تويت
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
*********************
وقد لقينا جماعة منهم، وعاشرناهم، واقتبسنا من فوائدهم.
ولقد كنت واقفا على واحد منهم، والناس قد اجتمعوا عليه، وهو ينظر إليهم، ويقول لهم:
" أطيعوا الله، يا مساكين !! فإنكم من طين خلقتم.
وأخاف عليكم أن تطبخ النار هذه الأواني، فتردّها فخّارا،
فهل رأيتم قط آنية من طين تكون فخارا، من غير أن تطبخها نار ؟!
يا مساكين !!
لا يغرنكم إبليس بكونه يدخل النار معكم، وتقولون: الله يقول:
{ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85)} ( سورة ص )
إبليس خلقه الله من نار، فهو يرجع إلى أصله، وأنتم من طين، تتحكم النار في مفاصلكم !!
يا مساكين !!
انظروا إلى إشارة الحق في خطابه لإبليس، بقوله:
{ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ } وهنا قِفْ، ولا تقرأ ما بعدها،
فقال له: جهنم منك، وهو قوله: { وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) } ( الرحمن )
فمن دخل بيته، وجاء إلى داره، واجتمع بأهله، ما هو مثل الغريب، الوارد عليه.
فهو ( أي إبليس ) رجع إلى ما به افتخر، قال:
{ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) } ( سورة ص )
فسروره رجوعه إلى أصله.
وأنتم يا مناحيس ! تَتَفَخَّرُ بالنار طِيْنَتُكُمْ، فلا تسمعوا من إبليس، ولا تطيعوه، واهربوا إلى محل النور تسعدوا.
يا مساكين !!
أنتم عُميٌ، ما تبصرون الذي أُبصره أنا،
تقولون: سقف هذا المسجد ما يُمسِكُهُ إلا هذه الأسطوانات، أنتم تبصرونها إسطوانات من رخام، وأنا أبصرها رجالا يذكرون الله ويمجدونه.
بالرجال تقوم السموات، فكيف هذا المسجد ؟
ما أدري: إما أنا هو الأعمى، لا أبصر الإسطوانات حجارة، وإما أنتم هم العمي، لا تبصرون هذه الإسطوانات رجالا،
والله يا إخوتي، ما أدري لا - والله - أنتم هم العمي.
ثم استشهدني دون الجماعة، فقال:
" يا شاب ألست أقول الحق ؟ "
قلت: بلى، ثم جلست إلى جانبه.
فجعل يضحك وقال: ... هذا الشاب منتن مثلي، هذه المناسبة جعلته يجلس إلى جانبي ويصدقني.
أنتم الساعة، تحسبونه عاقلا وأنا مجنون، هو أجن مني بكثير،
وإنما أنتم كما أعماكم الله عن رؤية هذه الإسطوانات رجالا أعماكم أيضا عن جنون هذا الشاب،
ثم أخذ بيدي وقال: " قم، امشِ بنا عن هؤلاء ! "
فخرجت معه فلما فارق الناس ترك يدي من يده وانصرف عني وهو من أكبر من لقيته من المعتوهين...
شيخ الصوفية محي الدين ابن عربي