إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

صلح الحسن (ع).. أعظم مرونة بطولية في التاريخ*/ للسيد الخامنئي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صلح الحسن (ع).. أعظم مرونة بطولية في التاريخ*/ للسيد الخامنئي

    الصلح وتبديل مجرى الخلافة




    لقد قيل الكثير بشأن هذا الصلح. وأمّا ما أريد أن أقوله فهو التعامل مع قضية صلح الإمام الحسن (عليه السلام) من رؤية جديدة. لأنّ هذه الحادثة تمثّل مقطعاً تاريخيّاً شديد الحساسيّة يجعل أهميّة هذه الحادثة أكبر من أيّة حادثة سياسيّة طيلة تاريخ الإسلام. إنّ تاريخ الإسلام مليءٌ بالأحداث المختلفة - أحداث عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وما بعده وعصر أمير المؤمنين (عليه السلام) والحوادث في عهد الأئمّة (عليهم السلام) والأمويين والعبّاسيين - فلذلك، الإسلام تاريخٌ مليءٌ بالحوادث المهمّة. لكن لعلها قليلةٌ هي الأحداث الّتي تشبه هذه الحادثة، حادثة الإمام الحسن (عليه السلام) ، من حيث البُعد المصيريّ للتاريخ الإسلاميّ كلّه. لا يوجد ما يماثل هذه الحادثة سوى حادثة أو اثنتين في تاريخ الإسلام، كان لهما الأثر المصيريّ على مستوى حركة الإسلام وتاريخ الإسلام كلّه وعلى مرّ القرون المتمادية. كانت حادثةً مهمّةً جداً من هذه الناحية.
    خلاصة الأمر أنّ هذه الحادثة هي عبارة عن تبديل مجرى الخلافة الإسلامية إلى المَلَكية. فهذه الجملة مليئة بالمعنى والمضمون لو تأمّلنا فيها. فالخلافة هي نوع من الحكومة والملكية هي نوعٌ آخر. ولا ينحصر التمايز بين هاتين بخصوصيّة واحدة أو خمس خصوصيّات. فمسار الملكيّة ومسار الخلافة، هما مساران منفصلان ويتمايزان بالكامل على مستوى إدارة المسلمين وحكمهم، وإدارة البلاد والمجتمع الإسلاميّ. وفي هذه الحادثة تبدّل مسار القطار العظيم للتاريخ الإسلاميّ والحياة الإسلامية، مثلما يحدث عندما تنظرون إلى القطارات عند تغيّر مساراتها، ففي محلٍّ ما يتم تبديل هذه السكّة ويؤدي ذلك إلى أن يتغيّر مسار القطار 180 درجة، وقد يكون القطار متّجهاً نحو الشمال فيصبح بعد ذلك متّجهاً إلى الجنوب. وبالطبع، إنّ هذا التغيير إلى 180 درجة لا يحصل في لحظةٍ واحدة ملموسة، لكنّ في نهاية الأمر، عندما ينظر الإنسان يجد أنّه قد حصل ذلك، وإنّني أنظر إلى هذه الحادثة من هذه الحيثية.

  • #2
    صراع الحق والباطل



    هناك سبعة أسئلة أساسية تدور حول هذا النص:
    الأوّل: بعد صلح الإمام الحسن (عليه السلام) حلّ مسارٌ آخر مكان المسار السابق، فانتقلت السلطة من خطٍّ - بحسب تعبير الرائج اليوم - إلى خطٍّ آخر. فما هي مميّزات وخصائص هذين الخطّين؟ وما هي خصائص هذين المسارين الّذين تبادلا الأدوار معاً؟
    الثاني: ما هي أساليب تيّار الباطل الّذي أمسك بالسلطة من أجل كسب القدرة والهيمنة على المجتمع؟
    الثالث: ما هي أساليب تيّار الحقّ الّذي خسر القدرة - أي تيّار الإمام الحسن - من أجل مقاومة تيّار الباطل؟ ما هي الأساليب والطرق الّتي استخدمها الإمام؟
    الرابع: تحليل ودراسة الهزيمة. ماذا حدث حتّى انهزم تيّار الحقّ في هذه الأحداث؟ ما هو تحليل هذه الأمور؟
    الخامس: كيف كان سلوك المنتصرين تجاه المغلوبين؟ لأنّ من أهم الفصول المليئة بالدروس والعبر هو هذا الفصل.
    السادس: كيف كان سلوك المغلوبين مقابل الغالبين؟ أيّة سياسة اختاروا؟ وأيّة استراتيجية؟ وماذا كانت عاقبة الأمر؟
    السابع: ماذا كانت العاقبة؟




