ماذا بين أبي بكر و فاطمة ( ع ) ؟
أخرج البخاري في صحيحه الجزء الخامس ( ص 82 ) في كتاب المغازي باب غزوة خيبر قال : عن عروة عن عائشة أن فاطمة بنت النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم )
أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من أبيها مما أفاء عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر : إن رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : « لا نورث من تركناه صدقه إنما يأكل آل محمد من هذا المال . . . إلى أن يقول البخاري فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته ولم تكلمه حتى توفيت و عاشت بعد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا و صلى عليها ولم يؤذن بها أبا بكر » .
و أورد مسلم في صحيحه ذات الواقعة مع تغيير طفيف في الألفاظ يقول « فغضبت فاطمة » بدل كلمة وجدت 1 .
من هاتين الروايتين و غيرهما نستخلص الآتي :
أولا : هذه الحادثة التي وقعت بين فاطمة بنت النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و الخليفة الأول حقيقة لا يمكن تكذيبها و لا الإعراض عنها لأنها مثبتة في متن أكثر الكتب صحة و اعتمادا عند أهل السنة و الجماعة بل في كل المصادر التاريخية و الحديثية كما سيأتي بيانه لاحقا .
ثانيا : إن الحادثة لم تكن خلافا عابرا أو سوء تفاهم بسيط بل هي مشكلة كبرى هذا ما نلمسه من كلمة « فوجدت فاطمة على أبي بكر » أو بتعبير مسلم « فغضبت فاطمة » فالغضب و الوجد معناهما واحد ، محصلة أن فاطمة غضبت غضبا شديدا على أبي بكر . . بالرغم من قول الخليفة بأن الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال « لا نورث » و لكن فاطمة غضبت .
ثالثا : إن غضب الزهراء كما أنه لم يكن قليلا في حدته لم يكن قصيرا في مدته بل استمر حتى وفاتها كما يقول البخاري نقلا عن عائشة « فهجرته ولم تكلمه حتى توفيت » و هذا معنى جلي في أن حالة الغضب و الخلاف استمر إلى و فاتها بل إلى ما بعد ذلك إذ أن أبا بكر لم يصل عليها و دفنت ليلا سرا بوصية منها كما سنبين .
رابعا : غضب الزهراء لم يكن منصبا فقط على أبي بكر بل شمل الخليفة الثاني بدليل عدم ذكره ضمن المصلين عليها ، و سيتضح أثناء البحث أن موقف أبي بكر و عمر واحد يعني موقف الزهراء منهما و موقفهما منها ، يقول ابن قتيبة في تاريخه « دخل أبو بكر و عمر على فاطمة فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط . . إلى أن يقول فقالت : أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) تعرفانه و تعملان به ؟ قالا : نعم فقالت نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يقول : رضا فاطمة من رضاي و سخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني و من أرضاها فقد أرضاني و من أسخطها فقد أسخطني ؟ . .
قالا : نعم سمعناه من رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قالت : فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) لأشكونكما إليه ، ثم قالت : والله لأدعون عليكما في كل صلاة أصليها » 2 .
كل هذه الحقائق جعلت الدنيا مظلمة لدي . . و فور توصلي إليها قفز إلى ذهني ألف سؤال و سؤال . . لا أدري ماذا أفعل و كيف أفكر و إلى من ألجأ ؟ !! إنها بضعة المصطفى الصديقة فاطمة ، أقرأ فإذا بها عاشت بعد أبيها في حالة غضب إلى أن ماتت . . . كيف و لماذا !! الطرف الآخر الذي غضبت عليه الزهراء إنه الخليفة الأول . .
الصديق . . الخليل لقد كان يحب رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) كما علمونا ـ أكثر من نفسه . . فكيف يفعل بالزهراء شيئا يغضبها ؟ .
