هل يرتكب السيسي الخطيئة الكبرى ويتدخل في اليمن؟
يعيش العالم العربي هذه الأيام فترة من أصعب فترات تاريخه، حيث أشتدت الفتن وضاعت الحقائق واختلطت المعايير.
يبدو أن صراع القوى الإقليمية والعالمية لن يتوقف عند مجرد دعم الجماعات المختلفة التي تعمل على أراضي العراق وسوريا وليبيا واليمن، حيث تطور الأمر الأن إلى تدخل مباشر بالقوى العسكرية من قبل بعض الدول في اليمن، ومن المنتظر أن تنضم إليهم دول أخرى حسب ما أعلن مسؤولوها.
الغريب في الأمر أن مصر من بين الدول التي أعلنت استعدادها لإرسال قوات عسكرية إلى اليمن، مما يثير الكثير من التساؤلات حول هذا التحول الخطير في سياسات مصر الخارجية.
ربما لو أن هذه الخطوة قد جاءت من قبل الرئيس السابق محمد مرسي، لكان هناك الكثير من المبررات التي يمكن أن يطرحها على الرأي العام، من قبيل "مواجهة المد الشيعي" و"مساندة الأخوة من أهل السنة" وهذه الكلمات الرنانة التي اتحفنا بمثلها في اجتماعه مع أهله وعشيرته وأنصاره وأتباعه والتي أتبعها بالإعلان عن "فتح باب الجهاد في سوريا" و"قطع العلاقات مع نظام الأسد"، وكان هذا التهور هو المسمار الأخير الذي دق في نعش رئاسته.
لكن أن يأتي هذا القرار من رجل مثل السيسي بما يعهده فيه المصريون من حكمة وعقل، وما نلمحه لديه من ميول علمانية تجعله يبتعد في سياساته الخارجية عن طرح مثل هذه المعايير في علاقاته مع الدول، مسألة تجعلنا نشعر بالقلق، وتثير لدينا الكثير من علامات الاستفهام حول مستقبل مصر في ظل التطورات الخطيرة التي تلم بالمنطقة.
لقد جاء السيسي بوعود محددة للمصريين أهمها حفظ الأمن والقضاء على التطرف الفكري الذي انتشر في مصر وتحقيق نمو اقتصادي يجعل المصريين يعيشون الحياة التي تليق بهم، وبناء على ذلك قدم له المصريون شيكاً على بياض، وتنازلوا عن الكثير من طموحاتهم في المرحلة الراهنة في مقابل تحقيق هذه الأهداف التي أعلنها رجل مصر القوي كما لقبه المصريون.
إن هذا الوضع لا يجعلنا ننكر حقيقة في غاية الأهمية، وهي أن المصريين في الثلاثة أعوام الماضية قد كسروا أصنامهم وكفروا بحكم فرعون، وهم وإن قبلوا بالسيسي كرجل قوي إلا أنهم لن يجعلوا منه فرعوناً آخراً.
إنني انتمى إلى جيل تربى على الحديث عن أمجاد عبد الناصر، وبطولات السادات وحكمة ودهاء مبارك، إلا أنني وجيلي استيقظنا في يوم لنجد أنفسنا أمام تاريخ جديد لم يحدثنا عنه إعلامنا من قبل، لنجد أنفسنا نسمع عن قهر عبد الناصر وديكتاتوريته، واخطائه الجثيمة في حق المصريين الذين القى بهم في التهلكة في بلاد عربية للدفاع عن فكرة آمن هو بها وهي القومية العربية، فقدم المصريون دماءهم دفاعاً عن ثورات رجال أثبت التاريخ فساد أنظمتهم وعمالتهم للدول الأجنبية، وها هي الأيام تمر ليثور العرب على نفس هذه الأنظمة التي قامت على دماء آباءهم.
أما عن السادات البطل فحدث والا حرج، ويكفيه وإيانا مصيبة اعترافه بالكيان الإسرائيلي وإيمانه الشديد بالأميركان وتسليمه لهم.
إنني أنتمى إلى جيل ظل يمثل لنا الرئيس المخلوع مبارك حتى وقت قريب الأب، حيث اعتدنا على تلقيبه بـ "بابا حسني" وتلقيب زوجته بـ "ماما سوزان"، لنستيقظ في يوم لنجده واحداً من أسوء رؤساء مصر، والعالم كله يتحدث عن فساده، الجميع يعلم أنه ديكتاتور إلا شعبه الذي كان يرى فيه الأب الحنون، والقائد الحكيم.