    خصائص تيار الحق والباطل



    فيما يتعلّق بخصائص كلّ تيّار، هناك الكثير ممّا يمكن أن يُقال، بحيث لو أردنا أن نعدّدها لاحتجنا إلى لائحةٍ طويلة، وقد قمت بتبويبها. فإنّ تيّار الحقّ، أي تيّار الإمام الحسن (عليه السلام)، يعطي الأصالة للدين، فبالنسبة لهم الأصل كان الدين. فما هو الدين؟ هو أن يبقى الإيمان والاعتقاد بالدين عند الناس، وأن يبقى الناس متعبّدين بالدين ومتمسّكين بالإيمان والعمل، وأن يكون الدين حاكماً في إدارة المجتمع. كان الأصل بالنسبة لهم هو أن يتحرّك المجتمع وفق إدارة الدين وقدرته وحاكميّته وأن يكون النظام هو النظام الإسلاميّ. الحصول على القدرة والحكومة والإمساك بزمام السلطة هما بالمرتبة الثانية، والثالثة والرابعة وهكذا، وغيرها من القضايا الفرعية. لكنّ القضية الأساس كانت أنّ هذا النظام وهذا المجتمع ينبغي أن يُدار وفق حاكمية الدين، وأن يبقى أبناء هذا المجتمع على دينهم وإيمانهم، وأن يترسّخ ويتعمّق هذا الأمر في قلوبهم. كانت هذه هي خصائص التيّار الأوّل.
    أمّا التيّار الثاني فكان الإمساك بالسلطة هو الأصل عنده، بأيّ ثمنٍ كان. كانوا يريدون الحكومة... وكانت هذه هي السياسة الحاكمة على التيّار الثاني. وكانت القضية بالنسبة لهذا التيّار الإمساك بالسلطة بأيّ ثمنٍ كان وبأيّة وسيلة ومهما كانت الوسائل.
    مثلما هو معروفٌ الآن في العالم بين السياسيين. بالنسبة لهم ليس الأساس الأوّل للقيم والأصول. فإن استطاعوا أن يحافظوا على الأصول الموجودة في أذهانهم فَبِها، وإن لم يتمكّنوا فإنّ الأساس عندهم هو أن تبقى السلطة بأيديهم. هذا ما هو مهمٌّ بالنسبة لهم. ومثل هذا يُعدّ حدّاً حسّاساً ومهمّاً. من الممكن أن يكون كلّ من التيّارين عاملاً بظواهر الدين، كما كان الأمر في الحرب بين أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعاوية. ففي يومٍ من الأيّام، نجد أنّ جماعة من المقاتلين كانوا في صفوف أمير المؤمنين (عليه السلام) - في حرب صفّين الّتي وقف معاوية فيها مقابل أمير المؤمنين (عليه السلام) - ثم تردّدوا، وكان من بينهم عدّة من أولئك الّذين يحملون الشبهات ولا يستطيعون أن يحلّوها بأنفسهم، ولا هم يرجعون إلى شخصٍ قادرٍ على ذلك، فلذلك كانوا يعزمون على إشاعتها، فيجمعون مجموعة من الأفراد من حولهم. ومثل هؤلاء كانوا يقعون في التردّد، فيقولون لماذا نحن نتحارب؟ فهم يصلّون ونحن نصلّي، وهم يقرأون القرآن ونحن نقرأ القرآن، وهم يذكرون النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحن كذلك، فوقعوا في مثل هذا التردّد والحيرة. وكان هناك عمّار بن ياسر - وقد وجدت نقطةً بارزةً بشأن عمّار بن ياسر في تاريخ صدر الإسلام - هذا الجليل المحلِّل والكاشف للمسائل المليئة بالشبهات والدقيقة، والّتي كانت في ذلك الزمان مورد غفلة وجهالة. فهذا هو شأن عمّار بن ياسر في تاريخ الإسلام. فإذا كنّا نعرف مالكاً الأشتر بسيفه وشجاعته، فعلينا أن نعرف عمّار بن ياسر بكلامه وفكره ورؤيته الصحيحة وكشفه للكثير من الأمور في تاريخ صدر الإسلام. قليلة هي الموارد الّتي كانت موارد شبهة في زمن أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا يوجد لعمّار بن ياسر فيها حضور. لقد كان هذا الرجل الجليل رجلاً استثنائياً.
    لقد علم عمّار بن ياسر أنّ هناك جماعة وقعوا في هذه الشبهة، فذهب إليهم وبيّن لهم الحقائق، واتّضح لهم أنّ القضيّة ليست قضيّة هذه الظواهر كالصلاة، وقال أقسم بالله إنّني رأيت في حربٍ أخرى هاتين الرايتين تتقابلان، هذه الراية الّتي يحملها أمير المؤمنين (عليه السلام) اليوم، وهذه الراية الّتي تقف مقابله ويحملها معاوية، وذلك في معركة بدر. ففي معركة بدر تقابلت هاتان الرايتان - راية بني هاشم وراية بني أميّة - فكان تحت هذه الراية الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وتحت تلك الراية معاوية هذا وأبوه، وتحت هذه الراية النبيّ وهذا أمير المؤمنين (عليه السلام) . فالخلاف بينهما خلافٌ أصوليّ. فلا تنظروا إلى هذه الظواهر، وأزيلوا هذه الشبهة من أذهانكم.
    أحياناً، قد يراعي هذا التيّار، الّذي تكون السلطة أساساً بالنسبة له، الظواهر الإسلامية وهذا ليس دليلاً ومعياراً، بل ينبغي النظر إلى باطن القضيّة وتشخيصها بذكاء، وكيف أنّ كلّ تيّار ينطبق على أيّ شيء، هذا هو الأمر الأول. فخصائص كلّ من التيارين: أنّ هناك تياراً لا همّ له سوى الوصول إلى السلطة، وتيّاراً يتّجه نحو القيم والمبادئ والأصول. فالبُنى الإسلامية والأفكار الإسلامية الأصيلة، أي القيم الإسلامية، هي الّتي يؤمن بها ويسعى من أجلها ويجاهد في سبيلها. فمن جانبٍ هناك الأصوليّة والتوجّه إلى الأصول وحفظ القيم الأصيلة، وفي المقلب الآخر، هناك السعي نحو السلطة والإمساك بالقدرة. وأحياناً، يكون الأمر هكذا وفي بعض الأحيان في طريقٍ آخر، لكن مهما حدث فإنّه يريد الإمساك بالسلطة. هذا هو الأمر الأوّل.