كيفما كانت التساؤلات و مهما كان التبرير ها هي فاطمة ( ع ) كما وجدت بين طيات الكتب غاضبة على الخليفتين . . و كما سأبين لك عزيزي القارئ في الفصول القادمة . . و برغم كل الحواجز قررت مواصلة البحث و التنقيب على ألا أجعل بين نفسي و الحقائق حجاب الخوف أو الرهبة أو التبرير و مضيت في طريق ربما كان شائكا في بدايته و لكني بفضل بركات الصديقة الطاهرة وصلت إلى شاطئ اليقين ، و معها ـ روحي فداها ـ كانت البداية المفجعة و النهاية الممزوجة بحلاوة الإيمان و قمة المعرفة .
و سأبدأ معك عزيزي القارئ محطة فمحطة و لننطلق من تعريف شخصية فاطمة ( ع ) من خلال فضائلها التي سطرها الوحي بأحرف من نور و كللها النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) بصدق حديثه و هو الصادق المصدق فكانت كلماته حول فاطمة ذات دلالات و معان نحاول أن نستقصيها في هذه الصفحات و بلا شك لن نستوعب كل ما جاء من مناقب و فضائل عن الزهراء ( ع ) لكني سأحاول سرد ما يفيدنا في بحثنا هذا و من ثم نتعرف على الحقائق المحيطة بفاطمة ( ع ) و التي بنورها و بركاتها اهتديت و خرجت من ظلمات الجهل إلى رحاب نور أهل البيت ( ع ) .
فاطمة ( ع ) في القرآن
كثيرة هي الآيات التي تحدثت عن قدسية الزهراء ( ع ) و مكانتها السامية سنختار هنا بعضا منها .
الآية الأولى :
قوله تعالى ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 3 .
تشمل هذه الآية المباركة فيمن تشمل السيدة فاطمة الزهراء ( ع ) بل هي محور الآية و أساسها . . لأنها نزلت في أهل بيت النبوة ، و لنا حديث مع أولئك الذين حاولوا إدخال البعض من غير أهل البيت في نطاق الآية ، و ما يهمنا الآن هو أن الزهراء معنية بهذا الخطاب الإلهي . . و لقد فصلت السنة في سبب نزول الآية و فيمن جاءت .
لقد أورد مسلم في صحيحه أن الآية محل النقاش نزلت في خمسة : النبي ( صلى عليه و آله و سلم ) و علي و فاطمة و الحسن و الحسين ( ع ) و ذلك في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أهل البيت و هو الحديث المعروف بحديث الكساء كما أنه اشتهر عند أهل بيت النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) بأهل العباءة أو الكساء و هذا من المتسالم عليه بين كل المسلمين خصوصا في مجتمعنا السوداني . و سنزيدك من المصادر التي تؤكد أن النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و عليا و فاطمة و الحسنين هم المقصودون بالآية في البحوث القادمة إن شاء الله و لكن دعنا الآن نتدبر الآية ، و من خلالها نتعرف على شخصية فاطمة ( ع ) .
إن المتأمل في كلمات الآية يتوصل إلى أن المخاطبين بهذه الآية ، و فاطمة أحدهم مطهرون معصومون من كل رجس ، و تقريب ذلك تصدير الآية بأقوى أدوات الحصر على الاطلاق ( إنما ) مما يعني أن هذا الأمر خاص بجماعة معينة محددة لا يتعداهم إلى غيرهم ، ثم يأتي البحث عن الإرادة الإلهية التي ذكرت في الآية ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ... ﴾ 3 هي إرادة المولى عز و جل ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ 4 فلا يمكن بحال تخلف إرادته تعالى .
أما الرجس في اللغة فمعناه كل ما يلوث الإنسان سواء كان لوثا ظاهريا أو باطنيا و الذي يعبر عنه بالإثم . . و الرجس في هذه الآية هو اللوث و النجاسة الباطنية لأن الابتعاد و الطهارة من النجاسة الظاهرية وظيفة دينية عامة لجميع المسلمين و ذلك لشمول التكليف للجميع و لا خصوص لأهل البيت حتى ترد هذه الآية بحصرها و توكيدها لنفي الرجس الظاهري عن أهل البيت . إنما جاءت لبيان فضيلة لهم خصهم بها الله سبحانه و تعالى و أخبر عنها في كتابه العزيز .
