بسم الله الرحمن الرحيم ....السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...اللهم صل على محمد وآل محمد ....سر عظمة الزهراء (ع)
هناك تساؤل أساسي حول الزهراء (ع) وهو: من أين استمدت قيمتها؟ وما هو منشأ عظمتها؟
ليس بمقدورنا كما أسلفت أن نحيط بالزهراء (ع) وعظمتها فالخلق مفطومون عن معرفتها (البحار ج43 ص65 عن تفسير فرات الكوفي)، غير أن متابعة بعض القيم السامية التي وضعها أهل البيت (ع) لتقييم الأفراد وبيان تفاضلهم كالمعرفة واليقين والعمل ترشدنا إلى أنها فاقت العالمين رجالا ونساء (باستثناء أبيها وزوجها) في تلك الكمالات، ففي مجال المعرفة والعلم يكفيها أن جبرائيل كان ينزل إليها ويخاطبها مدة عيشها بعد رسول الله (ص) والمقدرة بـ 75 يوما، وأن الملائكة كانت تحدثها، فهي في اتصال مباشر مع السماء، تتلقى المعارف الحقة التي لا يطرأ عليها خطأ واشتباه، وهي من هذه الجهة تسمى المحدثة العليمة.
ولنا في خطبها التي اضطرت لإلقائها بعد وفاة رسول الله (ص) ما يكفي لإرشادنا إلى ذلك.
وفي مجال اليقين ودرجاته فقد بلغت الغاية القصوى، فقد كانت الصديقة الراضية المرضية، وكل واحدة من هذه الألقاب فيه دليل على بلوغها القمة في اليقين، فكلمة الصديقة من صيغ المبالغة وهي إما مبالغة من الصدق في الأقوال والأفعال بحيث يصدق الفعل القول أو مبالغة في التصديق، ولايكون التصديق إلا بعد الاتيان بالصدق، والأسبق تصديقا من كان أسبق في تصديق الله والنبي (ص) وقبول قولهما بعد إتيانهما بالصدق، والأسبقية تعني بلوغ المصدق درجة عالية من اليقين بحيث استطاع أن يتخطى غيره في الإيمان والإذعان.
وفاطمة الزهراء (ع) تميزت (ع) عن بقية نساء العالمين في هذه الجهة، حيث أن لقب صديقة قد ذكره القرآن في حق مريم (ع) كما في قوله تعالى:﴿ ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة ﴾(المائدة / 75)، وذكر هذا اللقب أيضا في بعض الروايات في حق بعض النساء مثل أم الإمام الباقر (ع) (الكافي ج1 ص469 ح1، عنه البحار ج46 ص366 ح7)، ولكن فاطمة الزهراء (ع) لقبت بالصديقة الكبرى (البحار ج38 ص92 ح6 عن أمالي الصدوق المجلس 6 الحديث 5، والبحار ج43 ص105 ح19 عن أمالي الطوسي المجلس 36 الحديث1399 ص668 ط دار الثقافة) لإثبات تميزها، كما لقب بعلها بالصديق الأكبر لإثبات تميزه، وهو يعني أنه لم يصل إلى رتبتها في الصدق والتصديق أحد من النساء.
وأما إذا لاحظنا صفتي الراضية المرضية وهما من ألقابها الشريفة وأسمائها عند الله عز وجل كما جاء في الحديث الذي رواه الشيخ الصدوق في الأمالي والعلل والخصال (الأمالي ص474 ح18، علل الشرائع ج1 ص178 ح3، الخصال ص414 ح3، عنهم البحار ج43 ص10 ح1) عن الإمام الصادق (ع)، ويرجح من ترتبهما وتعاقبهما في الذكر في الحديث هو وجود نوع ارتباط بينهما، فإن الإنسان الراضي بشكل مطلق هو الذي لا تكون هناك حدود وقيود لرضاه، فهو يرضى بكل ما قسم الله عز وجل له من عافية أومرض، وسعة رزق أو ضيق، ويسر أو عسر، لا ينظر إلا إلى ما يحبه الله، وليست له رغبة معينة مسبقة، ولايمكن للإنسان أن يبلغ هذا المستوى من الرضا إلا إذا كان متميزا ومتفوقا على غيره في الإيمان واليقين بالله سبحانه وتعالى، فإن الرضا بفعل الله إنما هو لرضا المرء بالله عز وجل وحبه له، ومن رضي بحبيب رضي فعله، كما جاء في الحديث القدسي. (البحار ج74 ص42 ح10)
وقد روى الشيخ الصدوق «عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال لرسول الله (ص) عن فاطمة (ع):
إنها استقت بالقربة حتى أثرت في صدرها، وجرت بالرحى حتى مجلت يداها (أي ثخن جلد يديها)، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها (أي اتسخت واغبر لونها)، فقلت لها لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك ضر ما أنت فيه من هذا العمل، فقال (ص): أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟! إذا أخذتما منامكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين.
