الخضر الأخضر (ع)
بقلم: حسين أحمد سليم
يُروى الكثير الكثير على ذِمّة المؤرّخينللسّير الشّخصيّة التّاريخيّة و الإفتراضيّة... و يُنقل ما هبّ و دبّ عنالإخباريين النّاقلين للأحداث و المستجدّات على ما هي عليه أو كما يحلو لهمالتّبخير و الزّيادة و النّقصان أو التّعديل المزاجيّ و التّزوير... و ترهقنا متابعةالمجتهدين في قراءة الطّوالع و الرّجم في الغيب و السّياحة في متاهات التّبريج والتّنجيم... و يصيبنا الملل من مراجعة المتفقّهين في إستنباط الأحكام و ما شابه منالمرويات و السّرديات...
و يُقال على ما وصلنا منها و على رأي أصحابها,بأنّ الخضر الأخضر (ع) هو حيٌ لا يموت إلاّ مع الملاكِ جبريل و بعد موت الملاكعزرائيل و نهاية العالم, و قد حباه الله تعالى بعلم لدنّيّ و وعيٍ باطنيّ و عرفانذاتيّ, يعلم أسرار النّاس و يشفي المرضى بإذن الله, و عنده حافظة روحانيّة مكرمةله من ربّ العالمين و التي تحوي أسرار علوم الأوّلين و الآخرين...
للخضر الأخضر (ع) العديد من التّشريفات و المزارات و المقامات المنتشرةفي لبنان و فلسطين و سوريا و العراق و الأردن و بعض الأقطار المحيطة بالبحرالمتوسّط, بحيث يُصنّف في الطّليعة لما له من مزارات و مقامات و تشريفات و مصلّياتو مساجد و كنائس و أماكن عبادة تمّ تشييدها على إسمه, عدا عمّا يُنسج من حكايات وروايات و حتّى إجتراح العجائب و الغرائب عنده, بحيث تُحاكي الأساطير و الخرافاتلإفتقادها الموضوعيّة في تدبيجها لدى الذّاكرة الشّعبيّة و الموروثات التيتتناقلها الأجيال عن السّلف...
فأين يمّمت بصركَ في بلادنا فثمّة للخضر الأخضر (ع) معلمًا بسيطًا ومتواضعًا يُطالعك بغرفة صغيرة و قبّة خضراء لا ضريح فيها أو ضريحًا رمزيّا, تحيطبه الأشجار المعمّرة في سهلٍ أو وادٍ أو على جبل أو تلّة أو عريض أوقرب مجرى نهر, بحيث ينتصب أمامك للخضر الأخضر (ع) نقطة إشراقيّة تتكوكب لتبحث عنالحقيقة في كنه أسرار موقعها الإفتراضيّ...
و حيث يوجد مقام للخضر الأخضر (ع) في مكان جغرافيّ ما, بوقاره و تأثيرهعلى وجداننا الشّعبي و إلتزامنا الرّوحي, تجذبك شجرة عملاقة من السّنديان أواللزّاب أو العرعر أو السّرو أو الأرز لاتزال صامدة تقاوم الأنواء و الأعاصير والطّواريء و الكوارث الطّبيعيّة, و غالبًا ما تكون قد تركت فيها الأيّام و اللياليتجويفاً واسعاً يتّسع لدخول إنسان في جذعها, و غالبًا ما يُقال لك إذا ما تجرّأت وسألت عن عمرها لخادم المقام و المستفيد من حركة الزّيارات له, إنّ هذه الشّجرة منعصر النّبي آدم (ع), و هي لن تموت ما دامت الأرض و السّماء, و إذا ما راودتكَالشّكوك بالجواب و تسأل متجاوزاً على وقار معلومات من تسأل و التي لايرقى إليهاالشّكّ, كيف عرفت يا هذا أنّ هذه الشّجرة من عصر النّبي آدم (ع), و كيف عرفت أنّهالن تموت؟!... نِلتَ الزّجر مِمّن تسأله كما يزجر شيخ القبيلة أتباعه و يوصمك فورًابالكفر و العهر و الإنحراف عن الجادة الوسطى...
و تستدرك بالقول لمن سألت: لا لا أبداً أنا مؤمن كثيراً و إنّي أقسمبالخضر الأخضر (ع) يا هذا على صدق إيماني...
