إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

مخطط اغتيال الامام الحسن الزكي (ع)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مخطط اغتيال الامام الحسن الزكي (ع)

    مخطط اغتيال الامام الحسن الزكي (عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام )

    اللهم صلي وسلم على نبينا محمد وعلى آله الطاهرين المتقين




    المحاولة الأولى: بينما كان الإمام (عليه السلام) يستحث الناس للنهوض والانخراط

    في صفوف الجيش لحرب معاوية، كان الأخير ـ حينئذ ـ يغرق الكوفة من رسائله

    إلى رؤساء العشائر وزعماء القبائل من أمثال عمرو بن حريث، والأشعث بن

    قيس، والحجر بن الحجر، وشبث بن ربعي... وكانت هذه الرسائل تحتوي على

    فكرة مشتركة واحدة وهي: (إنك إن قتلت الحسن بن علي فلك مائتا ألف درهم وجند من أجناد الشام وبنت من بناتي).


    وحينما كشف الإمام الحسن (عليه السلام) عن مؤامرة معاوية هذه، ارتدى درعاً

    واقياً فلا يتقدم الإمام (عليه السلام) للصلاة دونه، فيما كانت المجموعة ترسم

    مخطط الاغتيال ضد الإمام (عليه السلام) وقد اختارت هذه المجموعة موعد تنفيذ

    المخطط العدواني في وقت يكون فيه الإمام (عليه السلام) متلبساً، بالصلاة،

    فتحرك أحد أفراد المجموعة في الوقت المحدد لتنفيذ عملية الاغتيال، وبينما

    كان الإمام الحسن (عليه السلام) يصلي في مسجد الكوفة، قام ذلك المجرم

    بتسديد سهم في كبد قوسه، ثم أطلقه نحو الإمام (عليه السلام) فوقع السهم في

    منطقة الدرع الذي كان يلبسه الإمام (عليه السلام) فحال ذلك دون نجاح مخطط


    الاغتيال وبالتالي فشلت مؤامرة معاوية.

    ثم قام الإمام الحسن (عليه السلام) بعد أن انتهى من صلاته خاطباً في الناس

    ومحذراً أقطاب المؤامرة وبعض الفئات المتعاطفة مع معاوية فقال: (يا قوم ويلكم

    والله أن معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي وإني إن وضعت يدي

    في يده فأسالمه لم يتركني أدين بدين جدي وإني أقدر أن أعبد الله عز وجل

    وحدي ولكن كأني أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم

    يستسقــــونهم ويستطعــمونهم ممّا جعل الله لهم فلا يسقــــون ولا يطعــــمون

    فبعــــداً وسحقاً لما كسبته أيديهم (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(17).

    وكشف الإمام (عليه السلام) في خطبته هذه النقاب عن الجهة التي كانت وراء
    تنفيذ محاولة الاغتيال،



    حينما ذكر الإمام (عليه السلام) السبب الرئيسي وراء

    إقدام هذه الجهة على عملية عدوانية تسعى منها إلى تحقيق بعض المصالح

    والمطامع المادية التي وعدهم بها معاوية.




    ثم انه (عليه السلام) حذر من مغبة النتائج التي تعقب تنفيذ مثل هذه المؤامرة

    الخبيثة، ومنها سيطرة معاوية على الحكم وإقراره نهجاً سياسياً فاسداً في

    إدارة الدولة الإسلامية، خاصة وأن هذه السيطرة ستقوم على غير شرعية

    الجماهير وارادتها،

    وأنّ الهدف الرئيسي من إقدام مرتزقة زعماء القبائل على تنفيذ عملية الاغتيال ضد الإمام الحسن (عليه السلام) إنما هو ضرب الشرعية

    الجماهيرية المتمثلة في قيادة الإمام الحسن (عليه السلام) وبذلك فرض نظام

    قمعي وإرهابي غير مستند على تأييد ودعم الجماهير.

    وفي الواقع أن هذا يتم في حال غياب الوعي السياسي في الأمة، واسترسال

    الجماهير في البحث عن وسائل الرفاه والراحة واستسلامها للضغوطات وانتشار

    حالة التململ من الجهاد والمقاومة، هذه وغيرها من الأسباب حالت دون وقوف

    أبناء المجتمع في الكوفة والبصرة وغيرها، إلى جانب الإمام الحسن (عليه السلام).