قال أمير المؤمنين (ع):
فأخرجت فاطمة (ع) رأسها، فقال: رضيت عن الله ورسوله ثلاث مرات.» (علل الشرائع ج2 ص366، عنه البحار ج43 ص82)
وعندما يكون الرضا من العبد لا قيود له، يكون في المقابل الرضا من الله عز وجل لا حدود له، وهذا ما يجده المرء في الروايات الكثيرة التي تتحدث عن إكرام الله عز وجل للزهراء (ع) في الدنيا والآخرة، فصارت لأجل هذا وبحق: الراضية المرضية.
أما في مجال العمل فإن العمل إنما يأخذ قيمته في نوعيته ومحتواه، وليس في كثرته وشكله، ومن هنا استحق أمير المؤمنين أن تنزل فيه آية الولاية لتصدقه بالخاتم ولم تنزل في غيره ممن أجهد نفسه بتكرار صورة هذا العمل عسى أن تنزل فيه آية من القرآن؟! ولقد خص الله بعض خلقه بخصوصيات نظرا لاختلاف أعمالهم، حتى أنه فرق بين الشهداء في الرتبة والمنزلة، ففي الشهداء سيد الشهداء، وفيهم من يطير بجناحين في الجنة.
والزهراء (ع) عبدت الله عز وجل حق عبادته، ونكتفي بضرب مثال واحد اختصارا، فقد روى الصدوق عن الإمام الحسن المجتبى (ع) أنه قال:
«رأيت أمي فاطمة (ع) قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء.
فقلت لها: يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟
فقالت: يا بني، الجار ثم الدار». (علل الشرائع باب 145 ج1 ص181 ح1 ، عنه البحار ج43 ص81 ح3)
شيعة فاطمة
جاء في العديد من الروايات ما يثبت وجود شيعة لفاطمة الزهراء (ع)، وسنكتفي بهاتين الروايتين:
1 – روى الشيخ الصدوق عن ابن عباس، عن النبي (ص) أنه قال:
«وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله يزهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عز وجل لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة نساء إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، وأشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار». (الأمالي ص176)
2 – روى الشيخ الصدوق بسند صحيح عن محمد بن موسى بن المتوكل، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن يعقوب بن يزيد، قال: حدثنا الحسن بن علي بن فضال، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن سدير الصيرفي، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قال رسول الله (ص):
«خلق نور فاطمة قبل أن تخلق الأرض والسماء.
فقال بعض الناس يا نبي الله، فليست هي إنسية؟
فقال صلى الله عليه وآله: فاطمة حوراء إنسية.
قال: يا نبي الله، وكيف هي حوراء إنسية؟
قال (ص): خلقها الله عز وجل من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح، فلما خلق الله عز وجل آدم عرضت على آدم.
قيل: يا نبي الله، وأين كانت فاطمة؟
قال: كانت في حقة تحت ساق العرش.
قالوا: يا نبي الله، فما كان طعامها؟» (ويظهر من سؤالهم أنهم لم يستوعبوا ما كان النبي (ص) يخبرهم به من حقيقة ذلك العالم النوري غير المادي الذي لا يحتاج الإنسان فيه إلى طعام وشراب، لأن الحاجة إلى الطعام والشراب هو مقتضى الطبيعة البشرية في عالم الدنيا)
«قال (ص): التسبيح والتهليل والتحميد، »(أي أن وجودها (ع) في ذلك العالم قائم على ذلك التسبيح والتهليل والتحميد الذي يليق بجلال الله عز وجل ولا تنفك عنه، ومن المعلوم أنه لا يمكن أن يصدر التسبيح والتهليل والتحميد من موجود غير مدرك وغير شاعر، ومقتضى عظمة ذلك النور الذي يعرض على آدم ليؤمن به أن إدراكه وشعوره كان متميزا عن إدراك غيره)« فلما خلق الله عز وجل آدم وأخرجني من صلبه أحب الله عز وجل أن يخرجها من صلبي جعلها تفاحة في الجنة، وأتاني بها جبرائيل (ع) فقال لي: السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا محمد.
قلت: منه السلام وإليه يعود السلام.
قال: يا محمد إن هذه تفاحة أهداها الله عز وجل إليك من الجنة، فأخذتها وضممتها إلى صدري.
قال: يا محمد يقول الله جل جلاله: كلها، ففلقتها فرأيت نورا ساطعا ففزعت منه. »(والمراد من الفزع هنا هو الانبهار بعظمة وجلال هذا النور)
«فقال: يا محمد ما لك لا تأكل؟ كلها ولا تخف، فإن ذلك النور المنصورة في السماء، وهي في الأرض فاطمة.