و يردف من تسأله بإنتصار منطقه و معلوماته المطلقة و علمه اللدنيّ ووعيه الباطنيّ و عرفانه الذّاتيّ... قائلاً لك بلغة العارف لما لم و لن و لا تعرف؟!...
فإذا تجرّأتَ على مقام الخضر الأخضر (ع) فسوف يأتيك في الليل بشكل حنشٍأسودٍ و أنت تغطّ في النّوم فترتبك و تصارع أضغاث أحلامك, و حين تموت فسيكون هذاالحنش ممدّداً في قبرك ينتظر قدومك إلى لحدك و لا يستطيع أحد إخراجه من قبرك أبداً...
يُروى أنّ للخضر الأخضر (ع) مقام فوق تلّة خضراء في مكانٍ جغرافيّ مافي بلادي, و إزاء ضريحه الإفتراضيّ الرّمزيّ توجد شجرة دهريّة من العرعر أواللذّاب, يُقال أنّ عمرها الممتدّ لا تحصيه حقب السّنوات, جوّفتها الرّياح العاتيةو جنون الأعاصير, حتّى تكوّن في جذعها الضّخم فتحة واسعة على شكلِ كُوّةٍ تتّسعلأكثر من رجل, و في جانب الشّجرة هذه يوجد بئرا عميقة و في قعر البئر يوجد حنشًاأسود يتربّص للأشرار الذين يحاولون سرقة محتويات مقام الخضر الأخضر(ع)...
و جرت العادة في القرى المجاورة لمقام الخضر الأخضر(ع) أنّ القروياتاللواتي ينذرن نذرًا للخضر الأخضر (ع) أن يُشعلن السّراج التّراثيّ القديم والموضوع في مشكاة في الجدار الجنوبيّ لمقام الخضر (ع), و هذا السّراج يعتبرمقدّسًا لأنّه من بعض أسرار الخضر الأخضر(ع) أن يبقى مشتعلاً في جميع الليالي منغروب الشّمس و حتّى شروقها, و الذي تُحدّثه نفسه على سرقة زيت الخضر الأخضر (ع) يقعفي حالات الإرتباكات المزعجة و لا يستطيع النّوم, و قد يُصاب بأضغاث الأحلام وعذاباتها و يرى الحنش الأسود راقدًا في فراشه بإستمرار, و عيناه تقدحانِ شررًا, يلتفّحول جسده و يمارس لدغه و قد يُصاب بعلّة لا يبرأ منها أبدًا...
أمّا صاحبات النّذر للخضر الأخضر (ع) من العجائز و النّساء و الصّبايا فتستجابنذورهنّ إذا كُنَّ مؤمنات و ذوات نوايا طيّبة, و يتمتّعن بالمصداقيّة من دون تكايدو لا تداه, و بعضهنّ ينذرن لإزالة العقم عنهنّ و الإبتهاج بمجيء مولود صالح لهنّ, وبعضهن تقدَّمَ بهنّ العمر و أصبحن من العوانس و يردن عرساناً كيفما كان الحال, و بعضهنّيُنذرن لعودة غائب طال غيابه و البعض الآخر ينذرن لشفاء مريض نال منه المرض و أسقمتهالعلل...
و تروي جدّتي أنّ الخضر الأخضر (ع) تأتيه الغزلان ليلاً لتتشرّف بأنتكون طعاماً له, و الغزلان تشتكي عنده كسائر الوحوش في سنوات المحل و العِسرة... وللخضر الأخضر (ع) جوادًا مُسرَجًا دائماًبسرج مرصّع بالعقود و الأساور من اليواقيت و الزّمرّد و العقيق, و هو يحرس القريةمن الزّلازل و الكوارث, و يصدّ عنها الأعاصير العاتية... و حصان الخضر الأخضر (ع)شرب من ماء عين الحياة, و لذلك شارك الخضر الأخضر (ع) في الشّرب من ماء عينالحياة, و سيبقى يصهل في تلّة الخضر الأخضر (ع) ما دامت الأرض أرضاً, و السّماءسماء, و صهيله يمتدّ في كلّ الجهات ليعمّ المدى مع الخوافق, و يجيء أطفال و صبايا القرىو يجمعون دندنات صهيله في كلمات حانيات و أغنيات و أناشيد و ترانيم و تجاويد وموشّحات و أغاني طربيّة...
