إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

أمــر جلــل علـى وشــك الحــدوث فـي لبنــان

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أمــر جلــل علـى وشــك الحــدوث فـي لبنــان

    6/2/2014


    * أمــر جلــل علـى وشــك الحــدوث فـي لبنــان (1)



    أحمد الشرقاوي
    خاص - بانوراما الشرق الاوسط

    ما يميز التقديرات الموضوعية، أنها لا تخضع لمنطق الأهواء، ولا تنقاد وراء العواطف والمتمنيات، بقدر ما تتحكم فيها المعطيات القائمة، وتوجهها المؤشرات الدالة، بغض النظر عن قوانين المتغيرات الطارئة التي قد تؤثر في النتيجة فتأتي بعكس المقدمات الصحيحة، وهو أمر نادر الحدوث، لكنه الإستثناء الذي يؤكد القاعدة.

    كنت قد بدأت لتوي بكتابة مقال بعنوان: “إسرائيل هي أملنا الوحيد في مواجهة العدو”، وهو العنوان المستوحى من تصريح للأمير ‘تركي الفيصل’ نقله عنه بأمانة وإخلاص رئيس “مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية” الصهيوني ‘مالكولم هونلاين’ عقب إنتهاء مؤتمر ‘دافوس’ الأخير، وكشفه بسرور وابتهاج لصحيفة “هآرتس” الصهيونية أمس.

    ‘هونالاين’ قال للصحيفة العبرية، أن هذا التصريح سمعه بأذنيه من الأمير، الذي أسرّ له أيضا: “إننا ندين إسرائيل علنا، لكننا نصلي لأجلها فعلا”، موضحا أن العدو الأوحد والوحيد بالنسبة للزعماء العرب هو “إيران” وحليفها “حزب الله” في لبنان، وأن القادة العرب، وخصوصا في الخليج: “ضجروا تماما من الفلسطينيين، ولم يعودوا يثيرون موضوعهم”.

    من هنا يفهم سر إصرار أمراء الزيت والخيانة على مسح فلسطين من ذاكرة الأجيال العربية الجديدة، وإستبدال العدو الصهيوني بالعدو المسلم “الشيعي”، فقط لأنه مقاوم يرفض هيمنة الإستكبار الأمريكي، والإحتلال الإسرائيلي، والعربدة الوهابية الفاجرة في العالم العربي والإسلامي.

    فجأة، تزاحمت عديد المؤشرات في عقلي، فاستبدت بتفكيري، وخلطت كل الأوراق في مخيلتي.. ثم من حيث لا أدري، فرضت عليّ توجها معينا في الطرح، ومسارا مغايرا في المعالجة، ومغامرة تشبه المقامرة لجهة نتيجة التقديرات التي لا أعرف إلى أين ستنتهي.. وأتمنى من أعماق قلبي أن أكون مخطئا، وأن يكون ما حل بي هو مجرد هوس لا علاقة له بالواقع، وأن الأحداث القادمة ستثبت عدم صحة ما رسخ بذهني من صورة قاتمة لا أتمنى حدوثها.

    هكذا قررت فجأة استبدال موضوع “التحالف الخليجي – الإسرائيلي” بموضوع ” أمــر جلــل علـى وشــك الحــدوث فـي لبنــان”، وسأحاول معالجة المسألة من أوجه مختلفة لكنها مرتبطة بعضها ببعض بشكل وثيق.

    أمريكــا تراهــن علـى الوهــم فـي سوريـــة

    بفشلها في سورية، ووصولها إلى قناعة بأن إسقاط النظام السوري في دمشق أصبح من سابع المستحيلات، نظرا لإستعادة الرئيس الأسد زمام المبادرة السياسية والعسكرية في سورية، خصوصا بعد أن تأكد للجميع إخلاص ووفاء المؤسسة العسكرية لقائدها الأعلى، وتمسك غالبية الشعب السوري بالدولة والنظام القائم، بما في ذلك المعارضة الداخلية، في مقابل فشل “الإرهاب” في تغيير موازين القوى على الأرض، وفشل المعارضة “المُدجّنة” في إقناع الجماعات المقاتلة في الداخل السوري بتمثيلها سياسيا في مفاوضات “جنيف”، انهار مشروع التغيير في سورية، ما يعني أن الإدارة الأمريكية فشلت في إسقاط النظام عسكريا من خلال الإرهاب، وسياسيا أيضا من خلال “إئتلاف” الخونة الذي لا يمثل أكثر من 3% من السوريين المغرر بهم وفق ما أكدته إيران على لسان مساعد وزير خارجيتها السيد ‘أمير عبد اللهيان’ في تصريح له لقنا
    ة الميادين الأربعاء.

    الأنباء تتحدث اليوم عن قبول ‘الجربا’ بعد إجتماعه مع ‘لافروف’ في موسكو، بتوسيع “إئتلاف” المعارضة ليضم بقية الفصائل الداخلية والخارجية تحت لوائه، الأمر الذي ترفضه هذه الفصائل وتصر على الحضور بصفتها المستقلة، ويتعلق الأمر ببقية مكونات موزاييك الشعب السوري، وهؤلاء يتكونون من أحزاب، وتجمعات سياسية، وعشائر، وأكراد، وسنة، وعلويين، ودروز.

    وهو الأمر الذي يحتم من وجهة نظر منطقية وعملية أن تتم المفاوضات بين النظام ومختلف هذه المكونات في الداخل السوري، وهو ما ترفضه الإدارة الأمريكية وتصر على أن يتم ذلك في “جنيف” برعاية مظلة دولية موسعة تشمل بالإضافة إلى أمريكا ورسيا، إيران والسعودية وتركيا، باعتبارها دول إقليمية كبيرة ومؤثرة في الأزمة السورية، وهو ما تؤيده روسيان لكنها تصر على أن تكون كلمة الشعب في صناديق الإقتراع هي الحكم الفصل في مسألة شرعية الرئيس ‘الأسد’، وذلك لإرساء ديمقراطية تشاركية حقيقية في سورية، لا تكون على مقاس الرؤية الأمريكية والسعودية التي تسعى لتحويل سورية إلى “لبنان 2″ متعدد الولاءات للقوى الدولية والإقليمية، الأمر الذي ينعكس على القرار السيادي الخارجي والداخلي معا.

    وفي حال صحت هذه المعلومة، فمن غير المؤكد أن تقبل السعودية بالجلوس مع إيران للتفاوض بشأن سورية، كما أنه من المستحيل أن تقبل بقية الفصائل المعارضة بالجلوس إلى طاولة الحوار تحت مظلة عملاء أمريكا (الإئتلاف) كما تشترط أمريكا، كما لا نعتقد بأن الإقتراح الأمريكي في جوهره، وإن بدى مقبولا شكلا، يصب في صالح الشعب السوري، بل كل المؤشرات تؤكد أن ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية، هو محاولة كسب بالمناورة السياسية ما فشلت في تحقيقه بالإرهاب على الأرض، وفي سبيل ذلك، تعتزم إقالة السفير ‘روبيرت فورد’ وإستبداله بشخصية أكثر دهاءا، خصوصا بعد أن إعترف الوزير ‘جون كيري’ (أبو بطاطا) بتعبير الزميل ‘طوني حداد’، بأن السفير ‘فورد’ لا يملك رؤية واضحة بشأن الحل في سورية، ورحيله من شأنه أن يفجر “إئتلاف” العملاء الذي صنعه على مقاسه، لأنه هو صاحب نظرية دخول كل أطراف المعارضة تحت لواء “الإئتلاف”، كشرط لإستدعائه للمشاركة في ‘جنيف’.