    هذا في وقت أن الإمام (عليه السلام) يستصرخ ضمائر الناس، ويكشف لهم عن

    الطبخات الأموية ومؤامرات معاوية في سبيل كرسي الحكم والتسلط على رقاب

    الشعب بالقوة والإكراه غير أن المشكلة الأم هي حينما تسكت الأمة عن حقوقها،

    وتطالب بالسلم وإن كان فيه الذلة لها وتهرب من الجهاد والمقاومة وإن كان فيه عزّتها وكرامتها.

    إن مثل هذه الأمة تكون عرضة لألوان الهيمنة والتبعية، وبذلك تكون بمثابة

    الساحة المكشوفة التي تنفذ فيها المؤامرات في وضح النهار، وتمر في أرضها

    عربة المخططات السياسية، دونما اكتراث لصوت المعارضة، أو تأثير لصرخة

    الضمير الحر، فيقتل القادة، وتُباد الطليعة أو تُعتقل، ويُفرض الإرهاب في كل مكان...

    فحينما يخيّم التقاعس في الأمة، ويضرب الملل أطنابه فيها فإنّ ذلك يعني تسليم


    مفاتيح الدولة للقوى المناوئة الداخلية والخارجية والسماح لها في التغلغل إلى

    داخل المجتمع والسيطرة على ممتلكاته وخيراته... وهذا إنما يتم حينما تنطفئ

    شمعة اليقظة، وتخبو روح المسؤولية عند أبناء هذه الأمة.

    كما أن انكفاء الجماهير عن محاربة القوى المعادية والمتآمرة يعني ذلك إطلاق

    اليد لتلك القوى لتنفيذ سلسلة من المؤامرات المتلاحقة والشديدة الخطورة التي

    تهدد وجود الدولة واستقلالها.

    ولذلك لمّا تنصلت الجماهيري عن المسؤولية الشرعية في دعم وتأييد ومناصرة

    الإمام الحسن (عليه السلام) كانت النتيجة الطبيعية والأتوماتيكية هي أن تتحول

    هذه الجماهير إلى لقمة سائغة للمخططات السياسية التي ينفذها العدو ضدها،

    بل قد يدفع هذا العدو جماهير الأمة في أن تشارك في تنفيذ مخططه ضد نفس هذه الجماهير.

    وعلى العكس تماماً فيما لو استنهضت الجماهير قواها، وقدراتها وطاقاتها

    الذاتية وانتزعت المبادرة من إشغال العدو، فإنها حينئذ تكون قد ساهمت في

    صد الهجمات العدوانية، وتمكنت بذلك من تحصين حدودها من الغزو الخارجي، وضمان استقلالها.

    وهنا نشير إلى مسألة هامة وهي أن البعض من الناس يعتقد بأن بث الوعي

    كفيل بتغيير الأوضاع السائدة في الأمة. غير أن عملية التغيير لا يمكن أن تتم إذا

    لم تساندها إرادة التغيير، فوجود حالة الوعي في الأمة لا تعني بحد ذاتها

    تغييراً حقيقياً في واقع الأمة حتى تنقدح هذه الحالة في صورة إرادة تغييرية

    عند الجماهير تسعى عبرها في تحريك الساحة الجماهيرية للثورة على الواقع الفاسد.


    يتبع **

  • #2
    تابع

    ب. المحاولة الثانية:
    أجرى الإمام الحسن (عليه السلام) ثلاث محاولات لاستعادة

    قوة الجيش، بعد ظهور الخيانات من قبل القادة العسكريين، بحيث تسلم بعدها

    الإمام (عليه السلام) قيادة الجيش فاجتمع الناس من حوله وقالوا: إن خانك

    الرجلان وغدرا بك فإنا مناصحون لك.

    فقال الإمام (عليه السلام) لهم: لأعودن هذه المرة فيما بيني وبينكم وإني لأعلم

    أنكم غادرون ما بيني وبينكم، إنّ معسكري بالنخيلة فوافوني هناك والله لا

    تفون لي بعهدي ولتنقضن الميثاق بيني وبينكم)(18).

    وبعد أن اتخذ الإمام (عليه السلام) قرار قيادة الجيش، تحرك نحو النخيلة وكان

    معه أربعة آلاف رجل، وحينما وصل الإمام (عليه السلام) إلى دار بكر نزل في

    ساباط ـ دون القنطرة ـ وهي إحدى قرى منطقة المدائن فبات الإمام (عليه السلام) مع جيشه في هذه القرية.

