التنظير للمذهب الإباضي فيما يتعلق بالتعامل مع المخالفين بدأ منذ نشأت المذهب وتميز عن بقية المذاهب الإسلامية الأخرى بمبدأ التسامح وعدم استحلال دماء المخالفين.ولقد نجح أتباع المذهب على المحافظة على هذا المبدء حتى اليوم.جوانب من التنظير للتعامل مع المخالف:موقف الإباضية من مخالفيهم: بقلم صالح بن أحمد بن سيف البوسعيدي***ينقسم الناس في الفكر الإباضي إلى قسمين أساسيين: مسلمين وغير مسلمين، أما غير المسلمين فهم كل من لم يرض بالله رباً أو بمحمد رسولاً أو بالإسلام ديناً وهي الجمل الثلاث التي يشترطها الإباضية للخروج من الشرك إلى الإيمان (شهادة أن لا إله إلا الله وإن محمداً رسول الله وأن ما جاء به محمد هو الحق من عند الله) فلا ينتقل غير المسلم إلى أن يكون قي جملة المسلمين إلا بإيمانه وإذعانه لتلك الجمل الثلاث.ويدخل في جملة غير المسلمين المشركون عبدة الأصنام والأوثان والملحدون وأهل الكتاب (اليهود والنصارى) والمجوس.ويطلق الإباضية على غير المسلمين أسماء: المشركون والكافرون والكفار، وبطريق الأولى هم مستحقون لأوصاف: الفساق والمنافقون والظالمون، وعند اقتران اسم المشركون وأهل الكتاب فالمراد بأهل الكتاب هم اليهود والنصارى وبالمشركين غيرهم من عبدة الأصنام والأوثان، وهو إطلاق اصطلاحي لاختلاف اليهود والنصارى عن غيرهم في بعض الأحكام الدنيوية الواردة في القرآن الكريم وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.أما المسلمون في الفكر الإباضي فهم كل من رضي بالله تعالى رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً وأذعن للجمل الثلاث التي أشرنا إليها سابقاً والتي لا يكون الإنسان مسلماً إلا بالإيمان بها.وإذا كان الإنسان قد نشأ في بيئة مسلمة أو ولد لأبوين مسلمين فإنه لا يطالب بالنطق بتلك الجمل بل يحكم عليه بأنه مسلم ويعامل معاملة المسلمين ما لم يبدر منه خلاف ذلك، أما إذا لم ينشأ في بيئة مسلمة أو لم يكن أبواه مسلمين فأنه لا يكون مسلماً في نظر المسلمين إلا إذا نطق بتلك الجمل، وكذلك إذا ارتد عن الإسلام وثبت عليه ذلك فإنه لا يرجع إلى بيت الإسلام إلا بمعاودة نطقه بتلك الجمل.ويطلق الإباضية على المسلمين أسماء: المسلمين والمؤمنين وأهل التوحيد وأهل القبلة، وهي أسماء يدخل فيها كل المسلمين باختلاف مذاهبهم وآرائهم ومدارسهم العقدية والفقهية.فإذا كان الإنسان مسلماً فإن له جميع حقوق المسلمين من حرمة دمه وماله وعرضه ودفع الزكاة له ووجوب القصاص له أو دفع الدية كاملة في حالة الاعتداء على حياته وجواز تزويجه وتزوجه والصلاة خلفه وعليه ودفنه في مقابر المسلمين إلى غير ذلك من الحقوق، ولا يفرق الإباضية اطلاقاً بين إباضي وغيره في هذه الحقوق.وإذا حدث واعتقد غير المسلم شيئاً من العقائد المخالفة لما يعتقد الإباضية صوابه فإن الإباضية يرون أن واجبهم ومن حقوقه كمسلم إيضاح العقيدة الصحيحة له ودفع الشبه التي جعلته يعتقد غير الحق، ولكن ذلك لا يخرجه من جملة المسلمين ولا ينقصه شيئاً من حقوقه كمسلم فإن القاعدة التي يتمسك بها الإباضية أن من دخل الإسلام بيقين فلا يخرج من الإسلام إلا بيقين مثله، فما دام هذا المخالف له دليله الذي يستند عليه ولو كان أوهى من خيط العنكبوت فإن ذلك كاف في أن يبقيه في جملة المسلمين.وفي ذلك يقول الإمام السالمي:ونحن لا نطالب العبـادا === فوق شهادتيهم اعتقــــــادافمن أتى بالجملتين قلنـا === إخواننا وبالحقوق قمنــــــاولا يخرج الإباضية مخالفيهم من الإسلام ولا يسقطون شيئاً من حقوقهم كحرمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم فلا يستحلون قتالهم أو غنيمة أموالهم أو سبي ذراريهم ولا يحرمون تزويجهم والتزوج منهم ويبيحون إعطاء الزكاة لهم ولهم حقوقهم كاملة في الميراث والقصاص والديات، ولهم حق الصلاة لهم ودفنهم في مقابر المسلمين.