خرج المحرفون لرسالة الدين بنظرية عجيبة دعموها بأحاديث نسبوها للنبي محمد(ص). تقول النظرية أن من سبه الرسول أو لعنه فأنه مغفور له ! وفقاً لهذه النظرية صار الملعونون في أمان من لعن سيد الخلق وغُفرت لهم ذنوبهم . بطبيعة الحال واضعوا هذه النظرية هم من انصار الذين لعنهم وسبهم الرسول ونفاهم وطردهم من حضرته, وللالتفاف حول هذا المشكل خرجوا بهذه النظرية وضمنوا لطلقاء قريش وللمنافقين ولباغضي النبي مغفرة وأجرا كبيراٌ !
عن عائشة قالت : (دخل علي النبي ( ص ) بأسير فلهوت عنه فذهب فجاء النبي فقال : ما فعل الأسير . قالت : لهوت عنه مع النسوة فخرج . فقال : ما لك قطع الله يدك أو يديك . فخرج فآذن به الناس فطلبوه فجاؤا به فدخل علي وأنا أقلب يدي فقال : ما لك أجننت ؟ قلت : دعوت علي فأنا أقلب يدي أنظر أيهما يقطعان فحمد الله وأثنى عليه ورفع يديه مدا وقال : اللهم إني بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما مؤمن أو مؤمنة دعوت عليه فاجعله له زكاة وطهورا) (أحاديث أم المؤمنين للعلامة العسكري عن مسند أحمد ج6 ص 52.).
لماذا يؤَمن النبي زوجته على أسير ؟ وإذا كانت عائشة قد كررت عشرات المرات أنها صغيرة السن وسفيهة , فكيف يؤمنها النبي على أسير؟ , وتروي عائشة كذلك أن النبي بعد أن لعن وسب بعض الاعراب قال لها
(أما علمت يا عائشة اني قلت لربي فيما بيني وبينه انما أنا بشر اغضب فأي دعوة دعوت بها على غضب على احد من أمتي أو احد من أهل بيتي أو أحد من أزواجي فاجعلها له بركة ومغفرة ورحمة وطهورا)( أحاديث عائشة للعسكري وعن كنز العمال) .
ومثله روى ابوهريرة عن النبي (ص) قال:
(اللهم فأيما عبد مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة), وكذلك : (إني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه ، فايما مؤمن سببته أو جلدته فاجعل ذلك كفارة له! )( النصوص عن أحاديث عائشة للعسكري عن كنز العمال باب الافعال والاخلاق المذمومة ,صحيح مسلم, ,مسند أحمد). وهكذا جعلوا كلام النبي في أعداءه لغوا و ماقاله في لعنهم وسبهم لفضحهم لم يكن إلا مغفرة لهم ورحمة !
نال الطلقاء حصانة ضد اللعن بهذه الاحاديث وأولهم معاوية بن أبي سفيان!
عن ابن عباس قال : (كنت ألعب مع الصبيان ، فجاء رسول الله ( ص ) فتواريت خلف باب ، قال : فجاء فحطأني حطأة ( الحطأة هي الضربة باليد المفتوحة) وقال : اذهب وادع لي معاوية قال : فجئت فقلت : هو يأكل . قال : ثم قال لي : اذهب فادع لي معاوية قال : فجئت فقلت : هو يأكل لا فقال : لا أشبع الله بطنه ) (مسند أحمد) .
انبرى الذهبي اموي الهوى في الدفاع عن معاوية فقال في لعنة النبي لمعاوية :
(لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبي ( ص ) : اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة) ( تذكرة الحفاظ للذهبي صفحة 698) , وهكذا نال الملعونون حصانة .
انبرى الذهبي اموي الهوى في الدفاع عن معاوية فقال في لعنة النبي لمعاوية :
(لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبي ( ص ) : اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة) ( تذكرة الحفاظ للذهبي صفحة 698) , وهكذا نال الملعونون حصانة .