و يروي جدّي العجوز أنّ الخضر الأخضر (ع) دبّج الرّواة أسطورة خياليّةله و هو ذاته القدّيس جرجس الذي قتل التّـنـِّين عند شاطيء مدينة المستقبل بيروت, رغمفارق الزّمن بين الخضر (ع) الذي عاصر النّبي إبراهيم (ع) و النّبي موسى (ع) و وجودالقدّيس جرجس في القرن الميلادي الثّالث, و هو ما يجتهد به جدّي فلسفة التّقمّصعلى أبواب و مراحل عديدة, بحيث تتشعّب السّيّالات الرّوحيّة بين فسخ و مسخ و نسخ ورسخ... و يُؤكّد جدّي بما لا جدل فيه أنّ الخضر الأخضر (ع) هو النّبي إلياس الحيّ(ع) الذي أرسله الله تعالى لأهل بعلبك ليهديهم للحقيقة و يرشدهم لعبادة الواحدالأحد, و يروي جدّي أيضًا أنّ الخضر الأخضر (ع) هو ذاته النّبي أيلا (ع) الذي حملتأسمه بلدة النّبي أيلا البقاعيّة قرب مدينة زحلة مركز محافظة البقاع في لبنان...
و يعزو جدّي أنّ الخضر الأخضر (ع) هو من جرّ الماء الصّالحة للشّرب للنّجمةالقدريّة في قريتنا التي تتماهى في شريط هلال بلدات و قرى غربي مدينة الشّمسبعلبك, لتُغذّي عين القرية و أبارها و بركها, كي يشرب منها جميع سكّان القرىالمجاورة لقريتنا الرّيفيّة... و يُصرّ جدّي وفق إجتهاداته و إستقراءاته و تحاليلهوما يستنبطه في جدليّاته أنّ الخضر الأخضر (ع) سكن قريتنا لفترة زمنيّة سالفة وأقام فيها بعض صلواته, فأجمع أهل القرية على بناء مقام للخضر الأخضر (ع) حيث تراءىلجدّي أنّ الخضر الأخضر (ع) سكن و إرتاح في قيلولة و صلّى...
و يقول جدّي أنّ من يومها أعطى الخضر الأخضر (ع) الإذن للجنّ المؤمنينأن يقيموا أعراسهم و حفلاتهم و أفراحهم في قريتنا الرّيفيّة البقاعيّة كُلّ مساء منكل خميس, و كان القرويّون في ذلك الزّمن يسمعون عزف الجنّ و غناءهم حتّى الفجر, و لايزالبعض المسنّين في القرية يؤكّدون ذلك, و يقسمون أغلظ الأيمان على ما يقولون...
هذا و تقول جدّتي إذا زار مقام الخضر الأخضر (ع) رجلٌ أو إمرأة فيجنابة أو نجاسة أو بلا طهارة, فسيصاب بمرض مزمن, و تحلّعليه لعنة أبديّة إلاّ إذا أشعل سراج الخضر الأخضر (ع) لسبع مرّات متتالية كلّليلة خميس على مدار أسبوع كامل, لأنّ الخضر الأخضر (ع) في تلك الليالي يستقبلالأصفياء و الأولياء و الأتقياء, و بعض المؤمنين من المشايخ و رجال الدّين و الصّوفيّين...
و الخضر الأخضر (ع) إذا أراد أن يعطي كرامة أو يغدق عليه بعضًا أو شيئاًمن علمه لإنسان ما, تفل في حلقه فأصبح يمتلك ما تيسّر من أسرار, ثمّ يترقّى هذاالمُكرّم إلى أن يصبح قطباً و مرجعًا ينجذب النّاس إلى مجالسه وحلقات ذكره...
الخضر الأخضر (ع) جسد شفّاف يعرف أمور النّاس قبل حدوثها بإذن الله, و تلككرامة كبرى خصّه الله بها كما في قصّة الخضر (ع) و النّبي موسى (ع) في سورة الكهفبالقرآن الكريم, و طمعاً في شفافيّته حفظت أوّل ما حفظت من القرآن الكريم سورة الكهفو أردّدها صباح مساء, و كم أتمنّى أن أكون من أولئك الذين يكرّمهم الله تعالى ويُنعم عليهم و يدخلهم الجنّة الفردوسيّة المُوشّاة باللينوفار المقدّس بلا حساب...
