قال أبو عثمان الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ) في كتابه الرسائل :
وقد زعم أناس أن الدليل على صدق خبرهما (يعني أبا بكر وعمر) في منع الميراث وبراءة ساحتهما، ترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم النكير عليهما.! قد يقال لهم: لئن كان ترك النكير دليلا على صدقهما، إن ترك النكير على المتظلمين والمحتجين عليهما والمطالبين لهما دليل على صدق دعواهم أو استحسان مقالتهم، ولا سيما وقد طالت المناجاة وكثرت المراجعة والملاحاة، وظهرت الشكية واشتدت الموجدة. وقد بلغ ذلك من فاطمة أنها أوصت أن لا يصلي عليها أبو بكر. ولقد كانت قالت له حين أتته مطالبة بحقها ومحتجة لرهطها: من يرثك يا أبا بكر إذا مت؟ قال: أهلي وولدي. قالت: فما بالئا لا نرث النبي صلى الله عليه وسلم؟! فلما منعها ميراثها وبخسها حقها واعتل عليها وجلح أمرها وعاينت التهضم وأيست في التورع ووجدت نشوة الضعف وقلة الناصر قالت: والله لأدعون الله عليك. قال: والله لأدعون الله لك.
قالت: والله لا كلمتك أبدا. قال: والله لا أهجرك أبدا. فان يكن ترك النكير على أبى بكر دليلا على صواب منعها، إن في ترك النكير على فاطمة دليلا على صواب طلبها؟ وأدنى ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ما جهلت وتذكيرها ما نسيت وصرفها عن الخطأ ورفع قدرها عن البذاء وأن تقول هجرا وتجوّر عادلا أو تقطع واصلا؟ فإذا لم تجدهم أنكروا على الخصمين جميعا فقد تكافأت الأمور واستوت الأسباب. والرجوع إلى أصل حكم الله في المواريث أولى بنا وبكم، وأوجب علينا وعليكم.
فان قالوا: كيف تظن به ظلمها والتعدي عليها، وكلما ازدادت عليه غلظة ازداد لها لينا ورقة، حيث تقول له: والله لا أكلمك أبدا فيقول والله لا أهجرك أبدا. ثم تقول والله لأدعون الله عليك فيقول والله لأدعون الله لك.
ثم يتحمل منها هذا الكلام الغليظ والقول الشديد في دار الخلافة وبحضرة قريش والصحابة مع حاجة الخلافة إلى البهاء والتنزيه وما يجب لها من الرفعة والهيبة، ثم لم يمنعه ذلك أن قال معتذرا متقربا كلام المعظم لحقها، المكبر لمقامها الصائن لوجهها، المتحن عليها. ما أحد أعز عليّ منك فقرا ولا أحب إلي منك غنى! ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة» ؟.
قيل لهم: ليس ذلك بدليل على البراءة من الظلم والسلامة من الجور، وقد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان أريبا وللخصومة معتادا أن يظهر كلام المظلوم وذلة المنتصف وحدب الوامق ومقة المحق. وكيف جعلتم ترك النكير حجة قاطعة ودلالة واضحة وقد زعمتم أن عمر قال على منبره: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، متعة النساء ومتعة الحج، أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، فما وجدتم أحدا أنكر قوله ولا استشنع مخرج نهيه ولا خطأه في معناه ولا تعجب منه ولا استفهمه؟ وكيف تقضون بترك النكير، وقد شهد عمر يوم السقيفة وبعد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأئمة من قريش» . ثم قال في شكاته: لو كان سالم حيا ما تخالجني فيه شك. حين أظهر الشك في استحقاق كل واحد من الستة الذين جعلهم شورى! وسالم عبد لامرأة من الأنصار وهي أعتقته وحازت ميراثه. ثم لم ينكر ذلك من قوله منكر ولا قابل إنسان بين قوله ولا تعجب منه! وإنما يكون ترك النكير على من لا رغبة ولا رهبة عنده دليلا على صدق قوله وصواب عمله، فأما ترك النكير على من يملك الضعة والرفعة والأمر والنهي والقتل والاستحياء والحبس والاطلاق، فليس بحجة تشفى ولا دلالة تضيء.
الكتاب: الرسائل السياسية
المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)
الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت
http://shamela.ws/browse.php/book-10709/page-230
قال ابن قتيبة(المتوفى: 276هـ) في كتابه الإمامة والسياسة : قال عمر لأبي بكر ، انطلق بنا إلى فاطمة ، فإنا قد أغضبناها ، فانطلقا جميعا ، فاستأذنا على فاطمة ، فلم تأذن لهما ، فأتيا عليا فكلماه ، فأدخلهما عليها ، فلما قعدا عندها ، حولت وجهها إلى الحائط ، فسلما عليها ، فلم ترد عليهما السلام ، فتكلم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله والله إن قرابة رسول الله أحب إلى من قرابتي ، وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي ، ولوددت يوم مات أبوك أني مت ، ولا أبقى بعده ، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله إلا أني سمعت أباك رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول : لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة ، فقالت : أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم تعرفانه وتفعلان به ؟ قالا : نعم . فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ؟ قالا نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ، قالت : فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه ، فقال أبو بكر أنا عائذ بالله تعالى مني سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب أبو بكر يبكي ، حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها...
