزب الله اللبناني!!
فالتطرف الذي ينتقدونه في بعض جماعة السيد الشيرازي ليس بأكثر من تطرفهم!!
* وهنا ختم سماحة الشيخ المهتدي (حفظه الله) حديثه قائلا:
الأخطاء والإشكالات يا أخي موجودة عند الجميع.. إيرانيين وشيرازيين والدعوجيين وغيرهم.. ونبقى كلنا تحت سقف الإسلام وولاية أهل البيت.. وبتعاليمهم نعالج كل تلك الأخطاء.. فمثلا في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين وعهد الإمام علي لمالك الأشتر وروايات تربية النفس وكنس العيوب منها قبل الذهاب إلى نقد الآخرين توجد حلول سهلة لو كنا نقرأها بعين الهدفية ونطبقها بروح الإخلاص لله تعالى.
وهنا أضاف العلامة المهتدي قائلا:
اسمحوا لي أن أقرأ من تلك الروايات ما ينشره أحد علمائنا الأجلاء المقيم في الدنمارك:
قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
✧ اشتغالك بمعائب نفسك يكفيك العار.
✧ الكيس من كان غافلا عن غيره ولنفسه كثير التغاضي.
✧ أفضل الناس من شغلته معايبه عن عيوب الناس.
✧ شر الناس من كان متتبعا لعيوب الناس عميا عن معايبه.
✧ عجبت لمن ينكر عيوب الناس ونفسه أكثر شيء معابا ولا يبصرها وعجبت لمن يتصدى لاصلاح الناس ونفسه أشد شيء فسادا فلا يصلحها ويتعاطى اصلاح غيره.
✧ كفى بالمرء غباوة أن ينظر من عيوب الناس إلى ما خفي عليه من عيوبه.
✧ كفى بالمرء جهلا أن يجهل عيوب نفسه ويطعن على الناس بما لا يستطيع التحول عنه.
✧ لينهك عن معايب الناس ما تعرف من معايبك.
✧ ليكف من علم منكم من عيب غيره لما يعرف من عيب نفسه.
✧ من أبصر عيب نفسه لم يعب أحدا.
✧ من بحث عن عيوب الناس فليبدأ بنفسه.
✧ من أنكر عيوب الناس ورضيها لنفسه فذلك الأحمق.
✧ لا تتبعن عيوب الناس فإن لك من عيوبك (إن عقلت) ما يشغلك أن تعيب الناس.
المصدر:
جامع احاديث الشيعة
للسيد البروجردي ج 14 ص 202
إعداد:
علي حسين الجابر
2014/1/26
ملاحظة من سماحة الشيخ (دام ظله):
راجعنا ما كتبه الأخ الفاضل علي الجابر ونتبنى منه فقط ما هو تحت إسمنا.. ومن الله السداد في إصلاح ما فسد من أمور المسلمين وهو المستعان وعليه التكلان.
داعيكم..
عبدالعظيم المهتدي البحراني
تعليق