العـرب وسـؤال الوجـود في زمـن التغييـر

أحمد الشرقاوي
بانوراما الشرق الاوسط
الإنسـان لا يعيـش بالإديولوجيا فقـط
التغيير بالتعريف العام، هو عملية تحول من حال قائم لم يعد ملائما للانتقال إلى حال أفضل، وللتغيير كما هو معلوم مجالاته وآلياته التي تصب بالنهاية في خدمة الإنسان، باعتباره مركز الكون، وسر الحق في الخلق، وخليفة الله في الأرض.. وكل تغيير لا يحمل مشروعا شاملا يطال تجديد البنى السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بل الأمنية أيضا وفق رؤية عقلانية بأفكار منتجة، لا يمكن أن يحدث التبدل المنشود في حياة الناس..
فعندما تشتد الأزمات، وتكثر المآزق، وتصطدم السياسات بالحائط، وتحل الكوارث.. يصبح التغيير هو الحل، لكن ليس من خلال رفع الشعارات الطوبوية التي يروج لها الحكام البلداء، أوالإصرار على إعادة تدوير نفس الإديولوجيات المدمرة التي يسوق لها فقهاء النقل الأغبياء حتى لو ثبت أنها معارضة لمنطق العقل ومنافية لقيم الدين ومبادئ الأخلاق، في إصرار عجيب على التمسك بإمبريالية المعنى وإلغاء الاجتهاد المخالف والفكر المعارض.. وقطعا لا يمكن أن يحدث التغيير بالاستثمار فقط في الخطاب الديني المؤدلج والإعلام الموجه والحلول الأمنية، واستبعاد عامل التنمية الاقتصادية الذي هو محور كل السياسات، لأن الإنسان لا يعيش فقط بالإديولوجيا..
وسبب عدم قدرتنا على إحداث التغيير لمسايرة متطلبات عصر ما بعد الحداثة، أننا أمة عاطفية، تصدر عن عقل أحادي، مثالي وتبسيطي، تخاف التغيير، وتفضل العيش في كنف الماضي السحيق لإعادة إنتاج نفس تجربة السلف، مكتفية كالببغاء بترديد ما خلفه السلف من أفكار على أمل الظفر بالجنة بعد الموت، في حين أن كل أمم الأرض تغيرت لأنها سلكت منهج العقلانية في التدبير، وفلسفة المنطق في التفكير، والانفتاح على الآخر المختلف بروح التسامح، ما ساعدها على فهم أعمق لعملية التغيير، فطورت مشاريع تنموية ثورية في مجالات شتى، تصب جميعها في الرفع من مستوى الإنسان ليتحول إلى قيمة منتجة، حتى لا يظل مجرد نكرة في قطيع ضال يساس بالقهر، كما هو حال الإنسان العربي..
وبالتالي، فما يحصل اليوم في عالمنا العربي هو نتيجة لهذا الوضع وليس سببـا.. خصوصا بعد أن حل الخسوف بالقمر السني وساد ظلام الفكر الوهابي التكفيري الإلغائي المغذي للخلافات والمفجر للنزاعات، فعم الموت والحزن والخراب المنطقة من العراق إلى المغرب، وتحول الإسلام إلى مجرد تيار فكري لا يرقى لمستوى مذهب، وأصبحت “السنــة” تعني حصريا سنة السلف الذي لم يكن صالحا كابن تيمية، وهو الفقيه المتشدد المغمور الذي حاول صنع مجده على حساب الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي في دمشق، غير أن الشام المتسامحة والمنفتحة آنذاك على العالم، طردت ابن تيمية للحجاز واحتضنت ابن عربي الذي يرقد اليوم عزيزا مكرما بجوار عمود النور المشع فوق جبل قاسيون، ومن غرائب الصدف وسخرية التاريخ أن يعود ابن تيمية اليوم من قبره، لينتقم من دمشق وحلفاء دمشق، فيدمر القيم والحضارة والإنسان..
ولولا شعاع من نور رفيع بزغ من هلال المقاومة في سماء المنطقة بفضل الدعم الإيراني، لما فشل الرهان على إسقاط العالم العربي لفائدة مشروع “إسرائيل” الكبرى، لتجديد دورها، وتحويلها من قلعة عسكرية فاشلة، إلى سويسرا الشرق الأوسط، تدير الأعمال والمشاريع الكبرى نيابة عن أمريكا، عملا بمقولة، أن للعرب الحقول ولليهود العقول، وهذا التعويم الجديد لدور “إسرائيل” لا يمكن أن ينجح إلا بتجزئة دول المنطقة إلى كيانات طائفية ومذهبية هجينة ومتصارعة مرتبط بالمحور الأمريكي..
ويكـاد الرهان على هذا الدور الصهيوني “الوهم”، أن يجهز على ما تبقى لأمريكا من مصالح في المنطقة بسبب ما أحدثه من خراب دون نتيجة تذكر، ويبشر بقرب انهيار ما تبقى من نظام عربي، لتتحول المنطقة إلى مرتع للذئاب الجائعة والكلاب الضالة..
والمفارقة العجيبة، أن أمريكا بسياساتها الغبية، والأعراب بجهالتهم، وعصبيتهم القبلية، وانقيادهم الأعمى ورائها، خلقوا من حيث يدرون أو لا يدرون فراغا هائلا في العالم العربي، عرفت كيف تستغله إيران، فملأته من مدخل دعم الشعوب المستضعفة، والمستهدفة في وجودها ومصيرها، تمهيدا لإقامة مشروع “الأمة” الذي قامت عليه ثورتها الإسلامية، والذي يهدف إلى تشبيك مكونات الأمة في مشروع علمي واقتصادي وحضاري يعيد لها دورها المفقود ومكانتها بين الأمم، في إطار من احترام سيادة الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها ومستقبل عيالها..
وحيث أن السعودية رأس الحربة في الإقليم، والمسؤولة بشكل كبير عن هذا الفراغ، لا تملك خيارا ذكيا غير الرهان على الأنظمة العميلة الفاسدة ضد مصالح الشعوب، ولا مشروعا جذابا غير “القاعدة” و”داعش” و”النصرة” ومشتقاتها لنشر ثقافة الرعب وإشاعة الموت والخراب لإخضاع الشعوب، ولم تجد من شماعة تعلق عليها فشلها الذريع في فرض نفوذها سوى القول، أن إيران تحتل سورية والعراق ولبنان واليمن، وترفض أن تعترف أن خياراتها السياسية الكارثية هي التي أنتجت هذا الوضع.. ونست أن تذكر أفغانستان أيضا، باعتراف أمريكا نفسها التي قالت أن فشلها في بلاد طالبان سببه اعتمادها الخيار الأمني حصريا، في حين أن إيران نجحت في كسب قلوب الأفغان من مدخل التنمية بموازاة المساعدات العسكرية.. وهو نفس النهج الذي نلحظه اليوم في العراق وسورية ولبنان واليمن..
