إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

أميركي عاقل.. يقول الحقيقة: فنكلستين نورمان

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أميركي عاقل.. يقول الحقيقة: فنكلستين نورمان

    أميركي عاقل.. يقول الحقيقة: فنكلستين نورمان
    كلمات لأميركي عاقل قالها بعد أيام من أحداث 11 أيلول تحت عنوان:
    الدجاج يعود إلى قنِّه: العنف الذي تمارسه أمريكا على الآخرين ارتد عليها!
    وهي كلمات جديرة بالمطالعة ل فنكلستين نورمان

    شيكاغو- تستثير أحداث الثلاثاء في 11 أيلول (سبتمبر) على الفور مشاعر الصدمة والرعب والخوف، ولكنها لم تكن كارثة طبيعية، إعصارًا أو انفجارًا بركانيًّا، وكلاهما يستثير المشاعر ذاتها بالطبع، بل إن كارثة الثلاثاء كانت ذات دلالات سياسية أيضًا. ولكي أشرح السبب أودُّ أولاً أن أقارن ما حصل بحادثة أخرى.

    لقد كان اغتيال كنيدي بالنسبة إلى جِيلي ما سيكونه الثلاثاء الفائت بالنسبة إليكم من الآن فصاعدًا، بل الحق أن اغتيال كنيدي افتقر إلى الدلالات السياسية؛ فقد كان في النهاية أقرب إلى أن يكون مأساة عائلية. والمقارنة التي أقترحها إنما هي مع حادثة ذات صلة بذلك الاغتيال؛ فبعد أن قُتل كنيدي استحضر الزعيم الأفريقي الأمريكي "مالكوم إكس" تعبيرًا يقول: "الدجاج يعود إلى قنِّه". وهذه الاستعارة أثارت غضبًا شعبيًّا عارمًا، وأدَّت إلى طرده من تنظيم "أمة الإسلام". وما عناه مالكوم إكس، بالطبع، هو أن العنف الذي تمارسه الولايات المتحدة بشكل عشوائي على الآخرين قد ارتدَّ عليها الآن.

    ليس ثمَّة في هذه القاعة مَن هو أكثر مني ألمًا وكربًا؛ نتيجة للجريمة المروعة والضخمة التي ارتُكبت ذلك الثلاثاء. فعدد كبير من تلاميذي السابقين كانوا يعملون في مركز التجارة العالمي، ويرجح أن يكونوا اليوم موتى تحت الأنقاض. وهناك أصدقاء لي لم أتمكن من الاتصال بهم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى جيراني في بنايتي. وكان مركز التجارة العالمي مبنى طويلاً جدًّا، ولو قام النيويوركي بجرد النيويوركيين الذين ارتبطوا يومًا ما بهذا المركز لكان هذه الجرد بالغ الطول. ولكن بعيدًا عن الغضب المبرر والأسف المبرر أرى أننا مسؤولون عن التفكير فيما يتعدى هذا الحدث لكي نستجلي مغزاه، ومسؤولون أيضًا عن بذل أقصى جهدنا لمنع تكرار هذا الرعب.

    كثير من الحاضرين في هذه القاعة لن يحبوا ما أنا على وشك قوله، ولكن المخاطر المحدقة أعظم من أن تقتصر على الأكاذيب؛ فالآن –أكثر من أي وقت مضى- علينا أن نقول الحقيقة كما نفهمها نحن، بغضِّ النظر عن تبعات ذلك.

    الجواب السهل عما حدث يوم الثلاثاء هو أن نكتفي بهزِّ رؤوسنا غير مصدقين ما ارتكبه أولئك المجانين، المعتوهون، المتعصبون، الأصوليون، الشرق أوسطيون، العرب المسلمون… إلى ما هنالك من نعوت، وأن نختزلهم بوصفهم جنسًا مختلفًا عن جنسنا نحن، بل أن نقول: إنهم أدنى من جنسنا بعدَّة درجات. ولكن ردًّا أصعب يتمثل في أن نعترف بالإنسان داخل هؤلاء الناس، وأن نُقِرَّ معاناتهم والمهانة التي يقاسونها. غير أن الرد الأقسى هو أن ننظر نظرة فاحصة إلى أنفسنا، وإلى مسؤوليتنا عن عذابهم.