    وبذلك، تعود أمريكا من جديد، بحلة جديدة، واستراتيجية مغايرة، من بوابة “الخديعة”، للرهان على الوهم في سورية، أن جوهر مقاربتها هذه المرة يقوم على عامل معاكسة الوقت، لقطع الطريق أمام إمكانية حلول تاريخ الإنتخابات الرئاسية التي تؤكد كل التقديرات الإستخباراتية أن الرئيس ‘الأسد’ سيكسبها بنسبة أكثر من مريحة، وسيحظى حينها بشرعية دستورية وشعبية يستحيل على أمريكا أو غيرها الطعن فيها، وهذا هو سر اللعبة السياسية الأمريكية الجديدة مع الإصرار على إستمرار القتل وسفك الدم السوري على الأرض ورفض وقف العنف ومحاربة الإرهاب أو تجفيف منابعه.

    لكن يبدو أن خيوط اللعبة هذه المرة ستنفلت من يد أمريكا مع ظهور بوادر لتمدد الإرهاب إلى دول إقليمية وأوروبية وإلى أمريكا نفسها، بالإضافة لمخاطر التفجير الذي قد يطال المنطقة، لأن محور المقاومة غير مستعد لتحمل دفع الأثمان من دمائه الزكية لوقت أطول، في حين تهنأ السعودية والأردن وإسرائيل بالأمن والإستقرار.

    من هنا يفهم معنى تصريح مدير المخابرات الأمريكية الذي أدلى به الثلاثاء، بقوله أن “الإتفاق الكيميائي يعمل لصالح الرئيس الأسد”، ويفهم منه سياسيا أن مهلة تسليم الكيميائي لتدميره لن تكون قبل متم منتصف العامل الحالي، ما يضمن لـ’الأسد’ الترشح للإنتخابات المقبلة. وبسبب ذلك، نجد أن الإدارة الأمريكية وجوقة الدول الأوروبية بدأت حملة تصعيد جديدة مطالبة بتسريع نقل السلاح الكيميائي من مخازنه لميناء طرطوس، في حين خرج مساعد وزير الخارجية السوري الأربعاء ليقول، أن الإرهاب لا يسهل عمل الحكومة في هذا المجال، ما فهم منه أن التسليم قد يتأخر عن الموعد المقرر، وأن إحترام سورية لإلتزاماتها الدولية يتطلب من المجتمع الدولي إحترام إلتزاماته بمحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه. هذا يعني أن مسألة تسليم السلاح الكيميائي ستكون البوابة المقبلة لإعادة الملف السوري إلى مجلس الأمن من أجل الضغط على سورية وروسيا معا.

    أمريكــا تراهــن علـى الوهــم فـي لبنـــان

    وحتى تعدل من خطتها بناء على تجربة المؤامرة السابقة التي افشلها حزب الله في معركة القصير، قررت هذه المرة زعزعة الإستقرار في لبنان من خلال التفجيرات الإرهابية التي تستهدف بيئة “حزب الله”، وفي ذات الوقت التحضير لعدوان إسرائيلي أصبح محتملا ضد حزب الله، وهو ما تراهن على نجاحه السعودية وإسرائيل من خلال تسونامي الهجمات الإرهابية المقرر أن تقوم بها قوى الإرهاب في الداخل، والتي تؤكد معلومات أمنية أنها إستكملت حوالي 80% من بنياتها التنظيمية في إنتظار ساعة الصفر.


    غير أن شروط نجاح مثل هذا العدوان الأمني، تتطلب بالإضافة لسلاح الإرهاب في الداخل، إعداد الظروف المناسبة للتفجير السياسي، لتبرير العدوان الصهيوني الخارجي، وإضفاء نوع من الشرعية الدولية المضللة عليه، خصوصا بعد أن تحول حزب الله إلى منظمة “إرهابية” مدرجة على القوائم السوداء الأمريكية والأوروبية والخليجية أيضا.

    ســـر وراء سرقـــة الحكومـــة

    لم تجد الإدارة الأمريكية في هذا الصدد خير من خيار تشكيل حكومة أمر واقع “جامعة” بشروط تعزيزية غير مباشرة، تستهدف “حزب الله” عبر تيار “التغيير والإصلاح”، ما سيدفع بحلفاء ‘ميشيل عون’ في 8 أذار إلى الإستقالة من الطبخة الجديدة تضامنا معه، الأمر الذي سيؤدي إلى إستبدال الحكومة القائمة بحكومة تصريف أعمال تتحكم في قراراتها المصيرية قوى “14 سمسار” برئيس “طرطور” بالإضافة لإستحواذ هذا الفريق العميل على حقيبة الداخلية والدفاع الحساسة، ما سيؤدي حتما إلى إلغاء الإنتخابات الرئاسية وتعليق الإنتخابات البرلمانية لإستحالة التوافق على قانون جديد بديل عن قانون الستين، وبالنتيجة، سقوط إتفاق الطائف ونهاية الدستور وإلغاء أحجية العيش المشترك، ولبنان الرسالة، ومعادلة “الشعب والجيش والمقاومة” و “إعلان بعبدا” وكل أدبيات الإنتقال إلى الدولة ولبنان أولا… بهدف سرقة الحكومة للإجهاز على الدولة وتحويل لبنان إلى قاعدة عسكرية أمريكية لإستهداف مشروع محور المقاومة في المنطقة.


    و وفق المعلومات، فقد أصدرت الإدارة الأمريكية وليس السعودية كما يعتقد، أوامرها لـ”ناتور بعبدا” بتعبير الزميل ‘طوني حداد’ ليمضي بمعية الرئيس المكلف تمام سلام بإتجاه حكومة “أمر واقع” (جامعة بمن حضر). وقد كان لافتا التوقيت الذي أعلن فيه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي ما أسماه بـ”المذكرة الوطنية” التي تتضمن الثوابت التي تؤمن بها الكنيسة المارونية بتنسيق مع الكنيسة الرومانية المعروفة بإنحيازها للمواقف الغربية، بخلاف الكنيسة المشرقية المعروفة بإستقلالية قرارها.

    وإذا كانت الكنيسة اللبنانية تقول أن الوثيقة الجديدة “القديمة” تطرح الهواجس التي تراود الشعب اللبناني وترسم أسس المستقبل وتحدد الأولويات التي يتمسك بها اللبنانيون، من أجل مستقبل أفضل على أساس العيش والميثاق الوطني. فإن أهم ما ورد في المذكرة يضرب في العمق هذه الثوابت التي تروج لها الكنيسة. وهو ما يفسر سرعة الإشادة بها من قبل الرئيس ‘ميشال سليمان’ و المراهق الأرعن ‘سعد الحريري’، في حين إلتزمت كل مكونات 8 أذار الصمت حتى ساعة كتابة هذا المقال.

    ومهما يكن من أمر، فمن حق البطريرك الراعي أن يعبر عن وجهة نظر الكنيسة المارونية، لكن ليس من حقه الحديث في السياسة باسم المسيحيين ولا اللبنانيين بمختلف مكوناتهم السنية والشيعية والدرزية، لأن مكان الحوار السياسي هو طاولة الحوار الوطني التي يجب أن تعالج القضايا السياسية الإستراتيجية الكبرى التي تهم لبنان واللبنانيين جميعا.

    وعليه، فحديث البطريرك عن الإبتعاد عن سياسة المحاور، والحياد الإيجابي، وحصرية شرعية السلاح في يد مؤسسات الدولة ما يلغي معادلة “الشعب والجيش والمقاومة” في غياب الدولة القوية العادلة والمستقلة، هو كلام في غير وقته ولا محله، ويمكن أن يشكل إستراتيجية بعيدة المدى لبناء لبنان القوي المستقل الذي يتحدث عنه البطريرك الراعي، وسبقه إلى ذلك سماحة السيد حسن نصر الله، لكن أدوات أمريكا والسعودية في فريق 14 الشهر، رفضوا ما تفضل به إمام المقاومة، لأنهم لا يفهمون الدولة إلا بمعنى سيطرتهم على مفاصلها وكل تفاصيل مؤسساتها خدمة لمصالح الأمريكي والصهيوني في المنطقة، وهذا أمر أصبح واضحا للجميع.