    تعليق


    • #3
      أساليب تيار الحق والباطل في العمل



      أمّا بالنسبة لتيّار الباطل فما هي الأساليب الّتي استخدمها؟ فمثل هذا لافت للأنظار جداً. إنّ أساليب الباطل في العموم هي مزيج من عدّة أشياء، أي أنّ خطّة معاوية كانت مبنيّة على عدّة أجزاء من أجل الحفاظ على السلطة وتعميق القدرة، ولكلٍّ منها أسلوبه ومنهجه بحسب اختلاف المكان. فأحد هذه الأساليب كان عبارة عن استعراض القدرة، وفي بعض الأماكن كانوا يصرّون كثيراً على هذا الاستعراض وينكّلون؛ وثانيها هو المال، الّذي يُعدّ أكثر الأشياء فعالية بيد عوامل الشرّ، الآخر هو الإعلام، والرابع هو العمل السياسي، أي الأساليب السياسية، والمقايضات السياسية. هذه بالمجموع أساليب معاوية.


      في مكانٍ ما يبلغ العنف بمعاوية درجة أن يقتل حُجر بن عديّ، الّذي هو من صحابة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، حتّى ولو كان قتله يحمّله ثمناً باهظاً. ثمّ يلاحق رشيد الهجريّ حتّى يقتله. ونجده يولّي زياد بن أبيه، هذا الفرد الظالم والمعقّد والّذي لا قيمة عنده ولا همّ له سوى السلطة، والّذي كان سيّئ الأخلاق، يولّيه على الكوفة - الّتي هي مركز سلطة الفكر الشيعيّ والفكر الولائيّ - ويعطيه الإجازة والصلاحية ليفعل ما يريد. وبشأن زياد بن أبيه كتب المؤرّخون: "أخذْك بالظنّة وقتلْك أولياءه بالتّهمة"[1]، فكان يأخذ أيّ شخصٍ بالتهمة، وسوء الظن لأدنى مورد، فيعتقل ويحبس وينكّل بكلّ من اتُّهم بالانتماء لأهل البيت أو التعاون معهم ومع ذلك التيّار المغلوب، ويقتله ويقضي عليه. لقد عمّت فتنة في الكوفة والعراق الّذي كان مركز حاكمية التشيّع وأهل البيت (عليهم السلام). هكذا كان يستعرض قوّته. ومعاوية نفسه في موردٍ آخر، كان يلاطف امرأة عجوز تأتي من القبيلة الفلانية وهي تسبّه وتشتمه، وتوبّخه بأنّك فعلت كذا وكذا وكذا، فيضحك لها ويلاطفها، ولا يقول لها شيئاً. يأتي عديّ بن حاتم إلى معاوية وقد كان فاقد البصر، فيقول معاوية: "يا عديّ إنّ عليّاً لم ينصفك، لأنّه حفظ ولديه في حروبه وأخذ منك ولديك". يبكي عديّ ويقول: "يا معاوية، أنا لم أنصف أمير المؤمنين حينما استُشهد هو وأنا ما زلت حيّاً"[2]. وكان كلّ من يأتي من المرتبطين بأهل البيت (عليهم السلام) إلى مجلس معاوية، فيحصل فيه أقل إهانة لأمير المؤمنين، كان يحمل على معاوية وأتباعه بشجاعة وقوة وصراحة، وكان معاوية يضحك ويلاطف وأحياناً كان يبكي. كان يقول: أجل تقول حقّاً. لعلّ ذلك بالنسبة لكم لا يُصدّق، ولكن هذا الواقع، هكذا كان الإعلام، فالإعلام أكثر الأساليب سمّاً وخطراً على مرّ التاريخ. وكان الباطل يستفيد منه كثيراً. ولا يمكن لتيّار الحقّ أن يستخدم الإعلام كما يستخدمه الباطل في أيّ زمن. فلأجل أن يتمكّن الإعلام من التغطية الكاملة على الأذهان يحتاج إلى التلاعب وإلى الكذب والخداع. وتيّار الحقّ ليس من جماعة الكذب والخداع. إنّه تيّار الباطل الّذي لا يهمّه أي شيء، فالمهمّ عنده هو أن يقلب الحقيقة في أعين الناس. وهو يستفيد من جميع الوسائل، وقد فعل.