قلت: حبيبي جبرائيل، ولم سميت في السماء المنصورة وفي الأرض فاطمة؟
قال: سميت في الأرض فاطمة لأنها فطمت شيعتها من النار، وفطم أعداؤها من حبها، وهي في السماء المنصورة، وذلك قول الله عز وجل: ﴿ يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء ﴾ يعني نصر فاطمة لمحبيها». (معاني الأخبار ص 396 ح53)
وهذه الرواية الشريفة تؤكد حقيقة يغفل عنها الكثيرون عندما يريدون البحث في سيرة المعصومين (ع) فهم يقصرون البحث في أهل البيت (ع) بأعمالهم وأدوارهم في هذا العالم المادي وينسون وجودهم النوري في عالم ما قبل عالم الدنيا، وأن وجودهم في هذا العالم إنما هو وجود نازل لذلك العالم، فالزهراء (ع) وكما يقول السيد الخميني (قد): "لم تكن امرأة عادية بل هي كائن ملكوتي تجلى في الوجود بصورة إنسان". (مكانة المرأة في فكر الإمام الخميني ص23)
لماذا ارتبط اسم الشيعة بفاطمة الزهراء (ع) دون الإمام علي (ع)؟
والسؤال المطروح هنا هو:
إن الموجود في عشرات الروايات مضافا إلى المعهود في مفهوم التشيع هو ارتباطه بالإمام علي (ع) فعندما يقال هذا شيعي أي من شيعة علي (ع) باعتباره أول إمام افترض الله طاعته على الخلق بعد النبي (ص)، فكيف نسبت كلمة الشيعة في الروايتين السابقتين وغيرها من الروايات الكثيرة إلى فاطمة الزهراء (ع)؟
قد يرى البعض أن الوجه في ذلك أن فاطمة الزهراء (ع) من شيعة علي (ع)، ومن ثم ما ينسب إليها فهو منسوب إلى أمير المؤمنين (ع)، (الشيعة في أحاديث الفريقين للسيد مرتضى الأبطحي ص177)، ولعل هناك وجها قريبا آخر وهو أن هناك خصوصية في محبة فاطمة (ع) والإحسان إليها، بمعنى أن من كان محبا لفاطمة بشكل متميز أو قام بعمل ما لأجل فاطمة كان لهذا الحب والعمل أثره الخاص به، ويرشد إلى ذلك جملة من الروايات منها ما رواه فرات الكوفي عن رسول الله (ص):« ... أن النداء يأتي فاطمة (ع) يوم القيامة: يا بنت حبيب الله، إني جعلت تعزية اليوم أني لا أنظر في محاسبة العباد حتى تدخلي الجنة أنت وذريتك وشيعتك ومن أولاكم معروفا ممن ليس هو من شيعتك قبل أن أنظر في محاسبة العباد، فتدخل ابنتي فاطمة الجنة وذريتها وشيعتها وممن أولاها معروفا ممن ليس من شيعتها». (تفسير فرات الكوفي ص438 ح578 / 7، عنه بحار الأنوار ج65 ص60)
ولعل الأرجح في المقصود أن الروايات التي تنسب الشيعة إلى فاطمة (ع) من جهة كونها عنوانا للتشيع، فالتشيع لم يثبت لولا تضحيات فاطمة (ع) وجهودها، والتشيع لم يكن ليعرف لولا صوت فاطمة (ع)، والتشيع لايقوم من دون محبة فاطمة (ع) وتوليها، وفاطمة (ع) هي المدخل والعنوان الذي لايمكن أن يعرف التشيع إلا به، فلا تشيع إلا بموالاة من والى فاطمة (ع) وموالاة من تولتهم فاطمة ولا تشيع إلا بالبراءة ممن تبرأ من فاطمة وممن تبرأت فاطمة (ع) منهم.
إنها والله ليست فاطمة أو زينب
هناك مشكلة حديثة وقع فيها الانفتاحيون وأتباعهم كردة فعل لتقديرهم الخاطئ وجود مشكلة وقع فيها غيرهم من الذين ركزوا على الجوانب الغيبية في حياة المعصومين، فالانفتاحيون عندما يتعرضون لسيرة المعصومين ومنهم سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) يرون أن قيمة الزهراء (ع) في بعدها العملي والسلوكي والتطبيقي، ومن ثم يكون أقرب الناس إليها وإلى الله عز وجل هو من تشابه سلوكه مع سلوكها، إذ أن الغاية هي الاقتداء العملي بهم.
وهذا من الأخطاء الناجمة عن عدم المعرفة بما يرتبط بمقومات التفاضل، إذ أنها لا تنحصر بذلك فهناك المعرفة واليقين أيضا كما أسلفنا، وحتى العمل قيمته في كيفيته وواقعه وليس في مجرد المشاكلة.