    وفي صباح الغد وقرب موعد المسير إلى النخيلة، أراد الإمام الحسن أن يمتحن

    إرادة الجيش وأن يستبرئ ذمم الجيش وطاعتهم للإمام (عليه السلام) بهدف فرز

    الموالين من الخائنين ويكون على بصيرة من لقاء معاوية وأهل الشام، فأمر

    (عليه السلام) أن ينادي بالصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصعد المنبر فخطبهم فقال:

    (الحمد لله كلّما حمده حامد،وأشهد أن لا إله إلا الله كلّما شهد له شاهد، وأشهد

    أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق وائتمنه على الوحي (عليه السلام)، أما

    بعد:فوالله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنّه وأنا أنصح خلق الله

    لخلقه وما أصبحت محتملاً على مسلم ضغينة ولا مريداً له سوءاً ولا غائلة إلا وإن

    ما تكرهون في الجماعة خير لكم ممّا تحبون في الفرقة، إلا وإني ناظر لكم خيراً

    من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري ولا تردوا عليّ رأيي، غفر الله لي ولكم، وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا)(19).

    ومن الواضح في هذه الخطبة أن الإمام (عليه السلام) إنما أراد استيضاح طاعة

    الجيش للإمام (عليه السلام) خاصة وأن الخيانات التي ارتكبتها قيادات الجيش في

    السابق تركت أثراً بالغاً وأعطت انطباعاً سيئاً عند أفراد الجيش، هذا بالإضافة
    إلى أن حبل الولاء بين الجندي والقائد أصبح شبه مقطوع.

    وأن الإمام الحسن (عليه السلام) الذي عاش تجربة مريرة مع مختلف فصائل الجيش

    فوجد أن طاعة الجنود لقياداتها في الباطل ـ أكبر ممّا هي عليه بالنسبة للحق ـ

    كيف وقد انسل قطاع كبير من الجيش مع القادة العسكريين إلى جبهة العدو،

    فكان من الضروري غربلة النوايا فيما يرتبط بالحرب فبعد أن انتهى الإمام (عليه
    السلام) من خطبته، أخذ ينتظر ردود فعل الجيش فنظر الناس بعضهم إلى بعض

    وقالوا ما ترونه يريد بما قاله؟ قالوا:نظنه والله أن يصالح معاوية ويسلم الأمر

    إليه فقالوا: (كفر والله الرجل)، فهجموا على الإمام (عليه السلام) وانتهبوا متاعه

    وفسطاسه ثم كمن له رجل خارجي يدعى (الجراح ابن السنان) في الساباط

    ليقوم بتنفيذ عملية الاغتيال فعندما مرّ الإمام (عليه السلام) على الساباط، صرخ

    الخارجي قائلاً: (الله اكبر أشركت كما أشرك أبوك من قبل) ثم طعن الإمام (عليه

    السلام) برمح في فخذه حتى وصل العظم.

    فسقط الإمام (عليه السلام) إلى الأرض وقد نزف دمه الشريف من فخذه ثم قال

    (عليه السلام): (عليكم لعنة الله من أهل قرية، فقد علمت أن لا خير فيكم، قتلتم

    أبي بالأمس واليوم تفعلون بي هذا)(20). فحمل الإمام الحسن (عليه السلام) إلى

    المدائن حيث دار سعد ابن مسعود الثقفي (والي المدائن) منذ عهد الإمام علي (عليه السلام) لتلقي العلاج هناك.

    أما عن الجيش فأقل ما يمكن أن يقال عنه أنه لا يصلح لأن يخوض حرباً، ما دام

    يفتقر إلى العصب الرئيسي في تحركه وهو طاعة القيادة والالتزام بأوامرها،

    خاصة وأن هذا الجيش ـ كما عرفنا ـ لم يقترب بعد من خط النار ومن جبهة

    المواجهة فلم تشتبك بعد السيوف والأسنة والتي فيها صراع خبايا وخفايا الجنود وامتحان الإرادات وإظهار المعدن والجوهر.

    وإن جيشاً مثل هذا لا يعلن ولاءه الكامل لقيادته، بل ويحاول اغتيالها فمن

    الصعب الحديث عن مقومات القدرة العسكرية عند الجيش، في ظل غياب المحور

    الأساسي ودينامو قدرات الجيش وامكانياته وهي طاعة القيادة، والتي بدونها

    تعني التخبط والفوضى والعشوائية... الخ، وبالتالي نزول الهزيمة بساحة المسلمين...

