إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

حديث شهر رمضان لسماحة السيد آية الله السيد حسن الشيرازي (قدس سره)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حديث شهر رمضان لسماحة السيد آية الله السيد حسن الشيرازي (قدس سره)

    بسم الله الرحمن الرحيم ,,,,
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....
    اللهم صل على محمد وآل محمد ,,,,
    حديث رمضان)
    لآية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره)
    كتاب حديث شهر رمضان لسماحة السيد آية الله السيد حسن الشيرازي (قدس سره) كتاب جامع شامل تناول فيه الكاتب (قدس سره) كل ما يتعلق بشهر رمضان المبارك بطريقة أكاديمية دقيقة أعطت الموضوع حقه، بحيث أبرزت كل معالم هذا الشهر وبكل ما يتعلق به، حيث تناول الكاتب كتابه بالطريقة التالية متناولاً المواضيع كما يلي:
    بعد دعاء استقبال شهر رمضان تناول سماحته شهر رمضان والصيام في القرآن ثم الصيام في خطب الرسول (صلى الله عليه وآله)، ثم الصيام في الحديث ثم تحدث عن كيفية استقبال شهر رمضان، وفلسفة شهر رمضان، ثم ذكريات شهر رمضان وفلسفة الصيام وفوائد الصيام على الصعيد الاجتماعي والنفسي والصحي، ثم تناول الجانب الفقهي للصوم من أحكام ونوافل ومكروهات وبعض الأسئلة والأجوبة حول الصيام، ثم بعض القصص وكيفية إحياء شهر رمضان في البلدان والتي أطلق عليها بتشريفات شهر رمضان، ثم بعض آداب الصوم إلى العيد فالخاتمة، وفيما يلي تذكرٌ لبعض ما ذكر تباعاً لكي نرى عمق ما جاء في هذا الكتاب وعمق علمية الكاتب (قدس سره).
    شهر رمضان
    تحدث الكاتب عن شهر رمضان بلازمه الذي لا ينفك عنه وهو الصيام، لذلك تناوله في ثلاثة مطالب مع صلاة شهر رمضان أي دعاء شهر رمضان.
    1) الصيام في القرآن
    جاء في القرآن الكريم العديد من الآيات الكريمة الدالة على وجوب الصيام وأهميته، ومنها ما يلي.
    أ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(1).
    ب ـ (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ... وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ... أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)(2).
    2) الصيام في خطب الرسول (صلى الله عليه وآله) منها:
    عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن علي (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطبنا ذات يوم فقال: أيها الناس، إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وايامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات... ينظر الله فيها إلى عباده يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه.
    وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال في خطبة له:
    (... ومن صام شهر رمضان في إنصات وسكوت، وكف سمعه وبصره ولسانه وفرجه وجوارحه من الكذب والحرام والغيبة تقرباً قرّبه الله منه، حتى تمس ركبتاه ركبتي ابراهيم خليل الرحمان).
    3) الصيام في الحديث
    قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وجلدك.. ولا يكن يوم صومك كيوم فطرك).
    سأل هشام بن الحكم الإمام الصادق (عليه السلام) عن علة الصيام فقال:
    (إنما فرض الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك أن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير، لأن الغني كلما أراد شيئاً قدر عليه، فأراد الله تعالى أن يسوّي بين خلقه، وأن يذيق الغني مس الجوع والألم ليرق على الضعيف ويرحم الجائع).
    استقبال شهر رمضان
    في استقبال شهر رمضان تحدث سماحته بعض الشيء عن فلسفة شهر رمضان وأنه لابد أن نستقبل شهر رمضان بقلوب كلها أمل برحمة الباري تبارك وتعالى حيث قال: إن شهر رمضان مدرسة ذات فلسفة ورسالة، فشهر رمضان مدرسة الروح والفكر والضمير، ودورة تكميلية للنواقص البشرية، وحملة تطهيرية لتصفية الرواسب التي تتكلس في قرارات النفس خلال أحد عشر شهراً.