وتعظم هذه المشكلة لديهم عندما يكون الحديث عن سيدة النساء (ع) وعموم النساء الفاضلات من آل البيت (ع) حيث أن قيمة المرأة عندهم يتحدد في مقدار خوضها في الشأن السياسي والاجتماعي كأهم جانب من جوانب السلوك أو يكون القيمة الأكبر للمرأة في هذا الشأن فقط، فقيمة الزهراء (ع) في أنها خطبت وخرجت من بيتها، ولابد لباقي النساء أن يقتدين بالزهراء في هذا الجانب، وقيمة زينب (ع) في أنها خطبت في وجه ابن زياد ويزيد، وبناء على هذا التصور والفهم فإن زينب (ع) قبل كربلاء وحيث لا توجد شواهد على مشاركة سياسية أو اجتماعية ملموسة فإنها امرأة لا تختلف كثيرا عن باقي النساء، ومن ثم نجدهم لايعيرون أهمية للنساء اللاتي لم يكن لهن ذلك دور في ذلك الشأن كأمهات الأئمة (ع) أو بعض بنات الأئمة كالسيدة فاطمة المعصومة (ع)، وقد صرح البعض في بعض مجالسه الخاصة أن فاطمة المعصومة (ع) كأي واحدة من ذرية الأئمة فكما هي بنت الإمام (ع) وذريته فأنا كذلك، فلماذا هذا الاهتمام الخاص بها وبزيارتها؟؟!!
ونظرا لوجود هذه الحالة راسخة في نفوسهم ووجدانهم تراهم يظهرون مقارنات بين سيدة النساء (ع) والنساء المؤمنات الفاضلات اللاتي خضن في الشأن السياسي ويبدون تقديرهم لهن، حتى أن بعضهم يضع عنوانا لمقالته باسم: "والله إنها لفاطمة أو زينب" (الوطن 29 / 7 /2004) للإشارة إلى شخصية الشهيدة بنت الهدى رحمها الله، وهي عبارة كان قد أطلقها شخص اسمه أبو شيماء بعدما نظر إليها بعد شهادتها، منبهرا بالوجه المشرق لها فأحس أنها فاطمة الزهراء أو زينب عليهما السلام!!!
إنه ظلم للزهراء (ع) وزينب (ع) وبنت الهدى (رحمها الله) أن نجري مثل هذه المقارنة ونطلق مثل هذا القول، وإننا نستطيع أن نقول وبكل ثقة: إنها والله ليست فاطمة أو زينب، وإن كان هناك فخر للشهيدة لبنت الهدى فهو في أن تكون خادمة عند فاطمة (ع) أو زينب (ع).
إن من الصحيح بل الضروري أن ندعو للاقتداء بالزهراء (ع) وزينب (ع) ووفقا للتكليف الفعلي المقتضي لاتخاذ نفس مواقفهن، لا أن تكون المطابقة لمواقفهن غاية في حد ذاتها وفي جميع الحالات وكما يطرحه البعض، ومن المقبول أن نقول أن الشهيدة بنت الهدى اقتدت بالزهراء (ع)، أما أن نقول أنها كفاطمة أو نتعدى في التشبيه ونقول أنها فاطمة فهذا إجحاف ما بعده إجحاف وينم عن قصور معرفة لمقام الزهراء (ع).
كيف نريد أن نعمم هذه النظرة في معرفة فاطمة الزهراء (ع) (من خلال جعله عنوانا لمقال صحفي) على المؤمنين والقراء استنادا لمقارنة وإحساس ومعرفة شخص كان مساعدا لمدير الأمن في النجف في أيام شهادة الشهيد الصدر وأخته العلوية بنت الهدى ولا شغل له إلا بالتمجيد بالبعث وقياداته والعمل في خدمتها ولعله لم يقرأ صفحة واحدة مما يرتبط بسيرة الزهراء (ع) ومقاماتها علما بأنه اعترف أنه الشخص الذي جاء لاعتقال الشهيدة بنت الهدى!!
وقد يقول البعض إننا نقبل اعترافات الكفار في حق القرآن والنبي (ص) من باب الفضل ما شهدت به الأعداء فلماذا لا نقبلها هنا؟ ونقول له: إن هذا يجري فيما ثبت اتصاف النبي به أي ثبت أنه الحق واقعا بغض النظر عن شهادة الكفار فنستشهد بشهادتهم لإلزامهم الحجة ولإثبات حقانية الدين وأنبياءه وأولياءه، أما الفكرة التي ثبت بطلانها أو على أقل تقدير مشكوك في صحتها ولم يعلم ثبوتها فلا يصح الاستشهاد بكلام الأعداء لها.
لنكون دقيقين في وصف الزهراء (ع)، والدقة في الوصف إنما تأتي من خلال المعرفة الصحيحة لها، أما تعميم نظرة من لم يفقه من أمر الدين فهي مساهمة في التنقيص من شأن الزهراء (ع) وتشويش معرفتها.
