السؤال: 1 ـ ورد أنّ النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قد نودي بهذه الأبيات يوم اُحُد، كما في الخصائص الفاطمية ج2 ص236، ففي غزوة أحد حيث جُرح سيّد الكائنات وتخضّب وجهه المنوّر، وفرّ المنافقون نحو المدينة، وثبت سلطان الولاية لوحده يدافع عن المولى ويذبّ عن الأذى، فنزل جبرئيل عليه السلام وقال: يا رسول الله، قل: ناد علياً مظهر العجائب *** تجده عوناً لك في النوائب. كلّ غمّ وهمّ سينجلي *** بولايتك يا علي يا علي يا علي. ومثله في (بحار الأنوار ج20 ص73) و (شجرة طوبى ج2 ص280) و(مستدرك سفينة البحار ج5 ص452) و (ج10 ص19) فما صحّ هذا القول عن النبي صلّى الله عليه وآله؟ (موسى).
2 ـ ألا يدلّ حديث (ناد علياً مظهر العجائب) على الولاية التكوينية للإمام علي عليه السلام، وعلى الترخيص بل الأمر بالتوسّل به؟ (محمّد الناصر).
الجواب: الكلام في هذا الحديث يمكن أن نضعه في مرحلتين:
المرحلة الأولى: في دراسة مصادر هذا الحديث وفرص التأكّد من صدوره، فعندما نراجع هذا الحديث المنقول، فنحن نجد أنّ أوّل مصدر متوفّر لدينا نقله لنا هو الشيخ الكفعمي (905هـ) في كتاب (المصباح: 182 ـ 183)، لكنّه ذكره بالنص التالي: (وَمِمَّا ذُكِرَ لِرَدِّ الضَّائِعِ وَالْآبِق تَكْرَارُ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْن:
نَادِ عَلِيّاً مَظْهَرَ الْعَجَائِب * تجِدْهُ عَوْناً لَكَ فِي النَّوَائِب
كُلُّ هَمٍّ وَغَمٍّ سَيَنْجَلِي * بوَلَايَتِكَ يَا عَلِيُّ يَا عَلِيُّ يَا عَلِي).
ولم يتعّرض الكفعمي لنزول هذا الكلام عبر جبرائيل، ولا لحادثة معركة اُحد، بل لم يذكر نسبته إلى أحد من الأنبياء والأوصياء أساساً. والأمر عينه فعله الفيض الكاشاني (1091هـ) في (الرسائل 13: 69) والعلامة المجلسي في (زاد المعاد: 561)، عند حديثهما عن طرق ردّ الضالّ والمفقود والغائب. لكنّ العلامة المجلسي ذكر شبيه هذا مرّةً أخرى في كتابه (زاد المعاد، مفتاح الجنان: 429 ـ 430)، حيث قال ـ دون أن ينسبه إلى أحدٍ بعينه ـ ما يلي: (دُعَاءُ «نَادِ عَلِيّاً مَظْهَرَ الْعَجَائِبِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ نَادِ عَلِيّاً مَظْهَرَ الْعَجَائِبِ تَجِدْهُ عَوْناً لَكَ فِي النَّوَائِبِ لِي إِلَى اللَّهِ حَاجَتِي وَعَلَيْهِ مُعَوَّلِي كُلَّمَا رَمْيَتُهُ وَرَمَيْتَ مُقْتَضَي كُلِّ هَمٍّ وَغَمٍّ سَيَنْجَلِي بِعَظَمَتِكَ يَا اللَّهُ وَبِنُبُوَّتِكَ يَا مُحَمَّدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَبِوَلَايَتِكَ يَا عَلِيُّ يَا عَلِيُّ يَا عَلِيُّ أَدْرِكْنِي بِحَقِّ لُطْفِكَ الْخَفِيِّ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَنَا مِنْ شَرِّ أَعْدَائِكَ بَرِيءٌ بَرِيءٌ بَرِيءٌ اللَّهُ صَمَدِي بِحَقِّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يَا أَبَا الْغَيْثِ أَغِثْنِي يَا عَلِيُّ أَدْرِكْنِي يَا قَاهِرَ الْعَدُوِّ وَيَا وَالِيَ الْوَلِيِّ يَا مَظْهَرَ الْعَجَائِبِ يَا مُرْتَضَى عَلِيُّ، يَا قَهَّارُ تَقَهَّرْتَ بِالْقَهْرِ وَالْقَهْرُ فِي قَهْرِ قَهْرِكَ يَا قَهَّارُ يَا ذَا الْبَطْشِ الشَّدِيدِ أَنْتَ الْقَاهِرُ الْجَبَّارُ الْمُهْلِكُ الْمُنْتَقِمُ الْقَوِيُّ وَالَّذِي لَا يُطَاقُ انْتِقَامُهُ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ أَغِثْنِي يَا رَاحِمَ الْمَسَاكِينِ ارْحَمْنِي يَا عَلِيُّ وَأَدْرِكْنِي يَا عَلِيُّ أَدْرِكْنِي يَا عَلِيُّ أَدْرِكْنِي بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ). ثم ذكر المجلسي بعده فوراً دعاء الجوشن الكبير.