ثم يأتي التأكيد ﴿ ... وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 3 إن النظرة العميقة للآية تجعلنا لا نشك لحظة واحدة في عصمة أهل البيت الذين ذكروا فيها و منهم فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) فهي معصومة مطهرة من كل رجس ظاهرا و باطنا و سيأتيك التأكيد على ذلك .
الآية الثانية :
قوله تعالى : ﴿ ... قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ... ﴾ 5 . لقد جعل الله سبحانه و تعالى أجر الرسالة مودة أهل البيت و منهم فاطمة الزهراء ، فالآية نزلت في قربى الرسول و هم علي و فاطمة و الحسن و الحسين كما نقل ذلك أعلام الحديث و التفسير مثل الحاكم الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل ج 2 ص 130 و الحاكم النيسابوري في المستدرك 6 .
إنها العظمة و الرفعة . . لقد وزن الله تعالى الرسالة المهيمنة على كل الرسالات بمودة القربى . . لقد استحقت فاطمة هذا الوسام الإلهي بجدارة و يكفينا لتأكيد ذلك تسطيرها ضمن آيات الذكر الحكيم . . إنه رصيد يضاف لمناقب الزهراء و فضائلها و إلى المزيد .
الآية الثالثة :
قوله تعالى ﴿ ... فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ 7 .
لم يختلف المسلمون أن هذه الآية أيضا من مختصات أهل البيت فهي نزلت يوم مباهلة نصارى نجران و قد أمر الله تعالى النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أن يأخذ معه عليا و فاطمة و الحسن و الحسين ( ع ) . فكانت هذه الآية و ذلك مما ذكره مسلم في صحيحه كتاب الفضائل باب فضائل علي بن أبي طالب 8 . و هكذا مثلت فاطمة كل نساء الأمة و كانت المباهلة بمثابة تثبيت للرسالة ، و لأهمية الحديث و عظمته في مسيرة الإسلام كان المباهل بهم مع النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) هم علي و فاطمة و ابناهما . . مع أن الآية ذكرت نساءنا بصيغة الجمع إلا أن التمثيل المقدس كانت فاطمة فقط دون غيرها من النساء و لا حتى نساء النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) فتأمل عزيزي القارئ و انطلق بعقلك لتدرك مكانة الزهراء و عظمتها و ما أظنك بقادر .
آيات أخرى :
يقول تعالى ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ﴾ 9 إلى قوله تعالى ﴿ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا ﴾ 10 ، هذه الآيات نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين بمناسبة قصة صيامهم ثلاثة أيام و تصدقهم في تلك الأيام الثلاثة بطعامهم على المسكين و اليتيم و الأسير بينما هم في أشد الحاجة إلى الطعام لإفطارهم . . و لقد ذكر جمع كبير من المحدثين و المفسرين أن هذه الآيات نزلت في هؤلاء الأربعة . منهم الزمخشري في كشافه . . و الفخر الرازي في تفسيره 11 .
إن نزول هذه الآيات في علي و فاطمة و الحسنين ينبوع أخر لكرامتهم و مكانتهم عند الله . . إذ أن الخالق جل و علا خاطبهم من عليائه بصيغة الأمر الذي أبرمه و فرغ منه ﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ 12 إلى آخر الآيات هذه هي حقيقة الزهراء فاطمة و تلك هي مكانتها عند الله .
يطول بنا المقام لسرد كل ما جاء عن فاطمة في القرآن و لقد جمع أحد العلماء الآيات التي نزلت في فضل فاطمة و أهل البيت فبلغت ( 258 ) آية من الذكر الحكيم .
و مع ذلك لو لم تأت إلا آية التطهير أو المباهلة لكفى بها موعظة لقوم يؤمنون فهذا قرآن عظيم في كتاب مكنون تنزيل العزيز الحميد .