    في حين نجد أن الإمام الحسن (عليه السلام) حينما يتحدث عن الجسم العسكري

    يركز على وحدة الصف والمصير ومحورها طاعة القيادة ففي خطبة للإمام (عليه

    السلام) ألقاها في الناس وهو يستحثهم لقتال معاوية قال (عليه السلام): (الحمد

    لله لا إله غيره، ولا شريك له...، إن ممّا عظم الله عليكم من حقه، وأسبغ عليكم

    من نعمه ما لا يحصى ذكره، ولا يؤدي شكره ولا يبلغه قول ولا صفة، ونحن إنما

    غضبنا لله ولكم، إنه لم يجتمع قوم قط على أمر واحد إلا اشتد أمرهم،

    واستحكمت عقدتهم فاحتشدوا في قتل عدوكم معاوية وجنوده، ولا تخاذلوا

    فإن الخذلان يقطع نياط القلوب، وإن الإقدام على الأسنة نخوة وعصمة، لم يمتنع

    قوم قط إلا رفع الله عنهم العلّة وكفاهم حوائج الذلّة، وهداهم معالم الملّة).


    وفي هذه الخطبة الرائعة يؤكد الإمام (عليه السلام) على مسألة خطيرة وحساسة

    في داخل الجيش وهي اتفاق أفراد الجيش على هدف واحد ومصير واحد،



    واعتبر الإمام (عليه السلام) ذلك قطب الرحى في حركة الجيش بشتّى أنواعها وألوانها،

    ويشير الإمام (عليه السلام) إلى فائدتين عظيمتين من وراء وحدة الهدف والمصير

    في داخل الجيش وهما:

    يتبع

    تعليق


    • #3
      يتبع

      أولاً:



      في حال أن يغزو التعب والتململ مراكز القيادة والتوجيه في الأمة، فتقوم

      هذه المراكز بممارسة مختلف الوسائل والطرق بهدف منع الجماهير عن التحرك

      والتقدم، بحيث تعمد قيادات الأمة إلى استخدام مواقعها في توجيه الناس نحو

      التقاعس والتكاسل من خلال بث الأنماط الثقافية الانهزامية كالاهتمام بالقشور

      والظواهر من الدين، ومطالبة الناس بالابتعاد عن المواضيع الضرورية والحساسة

      في حياة المجتمع بأكمله، كإغفال الجهاد والأمر بالمعروف وعليه فإنّ دور هذه

      القيادات ينحصر في إقعاد وتخدير الجماهير عن التحرك، وهكذا تجبين فئات

      المجتمع عن النهوض والثورة فعوضاً من أن تقوم هذه القيادات بدفع القاعدة

      الجماهيرية نحو الثورة والمقاومة تبدأ هذه القيادات تفكر بالحلول السلمية،

      واعتماد الصيغ الدبلوماسية في معالجة القضايا المصيرية.. وبذلك تصاب حركة

      الأمة بالشلل، فتفقد استقلاليتها. وتموت كرامتها وتندثر طاقاتها.

      وكل ذلك بسبب اعتماد القيادات ومراكز التوجيه منهجية عقيمة في التعامل مع قضايا المجتمع.

      ثانياً:



      أن تصاب الأمة نفسها بالتعب والتململ والاستسلام للدعة والتقاعس وحب

      الراحة فلا تستجيب لنداءات قياداتها، ولا تعبأ بمطالبها، فتغزوها الجيوش من

      كل جانب ويهيمن عليها أشرار الأمة، فتبقى كالأسيرة لا ترد مظلمة ولا تتصدى

      لهجمة، وذلك لأنها لم تسند القيادات الشرعية الحقيقية في الأمة ولم تؤثر طاعتهم

      على مصالحها وأهواءها وشهواتها.

      وهنا المشكلة أنه حينما تؤثر الأمة السلم مع الذل، على الحرب مع العز، فإن

      مصير هذه الأمة يؤول نحو الهاوية والدمار الشامل. وكما يقول الإمام أمير

      المؤمنين (عليه السلام): (أما بعد، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله

      لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنته الوثيقة، فمن تركه

      رغبه عنه ألبسه الله ثوب الذلّ وشمله البلاء وديّث بالصّغار والقماءة أو ضرب

      على قلبه بالإسهاب وأديل الحق منه بتضييع الجهاد، وسيم الخسف ومنع النصف)(22).