كما أنّ العلامة المجلسي قد ذكر أيضاً هذين البيتين في (بحار الأنوار 20: 73) على الشكل التالي: (قال ـ ويقصد المجلسي هنا من القائل شارحَ الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين، بحسب تعبير المجلسي نفسه ـ: ويقال: إنّ النبي صلى الله عليه وآله نودي في هذا اليوم: ناد علياً مظهر العجائب * تجده عوناً لك في النوائب ـ كلّ غم وهمّ سينجلي * بولايتك يا علي يا علي يا علي)، ويعلّق عليه المحشّي على البحار بالقول: (الجملة الأخيرة فيها غرابة ولا تلائم سابقها، والظاهر أنها من زيادة بعض الجهلة، أو الصوفية المضلّة الذين يزعمون أنّ هذه الجملات تكون دعاء فيذكرونها ورداً وذكراً، غفلةً عن معناها، بل بعضهم يرون للمداومة على ذكرها فضيلة ليست للصلاة، حفظنا الله عن البدع واتّباع الأهواء). كما ذكر القصّة محمد باقر الكجوري (1255هـ) في كتابه (الخصائص الفاطميّة: 2: 170، 236).
وينسب الشيخ محمّد مهدي الحائري (1369هـ) هذا الكلام إلى المجلسيّ في بحار الأنوار، حيث يقول الحائري: (في بحار الأنوار عن ابن مسعود قال: إنّ النبي (ص) نودي في هذا اليوم: ناد علياً مظهر العجائب * تجده عوناً لك في النوائب ـ كلّ همّ وغمّ سينجلي بولايتك يا علي يا علي يا علي. وسمعوا صوتاً لا فتى إلا عليّ لا سيف إلا ذو الفقار) (شجرة طوبى 2: 280)، ولكنّني لم أعثر على هذا الكلام بهذه الطريقة في بحار الأنوار منقولاً عن ابن مسعود، ولعلّه حصل اشتباه من الحائري.
وذكر المحدّث النوري (1320هـ) في (مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: 15: 483) هذين البيتين دون نسبتهما إلى معصوم أصلاً لكنّه قال: (وَرَأَيْتُ بِخَطِّ الشَّهِيدِ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ لِرَدِّ الضَّائِعِ وَالْآبِقِ تَكْرَارَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ).
أمّا الشيخ النمازي الشاهرودي (1405هـ) فقال في (مستدرك سفينة البحار 10: 19، وانظر المصدر نفسه 5: 452): (ويقال: إنّ النبي صلى الله عليه وآله نودي يوم أحد..).
ويقول السيد محمّد رضا الكلبايكاني (1414هـ) في كتابه (نتائج الأفكار في نجاسة الكفار: 164) ما نصّه: (.. أمّا لو كان ساكناً في بلاد الكفار أو قاطناً في البلدان النائية محروماً ومبتعداً عن مجالس المسلمين ومجالستهم، لا صلة له بهم، ولا رابطة بينه وبينهم، وكان مسلماً بعيداً عن حقائق الإسلام، بسيطاً يجهل الآداب والمعارف الدينيّة، ولا حظّ له في الثقافة الإسلاميّة، قد أضلّه زنديقٌ ولقّنه مثلاً بأنّ الصلاة الواجبة علينا هي الدعاء لا الأركان المخصوصة، ولا يجب عند أوقات الصلاة سوى قراءة دعاء كذا أو ذكر كذا كـ ناد عليّاً مظهر العجائب. فتأثّر هذا المسلم البسيط بهذه الأباطيل الفاضحة، والبدع والخرافات الواهية حتّى أنكر الصلاة المعهودة..). فهذا النصّ ربما يوحي بأنّ هناك بعض الجماعات التي كانت تتخذ من هذا الدعاء وأمثاله ذريعة للاستغناء به عن الفرائض الشرعيّة الثابتة في الدين.
وقد ذكر الملا علي القاري (1014هـ) ـ وهو من علماء أهل السنّة المصنِّفين في موضوعات الحديث ـ أنّ هذا الشعر من (مفتريات الشيعة الشنيعة)، مقتصراً على ذلك فقط (انظر: الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة: 368، ومثله ونقلاً عنه العجلوني (1162هـ) في كشف الخفاء 2: 363).
وقد ذكر السيد المرعشي النجفي (1411هـ) في (شرح إحقاق الحقّ 31: 219 ـ 220) النصّ التالي: (حديث: ناد عليّاً مظهر العجائب. رواه جماعة من العامّة في كتبهم: فمنهم الفاضل المعاصر أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول في موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف ج 10 ص 3، ط عالم التراث للطباعة والنشر، بيروت. قال: ناد عليّاً مظهر العجائب تجده عوناً. أسرار 385 ـ خفا 2 / 507).