و أنا أتلو ما تيسّر لي من آيات سورة الكهف في القرآن الكريم كُلّ صباحو مساء, تتراءى لوجداني قصص الأنبياء و المرسلين الأوائل, سيّما قصّة النّبي موسى(ع) و العبد الصّالح الخضر الأخضر (ع) و المعجزات التي حدثت للنّبي موسى (ع) ومنها إنتعاش الحوت بالحياة, إضافة لمعجزات الخضر الأخضر (ع) فب السّفينة و معالطّفل و الجدار... و تتراءى لي كذلك تشكيلات الدّواب للعبرة و التي ذكرها اللهتعالى في كتابه الكريم, مثل كلب أهل الكهف, و هدهد النّبي سليمان (ع) و نملته, و عجلالنّبي إبراهيم (ع), و ناقة النّبي صالح (ع), و بقرة النّبي موسى (ع), و حوت النّبييونس (ع), و كبش الفدية للنّبي إسماعيل (ع) , و غراب إبنيْ آدم (ع), و دابّة الأرضالتي أكلت منسأة النّبي سليمان الحكيم (ع)...
و القرويّون في بلادي لا يزالون يقسمون الأيمان بالخضر الأخضر (ع)لحضوره الدّائم في ضمائرهم و وجدانهم و تفكيرهم و خيالهم و أحلامهم... أوليس هوالذي نبـّأ النّبي موسى (ع) بتأويل ما لم يستطع عليه صبراً؟!... و هو الذي تجلّى فيعالم الأحلام لأحدهم طالبا منه بناء مقام على إسمه في ربوع قريته...
و الخضر الأخضر (ع) يحمل الإنتماء الرّوحي و الدّيني حيث له مقام أومزار أو تشريفة أومسجد أو معبد أو كنيسة, ففي قريتنا الخضر (ع) مسلم شيعي و فيقرية أخرى هو مسلم سنّي و في ثالثة هو مسلم درزي موحّد و في رابعة هو مسلم علوي وفي بلدات المسيحيين هو مسيحي و في بعض الدّول هو شفيعهم و هو رمزهم...
بقلم: حسين أحمد سليم
يُروى الكثير الكثير على ذِمّة المؤرّخينللسّير الشّخصيّة التّاريخيّة و الإفتراضيّة... و يُنقل ما هبّ و دبّ عنالإخباريين النّاقلين للأحداث و المستجدّات على ما هي عليه أو كما يحلو لهمالتّبخير و الزّيادة و النّقصان أو التّعديل المزاجيّ و التّزوير... و ترهقنا متابعةالمجتهدين في قراءة الطّوالع و الرّجم في الغيب و السّياحة في متاهات التّبريج والتّنجيم... و يصيبنا الملل من مراجعة المتفقّهين في إستنباط الأحكام و ما شابه منالمرويات و السّرديات...
و يُقال على ما وصلنا منها و على رأي أصحابها,بأنّ الخضر الأخضر (ع) هو حيٌ لا يموت إلاّ مع الملاكِ جبريل و بعد موت الملاكعزرائيل و نهاية العالم, و قد حباه الله تعالى بعلم لدنّيّ و وعيٍ باطنيّ و عرفانذاتيّ, يعلم أسرار النّاس و يشفي المرضى بإذن الله, و عنده حافظة روحانيّة مكرمةله من ربّ العالمين و التي تحوي أسرار علوم الأوّلين و الآخرين...
للخضر الأخضر (ع) العديد من التّشريفات و المزارات و المقامات المنتشرةفي لبنان و فلسطين و سوريا و العراق و الأردن و بعض الأقطار المحيطة بالبحرالمتوسّط, بحيث يُصنّف في الطّليعة لما له من مزارات و مقامات و تشريفات و مصلّياتو مساجد و كنائس و أماكن عبادة تمّ تشييدها على إسمه, عدا عمّا يُنسج من حكايات وروايات و حتّى إجتراح العجائب و الغرائب عنده, بحيث تُحاكي الأساطير و الخرافاتلإفتقادها الموضوعيّة في تدبيجها لدى الذّاكرة الشّعبيّة و الموروثات التيتتناقلها الأجيال عن السّلف...