فاطمة ( ع ) بلسان أبيها
ملاحظتان قبل الانطلاق في أحاديث الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) عن فاطمة :
يتبع
أخرج البخاري في صحيحه الجزء الخامس ( ص 82 ) في كتاب المغازي باب غزوة خيبر قال : عن عروة عن عائشة أن فاطمة بنت النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم )
أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من أبيها مما أفاء عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر : إن رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : « لا نورث من تركناه صدقه إنما يأكل آل محمد من هذا المال . . . إلى أن يقول البخاري فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته ولم تكلمه حتى توفيت و عاشت بعد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا و صلى عليها ولم يؤذن بها أبا بكر » .
و أورد مسلم في صحيحه ذات الواقعة مع تغيير طفيف في الألفاظ يقول « فغضبت فاطمة » بدل كلمة وجدت 1 .
من هاتين الروايتين و غيرهما نستخلص الآتي :
أولا : هذه الحادثة التي وقعت بين فاطمة بنت النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و الخليفة الأول حقيقة لا يمكن تكذيبها و لا الإعراض عنها لأنها مثبتة في متن أكثر الكتب صحة و اعتمادا عند أهل السنة و الجماعة بل في كل المصادر التاريخية و الحديثية كما سيأتي بيانه لاحقا .
ثانيا : إن الحادثة لم تكن خلافا عابرا أو سوء تفاهم بسيط بل هي مشكلة كبرى هذا ما نلمسه من كلمة « فوجدت فاطمة على أبي بكر » أو بتعبير مسلم « فغضبت فاطمة » فالغضب و الوجد معناهما واحد ، محصلة أن فاطمة غضبت غضبا شديدا على أبي بكر . . بالرغم من قول الخليفة بأن الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال « لا نورث » و لكن فاطمة غضبت .
ثالثا : إن غضب الزهراء كما أنه لم يكن قليلا في حدته لم يكن قصيرا في مدته بل استمر حتى وفاتها كما يقول البخاري نقلا عن عائشة « فهجرته ولم تكلمه حتى توفيت » و هذا معنى جلي في أن حالة الغضب و الخلاف استمر إلى و فاتها بل إلى ما بعد ذلك إذ أن أبا بكر لم يصل عليها و دفنت ليلا سرا بوصية منها كما سنبين .
رابعا : غضب الزهراء لم يكن منصبا فقط على أبي بكر بل شمل الخليفة الثاني بدليل عدم ذكره ضمن المصلين عليها ، و سيتضح أثناء البحث أن موقف أبي بكر و عمر واحد يعني موقف الزهراء منهما و موقفهما منها ، يقول ابن قتيبة في تاريخه « دخل أبو بكر و عمر على فاطمة فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط . . إلى أن يقول فقالت : أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) تعرفانه و تعملان به ؟ قالا : نعم فقالت نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يقول : رضا فاطمة من رضاي و سخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني و من أرضاها فقد أرضاني و من أسخطها فقد أسخطني ؟ . .
قالا : نعم سمعناه من رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قالت : فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) لأشكونكما إليه ، ثم قالت : والله لأدعون عليكما في كل صلاة أصليها » 2 .
كل هذه الحقائق جعلت الدنيا مظلمة لدي . . و فور توصلي إليها قفز إلى ذهني ألف سؤال و سؤال . . لا أدري ماذا أفعل و كيف أفكر و إلى من ألجأ ؟ !! إنها بضعة المصطفى الصديقة فاطمة ، أقرأ فإذا بها عاشت بعد أبيها في حالة غضب إلى أن ماتت . . . كيف و لماذا !! الطرف الآخر الذي غضبت عليه الزهراء إنه الخليفة الأول . .
الصديق . . الخليل لقد كان يحب رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) كما علمونا ـ أكثر من نفسه . . فكيف يفعل بالزهراء شيئا يغضبها ؟ .