ولابدّ لي من التعليق هنا:
أولاً: إنّ أقدم ظهور متوفّر بين أيدينا لهذا الحديث هو العلامة المجلسي في بحار الأنوار في القرن الحادي عشر الهجري؛ لأنّ الكتب التي قبله لم تشرح لنا ملابسات هذا الحديث، وأنّه صدر عن النبي أو عن جبرئيل أو عن الإمام علي أو أنّه حديث قدسي أو غير ذلك. وعلى أبعد تقدير وإذا أردنا حمل كلام الشهيد الأوّل على أنّه أخذه من روايةٍ وضممنا إليه كلام كلٍّ من القاري والعجلوني، فإنّ أقدم مصدر متوفّر لدينا هو ما نُقل عن الشهيد الأوّل المتوفى في القرن التاسع الهجري. ففي مصادر الحديث عند المسلمين لم نعثر على عين ولا أثر لهذا الحديث قبل القرن التاسع الهجري. نعم هذا الشعر موجود في أدبيات المتصوّفة وينسب إلى تراث الشيخ عبدالقادر الجيلاني في الفيوضات الربانية في المآثر والأوراد القادرية، والنتيجة: إنّ هذا الحديث ـ بوصفه حديثاً شريفاً ـ لم يظهر معرفة المسلمين به بشكلٍ واضح قبل القرن التاسع الهجري.
ثانياً: إنّ جميع الكتب والمصنّفات التي تتبّعناها لهذا الحديث لم تذكر له مصدراً قديماً ولا سنداً ولو ضعيفاً، فلا قيمة له من الناحية التاريخيّة، لاسيما وأنّ أحداً من مؤرّخي الإسلام من جميع الطوائف ـ وفق ما هو متوفّر بين أيدينا وبحدود تتبّعنا القاصر ـ لم يذكره في أحداث معركة اُحد، حتى أنّ السيد المرعشي النجفي المعروف بتتبّعه الواسع لم يتمكّن من أن يعثر على مصدر سنّي لهذا الحديث، فنسبه لبعض المعاصرين لزمنه، وهو محمد السعيد بن بسيوني، وعندما نلاحظ المصدر الذي اعتمد عليه ابن البسيوني ـ بحسب نقل المرعشي نفسه ـ سنجده أنّه (اسرار ـ خفا)، والظاهر أنّ المراد منهما هو كتاب الأسرار المرفوعة للقاري وكشف الخفاء للعجلوني الذي نقل عن القاري كما قلنا قبل قليل، وكلاهما ذكر أنّ هذا الحديث من مفتريات (الشيعة الشنيعة) بحسب تعبيرهم، وهما من أبناء القرن الحادي عشر الهجري وما بعد. وهذا ما يدعوني لملاحظة نقديّة على أداء بعض العلماء ـ ومنهم السيد المرعشي النجفي رحمه الله ـ عندما يريدون ذكر أنّ الحديث الفلاني ذكره أهل السنّة، فهذه الطريقة لا تثبت أنّ السنّة ذكروا حديث (ناد علياً) أبداً، بل هم ذكروه في كتب الموضوعات ونسبوه للشيعة، مع أنّ عبارة السيّد المرعشي أو غيره توحي وكأنّ هذا الحديث موجود عند السنّة والشيعة، وقد رأيت مثل هذا كثيراً في كتب الخلاف المذهبي، فلو صحّت هذه الطريقة لكانت كلّ روايات إثبات عدالة وخلافة الخلفاء والصحابة واردة شيعيّاً، ولتمكّن السنّي من الاحتجاج على الشيعة بها؛ لأنّ الشيعة ذكروا هذه الروايات في كتبهم، نقلاً عن مصادر أهل السنّة، ثمّ ناقشوها، فهذه الطريقة موهمة للغاية، والأفضل تجنّبها تماماً حفظاً للمزيد من الدقّة والأمانة العلميّة إن شاء الله.
ثالثاً: يبدو أنّ هذا الحديث قد ظهر في الفضاء الصوفي قبل تداوله في الفضاء الشيعي الإمامي، وأنّه ربما يكون قد اعتُمد عند بعض التيارات الباطنيّة، لاعتباره كافياً عن الصلاة وسائر الفرائض الدينيّة، وأنّ بعض الناس إلى يومنا هذا ربما ما زالوا يقتنعون بذلك من أمثال طوائف (علي اللهيّة) وغيرهم، كما لاحظنا من مثل عبارة السيد الكلبايكاني التي تحوي إشارةً ما لهذا الأمر، لكن من المؤكّد أنّ جمهور الشيعة لا يتعاطون مع هذا الدعاء بهذه الطريقة التي توجب سقوط الفرائض والتحلّل من الشريعة.