هذا هو سر نجاح إيران حيث فشلت أمريكا والسعودية وتركيا وبقية الأدوات.. فهل يغيرون؟.. لا أعتقد، كل ما في الأمر أن أمريكا التي تفكر بعقلانية هي من ستغير نهجها وتبدل سياستها تجاه إيران وسورية وحزب الله، وسيتبعها في ذلك الغرب، أما العربان، فسيصرون على المضي قدما في خيار الانتحار، لأنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
مشـروع الفتنـة بديـلا عـن مشـروع التنميـة
الإرهاب كالموت يمشي على الأقدام، لكنه لا يخبط خبط عشواء في كل مكان، بل يختار ساحاته بتخطيط محكم لا علاقة له بعامل الصدفة، فهو لا يستهدف السعودية ومشيخات الزيت وتركيا و”إسرائيل” مثلا، لكنه يدمر سورية ويخرب العراق ويحضر للتفجير في لبنان وإشعال حرب أهلية في اليمن، ويستنزف مصر لإبقائها في بيت الطاعة، ويستهدف تونس لإسقاط نموذجها الديمقراطي الفتي حتى لا يبقى للربيع العربي من نجاح يذكر، وهي التي حولها الإسلام السياسي الأمريكي إلى أكبر مصدر للإرهابيين إلى سورية زمن حكم النهضة تليها السعودية في الترتيب العام، ويتربص بالجزائر أيضا..
وكل ذلك، من منصة ليبيا التي أسقطها الناتو بتخطيط محكم، وحولها إلى أكبر معسكر للإرهابيين في العالم، ففيها يتم تدريب المقاتلين من كل أصقاع الأرض، ومنها يتم نقلهم إلى العراق وسورية ولبنان عبر تركيا، ويتسللون إلى مصر وتونس والجزائر وجنوب الصحراء..
ومع ذلك، ورغم كل ذلك، لم تنجح السعودية ومشيخات الغاز في إسقاط محور المقاومة، ولم تفلح في تركيع إيران لحساب أمريكا بحرب أسعار النفط، وتبين أن الرياض خسرت 300 مليار دولار من عائدات الزيت دون جدوى، وتبين بالمقابل أن طهران اعتمدت ميزانيتها لهذه السنة بمبلغ 300 مليار دولار أيضا، تشكل صادرات النفط منها ما نسبته 25% فقط لا غير، فكيف ستنهار إيران يا ترى؟..
على ضفة البوسفور، اجتمع نحو مائة خبير من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ناقشوا أوضاع التنمية في العالم العربي بالبيانات والأرقام، في محاولة يائسة للبحث عن بوابة يدخل منها العالم العربي القديم إلى العالم المعاصر.. لكنهم اكتشفوا أن هذا “العالم العربي” هو مجرد بدعة من القول لا وجود له على أرض الواقع، أو كما قال عنه الزميل جان عزيز الذي تابع أشغال المؤتمر ذات مقالة في جريدة الأخبار قبل أسبوع: “نحن لسنا إلا كذبة، أو كذبة”، بدليل ما تؤكده الأرقام..
10 % فقط هو حجم المبادلات التجارية بين الدول المسماة “عربية”، في حين تذهب 90 % إلى العالم المتحضر مساهمة من حكامنا في تقدم دوله وازدهار شعوبه، أما شعوبنا الفقيرة المريضة الجاهلة المتخلفة.. فلتذهب إلى الجحيم.
وكمثال بسيط، تكشف خلال لقاء تركيا، أن ودائع المصارف العربية أو ما يسمى بالصناديق السيادية العربية المودعة في الغرب، بلغت العام المنصرم 3.100 مليار دولار (أي أكثر من 3 تريليون دولار)، ونحن هنا لا نتحدث عن 8 تريليون دولار من الأموال المنهوبة من قبل أمراء الزيت بطرق غير مشروعة، ولا نتحدث عن ميزانيات التسلح الضخمة التي تصيب أرقامها المتابع بالدوخة، ولا عن الفساد والعمولات وتمويل الحروب والإرهاب وخلافه… فتلك أمور من المحرم الخوض فيها..
لكن في المقابل، ما تحتاجه المؤسسات الصغرى والمتوسطة لتنشيط الاقتصاد العربي واستيعاب العاطلين أو المعطلين عن العمل، والذين يبحثون عن فرصة للعيش الكريم في هذا الوطن الكبير الذي يجمعه الدين واللغة والتاريخ وخلافه، هو مبلغ 120 مليار دولار فقط لا غير، كقروض ترد لأصحابها مع الشكر والفوائد، ورغم هزالة المبلغ إلا أنهم لا يحصلون على شيء.. وحين يمل من صبرهم الصبر يركبون قوارب الموت بحثا عن حلم سمعوا عنه وراء البحار، فينتهي بهم المطاف في بطون قروش البحر، أو يبحثون بالدم عن جنة مفقودة في حضن دولة “داعش”، فيتحولوا من حيث يعلمون أو لا يعلمون إلى كلاب الجحيم.. فكيف تريد السعودية أن يكون لها نفوذ في العالم العربي وتحترمها شعوبه المقهورة؟..
والسبب، وفق التبرير الذي نسمعه من ساسة وفقهاء الوهابية، هو أن شباب العالم العربي إما مغامر طائش أو ضال أضاع البوصلة فخرج عن الطريق.. والطريق التي يتحدث عنها هؤلاء، هي تلك التي تؤدي بالشباب إلى العيش قانعا مستكينا صابرا كالقطيع الوديع في مزرعة الراعي، لأن سعادتهم في الدنيا وخلاصهم في الآخرة تقتضي منهم اعتناق العقيدة الوهابية التلمودية، وعدم الخروج على الراعي، والصبر “الإستراتيجي” على رأي أوباما، إلى أن يرحمهم الله بالموت أو التخلف العقلي.. وهذا هو جوهر إسلام آل سعود الصحيح، إسلام الاعتدال، إسلام السلف الصالح الذي يأخذ شرائعه عن اليهود ولا حرج..
أما الإرهاب، فصناعة شيعية إيرانية وعلمانية سورية.. هذا ما يردده إعلام الزيت صباح مساء، ولك أن صدق أو لا تصدق، لا يهم، المهم أنهم يكذبون ويكذبون ثم يكذبون حتى تصدق.. بالرغم من أن كل التقارير الاستخباراتية والتصريحات الأمريكية والغربية تتهم السعودية وقطر ومشيخات الخليج الأخرى باستثناء سلطنة عمان، وتركيا والأردن بدعم الإرهاب نهارا جهارا.. بل حتى الرئيس أوباما اعترف الخميس بمسؤولية بلاده عن الإرهاب في المنطقة، وقال بشجاعة، إن تدخلنا في العراق سنة 2003 هو الذي كان وراء نمو ظاهرة الإرهاب “السني” (لأن الرجل لا يفرق بين السني والوهابي).. وقد يكون الغرض من هذا الإعلان هو تحميل المسؤولية لخصومه الجمهوريين بسبب الحروب العبثية التي خاضها بوش الصغير، ربما، لكنه لم يعتذر نيابة عن بلاده، ولا نية له لمحاربة الإرهاب لتنعم شعوب المنطقة بالاستقرار، وعلى العرب نزع أشواكهم بأيديهم كما نبه مسؤول عسكري أمريكي سابق إبان تشكيل ما يسمى بـ “التحالف الدولي” لمحاربة “داعش”..