نسأل الله عز وجل أن يكتبنا من شيعتها ومحبيها والمرحومين بشفاعتها ومحبتها.العلوية خادمة الزهراء
هناك تساؤل أساسي حول الزهراء (ع) وهو: من أين استمدت قيمتها؟ وما هو منشأ عظمتها؟
ليس بمقدورنا كما أسلفت أن نحيط بالزهراء (ع) وعظمتها فالخلق مفطومون عن معرفتها (البحار ج43 ص65 عن تفسير فرات الكوفي)، غير أن متابعة بعض القيم السامية التي وضعها أهل البيت (ع) لتقييم الأفراد وبيان تفاضلهم كالمعرفة واليقين والعمل ترشدنا إلى أنها فاقت العالمين رجالا ونساء (باستثناء أبيها وزوجها) في تلك الكمالات، ففي مجال المعرفة والعلم يكفيها أن جبرائيل كان ينزل إليها ويخاطبها مدة عيشها بعد رسول الله (ص) والمقدرة بـ 75 يوما، وأن الملائكة كانت تحدثها، فهي في اتصال مباشر مع السماء، تتلقى المعارف الحقة التي لا يطرأ عليها خطأ واشتباه، وهي من هذه الجهة تسمى المحدثة العليمة.
ولنا في خطبها التي اضطرت لإلقائها بعد وفاة رسول الله (ص) ما يكفي لإرشادنا إلى ذلك.
وفي مجال اليقين ودرجاته فقد بلغت الغاية القصوى، فقد كانت الصديقة الراضية المرضية، وكل واحدة من هذه الألقاب فيه دليل على بلوغها القمة في اليقين، فكلمة الصديقة من صيغ المبالغة وهي إما مبالغة من الصدق في الأقوال والأفعال بحيث يصدق الفعل القول أو مبالغة في التصديق، ولايكون التصديق إلا بعد الاتيان بالصدق، والأسبق تصديقا من كان أسبق في تصديق الله والنبي (ص) وقبول قولهما بعد إتيانهما بالصدق، والأسبقية تعني بلوغ المصدق درجة عالية من اليقين بحيث استطاع أن يتخطى غيره في الإيمان والإذعان.
وفاطمة الزهراء (ع) تميزت (ع) عن بقية نساء العالمين في هذه الجهة، حيث أن لقب صديقة قد ذكره القرآن في حق مريم (ع) كما في قوله تعالى:﴿ ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة ﴾(المائدة / 75)، وذكر هذا اللقب أيضا في بعض الروايات في حق بعض النساء مثل أم الإمام الباقر (ع) (الكافي ج1 ص469 ح1، عنه البحار ج46 ص366 ح7)، ولكن فاطمة الزهراء (ع) لقبت بالصديقة الكبرى (البحار ج38 ص92 ح6 عن أمالي الصدوق المجلس 6 الحديث 5، والبحار ج43 ص105 ح19 عن أمالي الطوسي المجلس 36 الحديث1399 ص668 ط دار الثقافة) لإثبات تميزها، كما لقب بعلها بالصديق الأكبر لإثبات تميزه، وهو يعني أنه لم يصل إلى رتبتها في الصدق والتصديق أحد من النساء.
وأما إذا لاحظنا صفتي الراضية المرضية وهما من ألقابها الشريفة وأسمائها عند الله عز وجل كما جاء في الحديث الذي رواه الشيخ الصدوق في الأمالي والعلل والخصال (الأمالي ص474 ح18، علل الشرائع ج1 ص178 ح3، الخصال ص414 ح3، عنهم البحار ج43 ص10 ح1) عن الإمام الصادق (ع)، ويرجح من ترتبهما وتعاقبهما في الذكر في الحديث هو وجود نوع ارتباط بينهما، فإن الإنسان الراضي بشكل مطلق هو الذي لا تكون هناك حدود وقيود لرضاه، فهو يرضى بكل ما قسم الله عز وجل له من عافية أومرض، وسعة رزق أو ضيق، ويسر أو عسر، لا ينظر إلا إلى ما يحبه الله، وليست له رغبة معينة مسبقة، ولايمكن للإنسان أن يبلغ هذا المستوى من الرضا إلا إذا كان متميزا ومتفوقا على غيره في الإيمان واليقين بالله سبحانه وتعالى، فإن الرضا بفعل الله إنما هو لرضا المرء بالله عز وجل وحبه له، ومن رضي بحبيب رضي فعله، كما جاء في الحديث القدسي. (البحار ج74 ص42 ح10)
وقد روى الشيخ الصدوق «عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال لرسول الله (ص) عن فاطمة (ع):
إنها استقت بالقربة حتى أثرت في صدرها، وجرت بالرحى حتى مجلت يداها (أي ثخن جلد يديها)، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها (أي اتسخت واغبر لونها)، فقلت لها لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك ضر ما أنت فيه من هذا العمل، فقال (ص): أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟! إذا أخذتما منامكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين.