رابعاً: يذكر بعضهم أنّ هذا الحديث صحيحٌ؛ انطلاقاً من التجربة، فقد جرّبه علماء كُثر وحصلوا على أمور كثيرة، وهذه الطريقة في الاستدلال لا تبدو مقنعةً في إثبات صدور الحديث، فحتى لو فرضنا أنّه نافعٌ في نفسه، لكنّ هذا لا يثبت صدوره عن النبي أو عن معصوم أو أنّه حديث قدسي، فالأدوية نحن نجرّبها كلّ يوم وتكون التجربة ناجحةً، والعلاجات النفسيّة ناجحة أيضاً بما فيها العلاجات النفسية القائمة على التفكير الديني والمشاعر الدينيّة ولكنّ هذا لا يُثبت صدور الحديث كما قلنا مراراً وتكراراً. هذا كلّه لو ثبت أنّه قد جرّبه أحدٌ ونجح، فإنّ غاية ما يطرحونه في التداول الشعبي بضع قصص قليلة جداً تحتاج هي لإثبات علمي عندما يتمّ طرحها ـ بوصفها دليلاً ـ في المحافل العلميّة، بل لا تكاد تثبت حديثاً نبويّاً ضعيفاً فكيف بحديثٍ مثل هذا؟!
خامساً: إنّ الملاحظ في ما هو المتداول اليوم من صيغة (دعاء ناد علياً) أنّ بعض الناس يضيفون إليه أشياء كثيرة لم أعثر عليها حتى في المصادر المتأخّرة التي أشرنا لبعضها أعلاه، كما أنّ بعضهم ذكروا أنّ هذا الحديث يقرأ كذا مرّة للغرض الفلاني، وكذا مرة لغرض آخر، وهكذا.. وهذه أمور توسّع فيها الناس والنَقَلة في عصرنا الحاضر، ولم نعثر عليها في مصادر حديثية ولو متأخّرة، والمطلوب تجنّب مثل هذه الأمور التي قد تضيف إلى الدين ما ليس فيه دون دليل ولو ضعيفٍ.
سادساً: إنّ تركيب الحديث في بعض المصادر، وكذلك الشعر، تبدو عليه آثار الارتباك، لاسيّما ما ورد في زاد المعاد للعلامة المجلسي، حيث تشعر وكأنّك مع لغة غير مأنوسة في التعبير العربي وأدبيّات الدعاء الإسلامي (تقهّرت بالقهر والقهر في قهر قهرك)، وتشعر وكأنّك تقرأ واحداً من طلاسم دفع الجنّ! ولا أدري هل هذه الأدبيّات الدعائيّة موجودة في تراث الدعاء الثابت في كتب المسلمين وفي كتاب الله تعالى؟! أترك ذلك لمزاج القارئ وتنبّهه وعفويّة مقارناته؛ إذ لا أريد أن أفرض انطباعي عليه.
المرحلة الثانية: في دلالات هذا الحديث المنسوب، والذي يبدو من تأمّل الشعر المنقول أنّ الرواية لا تريد أن تثبت لعليّ عليه السلام ولايةً تكوينيّةً، ولا تريد أن تثبت مبدأ التوسّل بمفهومه اليوم، بل قد تمّ إسقاط ذلك من خلال مفاهيم صوفية تارةً، ومن خلال صيغة كتاب (زاد المعاد) تارةً أخرى، وإلا فالحديث غاية ما يريد أن يقول: يا محمّد، إنّ معركة اُحد قد قلبت الأوضاع، وإنّك في ورطة، فناد علياً لأنّ أداءه يكشف لك أنّه يقوم بالعجائب من الجرأة والشجاعة، وستراه مُعيناً لك في مثل هذه الظروف الصعبة العصيبة وفي نوائب الزمان.. نعم إنّ كل همّ وغمّ سينجلي بنصرة عليّ لك، فكلمة (بولايتك) هنا تعني النصرة بمقارنات ومناسبات الظروف الزمكانية لنزول هذا الحديث القدسي المنسوب في معركة اُحد.. فالشعر لا يفيد شيئاً من مقولات الولاية التكوينية ولا التوسّل بمفهومه المعاصر وليس دليلاً أساساً، نعم ما ورد في صيغة العلامة المجلسي في (زاد المعاد) يعطي ذلك، ولكنّه أيضاً ـ كما قلنا ـ صيغة فريدة لم نجدها في غير هذا الكتاب أصلاً، بل لم ينسبها المجلسي صراحةً إلى أيّ معصوم. بل لو فرض أنّه بمعنى الولاية التكوينية والتوسّل فما معنى أن يؤمر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلّم بأنّ يتوسّل بعليّ، والمفروض أنّ الرسول هو المظهر الأتمّ للولاية التكوينيّة والحقيقة المحمدّية وللتوسّل كذلك؟! تبدو القضية غير واضحة، لا سيما على مبنى من يقول بأنّ عليّاً هو نفس الرسول، فهل يتوسّل بنفسه وكيف؟! أمور تحتاج لتوضيح أكثر، بعيداً عن اللغة الضبابيّة.
