الفوائد الجليّة في القصّةالبهيّة
حسين أحمد سليم
تتجلّى الفوائد الكثيرة فيقصّة العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع) و لقائه بالنّبي موسى (ع) عند مجمع البحرينغير المحدّد جغرافيّا... و هو ما نستقريء سياق و تفاصيل هذه القصّة العجيبةالغريبة من خلال إبحارنا التّفكّريّ و التّفسيري العقلاني في مطاوي و رموز و أسرارو كهوف الآيات الواردة في سورة الكهف في القرآن الكريم, والتّي تُعنى تحديدا فيهذه القصّة المباركة... و التي تتجلّى في هذه الآياتالمباركة... "60 وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَمَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60), 61 فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَافَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61), 62 فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْلَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62), 63 قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّينَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُوَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63), 64 قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَاقَصَصًا (64), 65 فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْعِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65), 66 قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّاعُلِّمْتَ رُشْدًا (66), 67 قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67), 68 وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68), 69 قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَأَمْرًا (69), 70 قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّىأُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70), 71 فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَاقَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71), 72 قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72), 73 قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْأَمْرِي عُسْرًا (73), 74 فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَأَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74), 75 قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا(75), 76 قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِيقَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76), 77 فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَاأَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْيَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77), 78 قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِمَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78), 79 أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِيالْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّسَفِينَةٍ غَصْبًا (79), 80 وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَاأَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80), 81 فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةًوَأَقْرَبَ رُحْمًا (81), 82 وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِيالْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًافَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَارَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْتَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)"...
{و إذقال موسىٰ لفتاه لا أبرح حتىٰ أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} (سورة الأعرافالآية رقم 60).
قصّة النّبي موسى (ع) مع العبدالصّالح, العالم, الخضر (ع) ذكر أسبابها رسول الله النّبي محمّد (ص) في قوله: قامموسى(ع) خطيبا في بني إسرائيل فسُئل أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أناأعلم.قال: فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه أن عبدا من عباديبمجمعالبحرين هو أعلم منك...
و في المعنى الإجمالي للآية المباركة: تطلّعتهمّة النّبي موسى (ع) للقاء ذلك النّبي العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع), مهما كلّفهالأمر من صعاب، فإستعان بفتاه يوشع بن نون قائلا له: لا أزال أمضي حتّى يجتمعالبحران فيصيرا بحرا واحدا، بسير قريب، أو أسير أزمنا طويلة فإنّي بالغ مجمعالبحرين لا محالة حتّى أجد ذلك العالم, العبد الصالح, العالم, الخضر (ع)...
و فيه كذلك بيان علوّ همّـة النّبي موسى(ع) و شدّة رغبته في الإستزادة مـن العلم...
و في قوله, أيضا: {لا أبرح حتّى أبلغمجمع البحرين أو أمضي حقبا}, التّصميم و توحيد الهمّة و تفريغ النّفس من المشاغللطلب العلم...
و كأنّ في سبب تصميم النّبي موسى (ع) علىبلوغ حاجته مهما كلّف الأمر إشارة إلىأنّ فتاه إستعظم هذه الرّحلة، و خشي أن تنالهما فيها مشقّة تعوقهما عن إتمامها... ولذلك كأنّه أراد بإعلان تصميمه أن لا ييأس فتاه من محاولة رجوعهما، و أن يشحذ عزيمةفتاه ليساويه في صحّة العزم حتّى يكونا على عزم متّحد... فمن أراد الصّاحب في السّفرلطلب العلم فليختر أولي العزائم العوالي...
و قال تعالى: {فلما بلغا مجمع بينهمانسيا حوتهما فاتّخذ سبيله في البحر سربا}, (سورة الأعراف الآية رقم 61).
و المعنى الإجمالي للآية المباركة: عندماأوحى الله للنّبي موسى (ع): {إنّ لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال النّبي موسى(ع): يا ربّ فكيف لي به؟
حسين أحمد سليم
تتجلّى الفوائد الكثيرة فيقصّة العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع) و لقائه بالنّبي موسى (ع) عند مجمع البحرينغير المحدّد جغرافيّا... و هو ما نستقريء سياق و تفاصيل هذه القصّة العجيبةالغريبة من خلال إبحارنا التّفكّريّ و التّفسيري العقلاني في مطاوي و رموز و أسرارو كهوف الآيات الواردة في سورة الكهف في القرآن الكريم, والتّي تُعنى تحديدا فيهذه القصّة المباركة... و التي تتجلّى في هذه الآياتالمباركة... "60 وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَمَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60), 61 فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَافَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61), 62 فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْلَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62), 63 قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّينَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُوَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63), 64 قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَاقَصَصًا (64), 65 فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْعِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65), 66 قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّاعُلِّمْتَ رُشْدًا (66), 67 قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67), 68 وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68), 69 قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَأَمْرًا (69), 70 قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّىأُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70), 71 فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَاقَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71), 72 قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72), 73 قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْأَمْرِي عُسْرًا (73), 74 فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَأَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74), 75 قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا(75), 76 قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِيقَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76), 77 فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَاأَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْيَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77), 78 قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِمَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78), 79 أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِيالْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّسَفِينَةٍ غَصْبًا (79), 80 وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَاأَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80), 81 فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةًوَأَقْرَبَ رُحْمًا (81), 82 وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِيالْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًافَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَارَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْتَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)"...