بعد تحطم هذه الأصنام، لم يكن من المقبول لدى المصريين ظهور أي فرعون آخر على هذه الأرض، فلم يستطع مرسي وجماعته الاستمرار أكثر من عام واحد في الحكم رغم امتلاكهم لسلاح من أقوى الأسلحة التي كان من الممكن أن تمكنهم من عقول المصريين، وهو سلاح الحديث بالدين.
لقد جاء السيسي وهو يدرك تماماً هذه الحقيقة، ويعلم أن المصريين قد ساروا وراءه من منطلق مواقفه، وأن هذه المواقف إن تغيرت فإنه لن يكون بمنأى عن غضب المصريين.
السؤال الأن: كيف سيقنع السيسي الرأي العام المصري بمشاركة مصر في حرب ليس لنا فيها ناقة والا جمل؟
من منا على استعداد لتقديم دم عزيز من أعزائه دفاعاً عن قضية لا نعلم من هم أطرافها. كم من المصريين يعلمون من هم الحوثيون وماذا يريدون؟! كم من المصريين على استعداد للدفاع عن شرعية رئيس اليمن وقد كفرنا نحن بمصطلح الشرعية الذي مازال الإخوان يرددونه كالبغبغاوات وكأنهم يغردون خارج الزمن؟! كم من المصريين على استعداد للمشاركة في حرب طائفية بين سنة وشيعة وهم من اختاروا حكم السيسي الذي أنهى فكرة تدخل الدين في السياسة؟!
سيدي الرئيس! إننا جيل لم يعد يقدس رؤساءه، ولن نقبل أن نقدم دماءنا فداءً لأشخاص أو أنظمة مهما قدموا لنا من مساعدات وأموال، إن دماء المصريين غالية، وسوف يغضب المصريون ضد كل من يتهاون في دمائهم، حتى وإن كان الرجل الذي يحبونه، فهو لن يكون أعز لديهم من دماء ابنائهم.
إنني كمصرية، استبشر خيراً بالسيسي، وأرى أنه يمتلك من الحكمة القدر الذي لا يجعله يقدم على المشاركة في هذه الحرب، وإلا ستكون هذه هي خطيئته الكبرى التي لن يغرفها له التاريخ!
بقلم: عبير صلاح
يعيش العالم العربي هذه الأيام فترة من أصعب فترات تاريخه، حيث أشتدت الفتن وضاعت الحقائق واختلطت المعايير.
يبدو أن صراع القوى الإقليمية والعالمية لن يتوقف عند مجرد دعم الجماعات المختلفة التي تعمل على أراضي العراق وسوريا وليبيا واليمن، حيث تطور الأمر الأن إلى تدخل مباشر بالقوى العسكرية من قبل بعض الدول في اليمن، ومن المنتظر أن تنضم إليهم دول أخرى حسب ما أعلن مسؤولوها.
الغريب في الأمر أن مصر من بين الدول التي أعلنت استعدادها لإرسال قوات عسكرية إلى اليمن، مما يثير الكثير من التساؤلات حول هذا التحول الخطير في سياسات مصر الخارجية.
ربما لو أن هذه الخطوة قد جاءت من قبل الرئيس السابق محمد مرسي، لكان هناك الكثير من المبررات التي يمكن أن يطرحها على الرأي العام، من قبيل "مواجهة المد الشيعي" و"مساندة الأخوة من أهل السنة" وهذه الكلمات الرنانة التي اتحفنا بمثلها في اجتماعه مع أهله وعشيرته وأنصاره وأتباعه والتي أتبعها بالإعلان عن "فتح باب الجهاد في سوريا" و"قطع العلاقات مع نظام الأسد"، وكان هذا التهور هو المسمار الأخير الذي دق في نعش رئاسته.
لكن أن يأتي هذا القرار من رجل مثل السيسي بما يعهده فيه المصريون من حكمة وعقل، وما نلمحه لديه من ميول علمانية تجعله يبتعد في سياساته الخارجية عن طرح مثل هذه المعايير في علاقاته مع الدول، مسألة تجعلنا نشعر بالقلق، وتثير لدينا الكثير من علامات الاستفهام حول مستقبل مصر في ظل التطورات الخطيرة التي تلم بالمنطقة.