والنتيجة: إنّ هذا الحديث ضعيفٌ للغاية، ومن الصعب جداً إثبات صدوره ما لم تتكشّف مصادر ووثائق خافية، ودلالة أغلب صيغه لا تفيد إثبات لا الولاية التكوينية ولا مفهوم التوسّل بمعناه المستخدم اليوم. والعلم عند الله.
2 ـ ألا يدلّ حديث (ناد علياً مظهر العجائب) على الولاية التكوينية للإمام علي عليه السلام، وعلى الترخيص بل الأمر بالتوسّل به؟ (محمّد الناصر).
الجواب: الكلام في هذا الحديث يمكن أن نضعه في مرحلتين:
المرحلة الأولى: في دراسة مصادر هذا الحديث وفرص التأكّد من صدوره، فعندما نراجع هذا الحديث المنقول، فنحن نجد أنّ أوّل مصدر متوفّر لدينا نقله لنا هو الشيخ الكفعمي (905هـ) في كتاب (المصباح: 182 ـ 183)، لكنّه ذكره بالنص التالي: (وَمِمَّا ذُكِرَ لِرَدِّ الضَّائِعِ وَالْآبِق تَكْرَارُ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْن:
نَادِ عَلِيّاً مَظْهَرَ الْعَجَائِب * تجِدْهُ عَوْناً لَكَ فِي النَّوَائِب
كُلُّ هَمٍّ وَغَمٍّ سَيَنْجَلِي * بوَلَايَتِكَ يَا عَلِيُّ يَا عَلِيُّ يَا عَلِي).
ولم يتعّرض الكفعمي لنزول هذا الكلام عبر جبرائيل، ولا لحادثة معركة اُحد، بل لم يذكر نسبته إلى أحد من الأنبياء والأوصياء أساساً. والأمر عينه فعله الفيض الكاشاني (1091هـ) في (الرسائل 13: 69) والعلامة المجلسي في (زاد المعاد: 561)، عند حديثهما عن طرق ردّ الضالّ والمفقود والغائب. لكنّ العلامة المجلسي ذكر شبيه هذا مرّةً أخرى في كتابه (زاد المعاد، مفتاح الجنان: 429 ـ 430)، حيث قال ـ دون أن ينسبه إلى أحدٍ بعينه ـ ما يلي: (دُعَاءُ «نَادِ عَلِيّاً مَظْهَرَ الْعَجَائِبِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ نَادِ عَلِيّاً مَظْهَرَ الْعَجَائِبِ تَجِدْهُ عَوْناً لَكَ فِي النَّوَائِبِ لِي إِلَى اللَّهِ حَاجَتِي وَعَلَيْهِ مُعَوَّلِي كُلَّمَا رَمْيَتُهُ وَرَمَيْتَ مُقْتَضَي كُلِّ هَمٍّ وَغَمٍّ سَيَنْجَلِي بِعَظَمَتِكَ يَا اللَّهُ وَبِنُبُوَّتِكَ يَا مُحَمَّدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَبِوَلَايَتِكَ يَا عَلِيُّ يَا عَلِيُّ يَا عَلِيُّ أَدْرِكْنِي بِحَقِّ لُطْفِكَ الْخَفِيِّ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَنَا مِنْ شَرِّ أَعْدَائِكَ بَرِيءٌ بَرِيءٌ بَرِيءٌ اللَّهُ صَمَدِي بِحَقِّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يَا أَبَا الْغَيْثِ أَغِثْنِي يَا عَلِيُّ أَدْرِكْنِي يَا قَاهِرَ الْعَدُوِّ وَيَا وَالِيَ الْوَلِيِّ يَا مَظْهَرَ الْعَجَائِبِ يَا مُرْتَضَى عَلِيُّ، يَا قَهَّارُ تَقَهَّرْتَ بِالْقَهْرِ وَالْقَهْرُ فِي قَهْرِ قَهْرِكَ يَا قَهَّارُ يَا ذَا الْبَطْشِ الشَّدِيدِ أَنْتَ الْقَاهِرُ الْجَبَّارُ الْمُهْلِكُ الْمُنْتَقِمُ الْقَوِيُّ وَالَّذِي لَا يُطَاقُ انْتِقَامُهُ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ أَغِثْنِي يَا رَاحِمَ الْمَسَاكِينِ ارْحَمْنِي يَا عَلِيُّ وَأَدْرِكْنِي يَا عَلِيُّ أَدْرِكْنِي يَا عَلِيُّ أَدْرِكْنِي بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ). ثم ذكر المجلسي بعده فوراً دعاء الجوشن الكبير.