وحدها إيران ومحورها يحاربون الإرهاب، وحين أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من اجتثاثه في العراق وسورية، خرج إعلام الزيت الأسود يبشر بحرب مذهبية بحجة أن إيران تقتل الدواعش “السنة”، ولصب مزيد من الزيت على الرماد لإشعال فتنة دينية بين المسلمين تعوض عن فشل الإرهاب في إنجاز المهمة، خرج الأزهر غير الشريف ببيانه المشبوه الذي يتهم الحشد الشعبي في العراق بارتكاب مجازر في حق المواطنين الآمنين من الطائفة “السنية”، برغم أن الحشد مكون من آلاف المقاتلين السنة الذين يقاتلون إلى جانب إخوتهم الشيعة، بعقيدة جهادية إسلامية مشتركة وروح وطنية جامعة..
لكن الأخطر، هو ما كشفته مصادر استخباراتية رفيعة، أمس، وفق ما أفادت وكالة ‘فارس للأنباء’، من أن مؤسسة الأزهر تلقت مبلغ 3 مليون دولار من جهة داخل تركيا مقابل أن تفبرك بيانا تحريضيا مسموما يساهم في إثارة النعرات الطائفية والمذهبية في العراق.. وهذا بالضبط ما توقعناه وحذرنا منه في مقالة سابقة بعنوان “فشل الإرهاب.. فهل تنجح الفتنة؟”.. ولا نستبعد بعد هذه الفضيحة الأخلاقية الخطيرة، أن يتحول الأزهر من مؤسسة دينية محلية في خدمة العسكر، إلى مؤسسة كهنوتية إقليمية تبيع صكوك الغفران لمن يدفع مقابل الخلاص في الآخرة على نهج الكنيسة الكاثوليكية في عصور الظلام.
العــرب بيــن الفرصــة والكارثــة
منذ انطلاق الربيع العربي قبل أربع سنوات وأنا أتابع العمليات الإرهابية التي تضرب في كل أصقاع الأرض في الشرق والغرب، لكني لم أسمع عن جماعة شيعية أسست حركة إرهابية، ولم أسمع عن شيعي ضال فجر نفسه وأخذ معه أرواح مدنية بريئة سواء في أمريكا أو أوروبا أو روسيا أو العالم العربي والإسلامي.. كل الجماعات الإرهابية باختلاف أسمائها ومسمياتها تمتح من الفكر الوهابي السعودي، وكلها تقول عن نفسها أنها من أهل “السنة والجماعة”، وأنها على نهج السلف الصالح، وأنها تريد إقامة الخلافة لتخرج الناس من الجاهلية، وأن الشيعة رافضة ومجوس وكفار وما إلى ذلك… وأن إيران هي من تقف وراء بروز ظاهرة الطائفية في المنطقة..
لكن على أرض الواقع، نرى بأم العين، أن إيران تدعم محور المقاومة المكون من مختلف الطوائف والمذاهب بهدف مواجهة “إسرائيل” والتكفيريين على حد سواء، ولا تعير اهتماما لهذه الفروقات الغبية، وفي المقابل، نكتشف باستغراب، أن السعودية هي من تسعى لإقامة حلف “سني” لمواجهة إيران “الشيعية”.. فعن أي طائفية يتحدث الأغبياء في السعودية؟..
ثم جاء إعلان مدير المخابرات الأمريكية الخميس، ليقطع الشك باليقين، ويقول بصريح العبارة أن إيران وحزب الله لا يمثلان تهديدا إرهابيا، وقبله قال مسؤولون أمريكيون أن إيران وحزب الله والحشد الشعبي في العراق هم من يحاربون الإرهاب ويحققون نتائج ملموسة على الأرض.. وهو ما أثار غيض السعودية وحنقها، وهي التي تعتبر حزب الله إرهابي لأنه يحارب “إسرائيل”، مثله مثل حماس أيضا..
وكنت إبان وصول مرسي إلى سدة الحكم في المحروسة أتابع بعض المواقع على الفيسبوك، وهي تستفتي الشباب عن من هو الأجدر بأن يبايع خليفة للمسلمين.. مرسي أم أردوغان؟.. وكانت الكفة تميل بشكل كبير لفائدة السلطان أردوغان المسكون بوهم عودة الخلافة العثمانية لتحكم العالم العربي، والسبب، إعجاب الشباب العربي بنموذجه الاقتصادي الناجح، ولأنهم لا يقرؤون التاريخ، فلم يكونوا مهتمين بمعرفة الفظاعات التي ارتكبها الأتراك في العالم العربي وضد الأرمن زمن السلطنة العثمانية التي استمرت لأزيد من 400 سنة، وكانت من أهم سيماتها الفساد والاستبداد والذبح، تماما كما تفعل “داعش” اليوم، وكما فعل مؤسس عائلة آل سعود بتحالف مع محمد بن عبد الوهاب زمن احتلالهم لمملكة الرمال..
وكنت أقول، لا شك أن مراكز الدراسات والمخابرات الأمريكية والأطلسية تستفيد من هذا النوع من المعلومات التي يعبر فيها الشباب عن أوهامهم في مواقع التواصل الاجتماعي، أو قد تكون هي من يقف وراء استطلاعات الرأي هذه، والتي تساعدها دون شك في تطوير استراتيجياتها لركوب الربيع العربي وسرقته من أصحابه بوعد وهم “الخلافة” العزيز على قلوب شرائح واسعة من الشباب العربي اليائس من تجربة الدولة القومية الفاشلة.. وهذا ما لمسنا مؤشراته على أرض الواقع بالفعل.
ولخطورة الأمر، شعرت عصابة آل سعود بأن الزلزال قد يطال صحرائهم، فلم يتمالكوا أنفسهم، وسارعوا للإجهاز على حكم الإخوان في مصر فدخلوا في صراع من تركيا وصدام مع قطر، ووقفوا بالمرصاد لكل من يقول ببدعة الحرية والديمقراطية في الجغرافية العربية.. ويعلم الله كم أنفقوا من مليارات الدولارات في سبيل إجهاض الديمقراطية في “العالم العربي”، وهم الذين عودونا على محاربة التغيير بشراسة لفائدة الجمود، خوفا من أن يطال سلطتهم المغتصبة ضدا في إرادة الشعب..
وهل ننسى أن السعودية هي من حاولت إجهاض الثورة الإيرانية في مهدها خلال حروب السنين الثمانية؟.. وكيف أنها أسقطت العراق سنة 2003؟.. وحاولت إسقاط سورية، لكنها فشلت، ومولت حروب واشنطن في أفغانستان، ومولت حروب “إسرائيل” ضد حزب الله والمقاومة في غزة، وما خفي أعظم… لكن، كم كلفت هذه الحروب الإجرامية والمؤامرات الدنيئة خزينة السعودية ومشيخات الخليج؟.. لا أنصحكم بالدخول في لعبة الأرقام حتى لا تصابوا بالدوار..
وها هي السعودية وبرغم ما أصاب سياساتها من انتكاسات لا تزال مصرة على المضي في غيها، حيث تبين أنها بصدد إنشاء جيش خليجي – تركي لحماية “المعارضة المسلحة” في سورية بالقوة العسكرية، وفق ما أفصح عنه مسؤول عسكري أمريكي الخميس، وتريد من مصر بمعية قوة خليجية أن تتدخل في اليمن عسكريا لإجهاض ثورة الشعب المستضعف..