قال أمير المؤمنين (ع):
فأخرجت فاطمة (ع) رأسها، فقال: رضيت عن الله ورسوله ثلاث مرات.» (علل الشرائع ج2 ص366، عنه البحار ج43 ص82)
وعندما يكون الرضا من العبد لا قيود له، يكون في المقابل الرضا من الله عز وجل لا حدود له، وهذا ما يجده المرء في الروايات الكثيرة التي تتحدث عن إكرام الله عز وجل للزهراء (ع) في الدنيا والآخرة، فصارت لأجل هذا وبحق: الراضية المرضية.
أما في مجال العمل فإن العمل إنما يأخذ قيمته في نوعيته ومحتواه، وليس في كثرته وشكله، ومن هنا استحق أمير المؤمنين أن تنزل فيه آية الولاية لتصدقه بالخاتم ولم تنزل في غيره ممن أجهد نفسه بتكرار صورة هذا العمل عسى أن تنزل فيه آية من القرآن؟! ولقد خص الله بعض خلقه بخصوصيات نظرا لاختلاف أعمالهم، حتى أنه فرق بين الشهداء في الرتبة والمنزلة، ففي الشهداء سيد الشهداء، وفيهم من يطير بجناحين في الجنة.
والزهراء (ع) عبدت الله عز وجل حق عبادته، ونكتفي بضرب مثال واحد اختصارا، فقد روى الصدوق عن الإمام الحسن المجتبى (ع) أنه قال:
«رأيت أمي فاطمة (ع) قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء.
فقلت لها: يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟
فقالت: يا بني، الجار ثم الدار». (علل الشرائع باب 145 ج1 ص181 ح1 ، عنه البحار ج43 ص81 ح3)
شيعة فاطمة
جاء في العديد من الروايات ما يثبت وجود شيعة لفاطمة الزهراء (ع)، وسنكتفي بهاتين الروايتين:
1 – روى الشيخ الصدوق عن ابن عباس، عن النبي (ص) أنه قال:
«وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله يزهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عز وجل لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة نساء إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، وأشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار». (الأمالي ص176)
2 – روى الشيخ الصدوق بسند صحيح عن محمد بن موسى بن المتوكل، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن يعقوب بن يزيد، قال: حدثنا الحسن بن علي بن فضال، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن سدير الصيرفي، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قال رسول الله (ص):
«خلق نور فاطمة قبل أن تخلق الأرض والسماء.
فقال بعض الناس يا نبي الله، فليست هي إنسية؟
فقال صلى الله عليه وآله: فاطمة حوراء إنسية.
قال: يا نبي الله، وكيف هي حوراء إنسية؟
قال (ص): خلقها الله عز وجل من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح، فلما خلق الله عز وجل آدم عرضت على آدم.
قيل: يا نبي الله، وأين كانت فاطمة؟
قال: كانت في حقة تحت ساق العرش.
قالوا: يا نبي الله، فما كان طعامها؟» (ويظهر من سؤالهم أنهم لم يستوعبوا ما كان النبي (ص) يخبرهم به من حقيقة ذلك العالم النوري غير المادي الذي لا يحتاج الإنسان فيه إلى طعام وشراب، لأن الحاجة إلى الطعام والشراب هو مقتضى الطبيعة البشرية في عالم الدنيا)
«قال (ص): التسبيح والتهليل والتحميد، »(أي أن وجودها (ع) في ذلك العالم قائم على ذلك التسبيح والتهليل والتحميد الذي يليق بجلال الله عز وجل ولا تنفك عنه، ومن المعلوم أنه لا يمكن أن يصدر التسبيح والتهليل والتحميد من موجود غير مدرك وغير شاعر، ومقتضى عظمة ذلك النور الذي يعرض على آدم ليؤمن به أن إدراكه وشعوره كان متميزا عن إدراك غيره)« فلما خلق الله عز وجل آدم وأخرجني من صلبه أحب الله عز وجل أن يخرجها من صلبي جعلها تفاحة في الجنة، وأتاني بها جبرائيل (ع) فقال لي: السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا محمد.
قلت: منه السلام وإليه يعود السلام.
قال: يا محمد إن هذه تفاحة أهداها الله عز وجل إليك من الجنة، فأخذتها وضممتها إلى صدري.
قال: يا محمد يقول الله جل جلاله: كلها، ففلقتها فرأيت نورا ساطعا ففزعت منه. »(والمراد من الفزع هنا هو الانبهار بعظمة وجلال هذا النور)
«فقال: يا محمد ما لك لا تأكل؟ كلها ولا تخف، فإن ذلك النور المنصورة في السماء، وهي في الأرض فاطمة.
