أُخادِعُ نفسي بالأماني الكَـواذِبِ ** و أُنفِقُ عُمْري في اتّقــاءِ النّوائِب
و لا وَطَـــنٌ عندي و لا ذو مُـــروءَةٍ ** يُنافِحُ عنّي في قِـراعِ المَصـائب
جَزى اللهُ إخواناً تَمادَوا بِجهلِهِم ** و قَوْمــاً وَفَوا للغَـدْرِ أوفى المَطـالِب
و قد كانَ لي صَحْبٌ عَبيداً كأنّهُمْ ** لِجَـزْلِ عَطـائي بـاذِلاً للمَـواهِـب
أصــاولُ عنهُـمْ كُلََّ خَطْـبٍ مُناجِزٍ ** لِحَرْبٍ فَـأُصْمي مُرْزِماتِ المَاعب
و كنتُ لهمْ ذَوْداً و دِرْعاً و صارِماً ** و ها أنا أشكو اليَوْمَ مِن نَكْثِ صاحِـب
بَذَلْتُ و كان الوَفْرُ جَمّـاً نَميرُهُ ** و قد صِـرْتُ لا مالاً ولا قَصْـدَ راغِـبِ
و لو كان لي عَتْـبٌ يُرجّى قَبولُهُ ** عَتِبْتُ و ما أُلزِمْتُ صَمْـتَ المـوارِبِ
فقد يورِثُ العَتْـبُ الجميلُ عَداوَةً ** و تلك سَجايا النّاسِ عند التّعاتُبِ
و من يَدّخِرْ للدّهْـرِ ناساً خَبُرْتُهُمْ ** رمتْهُ قِسِيُّ الجّهْلِ سَهْمَ المَعاطِــبِ
دَعِ الشمسَ تجري وِفْقَ ما أحكَمَ القَضا ** تواصِلُ بالإشراقِ هَجْرَ المَغارِبِ
و كُنْ أنتَ للأفــــلاكِ قُطْباً مَـدارُهُ ** يُـزانُ بأحْداقِ النّجـومِ الثّواقِـبِ
حَزِنْتُ و هل أبقى ليعقـوبَ حُزْنُــهُ ** على يوسفٍ غيرَ العيـونِ الذّواهِبِ
و ما كان حُزْني مِن خُطوبٍ سَئِمْتُها ** فَمَنْ لم يُقـاسِ الدّهرَ غِــرُّ التَجاربِ
و لكنّ جَوْرَ النّاسِ أدمى مَحاجِــري ** بِغَـــــدْرِ فتىً يُنْمى إلى آلِ غالـــبِ
نَمـــاهُ إلى العَليـــاءِ و الفَخْرِ مَحْتِدٌ ** و مَجْدُ تَسامى في سماءِ المَناقِــبِ
إذا افتخرَ الإسلامُ فالفَخْـرِ مُسْلِمٌ ** رسولُ الحسينِ السّبْطِ و ابنُ الأطائِبِ
و مَنْ عَمُّــــهُ عند المُلِمّـــاتِ حيدرٌ ** تَناهَــــتْ إليهِ ساميـاتُ المَــراتِبِ
و مَنْ عَمُّهُ في الحَزْمِ و العَزْمِ جعفرٌ ** يَؤوبُ و قد وافى بأغلى المَكاسِـبِ
و عبدُ مُنـافٍ جَدُّهُ ناصَــــرَ الهُدى ** و آوى و حـامى جاهِداً غيرَ ناكِــبِ
أبو طالبٍ أكـرِمْ بهِ مِنْ مُجاهِـدِ ** يَـذُبُّ عن المختـارِ دونَ الأَقــارِبِ
و مِنْ بعدِهِ أوصى عَقيــلاً و جعفراً ** على نَصْرِ طاها خَيْرِ فَــرْضٍ و واجِـبِ
كفى مُسلِماً ما أسبَغَ المَجْدُ ضافِياً ** مِنَ الجْودِ ما جادى سَخاءَ السَّحائِبِ
لَهُ والـدٌ أوفى لِطاهـا عُهودَهُ ** و قد أقبلَتْ بالمَـوتِ أُسْدُ الكتائِـبِ
غَداةَ حُنَيْنٍ (والقَنـا تَقْـرَعُ القَنا) ** و سودُ المنايــا تحتَ بيضِ القَواضِبِ
سرى ابنُ عقيلِ الخَيْرِ ذو الفَضْلِ مُسْلِمٌ ** رسولَ هُدىً يجلو ظلامَ الغَياهِبِ
رسولَ هُدىً عن سِبْطِ طاها مُجَلِّياً ** حَقائقَ نَهْجِ الحَـــقِّ عن كُلِّ رائِـبِ