    كل المعطيات تؤكد أن الإعلان عن حكومة “الأمر الواقع” سيتم الخميس أو الجمعة على أبعد تقدير، وبذلك يمكن القول أن لبنان سيدخل في نفق مظلم جديد، لأنه بإقدام الرئيسين على هذا الإجراء غير الدستوري والذي يناقض مبدأ العيش المشترك، سيسقط إتفاق الطائف والدستور وبيان بعبدا ووثيقة بكركي وكل الخطابات السابقة، ليبدأ التأسيس للبنان جديد لن يولد هذه المرة من توافق وطني برعاية إقليمية أو دولية لإعادة إنتاج نفس المآزق والعوائق والمطبات، بل لبنان الحر السيد القوي بشعبه وجيشه ومقاومته على أسس مغايرة، لا يكون فيها للطوائف والمذاهب مكان، دولة المواطنين الشرفاء الأحرار.. غير هذا، لا حل للبنان في مستقبل المنطقة.

    لأنه آن الأوان ليدرك اللبنانيون أن كل الدول بها قبائل وطوائف ومذاهب وملل ونحل، لكن الولاء لا يكون إلا للوطن الجامع دون سواه، وهذا وحده هو الضمانة لحماية لبنان من البلقنة ونار الفتن المتنقلة والخلافات القاتلة، لأن أواصر لحمة الإجتماع السياسي لا يمكن تعزيزها بين مختلف مكونات المجتمع إلا في بوتقة الدولة المدنية العادلة، الدولة المستقلة السيدة التي تسع الجميع، ولا تلغي أحدا، بغض النظر عن دينه ومذهبه وعرقه وإنتمائه السياسي ومشربه الفكري.

    أمريكـا تحـذر رعاياهـا من السفـر إلى لبنــان

    أصدرت السفارة الأميركية في لبنان الأحد الماضي، بيانا أعلنت فيه أن “وزارة الخارجية الأميركية قامت بتحديث تحذير السفر إلى لبنان” موضحة أن وزارة الخارجية قلقة إزاء الحوادث الأخيرة المتعلقة بالأمن في البلاد، وتكرر نصيحتها الدائمة للمواطنين الأميركيين بتجنب السفر إلى هذا البلد، ودرس المسألة بعناية والتسليم بالمخاطرة في حال قرروا السفر”.


    الوكالات والمواقع الإعلامية التي أوردت الخبر بررت البيان الأمريكي بما تشهده الساحة اللبنانية من تنامي لظاهرة التفجيرات الإرهابية وانعكاس الأزمة السورية على الداخل اللبناني. وقد يبدو هذا التبرير مقنعا “نظريا” للذين يربطون بين “التحذير الأمريكي” و “الظاهرة الجهادية” التي يعرفها لبنان حاليا، لكن إذا طرح السؤال الصحيح، يصبح مثل هذا الربط غير قائم “عمليا”، لأن “الإرهاب الوهابي” الذي ترعاه أمريكا والسعودية وإسرائيل في لبنان، لا يستهدف مصالح هذه الدول التي تموله وتسلحه وتوفر له البيئة الحاضنة وتخطط له أهدافه، بل يقتصر الإستهداف عموما على بيئة “حزب الله”، باستثناء تفجيرات طرابلس وسفارة إيران التي تقف ورائها مخابرات الدول الراعية للإرهاب، والتي كانت تسعى من خلالها إلى تفجير فتنة مذهبية “سنية – شيعية”، لكنها لم تفلح في ذلك، بسبب أن الإرهابيين الأغبياء غير قادرين على ذلك، في حين أن حزب الله العاقل والقادر على سحق مجاميعهم لا يريد الإقدام على هكذا مغامرة في هذه المرحلة المبكرة، تجنبا للسقوط في “فخ” الفتنة المنصوب له بإحكام.

    أمريكـا تحـذر رعاياهـا من السفـر إلى فلسطيــن

    ما
    يؤكد ما ذهبنا إليه أعلاه، هو البيان الأمريكي الثاني الذي صدر عن وزارة الخارجية الأميركية أمس الثلاثاء، والذي يتضمن تحذيراً للمواطنين الأمريكيين من السفر إلى “إسرائيل” والأراضي الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة، مطالبةً إياهم باتخاذ أقصى درجات الحيطة في القطاع وفي مناطق جنوب “إسرائيل” القريبة منه. بل ومنعت حتى الموظفين الحكوميين الأميركيين من التنقل في قطاع غزة كاملاً، وفي الضفة الغربية كاملة باستثناء رام الله وأريحا (لكن بترتيب مسبق)، ومن استعمال المواصلات العامة. كما دعا بيان الخارجية الأميركية مواطنيها إلى تجنب التجمعات الكبيرة في كامل المدن الإسرائيلية، بما في ذلك القدس، وتجنب الإقتراب من هضبة الجولان، في شمال “إسرائيل”.
    ومرة أخرى تعامل الإعلام بخفة من البيان الثاني، ولم يتم ربطه بالأول، وقال معلقون، وفق ما أفادت قناة “الميادين”، أن هذا البيان جاء بعد الانتقادات الإسرائيلية التي طالت تصريحات ‘جون كيري’ الأخيرة التي ألمح فيها إلى إمكانية فرض عقوبات إقتصادية على إسرائيل في حال فشل مفاوضات السلام مع الفلسطينيين.. فهل هذا معقول؟؟؟…

    ومهما يكن من أمر، فمما لا شك فيه، أن الربط بين الساحة اللبنانية و”إسرائيل” و فلسطين المحتلة، بالإضافة إلى التوقيت الذي جاء فيه البيانان، يطرح أكثر من علامة إستفهام حول ما يحضر للداخل اللبناني بواسطة “الجهاديين” ومن الخارج بواسطة “إسرائيل”.

    أما الرد من قبل حزب الله، فيمكن القول أنه بدأ على المستوى الداخلي بشكل كاسح وبتعاون وتنسيق مع الجيش السوري على كامل الحدود السورية اللبنانية لسد الطريق أما حركة تنقل الإرهابيين من وإلى لبنان، وخصوصا السيارات المتفجرة والصواريخ العابرة للحدود التي تستهدف الضاحية الجنوبية، بالإضافة للإجراءات الأمنية الوقائية التي إتخذها الحزب في مداخل الضاحية الجنوبية، والتجهيزات المتطورة التي وضعها في المواقع الحساسة بعد أن استقدمها مؤخرا من إيران ويتعلق الأمر بأجهزة الكشف المتقدم “سكانيرز” وكاميرات رقمية متطورة ومجسات عالية الحساسية لرصد المواد المتفجرة.

    الجيـش العربـي السـوري يتخـذ إجـراءات مفاجـئة

    * الأسبوع المنصرم، وبالتحديد يوم 30 من شهر كانون الثاني/يناير من السنة الجارية، ذكر الكاتب والصحفي المقاوم الزميل ‘حسين مرتضى’ في تقرير له من الميدان، أن الجيش العربي السوري قام بعملية خاطفة قرب الحدود مع لبنان، إستعاد من خلالها تلال النعيمات والعبودية قرب جوسية بعرض
    7 كلم وعمق 27 كلم وقطع التواصل بين عرسال و القلمون التي شارفت المعركة فيها على الحسم، مشيرا إلى أن تلك المناطق التي يتجمع المسلحون القادمين من عرسال اللبنانية للتوجه نحو عدة مناطق منها معبر جوسية ومعبر العبودية واحياناً نحو وادي خالد وتل كلخ، والتي تستخدمها المجموعات المسلحة كمنصات اطلاق صواريخ، على مناطق عديدة في البقاع اللبناني ومنها مدينة الهرمل، قد تم السيطرة عليها وأنشأ الجيش العربي السوري فيها عدة غرف عمليات وكمائن لإصطياد أرتال السيارات القادمة من لبنان نحو سورية وصلت إلى 60 كمين، وأصبح من الصعب على الإرهابيين التحرك كما كانوا يفعلون من قبل. وأن الجيش العربي السوري مصمم على تجفيف منابع الامداد اللوجستي للمسلحين، عبر هذا المحور، و المحاور الاخرى المنتشرة عبر جبال القلمون.