كما أنّ العلامة المجلسي قد ذكر أيضاً هذين البيتين في (بحار الأنوار 20: 73) على الشكل التالي: (قال ـ ويقصد المجلسي هنا من القائل شارحَ الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين، بحسب تعبير المجلسي نفسه ـ: ويقال: إنّ النبي صلى الله عليه وآله نودي في هذا اليوم: ناد علياً مظهر العجائب * تجده عوناً لك في النوائب ـ كلّ غم وهمّ سينجلي * بولايتك يا علي يا علي يا علي)، ويعلّق عليه المحشّي على البحار بالقول: (الجملة الأخيرة فيها غرابة ولا تلائم سابقها، والظاهر أنها من زيادة بعض الجهلة، أو الصوفية المضلّة الذين يزعمون أنّ هذه الجملات تكون دعاء فيذكرونها ورداً وذكراً، غفلةً عن معناها، بل بعضهم يرون للمداومة على ذكرها فضيلة ليست للصلاة، حفظنا الله عن البدع واتّباع الأهواء). كما ذكر القصّة محمد باقر الكجوري (1255هـ) في كتابه (الخصائص الفاطميّة: 2: 170، 236).
وينسب الشيخ محمّد مهدي الحائري (1369هـ) هذا الكلام إلى المجلسيّ في بحار الأنوار، حيث يقول الحائري: (في بحار الأنوار عن ابن مسعود قال: إنّ النبي (ص) نودي في هذا اليوم: ناد علياً مظهر العجائب * تجده عوناً لك في النوائب ـ كلّ همّ وغمّ سينجلي بولايتك يا علي يا علي يا علي. وسمعوا صوتاً لا فتى إلا عليّ لا سيف إلا ذو الفقار) (شجرة طوبى 2: 280)، ولكنّني لم أعثر على هذا الكلام بهذه الطريقة في بحار الأنوار منقولاً عن ابن مسعود، ولعلّه حصل اشتباه من الحائري.
وذكر المحدّث النوري (1320هـ) في (مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: 15: 483) هذين البيتين دون نسبتهما إلى معصوم أصلاً لكنّه قال: (وَرَأَيْتُ بِخَطِّ الشَّهِيدِ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ لِرَدِّ الضَّائِعِ وَالْآبِقِ تَكْرَارَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ).
أمّا الشيخ النمازي الشاهرودي (1405هـ) فقال في (مستدرك سفينة البحار 10: 19، وانظر المصدر نفسه 5: 452): (ويقال: إنّ النبي صلى الله عليه وآله نودي يوم أحد..).
ويقول السيد محمّد رضا الكلبايكاني (1414هـ) في كتابه (نتائج الأفكار في نجاسة الكفار: 164) ما نصّه: (.. أمّا لو كان ساكناً في بلاد الكفار أو قاطناً في البلدان النائية محروماً ومبتعداً عن مجالس المسلمين ومجالستهم، لا صلة له بهم، ولا رابطة بينه وبينهم، وكان مسلماً بعيداً عن حقائق الإسلام، بسيطاً يجهل الآداب والمعارف الدينيّة، ولا حظّ له في الثقافة الإسلاميّة، قد أضلّه زنديقٌ ولقّنه مثلاً بأنّ الصلاة الواجبة علينا هي الدعاء لا الأركان المخصوصة، ولا يجب عند أوقات الصلاة سوى قراءة دعاء كذا أو ذكر كذا كـ ناد عليّاً مظهر العجائب. فتأثّر هذا المسلم البسيط بهذه الأباطيل الفاضحة، والبدع والخرافات الواهية حتّى أنكر الصلاة المعهودة..). فهذا النصّ ربما يوحي بأنّ هناك بعض الجماعات التي كانت تتخذ من هذا الدعاء وأمثاله ذريعة للاستغناء به عن الفرائض الشرعيّة الثابتة في الدين.
وقد ذكر الملا علي القاري (1014هـ) ـ وهو من علماء أهل السنّة المصنِّفين في موضوعات الحديث ـ أنّ هذا الشعر من (مفتريات الشيعة الشنيعة)، مقتصراً على ذلك فقط (انظر: الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة: 368، ومثله ونقلاً عنه العجلوني (1162هـ) في كشف الخفاء 2: 363).
وقد ذكر السيد المرعشي النجفي (1411هـ) في (شرح إحقاق الحقّ 31: 219 ـ 220) النصّ التالي: (حديث: ناد عليّاً مظهر العجائب. رواه جماعة من العامّة في كتبهم: فمنهم الفاضل المعاصر أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول في موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف ج 10 ص 3، ط عالم التراث للطباعة والنشر، بيروت. قال: ناد عليّاً مظهر العجائب تجده عوناً. أسرار 385 ـ خفا 2 / 507).