فـ”داعش” ليست هي العدو كما يقول الأمريكي، بل “الأسد” هو العدو، ولا بديل عن إسقاطه.. وها هي السعودية تعطي الضوء الأخضر الخميس لتفجير الأوضاع في اليمن انطلاقا من عدن فيلبي الإرهاب النداء ويبدأ بتفجير المساجد وقتل الجنود والاستيلاء على الثكنات، ويطالب الأمير ‘تركي الفيصل’ مسؤول المخابرات الأسبق، حلف السعودية العسكري الجديد بالاستعداد للتدخل في اليمن، ويستجدي الغطاء السياسي من المجتمع الدولي، لأنه وفق ما قال “اليمن خط أحمر” لأنه يهدد أمن المهلكة، ومصر تعهدت بحماية أمن الخليج وتلبية النداء “مسافة السكة”.. والمفارقة أننا سنسمع في القادم من الأيام أن الصراع هو بين المتمردين (الجيش الوطني اليمني واللجان الثورية الشعبية) من جهة، وبين القبائل (القاعدة و داعش والإخوان) من جهة أخرى.. إلى أن يصدق البلهاء أن الحرب في اليمن هي فعلا حرب أهلية..
وبهذا المعنى، لا مجال لإضاعة الوقت في محاولة معرفة إن كان الحلف العسكري الجديد الذي تعمل السعودية على إقامته سوف ينجح أم يفشل بسبب التباعد القائم بين تركيا وقطر من جهة ومصر من جهة أخرى في موضوع “الإخوان”.. فقد حلت السعودية هذه المعضلة بالعمل على مسارات مختلفة وفق متطلبات كل ساحة على حدة، فلا تضارب ولا تعارض ولا من يحزنون، فهي باعتبارها رأس الحربة وقائد التحالف الجديد ستحذو حذو أمريكا في توزيع الأدوار.. جزء من جيش الخليج بمعية قطر والأردن وتركيا سيدخلون سورية لحماية المعارضة المسلحة من الشمال والجنوب حتى إسقاط النظام في دمشق وفق ما سربه مسؤول عسكري أمريكي أمس، والجزء الثاني بمعية مصر سيقاتل الحوثيين في اليمن، وجزء ثالث بمعية جيش باكستان وفرق مصرية وأردنية ومغربية سيحمي حدود المملكة مع اليمن خوفا من هجوم الحوثيين لاسترداد أراضي يمنية محتلة، وحدودها مع العراق خوفا من معركة الأنبار التي يخطط له الجنرال قاسم سليماني قبل تحرير الموصل، مخافة أن يهرب الدواعش في اتجاه السعودية والأردن والكويت، ولهذا السبب تجري السعودية مناورات عسكرية اليوم على الحدود مع العراق.
أما لبنان، فستدعم السعودية وقطر وتركيا والأردن “جبهة النصرة” التي ستتحول بالنهاية إلى معارضة “معتدلة” برغم رفض الغرباء غير السوريين الذين سيتم الاستغناء عنهم ومطاردتهم، وستوكل لـ”جبهة النصرة” الجديدة مهمة محاربة حزب الله في لبنان، وسيتم تزويدها بأحدث الأسلحة الفتاكة والمتطورة، وبما يلزم من أموال ومؤن ومقاتلين وخلافه.. هذا ما تتحدث عنه آخر المعلومات، وهو ما يفسر التصعيد الأخير الذي لوحظ في خطابات تيار المستقبل الذي يحاور حزب الله لشراء الوقت، ويراهن على التفجير القادم، ويستعد لتسلم السلطة في لبنان من مدخل “المجلس الوطني” الذي أسسه مؤخرا على أنقاض 14 سمسار.. لاحظوا ما تحمله التسمية من معنى سياسي كبير “مجلس وطني”، لا يضم كل مكونات لبنان السياسية، لكن به بيادق سنية وشيعية ومسيحية ودرزية صورية لا وزن ولا تمثيل ولا طعم لها، ويحمل مشروع بناء “دولة” لا مكان فيها للمقاومة.. فسبحان الله، يخلق ما لا تعلمون.. فهل تخسر السعودية لبنان أيضا؟.. ربما.
أما تركيا الانتهازية، فقد بدأ نجمها في الأفول، ولم تعد النموذج الاقتصادي الناجح في المنطقة بسبب الخيارات السياسية الكارثية التي تبناها أردوغان في “العالم العربي”، وتعيش اليوم بين نارين، نار ارتداد “داعش” في الداخل التركي حيث يقبع 3.000 عنصر ضمن خلايا نائمة، وتقول أن لا حل إلا بإسقاط الأسد، ونار ثورة الأكراد في الداخل في حال لم يفي أردوغان بوعوده لأوجلان، ناهيك عن مخاطر الأكراد في الجوار، ولا نتحدث عن العلويين وما يمكن أن يحدث إذا مست طائفتهم في سورية..
وأردوغان بإصراره على نهج نفس السياسات العدوانية الفاشلة، إنما يعرض مصالح شعبه للخطر الشديد، لكن وهم الهيمنة على العالم العربي وأطماعه في العراق وسورية فوق كل اعتبار، وهو قطعا لن يسلم للسعودية بالنفوذ السني في المنطقة، وإن تحالف معها اليوم تحالف الضرورة لإبتزازها ماليا، لأنه بالنهاية يخدم المشروع الأمريكي الذي لا زال يراهن على الإسلام السياسي “الإخونجي” بديلا عن داعش وأخواتها وعن الفكر الوهابي الذي أصبح يمثل خطرا على العالم أجمع، لتستقر المنطقة ويحدث نوع من التوازن بين إيران ا”الشيعية” وتركيا “السنية”..
وبالتالي، فوفق حسابات تركيا، لا مكان لمملكة آل سعود في مستقبل المنطقة، ووفق الحسابات الأمريكية، إذا نجح هؤلاء الأغبياء فإنها ستستفيد، أما إذا فشلوا، فسيتحملون مسؤولية فشلهم لوحدهم، وسنعلن أمريكا أنها بريئة من خياراتهم الكارثية، لأنه صراع ديني بين المسلمين داخل نفس الحضارة، وما يهمها بالنهاية، هو التحالف مع المنتصر لضمان مصالحها.. لذلك من المستبعد التسليم لإيران بالاتفاق النووي قبل معرفة مآلات الصراعات التي يحضر لها في سورية والعراق ولبنان واليمن.
وتقول آخر دراسة حول الوضع الاقتصادي في تركيا، أن صناعاتها مرهونة بالنفط والغاز الإيراني والروسي حيث تستورد منهما ما قدره 140 مليار دولار سنويا، وأن الليرة هبطت بنسبة 50% من قيمتها الاسمية سنة 2001، وارتفعت ديون تركيا العامة إلى 600 مليار دولار متم عام 2014، منها 200 مليار ديون خارجية، ونسي الناس أن من صنع قوة الاقتصاد التركي هي إيران بسبب الحصار الذي استفادت منه تركيا أيما استفادة.. فماذا سيكون عليه الوضع حين يقرر أردوغان المضي في غيه في سورية والعراق؟.. إنها نهاية أسطورة حزب العدالة والتنمية الإسلامي “المعتدل” من مدخل الأزمات الاقتصادية التي تلوح في الأفق، وفي هذا لا تحتاج طهران لإعلان الحرب على أردوغان، لأن سياساته وغروره ووهم السلطنة لديه، كلها مقدمات ستنهي حكمه من الداخل ولو بعد حين..