لقد جاء السيسي بوعود محددة للمصريين أهمها حفظ الأمن والقضاء على التطرف الفكري الذي انتشر في مصر وتحقيق نمو اقتصادي يجعل المصريين يعيشون الحياة التي تليق بهم، وبناء على ذلك قدم له المصريون شيكاً على بياض، وتنازلوا عن الكثير من طموحاتهم في المرحلة الراهنة في مقابل تحقيق هذه الأهداف التي أعلنها رجل مصر القوي كما لقبه المصريون.
إن هذا الوضع لا يجعلنا ننكر حقيقة في غاية الأهمية، وهي أن المصريين في الثلاثة أعوام الماضية قد كسروا أصنامهم وكفروا بحكم فرعون، وهم وإن قبلوا بالسيسي كرجل قوي إلا أنهم لن يجعلوا منه فرعوناً آخراً.
إنني انتمى إلى جيل تربى على الحديث عن أمجاد عبد الناصر، وبطولات السادات وحكمة ودهاء مبارك، إلا أنني وجيلي استيقظنا في يوم لنجد أنفسنا أمام تاريخ جديد لم يحدثنا عنه إعلامنا من قبل، لنجد أنفسنا نسمع عن قهر عبد الناصر وديكتاتوريته، واخطائه الجثيمة في حق المصريين الذين القى بهم في التهلكة في بلاد عربية للدفاع عن فكرة آمن هو بها وهي القومية العربية، فقدم المصريون دماءهم دفاعاً عن ثورات رجال أثبت التاريخ فساد أنظمتهم وعمالتهم للدول الأجنبية، وها هي الأيام تمر ليثور العرب على نفس هذه الأنظمة التي قامت على دماء آباءهم.
أما عن السادات البطل فحدث والا حرج، ويكفيه وإيانا مصيبة اعترافه بالكيان الإسرائيلي وإيمانه الشديد بالأميركان وتسليمه لهم.
إنني أنتمى إلى جيل ظل يمثل لنا الرئيس المخلوع مبارك حتى وقت قريب الأب، حيث اعتدنا على تلقيبه بـ "بابا حسني" وتلقيب زوجته بـ "ماما سوزان"، لنستيقظ في يوم لنجده واحداً من أسوء رؤساء مصر، والعالم كله يتحدث عن فساده، الجميع يعلم أنه ديكتاتور إلا شعبه الذي كان يرى فيه الأب الحنون، والقائد الحكيم.
بعد تحطم هذه الأصنام، لم يكن من المقبول لدى المصريين ظهور أي فرعون آخر على هذه الأرض، فلم يستطع مرسي وجماعته الاستمرار أكثر من عام واحد في الحكم رغم امتلاكهم لسلاح من أقوى الأسلحة التي كان من الممكن أن تمكنهم من عقول المصريين، وهو سلاح الحديث بالدين.
لقد جاء السيسي وهو يدرك تماماً هذه الحقيقة، ويعلم أن المصريين قد ساروا وراءه من منطلق مواقفه، وأن هذه المواقف إن تغيرت فإنه لن يكون بمنأى عن غضب المصريين.
السؤال الأن: كيف سيقنع السيسي الرأي العام المصري بمشاركة مصر في حرب ليس لنا فيها ناقة والا جمل؟
من منا على استعداد لتقديم دم عزيز من أعزائه دفاعاً عن قضية لا نعلم من هم أطرافها. كم من المصريين يعلمون من هم الحوثيون وماذا يريدون؟! كم من المصريين على استعداد للدفاع عن شرعية رئيس اليمن وقد كفرنا نحن بمصطلح الشرعية الذي مازال الإخوان يرددونه كالبغبغاوات وكأنهم يغردون خارج الزمن؟! كم من المصريين على استعداد للمشاركة في حرب طائفية بين سنة وشيعة وهم من اختاروا حكم السيسي الذي أنهى فكرة تدخل الدين في السياسة؟!
سيدي الرئيس! إننا جيل لم يعد يقدس رؤساءه، ولن نقبل أن نقدم دماءنا فداءً لأشخاص أو أنظمة مهما قدموا لنا من مساعدات وأموال، إن دماء المصريين غالية، وسوف يغضب المصريون ضد كل من يتهاون في دمائهم، حتى وإن كان الرجل الذي يحبونه، فهو لن يكون أعز لديهم من دماء ابنائهم.
إنني كمصرية، استبشر خيراً بالسيسي، وأرى أنه يمتلك من الحكمة القدر الذي لا يجعله يقدم على المشاركة في هذه الحرب، وإلا ستكون هذه هي خطيئته الكبرى التي لن يغرفها له التاريخ!
بقلم: عبير صلاح
تعليق