بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيم
اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَالْعَنْ عَدُوّهُمْ
روى الشّيخ أبو جعفر الصّدوق بسنده عن يحيى بن أبي القاسم عن الصّادق جعفر ابن محمّد عن أبيه عن جدّه (عليهم السّلام)، قال: "كتب رجل إلى الحسين بن عليّ (عليه السّلام): يا سيّدي، أخبرني بخير الدُّنيا والآخرة. فكتب إليه: بسم الله الرّحمن الرّحيم، أمّا بعد فإنّه من طلب رضا الله بسخط النّاس كفاه الله أمور النّاس، ومن طلب رضا النّاس بسخط الله وكّله الله إلى النّاس، والسّلام"(1).
هذه قاعدة معصوميّة حسينيّة شريفة، في تحديد حقيقة "خير الدُّنيا والآخرة"، وهي كسب رضا الله تعالى عزّ وجلّ، وأنْ تكون جميع أعمالنا أساس تولّدها هو نيل رضا الله تعالى، لكن كيف ننال رضا الله تعالى؟ للإجابة على هذا التساؤل نرجع إلى العاصم من الضّلالة والحيرة والشّك، ألا وهما "الثقلين": كتاب الله تعالى، وأقوال العترة الطاهرة (عليهم السّلام)، فنقول:إنّ مدار كلّ أعمال العباد بين أمرين: "الرّضا الإلهيّ"، و"السّخط الإلهيّ"، وهذا الأمر الدقيق يصل إلى (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(2)، والله تعالى من لطفه على عباده ورحمته ورأفته بهم، وتفضّلًا منه عليهم، فطر النّاس على حبّ الإيمان وبُغض الكفر، فقد قال جلّ وعز: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(3)، ووضع الله تعالى لعباده ميزانًا من خلاله تعرف أنّ أعمالك يحبّها الله تعالى أو يُبغضها (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)(4)، ولأنّ رضا الله وغضبه ليس كرضانا وسخطنا نحن المخلوقين، لذا – والحال هذه – قال صادق آل محمّد (عليه السّلام): "إنّ الله عزّ وجلّ لا يأسف كأسفنا ولكنّه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون، فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه، لأنّه جعلهم الدُّعاة إليه والأدلّاء عليه، فلذلك صاروا كذلك وليس أنّ ذلك يصل إلى خلقه، لكن هذا معنى ما قال من ذلك وقد قال: "من أهان لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها"، وقال: و( مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)، وقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) فكلّ هذا وشبهه على ما ذكرت لك وهكذا الرّضا والغضب وغيرهما من الأشياء ممّا يشاكل ذلك، ولو كان يصل إلى الله الأسف والضجر، وهو الّذي خلقهما وأنشأهما لجاز لقائل هذا أن يقول: إنّ الخالق يَبيد يومًا ما، لأنّه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغيير، وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة، ثمّ لم يعرف المكوِّن من المكوَّن ولا القادر من المقدور عليه، ولا الخالق من المخلوق، تعالى الله عن هذا القول علوًّا كبيرًا"(5) وهم محمّد وآل محمّد (صلوات الله عليهم).فظهر لنا أنّ رضا محمّد وآل محمّد (عليهم السّلام) هو رضا الله تعالى؛ فالرّضا الإلهيّ والغضبّ الإلهيّ متجلّي في محمّد وآل محمّد (عليهم السّلام)، فهم يمثّلون الرّضا والغضب الإلهيّين، لأنّهم أفعال الله تعالى وأمره بين الكاف والنّون، بل هم الكاف والنّون؛ فقد قال الإمام أبو جعفر باقر العلوم (عليه السّلام): "إنّ الله تعالى أعظم وأعزّ وأجلّ وأمنع من أنْ يُظلم ولكنّه خلطنا بنفسه، فجعل ظُلمنا ظلمه، وولايتنا ولايته، حيث يقول: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ) يعني الأئمّة منّا"(6)، ومعنى "خلطنا بنفسه" أي جعلهم مشيتئه ومحلّ مشيئته، فهم "محال مشيئة الله تعالى"، وإلى هذه الحقيقة نرى تأكيد أئمّة الهُدى (عليهم السّلام) عليها في زياراتهم وأدعيتهم الشّريفة: "مَنْ وَالاكُمْ فَقَدْ وَالى الله وَمَنْ عاداكُمْ فَقَدْ عادى الله، وَمَنْ أَحَبَّكُمْ فَقَدْ أَحَبَّ الله وَمَنْ أَبْغَضَكُمْ فَقَدْ أَبْغَضَ الله وَمَنْ اعْتَصَمَ بِكُمْ فَقَدْ اعْتَصَمَ بِاللهِ".