ولابدّ لي من التعليق هنا:
أولاً: إنّ أقدم ظهور متوفّر بين أيدينا لهذا الحديث هو العلامة المجلسي في بحار الأنوار في القرن الحادي عشر الهجري؛ لأنّ الكتب التي قبله لم تشرح لنا ملابسات هذا الحديث، وأنّه صدر عن النبي أو عن جبرئيل أو عن الإمام علي أو أنّه حديث قدسي أو غير ذلك. وعلى أبعد تقدير وإذا أردنا حمل كلام الشهيد الأوّل على أنّه أخذه من روايةٍ وضممنا إليه كلام كلٍّ من القاري والعجلوني، فإنّ أقدم مصدر متوفّر لدينا هو ما نُقل عن الشهيد الأوّل المتوفى في القرن التاسع الهجري. ففي مصادر الحديث عند المسلمين لم نعثر على عين ولا أثر لهذا الحديث قبل القرن التاسع الهجري. نعم هذا الشعر موجود في أدبيات المتصوّفة وينسب إلى تراث الشيخ عبدالقادر الجيلاني في الفيوضات الربانية في المآثر والأوراد القادرية، والنتيجة: إنّ هذا الحديث ـ بوصفه حديثاً شريفاً ـ لم يظهر معرفة المسلمين به بشكلٍ واضح قبل القرن التاسع الهجري.
ثانياً: إنّ جميع الكتب والمصنّفات التي تتبّعناها لهذا الحديث لم تذكر له مصدراً قديماً ولا سنداً ولو ضعيفاً، فلا قيمة له من الناحية التاريخيّة، لاسيما وأنّ أحداً من مؤرّخي الإسلام من جميع الطوائف ـ وفق ما هو متوفّر بين أيدينا وبحدود تتبّعنا القاصر ـ لم يذكره في أحداث معركة اُحد، حتى أنّ السيد المرعشي النجفي المعروف بتتبّعه الواسع لم يتمكّن من أن يعثر على مصدر سنّي لهذا الحديث، فنسبه لبعض المعاصرين لزمنه، وهو محمد السعيد بن بسيوني، وعندما نلاحظ المصدر الذي اعتمد عليه ابن البسيوني ـ بحسب نقل المرعشي نفسه ـ سنجده أنّه (اسرار ـ خفا)، والظاهر أنّ المراد منهما هو كتاب الأسرار المرفوعة للقاري وكشف الخفاء للعجلوني الذي نقل عن القاري كما قلنا قبل قليل، وكلاهما ذكر أنّ هذا الحديث من مفتريات (الشيعة الشنيعة) بحسب تعبيرهم، وهما من أبناء القرن الحادي عشر الهجري وما بعد. وهذا ما يدعوني لملاحظة نقديّة على أداء بعض العلماء ـ ومنهم السيد المرعشي النجفي رحمه الله ـ عندما يريدون ذكر أنّ الحديث الفلاني ذكره أهل السنّة، فهذه الطريقة لا تثبت أنّ السنّة ذكروا حديث (ناد علياً) أبداً، بل هم ذكروه في كتب الموضوعات ونسبوه للشيعة، مع أنّ عبارة السيّد المرعشي أو غيره توحي وكأنّ هذا الحديث موجود عند السنّة والشيعة، وقد رأيت مثل هذا كثيراً في كتب الخلاف المذهبي، فلو صحّت هذه الطريقة لكانت كلّ روايات إثبات عدالة وخلافة الخلفاء والصحابة واردة شيعيّاً، ولتمكّن السنّي من الاحتجاج على الشيعة بها؛ لأنّ الشيعة ذكروا هذه الروايات في كتبهم، نقلاً عن مصادر أهل السنّة، ثمّ ناقشوها، فهذه الطريقة موهمة للغاية، والأفضل تجنّبها تماماً حفظاً للمزيد من الدقّة والأمانة العلميّة إن شاء الله.
ثالثاً: يبدو أنّ هذا الحديث قد ظهر في الفضاء الصوفي قبل تداوله في الفضاء الشيعي الإمامي، وأنّه ربما يكون قد اعتُمد عند بعض التيارات الباطنيّة، لاعتباره كافياً عن الصلاة وسائر الفرائض الدينيّة، وأنّ بعض الناس إلى يومنا هذا ربما ما زالوا يقتنعون بذلك من أمثال طوائف (علي اللهيّة) وغيرهم، كما لاحظنا من مثل عبارة السيد الكلبايكاني التي تحوي إشارةً ما لهذا الأمر، لكن من المؤكّد أنّ جمهور الشيعة لا يتعاطون مع هذا الدعاء بهذه الطريقة التي توجب سقوط الفرائض والتحلّل من الشريعة.
رابعاً: يذكر بعضهم أنّ هذا الحديث صحيحٌ؛ انطلاقاً من التجربة، فقد جرّبه علماء كُثر وحصلوا على أمور كثيرة، وهذه الطريقة في الاستدلال لا تبدو مقنعةً في إثبات صدور الحديث، فحتى لو فرضنا أنّه نافعٌ في نفسه، لكنّ هذا لا يثبت صدوره عن النبي أو عن معصوم أو أنّه حديث قدسي، فالأدوية نحن نجرّبها كلّ يوم وتكون التجربة ناجحةً، والعلاجات النفسيّة ناجحة أيضاً بما فيها العلاجات النفسية القائمة على التفكير الديني والمشاعر الدينيّة ولكنّ هذا لا يُثبت صدور الحديث كما قلنا مراراً وتكراراً. هذا كلّه لو ثبت أنّه قد جرّبه أحدٌ ونجح، فإنّ غاية ما يطرحونه في التداول الشعبي بضع قصص قليلة جداً تحتاج هي لإثبات علمي عندما يتمّ طرحها ـ بوصفها دليلاً ـ في المحافل العلميّة، بل لا تكاد تثبت حديثاً نبويّاً ضعيفاً فكيف بحديثٍ مثل هذا؟!
خامساً: إنّ الملاحظ في ما هو المتداول اليوم من صيغة (دعاء ناد علياً) أنّ بعض الناس يضيفون إليه أشياء كثيرة لم أعثر عليها حتى في المصادر المتأخّرة التي أشرنا لبعضها أعلاه، كما أنّ بعضهم ذكروا أنّ هذا الحديث يقرأ كذا مرّة للغرض الفلاني، وكذا مرة لغرض آخر، وهكذا.. وهذه أمور توسّع فيها الناس والنَقَلة في عصرنا الحاضر، ولم نعثر عليها في مصادر حديثية ولو متأخّرة، والمطلوب تجنّب مثل هذه الأمور التي قد تضيف إلى الدين ما ليس فيه دون دليل ولو ضعيفٍ.
سادساً: إنّ تركيب الحديث في بعض المصادر، وكذلك الشعر، تبدو عليه آثار الارتباك، لاسيّما ما ورد في زاد المعاد للعلامة المجلسي، حيث تشعر وكأنّك مع لغة غير مأنوسة في التعبير العربي وأدبيّات الدعاء الإسلامي (تقهّرت بالقهر والقهر في قهر قهرك)، وتشعر وكأنّك تقرأ واحداً من طلاسم دفع الجنّ! ولا أدري هل هذه الأدبيّات الدعائيّة موجودة في تراث الدعاء الثابت في كتب المسلمين وفي كتاب الله تعالى؟! أترك ذلك لمزاج القارئ وتنبّهه وعفويّة مقارناته؛ إذ لا أريد أن أفرض انطباعي عليه.
المرحلة الثانية: في دلالات هذا الحديث المنسوب، والذي يبدو من تأمّل الشعر المنقول أنّ الرواية لا تريد أن تثبت لعليّ عليه السلام ولايةً تكوينيّةً، ولا تريد أن تثبت مبدأ التوسّل بمفهومه اليوم، بل قد تمّ إسقاط ذلك من خلال مفاهيم صوفية تارةً، ومن خلال صيغة كتاب (زاد المعاد) تارةً أخرى، وإلا فالحديث غاية ما يريد أن يقول: يا محمّد، إنّ معركة اُحد قد قلبت الأوضاع، وإنّك في ورطة، فناد علياً لأنّ أداءه يكشف لك أنّه يقوم بالعجائب من الجرأة والشجاعة، وستراه مُعيناً لك في مثل هذه الظروف الصعبة العصيبة وفي نوائب الزمان.. نعم إنّ كل همّ وغمّ سينجلي بنصرة عليّ لك، فكلمة (بولايتك) هنا تعني النصرة بمقارنات ومناسبات الظروف الزمكانية لنزول هذا الحديث القدسي المنسوب في معركة اُحد.. فالشعر لا يفيد شيئاً من مقولات الولاية التكوينية ولا التوسّل بمفهومه المعاصر وليس دليلاً أساساً، نعم ما ورد في صيغة العلامة المجلسي في (زاد المعاد) يعطي ذلك، ولكنّه أيضاً ـ كما قلنا ـ صيغة فريدة لم نجدها في غير هذا الكتاب أصلاً، بل لم ينسبها المجلسي صراحةً إلى أيّ معصوم. بل لو فرض أنّه بمعنى الولاية التكوينية والتوسّل فما معنى أن يؤمر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلّم بأنّ يتوسّل بعليّ، والمفروض أنّ الرسول هو المظهر الأتمّ للولاية التكوينيّة والحقيقة المحمدّية وللتوسّل كذلك؟! تبدو القضية غير واضحة، لا سيما على مبنى من يقول بأنّ عليّاً هو نفس الرسول، فهل يتوسّل بنفسه وكيف؟! أمور تحتاج لتوضيح أكثر، بعيداً عن اللغة الضبابيّة.
والنتيجة: إنّ هذا الحديث ضعيفٌ للغاية، ومن الصعب جداً إثبات صدوره ما لم تتكشّف مصادر ووثائق خافية، ودلالة أغلب صيغه لا تفيد إثبات لا الولاية التكوينية ولا مفهوم التوسّل بمعناه المستخدم اليوم. والعلم عند الله.
تعليق