فأين يمّمت بصركَ في بلادنا فثمّة للخضر الأخضر (ع) معلمًا بسيطًا ومتواضعًا يُطالعك بغرفة صغيرة و قبّة خضراء لا ضريح فيها أو ضريحًا رمزيّا, تحيطبه الأشجار المعمّرة في سهلٍ أو وادٍ أو على جبل أو تلّة أو عريض أوقرب مجرى نهر, بحيث ينتصب أمامك للخضر الأخضر (ع) نقطة إشراقيّة تتكوكب لتبحث عنالحقيقة في كنه أسرار موقعها الإفتراضيّ...
و حيث يوجد مقام للخضر الأخضر (ع) في مكان جغرافيّ ما, بوقاره و تأثيرهعلى وجداننا الشّعبي و إلتزامنا الرّوحي, تجذبك شجرة عملاقة من السّنديان أواللزّاب أو العرعر أو السّرو أو الأرز لاتزال صامدة تقاوم الأنواء و الأعاصير والطّواريء و الكوارث الطّبيعيّة, و غالبًا ما تكون قد تركت فيها الأيّام و اللياليتجويفاً واسعاً يتّسع لدخول إنسان في جذعها, و غالبًا ما يُقال لك إذا ما تجرّأت وسألت عن عمرها لخادم المقام و المستفيد من حركة الزّيارات له, إنّ هذه الشّجرة منعصر النّبي آدم (ع), و هي لن تموت ما دامت الأرض و السّماء, و إذا ما راودتكَالشّكوك بالجواب و تسأل متجاوزاً على وقار معلومات من تسأل و التي لايرقى إليهاالشّكّ, كيف عرفت يا هذا أنّ هذه الشّجرة من عصر النّبي آدم (ع), و كيف عرفت أنّهالن تموت؟!... نِلتَ الزّجر مِمّن تسأله كما يزجر شيخ القبيلة أتباعه و يوصمك فورًابالكفر و العهر و الإنحراف عن الجادة الوسطى...
و تستدرك بالقول لمن سألت: لا لا أبداً أنا مؤمن كثيراً و إنّي أقسمبالخضر الأخضر (ع) يا هذا على صدق إيماني...
و يردف من تسأله بإنتصار منطقه و معلوماته المطلقة و علمه اللدنيّ ووعيه الباطنيّ و عرفانه الذّاتيّ... قائلاً لك بلغة العارف لما لم و لن و لا تعرف؟!...
فإذا تجرّأتَ على مقام الخضر الأخضر (ع) فسوف يأتيك في الليل بشكل حنشٍأسودٍ و أنت تغطّ في النّوم فترتبك و تصارع أضغاث أحلامك, و حين تموت فسيكون هذاالحنش ممدّداً في قبرك ينتظر قدومك إلى لحدك و لا يستطيع أحد إخراجه من قبرك أبداً...
يُروى أنّ للخضر الأخضر (ع) مقام فوق تلّة خضراء في مكانٍ جغرافيّ مافي بلادي, و إزاء ضريحه الإفتراضيّ الرّمزيّ توجد شجرة دهريّة من العرعر أواللذّاب, يُقال أنّ عمرها الممتدّ لا تحصيه حقب السّنوات, جوّفتها الرّياح العاتيةو جنون الأعاصير, حتّى تكوّن في جذعها الضّخم فتحة واسعة على شكلِ كُوّةٍ تتّسعلأكثر من رجل, و في جانب الشّجرة هذه يوجد بئرا عميقة و في قعر البئر يوجد حنشًاأسود يتربّص للأشرار الذين يحاولون سرقة محتويات مقام الخضر الأخضر(ع)...
و جرت العادة في القرى المجاورة لمقام الخضر الأخضر(ع) أنّ القروياتاللواتي ينذرن نذرًا للخضر الأخضر (ع) أن يُشعلن السّراج التّراثيّ القديم والموضوع في مشكاة في الجدار الجنوبيّ لمقام الخضر (ع), و هذا السّراج يعتبرمقدّسًا لأنّه من بعض أسرار الخضر الأخضر(ع) أن يبقى مشتعلاً في جميع الليالي منغروب الشّمس و حتّى شروقها, و الذي تُحدّثه نفسه على سرقة زيت الخضر الأخضر (ع) يقعفي حالات الإرتباكات المزعجة و لا يستطيع النّوم, و قد يُصاب بأضغاث الأحلام وعذاباتها و يرى الحنش الأسود راقدًا في فراشه بإستمرار, و عيناه تقدحانِ شررًا, يلتفّحول جسده و يمارس لدغه و قد يُصاب بعلّة لا يبرأ منها أبدًا...