أحمد الشرقاوي
بانوراما الشرق الاوسط
الإنسـان لا يعيـش بالإديولوجيا فقـط
التغيير بالتعريف العام، هو عملية تحول من حال قائم لم يعد ملائما للانتقال إلى حال أفضل، وللتغيير كما هو معلوم مجالاته وآلياته التي تصب بالنهاية في خدمة الإنسان، باعتباره مركز الكون، وسر الحق في الخلق، وخليفة الله في الأرض.. وكل تغيير لا يحمل مشروعا شاملا يطال تجديد البنى السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بل الأمنية أيضا وفق رؤية عقلانية بأفكار منتجة، لا يمكن أن يحدث التبدل المنشود في حياة الناس..
فعندما تشتد الأزمات، وتكثر المآزق، وتصطدم السياسات بالحائط، وتحل الكوارث.. يصبح التغيير هو الحل، لكن ليس من خلال رفع الشعارات الطوبوية التي يروج لها الحكام البلداء، أوالإصرار على إعادة تدوير نفس الإديولوجيات المدمرة التي يسوق لها فقهاء النقل الأغبياء حتى لو ثبت أنها معارضة لمنطق العقل ومنافية لقيم الدين ومبادئ الأخلاق، في إصرار عجيب على التمسك بإمبريالية المعنى وإلغاء الاجتهاد المخالف والفكر المعارض.. وقطعا لا يمكن أن يحدث التغيير بالاستثمار فقط في الخطاب الديني المؤدلج والإعلام الموجه والحلول الأمنية، واستبعاد عامل التنمية الاقتصادية الذي هو محور كل السياسات، لأن الإنسان لا يعيش فقط بالإديولوجيا..
وسبب عدم قدرتنا على إحداث التغيير لمسايرة متطلبات عصر ما بعد الحداثة، أننا أمة عاطفية، تصدر عن عقل أحادي، مثالي وتبسيطي، تخاف التغيير، وتفضل العيش في كنف الماضي السحيق لإعادة إنتاج نفس تجربة السلف، مكتفية كالببغاء بترديد ما خلفه السلف من أفكار على أمل الظفر بالجنة بعد الموت، في حين أن كل أمم الأرض تغيرت لأنها سلكت منهج العقلانية في التدبير، وفلسفة المنطق في التفكير، والانفتاح على الآخر المختلف بروح التسامح، ما ساعدها على فهم أعمق لعملية التغيير، فطورت مشاريع تنموية ثورية في مجالات شتى، تصب جميعها في الرفع من مستوى الإنسان ليتحول إلى قيمة منتجة، حتى لا يظل مجرد نكرة في قطيع ضال يساس بالقهر، كما هو حال الإنسان العربي..
وبالتالي، فما يحصل اليوم في عالمنا العربي هو نتيجة لهذا الوضع وليس سببـا.. خصوصا بعد أن حل الخسوف بالقمر السني وساد ظلام الفكر الوهابي التكفيري الإلغائي المغذي للخلافات والمفجر للنزاعات، فعم الموت والحزن والخراب المنطقة من العراق إلى المغرب، وتحول الإسلام إلى مجرد تيار فكري لا يرقى لمستوى مذهب، وأصبحت “السنــة” تعني حصريا سنة السلف الذي لم يكن صالحا كابن تيمية، وهو الفقيه المتشدد المغمور الذي حاول صنع مجده على حساب الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي في دمشق، غير أن الشام المتسامحة والمنفتحة آنذاك على العالم، طردت ابن تيمية للحجاز واحتضنت ابن عربي الذي يرقد اليوم عزيزا مكرما بجوار عمود النور المشع فوق جبل قاسيون، ومن غرائب الصدف وسخرية التاريخ أن يعود ابن تيمية اليوم من قبره، لينتقم من دمشق وحلفاء دمشق، فيدمر القيم والحضارة والإنسان..
ولولا شعاع من نور رفيع بزغ من هلال المقاومة في سماء المنطقة بفضل الدعم الإيراني، لما فشل الرهان على إسقاط العالم العربي لفائدة مشروع “إسرائيل” الكبرى، لتجديد دورها، وتحويلها من قلعة عسكرية فاشلة، إلى سويسرا الشرق الأوسط، تدير الأعمال والمشاريع الكبرى نيابة عن أمريكا، عملا بمقولة، أن للعرب الحقول ولليهود العقول، وهذا التعويم الجديد لدور “إسرائيل” لا يمكن أن ينجح إلا بتجزئة دول المنطقة إلى كيانات طائفية ومذهبية هجينة ومتصارعة مرتبط بالمحور الأمريكي..
ويكـاد الرهان على هذا الدور الصهيوني “الوهم”، أن يجهز على ما تبقى لأمريكا من مصالح في المنطقة بسبب ما أحدثه من خراب دون نتيجة تذكر، ويبشر بقرب انهيار ما تبقى من نظام عربي، لتتحول المنطقة إلى مرتع للذئاب الجائعة والكلاب الضالة..
والمفارقة العجيبة، أن أمريكا بسياساتها الغبية، والأعراب بجهالتهم، وعصبيتهم القبلية، وانقيادهم الأعمى ورائها، خلقوا من حيث يدرون أو لا يدرون فراغا هائلا في العالم العربي، عرفت كيف تستغله إيران، فملأته من مدخل دعم الشعوب المستضعفة، والمستهدفة في وجودها ومصيرها، تمهيدا لإقامة مشروع “الأمة” الذي قامت عليه ثورتها الإسلامية، والذي يهدف إلى تشبيك مكونات الأمة في مشروع علمي واقتصادي وحضاري يعيد لها دورها المفقود ومكانتها بين الأمم، في إطار من احترام سيادة الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها ومستقبل عيالها..
وحيث أن السعودية رأس الحربة في الإقليم، والمسؤولة بشكل كبير عن هذا الفراغ، لا تملك خيارا ذكيا غير الرهان على الأنظمة العميلة الفاسدة ضد مصالح الشعوب، ولا مشروعا جذابا غير “القاعدة” و”داعش” و”النصرة” ومشتقاتها لنشر ثقافة الرعب وإشاعة الموت والخراب لإخضاع الشعوب، ولم تجد من شماعة تعلق عليها فشلها الذريع في فرض نفوذها سوى القول، أن إيران تحتل سورية والعراق ولبنان واليمن، وترفض أن تعترف أن خياراتها السياسية الكارثية هي التي أنتجت هذا الوضع.. ونست أن تذكر أفغانستان أيضا، باعتراف أمريكا نفسها التي قالت أن فشلها في بلاد طالبان سببه اعتمادها الخيار الأمني حصريا، في حين أن إيران نجحت في كسب قلوب الأفغان من مدخل التنمية بموازاة المساعدات العسكرية.. وهو نفس النهج الذي نلحظه اليوم في العراق وسورية ولبنان واليمن..