    في حزيران (يونيو) الماضي زرت -كما هي عادتي كل عام تقريبًا- أصدقاء فلسطينيين في الضفة الغربية وغزة المحتلتين من قِبَل إسرائيل. وللمرة الأولى منذ عقد كامل من زيارتي إلى هناك ألاحظ تغيرًا نوعيًّا في المشاعر الشعبية. فأصدقائي الفلسطينيون، باستثناءات قليلة، يدعمون الآن العمليات الإرهابية ضد المدنيين الإسرائيليين (كنت قد وصلت بُعيد انفجار الديسكو في تل أبيب). وإذ لم يسعني أن أوافق على تغيير موقفهم هذا، كان في وسعي أن أفهم دون أن أدعم استهداف المدنيين، وحذَّرت أيضًا أن هذا سيكون كارثة من الناحية العملية؛ ذلك لأن عمليات الإرهاب الفلسطينية ستستدعي في النهاية ضربة إسرائيلية انتقامية ساحقة، وستزول فلسطين. فماذا كان رد فعل أصدقائي؟ بعد عقود من المعاناة التي لا يمكن تحملها، لم يَعُد هؤلاء الفلسطينيون يأبهون للأمر. لم يخفهم تحذيري. أحد الفلسطينيين من رفح كرر مرة بعد مرة: "أن نكون، أو لا نكون". واستحضر فلسطيني آخر قصة شمشون والهيكل. لقد كان الفلسطينيون على استعداد للموت، وعلى استعداد لأن يصطحبوا معهم إلى الموت أكبر عدد يستطيعون اصطحابه من قامعيهم الإسرائيليين. أَوَ يصعب تفهم موقفهم؟

    كانت أمي من بين الناجين من غيتو وارسو، ومن معسكر مايدنك. وقد سألتها ذات مرة عن رأيها حين كانت الأخبار تتسرب أثناء الحرب العالمية الثانية، ومفادها أن الروس كانوا يقصفون المدن الألمانية خبط عشواء، مُلحقين الموت بأعداد هائلة من المدنيين. فأجابتني دون تردد: "كنت أريد أن يموت الألمان. كنت أعلم أنني لن أعيش، فأردت أن يموتوا هم أيضًا. كنا نهلِّل للروس. كنا نريدهم أن يدمِّروا كل ما هو ألماني، أيًّا كان. كنا نتمنى لهم الموت كل لحظة في اليوم؛ لأننا كنا نواجه الموت كل لحظة في اليوم".

    إن حكومة الولايات المتحدة، وهي حكومة نتحمل كلنا مسؤولية أعمالها، تسبِّب البؤس والرعب، مباشرة وبصورة غير مباشرة، لأعداد ضخمة من البشر. والبؤس والرعب، سواء أكانا ماثلين في التدمير المنهجي للبنان عام 1982م، أم في العراق عام 1991م، أم في صربيا مؤخرًا، يتسمان بالنسبة إلى معظمنا بواقعية ألعاب الفيديو. ففي هذه البلدان كان ثمَّة قتل جماعي دونما تبعات تصيب الأمريكان. لقد كان الأمر مُسَليًا لنا إلى حد كبير. ولكننا الآن نحصد الزوبعة المروِّعة التي زرعناها.

    منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم تواجه الولايات المتحدة أي أعداء حقيقيين، أو هي في كل الأحوال تحملت التهديدات التي تصيب "مصالحها القومية". وكان الاتحاد السوفييتي قوة محافظة، بل كان أساسًا -كما يتضح يومًا بعد يوم، وبشكل مثير للإحباط- قوة موازنة للولايات المتحدة في الشؤون الدولية (لن يمر وقت طويل حتى نتطلع بحنين إلى "المؤامرة الشيوعية العالمية!").

    في جنوب شرق آسيا وفي أمريكا الوسطى حاربت أمريكا معارك مباشرة، وعبر حلفائها، ولكن لم تكن ثمة مصالح أمريكية حيوية في دائرة الخطر. ومنذ سقوط الاتحاد السوفييتي بات أعداء الولايات المتحدة الرسميون (كالعراق، وليبيا، وإرهابيي المخدرات،… إلخ) "بعابع" وتلفيقات استحضرناها نحن بأنفسنا لنبرِّر من ضمن أمور أخرى ميزانيتنا العسكرية المتصاعدة أبدًا.