ولم يحدث قط أن حكم عالم من علماء الإباضية على أحد من المخالفين بالشرك والخروج من الإسلام إلا ما حدث من الإمام هارون بن اليمان من علماء إباضية حضرموت في القرن الثالث الهجري فإنه ألف رسالة حكم فيها على المشبهة والمجسمة بالشرك، وحجته في ذلك أن الله تعالى لا يوصف بصفات البشر من لزوم الأعضاء له، فإذا جاء من يصف الله تعالى بأن له أعضاء حسية كاليد أو الرجل أو العين أو الوجه فهذا يعني أنه يعبد إلهاً غير الذي نعبده إذ إن الله عز وجل الذي نعبده لا يتصف بتلك الصفات، وما دام الأمر كذلك فهو إذن ليس بمسلم.غير أن الإمام محبوب بن الرحيل وكان إمام الإباضية في ذلك الوقت رد على الإمام هارون بن اليمان برسالة أرسلها إلى حضرموت وأخرى إلى عمان فند فيهما ما ذهب إليه الإمام هارون، وقال ما ملخصه أن المجسمة والمشبهة يعبدون الله تعالى الذي نعبده ولكنهم يصفونه بصفات لا تليق به من الصورة والأعضاء معتمدين على فهمهم الظاهر لآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يخرجهم من جملة المسلمين بل هم باقون على وصف الإسلام.ومنذ ذلك الحين لم يتغير موقف الإباضية من مخالفيهم وأن ما يعتقدونه لا يخرجهم من الإسلام، بل هم مسلمون باقون على إسلامهم ولهم جميع حقوق المسلمين ما دام لهم دليل يستندون إليه._____________________________________________ _____منقول ( بتصرف):المصدر من كتاب ( الجانب الفكري في المذهب الإباضي ) بقلم الشيخ صالح بن أحمد بن سيف البوسعيدي
بعض نصوص علماء المذهب:يوضح السالمي موقف الإباضية من مخالفيهم بإيضاح بين، وذلك في قوله: "لا نرى الفتك بقومنا – يعني مخالفيهم – ولا قتلهم غيلة في السر؛ لأن الله لم يأمر به في كتابه ولم يفعله أحد من المسلمين". ويقول أيضا: "نرى أن مناكحة قومنا وموارثتهم لا تحرم علينا ما داموا يستقبلون قبلتنا". ويقول عن الاستعراض الذي تدين به الأزارقة: "ولا نرى استعراض الناس بالسيف ما داموا يستقبلون القبلة" . (الإباضية بين الفرق ص 311).ويقول الوارجلاني عن مخالفيهم وما يكون عليه الإباضية في ساحة الحرب تجاههم: "وإن حاربناهم فإنا لا نتبع مدبرا ولا نجهز على جريح، وأموالهم مردودة عليهم إلا ما كان لبيت المال، فإنا نحوزه على وجهه ولا نتورع عن جميع ما في أيديهم من المظاليم عندنا إذا كان جائزا في مذهبهم وما كان في أيديهم من بيت مال المسلمين فإنا نأخذه ولا نرده إليهم، ونصرفه في وجوهه، وإن كان مظلمة رددناها إلى أهلها".ويرى الثعاريتي – وهو أحد علماء الإباضية – أن ما قيل عن الإباضية من تحليلهم لغنيمة أموال مخالفيهم من سلاحهم وكراعهم عند الحرب غير صحيح، "إذ تآليف أصحابنا – كما يقول – كلها ناطقة بتحريم أموال أهل القبلة في الحرب وغيرها للغني والفقير".هذا التنظير أنعكس بطبيعة الحال على تعامل الإباضية مع مخالفيهم فلم يستعرضوا الناس ذلك لأن حرمة دم المسلم عظيمة عندهم.
بعض نصوص علماء المذهب:يوضح السالمي موقف الإباضية من مخالفيهم بإيضاح بين، وذلك في قوله: "لا نرى الفتك بقومنا – يعني مخالفيهم – ولا قتلهم غيلة في السر؛ لأن الله لم يأمر به في كتابه ولم يفعله أحد من المسلمين". ويقول أيضا: "نرى أن مناكحة قومنا وموارثتهم لا تحرم علينا ما داموا يستقبلون قبلتنا". ويقول عن الاستعراض الذي تدين به الأزارقة: "ولا نرى استعراض الناس بالسيف ما داموا يستقبلون القبلة" . (الإباضية بين الفرق ص 311).ويقول الوارجلاني عن مخالفيهم وما يكون عليه الإباضية في ساحة الحرب تجاههم: "وإن حاربناهم فإنا لا نتبع مدبرا ولا نجهز على جريح، وأموالهم مردودة عليهم إلا ما كان لبيت المال، فإنا نحوزه على وجهه ولا نتورع عن جميع ما في أيديهم من المظاليم عندنا إذا كان جائزا في مذهبهم وما كان في أيديهم من بيت مال المسلمين فإنا نأخذه ولا نرده إليهم، ونصرفه في وجوهه، وإن كان مظلمة رددناها إلى أهلها".ويرى الثعاريتي – وهو أحد علماء الإباضية – أن ما قيل عن الإباضية من تحليلهم لغنيمة أموال مخالفيهم من سلاحهم وكراعهم عند الحرب غير صحيح، "إذ تآليف أصحابنا – كما يقول – كلها ناطقة بتحريم أموال أهل القبلة في الحرب وغيرها للغني والفقير".هذا التنظير أنعكس بطبيعة الحال على تعامل الإباضية مع مخالفيهم فلم يستعرضوا الناس ذلك لأن حرمة دم المسلم عظيمة عندهم.
تعليق