    * بعدها، ودون سابق إنذار، قررت السلطات السورية من جانب واحد، مساء السبت المنصرم، وبشكل مفاجئ، إغلاق نقطتي العبور الشرعيتين بين لبنان وسوريا، في “العبودية” و “العريضة”، ومنع العبور بالاتجاهين. ولم تعرف أسباب هذه الخطوة المفاجئة.

    * يوم الأحد الماضي، ذكرت مصادر مطلعة، أن “حشودا عسكرية سورية ضخمة مؤللة ومجهزة بالمدفعية الثقيلة تمركزت على الحدود مع لبنان، معززة بالدبابات مقابل عكار”. ولم ترد توضيحات بشأن هذا التحرك الجديد، فيما ذهبت بعض المصادر للقول: انه “يتوقع ان تكون هذه التعزيزات تمهيدا لعملية عسكرية ضخمة يحضر لها الجيش السوري باتجاه حمص”. وقالت مصادر أخرى، أن هذا الحشد الضخم لا علاقة له بمعركة حمص التي زارها قائد الجيش السوري مؤخرا، ووضع الترتيبات اللازمة لتصفية فلول الإرهابيين إنطلاقا من محيط المدينة، لا من حدود عكار، وأن الأمر قد يكون له علاقة بمعلومات وردت عن أحداث ستعرفها الحدود اللبنانية السورية.

    * يوم الإثنين، أفادت الأنباء عن أن الجيش اللبناني اتّخذ من جهته تدابير مُشددة على الحدود اللبنانيّة الشماليّة، وخصوصا قرب مُجّمعات النازحين التي تحوّلت الى ثكنات عسكريّة يختبأ فيها فلول الإرهابيين. وفي المعلومات، فقد عاش سكان القرى الحدودية حالة من الترقب والقلق حيال ما شهدته الساحة من اشتعال شمل المنطقة الحدودية كلها في عكار. وافاد مصدر في 8 آذار ان هناك مجموعات دخلت الاراضي السورية من عكار كان برفقتها مشايخ افتوا خلال الهجوم بذبح الأهالي، وان من ضمن هذه المجموعات مقاتلين من جنسيات عربية واجنبية من غير المستبعد ان تكون منتمية لتنظيم “القاعدة” الإرهابي.

    وأشارت مصادر صحفية إلى أنه قد اتخذت تدابير استثنائية على ضفتي النهر الكبير من الجيشين اللبناني والسوري، حيث شوهدت آليات الجيش السوري ووحداته العسكرية تتموضع من جديد على طول الحدود، كما شوهدت على الضفة اللبنانية وحدات الجيش اللبناني تتموضع بالمقابل لمنع المجموعات المسلحة من تنفيذ اعتداءات أو التسلل من وإلى الداخل السوري.

    * أول أمس الثلاثاء، أفادت معلومات صحفية، أن الجيش السوري اتخذ قرارا حاسما بتنظيف الجيوب المحاذية للاراضي اللبنانية كاملة، وأن الايام المقبلة ستكون للميدان بامتياز، وأن فتح الجبهة على الحدود السورية – اللبنانية سيصيب لبنان بأضرار، خصوصا ان عدد المقاتلين اللبنانيين في قلعة الحصن كبير، كما ان قتلى لبنانيين سقطوا خلال الايام الماضية عند منطقة وادي خالد. فيما الجيش اللبناني نفذ اعتقالات بحق عدد كبير من المسلحين السوريين هربوا الى لبنان.

    وتشير المعلومات، ان الإستعجال في فتح معركة ‘يبرود’ يعود إلى أن معظم السيارات المفخخة يتم تحضيرها في ‘يبرود’ بالدرجة الاولى والمخيمات الفلسطينية بالدرجة الثانية، وهذا ما عجّل في اتخاذ قرار بحسم المعركة، لأن التخفيف من العمليات الانتحارية بات يتطلب تنظيفا على الارض لمدينة ‘يبرود’ وبعض ريف دمشق.

    فــي خلاصــــــة أولـــى

    ما يمكن إستخلاصه من المعلومات الواردة أعلاه، هو أن قرارا بالحسم على الحدود السورية اللبنانية قد اتخذ في دمشق لإنهاء ظاهرة السيارات المفخخة والصواريخ العبثية التي تهدد معاقل حزب الله إنطلاقا من ‘يبرود’ و’عرسال’ وغيرها، وأن الجيش السوري عازم على تطهير كامل الحدود من فلول الإرهابيين وشل حركتهم، كما أن الجيش اللبناني بدأ يتحرك في منطقة عكار و عرسال وبعض القرى الحدودية لمحاصرة الإرهابيين.


    وتعتبر هذه التحركات الجديدة والمفاجئة، خطوة أولى لحماية ظهر المقاومة في لبنان من غدر التكفيريين، وإفشالا للمخطط الذي كان يرمي لشن هجوم منظم على “حزب الله” من الإرهابيين في الداخل وعبر الحدود السورية اللبنانية لإشغاله، في حين تتولى إسرائيل دك معاقله بعدوان غاشم تستهدف خلاله المدنيين بحجة أن حزب الله يخبأ الصواريخ تحت مساكن المدنيين في مدن وقرى الجنوب ويستعملهم كدروع بشرية.

    لكن ماذا عن تحرك “حزب الله” في الداخل ضد التكفيريين، وما الذي يعتزم الحزب وحلفائه فعله في مواجهة المؤامرة السياسية ألامريكية ضد حكومة “الأمر الواقع” المشبوهة، وما حقيقة التصعيد والتهديد “الإسرائيلي” ضد “حزب الله”؟… هذا ما سنتحدث عنه في الجزء الثاني من هذه المقالة بحول الله.

  • #2
    7/2/2014


    أمــر جلــل علـى وشــك الحــدوث فـي لبنــان (2)

    أحمد الشرقاوي
    خاص - بانوراما الشرق الاوسط

    أزمـة حكومـة أم أزمـة نظـام دولــي؟



    إن الذين يعتقدون أن إستقرار الوضع الأمني في لبنان منوط بتأليف حكومة سياسية جامعة، يتجاهلون من حيث يدرون أو لا يدرون، أن الإرهاب الذي يضرب في لبنان كما في سورية والعراق، لا علاقة له بالأوضاع السياسية الداخلية في هذه البلدان، بل بمخطط دولي، تنفذه أدوات إقليمية ومحلية، بهدف تكريس الهيمنة على قرارها السياسي، خدمة لمصالح إستراتيجية، وخرائط نفوذ جيوسياسية.


    الأمر بالمحصلة، يتعلق بصراع بين مشروعين متناقضين في الشكل والمضمون، مشروع إمبريالي صهيوني استعلائي وإلغائي مهدد للإستقرار، يسعى لفرض هيمنته على أنظمة الحكم القائمة بمنطق “فرق تسد” ومنطق “القوة الناعمة” و “الفوضى الخلاقة” و “الحروب بالوكالة”، لنهب مقدرات البلاد وخيرات العباد دون حق ودون رحمة.. ومشروع ممانع ومقاوم يقف في وجه المشروع الصهيوأمريكي بإصرار وثبات، لينتزع منه إستقلال دول المنطقة، وحرية شعوبها، وسيادتها على خيرات أراضيها ومقدرات أوطانها، بهدف بناء أمة حرة، كريمة، عزيزة، قوية، وقادرة على فرض أنموذجها الحضاري القومي والإسلامي، بناء على تفاهمات عميقة، تقوم على المبادىء والثوابت بين مختلف دول وشعوب المنطقة، لا مكان فيها للهيمنة أو الضم أو الإقصاء على الهوية أو العقيدة، التي تحول الأخ في الدين والوطن والمصير إلى عدو يستباح دمه بإسم الطائفة والمذهب.