فهنا ظهر معنى حديث الرّسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) جليًّا في أن ميزان الغضب الرّضا الإلهيّ والغضب الإلهيّ هي سيّدة نساء الله العالمين (صلوات الله عليها ولعنة الله على ظالميها): "إنّ الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها" ففاطمة الزّهراء (صلوات الله عليها) هي الميزان الإلهيّ لأعمال الخلائق كلّهم لأنّ على معرفتها دارت القرون الأُولى.
ففاطمة الزّهراء وآل فاطمة الزّهراء (صلّى الله عليهم) ولايتهم هي ولاية الله تعالى ورضاهم وسخطهم هو رضا وسخط الله تعالى، لهذا نحن نخاطبها في زيارتها الشّريفة متوجّهين إليها بقولنا: "صَلَّى اللهُ عَلَيْكِ وَعَلى رُوحِكِ وَبَدَنِكِ، أَشْهَدُ اَنَّكِ مَضَيْتِ عَلى بَيِّنَة مِنْ رَبِّكِ، وَأَنَّ مَنْ سَرَّكِ فَقَدْ سَرَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَمَنْ جَفاكِ فَقَدْ جَفا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَمَنْ آذاكِ فَقَدْ آذى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَمَنْ وَصَلَكِ فَقَدْ وَصَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَمَنْ قَطَعَكِ فَقَدْ قَطَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، لِأَنَّكِ بِضْعَةٌ مِنْهُ وَرُوحُهُ الَّذي بَيْنَ جَنْبَيْهِ، أُشْهِدُ اللهَ وَرُسُلَهُ وَمَلائِكَتَهُ أَنّي راضٍ عَمَّنْ رَضَيتِ عَنْهُ، ساخِطٌ عَلى مَنْ سَخِطْتِ عَلَيْهِ مُتَبَرِّىءٌ مِمَّنْ تَبَرَّأْتِ مِنْهُ، مُوالٍ لِمَنْ والَيْتِ، مُعادٍ لِمَنْ عادِيْتِ، مُبْغِضٌ لِمَنْ اَبْغَضْتِ، مُحِبٌّ لِمَنْ أَحْبَبْتِ، وَكَفى بِاللهِ شَهيدًا وَحَسيبًا وَجازِيًا وَمُثيبًا"(7).
فحبّ فاطمة الزّهراء وآل فاطمة الزّهراء (عليها وعليهم السّلام) هو محور الطّاعات كلّها، فعليٌّ (عليه السّلام) نفس النبيّ الأعظم (صّلى الله عليه وآله)، والزّهراء (عليها السّلام) روحه (صلّى الله عليه وآله)، والحسن والحسين (عليهما السّلام) ريحانتاه (صلّى الله عليه وآله)، وباقي أئمّة الهُدى وأعلام التّقى هم دم ولحم النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، وقد قال الله تعالى على لسان النبيّ الأعظم أبي الزّهراء (صلّى الله عليه وآله): (قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)(8)، وهذه المودّة لا تكون إلّا باتّباعهم (عليهم السّلام) لقول الله تعالى على لسانه (صلّى الله عليه وآله): (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(9).