هذا هو سر نجاح إيران حيث فشلت أمريكا والسعودية وتركيا وبقية الأدوات.. فهل يغيرون؟.. لا أعتقد، كل ما في الأمر أن أمريكا التي تفكر بعقلانية هي من ستغير نهجها وتبدل سياستها تجاه إيران وسورية وحزب الله، وسيتبعها في ذلك الغرب، أما العربان، فسيصرون على المضي قدما في خيار الانتحار، لأنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
مشـروع الفتنـة بديـلا عـن مشـروع التنميـة
الإرهاب كالموت يمشي على الأقدام، لكنه لا يخبط خبط عشواء في كل مكان، بل يختار ساحاته بتخطيط محكم لا علاقة له بعامل الصدفة، فهو لا يستهدف السعودية ومشيخات الزيت وتركيا و”إسرائيل” مثلا، لكنه يدمر سورية ويخرب العراق ويحضر للتفجير في لبنان وإشعال حرب أهلية في اليمن، ويستنزف مصر لإبقائها في بيت الطاعة، ويستهدف تونس لإسقاط نموذجها الديمقراطي الفتي حتى لا يبقى للربيع العربي من نجاح يذكر، وهي التي حولها الإسلام السياسي الأمريكي إلى أكبر مصدر للإرهابيين إلى سورية زمن حكم النهضة تليها السعودية في الترتيب العام، ويتربص بالجزائر أيضا..
وكل ذلك، من منصة ليبيا التي أسقطها الناتو بتخطيط محكم، وحولها إلى أكبر معسكر للإرهابيين في العالم، ففيها يتم تدريب المقاتلين من كل أصقاع الأرض، ومنها يتم نقلهم إلى العراق وسورية ولبنان عبر تركيا، ويتسللون إلى مصر وتونس والجزائر وجنوب الصحراء..
ومع ذلك، ورغم كل ذلك، لم تنجح السعودية ومشيخات الغاز في إسقاط محور المقاومة، ولم تفلح في تركيع إيران لحساب أمريكا بحرب أسعار النفط، وتبين أن الرياض خسرت 300 مليار دولار من عائدات الزيت دون جدوى، وتبين بالمقابل أن طهران اعتمدت ميزانيتها لهذه السنة بمبلغ 300 مليار دولار أيضا، تشكل صادرات النفط منها ما نسبته 25% فقط لا غير، فكيف ستنهار إيران يا ترى؟..
على ضفة البوسفور، اجتمع نحو مائة خبير من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ناقشوا أوضاع التنمية في العالم العربي بالبيانات والأرقام، في محاولة يائسة للبحث عن بوابة يدخل منها العالم العربي القديم إلى العالم المعاصر.. لكنهم اكتشفوا أن هذا “العالم العربي” هو مجرد بدعة من القول لا وجود له على أرض الواقع، أو كما قال عنه الزميل جان عزيز الذي تابع أشغال المؤتمر ذات مقالة في جريدة الأخبار قبل أسبوع: “نحن لسنا إلا كذبة، أو كذبة”، بدليل ما تؤكده الأرقام..
10 % فقط هو حجم المبادلات التجارية بين الدول المسماة “عربية”، في حين تذهب 90 % إلى العالم المتحضر مساهمة من حكامنا في تقدم دوله وازدهار شعوبه، أما شعوبنا الفقيرة المريضة الجاهلة المتخلفة.. فلتذهب إلى الجحيم.
وكمثال بسيط، تكشف خلال لقاء تركيا، أن ودائع المصارف العربية أو ما يسمى بالصناديق السيادية العربية المودعة في الغرب، بلغت العام المنصرم 3.100 مليار دولار (أي أكثر من 3 تريليون دولار)، ونحن هنا لا نتحدث عن 8 تريليون دولار من الأموال المنهوبة من قبل أمراء الزيت بطرق غير مشروعة، ولا نتحدث عن ميزانيات التسلح الضخمة التي تصيب أرقامها المتابع بالدوخة، ولا عن الفساد والعمولات وتمويل الحروب والإرهاب وخلافه… فتلك أمور من المحرم الخوض فيها..
لكن في المقابل، ما تحتاجه المؤسسات الصغرى والمتوسطة لتنشيط الاقتصاد العربي واستيعاب العاطلين أو المعطلين عن العمل، والذين يبحثون عن فرصة للعيش الكريم في هذا الوطن الكبير الذي يجمعه الدين واللغة والتاريخ وخلافه، هو مبلغ 120 مليار دولار فقط لا غير، كقروض ترد لأصحابها مع الشكر والفوائد، ورغم هزالة المبلغ إلا أنهم لا يحصلون على شيء.. وحين يمل من صبرهم الصبر يركبون قوارب الموت بحثا عن حلم سمعوا عنه وراء البحار، فينتهي بهم المطاف في بطون قروش البحر، أو يبحثون بالدم عن جنة مفقودة في حضن دولة “داعش”، فيتحولوا من حيث يعلمون أو لا يعلمون إلى كلاب الجحيم.. فكيف تريد السعودية أن يكون لها نفوذ في العالم العربي وتحترمها شعوبه المقهورة؟..
والسبب، وفق التبرير الذي نسمعه من ساسة وفقهاء الوهابية، هو أن شباب العالم العربي إما مغامر طائش أو ضال أضاع البوصلة فخرج عن الطريق.. والطريق التي يتحدث عنها هؤلاء، هي تلك التي تؤدي بالشباب إلى العيش قانعا مستكينا صابرا كالقطيع الوديع في مزرعة الراعي، لأن سعادتهم في الدنيا وخلاصهم في الآخرة تقتضي منهم اعتناق العقيدة الوهابية التلمودية، وعدم الخروج على الراعي، والصبر “الإستراتيجي” على رأي أوباما، إلى أن يرحمهم الله بالموت أو التخلف العقلي.. وهذا هو جوهر إسلام آل سعود الصحيح، إسلام الاعتدال، إسلام السلف الصالح الذي يأخذ شرائعه عن اليهود ولا حرج..
أما الإرهاب، فصناعة شيعية إيرانية وعلمانية سورية.. هذا ما يردده إعلام الزيت صباح مساء، ولك أن صدق أو لا تصدق، لا يهم، المهم أنهم يكذبون ويكذبون ثم يكذبون حتى تصدق.. بالرغم من أن كل التقارير الاستخباراتية والتصريحات الأمريكية والغربية تتهم السعودية وقطر ومشيخات الخليج الأخرى باستثناء سلطنة عمان، وتركيا والأردن بدعم الإرهاب نهارا جهارا.. بل حتى الرئيس أوباما اعترف الخميس بمسؤولية بلاده عن الإرهاب في المنطقة، وقال بشجاعة، إن تدخلنا في العراق سنة 2003 هو الذي كان وراء نمو ظاهرة الإرهاب “السني” (لأن الرجل لا يفرق بين السني والوهابي).. وقد يكون الغرض من هذا الإعلان هو تحميل المسؤولية لخصومه الجمهوريين بسبب الحروب العبثية التي خاضها بوش الصغير، ربما، لكنه لم يعتذر نيابة عن بلاده، ولا نية له لمحاربة الإرهاب لتنعم شعوب المنطقة بالاستقرار، وعلى العرب نزع أشواكهم بأيديهم كما نبه مسؤول عسكري أمريكي سابق إبان تشكيل ما يسمى بـ “التحالف الدولي” لمحاربة “داعش”..