أمّا صاحبات النّذر للخضر الأخضر (ع) من العجائز و النّساء و الصّبايا فتستجابنذورهنّ إذا كُنَّ مؤمنات و ذوات نوايا طيّبة, و يتمتّعن بالمصداقيّة من دون تكايدو لا تداه, و بعضهنّ ينذرن لإزالة العقم عنهنّ و الإبتهاج بمجيء مولود صالح لهنّ, وبعضهن تقدَّمَ بهنّ العمر و أصبحن من العوانس و يردن عرساناً كيفما كان الحال, و بعضهنّيُنذرن لعودة غائب طال غيابه و البعض الآخر ينذرن لشفاء مريض نال منه المرض و أسقمتهالعلل...
و تروي جدّتي أنّ الخضر الأخضر (ع) تأتيه الغزلان ليلاً لتتشرّف بأنتكون طعاماً له, و الغزلان تشتكي عنده كسائر الوحوش في سنوات المحل و العِسرة... وللخضر الأخضر (ع) جوادًا مُسرَجًا دائماًبسرج مرصّع بالعقود و الأساور من اليواقيت و الزّمرّد و العقيق, و هو يحرس القريةمن الزّلازل و الكوارث, و يصدّ عنها الأعاصير العاتية... و حصان الخضر الأخضر (ع)شرب من ماء عين الحياة, و لذلك شارك الخضر الأخضر (ع) في الشّرب من ماء عينالحياة, و سيبقى يصهل في تلّة الخضر الأخضر (ع) ما دامت الأرض أرضاً, و السّماءسماء, و صهيله يمتدّ في كلّ الجهات ليعمّ المدى مع الخوافق, و يجيء أطفال و صبايا القرىو يجمعون دندنات صهيله في كلمات حانيات و أغنيات و أناشيد و ترانيم و تجاويد وموشّحات و أغاني طربيّة...
و يروي جدّي العجوز أنّ الخضر الأخضر (ع) دبّج الرّواة أسطورة خياليّةله و هو ذاته القدّيس جرجس الذي قتل التّـنـِّين عند شاطيء مدينة المستقبل بيروت, رغمفارق الزّمن بين الخضر (ع) الذي عاصر النّبي إبراهيم (ع) و النّبي موسى (ع) و وجودالقدّيس جرجس في القرن الميلادي الثّالث, و هو ما يجتهد به جدّي فلسفة التّقمّصعلى أبواب و مراحل عديدة, بحيث تتشعّب السّيّالات الرّوحيّة بين فسخ و مسخ و نسخ ورسخ... و يُؤكّد جدّي بما لا جدل فيه أنّ الخضر الأخضر (ع) هو النّبي إلياس الحيّ(ع) الذي أرسله الله تعالى لأهل بعلبك ليهديهم للحقيقة و يرشدهم لعبادة الواحدالأحد, و يروي جدّي أيضًا أنّ الخضر الأخضر (ع) هو ذاته النّبي أيلا (ع) الذي حملتأسمه بلدة النّبي أيلا البقاعيّة قرب مدينة زحلة مركز محافظة البقاع في لبنان...
و يعزو جدّي أنّ الخضر الأخضر (ع) هو من جرّ الماء الصّالحة للشّرب للنّجمةالقدريّة في قريتنا التي تتماهى في شريط هلال بلدات و قرى غربي مدينة الشّمسبعلبك, لتُغذّي عين القرية و أبارها و بركها, كي يشرب منها جميع سكّان القرىالمجاورة لقريتنا الرّيفيّة... و يُصرّ جدّي وفق إجتهاداته و إستقراءاته و تحاليلهوما يستنبطه في جدليّاته أنّ الخضر الأخضر (ع) سكن قريتنا لفترة زمنيّة سالفة وأقام فيها بعض صلواته, فأجمع أهل القرية على بناء مقام للخضر الأخضر (ع) حيث تراءىلجدّي أنّ الخضر الأخضر (ع) سكن و إرتاح في قيلولة و صلّى...