{و إذقال موسىٰ لفتاه لا أبرح حتىٰ أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} (سورة الأعرافالآية رقم 60).
قصّة النّبي موسى (ع) مع العبدالصّالح, العالم, الخضر (ع) ذكر أسبابها رسول الله النّبي محمّد (ص) في قوله: قامموسى(ع) خطيبا في بني إسرائيل فسُئل أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أناأعلم.قال: فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه أن عبدا من عباديبمجمعالبحرين هو أعلم منك...
و في المعنى الإجمالي للآية المباركة: تطلّعتهمّة النّبي موسى (ع) للقاء ذلك النّبي العبد الصّالح, العالم, الخضر (ع), مهما كلّفهالأمر من صعاب، فإستعان بفتاه يوشع بن نون قائلا له: لا أزال أمضي حتّى يجتمعالبحران فيصيرا بحرا واحدا، بسير قريب، أو أسير أزمنا طويلة فإنّي بالغ مجمعالبحرين لا محالة حتّى أجد ذلك العالم, العبد الصالح, العالم, الخضر (ع)...
و من الفوائدالجليّة في هذه الآية: أنّ رحلة العالم في طلب الإزدياد من العلم، و إغتنام لقاءالفضلاء و العلماء و إن بعدت أقطارهم، و ذلك في دأب السّلف الصّالح، و بسبب ذلكوصل المرتحلون إلى الحظ الرّاجح، و حصلوا على السّعي النّاجح، فرسخت لهم في العلومأقدام، و صحّ لهم من الذّكر و الأجر و الفضل أفضل الأقسام...
و أنّ المسافرلطلب علم أو جهاد إذا إقتضت المصلحة الإخبار بمطلبه، و أين يريد، فإنّه أكمل منكتمه. فإنّ في إظهاره فوائد من الإستعداد له، و إتّخاذ عدّته، و إتيان الأمر علىبصيرة, و إظهار الشّوق لهذه العبادة الجليلة...
و الإستعانةعلى الرّحلة في طلب العلم بالصّاحب و الخادم, فقد إتّخذ النّبي موسى (ع) فتاه يوشعتلميذا و خادما، و الفتى هو الشّاب في كلام العرب...
و التّعبيربـ{فتاه} و إضافته إليه, كما يقال: غلامه, و فيه فائدة و هي: شدّة ملازمة يوشع للنّبيموسى (ع) حتّى وصف بالفتى، و التّعبير بـ: {فتى} فيه تأديب للّسان، و عدم جرحالمشاعر...
و يُقال للخادمفتى على جهة حسن الأدب، و ندبت الشّريعة إلى ذلك في قول النّبي (ص): «لا يقل أحدكمعبدي و لا أمتي و ليقل فتاي و فتاتي» فهذا ندب إلى التّواضع...
و أنّه لا بأسعلى العالم و الفاضل أن يخدمه المفضول في الحضر و السّفر, لكفاية المؤن، و طلب الرّاحة،و دليله من القصّة, حمل فتاه غداءهما...
و في قوله: {لا أبرح حتّى أبلغ مجمعالبحرين أو أمضي حقبا} فيه توطين للنّفس على تحمّل التّعب الشّديد و العناء العظيمفي السّفر لأجل طلب العلم، و ذلك تنبيه على أنّ المتعلّم لو سافر من المشرق إلىالمغرب لطلب مسألة و احدة لحقّ له ذلك... و فيه كذلك بيان علوّ همّـة النّبي موسى(ع) و شدّة رغبته في الإستزادة مـن العلم...
و في قوله, أيضا: {لا أبرح حتّى أبلغمجمع البحرين أو أمضي حقبا}, التّصميم و توحيد الهمّة و تفريغ النّفس من المشاغللطلب العلم...
و كأنّ في سبب تصميم النّبي موسى (ع) علىبلوغ حاجته مهما كلّف الأمر إشارة إلىأنّ فتاه إستعظم هذه الرّحلة، و خشي أن تنالهما فيها مشقّة تعوقهما عن إتمامها... ولذلك كأنّه أراد بإعلان تصميمه أن لا ييأس فتاه من محاولة رجوعهما، و أن يشحذ عزيمةفتاه ليساويه في صحّة العزم حتّى يكونا على عزم متّحد... فمن أراد الصّاحب في السّفرلطلب العلم فليختر أولي العزائم العوالي...
و قال تعالى: {فلما بلغا مجمع بينهمانسيا حوتهما فاتّخذ سبيله في البحر سربا}, (سورة الأعراف الآية رقم 61).
و المعنى الإجمالي للآية المباركة: عندماأوحى الله للنّبي موسى (ع): {إنّ لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال النّبي موسى(ع): يا ربّ فكيف لي به؟
قال تعالى:تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثَمَّ، فأخذ حوتا فجعله فيمكتل... ثمّ إنطلق و إنطلق معه فتاه يوشع بن نون حتّى أتيا الصّخرة وضعا رؤوسهمافناما، و إضطّرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فإتّخذ سبيله في البحرسربا... و السّرب هو النّفق الذي يكون في الأرض للضّبّ و نحوه من الحيوانات ذلك أنّالله سبحانه, أمسك عن الحوت جر ية الماء، فصار عليه مثل الطّاق... فشبّه مسلك الحوت في البحر مع بقائه و إنجيابالماء عنه بالسّرب الذي هو الكوّة المحفورة في الأرض... فلمّا إستيقظ نسي صاحبه أنيخبره بالحوت، فإنطلقا بقيّة يومهما و ليلتهما...}...
تعليق