كيفما كانت التساؤلات و مهما كان التبرير ها هي فاطمة ( ع ) كما وجدت بين طيات الكتب غاضبة على الخليفتين . . و كما سأبين لك عزيزي القارئ في الفصول القادمة . . و برغم كل الحواجز قررت مواصلة البحث و التنقيب على ألا أجعل بين نفسي و الحقائق حجاب الخوف أو الرهبة أو التبرير و مضيت في طريق ربما كان شائكا في بدايته و لكني بفضل بركات الصديقة الطاهرة وصلت إلى شاطئ اليقين ، و معها ـ روحي فداها ـ كانت البداية المفجعة و النهاية الممزوجة بحلاوة الإيمان و قمة المعرفة .
و سأبدأ معك عزيزي القارئ محطة فمحطة و لننطلق من تعريف شخصية فاطمة ( ع ) من خلال فضائلها التي سطرها الوحي بأحرف من نور و كللها النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) بصدق حديثه و هو الصادق المصدق فكانت كلماته حول فاطمة ذات دلالات و معان نحاول أن نستقصيها في هذه الصفحات و بلا شك لن نستوعب كل ما جاء من مناقب و فضائل عن الزهراء ( ع ) لكني سأحاول سرد ما يفيدنا في بحثنا هذا و من ثم نتعرف على الحقائق المحيطة بفاطمة ( ع ) و التي بنورها و بركاتها اهتديت و خرجت من ظلمات الجهل إلى رحاب نور أهل البيت ( ع ) .
فاطمة ( ع ) في القرآن
كثيرة هي الآيات التي تحدثت عن قدسية الزهراء ( ع ) و مكانتها السامية سنختار هنا بعضا منها .
الآية الأولى :
قوله تعالى ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 3 .
تشمل هذه الآية المباركة فيمن تشمل السيدة فاطمة الزهراء ( ع ) بل هي محور الآية و أساسها . . لأنها نزلت في أهل بيت النبوة ، و لنا حديث مع أولئك الذين حاولوا إدخال البعض من غير أهل البيت في نطاق الآية ، و ما يهمنا الآن هو أن الزهراء معنية بهذا الخطاب الإلهي . . و لقد فصلت السنة في سبب نزول الآية و فيمن جاءت .
لقد أورد مسلم في صحيحه أن الآية محل النقاش نزلت في خمسة : النبي ( صلى عليه و آله و سلم ) و علي و فاطمة و الحسن و الحسين ( ع ) و ذلك في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أهل البيت و هو الحديث المعروف بحديث الكساء كما أنه اشتهر عند أهل بيت النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) بأهل العباءة أو الكساء و هذا من المتسالم عليه بين كل المسلمين خصوصا في مجتمعنا السوداني . و سنزيدك من المصادر التي تؤكد أن النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و عليا و فاطمة و الحسنين هم المقصودون بالآية في البحوث القادمة إن شاء الله و لكن دعنا الآن نتدبر الآية ، و من خلالها نتعرف على شخصية فاطمة ( ع ) .
إن المتأمل في كلمات الآية يتوصل إلى أن المخاطبين بهذه الآية ، و فاطمة أحدهم مطهرون معصومون من كل رجس ، و تقريب ذلك تصدير الآية بأقوى أدوات الحصر على الاطلاق ( إنما ) مما يعني أن هذا الأمر خاص بجماعة معينة محددة لا يتعداهم إلى غيرهم ، ثم يأتي البحث عن الإرادة الإلهية التي ذكرت في الآية ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ... ﴾ 3 هي إرادة المولى عز و جل ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ 4 فلا يمكن بحال تخلف إرادته تعالى .
أما الرجس في اللغة فمعناه كل ما يلوث الإنسان سواء كان لوثا ظاهريا أو باطنيا و الذي يعبر عنه بالإثم . . و الرجس في هذه الآية هو اللوث و النجاسة الباطنية لأن الابتعاد و الطهارة من النجاسة الظاهرية وظيفة دينية عامة لجميع المسلمين و ذلك لشمول التكليف للجميع و لا خصوص لأهل البيت حتى ترد هذه الآية بحصرها و توكيدها لنفي الرجس الظاهري عن أهل البيت . إنما جاءت لبيان فضيلة لهم خصهم بها الله سبحانه و تعالى و أخبر عنها في كتابه العزيز .
