روى السيوطي في الدر المنثور (2/145) والطبري في تفسيره (5/63) وابن كثير في تفسيره (4/497) وكنز العمال (2/330 ): في تفسيرهم لقوله تعالى من سورة النساء {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً }النساء31
« حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن الحسن : أن ناساً لقوا عبد الله بن عمرو بمصر، فقالوا: نرى أشياء من كتاب الله أُمَر أن يُعمل بها ، لا يُعمل بها ! فأردنا أن نلقى أمير المؤمنين في ذلك - يقصدون عمر بن الخطاب - فقدم وقدموا معه، فلقيه عمر بن الخطاب فقال: متى قدمت ؟ قال: منذ كذا وكذا. قال: أبإذن قدمت ؟ قال : فلا أدري كيف رد عليه، فقال: يا أمير المؤمنين أن ناساً لقوني بمصر فقالوا إنا نرى أشياء من كتاب الله أمر أن يعمل بها لا يعمل بها، فأحبوا أن يلقوك في ذلك. فقال: إجمعهم لي .
قال فجمعتهم له، قال ابن عون أظنه قال في بهو، فأخذ أدناهم رجُلاً فقال: أنشدك بالله وبحق الإسلام عليك، أقرأت القرآن كله؟ قال: نعم. قال: فهل أحصيته في نفسك؟ قال:اللهم لا. قال ولو قال نعم لَخَصَمَهُ. قال: فهل أحصيته في بصرك، هل أحصيته في لفظك، هل أحصيته في أثرك؟ قال: ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم فقال: ثكلت عمر أمه أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله ! قد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات، قال: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا . هل عَلِم أهل المدينة، أو قال هل علم أحدٌ ، بما قدمتم ؟ قالوا: لا . قال: لو علموا لَوَعَظْتُ بكم »
قال ابن كثير: "إسناد صحيح ومتن حسن، وإن كانت رواية الحسن عن عمر، وفيها انقطاع، إلا أن مثل هذا اشتهر، فتكفي شهرته". وقال السيوطي: "أخرجه ابن جرير بسند حسن".
ومعناه أن هؤلاء المصريين جاءوا وفداً ليسألوا الخليفة عن آيات من القرآن فيها أوامر إلهية في الأمور الإدارية والسياسية والمالية والإجتماعية، ولا يرون تطبيقها في دولته ! فلم يعطهم عمر فرصةً للكلام، وهاجمهم بالجواب بأنهم مخطئون يطلبون منه تطبيق القرآن على نفسه وولاته، والقرآن عظيم لا يمكن لأحد أن يطبقه! واستدل عمر على عدم إمكان تطبيق القرآن، بأنه لايمكن لأحد أن يحصي كلماته وحروفه فيراها كلها دفعة واحدة، أو يستحضرها في ذهنه دفعة واحدة. وكل دستور لايرى الحاكم مواده وسطوره وكلماته وحروفه دفعة واحدة، يسقط عنه تطبيقه !
فيكفي أن يطبق منه جزءاً يسيراً، والله يعفو عن الباقي. وهذا الجزء موكول الى الخليفة نفسه، فقد يكون أخذ الزكوات وتأديب الناس بالسوط ! واستدل على ذلك بأن الله وعد من اجتنب كبائر المحرمات أن يغفر له، فيكفي للخليفة أن يطبق كبائر الواجبات !
ثم قال لهم إنكم مفسدون في الأرض! فقد جئتم تحركون المسلمين عليَّ للمطالبة بتطبيق القرآن، لكني أحضرتكم قبل أن يعرف أهل المدينة بكم، ولو عرفوا لجعلتكم عبرة لمن اعتبر، وأقمت عليكم الحد ! الذي قد يصل الى ضرب أعناقكم، فاحمدوا الله واسلموا بجلدكم، وارضوا بما ترونه يخالف القرآن مني ومن عمالي، ولا تثيروا علينا المشاكل!
وأمام هذه الإستدلال العمري العجيب، والتهديد الأعجب ! جمع الوفد المصري متاعهم، وغادروا الى مصر، ليستعيدوا هدوءهم من صدمتهم !
المصدر
تعليق