      وليس ثمة شك في أن الإمام الحسن (عليه السلام) عاش بين مجتمع يهوى الراحة

      ويبحث عن الدعة يكره الحرب وحر السيف، ويتثاقل عن الجهاد في سبيل الله،

      ويخاف من زمجرة الجيوش ونقع العاديات..، ولذلك كان يعيش الإمام الحسن (عليه

      السلام) كالغريب في مثل هذا المجتمع، كما كان أبوه أمير المؤمنين (عليه

      السلام) من قبل، فهو أيضاً كان قد استصرخ ضمائر الناس لأن يهبوا الدفاع عن

      حريم الإسلام وحرمات المسلمين، فإذا بالقوم جامدون كأنما على رؤوسهم

      الطير، يخافون أن يتخطفهم الموت... فتسرق الأموال وتهتك الحرمات، ويذبح

      الرجال والنساء والأطفال وكأنما خليت الديار من أصحابها أو غشي أهلها الظلام حتى لا تكاد تبصر ما يري في ساحتها!!

      وطبيعي أن يكون مصير كل أمة تفضل الراحة على الحركة وتميل إلى التقاعس

      والتخلي عن النهضة والانتفاض والهروب من الواجب المقدس رغبة أو رهبة، فإن

      أولى مصائبها الذلة والهوان وقد مارس المجتمع في عهد الإمام الحسن (عليه

      السلام) الحالات تلك بحذافيرها، حتى ظهرت فيه معالم المجتمع المهزوم الناكص،

      وسيطرت عليه حالة التوافق الاجتماعي باتجاه الاستسلام والتثاقل والتهرب من

      كل ما من شانه أن يقود إلى الحرب أو يمت إليها بصلة...


      ولذلك أقفل الإمام الحسن (عليه السلام) راجعاً إلى الكوفة بعد أن مكث طويلاً

      في انتظار قدوم جموع من أهل الكوفة، وحينما بلغ اليأس حدّه عاد الإمام (عليه

      السلام) من معسكر النخيلة ودخل المسجد في الكوفة ثم خطب في الناس قائلاً:

      (أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلةٌ ولا قلة، ولكن كنّا نقاتلهم بالسلامة

      والصبر، فشيت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم في مسيركم إلى

      صفين ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، وكنا لكم،

      وكنتم لنا، وقد صرتم اليوم علينا، ثم أصبحتم تصدّون قتيلين، قتيلاً بصفين

      تبكون عليه، وقتيلاً بالنهروان تطلبون بثأره فأما الباكي فخاذل وأما الطالب

      فثائر، وإن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة، فإن أردتم الحياة

      قبلنا منه وأغضينا على القذى، وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله، وحاكمناه

      إلى الله بظبا السيوف).

      فنادى القوم بأجمعهم: بل التقية والحياة، أو قيل فناداه الناس من كل جانب: البقية البقية وأمضي الصلح)(23).

      فقال الإمام (عليه السلام): (يا عجباً من قوم لا حياء لهم ولا دين، ولو سلمت الأمر

      فأيم الله لا ترون فرجاً أبداً مع بني أمية، والله ليسومونكم سوء العذاب حتى

      تتمنوا أنّ عليكم جيشاً ولو وجدت أعواناً ما سلمت له الأمر، لأنّه محرّم على بني أمية فأف وترحاً يا عبيد الدنيا)(24).

      ثم كشف الإمام (عليه السلام) في حديث عن طبيعة المجتمع وموقفه خلال فترة

      التحول السياسي والاستراتيجي بعد حرب صفين وحتى عهد الإمام الحسن (عليه

      السلام) يقول الإمام (عليه السلام): (خالفتم أبي حتى حكم وهو كاره، ثم دعاكم

      إلى قتال أهل الشام بعد التحكيم فأبيتم حتى صار إلى كرامة الله، ثمّ

      بايعتموني على أن تسالموا من يسالمني وتحاربوا من حاربني وقد أتاني أن

      أهل الشرف منكم قد أتوا معاوية وبايعوه، فحسبي منكم لا تغروني من ديني

      ونفسي. يا أهل العراق: إنما سخي عنكم بنفسي ثلاث: قتلكم أبي وطعنكم

      إياي، وانتهابكم متاعي)(25).