/.و
وقد زعم أناس أن الدليل على صدق خبرهما (يعني أبا بكر وعمر) في منع الميراث وبراءة ساحتهما، ترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم النكير عليهما.! قد يقال لهم: لئن كان ترك النكير دليلا على صدقهما، إن ترك النكير على المتظلمين والمحتجين عليهما والمطالبين لهما دليل على صدق دعواهم أو استحسان مقالتهم، ولا سيما وقد طالت المناجاة وكثرت المراجعة والملاحاة، وظهرت الشكية واشتدت الموجدة. وقد بلغ ذلك من فاطمة أنها أوصت أن لا يصلي عليها أبو بكر. ولقد كانت قالت له حين أتته مطالبة بحقها ومحتجة لرهطها: من يرثك يا أبا بكر إذا مت؟ قال: أهلي وولدي. قالت: فما بالئا لا نرث النبي صلى الله عليه وسلم؟! فلما منعها ميراثها وبخسها حقها واعتل عليها وجلح أمرها وعاينت التهضم وأيست في التورع ووجدت نشوة الضعف وقلة الناصر قالت: والله لأدعون الله عليك. قال: والله لأدعون الله لك.
قالت: والله لا كلمتك أبدا. قال: والله لا أهجرك أبدا. فان يكن ترك النكير على أبى بكر دليلا على صواب منعها، إن في ترك النكير على فاطمة دليلا على صواب طلبها؟ وأدنى ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ما جهلت وتذكيرها ما نسيت وصرفها عن الخطأ ورفع قدرها عن البذاء وأن تقول هجرا وتجوّر عادلا أو تقطع واصلا؟ فإذا لم تجدهم أنكروا على الخصمين جميعا فقد تكافأت الأمور واستوت الأسباب. والرجوع إلى أصل حكم الله في المواريث أولى بنا وبكم، وأوجب علينا وعليكم.
فان قالوا: كيف تظن به ظلمها والتعدي عليها، وكلما ازدادت عليه غلظة ازداد لها لينا ورقة، حيث تقول له: والله لا أكلمك أبدا فيقول والله لا أهجرك أبدا. ثم تقول والله لأدعون الله عليك فيقول والله لأدعون الله لك.
ثم يتحمل منها هذا الكلام الغليظ والقول الشديد في دار الخلافة وبحضرة قريش والصحابة مع حاجة الخلافة إلى البهاء والتنزيه وما يجب لها من الرفعة والهيبة، ثم لم يمنعه ذلك أن قال معتذرا متقربا كلام المعظم لحقها، المكبر لمقامها الصائن لوجهها، المتحن عليها. ما أحد أعز عليّ منك فقرا ولا أحب إلي منك غنى! ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة» ؟.
قيل لهم: ليس ذلك بدليل على البراءة من الظلم والسلامة من الجور، وقد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان أريبا وللخصومة معتادا أن يظهر كلام المظلوم وذلة المنتصف وحدب الوامق ومقة المحق. وكيف جعلتم ترك النكير حجة قاطعة ودلالة واضحة وقد زعمتم أن عمر قال على منبره: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، متعة النساء ومتعة الحج، أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، فما وجدتم أحدا أنكر قوله ولا استشنع مخرج نهيه ولا خطأه في معناه ولا تعجب منه ولا استفهمه؟ وكيف تقضون بترك النكير، وقد شهد عمر يوم السقيفة وبعد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأئمة من قريش» . ثم قال في شكاته: لو كان سالم حيا ما تخالجني فيه شك. حين أظهر الشك في استحقاق كل واحد من الستة الذين جعلهم شورى! وسالم عبد لامرأة من الأنصار وهي أعتقته وحازت ميراثه. ثم لم ينكر ذلك من قوله منكر ولا قابل إنسان بين قوله ولا تعجب منه! وإنما يكون ترك النكير على من لا رغبة ولا رهبة عنده دليلا على صدق قوله وصواب عمله، فأما ترك النكير على من يملك الضعة والرفعة والأمر والنهي والقتل والاستحياء والحبس والاطلاق، فليس بحجة تشفى ولا دلالة تضيء.
الكتاب: الرسائل السياسية
المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)
الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت
http://shamela.ws/browse.php/book-10709/page-230
قال ابن قتيبة(المتوفى: 276هـ) في كتابه الإمامة والسياسة : قال عمر لأبي بكر ، انطلق بنا إلى فاطمة ، فإنا قد أغضبناها ، فانطلقا جميعا ، فاستأذنا على فاطمة ، فلم تأذن لهما ، فأتيا عليا فكلماه ، فأدخلهما عليها ، فلما قعدا عندها ، حولت وجهها إلى الحائط ، فسلما عليها ، فلم ترد عليهما السلام ، فتكلم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله والله إن قرابة رسول الله أحب إلى من قرابتي ، وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي ، ولوددت يوم مات أبوك أني مت ، ولا أبقى بعده ، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله إلا أني سمعت أباك رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول : لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة ، فقالت : أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم تعرفانه وتفعلان به ؟ قالا : نعم . فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ؟ قالا نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ، قالت : فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه ، فقال أبو بكر أنا عائذ بالله تعالى مني سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب أبو بكر يبكي ، حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها...
/.و