      وما هو مشهور ومتناقل على ألسن متعدّدة، أنّه عندما قُتل أو ضُرب أمير المؤمنين (عليه السلام) في محرابه، تعجّب أهل الشام كيف أنّ عليّاً كان في المحراب. فالمحراب هو للصلاة، وبعض الناس لا يصدّق مثل هذا، ولكن هذا هو الواقع؛ فعلى مدى سنوات كانت حكومة معاوية، ومن قبله أخيه يزيد بن أبي سفيان، تبثّ مثل هذه الأنباء في الشام، وتُظلم الأجواء وتشوّش الأذهان، بحيث إنّه لم يكن من الممكن لأحد أن يفهم غير هذا، هذا ما حدث. كان الإعلام لمصلحة بني أميّة ومعاوية وضدّ آل النبيّ. فهذا الواقع الّذي قام في العالم الإسلامي وبقي إلى حوالي مائة سنة بعد الهجرة - أي لعلّه أربعون أو خمسون سنة بعد عهد أمير المؤمنين (عليه السلام)، كان أمير المؤمنين يُلعن خلالها على المنابر - وهذا اللعن في عالم الإسلام، الّذي يُتّهم به الشيعة ويلامون عليه أنّه لماذا تلعنون بعض الصحابة، كان من عمل معاوية وأخلاقه، فهم من قام بهذا العمل، إنّه عمل معاوية. فأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) الّذي كان "أفضل القوم[3] وأقدمهم إسلاماً[4]" وأقرب أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان يُطعن به ويُلعن لعشرات السنوات على المنابر. وحتى زمن عمر بن عبد العزيز، الّذي منع ذلك عندما صار خليفةً، وقال لا يحقّ لأحد أن يفعل هذا. فبعد عبد الملك بن مروان، حكم ولداه، الوليد وسليمان، بحدود 12 أو 13 سنة، ثمّ جاء بعدهما عمر بن عبد العزيز، وبعد سنة أو سنتين من حكومته، حكم ولدا عبد الملك الآخران أي يزيد وهشام. لم يسمح عمر بن عبد العزيز لهم أن يلعنوا أمير المؤمنين، وهو ما كانوا يفعلونه إلى ذلك الوقت. هذا هو أحد الأعمال الّتي كانوا يفعلونها. أجل، في البداية كان الناس يتعجّبون لكنّهم اعتادوا على ذلك شيئاً فشيئاً.


      نقرأ في التاريخ أنّه لم يبقَ من قارئٍ أو محدّثٍ أو راوٍ في الدين أو في العالم الإسلاميّ إلّا وأجبره جهاز حكومة معاوية وأتباعه على اختلاق حديثٍ أو تفسير آية، وأمثال ذلك، في ذمّ أهل البيت (عليهم السلام) وفي مدح أعدائهم. هذا سُمرة بن جندب بن معروف الّذي وردت بشأنه الرواية المعروفة "لا ضرر ولا ضرار"[5]، وهو كان من أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، غاية الأمر أنّه صحابيّ غضب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه، وذلك بسبب تلك القصّة المعروفة أنّه كان له شجرة في أرضٍ لعائلةٍ وكان يذهب ويزعجهم ويدخل عليهم في بيتهم من دون أي استئذان، ومع وجود العائلة والنساء والأطفال في ذلك البيت، وكانوا يرونه قد دخل عليهم فجأة لأنّ له هذه الشجرة، فشكوا إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : بِع هذه الشجرة لأصحاب هذا البيت، فقال: لا أبيعها، هذه شجرتي وأنا أريد أن أهتمّ بشجرتي، فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): بِعها لي، فلم يقبل، فقال له الرسول: أعطيك المبلغ الفلانيّ، فلم يقبل، فقال له الرسول: أعطيك شجرة في الجنّة، وهذا يعني وعداً بالجنّة، لكنّه لم يقبل وقال أريد هذه الشجرة ولا بدّ، فلمّا وجد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك الإصرار قال لصاحب المنزل اذهب واقتلع هذه الشجرة وارمِها خارجاً "فلا ضرر ولا ضرار في الإسلام"، أي أنّه لا يوجد في الإسلام ما يقبل بأذيّة الناس وضررهم، فإذا كان الأمر بحجّة أنّ هذا ملكي فنؤذي الناس، فلا يوجد مثل هذا الأمر في الإسلام. فحديث "لا ضرر" المعروف الّذي يُعدّ من الأصول والقواعد الفقهية عندنا هو بشأن هذا الرجل. إنّ سمرة بن جندب بقي حيّاً إلى زمن معاوية. انظروا أيّة عاقبةٍ حسنة وصل إليها، لأنّ معاوية كان يسعى وراء الصحابة. فقد كان لأصحاب النبيّ شهرة ومكانة ولهذا كان يسعى لجمعهم حوله. فأحضره معاوية إليه وقال له إنّني أرغب في أن تقول إنّ هذه الآية المعروفة، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾[6] قد نزلت بعليٍّ (عليه السلام). أراد معاوية أن يجعل هذه الآية مقابل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذمّ الدنيا، في تلك الخطبة القاصعة في نهج البلاغة الّتي لها أثر كبير. أنتم تلاحظون أنّ تلك الكلمات والخطب كانت في منتهى الجمال.