قلت: حبيبي جبرائيل، ولم سميت في السماء المنصورة وفي الأرض فاطمة؟
قال: سميت في الأرض فاطمة لأنها فطمت شيعتها من النار، وفطم أعداؤها من حبها، وهي في السماء المنصورة، وذلك قول الله عز وجل: ﴿ يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء ﴾ يعني نصر فاطمة لمحبيها». (معاني الأخبار ص 396 ح53)
وهذه الرواية الشريفة تؤكد حقيقة يغفل عنها الكثيرون عندما يريدون البحث في سيرة المعصومين (ع) فهم يقصرون البحث في أهل البيت (ع) بأعمالهم وأدوارهم في هذا العالم المادي وينسون وجودهم النوري في عالم ما قبل عالم الدنيا، وأن وجودهم في هذا العالم إنما هو وجود نازل لذلك العالم، فالزهراء (ع) وكما يقول السيد الخميني (قد): "لم تكن امرأة عادية بل هي كائن ملكوتي تجلى في الوجود بصورة إنسان". (مكانة المرأة في فكر الإمام الخميني ص23)
لماذا ارتبط اسم الشيعة بفاطمة الزهراء (ع) دون الإمام علي (ع)؟
والسؤال المطروح هنا هو:
إن الموجود في عشرات الروايات مضافا إلى المعهود في مفهوم التشيع هو ارتباطه بالإمام علي (ع) فعندما يقال هذا شيعي أي من شيعة علي (ع) باعتباره أول إمام افترض الله طاعته على الخلق بعد النبي (ص)، فكيف نسبت كلمة الشيعة في الروايتين السابقتين وغيرها من الروايات الكثيرة إلى فاطمة الزهراء (ع)؟
قد يرى البعض أن الوجه في ذلك أن فاطمة الزهراء (ع) من شيعة علي (ع)، ومن ثم ما ينسب إليها فهو منسوب إلى أمير المؤمنين (ع)، (الشيعة في أحاديث الفريقين للسيد مرتضى الأبطحي ص177)، ولعل هناك وجها قريبا آخر وهو أن هناك خصوصية في محبة فاطمة (ع) والإحسان إليها، بمعنى أن من كان محبا لفاطمة بشكل متميز أو قام بعمل ما لأجل فاطمة كان لهذا الحب والعمل أثره الخاص به، ويرشد إلى ذلك جملة من الروايات منها ما رواه فرات الكوفي عن رسول الله (ص):« ... أن النداء يأتي فاطمة (ع) يوم القيامة: يا بنت حبيب الله، إني جعلت تعزية اليوم أني لا أنظر في محاسبة العباد حتى تدخلي الجنة أنت وذريتك وشيعتك ومن أولاكم معروفا ممن ليس هو من شيعتك قبل أن أنظر في محاسبة العباد، فتدخل ابنتي فاطمة الجنة وذريتها وشيعتها وممن أولاها معروفا ممن ليس من شيعتها». (تفسير فرات الكوفي ص438 ح578 / 7، عنه بحار الأنوار ج65 ص60)
ولعل الأرجح في المقصود أن الروايات التي تنسب الشيعة إلى فاطمة (ع) من جهة كونها عنوانا للتشيع، فالتشيع لم يثبت لولا تضحيات فاطمة (ع) وجهودها، والتشيع لم يكن ليعرف لولا صوت فاطمة (ع)، والتشيع لايقوم من دون محبة فاطمة (ع) وتوليها، وفاطمة (ع) هي المدخل والعنوان الذي لايمكن أن يعرف التشيع إلا به، فلا تشيع إلا بموالاة من والى فاطمة (ع) وموالاة من تولتهم فاطمة ولا تشيع إلا بالبراءة ممن تبرأ من فاطمة وممن تبرأت فاطمة (ع) منهم.
إنها والله ليست فاطمة أو زينب
هناك مشكلة حديثة وقع فيها الانفتاحيون وأتباعهم كردة فعل لتقديرهم الخاطئ وجود مشكلة وقع فيها غيرهم من الذين ركزوا على الجوانب الغيبية في حياة المعصومين، فالانفتاحيون عندما يتعرضون لسيرة المعصومين ومنهم سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) يرون أن قيمة الزهراء (ع) في بعدها العملي والسلوكي والتطبيقي، ومن ثم يكون أقرب الناس إليها وإلى الله عز وجل هو من تشابه سلوكه مع سلوكها، إذ أن الغاية هي الاقتداء العملي بهم.
وهذا من الأخطاء الناجمة عن عدم المعرفة بما يرتبط بمقومات التفاضل، إذ أنها لا تنحصر بذلك فهناك المعرفة واليقين أيضا كما أسلفنا، وحتى العمل قيمته في كيفيته وواقعه وليس في مجرد المشاكلة.