    وبالتالي، لا يمكن الفصل اليوم بين إستهداف سورية والعراق ولبنان وإيران، وإن كانت الإستراتيجيات تختلف من بلد إلى آخر عبر مراحل مدروسة ومخطط لها بدقة.. ذلك أن الإستهداف الذي ركز في السنوات الثلاث الأخيرة على سورية بإعتبارها الحلقة المركزية في محور المقاومة أو “الهلال الشيعي” الذي يرعب الغرب والسعودية وإسرائيل، لا يحتاج لكثير فلسفة لفهم أن “إمبراطورية روما الجديدة” التي تمثلها أمريكا “رأس الحربة”، كانت تسعى لتفكيك هذا المحور لما يمثله من خطر حقيقي على أمنها القومي الذي سبق للرئيس ‘أوباما’ أن لخصه في مجالين:

    الأول، تدفق النفط، وما يمثله نفط وغاز لبنان وسورية والعراق وإيران من خطر على نفط الخليج وعلى الإقتصاد الأمريكي المتداعي، بسبب تأثيره المباشر وغير المباشر في المدى المنظور على معادلات الأسعار، وسوق العملات الدولية، وميكانيزمات التجارة والإقتصاد.

    والثاني، أمن إسرائيل ورفض محور الممانعة والمقاومة القبول بوجود هذا السرطان الخبيث في المنطقة، والإصرار على إجتثاته ولو بعد حين، ما لا يترك لأمريكا من خيار يجعلها تستكين لدول محور المقاومة وعلى رأسهم إيران غير المواجهة.


    ففشل العدوان الأمريكي المدعوم دوليا وإقليميا على سورية مثلا، يعود بالأساس لمعادلة “النظام و الجيش و الشعب” التي أثبتت جدواها في لبنان من قبل، ثم ها هي اليوم تثبت نجاعتها في سورية، من دون إغفال عامل الحلفاء الذين يعملون كخلية نحل متجانسة ومتكاملة، وهو العامل الذي شكل ركيزة الإنتصار الكبير الذي نحن على وشك الإحتفال به في سورية كما بشر بذلك سماحة إمام المقاومة ذات خطاب، حينها سنستمتع بحلاوته كما كان الحال إبّان إنتصار 2006. وطعم الحلاوة الذي نتحدث عنه هنا هو كالعسل لا يوصف، ولا يمكن أن يعرف حقيقته إلا من ذاق، بخلاف من تجرع الهزيمة بطعم المرارة في لبنان وسورية اليوم، ولا حاجة لنا للتعريف بهؤلاء المهزومين، بعد أن أصبحوا أشهر من نار على علم، يعرفهم القاصي والداني في كل أصقاع الأرض.

    صحيفة الـ’واشنطن بوست’ كتبت اليوم مقالا كاشفا يطالب إدارة الرئيس ‘أوباما’ بضرورة مراجعة سياسته الفاشلة في سورية، وهي خلاصة لافتة سبق وأن تحدثنا عنها في أكثر من مناسبة ومقال، لكن الجديد في الأمر هو أن الصحيفة الأمريكية الواسعة الإنتشار، والتي تمثل لسان حال “المحافظين الجدد” في الولايات المتحدة الأمريكية، بحديثها عن “الفشل” في سورية، تكون قد كشفت حقيقة موضوعية حاولت الإدارة الأمريكية التكتم عنها والإصرار على المراهنة على الوهم، الذي وصل حد إتخاذ قرار إنفعالي على هامش مؤتمر “جنيف 2″ الأخير، يقضي بالإستمرار في تسليح الإرهابيين الذين تسميهم الإدارة الأمريكية “معارضة معتدلة” حتى تحقيق ما تهدف إليه من وهم، ألا وهو “إسقاط النظام”.

    اليوم أيضا، كشفت صحيفة “ذي تايمز” البريطانية، أن “دولاً غربية تمول هجومًا عسكريًا جديدًا للمعارضة السورية في إتجاه دمشق، إنطلاقا من الأردن، في محاولة يائسة للإطاحة بنظام الرئيس السوري الذي أصبح أكثر قوة، ما ينعكس سلبا على المفاوضات”. وقالت الصحيفة، إن “الهجوم يشمل 18 لواء من المتمردين مدعومًا بتدفق جديد من السلاح الغربي المتطور والمال الخليجي الوفير عبر الحدود الأردنية، حيث أقامت الولايات المتحدة قاعدة تدريب جديد للمقاتلين”. وهو المخطط الذي سبق وأن تحدثنا عنه بتفصيل في مقالة نشرت على موقع “بانوراما الشرق الأوسط” تحت عنوان: “الأردن.. رأس الخيانة وغطاء الرأس”، فجائت الصحيفة اليوم لتؤكد صحة ما ذهبنا إليه.

    المنطقـــة بيــن التسويـــة و الكارثـــة

    إن الحديث الذي بدأ يروج له البعض اليوم، من أن المنطقة دخلت مرحلة التسوية السياسية للأزمات ستكون على مراحل، تبدأ من سورية وتنتهي بلبنان مرورا بالعراق واليمن والبحرين، ربما بنوا إستنتاجاتهم الخاطئة على ما تروج له بعض وسائل الإعلام المُضلّل، خصوصا على ضوء الإجراءات الأخيرة التي ظهرت في السعودية، والمتعلقة بإبعاد الأمير ‘بندر بن سلطان’ في إجازة مرضية طويلة الأجل، ودخول علماء الوهابية على خط الجدل الإعلامي حول عدم شرعية “القتال” في سورية، وما تلى ذلك من “قانون لمكافحة الإرهاب” الذي تم الإعلان عنه مؤخرا.

    وحقيقة الأمر، أن ما قيل بشأن الإجراءات السعودية الأخيرة لا يعدو أن يكون ذرا للرماد في العيون، لأن مملكة الشر الوهابية لم تغير قيد أنملة من طبيعتها العدوانية تجاه محور المقاومة، ولا يمكن أن تسلم بالهزيمة في سورية والعراق ولبنان، ومن ثم التسليم لإيران بدور الريادة كقوة إقليمية عظمى في المنطقة، كما أن هواجس السعودية الداخلية وحساباتها الإقليمية، تتقاطع بالتمام والكمال مع مخاوف إسرائيل الوجودية التي تترجم من خلال مشاريعها التخريبية في المنطقة العربية. وبالتالي، فأمريكا لا تملك من خيار سوى العمل على تبديد هذه المخاوف والهواجس لضمان أمن حليفتها إسرائيل وإستقرار أدواتها في الخليج وعلى رأسها السعودية.

    أما قانون الإرهاب السعودي المثير للجدل، فأقل ما يمكن القول عنه، أنه قانون عجيب غريب، لأنه إذا كانت السعودية تقول أنها تطبق “الشريعة الوهابية”، فما محل هذا القانون ذو الطبيعة “الجنائية” من الإعراب في منظومة شريعة آل سعود؟.. وكيف يعقل أن يتحوّل ما تسميه السعودية في شريعتها الوهابية “جهادا” إلى “إرهاب”؟.. علما أن السعودية، على حد علمي المتواضع، لا تتوفر على منظومة “قانون جنائي” ولا على “محاكم مدنية” باستثناء “المحاكم الشرعية” التي تحاكم المواطنين الضعفاء على أساس “الشريعة التلمودية”، وهنا مكمن التناقض الذي يكشف الخديعة.