      تصوّروا اليوم مثلاً شخصاً يؤلّف كتاباً أو شعراً أو مقالةً في غاية الفصاحة والجمال والفنّ حول موضوع ما، من الطبيعيّ أنّ الموضوع سيأخذ مجده، وسيكون لصاحب هذا الأثر الفنّي حلاوة في أعين الناس. وهنا لا يمكن في الواقع مقارنة كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) بأيّ أثر من الآثار الفنّية الّتي نعرفها، إنّه فوق ذلك بكثير، إنّه آية في الجمال. وهذه كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة، وكذلك هي في الواقع في بيان القيم الإسلامية والمعارف الإسلامية، كانت ممّا لا يمكن لمعاوية تحمّله وقبوله، لأنّها تجعل أمير المؤمنين (عليه السلام) مورد استحسان في أعين الناس. أراد (معاوية) أن يواجه هذه الكلمات الزاهدة في مذمّة الدنيا، والّتي نُقلت عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلذلك قال معاوية لسمرة بن جندب قل أنّ هذه الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ؛ أي أنّ عليّاً (عليه السلام) (وفق ذلك) سيكون ممّن يتحدّث عن الدنيا بحديثٍ رائعٍ ويُعجب الناس ويقسم على ذلك لكنّه في الواقع هو من ألدّ أعداء الله والإسلام.


      والآية الأخرى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّه﴾[7] قيل إنّها نزلت في ابن ملجم. هذه من الأمور الّتي كان يحتاجها معاوية كثيراً في إعلامه وتبليغاته. فقال لأحد أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الّذي شاهده في المعارك وكان إلى جنبه - فسمرة بن جندب كان منذ حداثته جنديّاً وكان يشارك في المعارك رغم أنّه كان تحت سنّ التكليف، كان من هذا النوع، وكان من أصحاب النبيّ أيضاً - قال له قل إنّ هذه الآية قد نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام). اقترح عليه ذلك، لكنّ سمرة بن جندب، رغم أنّه كان سيئاً وشقياً، لكنّ وجدانه لم يكن مستعدّاً، فقال: كلا. والّذين كانوا يتوسّطون لهذا الأمر في بلاط معاوية قالوا له لا تقلق فإنّ حسابك سيصلك، فلا تقلق بشأن المال وسوف يعطيك 50 ألف درهماً، وكان هذا المبلغ في ذلك الزمان كثيراً جداً، فخمسون ألف مثقال من الفضّة يعني خمسة مثاقيل من الذهب، في حسابات ذلك الزمان، هذا يُعدّ ثروة كبيرة، قالوا له نعطيك خمسين ألفاً، فقال: كلا، لا أقبل. هنا يقول بعض الناس إنّ سمرة بن جندب كان في الواقع يتلاعب وأراد أن يرفع السعر لا أنّه قد أنّبه ضميره، فهو كان يعلم بأنّ معاوية يحتاج إلى هذا الأمر وفي الحقيقة كان يحاول أن يساوم. هنا، هل أنّ وجدانه كان يتقبّل الأمر أم لا، لا أعرف، ولا أضع ذلك على ذمّتي، ولكن عندما لم يقبل رفعوا السعر إلى مائة ألف درهم ولم يقبل أيضاً، حتّى وصل الأمر إلى نحو 500 ألف درهم تقريباً، لكن مثل هذا المبلغ الكبير جداً، هو ثروة استثنائية، ولكن مع ذلك لم يقبل.


      هنا، قال معاوية لذلك الّذي كان يتوسّط إنّ هذا الرجل بلا عقلٍ وهو مجنون لأنّه لا يعرف ما هي الـ 500 ألف، فقولوا له: 500 ألف وأحضروه إلى هنا حتّى أرى هل أنّه سيقبل أم لا. فأمر معاوية من كان مسؤولاً عن بيت المال أن يحضر هذا المبلغ إلى المجلس. وكما تعلمون في تلك الأزمة الأموال ستكون من الذهب، وعندما توضع في الأكياس ستكون ثقيلة وذات حجم كبير وتحتاج إلى من يحملها، فأحضر الحمّالون الأكياس ووضعوها فوق بعضها بعضاً حتّى وصلت إلى أعلى السقف، وقالوا هذه هي الـ 500 ألف، فهل أنت جاهزٌ أم لا؟ عندما نظر إلى هذه الأموال ورأى هذه الثروة العظيمة قبِل، وفسّر تلك الآية كما أراد معاوية وبقيت في الكتب. وصحيحٌ أنّ مثل هذه الكلمات الممتزجة بالخطأ والرذالة قد تمّ اختلاقها في العالم الإسلاميّ، وبالأغلب جاء العلماء فيما بعد واستبعدوها، لكن هذه رشحاتٌ من هؤلاء وقد بقيت في أذهان عدّة وأثّرت فيهم، وهذه من الأعمال الّتي كان يقوم بها معاوية في الإعلام. فمجموع هذه الأساليب هي الّتي شكّلت أساليب معاوية لكسب القدرة.