وحدها إيران ومحورها يحاربون الإرهاب، وحين أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من اجتثاثه في العراق وسورية، خرج إعلام الزيت الأسود يبشر بحرب مذهبية بحجة أن إيران تقتل الدواعش “السنة”، ولصب مزيد من الزيت على الرماد لإشعال فتنة دينية بين المسلمين تعوض عن فشل الإرهاب في إنجاز المهمة، خرج الأزهر غير الشريف ببيانه المشبوه الذي يتهم الحشد الشعبي في العراق بارتكاب مجازر في حق المواطنين الآمنين من الطائفة “السنية”، برغم أن الحشد مكون من آلاف المقاتلين السنة الذين يقاتلون إلى جانب إخوتهم الشيعة، بعقيدة جهادية إسلامية مشتركة وروح وطنية جامعة..
لكن الأخطر، هو ما كشفته مصادر استخباراتية رفيعة، أمس، وفق ما أفادت وكالة ‘فارس للأنباء’، من أن مؤسسة الأزهر تلقت مبلغ 3 مليون دولار من جهة داخل تركيا مقابل أن تفبرك بيانا تحريضيا مسموما يساهم في إثارة النعرات الطائفية والمذهبية في العراق.. وهذا بالضبط ما توقعناه وحذرنا منه في مقالة سابقة بعنوان “فشل الإرهاب.. فهل تنجح الفتنة؟”.. ولا نستبعد بعد هذه الفضيحة الأخلاقية الخطيرة، أن يتحول الأزهر من مؤسسة دينية محلية في خدمة العسكر، إلى مؤسسة كهنوتية إقليمية تبيع صكوك الغفران لمن يدفع مقابل الخلاص في الآخرة على نهج الكنيسة الكاثوليكية في عصور الظلام.
العــرب بيــن الفرصــة والكارثــة
منذ انطلاق الربيع العربي قبل أربع سنوات وأنا أتابع العمليات الإرهابية التي تضرب في كل أصقاع الأرض في الشرق والغرب، لكني لم أسمع عن جماعة شيعية أسست حركة إرهابية، ولم أسمع عن شيعي ضال فجر نفسه وأخذ معه أرواح مدنية بريئة سواء في أمريكا أو أوروبا أو روسيا أو العالم العربي والإسلامي.. كل الجماعات الإرهابية باختلاف أسمائها ومسمياتها تمتح من الفكر الوهابي السعودي، وكلها تقول عن نفسها أنها من أهل “السنة والجماعة”، وأنها على نهج السلف الصالح، وأنها تريد إقامة الخلافة لتخرج الناس من الجاهلية، وأن الشيعة رافضة ومجوس وكفار وما إلى ذلك… وأن إيران هي من تقف وراء بروز ظاهرة الطائفية في المنطقة..
لكن على أرض الواقع، نرى بأم العين، أن إيران تدعم محور المقاومة المكون من مختلف الطوائف والمذاهب بهدف مواجهة “إسرائيل” والتكفيريين على حد سواء، ولا تعير اهتماما لهذه الفروقات الغبية، وفي المقابل، نكتشف باستغراب، أن السعودية هي من تسعى لإقامة حلف “سني” لمواجهة إيران “الشيعية”.. فعن أي طائفية يتحدث الأغبياء في السعودية؟..
ثم جاء إعلان مدير المخابرات الأمريكية الخميس، ليقطع الشك باليقين، ويقول بصريح العبارة أن إيران وحزب الله لا يمثلان تهديدا إرهابيا، وقبله قال مسؤولون أمريكيون أن إيران وحزب الله والحشد الشعبي في العراق هم من يحاربون الإرهاب ويحققون نتائج ملموسة على الأرض.. وهو ما أثار غيض السعودية وحنقها، وهي التي تعتبر حزب الله إرهابي لأنه يحارب “إسرائيل”، مثله مثل حماس أيضا..
وكنت إبان وصول مرسي إلى سدة الحكم في المحروسة أتابع بعض المواقع على الفيسبوك، وهي تستفتي الشباب عن من هو الأجدر بأن يبايع خليفة للمسلمين.. مرسي أم أردوغان؟.. وكانت الكفة تميل بشكل كبير لفائدة السلطان أردوغان المسكون بوهم عودة الخلافة العثمانية لتحكم العالم العربي، والسبب، إعجاب الشباب العربي بنموذجه الاقتصادي الناجح، ولأنهم لا يقرؤون التاريخ، فلم يكونوا مهتمين بمعرفة الفظاعات التي ارتكبها الأتراك في العالم العربي وضد الأرمن زمن السلطنة العثمانية التي استمرت لأزيد من 400 سنة، وكانت من أهم سيماتها الفساد والاستبداد والذبح، تماما كما تفعل “داعش” اليوم، وكما فعل مؤسس عائلة آل سعود بتحالف مع محمد بن عبد الوهاب زمن احتلالهم لمملكة الرمال..
وكنت أقول، لا شك أن مراكز الدراسات والمخابرات الأمريكية والأطلسية تستفيد من هذا النوع من المعلومات التي يعبر فيها الشباب عن أوهامهم في مواقع التواصل الاجتماعي، أو قد تكون هي من يقف وراء استطلاعات الرأي هذه، والتي تساعدها دون شك في تطوير استراتيجياتها لركوب الربيع العربي وسرقته من أصحابه بوعد وهم “الخلافة” العزيز على قلوب شرائح واسعة من الشباب العربي اليائس من تجربة الدولة القومية الفاشلة.. وهذا ما لمسنا مؤشراته على أرض الواقع بالفعل.
ولخطورة الأمر، شعرت عصابة آل سعود بأن الزلزال قد يطال صحرائهم، فلم يتمالكوا أنفسهم، وسارعوا للإجهاز على حكم الإخوان في مصر فدخلوا في صراع من تركيا وصدام مع قطر، ووقفوا بالمرصاد لكل من يقول ببدعة الحرية والديمقراطية في الجغرافية العربية.. ويعلم الله كم أنفقوا من مليارات الدولارات في سبيل إجهاض الديمقراطية في “العالم العربي”، وهم الذين عودونا على محاربة التغيير بشراسة لفائدة الجمود، خوفا من أن يطال سلطتهم المغتصبة ضدا في إرادة الشعب..
وهل ننسى أن السعودية هي من حاولت إجهاض الثورة الإيرانية في مهدها خلال حروب السنين الثمانية؟.. وكيف أنها أسقطت العراق سنة 2003؟.. وحاولت إسقاط سورية، لكنها فشلت، ومولت حروب واشنطن في أفغانستان، ومولت حروب “إسرائيل” ضد حزب الله والمقاومة في غزة، وما خفي أعظم… لكن، كم كلفت هذه الحروب الإجرامية والمؤامرات الدنيئة خزينة السعودية ومشيخات الخليج؟.. لا أنصحكم بالدخول في لعبة الأرقام حتى لا تصابوا بالدوار..
وها هي السعودية وبرغم ما أصاب سياساتها من انتكاسات لا تزال مصرة على المضي في غيها، حيث تبين أنها بصدد إنشاء جيش خليجي – تركي لحماية “المعارضة المسلحة” في سورية بالقوة العسكرية، وفق ما أفصح عنه مسؤول عسكري أمريكي الخميس، وتريد من مصر بمعية قوة خليجية أن تتدخل في اليمن عسكريا لإجهاض ثورة الشعب المستضعف..