والموالاة لفاطمة الزّهراء وآل الزّهراء (صلوات الله عليهم)، والمودّة لهم لا تتمّ إلّا بالتبرّي وببغض ومعاداة أعدائهم (لعنهم الله)؛ قال الباري عزّ وجلّ: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)(10) وإذا تبرّأت من أعداء ومخالفي الزّهراء (لعنهم الله) كنت من الّذين قال الله فيهم: (أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(11)، فتكون بذلك من حزب الله تعالى فتُفلح في الدّنيا والآخرة وتنال رضا خالقك عزّ وجلّ. فمعنى حديث مولانا أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) اطلب رضا فاطمة الزّهراء (عليها السّلام) وآلها (عليهم السّلام) ولو بسخط النّاس كلّهم أجمعين، فتنال خير الدُّنيا والآخرة وهو رضا الله عزّ وجلّ، فسيّدة نساء العالمين (عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها الصّلاة والسّلام) هي الميزان الإلهيّ.
اللهمّ صلِّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرِّ المستودع فيها والعن ظالميها.
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) الصّدوق، الأمالي، ص151، ح13، المجلس السّادس والثلاثون.
(2) سورة الزّلزلة، 99/ 7-8.
(3) سورة الحُجرات، 49/ 7-8.
(4) سورة الرّحمن، 55/ 7-9.
(5) الكليني، الكافي، 1/ 144-145، ح6 كتاب التوحيد.
(6) الكليني، م.ن، 1/ 146، ح11 كتاب التوحيد.
(7) الطّوسي، تهذيب الأحكام، 6/ 1026كتاب المزار؛ عبّاس القمّي، مفاتيح الجنان، ص386-387.
(8) سورة الشّورى، 42/ 23.
(9) سورة آل عمران، 3/ 31.
(10) سورة المجادلة، 58/ 22.
(11) سورةالمجادلة، 58/ 22.
حرّره عبد آل محمّد (عليهم السّلام)
جهاد الموسوي
الكويت: 21/ 10/ 2013
اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَالْعَنْ عَدُوّهُمْ
روى الشّيخ أبو جعفر الصّدوق بسنده عن يحيى بن أبي القاسم عن الصّادق جعفر ابن محمّد عن أبيه عن جدّه (عليهم السّلام)، قال: "كتب رجل إلى الحسين بن عليّ (عليه السّلام): يا سيّدي، أخبرني بخير الدُّنيا والآخرة. فكتب إليه: بسم الله الرّحمن الرّحيم، أمّا بعد فإنّه من طلب رضا الله بسخط النّاس كفاه الله أمور النّاس، ومن طلب رضا النّاس بسخط الله وكّله الله إلى النّاس، والسّلام"(1).
هذه قاعدة معصوميّة حسينيّة شريفة، في تحديد حقيقة "خير الدُّنيا والآخرة"، وهي كسب رضا الله تعالى عزّ وجلّ، وأنْ تكون جميع أعمالنا أساس تولّدها هو نيل رضا الله تعالى، لكن كيف ننال رضا الله تعالى؟ للإجابة على هذا التساؤل نرجع إلى العاصم من الضّلالة والحيرة والشّك، ألا وهما "الثقلين": كتاب الله تعالى، وأقوال العترة الطاهرة (عليهم السّلام)، فنقول:إنّ مدار كلّ أعمال العباد بين أمرين: "الرّضا الإلهيّ"، و"السّخط الإلهيّ"، وهذا الأمر الدقيق يصل إلى (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(2)، والله تعالى من لطفه على عباده ورحمته ورأفته بهم، وتفضّلًا منه عليهم، فطر النّاس على حبّ الإيمان وبُغض الكفر، فقد قال جلّ وعز: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(3)، ووضع الله تعالى لعباده ميزانًا من خلاله تعرف أنّ أعمالك يحبّها الله تعالى أو يُبغضها (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)(4)، ولأنّ رضا الله وغضبه ليس كرضانا وسخطنا نحن المخلوقين، لذا – والحال هذه – قال صادق آل محمّد (عليه السّلام): "إنّ الله عزّ وجلّ لا يأسف كأسفنا ولكنّه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون، فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه، لأنّه جعلهم الدُّعاة إليه والأدلّاء عليه، فلذلك صاروا كذلك وليس أنّ ذلك يصل إلى خلقه، لكن هذا معنى ما قال من ذلك وقد قال: "من أهان لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها"، وقال: و( مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)، وقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) فكلّ هذا وشبهه على ما ذكرت لك وهكذا الرّضا والغضب وغيرهما من الأشياء ممّا يشاكل ذلك، ولو كان يصل إلى الله الأسف والضجر، وهو الّذي خلقهما وأنشأهما لجاز لقائل هذا أن يقول: إنّ الخالق يَبيد يومًا ما، لأنّه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغيير، وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة، ثمّ لم يعرف المكوِّن من المكوَّن ولا القادر من المقدور عليه، ولا الخالق من المخلوق، تعالى الله عن هذا القول علوًّا كبيرًا"(5) وهم محمّد وآل محمّد (صلوات الله عليهم).فظهر لنا أنّ رضا محمّد وآل محمّد (عليهم السّلام) هو رضا الله تعالى؛ فالرّضا الإلهيّ والغضبّ الإلهيّ متجلّي في محمّد وآل محمّد (عليهم السّلام)، فهم يمثّلون الرّضا والغضب الإلهيّين، لأنّهم أفعال الله تعالى وأمره بين الكاف والنّون، بل هم الكاف والنّون؛ فقد قال الإمام أبو جعفر باقر العلوم (عليه السّلام): "إنّ الله تعالى أعظم وأعزّ وأجلّ وأمنع من أنْ يُظلم ولكنّه خلطنا بنفسه، فجعل ظُلمنا ظلمه، وولايتنا ولايته، حيث يقول: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ) يعني الأئمّة منّا"(6)، ومعنى "خلطنا بنفسه" أي جعلهم مشيتئه ومحلّ مشيئته، فهم "محال مشيئة الله تعالى"، وإلى هذه الحقيقة نرى تأكيد أئمّة الهُدى (عليهم السّلام) عليها في زياراتهم وأدعيتهم الشّريفة: "مَنْ وَالاكُمْ فَقَدْ وَالى الله وَمَنْ عاداكُمْ فَقَدْ عادى الله، وَمَنْ أَحَبَّكُمْ فَقَدْ أَحَبَّ الله وَمَنْ أَبْغَضَكُمْ فَقَدْ أَبْغَضَ الله وَمَنْ اعْتَصَمَ بِكُمْ فَقَدْ اعْتَصَمَ بِاللهِ".
فهنا ظهر معنى حديث الرّسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) جليًّا في أن ميزان الغضب الرّضا الإلهيّ والغضب الإلهيّ هي سيّدة نساء الله العالمين (صلوات الله عليها ولعنة الله على ظالميها): "إنّ الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها" ففاطمة الزّهراء (صلوات الله عليها) هي الميزان الإلهيّ لأعمال الخلائق كلّهم لأنّ على معرفتها دارت القرون الأُولى.