وتعظم هذه المشكلة لديهم عندما يكون الحديث عن سيدة النساء (ع) وعموم النساء الفاضلات من آل البيت (ع) حيث أن قيمة المرأة عندهم يتحدد في مقدار خوضها في الشأن السياسي والاجتماعي كأهم جانب من جوانب السلوك أو يكون القيمة الأكبر للمرأة في هذا الشأن فقط، فقيمة الزهراء (ع) في أنها خطبت وخرجت من بيتها، ولابد لباقي النساء أن يقتدين بالزهراء في هذا الجانب، وقيمة زينب (ع) في أنها خطبت في وجه ابن زياد ويزيد، وبناء على هذا التصور والفهم فإن زينب (ع) قبل كربلاء وحيث لا توجد شواهد على مشاركة سياسية أو اجتماعية ملموسة فإنها امرأة لا تختلف كثيرا عن باقي النساء، ومن ثم نجدهم لايعيرون أهمية للنساء اللاتي لم يكن لهن ذلك دور في ذلك الشأن كأمهات الأئمة (ع) أو بعض بنات الأئمة كالسيدة فاطمة المعصومة (ع)، وقد صرح البعض في بعض مجالسه الخاصة أن فاطمة المعصومة (ع) كأي واحدة من ذرية الأئمة فكما هي بنت الإمام (ع) وذريته فأنا كذلك، فلماذا هذا الاهتمام الخاص بها وبزيارتها؟؟!!
ونظرا لوجود هذه الحالة راسخة في نفوسهم ووجدانهم تراهم يظهرون مقارنات بين سيدة النساء (ع) والنساء المؤمنات الفاضلات اللاتي خضن في الشأن السياسي ويبدون تقديرهم لهن، حتى أن بعضهم يضع عنوانا لمقالته باسم: "والله إنها لفاطمة أو زينب" (الوطن 29 / 7 /2004) للإشارة إلى شخصية الشهيدة بنت الهدى رحمها الله، وهي عبارة كان قد أطلقها شخص اسمه أبو شيماء بعدما نظر إليها بعد شهادتها، منبهرا بالوجه المشرق لها فأحس أنها فاطمة الزهراء أو زينب عليهما السلام!!!
إنه ظلم للزهراء (ع) وزينب (ع) وبنت الهدى (رحمها الله) أن نجري مثل هذه المقارنة ونطلق مثل هذا القول، وإننا نستطيع أن نقول وبكل ثقة: إنها والله ليست فاطمة أو زينب، وإن كان هناك فخر للشهيدة لبنت الهدى فهو في أن تكون خادمة عند فاطمة (ع) أو زينب (ع).
إن من الصحيح بل الضروري أن ندعو للاقتداء بالزهراء (ع) وزينب (ع) ووفقا للتكليف الفعلي المقتضي لاتخاذ نفس مواقفهن، لا أن تكون المطابقة لمواقفهن غاية في حد ذاتها وفي جميع الحالات وكما يطرحه البعض، ومن المقبول أن نقول أن الشهيدة بنت الهدى اقتدت بالزهراء (ع)، أما أن نقول أنها كفاطمة أو نتعدى في التشبيه ونقول أنها فاطمة فهذا إجحاف ما بعده إجحاف وينم عن قصور معرفة لمقام الزهراء (ع).
كيف نريد أن نعمم هذه النظرة في معرفة فاطمة الزهراء (ع) (من خلال جعله عنوانا لمقال صحفي) على المؤمنين والقراء استنادا لمقارنة وإحساس ومعرفة شخص كان مساعدا لمدير الأمن في النجف في أيام شهادة الشهيد الصدر وأخته العلوية بنت الهدى ولا شغل له إلا بالتمجيد بالبعث وقياداته والعمل في خدمتها ولعله لم يقرأ صفحة واحدة مما يرتبط بسيرة الزهراء (ع) ومقاماتها علما بأنه اعترف أنه الشخص الذي جاء لاعتقال الشهيدة بنت الهدى!!
وقد يقول البعض إننا نقبل اعترافات الكفار في حق القرآن والنبي (ص) من باب الفضل ما شهدت به الأعداء فلماذا لا نقبلها هنا؟ ونقول له: إن هذا يجري فيما ثبت اتصاف النبي به أي ثبت أنه الحق واقعا بغض النظر عن شهادة الكفار فنستشهد بشهادتهم لإلزامهم الحجة ولإثبات حقانية الدين وأنبياءه وأولياءه، أما الفكرة التي ثبت بطلانها أو على أقل تقدير مشكوك في صحتها ولم يعلم ثبوتها فلا يصح الاستشهاد بكلام الأعداء لها.
لنكون دقيقين في وصف الزهراء (ع)، والدقة في الوصف إنما تأتي من خلال المعرفة الصحيحة لها، أما تعميم نظرة من لم يفقه من أمر الدين فهي مساهمة في التنقيص من شأن الزهراء (ع) وتشويش معرفتها.
نسأل الله عز وجل أن يكتبنا من شيعتها ومحبيها والمرحومين بشفاعتها ومحبتها.العلوية خادمة الزهراء