    فالإنسان الذي يعيش الاجتماع ـ أو مع المجتمع ـ سنة كاملة يقتحم في غضونها كل جو ويباشر كل تفكير ويمارس كل تجربة، تترسب في عقله وعواطفه أكوام باهضة من الغبار الاجتماعي نتيجة الصراع الاجتماعي الدائب في كل مكان يعيشه أكثر من إنسان، فلابد لمن يعايش هذا الاجتماع من (عاصم وداع) يأخذ بيده حتى يتفاعل مع هذا المجتمع فينمو ويتطور إلى حيث يحسن الانطلاق مع إرادة المجتمع، وشهر رمضان يقوم بجزء من دور (العاصم) وتتجسد رسالته في إسباغ الحصانة على الفرد والمجتمع.
    فهو فترة للتأمل والتفكير ومحاسبة النفس والإسلام قرر شهر رمضان حتى يكون شهر التبتل والانقطاع الذي يسلخ الفرد من التوغل في الحياة المادية الرتيبة ليفرّغه للتمسك بذلك المعقل الحريز ـ وهو القرآن ـ ثم يتساءل السيد ويقول: ألا ترى الإسلام كيف دفع الناس إلى تلاوة القرآن وكيف يحبذ الإكثار من الأدعية المأثورة وكيف يحفّز على الاعتكاف وكيف يدعو إلى حسن الخلق والعفو والإحسان.
    فشهر رمضان بمؤهلاته وآدابه فترة المحاسبة والحصانة التي لا يحصل الاعتدال والنبوغ إلا فيها ولا يقدّر إلا بقدرها.
    بهذه الروح لابد أن نستقبل شهر رمضان، أما الذين لا يفقهون شهر رمضان إلا فرضاً محتماً لزمهم كما تلزمهم الأتاوات والالزامات الحكومية الجائرة فهم الذين يستقبلونه كل عام بتذمر ونقمة، ولا يمر بهم شهر رمضان إلا ويتسفلون ـ من الأسفل ـ بمقدار ما يجب أن يرتفعوا به، وأكثر ما يحز في واقع المسلمين هو هذا حيث إن معظم المسلمين لا يكادون يذكرون شهر رمضان إلا قبل حلوله ولا ينصرم عنهم إلا ويتناسونه ويسدلون على ذكرياته ستار الإهمال ونتيجة هذا وغيره تحولت الفرائض الدينية في وعي المسلمين إلى تقاليد لا تهدف إلا ذاتها، فهي مفروضة لأن الله تعالى شاءها فحسب دون أن يعرفوا لها فلسفة أو يتصوروا أن لها جذوراً وفروعاً في الحياة الاجتماعية.. وقد تغلغل هذا التصور في بعض الأوساط المؤمنة إلى حيث نرى الناس يرفضون الإيمان بأن الله تعالى شاء الفرائض لتركيز الشخصية المسلمة حتى بات من المشاهد إن كثيراً من المتدينين الملتزمين بحدود الله لا يحققون هدفاً واحداً من أهداف الإسلام، ولا تطفح على أعمالهم وسلوكهم مسحة من روح الإسلام وتعاليم الرسول (صلى الله عليه وآله) وتبعاً لذلك كثر في الصائمين من لا يعترف بصيامه الإسلام، ولا يعدو صومه حرماناً بليداً فشاعت بينهم النماذج التالية.
    1) أولئك الذين يحيون اللهو والتحلل والمجون في سائر الشهور، فإذا حان شهر رمضان خلصوا إلى الصيام والمسجد والعبادة ومظاهر المتقين، فإذا انسلخ الشهر سلخوا مسوحهم وكشفوا عن واقعهم.
    2) أولئك الذين يدمنون الصيام والتلاوة والدعاء في أيام شهر رمضان ويعيشون الهزل واللهو عبر ليالي هذا الشهر.
    وغيرهم كثير مذكور في محله.
    فلسفة شهر رمضان
    تحدث سماحة السيد عن فلسفة شهر رمضان تحت جانبين هما اشتقاق كلمة رمضان، فقه شهر رمضان.