لعن النبي (ص) اناس كالحكم بن أبي العاص ومروان بن الحكم كما في قوله (ص) :
(ائذنوا له حية أو ولد حية عليه لعنة الله وعلى كل من يخرج من صلبه إلا المؤمن منهم ، وقليل ما هم ، يشرفون في الدنيا ويوضعون في الآخرة - ، ذوو مكر وخديعة يعظمون في الدنيا وما لهم في الاخرة من خلاق) ( احاديث عائشة للعسكري عن المستدرك للحاكم ج4 ص 479) ,ومثل ذلك ما رواه بن عوف قال :
(كان لا يولد لأحد مولود إلا اتي به النبي ( ص ) فدعا له ، فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال : هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون)( المصدر السابق)
ولعن النبي كذلك اباسفيان وابنه معاوية بحضور الناس كما روى العلامة العسكري ( اخرج ابن سعد في طبقاته بترجمة نصر بن عاصم الليثي عن ابيه قال: ( دخلت مسجد رسول الله ( ص ) واصحاب النبي ( ص ) يقولون : نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، قلت ما هذا ؟ قالوا : معاوية مر قبيل هذا اخذا بيد ابيه ورسول الله ( ص ) على المنبر فخرجا من المسجد فقال رسول الله فيهما قولا )،
ولم يصرح ابن سعد بقول رسول الله وانما صرح به ابن الاثير في اسد الغابة وابن حجر في الاصابة بترجمة عاصم الليثي حيث قالا : روى عنه ابنه نصر أنه قال :
(دخلت مسجد النبي ( ص ) وأصحاب رسول الله يقولون : نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، قلت : مم ذاك ؟ قالوا : ان رسول الله كان يخطب آنفا فقام رجل فأخذ بيد ابنه ثم خرجا ، فقال رسول الله ( ص ) : لعن الله القائد والمقود ، ويل لهذه الامة من فلان ذي الاشباه .) ان ابن سعد ذكر اسم معاوية في الرواية ولم يذكر ما قاله الرسول صونا لكرامة معاوية وابي سفيان ، وابن الاثير وابن حجر ذكرا قول الرسول ( ص ) ولم يذكرا اسم القائد والمقود)( أحاديث عائشة للعلامة العسكري عن طبقات ابن سعد ج 7 ص 78 واسد الغابة ج 3 ص 76 والاصابة لابن حجر ج 2 ص 237).
قال ابن حجر ذاباً عن معاوية ومروان والحكم :
( ولعنة النبي للحكم وابنه لا تضرهما لأنه ( ص ) تدارك ذلك بقوله مما بينه في الحديث الآخر : انه بشر يغضب كما يغضب البشر ، وانه سأل ربه ان من سبه ولعنه ، أو دعا عليه ان يكون ذلك رحمة وزكاة وكفارة وطهارة)( احاديث عائشة للعسكري وعن الصواعق لابن حجر ص 179 ). وهكذا يفضل ابن حجر أن يجعل كلام النبي لغوا لامعنى في سبيل تبرئة معاوية والحكم وغيرهم من طلقاء مكة.
لماذا يلعن النبي (ص) أناسا ثم تصبح لعنته لهم غفرانا ؟ وهو القائل :
( المؤمن ليس بطعان ولابلعان ولا بالفاحش البذئ)( مسند أحمد ج 1 ص 405 الحديث 3839) ,
ويقول كذلك ( لعن المؤمن كقتله )( كنز العمال ج3)
لقد صور المتقولون النبي صاحب مزاج متقلب لايستطيع الامساك عن اللعن لضيق صدره وعصبيته , ولكن كيف الذي وصفه الله بصاحب الخلق العظيم لايستطيع أن يمسك نفسه عن لعن إنسان في لحظة الغضب؟ ألا يعلم النبي أن الله أرسله رحمة للعالمين فكيف يرغي بالسباب واللعائن على الناس, ثم يتراجع عن أقواله بحجة الغفران . ومثل ذلك ماروت عائشة كما تقدم عندما قال لها النبي بعد هروب الاسير : (مالك قطع الله يديك!), هل حقا يتلفظ النبي بهذه الالفاظ السوقية جزافا مع زوجته ؟
إن النبي أعظم من أن يتحكم فيه مزاجه فيسب الناس بلا سبب, انما هو يلعن من يستحق اللعنة ليبين للعالم أن هؤلاء الملعونين هم أخس الناس وأرذلهم فعلى الناس تجنبهم والاحتياط منهم. لكن أنظمة التحريف اصطنعت منفذا لانقاذ الملعونين على لسان النبي, فاوجدوا كذبة أحاديث المغفرة والرحمة, وليس كذلك أنما أضافوا لها أن النبي عاجز عن التحكم بمزاجه ولهذا السبب تجاوز الله له عن ساعات الغضب تلك وأبدل الملعونين بمغفرة ورحمة .ان الذين لعنهم النبي سيظلون في خانة اللعن الى النهاية ,فالنبي لاينطق عن الهوى وهو الذي بُعث ليتمم مكارم الاخلاق ومن كانت أخلاقه بهذا السمو يترفع عن لعن الناس بلا سبب, لقد لعن النبي أناس وترك لعن غيرهم, فالذين لعنهم ملعونون الى الابد واكذوبة الغفران والرحمة بدعة من مستحدثات المتآمرين.
تعليق