      أمّا تيّار الحقّ فإنّه لم يجلس ساكناً مقابل هجمات الباطل. فقد كانت له أساليبه والّتي يمكن اختصارها بالمقاومة أوّلاً والحركة المقتدرة. فبعضٌ تصوّر أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) لم يحارب خوفاً. كلا، إنّ الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) كان عازماً بشدّة على الحرب وهو من شجعان العرب. لقد نظرت في الكتاب في شرح بطولات الإمام المجتبى (عليه السلام) في القضايا المختلفة، فبطولاته في الأحداث المختلفة كثيرة. غاية الأمر أنّه في حروب أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وحيث كان الميدان ميدان حرب كان أمير المؤمنين (عليه السلام) نفسه يمنع أن يحارب الإمام الحسن والإمام الحسين (عليهما السلام)، وكان يمنع أن يقعا في الخطر. فقال بعضهم لماذا ترسل محمد ابن الحنفية وهو ابنك وتمنع من إرسال الحسن والحسين (عليهما السلام)؟ فقال إنّي أخاف أن ينقطع نسل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). فهما بقيّة النبيّ وأريد أن أحفظ نسل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم). كان يشعر بالخطر في ميدان الحرب وأراد أن يحفظهما، لا بسبب حبّه فهو يحبّ أبناءه الآخرين، ونفس أمير المؤمنين (عليه السلام) هو رجل الحرب ورجل الميدان والمخاطر وليس من أولئك الّذين يتوهّمون الخطر. غاية الأمر أنّهما ابنا النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأمير المؤمنين (عليه السلام) لم يرغب أن يوقعهما في الخطر. ولأنّهما حضرا في حروب أمير المؤمنين (عليه السلام) فلم يكن لهما صولات كثيرة لأجل هذا، لهذا لم يُسجّل اسم هذين العظيمين - الإمام الحسن والإمام الحسين (عليهما السلام) - ضمن الشجعان، ولكن في الحروب الإسلامية ضدّ إيران كان للإمام الحسن (عليه السلام) مشاركة، وفي دفاعه عن بيت عثمان أمام المهاجمين والثوّار، كان للإمام الحسن (عليه السلام) حضور بأمرٍ من أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفي القضايا المهمّة الكثيرة كان للإمام الحسن (عليه السلام) أيضاً حضور. وفي واقعة الجمل وصفّين كان له دورٌ مهمٌّ واستثنائيّ، وقد لاحظت اسم الإمام الحسن (عليه السلام) في وقائع صفّين والجمل، خاصّةً في هاتين الحادثتين، كثيراً. بينما شاهدت اسم الإمام الحسين (عليه السلام) أقل. أي أنّ الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) كان له حضورٌ أكثر في الميادين والأحداث من الإمام الحسين (عليه السلام). لقد كان رجل الحرب والسياسة والتدبير والفصاحة والقوّة. عندما يطالع المرء محادثات ومناظرات الإمام الحسن (عليه السلام) يقشعرّ بدنه من قوّته وقدرته. وفي وقائع الصلح، وبعد الصلح، نُقل عن هذا العظيم من الكلمات القاطعة والقاصعة ما كان في بعض الموارد أشدّ قوّةً وأحدّ من كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام). ولعلّه قليلاً ما شاهدت مثل هذه الشدّة والقدرة في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) في مقابل الأعداء، بسبب أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يواجه مثل هؤلاء الأعداء وجهاً لوجه وعن قرب، والّذين كانوا بمثل تلك الوقاحة والخبث. لهذا، لا يوجد أيّ نقصٍ في عمل الإمام الحسن (عليه السلام). إنّما كان النقص في الظروف الزمانية. وباقتدارٍ وقف للدفاع إلى الحدّ الممكن، وهذا كان أحد أساليبه. ففي بعض المواطن يكون الوقوف المقتدر سبباً للضرر. فإنّ تغيير الأسلوب والمناورة في اختيار الأساليب يعدّان عملاً أساسيّاً وضرورياً.