    1) اشتقاق رمضان
    إن كلمة شهر رمضان مشتقة من (الرمض) بمعنى الهاجرة كما يقول أهل اللغة، ولكن هناك عدد من الأحاديث تؤكد أن رمضان من أسماء الله وسمي هذا الشهر بـ(شهر رمضان) لاختصاصه بالله كما يقال، ولذلك كره الينا أن نقول (رمضان) بل اللازم أن نقول (شهر رمضان)، وعن علي (عليه السلام): لا تقولوا رمضان فإنكم لا تدرون ما رمضان، ولكن قولوا: شهر رمضان كما قال الله عز وجل شهر رمضان.
    ولكن الرأي الفقهي على أن هذه الاطلاقات مكروهة فحسب.
    2) فقه شهر رمضان
    يقول السيد، قبل أن نبحث عن (فلسفة الصيام) يجدر بنا أن نعرف كنه فلسفة شهر رمضان، وأن لا نغلق أذهاننا عن فقه شهر رمضان، لأنه من التطرف أن نستجيب له كشهر فرض فيه الصيام لا أكثر، بل هو شهر آثره الله تعالى بالصيام دون سائر الشهور، وما ذلك إلا لخصائص أولته الأسبقية وجعلته سيد الشهور، وعليه فقد ذكر السيد (قدس سره) لهذا الشهر عدة أسماء مستقاة من خصائصه منها:
    1 ـ شهر الله الأعظم الذي خصه الله بنفسه.
    ويذكر السيد لماذا اعتبر شهر رمضان هو شهر الله الأعظم دون غيره، يقول لأنه مرفأ الضمائر، لأن النفس خلال أحد عشر شهراً تقوم مقارعة الكفر والنفاق حتى إذا نفدت الذخيرة التقت بشهر رمضان آخر وهكذا.
    2 ـ روافد المعروف.
    حيث شاء الله أن يكون شهر رمضان شهره الذي تستحم فيه الأرواح ليطهرها من السخائم والأدران، هذا الشهر الذي فجّر فيه روافد الخير والرحمة لأن فيه:
    أ ـ الكتب السماوية
    التي حققت أماني البشرية وانتصارها على الإرهاب ومخاطر الحياة تنزلت في شهر رمضان، فالتوراة نزلت في السادس من شهر رمضان، والإنجيل نزلت في الثاني عشر من شهر رمضان، والزبور نزل في الثامن عشر من رمضان، والقرآن نزل في ليلة القدر.
    ب. الصوم
    إن فرض الصيام في هذا الشهر هو تكريم لإنجاز تنظيم الإنسان بإرسال الكتب السماوية، لأن الحفاوة بالبواعث الروحية لابد أن تكون بالاستجابة الروحية، حيث إن تكريم كل شيء بنوعه كما هو تكريم الانتصارات المادية يكون بالموائد المادية، فالصوم هو خير وسيلة لتجريد النفس لتلقّي النداء من السماء عن طريق الكتب.
    ج. ليلة القدر
    التي تعادل عبادتها إحياء ألف شهر كامل بالعبادة، فبعد أن زوّد الله شهر رمضان عرقين رئيسيين (الكتب السماوية ـ الصيام) يجعلان منه شهر الله جعل فيه ليلة القدر التي تمثل عقدة القلب في شهر رمضان، وتبلغ فيها المكرمات قمة نبوغها، وغيرها من المستحبات في هذا الشهر جعلت منه شهر الله.
    3) شهر التبليغ
    4) شهر التطور
    أ ـ لكونه فرصة للاستجمام أي أن تفكير الإنسان يملّ من معالجة المشاكل ومقاساة الآلام متى استخدم لمواصلة العمل سنة أو سنين فيحتاج إلى فرصة للاستراحة والاستجمام، وهذه الفرصة يجدها موفورة في شهر رمضان.
    ب ـ ولكونه فترة للنبوغ لأن الإنسان غالباً ما لا تتاح له فرصة لتخطيط المستقبل خلال فترة العمل، لذلك فالفرصة الكافية، لتجديد النظر في الحياة تتاح للإنسان على أوفرها خلال شهر رمضان.
    5) شهر العبادة
    6) شهر التوبة
    7) شهر الذكر
    8) شهر الجهاد
    حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الخيل معقود بنواصيها الخير).