إلى الكوفةِ الحمـراءَ مِنْ أرضِ مكّـةٍ ** فسبحانَ مَن أسْرى بخيرِ الرَّكائِبِ
ليأخُذَ منها العَهْدَ في نَصْـرِ دينِهِ ** و إرجاعَ حَـقِّ اللهِ مِنْ كُلِّ غاصِبِ
و إصلاحَ ما شاء المُضِلّونَ صَدْعَـهُ ** و تَقْويضَ ما شادَتْهُ أيْدي المَعـائِبِ
و كَمْ أوفَدوا أو كاتَبوا سِبْطَ أحَمَدٍ** أنْ اقْدِمْ إلينا تَلْـقَ مُخْضَرَّ جانِبِ
و ما خادَعـــوهُ إنّما نَحْسُ جَدِّهِــمْ ** رماهُـمْ بأدناهُـنَّ سوءَ العَواقِـبِ
أتى مُسْلِمٌ و الرّشْدُ حادٍ رِكابَـهُ ** إلى مَجْمَعٍ ظامٍ إلى الرُّشْدِ ساغِبِ
و ما جــاء للدّنيا الذي عاشَ ثائِراً ** يرى الموتَ دونَ الحَقِّ أسمى الرَّغائِبِ
و لكنَّما الشَيطـانُ أوحى لِجُنْــدِهِ ** مَكائِدَ لا تبدو لِعَيْـنِ المُراقِــبِ
تُفرِّقُ شَمْلَ الناسِ مِنْ بعدِ جَمْعِهِمْ ** و قد حَكّمتْ فيهِمْ شُــرورَ المَـآرِبِ
دعا ابنُ زِيادِ الوَغْدُ جَيْشـاً مُجَرَّبـاً ** إلى حَرْبِ ليثٍ غالِـبٍ للغَــوالِبِ
و قد صالَ فَرْدَاً شَدّ بالجَّمْعِ بأسُـهُ ** فما بينَ مَنحـورٍ و ما بينَ هــارِبِ
و لمّا دعاهُ المــوتُ نَصْــراً لِدينِــهِ ** أراهُمْ مِنَ الإقـدامِ إحْـدى العَجائِبِ
لهُ صـــــارِمٌ لا يألَفُ الغِمْـــدَ حَـــدُّهُ ** و ليس لهُ مِنْ نَبْــوَةٍ في المَضــارِبِ
فألقَـوْا إليه السِّلْمَ و العَهْدُ بينَهُـــمْ ** رُجوعــاً لأمْرِ اللهِ بينَ المَطــالِبِ
و لكنّهــمْ للغَــدْرِ ألْقَـــوْا قِيادَهُــمْ ** فخانوهُ أبنـاءُ البُــغاةِ النَّواصِــب
بنفسي غَريباً مُبْعَـــدَاً عن دِيــارِهِ ** أحاطَتْ بهِ الذُّؤبانُ مِنْ كُلِّ جانِبِ
و قد ضاقَ في عَيْنَيْهِ ما أوسَعَ الفَضا ** و جارَتْ عليهِ مُردِياتُ المَصـــائِبِ
فقادوهُ نحوَ المـــوتِ للهِ ما دَجــا ** مِنَ الخَطْبِ ما أبكى عيـونَ النَّوائِبِ
و قد ذاقَ حَرَّ السّــيفِ صَبْراً مُكَبَّـلاً** و جَرّوهُ في الأسواقِ دامي الجَّوانِبِ
و قد مُزِّقَتْ أشْــلاؤُهُ مُذْ رَمَـــوا بهِ ** مِنَ القَصْرِ إطفاءَ الضُّغُـونِ اللّواهِـبِ
لِمُسلِمَ فَلْيَبْكِ أولـــوا الدّينِ و التُّقى ** دَماً و لْيَــزِدْ بالنّوْحِ نَدْبُ النّوادِبِ
ألا يا رسـولَ اللهِ منّي ثَواكِـلٌ ** تُعزّيكَ في نَظْــمِ الدّموعِ السَّواكِبِ
أسَلْتُ بهـــا قلبي رَجــاءً لِقُرْبِكُـمْ ** و قُرْبِ إمــامِ العَصْرِ مِن آلِ طالِبِ
إمامٍ هُدىً أدعــــو مِنَ اللهِ نَصْــرَهُ ** فحَتى متى أبكي على فَقْدِ غائِبِ
عليكمْ صـــلاةُ اللهِ تَتْـرى نَدِيَّـــةً ** و للعِتْـرَةِ الآلِ الكِـرامِ الأطــائِب
عادل الكاظمي
تعليق