ثم يأتي التأكيد ﴿ ... وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 3 إن النظرة العميقة للآية تجعلنا لا نشك لحظة واحدة في عصمة أهل البيت الذين ذكروا فيها و منهم فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) فهي معصومة مطهرة من كل رجس ظاهرا و باطنا و سيأتيك التأكيد على ذلك .
الآية الثانية :
قوله تعالى : ﴿ ... قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ... ﴾ 5 . لقد جعل الله سبحانه و تعالى أجر الرسالة مودة أهل البيت و منهم فاطمة الزهراء ، فالآية نزلت في قربى الرسول و هم علي و فاطمة و الحسن و الحسين كما نقل ذلك أعلام الحديث و التفسير مثل الحاكم الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل ج 2 ص 130 و الحاكم النيسابوري في المستدرك 6 .
إنها العظمة و الرفعة . . لقد وزن الله تعالى الرسالة المهيمنة على كل الرسالات بمودة القربى . . لقد استحقت فاطمة هذا الوسام الإلهي بجدارة و يكفينا لتأكيد ذلك تسطيرها ضمن آيات الذكر الحكيم . . إنه رصيد يضاف لمناقب الزهراء و فضائلها و إلى المزيد .
الآية الثالثة :
قوله تعالى ﴿ ... فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ 7 .
لم يختلف المسلمون أن هذه الآية أيضا من مختصات أهل البيت فهي نزلت يوم مباهلة نصارى نجران و قد أمر الله تعالى النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أن يأخذ معه عليا و فاطمة و الحسن و الحسين ( ع ) . فكانت هذه الآية و ذلك مما ذكره مسلم في صحيحه كتاب الفضائل باب فضائل علي بن أبي طالب 8 . و هكذا مثلت فاطمة كل نساء الأمة و كانت المباهلة بمثابة تثبيت للرسالة ، و لأهمية الحديث و عظمته في مسيرة الإسلام كان المباهل بهم مع النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) هم علي و فاطمة و ابناهما . . مع أن الآية ذكرت نساءنا بصيغة الجمع إلا أن التمثيل المقدس كانت فاطمة فقط دون غيرها من النساء و لا حتى نساء النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) فتأمل عزيزي القارئ و انطلق بعقلك لتدرك مكانة الزهراء و عظمتها و ما أظنك بقادر .
آيات أخرى :
يقول تعالى ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ﴾ 9 إلى قوله تعالى ﴿ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا ﴾ 10 ، هذه الآيات نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين بمناسبة قصة صيامهم ثلاثة أيام و تصدقهم في تلك الأيام الثلاثة بطعامهم على المسكين و اليتيم و الأسير بينما هم في أشد الحاجة إلى الطعام لإفطارهم . . و لقد ذكر جمع كبير من المحدثين و المفسرين أن هذه الآيات نزلت في هؤلاء الأربعة . منهم الزمخشري في كشافه . . و الفخر الرازي في تفسيره 11 .
إن نزول هذه الآيات في علي و فاطمة و الحسنين ينبوع أخر لكرامتهم و مكانتهم عند الله . . إذ أن الخالق جل و علا خاطبهم من عليائه بصيغة الأمر الذي أبرمه و فرغ منه ﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ 12 إلى آخر الآيات هذه هي حقيقة الزهراء فاطمة و تلك هي مكانتها عند الله .
يطول بنا المقام لسرد كل ما جاء عن فاطمة في القرآن و لقد جمع أحد العلماء الآيات التي نزلت في فضل فاطمة و أهل البيت فبلغت ( 258 ) آية من الذكر الحكيم .
و مع ذلك لو لم تأت إلا آية التطهير أو المباهلة لكفى بها موعظة لقوم يؤمنون فهذا قرآن عظيم في كتاب مكنون تنزيل العزيز الحميد .
فاطمة ( ع ) بلسان أبيها
ملاحظتان قبل الانطلاق في أحاديث الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) عن فاطمة :
يتبع
تعليق