      وبطبيعة الحال إن الوضع العام كان في غاية الخطورة كون المناخ الاجتماعي

      ظلّ متردياً للغاية... فالجماهير التي كانت من المفترض أن تصبح رأس مال

      يستثمر في الضغط على العدو ودرء مؤامراته وأخطاره ـ تتحول هذه الجماهير ـ

      إلى عامل خسارة، وعنصر ضعف، ومؤشر انهيار في حساب القوة الإسلامية..

      فيكون القرار قرار العدو، وتكون الإرادة الحاكمة هي إرادة المستعمر، وبالتالي يكون الحكم هو حكم الغريب والمحتل!!

      من هذا المنطلق نجد أن مثل هذه الأمة لا تنفع لقائد كالإمام الحسن (عليه السلام)

      والذي لم يوفر لنفسه جهداً أو طريقاً لاستنهاض الهمم وبعث الحميات في جماهير

      هذه الأمة إلا وبذلها، ولكن حقيقة الأمر هي أنه (لا رأي لمن لا يطاع)، فماذا

      يمكن أن يقوم به الإمام (عليه السلام) لجماهير تصر على العمل خلاف مصلحتها،


      وتسري في ركب سياسة ليست تابعة لقافلتها، وتتمسك بعرى قرارات صادرة

      عن غير قيادتها.. ولذلك فهي الأمة وحدها التي خسرت وستدفع ضريبة موقفها

      المسالم هذا قسطين من العذاب، أوله العار والذل، وثانية ظلم الحاكم المستبد.

      ولقد أخبرهم الإمام الحسن (عليه السلام) عن ذلك من قبل حين قال لهم:
      (عزرتموني كما عزرتم من كان قبلي، مع أيّ إمام تقاتلون بعدي، مع الكافر

      الظالم الذي لا يؤمن بالله ولا برسوله قط، ولا أظهر الإسلام هو وبنو أمية إلا


      فرقاً من السيف؟ ولو لم يبق لبني أمية إلا عجوز درداء لبغت دين الله عوجاً،

      وهكذا قال رسول الله)(26).

      وبالرغم من أن الإمام (عليه السلام) في كلمته هذه وغيرها من الخطب والأحاديث

      يؤكد مراراً وتكراراً على حقه المشروع في قيادة الأمة، كما يكشف عن طبيعة

      البيت الأموي وما يدور في داخله من أطماع توسعية ومخططات للسيطرة

      والتسلط، إلا أن جماهير الكوفة عميت أبصارها عن معاينة الحق، بعد أن ربضت

      في أذهانها فكرة الاستسلام والركوع والانحناء للمستعمر الأموي.. وكيف

      يحصل على العزّ من له قابلية الذلّ؟ وهل تسرق كرامة من كان هو الحارس

      عليها؟ أم هل تنتزع إرادة من كان هو الكافل أمرها؟.. ولكن المجتمع الكوفي

      خرج من ذلك كله، فألقى بكلّه في حضن معاوية، ولذلك عاش ذليلاً وبقي مهاناً

      وظل مسلوب الإرادة، تماماً كالجسد الذي فقد المناعة التامة فلا هو قادر على

      الحفاظ على توازنه ولا هو قادر على توازنه ولا هو قادر على تنمية نفسه أو

      درء أخطار الهجومات الموجهة إليه من الخارج.

      أما الإمام الحسن (عليه السلام) فقد وجد بعد أن انكفأت الأمة عن نصرته، أن

      يصبّ اهتمامه على كيفية الحفاظ على بيضة الإسلام وهكذا حفظ الصفوة والبقية

      الباقية من أبناء الرسالة لضمان استمرارية الخط الرسالي وتفاعله في أوساط

      الأمة وعبر الأجيال لتبقى شعلة الإسلام متقدة وبالتالي الاطمئنان على ديمومة

      الدين في مراحل حياة المجتمع المختلفة.

      وقد اجتمعت تلك الأسباب والتي مر الحديث عنها فكانت بمثابة عوامل الضغط

      التي دفعت بالإمام الحسن (عليه السلام) للوقوف أمام الخيار الصعب والذي

      اختاره مرغماً وهو خيار الصلح،


      ليكون المخطط الاستراتيجي بعد (الصلح) ينحى

      باتجاه الإبقاء على نواة الرسالة والإعداد للمرحلة القادمة.


      عظم الله اجورنا واجوركم باستشهاد الامام الحسن عليه السلام



      نسألكم الدعاء

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      x

      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

      صورة التسجيل تحديث الصورة

      اقرأ في منتديات يا حسين

      تقليص

      لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

      يعمل...
      X