    لأنه وفق ما يتبين من مقتضيات القانون الجديد، الذي يعتبر قانونا إستبداديا بامتياز، ويتضح من ثنايا فصوله، أن له هدفان: الأول، محاولة التّفلّت من المتابعة الدولية التي يُحضّر لها في الكواليس من قبل سورية والعراق وروسيا، وذلك للقول أن الحكومة السعودية غير مسؤولة عن ما قام به بعض مواطنيها بقرار أحادي، سواء لجهة تمويل الجماعات الإرهابية أو التطوع للقتال في سورية، حيث تتحدث الإحصائيات السورية عن 12 ألف مقاتل سعودي، منهم من قتل ومنهم من اعتقل وبينهم عناصر في المخابرات والجيش السعودي النظامي، ومنهم من لا يزال يقاتل في صفوف “داعش” و “النصرة” و “الجبهة” وغيرها من التنظيمات الإرهابية.

    غير أن محاولة السعودية التفلت من المسؤولية القانونية الدولية يبدو أمرا مستحيلا، نظرا لأن الدولة السورية ستقوم قريبا بنشر معلومات هامة وخطيرة عن الجهات والدول الممولة والداعمة للارهاب في سوريا، حصلت عليها خلال التحقيقات مع عناصر ارهابية من دول عدة كانوا حلقة الوصل مع الدول المشاركة في المؤامرة على سوريا، ومنها دول درجت على التنصل من الاتهامات التي وجهت اليها بدعم الارهاب، وعلى رأسها السعودية.

    وقد ذكرت مصادر سورية لصحيفة ‘المنــار” المقدسية اليوم، أن لدى أجهزة الأمن السورية “قيادات” ارهابية تشغل مواقع متقدمة في أجهزة استخبارية عربية وأجنبية، وأشارت المصادر الى أن وحدات من الجيش السوري التي تلاحق العصابات الارهابية، ضبطت في أوكار الارهابيين وثائق خطيرة سيتم نشرها قريبا، ومنها ما يفضح أجهزة أمنية في دول أوروبية واقليمية، ومن بين هذه الوثائق خطط كانت معدة للتنفيذ، وأخرى تؤكد التدخل الاسرائيلي في الأزمة السورية بوسائل مختلفة، والاتصال المباشر بين العصابات وأجهزة أمن اسرائيلية، اضافة الى تفاصيل عن غرف العمليات الارهابية المقامة على أراضي أربع دول في المنطقة، والعناصر التي تديرها وتشرف عليها، والأوامر التي كانت تصدر الى قيادات الارهاب من قطر وتركيا والسعودية، حيث تضمنت ارتكاب أعمال القتل العشوائي والتدمير وتخريب المرافق العامة، ووجود خلايا ارهابية تنسق عبر دول في المنطقة مع إسرائيل لملاحقة وتصفية الكفاءات العلمية السورية في كل المجالات.

    أما الهدف الثاني من وجهة نظري، فداخلي بامتياز، حيث يسعى في الشق الأول منه إلى محاصرة السعوديين العائدين من القتال في سورية حتى لا تتكرر تجربة أفغانستان التي هزت الإستقرار في مملكة الرمال بعد هزيمة الجيش السوفياتي السابق في هذا البلد الأسيوي. وفي الشق الثاني، وهذا هو بيت القصيد، يسعى القانون الجديد لإستهداف الوجود الشيعي في مملكة الرمال من باب ما تسميه السعودية بمروجي “الأفكار الهدامة”، والتي تتيح للنظام محاكمة الناس على أفكارهم ونواياهم لا على أفعالهم، وهذا عين الظلم والإستبداد.

    وخلاصة القول، أن قانون الإرهاب السعودي الجديد، هو عبارة عن سيف “ديموقليدس” التي تعتزم مملكة الظلام إستعماله في مواجهة إحتجاجات المعارضات الشعبية ضد الفساد والإستبداد، وضد كل من تسول له نفسه المطالبة بالحرية والحقوق المشروعة وإصلاح النظام وفتح الباب أمام المشاركة الشعبية في القرار السياسي. وهو مسعى خبيث وبئيس من قبل النظام الظلامي الوهابي لتكريس الفساد وتأبيد الإستبداد بلا رحمة ضدا في شرائع السماء وقوانين الأرض.

    أقول هذا، لأن “المخزن” المغربي العميق، برغم الإختلاف الكبير بينه وبين النظام السعودي شكلا ومضمونا، إلا أنه سبق ولا يزال يستعمل “قانون مكافحة الإرهاب” في محاربة الإسلاميين، وتدجين الإعلام، وإخافة المعارضين، والسعودية أرادت بهذا القانون التعسفي، إستنساخ التجربة المغربية “الناجحة” في هذا المضمار ليس إلا.

    وعودة إلى مقولة أصحاب نظرية أن المنطقة العربية دخلت مرحلة التسوية السياسية، فما يجب طرحه كسؤال وجيه بالمناسبة هو: التسوية مع من؟.. وحول ماذا؟..

    لأن من طبيعة “التسوية” أن تتم بين قوتين متصارعتين أو متنافستين، ومعلوم أن الصراع اليوم في المنطقة سواء على سورية أو العراق أو لبنان أو حتى إيران، هو حول النفوذ، ويدور كما هو معلوم بين الأمريكي والروسي، وبالتالي، فإذا كانت الإدارة الأمريكية قد قلبت الطاولة على الروسي في سورية برغم الإتفاق الكيماوي ورفضت تطبيق مقتضيات “جنيف 1″ التي طالبت هي نفسها الوفد السوري بالإلتزام ببنوده، وفق ما كشف الوزير ‘لافروف’ قبل أيام، وفجرت النزاع في أوكرانيا بشكل مفاجىء كمدخل للنفاذ إلى مجموعة دول أوراسيا، ومن ثم تفجير روسيا الإتحادية نفسها من الداخل كما أوضح ‘برجنسكي” و بعده ‘كيسنجر’ اللذان يعتبران المبشرين بـ”إنفجار وشيك وكارثة في منطقة الشرق الأوسط”، حيث أكدوا أن هدف الولايات المتحدة ليتسنى لها الإستمرار في قيادة العالم دون منازع أو منافس، يكمن في السيطرة على كامل ‘أوراسيا’ للنفاذ إلى قلب روسية وتخريبها من الداخل لإضعافها وإزاحتها من ساحات المنافسة الدولية، في الوقت الذي عليها القيام بجهود دبلوماسية جبارة لعدم التصعيد مع الصين في هذه المرحلة (أي أخذ الأعداء بالمفرق الواحد تلو الآخر وعبر مراحل)..

    وهو ما فهمته روسيا والصين، فقررتا أول أمس تكثيف جهودهما وتعاونهما للعمل معا على فرض إحترام الشرعية الأممية وسيادة الدول، والدفاع معا عن مصالحهما في المنطقة والعالم. وبالتالي، فمن باب أولى التسائل بعد هذا، عن المنطق الذي يتحدث به اليوم أصحاب مقولة “دخول المنطقة مرحلة التسوية السياسية” التي لا تبدو ظاهرة إلا في مخيلتهم.

    بعـد الفشل في سوريـة، تحول الرهان على لبنان

    ما نسمعه من بعض السياسيين الذين يسوقون لوهم قدرة اللبنانيين على تجنب الإنفلات الأمني من خلال الإتفاق على حكومة جامعة تضم كل الأفرقاء المنقسمين طائفيا، والمنشطرين مذهبيا، والمختلفين حول مبادىء الدستور، وثوابت الإجتماع السياسي، وأسس العيش المشترك، يفترض أن المشكل اللبناني له طبيعة محلية، وأن المكونات السياسية الداخلية تملك إستقلالية قرارها، ما ينفي عنها التبعية والولاء لجهات إقليمية ودولية، تفرض عليها خياراتها، وتملي عليها قراراتها، وترغمها على الإنخراط في المعادلة الإقليمية والدولية لضرب الإستقرار في لبنان من خلال توفير البيئة الحاضنة لهذا الشر المطلق المسمى “إرهابا”، من أجل تحقيق أهداف شيطانية، مستغلة في ذلك جهل الناس وخوفهم وإضطرارهم للإحتماء بعبائة الطائفة أو المذهب الذي من شأنه ضمان أمنهم وإستقرارهم وفق ما يتوهمون. وهذا هو عين الإستثمار في الجهل الذي تعاني منه أمة “إقرأ” بعد أن تحولت إلى أمة “إذبح”، على رأي الدكتور ‘يحيى أبو زكريا’ مقدم برنامج (أ ل م) على قناة الميادين.