    لقد نظرت الولايات المتحدة بارتياح وإعجاب إلى منزلتها الجديدة كقوة عظمى لا شريك لها، وراحت تتصرف بغرور وتِيه يأخذان بالأنفاس؛ فرفضت مؤخرًا محكمة دولية لجرائم الحرب، ورفضت اتفاقًا على وقف الحرب الجرثومية، وانسحبت من معاهدة كيوتو، ومن مؤتمر دوربان، وسعت إلى تفكيك معاهدة الصواريخ الباليستية المضادة… وهلم جرَّا، واللائحة طويلة. والافتراض حتى الآن هو ألا يوجد ثمن ينبغي للولايات المتحدة أن تدفعه مقابل كونها قوة عظمى لا شريك لها، بل إن بإمكانها أن تفعل ما تشاء، وبحصانة تامة. ولكن يبدو أن على واشنطن أن تعيد الآن التفكير في هذا الافتراض.

    غير أن الانخراط في التفكير الجدي والصعب يجب ألا يقتصر على قادتنا في واشنطن، وإنما على كل واحد منا أن يفكر مليًّا في حياتنا؛ فالحق أن معظمنا تصرف وكأنَّ لا عالم موجود خارج الولايات المتحدة، ولسان حالنا: أنه إذا كان كل الآخرين يريدون أن يكونوا مثلنا؛ فلا ينبغي أن نعرف، أو أن نهتم ببلدان العالم من حولنا إلا لتمضية عطلة محتملة فيها. لم نبالِ بقراءة الجرائد. وبالتأكيد لم نضيع وقتنا في تعلم لغات أجنبية، ولسان حالنا يقول: "ألا يتحدث كل إنسان في العالم اللغة الإنجليزية؟!" (وحدها الدولة المسمَّمة بداء الغرور المفرط تستطيع أن تنتج حركة جاهلة عنيدة لا تسمَّى "الإنجليزية أولاً"، على ما في ذلك من جهل وعناد، بل "الإنجليزية فقط"). ما لدينا من المشاكل كان أعظم من أن يدفعنا إلى الاهتمام بمشاكلهم "هم". ولكن يوم الثلاثاء انهار العالم على رؤوسنا. وعلينا الآن أن نهتم بمشاكل "هم" وإلا…!! بل إن علينا ألا نقوم بذلك وكأنه فعل خيري، وإنما بوصفه ضرورة لبقائنا على قيد الحياة.

    إنه ليبدو لي حقًّا أننا نحتاج إلى أن نسأل أصعب الأسئلة عن أنفسنا؛ أليس ثمَّة ظلم أساسي في وجود حفنة قليلة من الناس، منتفخين بالمال حتى حافة الانفجار، وفي مقابلهم قسم عظيم من البشرية يعيش عيشة الكلاب؟ وواقع الأمر أن هذا التشبيه ليس صحيحًا تمامًا؛ لأن الكلاب في الولايات المتحدة تحظى عادة باهتمام ورعاية يفوقان ما حظي به نصف مليون طفل عراقي (أو نحو ذلك) ماتوا نتيجة للعقوبات الأمريكية!

    ليس ثمَّة جواب سهل عما جرى يوم الثلاثاء. حين فُجِّر أول جهاز نووي كان آينشتاين هو من قال: إن لم أكن مخطئًا إن كل شيء قد تغير إلا طريقة تفكير الإنسان. أخشى أن يكون هذا هو الخطر الأعظم الذي يواجهنا اليوم. إن ردَّ واشنطن على ما حدث سيكون على الأرجح المزيد من أفعالها السابقة؛ ضربات انتقامية ذات حجم بالغ التدمير؛ وإجراءات أمنية جديدة على المستوى المحلي تقرض جزءاً أكبر من حرياتنا الأساسية. وحتى لو وضعنا جانبًا اهتماماتنا الأخلاقية والمدنية المنادية بالحرية المطلقة، أَثمَّة في هذه القاعة من يصدق حقًّا أن كل تلك الضربات والإجراءات ستوقف الهجمات الإرهابية؟ إن الأمل الوحيد المتبقي لدينا، بعد أهوال الثلاثاء، هو أن تتغير طريقة تفكيرنا أيضًا.

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
ردود 2
12 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
يعمل...
X