    فالسيوف والخيول هما عصب الحروب وأداتا الجهاد، وإذا كان كل الخير في الخيل والسيف فلا إيمان بلا جهاد ولا إيمان بلا خير، فكان من الطبيعي أن يقول الله سبحانه وتعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).
    9) رباط الإسلام
    يقول سماحة السيد (قدس سره): إن شهر رمضان هو رباط الإسلام، وذلك من خلال كونه جامعاً لأركان الإسلام، فالشهادتان تتكرران في أيام شهر رمضان أكثر من غيرها لكثرة القربات والصلوات في هذا الشهر، والزكاة تزداد أيضاً كزكاة الفطرة والكفارات والإفطار وسائر البر، والصوم قد خصص بهذا الشهر قبل كل شيء، والحج وإن كان لا يتمثل في شهر رمضان ولكن شهر رمضان تعبئة عامة للحج كما تتراءى في الأدعية السنوية كل ليلة.
    10) جامعة المسلمين
    حيث يمثل شهر رمضان جامعة روحية توحد مشاعر المسلمين، وتجمع قلوبهم على الطاعات والحسنات، وتمنعهم في أوقات متماثلة عن رغبات البطن والجنس منذ بزوغ الفجر حتى المغرب، ثم تسمح باستعادة الحياة السابقة وهكذا.
    ذكريات شهر رمضان
    يقول سماحة السيد (قدس سره): إن تاريخ هذا الشهر المبارك حافل بذكريات تعتبر حجر الزاوية في كيان الإسلام على مر القرون، فقد تتابعت فيه الأمجاد الخالدة لهذه الأمة وهي تحمل بين جنباتها أحداثاً جساماً كان لها دور كبير في انقلابات خطيرة غيّرت سنّة التاريخ في كثير من قطاع الأرض، ومن تلك الذكريات ما سبقت تشريع شهر رمضان في الإسلام ومنها ما توالت بعده ولكنها جميعاً مما يؤهل هذا الشهر لأن يعيشها المسلمون عيداً ومهرجاناً، واليك بعضاً منها:
    1) الكتب المقدسة، 2) مولد النور، 3) ليلة القدر، 4) غزوة بدر الكبرى 17 شهر رمضان، 5) فتح مكة 21 شهر رمضان، 6) المؤاخاة 12 شهر رمضان، 7) شهادة بطل الإسلام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في 21 شهر رمضان، 8) وفاة أبي طالب 17 شهر رمضان، 9) وفاة السيدة خديجة الكبرى أم المؤمنين (عليه السلام)، 10) ميلاد الحسن المجتبى(عليه السلام) 15 شهر رمضان، 11) ميلاد الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) في بعض الروايات، 12) فتح ثغور الأندلس (اسبانيا)، 13) بيعة الناس مع الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)، 14) انهزام الإفرنج الذين استولوا على سوريا وضواحيها، 15) استنقاذ البلاد الإسلامية من التتار ثلاث مرّات في شهر رمضان عام 658 و666 و703هـ، 16) فتح المسلمين جزيرة (رودس)، 17) سقوط الدولة الأموية، وغيره الكثير مما حازه المسلمون في هذا الشهر المبارك.
    وكما يقول سماحته: لعل هذه المناسبات التي سبقت تشريع الصيام بهذا الشهر والتي قدر أن تلحقه كانت السبب أو بعض السبب في تخصيص الصيام بهذا الشهر دون غيره، فإن تواتر الالماعات الروحية في فترة زمنية يجعلها السبق يمثل الصيام الذي هو تجاوب روحي واعٍ، وربما يكون هذا التخصيص لأن الله تعالى خصّ هذا الشهر بنفسه ليكون شهر الطاعة والغفران فقرر فيه الصيام وباقي القربات، وقد يفسر هذا النوع من التخصيص بمجرد تركيز معنى الطاعة والانقياد في الأذهان وترويض العباد على الخضوع للنظام... كما قد يتراءى هذا الجانب في بعض العبادات.
