إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

عندما تشوه الحقيقة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عندما تشوه الحقيقة

    تشويه الحقيقة بحيث تنقلب رأساً علي عقب كما كانت العرب تقول (أو، كما كان يحلو لكارل ماركس أن يردّد: ابتذال الحقيقة عن طريق جعلها تسير علي رأسها بدل قدميها) هي الرياضة التي يدمن عليها المحلل السياسي المصري مأمون فندي، أستاذ الدراسات الشرق ـ أوسطية في جامعة الدفاع الوطني الأمريكية، التي تتبع إلي جهة غريبة بعض الشيء عن المناخات الأكاديمية: البنتاغون!
    إليكم أحدث أمثلة الفندي في ممارسة رياضة القلب والاستقلاب هذه. في العقود الأولي من القرن المنصرم كتب الشاعر المصري إبراهيم ناجي قصيدة بعنوان الأطلال ، يقول في مطلعها:
    يا فؤادي رحم الله الهوي
    كان صرحاً من خيال فهوي
    اسقني واشرب علي أطلاله
    وارو عنّي طالما الدمع روي
    كيف ذاك الحبّ أمسي خبراً
    وحديثاً من أحاديث الجوي
    وبساطاً من ندامي حلم
    هم تواروا أبداً وهو انطوي
    والقصيدة اشتهرت بعدئذ حين غنّتها الراحلة أم كلثوم (واستثقلت صدر البيت الأوّل، فبدّلته إلي: يا فؤادي لا تسل أين الهوي )، وسَرَت في الشارع العربي سريان النار في الهشيم، لأنها إنما كانت تعيد إنتاج البرهة الطللية ، حسب التعبير الجميل للناقد الفلسطيني يوسف اليوسف، التي شاعت في الشعر العربي الجاهلي؛ ولأنها، من جانب آخر، كانت تغذّي واحداً من أعرق جوانب الأسي في الوجدان العربي: الجرح العاطفي. وكان ناجي نفسه قد وصف القصيدة، الطويلة التي تقع في 134 بيتاً، بأنها قصة حبّ عاثر، التقيا وتحابّا ثم انتهت القصة بأنها هي صارت أطلال جسد وصار هو أطلال روح .
    ولكن كيف يري مأمون فندي هذه القصيدة ـ الأغنية؟ لا شيء أقلّ من التفسير السياسي القراقوشي القسري المسطّح الخبيث: أنّ أم كلثوم غنّتها في أعقاب هزيمة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر سنة 1967، وأنها ــ استطراداً واستنباطاً ــ بمثابة نعي للمرحلة بأسرها، تماماً كما كانت عليه حال تمثال صدّام حسين الذي خرّ في ساحة الفردوس! وفي صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، وليس سواها، يقتبس فندي الشطر الأوّل من الأغنية ( كان صرحاً من خيال فهوي ) ليستنتج بأنّ أمّ كلثوم غنّت الأغنية بعد هزيمة جمال عبد الناصر سنة 1967. الصورة تحمل المعني ذاته الذي حملته في العالم العربي قبل 36 سنة. والصور التلفزية تُظهر اليوم تماثيل وملصقات صدّام حسين وهي تُدمّر .
    أليس من الفاضح، حقاً، أن يلجأ بروفيسور محترم (أو هكذا ينبغي أن يكون) إلي كلّ هذا التسطيح والتجهيل والمجانية والخداع؟ ألم يجد، من أجل تأويل مشاهد سقوط تمثال صدّام حسين، سوي التشنيع علي عبد الناصر؟ أليس في وسعه أن يدغدغ رغائب محرّري الـ نيويورك تايمز ، قبل قرّائه الأمريكيين في الواقع، سوي ألعاب الحواة هذه؟ وما علاقة قصيدة عاطفية رومانسية بهزيمة عسكرية ـ سياسية؟ وهل نفهم أنّ أم كلثوم كانت ضدّ عبد الناصر؟ أم نفهم أنّ جميع أغنياتها كانت ترميزات سياسية، وفي هذه الحال ما تفسير البروفيسور لأغنية مثل والله زمان يا سلاحي ؟
    الأرجح أنّ أسئلة كهذه لا تعني صاحبنا في كثير أو قليل. ففي ممارسة رياضة التشويه والقلب والاستقلاب يلهث مأمون فندي خلف عدّاء آخر (أشطر بكثير في الواقع، أعتق وأمهر وأمضي أسلحة) هو اللبناني فؤاد عجمي، الذي بدوره لهث خلف برنارد لويس، إمام المستشرقين المعاصرين وصاحب اللقب الطريف ـ البغيض في آن: بطريرك الإسلام . ومن المفيد في سياقات هذا الحديث، ولكن علي الدوام ربما، استعادة الحكاية الكلاسيكية التالية: في أطوار التحضير لعملية عاصفة الصحراء طُلب من البروفيسور عجمي أن يعقد جلسة مع الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، وذلك من أجل تثقيف الأخير سياسياً وسوسيولوجياً حول الذهنية العربية إجمالاً، وحول شخصية صدّام حسين بصفة أخصّ. وقيل عندها إنّ بوش خرج متعجباً مكفهرّ الوجه، وقال لمساعديه ما معناه: يا إلهي! أراهن أنّ ألدّ أعداء العرب من الإسرائيليين ما كان سيصوّر لي الشخصية العربية علي هذه القتامة!
    وفي مقال فندي، وبعد حشر قصيدة ـ أغنية الأطلال في ذلك التفسير الفاضح، يروي البروفيسور المصري لقرّائه الأمريكيين نكتة تقول إنّ الرئيس السوري بشار الأسد بعث إلي الرئيس الأمريكي جورج بوش برسالة مفادها أنّ الأخير ليس مضطراً إلي بذل عناء كبير إذا أراد من الأوّل أن يرحل عن السلطة: ليس علي بوش سوي إرسال رســـــالة بهذا المعني إلي هاتف الأسد الجوّال! وما دام فندي قد بلغ هــــــذه المرحلة من التحليل الرخيص الأشبه بالستربتـيز، فإنّ الزمن لن يطول به قبل أن يدخل نادي الأكاديميين العرب ـ الأمريكيين القلّة من خَوَنة الضمير والمهنة.
    أي، في تسمية أكثر دقّة: نادي العراة!
    -----------------
    منقول ولكن الموضوع يدل بالفعل على الابتذال والدعارة الفكرية التي وصل إليها البعض ممن يدعون العروبة
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X