      والثاني الإعلام. إنّ العمل الإعلاميّ في جهاز الحقّ له أهميّة فائقة، غاية الأمر أنّ تيّار الحقّ مكتوف في الإعلام؛ فإنّه لا يمكن أن يستخدم أيّ أسلوبٍ أو وسيلة، وهو لا يبيّن سوى الحقّ والواقع. هناك أشياءٌ تكون مرغوبة عند الناس، وتيّار الباطل لا يأبى أبداً أن يظهرها كما يحبّ الناس، لكنّ تيّار الحقّ لا يمكنه ذلك، بل يبيّن الحقّ ولو كان مرّاً. كيف كان يخاطب أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه بطريقة مرّة بحيث يتعجّب الإنسان؟ نحن الّذين نحبّ أن تكون أساليبنا مثل أسلوب أمير المؤمنين (عليه السلام) أحياناً نتعجّب من هذا الأسلوب في بعض الموارد. أمّا معاوية، فلم يكن يستخدم هذا الأسلوب بتاتاً. كان معاوية يتملّق الناس، ويسعى للحصول على دعمهم بأيّ ثمنٍ. لم يفعل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) هذا الأمر أبداً، لا أنّه لم يكن يعرفه بل لإنّه خلاف التقوى وخلاف الأصول، وعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: "لولا التّقى لكنت أدهى العرب"[8]، كان هذا الأمر الأصل والجذر في هذه الأعمال والسابقة المقرّبة لعليّ من النبيّ والمفاخر العظيمة الّتي كانت له وتلك الذهنية والروحيّة العظيمة. فمن الواضح أنّه يعرف أكثر من معاوية وهو أشدّ ذكاءً منه ويمكنه أن يقوم بالكثير من الأعمال، ولكنّ الحقّ لا يجيز له.


      والأسلوب الآخر هو الإصرار على حفظ القيم. فالشيء المهم جداً عند جهاز الحق والذي يتم الاعتناء به في أساليبهم هو إصرارهم على حفظ القيم بأي ثمنٍ كان. وفي النهاية التراجع إلى حدّ حراسة بقاء الدين. فلو أنّ الحقّ رأى أنّ الصمود يؤدّي إلى أن يزول أصل الدين، فإنّه يتراجع. فالإمام الحسين (عليه السلام) يقول: "الموت أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار"[9]، فلو أنّه تقرّر أن أقبل العار فأقبله ولكن لا أدخل جهنّم. يوجد بعض الأماكن بحيث نرى بعض الناس، ولأجل أن لا يتحمّل العار، يقوم بعملٍ لا يهمّه معه أن يناله العذاب والسخط الإلهيان. ما هو العار؟ الأصل هو أن يكسب الإنسان رضا الله، وأن يؤدّي تكليفه، ولو بالتراجع عن كلامٍ قاله أو خطٍّ مشى عليه، أو تراجع عن موقفٍ له، فكل ما يريده الله، وكلّ ما يرضي الله يُعتبر أصلاً في حياة الأئمّة. كان الأمر كذلك في حياة الإمام الحسن (عليه السلام). فعندما وجد أنّه لا بدّ له أن يقبل بالصلح مع معاوية من أجل الضرورات وضغط الظرف الواقع، بالرغم من أنّه في ذلك الوقت كان يرسل الجند ويحرّض على الحرب ويجيّش الجيوش ويرسل الكتب ويقوم بكلّ ما هو لازمٌ من أجل الحربٍ وبمختلف الأعيرة، وعندما رأى أنّه لا يمكن (القيام بالحرب) قبِل بالصلح. فانفضّ عنه أقرب الناس إليه... مع أنّ الكثيرين في ذلك الوقت، وبعد أن صالح الإمام الحسن، فرحوا ومن أعماق قلوبهم لأنّهم كانوا متنفّرين من الحرب، ولكن حتّى نفس هؤلاء الّذين فرحوا، رجعوا إلى الإمام الحسن (عليه السلام) وأرادوا أن يلوموه على تراجعه عن موقفه، حتّى المقرّبون والوجهاء الّذين كانوا من الصحابة المشهورين، جاؤوا إليه وتحدّثوا معه بعبارات غير لائقة. لكنّ الإمام (عليه السلام) تراجع من أجل الحفاظ على الدين.

      تعليق


      • #4
        أسباب هزيمة تيار الحق



        القضية اللاحقة هي تحليل هزيمة تيّار الحق, إنّ السبب الأساس في هزيمة الإمام الحسن (عليه السلام) كان ضعف الرؤية العامّة وامتزاج الإيمان بالدوافع المادّية. ففي مجال ضعف الوعي العام، كان الناس بعيدين كلّ البعد عن الوعي، وكان إيمانهم الديني ممتزجاً بالدوافع المادّية. لقد أضحت المادّية عندهم أصلاً، وتزلزلت عندهم القيم لما يزيد على عشر أو عشرين سنة من بعد الصلح. وحدث ذلك في كلّ مجالات القيم. وكان هناك شيء من التمييز وغيرها من الأمور، كلّ هذه أدّت إلى أن لا يتمكّن الإمام الحسن (عليه السلام) من المقاومة. وأمّا سلوك الغالبين مع المغلوبين فبدلاً من أن يأتوا إلى الإمام الحسن (عليه السلام) وأتباعه، فيأسروهم، أو يقتلوهم، فإنّهم على العكس من ذلك، عندما تسلّطوا على الأمور، احترموهم بالظاهر وتعاملوا مع الإمام الحسن (عليه السلام) بكلّ احترام. لكنّ معاوية وجماعته قرّروا أن يمحوا الشخصية ويضعفوها. فيحفظ الشخص ويبيد الشخصية، هذا كان نهجهم. هذا كان أصلاً أساسياً في الإعلام عندهم.