    فلسفة الصيام
    تناول الكاتب هذا المبحث من خلال ثلاثة مطالب مهمة وهي: حقيقة الصوم، والصوم في سائر الشرائع، وأنواع الصوم، وكما يلي:
    1) حقيقة الصوم
    الكيان الإنساني يحكم فطرته التي فطره الله عليها وحده تشمل الجثمان والروح، ولكل من الجثمان والروح مطالب تناسب طبيعته ودرجته في مراتب الوجود، فالجثمان لا يفترق عن بقية أنواع المادة في قبوله للزيادة والنقص والقوة والضعف... ومن أجل ذلك فهو محتاج إلى مقومات تقومه من نوعه كالغذاء والكساء، ولكن الروح بطبيعتها العلوية لا تطلب المقومات العنصرية وإنما هي تواقة إلى الشرف والكمال للإلمام بأسرار الكون والتطلع إلى ما وراء الطبيعة.
    إذاً علينا أن نلتمس حاجات الروح والجسد فنعدل بينهما ونوفيهما حقوقهما العادلة، فإذا كان الجسم يحتاج إلى نظام الصحة في استيفاء سعادته فكذلك الروح تحتاج إلى نظام الدين في استيفاء نموها الطبيعي ورشدها المأمول، فالصيام من سنن الدين التي تعمل لتكييف الروح... وهو للروح كالرياضة السنوية للجسم، فكما أن قانون الصحة يحتم على كل عامل يريد حفظ صحته أن يريض نفسه شهراً كاملاً في السنة يقلل فيه من غذاء النفس (أي العمل في الحقول الفكرية) كذلك نظام الصحة الروحية يفرض على كل إنسان أن يقلل شهراً في السنة من غذاء جثمانه و... ومن هنا كان الصوم ركناً هاماً من أركان الدين، وهو الركن الذي يجمع بين واجب التعبد وبين ترويض الجسد والغريزة مما حل لهما المتاع به في فترات دقيقة رتيبة ليستريحان بين الحين والآخر وينشط العقل والروح، وهنا تكمن عبقرية الإسلام فليس هو دين دنيا فقط ولا دين آخرة فحسب كما عبّر عن هذا الواقع سيد الأنبياء (صلى الله عليه وآله) حيث قال: (ليس خيركم من ترك دنياه لآخرته ولا من ترك آخرته لدنياه بل خيركم من أخذ من هذه وهذه).
    2) الصوم في سائر الشرائع
    كان الصوم ركناً في جميع الأديان السماوية وأشباه الأديان وحتى في الشرائع الوثنية، فقد كان قدماء المصريين والإغريق والرومان وسكان ما بين النهرين في العراق يصومون أياماً مختلفة في العام.
    وقد روي إن نوحاً صام مائة وخمسين يوماً لما جنحت به السفينة إلى البر وموسى بن عمران (عليه السلام) كان يصوم ثلاثين يوماً كل عام، واليهود والنصارى كذلك. فاليهود يصومون يوماً واحداً بالسنة هو يوم عاشوراء، ابتهاجاً بنجاة بني اسرائيل من الغرق، والنصارى أشهر صومهم هو الصوم الكبير الذي يقال إن عيسى بن مريم كان يصومه.
    3) أنواع الصوم
    أ. الصوم عن بعض ألوان الطعام
    ب. الصوم عن الكلام وصوم الصمت
    ج. الصوم في الإسلام
    وكما هو مبيّن في موارده وفيه الصوم الواجب كشهر رمضان، والتطوع ثلاثة أيام من كل شهر، والمكروه كصوم يوم عاشوراء، والمحرم كيومي العيدين الفطر والأضحى وآخر يوم من شهر شعبان بنية شهر رمضان.
    فوائد الصوم
    تتجلى فوائد الصوم الرئيسية في ثلاثة رؤوس: الاجتماعية والنفسية والصحية. والحديث جارٍ عنها تباعاً مع التنبيه كما يقول السيد بأن هذه الفوائد ليست مشاعاً بين مختلف الطبقات، فمنها ما يخص الغني وحده، ومنها ما يخص الفقير وحده، ومنها ما هو مشترك بينهما سواء بسواء، لكن السيد (قدس سره) ذكر هنا ما ينفع الجميع.