    هذا الكلام يقودنا للحديث عن وهم الحكومة السياسية اللبنانية الجامعة التي ينتظرها اللبنانيون، على أمل أن تبصر النور، وتحقق للناس الأمن والعدل والرفاهية الموعودة.

    لقد تبين اليوم أن تنازل الصبي الأرعن ‘سعد الحريري’ عن شرط مشاركة حزب الله في الحكومة جاء بقرار أمريكي – فرنسي – سعودي، بهدف تنفيذ مخطط سرقة لبنان الدولة والكيان، وذلك من خلال تشكيل حكومة “خديعة” يكون فيها لأدوات السعودية في قوى 14 الشهر اليد الطولى في الدفاع والنفط والأمن الداخلي والسياسة الخارجية، بما يخدم مصالح إسرائيل المتمثلة في تحجيم دور حزب الله في أفق نزع سلاحه من خلال حقيبة الدفاع ومشروع تسليح السعودية للجيش اللبناني بسلاح فرنسي لا يصلح إلا للمواجهة الداخلية بين الجيش والحزب بدل مواجهة الكيان الصهيوني المغتصب للأرض، بموازاة حقيبة الداخلية التي يسعى ‘الحريري’ لتعيين عراب الإرهاب اللبناني العميل ‘أشرف ريفي’ على رأسها، والإستحواذ على حقيبة النفط ترضية لفرنسا على دورها في مساعدة أدوات السعودية على الإمساك بمفاصل الدولة اللبنانية من خلال تعيين رئيس جمهورية حليف لقوى 14 الشهر، وكل ذلك مرة تحت ذريعة المداورة في الحقائب، لتكتمل المؤامرة، فيأخذ لبنان بعيدا عن محوره ودوره باسم سياسة “النأي بالنفس” و “الإبتعاد عن المحاور”، إنسجاما مع إعلان بعبدا وإحتراما لما جاء من مبادىء وثوابت في وثيقة ‘بكركي’ بتنسيق مع الفاتيكان ومن يقف وراء الفاتيكان.

    أما الذين يتحدثون عن سيناريو تأليف حكومة أمر واقع “جامعة” تستقيل منها قوى 8 أذار، كمدخل لإسقاطها تمهيدا لعودة ‘الحريري’ رئيسا للوزراء، مقابل القبول بتعيين الجنرال ‘عون’ رئيسا للدولة، إنما يروجون لـ”فخ” نصبته السعودية لتمرير فصول المؤامرة، هذا علما أن كل المؤشرات الموضوعية تؤكد أن لا إنتخابات رئاسية في الأفق، كما يستحيل أن يعود ‘الحريري’ إلى لبنان في هذه المرحلة والأزمة السورية لا زالت في فصولها الأخيرة الأكثر دموية، وبالتالي، فالهدف من ترويج هكذا سيناريوهات هو تمرير الخلطة السعودية النثنة، لنزع السلطة من يد حكومة تصريف الأعمال الحالية، و وضعها بيد عملائها الأوفياء، تمهيدا لتنفيذ مخطط تفجير لبنان من الداخل وضربه من الخارج بغطاء سياسي لبناني ومشاركة داخلية فعالة على الأرض، من دون أن يكون لحزب الله وحلفائه القدرة على التحكم في مفاصل المؤسسات لتعطيل المؤامرة.

    إن إستهداف لبنان اليوم، يأتي كفصل من فصول المؤامرة على محور المقاومة بعد أن فشلوا في سورية، فقرروا سرقة لبنان بالخديعة لضربه وإلحاقه كجائزة ترضية بالسعودية، و ورقة أمان لإسرائيل المرتعبة من قوة وقدرات حزب الله التي تتزايد يوما بعد يوم وتطرد النوم من أعين الساسة والعسكر الصهاينة.

    وهو كما يتضح لكل ذي بصر وبصيرة إستهداف لفريق يحمل مشروع رائد، ولنهج نظيف ممانع ومقاوم، يحرص على لبنان الوطن والكيان والشعب والمؤسسات والخيرات… إستهداف لمشروع بناء الدولة القوية العادلة والقادرة برجالها الشرفاء وأبنائها الشجعان، لتتحول إلى جمهورية موز قوتها في ضعفها وتبعيتها للعملاء والخونة أدوات أمريكا في المنطقة. لذلك قال سماحة السيد ذات خطاب، إن ما نحن بصدده، هو صراع وجود ومصير، فإما أن نكون أو لا نكون.. فكيف والحال هذه أن تبغي السعودية وإسرائيل ومعهم أمريكا الخير والأمن والإستقرار والرفاهية والإزدهار للبنان واللبنانيين، وعن أي “لبنان الرسالة” يتحدث تجار السياسة في لبنان؟.

    وهل يمكن الوثوق اليوم في من غدروا بالمقاومة في تموز 2006، وتحولوا إلى محرضين على إجتثات حزب الله من لبنان باصطفافهم إلى جانب السعودية وإسرائيل؟.. وكانو ينتظرون على أحر من الجمر إعلان إنتصار تل أبيب ليرقصوا فرحا من نشوة الخيانة، فخاب ظنهم، وانقلبوا بأمر من الله خائبين خاسرين ومهمومين، ثم كشف الله للأمة نفاقهم ونذالتهم وخستهم والثمن البخس الذي باعوا به ضميرهم وشعبهم ووطنهم وإخوان لهم في الكيان والمصير.
    هؤلاء، لم يغيروا ما بأنفسهم ولم يغير الله ما بهم، بل بالعكس، ها نحن نكتشف كل يوم بنور من الله حلقة جديدة من حلقات تآمرهم، فنحتقرهم، ونسخر من غبائهم، ونضحك من ملاعبة حزب الله وحلفائه لهم، ونرى كيف يبطلون أوراقهم الواحدة تلو الأخرى، ويسقطون الأقنعة عن وجوههم الواحد تلو الآخر، في إنتظار أن يفقدوا صبرهم فيظهرون على حقيقتهم..

    حينها سيفقدون أنفسهم ووطنهم إلى الأبد، وسينتهي آخر فصل من فصول مسرحيتهم السخيفة، بعد أن ينهار المسرح على رؤوسهم ويهجرهم جمهورهم، حينها سيصبح لبنان حرا قويا قادرا كما يحلم به كل أبنائه الشرفاء.

    يتبـــــــــــــع…

    تعليق


    • #3
      اعتقد أن مثل هكذا عدوان كفيل بتدمير ما تبقى من خطط إسرائيل وامريكا في تقسيم المنطقة وسيوحد من فرقهم الاختلاف حول سوريا .

      تعليق


      • #4
        يا كرار لبنان مرآة الوطن العربي ومؤشره!
        هنا يختصر العالم العربي بكل ما فيه!
        انه كتاب مفتوح..

        وستبقى دمشق نبض الامة!

        الغطرسة والعنجهية الصهيوامريكية الوهابية - محور الشر المطلق - ان لم تدفعهم لحرب قادمة مدمرة - علي وعلى اعدائي! - فانها في طريقها الى الانكفاء والاعتراف بالهزيمة في الشرق الاوسط!