        وأمّا الجّماعة المغلوبة فماذا فعلت مع الغالبين؟ لقد كانت استراتيجيّتهم أن ينظّموا تيّار الحقّ وسط هذا الفضاء المليء بالفتن والغشاوة والمخاطر والسّموم وأن يعطوه شكلاً ليكون العمود الفقريّ لحفظ الإسلام. والآن حيث لا نقدر أن نجعل كلّ المجتمع في ظلّ الفكر الإسلاميّ الصحيح، فبدلاً من أن نهتم بتيّارٍ هشٍّ قابل للزوال - وهو التيّار العام - فلنحفظ تيّاراً عميقاً وأصيلاً في أقلّية ونحفظه لكي يبقى ويضمن حفظ الأصول الإسلامية. هذا ما فعله الإمام الحسن (عليه السلام)؛ فقد شكّل تيّاراً محدوداً، أو لنقل بشكل أفضل نظّمه، وهو تيّار الأصحاب أو الأنصار وأصحاب أهل البيت (عليهم السلام) أي تيّار التشيّع. وبقي هؤلاء طيلة تاريخ الإسلام، وفي كلّ عهود القمع والتنكيل. وقد أدّى ذلك إلى أن يضمنوا بقاء الإسلام، ولو لم يكن هؤلاء لتبدّل كلّ شيءٍ. فقد كان تيّار الإمامة، تيّار رؤية أهل البيت (عليهم السلام)، ضامناً للإسلام الواقعيّ.


        وأمّا العاقبة فإنّ جماعة الغالبين والمتسلّطين والمنتصرين أضحوا مُدانين ومغلوبين، والمستضعفون أضحوا الحكّام والفاتحين في ذهنية العالم الإسلاميّ. إذا نظرتم اليوم إلى الذهنية الموجودة في العالم الإسلاميّ، وهي الّتي بنحو ما تلك الذهنية الّتي روّج لها الإمام الحسن (عليه السلام) وأمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنها ليست الذهنية الّتي أرادها معاوية ويزيد من بعده، وكذلك عبد الملك بن مروان وخلفاء بني أميّة. تلك الذهنية الّتي كانت لهم انهزمت بالكامل وزالت ولم تعد موجودة في التاريخ. لو أردنا أن نطلق عنواناً على ذهنيّتهم لقلنا إنّها ذهنية النواصب.


        النواصب فرقة من الفرق الّتي لم يعد لها اليوم في العالم الإسلاميّ وجود خارجيّ بحسب الظاهر. النواصب هم أولئك الّذين كانوا يسبّون أهل بيت النبيّ والإسلام ولا يقبلون إسلامهم، حيث إنّ هذا هو تيّارهم الذهنيّ. لو كان من المقرّر أن يكون معاوية فاتحاً وحاكماً لكان اليوم من المفترض أن يكون تيّاره هو الحاكم في العالم الإسلاميّ. في حين أنّ الأمر ليس كذلك. إنّ التيار الفكريّ لأمير المؤمنين (عليه السلام) وللإمام الحسن (عليه السلام) هو الحاكم في العالم. وإن كان في بعض من الفروع وقسم من عقائد الدرجة الثانية والثالثة لم يُنقل، لكنّه في المجموع هذا هو التيّار، الإمام الحسن (عليه السلام) بناءً على هذا هو الفاتح وتيّاره هو الّذي انتصر. هذه هي خلاصة وقائع صلح الإمام الحسن (عليه السلام) من ناحية تأثيرها على كلّ التاريخ الإسلامي




        -----------------------------------------
        * محاضرة ألقيت بتاريخ 21 أبريل 1989م
        [1] بحار الأنوار، ج 44، ص 214.
        [2] الدرجات الرفيعة، ص 360.
        [3] الكافي، ج15، ص201، "كان عليّ أفضل الناس بعد رسول الله".
        [4] عوالم العلوم والمعارف، ج11، ص 383، ".. قد زوّجتك أقدمهم إسلاماً، وأعظمهم حلماً، وأحسنهم خُلقاً، وأعلمهم بالله علماً". (من كلام الرسول مع ابنته حضرة الصدّيقة الكبرى).
        [5] من لا يحضره الفقيه، ج4، ص 334، "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام".
        [6] سورة البقرة، الآية: 204.
        [7] سورة البقرة، الآية: 207.
        [8] الكافي، ج 8، ص24.
        [9] بحار الأنوار، ج 75، ص128.

        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        x

        رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

        صورة التسجيل تحديث الصورة

        اقرأ في منتديات يا حسين

        تقليص

        لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

        يعمل...
        X