    (1) الفائدة الاجتماعية
    وهذه الفائدة تتجلى للصوم في الأمور التالية:
    أ. النظام
    ب. المساواة
    ج. الرحمة
    فبالصوم يصبح المجتمع ملائكياً يشعر الأغنياء والفقراء فيه بالمساواة، فلا يثور الفقير على الغني ولا يستعلي الغني فيه على الفقير، فيكون المجتمع الملتزم بالصوم معجزة من معجزات الإسلام التي عجزت عن الاتيان بمثلها قوانين الأرض.
    د. الحرية
    فالصوم ينشر في المجتمع روح الحرية كما يجب أن نفهمها، فهي ـ الحرية ـ استقلال تفكير الفرد في أن يفعل ما يشاء، وهي ما يقابل العبودية التي تعني أن هناك سلطات تحاول فرض توجيهها على الفرد داخلية كانت أم خارجية.
    ويقول سماحته: إن الإنسان تتجاذبه أربع عبوديات هي عبودية الله والعقل والسلطان الجائر والنفس، ولابد أن يكون الإنسان خاضعاً لاثنين من هذه العبوديات الأربع، ولا يستطيع التحرر من اثنين إلا أن يرضخ لاثنين. فإما أن يكون خاضعاً لله والعقل، وإما أن يستعبده السلطان الجائر والنفس، ولا يمكن أن يتحرر من عبودية السلطان الجائر والنفس إلا إذا رضي بعبودية الله والعقل، وإذا كان الإنسان مخيّراً بين أن يختار أي نوع من هذه العبوديات الأربع فالذي يرضى بعبودية الله والعقل يكون حرّاً بأكمل معاني الحرية وأنبلها، ويقول أيضاً، إن الحرية وفق مفهوم الكثيرين تقتصر على معنيين هما:
    1) أن لا يكون الفرد عبداً مملوكاً لفرد آخر.
    2) أن يتمتع الفرد بالحقوق الإنسانية العامة التي وردت في الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان، يقول (قدس سره): هذا صحيح إلا أنهما ليسا كل ما في الحرية من محتوى، إذ تسبقها حرية أخرى قد تكون هي الحرية الحقة التي تنطلق منها معاني الحرية وهي حرية الفرد من شهوات نفسه التي بين جنبيه. فإذا سيطرت عليه شهواته عاش أسيراً يخضع لنفوذها، وهذا المعنى للحرية يتحقق في أوضح مصاديقه في الصيام.
    هـ) الضمار
    ويوضحه السيد (قدس سره) بقوله: هو تعبئة إعدادية عامة، تأهب القادرين على خوض معترك الحياة لاقتحامه كلما دقت الأجراس.
    فالخيل تضمر قبل السباق، والجندي يتدرب قبل المعركة، وكل صاحب مهنة أو وظيفة يجرّب قبل أن يعهد إليه بمسؤوليته، ولكن ليس هناك إعداد عام لحمل أعباء الحياة سوى الصيام، فهو الضمار العام للحياة.
    و) الإيمان
    فهو عادة أكثر من كونه فكرة فالصدوق يسهل له الصدق بينما يثقل عليه الكذب، والصوم يمتاز عن بقية العبادات بأثره الفعّال في جعل الإيمان عادة، لأن الصوم دائماً يكون قربة إلى الله، ولا يتسلل إليه الرياء ولا السمعة، ففي وسع أي فرد أن يفطر متى شاء دون أن يعلم به الناس فإذا لم يفطر طول النهار فهو يدل على أنه كان متذكراً لله ولو بالارتكاز.
    ز) اختبار سنوي
    فالصوم اختبار سنوي للمنتمين إلى الدين الإسلامي، وامتحان لضمائرهم وأعصابهم وإيمانهم، أي انه عملية تفتيش ديني وصحي وإرادي وثقافي واجتماعي وخلقي.