فـ”داعش” ليست هي العدو كما يقول الأمريكي، بل “الأسد” هو العدو، ولا بديل عن إسقاطه.. وها هي السعودية تعطي الضوء الأخضر الخميس لتفجير الأوضاع في اليمن انطلاقا من عدن فيلبي الإرهاب النداء ويبدأ بتفجير المساجد وقتل الجنود والاستيلاء على الثكنات، ويطالب الأمير ‘تركي الفيصل’ مسؤول المخابرات الأسبق، حلف السعودية العسكري الجديد بالاستعداد للتدخل في اليمن، ويستجدي الغطاء السياسي من المجتمع الدولي، لأنه وفق ما قال “اليمن خط أحمر” لأنه يهدد أمن المهلكة، ومصر تعهدت بحماية أمن الخليج وتلبية النداء “مسافة السكة”.. والمفارقة أننا سنسمع في القادم من الأيام أن الصراع هو بين المتمردين (الجيش الوطني اليمني واللجان الثورية الشعبية) من جهة، وبين القبائل (القاعدة و داعش والإخوان) من جهة أخرى.. إلى أن يصدق البلهاء أن الحرب في اليمن هي فعلا حرب أهلية..
وبهذا المعنى، لا مجال لإضاعة الوقت في محاولة معرفة إن كان الحلف العسكري الجديد الذي تعمل السعودية على إقامته سوف ينجح أم يفشل بسبب التباعد القائم بين تركيا وقطر من جهة ومصر من جهة أخرى في موضوع “الإخوان”.. فقد حلت السعودية هذه المعضلة بالعمل على مسارات مختلفة وفق متطلبات كل ساحة على حدة، فلا تضارب ولا تعارض ولا من يحزنون، فهي باعتبارها رأس الحربة وقائد التحالف الجديد ستحذو حذو أمريكا في توزيع الأدوار.. جزء من جيش الخليج بمعية قطر والأردن وتركيا سيدخلون سورية لحماية المعارضة المسلحة من الشمال والجنوب حتى إسقاط النظام في دمشق وفق ما سربه مسؤول عسكري أمريكي أمس، والجزء الثاني بمعية مصر سيقاتل الحوثيين في اليمن، وجزء ثالث بمعية جيش باكستان وفرق مصرية وأردنية ومغربية سيحمي حدود المملكة مع اليمن خوفا من هجوم الحوثيين لاسترداد أراضي يمنية محتلة، وحدودها مع العراق خوفا من معركة الأنبار التي يخطط له الجنرال قاسم سليماني قبل تحرير الموصل، مخافة أن يهرب الدواعش في اتجاه السعودية والأردن والكويت، ولهذا السبب تجري السعودية مناورات عسكرية اليوم على الحدود مع العراق.
أما لبنان، فستدعم السعودية وقطر وتركيا والأردن “جبهة النصرة” التي ستتحول بالنهاية إلى معارضة “معتدلة” برغم رفض الغرباء غير السوريين الذين سيتم الاستغناء عنهم ومطاردتهم، وستوكل لـ”جبهة النصرة” الجديدة مهمة محاربة حزب الله في لبنان، وسيتم تزويدها بأحدث الأسلحة الفتاكة والمتطورة، وبما يلزم من أموال ومؤن ومقاتلين وخلافه.. هذا ما تتحدث عنه آخر المعلومات، وهو ما يفسر التصعيد الأخير الذي لوحظ في خطابات تيار المستقبل الذي يحاور حزب الله لشراء الوقت، ويراهن على التفجير القادم، ويستعد لتسلم السلطة في لبنان من مدخل “المجلس الوطني” الذي أسسه مؤخرا على أنقاض 14 سمسار.. لاحظوا ما تحمله التسمية من معنى سياسي كبير “مجلس وطني”، لا يضم كل مكونات لبنان السياسية، لكن به بيادق سنية وشيعية ومسيحية ودرزية صورية لا وزن ولا تمثيل ولا طعم لها، ويحمل مشروع بناء “دولة” لا مكان فيها للمقاومة.. فسبحان الله، يخلق ما لا تعلمون.. فهل تخسر السعودية لبنان أيضا؟.. ربما.
أما تركيا الانتهازية، فقد بدأ نجمها في الأفول، ولم تعد النموذج الاقتصادي الناجح في المنطقة بسبب الخيارات السياسية الكارثية التي تبناها أردوغان في “العالم العربي”، وتعيش اليوم بين نارين، نار ارتداد “داعش” في الداخل التركي حيث يقبع 3.000 عنصر ضمن خلايا نائمة، وتقول أن لا حل إلا بإسقاط الأسد، ونار ثورة الأكراد في الداخل في حال لم يفي أردوغان بوعوده لأوجلان، ناهيك عن مخاطر الأكراد في الجوار، ولا نتحدث عن العلويين وما يمكن أن يحدث إذا مست طائفتهم في سورية..
وأردوغان بإصراره على نهج نفس السياسات العدوانية الفاشلة، إنما يعرض مصالح شعبه للخطر الشديد، لكن وهم الهيمنة على العالم العربي وأطماعه في العراق وسورية فوق كل اعتبار، وهو قطعا لن يسلم للسعودية بالنفوذ السني في المنطقة، وإن تحالف معها اليوم تحالف الضرورة لإبتزازها ماليا، لأنه بالنهاية يخدم المشروع الأمريكي الذي لا زال يراهن على الإسلام السياسي “الإخونجي” بديلا عن داعش وأخواتها وعن الفكر الوهابي الذي أصبح يمثل خطرا على العالم أجمع، لتستقر المنطقة ويحدث نوع من التوازن بين إيران ا”الشيعية” وتركيا “السنية”..
وبالتالي، فوفق حسابات تركيا، لا مكان لمملكة آل سعود في مستقبل المنطقة، ووفق الحسابات الأمريكية، إذا نجح هؤلاء الأغبياء فإنها ستستفيد، أما إذا فشلوا، فسيتحملون مسؤولية فشلهم لوحدهم، وسنعلن أمريكا أنها بريئة من خياراتهم الكارثية، لأنه صراع ديني بين المسلمين داخل نفس الحضارة، وما يهمها بالنهاية، هو التحالف مع المنتصر لضمان مصالحها.. لذلك من المستبعد التسليم لإيران بالاتفاق النووي قبل معرفة مآلات الصراعات التي يحضر لها في سورية والعراق ولبنان واليمن.
وتقول آخر دراسة حول الوضع الاقتصادي في تركيا، أن صناعاتها مرهونة بالنفط والغاز الإيراني والروسي حيث تستورد منهما ما قدره 140 مليار دولار سنويا، وأن الليرة هبطت بنسبة 50% من قيمتها الاسمية سنة 2001، وارتفعت ديون تركيا العامة إلى 600 مليار دولار متم عام 2014، منها 200 مليار ديون خارجية، ونسي الناس أن من صنع قوة الاقتصاد التركي هي إيران بسبب الحصار الذي استفادت منه تركيا أيما استفادة.. فماذا سيكون عليه الوضع حين يقرر أردوغان المضي في غيه في سورية والعراق؟.. إنها نهاية أسطورة حزب العدالة والتنمية الإسلامي “المعتدل” من مدخل الأزمات الاقتصادية التي تلوح في الأفق، وفي هذا لا تحتاج طهران لإعلان الحرب على أردوغان، لأن سياساته وغروره ووهم السلطنة لديه، كلها مقدمات ستنهي حكمه من الداخل ولو بعد حين..