المشاركة الأصلية بواسطة عادل سالم سالم
سؤال:
للمرجعية تاريخٌ عريقٌ في مقارعة الاستعمار الأجنبي الدخيل، فهل يمكننا أن نتعرف على نماذج تفصيلية من تلك المواقف؟
الجواب:
مقارعة المرجعية الشيعية للاستعمار الأجنبي امتداد لموقف مبدئي عام للتشيع، أصرّ عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في سلوكهم وتعاليمهم، يقضي بتناسي الخلاف بين المسلمين عند تعرّض الإسلام للخطر، والتوجه للعدو المشترك، حفظًا لكيان الإسلام العام، ودفاعًا عن بيضته، لأن الإسلام قبل الإيمان، ولا يعرف الإيمان ولا يصل له الإنسان إلا بعد معرفة الإسلام والوصول إليه.
وبدأ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما جانَب الظالمين واعتزلهم ورفض الدخول في أمرهم ولم يبايع، ولما تعرض الإسلام للخطر اضطر للبيعة حفاظًا عليه. قال (عليه السلام): [فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد (صلى لله عليه وآله)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلمًا أو هدمًا تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم، التي هي متاع أيام قلائل، ويزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما يتقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق واطمأن الدين وتنهنه]([1]).
أما الأئمة (عليهم السلام) من بعده فهم في الوقت الذي منعوا فيه من الجهاد مع سلاطين الجور، لعدم حفظهم الميزان الشرعي في الجهاد، ولأن في الجهاد معهم دعمًا لهم، أمروا بالقتال دفاعًا عن بيضة الإسلام. ففي الحديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: [يرابط ولا يقاتل، وإن خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتل، فيكون قتاله لنفسه، ليس للسلطان، لأن في دروسِ الإسلام دروسَ ذكرِ محمد (صلى لله عليه وآله)]([2]).
وفي حديث الإمام الصادق (عليه السلام) قال: [على المسلم أن يمنع نفسه ويقاتل عن حكم الله وحكم رسوله، وأما أن يقاتل الكفار عن حكم الجور وسنّتهم فلا يحلّ له ذلك]([3]).
وقد جرى مراجعنا العظام وعلماؤنا الأعلام على ذلك قيامًا بالواجب وتبعًا لأئمتنا (عليهم السلام) وجريًا على تعاليمهم. وقد كلّفهم القيام بهذا الواجب شططًا، فهم في الوقت الذي يتجنبون الحكومات الظالمة ويشجبونها، وفي الوقت الذي تقف منهم تلك الحكومات ومن المؤمنين الذين يرجعون إليهم ويسترشدون بإرشادهم أشد المواقف ظلمًا وعدوانًا وتجاهلاً وامتهانًا، تراهم مضطرين بحكم الواجب الملقى على عواتقهم إلى الوقوف مع تلك الحكومات ودعمها في جهاد العدو الكافر، فإن نجحوا لم يُشكَروا، وإن فشلوا -ولو بسبب تصرف تلك الحكومات وسوء تدبيرها- تحمّلوا تبعة الفشل، وربما انتصر العدو فشفى منهم غيظه، وانتقم لموقفهم منه. ولا عزاء لهم إلا رضى الله تعالى، والخروج عن تكليفه والحفاظ على دينه القويم، وصراطه المستقيم، وكفى به شاهدًا ونصيرًا. وإن تصدي علمائنا الأعلام للأجنبي ذو وجوه وألوان، يجمعها القيام بالواجب في مجانبة الكافر، وعدم الركون إليه، والوقوف بوجهه، ومنعه من الإضرار بالإسلام حسبما تتيحه الظروف وتَسَعُه الطاقة.
من كتاب “المرجعية الدينية وقضايا أخرى” (الحلقة الثانية)، السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم، وقد ورد هذا النص إجابة على السؤال رقم10 ص 139.
[1] نهج البلاغة: 547، من كتابه (عليه السلام) إلى أهل مصر مع مالك الاشتر لما ولاّه إمارتها.
[2] وسائل الشيعة: 11، باب 6 من أبواب جهاد العدو حديث: 2 .
[3] المصدر السابق: حديث 3 .
فالسيد الحكيم يرى المبايعة والحرب، وأمّا السيد ابن طاوس في كشف المحجة لثمرة المهجة ص ٦٩ فيقول:
فما كان بقي على ما ذكر المروزي وغيره ممّن ارتدّ من سائر أهل تلك البلاد إلّا الطائف، وأيّ مقدار للطائف مع ارتداد سائر الطوائف، فلولا تسكين أبيك أمير المؤمنين لذلك البغي والعدوان بترك المحاربة لأبي بكر ومساعدته لأهل المدينة على الذين ارتدّوا على الإسلام والإيمان وإطفاء تلك النيران، كان قد ذهب ذلك الوقت الإسلام بالكليّة، أو كاد يذهب ما يمكن ذهابه منه بتلك الاختلافات الرديئة.
وإن كان المحقَّق المشهور عدم صحة القتال تحت رايتهم.
تعليق