    (2) الفائدة النفسية
    تتلخص الفائدة النفسية للصوم كما جاء في الكتاب بما يلي:
    1) الإرادة
    هي الفيصل بين العبودية والحرية، فالإنسان الذي يخضع لإرادة شهواته وعواطفه فهو عبدٌ لها والعكس بالعكس، فوظيفة الإرادة في حياة الإنسان هي وظيفة الضابط في المعسكر، فالإرادة تكبح جماح الغريزة وتخفف غلواء الحيوان الذي يعيش في عروق الإنسان فيثير شهواته وعواطفه، ولما كانت الإرادة هي التي تملك حياة الإنسان كان على الإنسان أن يهتم بتكوين الإرادة حتى يستطيع أن يطيع الإسلام، ففرض عليه الصوم الذي هو مدرسة الإرادة ليحفظه من السقطة والضياع. أما كيف فيجيب السيد (قدس سره) على هذا السؤال بقوله: الصوم يؤدي إلى تكوين الإرادة من ناحيتين:
    أ. إن الصوم يحدّ من طغيان الجسم على الروح والمادية على الإنسانية من خلال رفضه لتلبية متطلبات غرائزه وشهواته، لكن هذا الأمر قد يؤدي إلى سؤال مهم جداً أجابه السيد أيضاً وهو: إن الصوم إلى جانب كونه ترويضاً للنفس ـ الإرادة ـ هو عبادة لله كبقية العبادات التي يلتقي فيها الإنسان بربه فتتضاءل إرادته وتذوب إزاء إرادة الله تعالى وكيف يمكن تقوية الإرادة بعرضها على التضاؤل والذوبان؟ أي من الصوم يؤدي إلى تكوين إرادة الإنسان وذوبانها في نفس الوقت. أجاب سماحة السيد (قدس سره) على هذا السؤال بما يلي:
    إن إرادة الإنسان عندما تخشع أمام إرادة الله سبحانه لا تذوب لتموت وإنما لتحيا وتدوم، فالإرادة الإنسانية إذا استقلت في الوجود تكون متهافتة قابلة للانهيار أمام الأهوال، لكن إذا انصهرت الإرادة الإنسانية في الإرادة الإلهية تعود إلى الحياة أقوى ما تكون على مواجهة الأحداث في ميادين الصراع، حيث تتخذ من الانضمام إلى إرادة الله مصدر قوة وثقة.
    ب. إن الصوم حيث يطول أمره شهراً كاملاً يغيّر برامج حياة الفرد الرتيبة التي اعتادها طيلة أيام السنة، وعليه سوف يحدث صراع بين العادة التي ملكت حواسه مسلمة بقوة الشهوة إلى الأكل والشرب وبين الإرادة التي تمنعه عن شهواته ولذائذه اختياراً، وما ذلك إلا استجابة لأمر واحد من أوامر دينه، ومن كان كذلك لابد أن تخرّ على أقدامه الأهواء والعادات صرعى.
    2) الثبات
    هي الميزة النفسية الثانية للصوم وهي مترتبة تماماً على الأولى أي الإرادة، حيث يقول السيد (قدس سره): إن الإرادة في النفس هي بمثابة مركز الأعصاب في الجسد، فمتى قويت الإرادة تفرعت عنها صفات كثيرة، أهمها إن الفرد يسيطر على نفسه بحيث لا تتمرد عليه أعصابه ولا ترتبك مشاعره مهما عصفت به الأزمات، وهذا هو حقيقة الثبات، وبما أن قوة الإرادة مترتبة على الصوم كما أوضحنا سابقاً، إذاً الثبات كذلك لأنهما متلازمان.
    3) التحمل
    من الفوائد النفسية الأخرى للصوم هو التحمل، وبيان ذلك يقول السيد (قدس سره): كان الإنسان وحشاً خرج من الغاب ولكن لم يخرج الوحش من الإنسان الراقد في ثناياه الذي قد يطغي عليه فيثور ويلعن ويسب ويعكّر الحياة، هذا كله إذا وجَدَ متنفساً للتغيير عما في داخله، لكنه بالمقابل قد لا يجد فرصة للتعبير عما في داخله من سوء خلق فيجزع والعياذ بالله، وقد تصل به النتيجة إلى الإنتحار، فالصوم جاء لترويض ذلك الوحش في نفس الإنسان ليصبح إنساناً مستأنساً يألف الناس ويألفونه وكما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (المسلم ألف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف) وجاء لمعالجة الجزع وعدم الاحتمال، فإذا كان الصوم اختياراً لأية فضيلة فهو قبل كل شيء اختبار للاحتمال، وكما قال النبي (صلى الله عليه وآله): الصوم نصف الصبر والصبر نصف الإيمان.