ففاطمة الزّهراء وآل فاطمة الزّهراء (صلّى الله عليهم) ولايتهم هي ولاية الله تعالى ورضاهم وسخطهم هو رضا وسخط الله تعالى، لهذا نحن نخاطبها في زيارتها الشّريفة متوجّهين إليها بقولنا: "صَلَّى اللهُ عَلَيْكِ وَعَلى رُوحِكِ وَبَدَنِكِ، أَشْهَدُ اَنَّكِ مَضَيْتِ عَلى بَيِّنَة مِنْ رَبِّكِ، وَأَنَّ مَنْ سَرَّكِ فَقَدْ سَرَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَمَنْ جَفاكِ فَقَدْ جَفا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَمَنْ آذاكِ فَقَدْ آذى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَمَنْ وَصَلَكِ فَقَدْ وَصَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَمَنْ قَطَعَكِ فَقَدْ قَطَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، لِأَنَّكِ بِضْعَةٌ مِنْهُ وَرُوحُهُ الَّذي بَيْنَ جَنْبَيْهِ، أُشْهِدُ اللهَ وَرُسُلَهُ وَمَلائِكَتَهُ أَنّي راضٍ عَمَّنْ رَضَيتِ عَنْهُ، ساخِطٌ عَلى مَنْ سَخِطْتِ عَلَيْهِ مُتَبَرِّىءٌ مِمَّنْ تَبَرَّأْتِ مِنْهُ، مُوالٍ لِمَنْ والَيْتِ، مُعادٍ لِمَنْ عادِيْتِ، مُبْغِضٌ لِمَنْ اَبْغَضْتِ، مُحِبٌّ لِمَنْ أَحْبَبْتِ، وَكَفى بِاللهِ شَهيدًا وَحَسيبًا وَجازِيًا وَمُثيبًا"(7).
فحبّ فاطمة الزّهراء وآل فاطمة الزّهراء (عليها وعليهم السّلام) هو محور الطّاعات كلّها، فعليٌّ (عليه السّلام) نفس النبيّ الأعظم (صّلى الله عليه وآله)، والزّهراء (عليها السّلام) روحه (صلّى الله عليه وآله)، والحسن والحسين (عليهما السّلام) ريحانتاه (صلّى الله عليه وآله)، وباقي أئمّة الهُدى وأعلام التّقى هم دم ولحم النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، وقد قال الله تعالى على لسان النبيّ الأعظم أبي الزّهراء (صلّى الله عليه وآله): (قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)(8)، وهذه المودّة لا تكون إلّا باتّباعهم (عليهم السّلام) لقول الله تعالى على لسانه (صلّى الله عليه وآله): (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(9).
والموالاة لفاطمة الزّهراء وآل الزّهراء (صلوات الله عليهم)، والمودّة لهم لا تتمّ إلّا بالتبرّي وببغض ومعاداة أعدائهم (لعنهم الله)؛ قال الباري عزّ وجلّ: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)(10) وإذا تبرّأت من أعداء ومخالفي الزّهراء (لعنهم الله) كنت من الّذين قال الله فيهم: (أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(11)، فتكون بذلك من حزب الله تعالى فتُفلح في الدّنيا والآخرة وتنال رضا خالقك عزّ وجلّ. فمعنى حديث مولانا أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) اطلب رضا فاطمة الزّهراء (عليها السّلام) وآلها (عليهم السّلام) ولو بسخط النّاس كلّهم أجمعين، فتنال خير الدُّنيا والآخرة وهو رضا الله عزّ وجلّ، فسيّدة نساء العالمين (عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها الصّلاة والسّلام) هي الميزان الإلهيّ.
اللهمّ صلِّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرِّ المستودع فيها والعن ظالميها.
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) الصّدوق، الأمالي، ص151، ح13، المجلس السّادس والثلاثون.
(2) سورة الزّلزلة، 99/ 7-8.
(3) سورة الحُجرات، 49/ 7-8.
(4) سورة الرّحمن، 55/ 7-9.
(5) الكليني، الكافي، 1/ 144-145، ح6 كتاب التوحيد.
(6) الكليني، م.ن، 1/ 146، ح11 كتاب التوحيد.
(7) الطّوسي، تهذيب الأحكام، 6/ 1026كتاب المزار؛ عبّاس القمّي، مفاتيح الجنان، ص386-387.
(8) سورة الشّورى، 42/ 23.
(9) سورة آل عمران، 3/ 31.
(10) سورة المجادلة، 58/ 22.
(11) سورةالمجادلة، 58/ 22.
حرّره عبد آل محمّد (عليهم السّلام)
جهاد الموسوي
الكويت: 21/ 10/ 2013