        ***
        9/11/2014


        أزمة دول لا أزمة دولة في لبنان


        نبيه البرجي/الديار

        بانوراما الشرق الاوسط


        ثانية نستعيد ما قاله لنا العميد ريمون اده في عام 1974«لبنان قطعة معدنية، ولم يقل قطعة سما، بين قطبين مغناطيسيين هما سوريا التي تختزل العالم العربي واسرائيل التي تختزل العالم الغربي ، حتى اذا ما اندلعت حرب حزيران 1967، انهارت سوريا، وانهار معها العالم العربي، ليتدحرج لبنان الى المجهول».

        وبدا اننا ذهبنا في المجهول الى ابعد مما كنا نتصور. الآن سوريا تتحطم من الداخل. ادمغة كثيرة وايد كثيرة سوداء تلعب هناك ظناً منها انها تجني القطاف في نهاية المطاف. في نهاية المطاف ليس هناك سوى الحطام. هل تستخدمون عيونكم جيدا. اي مجهول ، اذاً، يتدحرج نحو لبنان؟

        لسنا دولة تبقى بفعل رجال الدولة الذين عندنا، بل بفعل تقاطع الدول، وليس التقاطع العاطفي في اي حال، عند نقطة ما. عندما تترنح العلاقات او تتمزق او تضيع بين هذه الدول نترنح او نتمزق او نضيع. هذه هي حالنا. بقينا على مدى سبعة عقود دولة افتراضية باستقلال افتراضي نحتفل به كل عام، وبشعب افتراضي لم يوضع يوما امام رؤية فلسفية او استراتيجية لمفهوم الدولة..

        النظام العالمي الجديد الذي اعلنه الرئيس جورج بوش الاب، وظل نظاما افتراضيا، استلحقه الرئيس جورج بوش الابن بمشروع الشرق الاوسط الجديد (تتذكرون كوندوليزا رايس على درج السراي). ايضا كان مشروعا افتراضيا. آنذاك، كتب توماس فريدمان عن عالم مسطح قبل ان يتبين له ان العالم اكثر تعقيدا بكثير. أليست الولايات المتحدة من أيقظت الغيب من الغيبوبة لتظهر تلك الايديولوجيات (والهويات) القاتلة؟

        الآن، عالم لا تحكمه اي قواعد. صراع الاسواق وصراع الاستراتيجيات على اشده. اما الشرق الاوسط فيشهد ذلك الخليط الذي يثير الذهول بين صراع القبائل وصراع الآلهة. في اوروبا اخر نظرية تقول «الدين هو تفسير الدين»، وعلينا ان نتصور مدى الويلات التي تنتظرنا اذا ما ظل التفسير بين اسنان هؤلاء الناس او بين عيونهم التي يتطاير منها الشرر، بل … الشر المستطير.

        آلهة وتقود تلك القبائل، مع ان الميتولوجيا العربية ضحلة، وقليلة الخيال، ولا تضاهي بأي حال الميتولوجيا الاغريقية التي تلاشت في اللاوعي اليوناني. من اين استحضرنا، اذاً، ذلك الطراز من الآلهة؟..

        عالم يتلمس طريقا آخر. تقرير التنمية الصادر عن الامم المتحدة يوحي بأن انقلابا ينتظر الكرة الارضية في عام 2040. الناتج القومي في البرازيل والهند والصين سيتجاوز الناتج القومي في الولايات المتحدة وكندا و المانيا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا.

        غائبون في الغيب. هل اتاكم حديث البرقع الافغاني في الرقة. لا مسافة بين ارصفة الجاهلية وارصفة الف ليلة و ليلة. الايديولوجيا امرأة. ماذا ترتدي، وكيف تمشي، وهل تترك الحرية لعينيها ام توضعان وراء القضبان او وراء الاسوار؟ وعلينا ان نتصور اين نحن حين نغرق في الفتاوى التي قدّرها اليمني عمران الضاني الذي يعيش في بريطانيا بـ 17940 في عام 2013، (هذا عدا الفتاوى الشخصية)، مستندا الى الشاشات، والشبكة العنكبوتية ، والنشرات التي تصدر عن مراجع فقهية. وللعلم فقط فإن عدد براءات الاختراع في اليابان بلغ 1759 في العام ذاته، وفي كوريا الجنوبية 1428 مقابل 4 في مصر التي تعتبر في طليعة الدول العربية الصناعية…

        قد نغيب اكثر في الغيب (وفي الدم) هذا العام. الرهان الآن على زيارة يقوم بها الرئيس باراك اوباما للرياض في النصف الثاني من اذار المقبل. علّ اللهاث المذهبي في المنطقة يتوقف قليلا او يتراجع قليلا اذا ما نجح الزائر الاميركي في طمأنة السعوديين، وبالتالي في ايجاد مناخ يساعد على حصول انقشاع ما في العلاقات السعودية-الايرانية يمكن ان ينعكس على المنطقة و لبنان بطبيعة الحال.

        حتى اشعار اخر لا حكومة. لا رئيس جمهورية. ربما لا جمهورية اذا ما بقي المشهد الاقليمي على حاله، حتى ان كتلة المستقبل تصل الى حد وصف الازمة في سوريا بأنها «مديدة» ولن يكون هناك رابح. هذا كلام هام جدا بعد ذلك الرهان «المديد» حول سقوط وشيك للنظام. علّ الدكتور سمير جعجع (وهو الذي يتمعّن) تمعّن جيدا في كلام الكتلة. ازمة مفتوحة في سوريا، وعلى كل الاحتمالات، مع ظهور انكفاء ما في تدخل بعض الدول باستثناء تركيا وحيث لم يصغ اردوغان الى النصيحة الايرانية، ولا الى نصائح الداخل التركي، فهل لاولئك البرابرة الذين تمت استضافتهم، ومن ثم نقلهم بحافلات مكيفة الى سوريا ينظرون الى اردوغان على انه الخليفة المقدس لأسامة بن لادن؟

        نحن جزء من هذا المشهد. ندرك مدى هول الازمة السورية واستحالة ان نكون بمنأى عنها وسط ذاك الضجيج المذهبي الذي يذهب بعقولنا، وبضمائرنا، كما ندرك اننا لم نفعل شيئا لكي نبني دولة ولكي نبني مجتمعا. وثيقة الطائف التي انتجت الجمهورية الثانية انما انتجت، في الواقع، ما قبل الجمهورية. مجرد فض اشتباك كرسه دستور مركب بطريقة عجيبة، وحيث تمت تغطية الفديرالية الطائفية بالميثاقية التي وردت تسللاً في الفقرة الاخيرة من مقدمة الدستور…

        ولن تغوينا، ولن تخدعنا، تلك العبارة التي يتم تسويقها بين الحين والآخر «حكومة صناعة لبنانية»، اي من صنع ايدينا، ولكن هل اننا لبنانيون حقا؟ لو كنا كذلك، وبمنأى عن المواعظ كما عن المصطلحات الفولكلورية، لما كنا ننام على ازمة ونستفيق على ازمة، ولا كنا نتقاتل، على طريقة داحس و الغبراء، حول حقيبة تغري الكثيرين الذين يحلمون بأن يرصعوا حتى اقدامهم بالذهب…

        من تراه يقتنع، اذاً، بأن التعثر في التشكيل سببه «الضمانة المسيحية». ابعد من ذلك وابعد من ازمة دولة. ازمة دول لا تزال بعيدة عن التوافق. نحن مجرد «تداعيات بشرية» لتلك اللعبة. عسى ان نجعل من هذه الـ«قطعة سما» «قطعة سما» فعلا لا قطعة من جهنم.

        اللهم ارأف بتلك الدول لكي ترأف بنا!

        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        x

        رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

        صورة التسجيل تحديث الصورة

        اقرأ في منتديات يا حسين

        تقليص

        لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

        يعمل...
        X