و يقول جدّي أنّ من يومها أعطى الخضر الأخضر (ع) الإذن للجنّ المؤمنينأن يقيموا أعراسهم و حفلاتهم و أفراحهم في قريتنا الرّيفيّة البقاعيّة كُلّ مساء منكل خميس, و كان القرويّون في ذلك الزّمن يسمعون عزف الجنّ و غناءهم حتّى الفجر, و لايزالبعض المسنّين في القرية يؤكّدون ذلك, و يقسمون أغلظ الأيمان على ما يقولون...
هذا و تقول جدّتي إذا زار مقام الخضر الأخضر (ع) رجلٌ أو إمرأة فيجنابة أو نجاسة أو بلا طهارة, فسيصاب بمرض مزمن, و تحلّعليه لعنة أبديّة إلاّ إذا أشعل سراج الخضر الأخضر (ع) لسبع مرّات متتالية كلّليلة خميس على مدار أسبوع كامل, لأنّ الخضر الأخضر (ع) في تلك الليالي يستقبلالأصفياء و الأولياء و الأتقياء, و بعض المؤمنين من المشايخ و رجال الدّين و الصّوفيّين...
و الخضر الأخضر (ع) إذا أراد أن يعطي كرامة أو يغدق عليه بعضًا أو شيئاًمن علمه لإنسان ما, تفل في حلقه فأصبح يمتلك ما تيسّر من أسرار, ثمّ يترقّى هذاالمُكرّم إلى أن يصبح قطباً و مرجعًا ينجذب النّاس إلى مجالسه وحلقات ذكره...
الخضر الأخضر (ع) جسد شفّاف يعرف أمور النّاس قبل حدوثها بإذن الله, و تلككرامة كبرى خصّه الله بها كما في قصّة الخضر (ع) و النّبي موسى (ع) في سورة الكهفبالقرآن الكريم, و طمعاً في شفافيّته حفظت أوّل ما حفظت من القرآن الكريم سورة الكهفو أردّدها صباح مساء, و كم أتمنّى أن أكون من أولئك الذين يكرّمهم الله تعالى ويُنعم عليهم و يدخلهم الجنّة الفردوسيّة المُوشّاة باللينوفار المقدّس بلا حساب...
و أنا أتلو ما تيسّر لي من آيات سورة الكهف في القرآن الكريم كُلّ صباحو مساء, تتراءى لوجداني قصص الأنبياء و المرسلين الأوائل, سيّما قصّة النّبي موسى(ع) و العبد الصّالح الخضر الأخضر (ع) و المعجزات التي حدثت للنّبي موسى (ع) ومنها إنتعاش الحوت بالحياة, إضافة لمعجزات الخضر الأخضر (ع) فب السّفينة و معالطّفل و الجدار... و تتراءى لي كذلك تشكيلات الدّواب للعبرة و التي ذكرها اللهتعالى في كتابه الكريم, مثل كلب أهل الكهف, و هدهد النّبي سليمان (ع) و نملته, و عجلالنّبي إبراهيم (ع), و ناقة النّبي صالح (ع), و بقرة النّبي موسى (ع), و حوت النّبييونس (ع), و كبش الفدية للنّبي إسماعيل (ع) , و غراب إبنيْ آدم (ع), و دابّة الأرضالتي أكلت منسأة النّبي سليمان الحكيم (ع)...
و القرويّون في بلادي لا يزالون يقسمون الأيمان بالخضر الأخضر (ع)لحضوره الدّائم في ضمائرهم و وجدانهم و تفكيرهم و خيالهم و أحلامهم... أوليس هوالذي نبـّأ النّبي موسى (ع) بتأويل ما لم يستطع عليه صبراً؟!... و هو الذي تجلّى فيعالم الأحلام لأحدهم طالبا منه بناء مقام على إسمه في ربوع قريته...
و الخضر الأخضر (ع) يحمل الإنتماء الرّوحي و الدّيني حيث له مقام أومزار أو تشريفة أومسجد أو معبد أو كنيسة, ففي قريتنا الخضر (ع) مسلم شيعي و فيقرية أخرى هو مسلم سنّي و في ثالثة هو مسلم درزي موحّد و في رابعة هو مسلم علوي وفي بلدات المسيحيين هو مسيحي و في بعض الدّول هو شفيعهم و هو رمزهم...