    4) الأخلاق
    5) الجود
    وفلسفة ذلك إن الصائم حيث يتذوّق ألم الجوع والحرمان يعيش حياة الفقراء والمساكين ويشعر بشعورهم، فيرق قلبه ويلين جناحه، فيجود عليهم بطيب النفس، ولهذا السبب نجد أن الفقراء أرق على بعضهم من الأغنياء.
    6) الشكر
    وبيان ذلك أنه متى يعرف الإنسان مقدار النعمة الإلهية كي يشكر الله يكون ذلك إذا فقدها، فليس في الناس من يشكر نعمة السمع مثلاً إلا قليل ممن روّضوا أنفسهم بالعبادات، ولكن إذا أصيب بالصمم الكامل يعرف مدى عظمة نعمة السمع ويقدّرها تقديراً، فالصوم مرتبة بدائية من المواعظ العملية حيث يسلب الله به من العباد بعض نعمه في أوقات محدودة مع بقاء الاختيار لهم، كي يتذوقوا ألم الحرمان، فيعرفوا نعم الله ويشكروه عندما يحل لهم الطيبات.
    7) العفة
    فيه يصبح الإنسان عفيف البطن والفرج واللسان وغيرها.
    8) الأمانة
    لأنه من تعوّد الأمانة في ترك الأكل والشرب والجنس اختياراً وهي ضرورية فقد تعوّدها في كل شيء.
    9) التقوى
    وذلك من خلال كون الله سبحانه وتعالى حاضراً لدى الصائم طوال يومه بدليل الابتعاد اختياراً عما نهاه الله عنه وباستمرار ساعات النهار وتكرار أيامه تقوى في نفسه حالة حضورية فيكون دائماً في خشوع وتواضع ووقار.
    10) الإخلاص
    وعلى ما تقدم من التقوى لابد أن يكون الصائم صادقاً مخلصاً مع نفسه ومع الناس ومع الله، ولعل سر خلوص جزاء الصوم هو أنه عبادة لا يطلع على حقيقته الوفاء بها سوى علاّم الغيوب.
    11) تزكية النفس
    من خلال تحرير الإنسان من عبوديتها المذلة للأهواء والشهوات وإطلاقها من تلك القيود نحو عبادة الله.
    12) إنكار الذات
    إن الرفض المتواصل لطلبات النفس وكبح جماحها بالامتناع عن المشتهيات الجسدية يذل النفس ويحد من غرورها وغلوائها فتصبح ذليلة طيّعة، وإذا تكرر هذا الرفض كثيراً من خلال الصوم انتهى بتركيز إنكار الذات في نفس الصائم.
    (3) الفائدة الصحية
    إن الفائدة الصحية للصوم تتجلى في مظاهر متنوعة وكثيرة، منها فوائد عامة، ومنها فوائد ناتجة عن الإمساك عن المباشرة الجنسية ومنها فوائد ناتجة عن الإمساك عن الأطعمة والسوائل. فالفوائد العامة للصوم هي:
    1) تهدئة الأعصاب
    فالصوم أفضل وسيلة لتخفيف القلق والتوتر والثورة النفسية لأمرين:
    أ. إن الصوم يرفع المستوى الفكري للإنسان فوق مجال المادة والحياة حتى لا تفتك به المصائب والهموم.
    ب. إن الصوم يساعد على خفض ضغط الدم الذي يساعد أو يسارع على القلق والتوتر إثر الخسارة.
    2) ترويض النفس
    ورد في الحديث (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك)، فالنفس كالأرض إن أهملت تنبت الحشائش والأشواك وإن روعيت تنبت كلما حلى وطاب، فالنفس إن تركت فهي تعبّر عن طاقاتها بالشهوات، وإن روضت تعبّر عن طاقاتها بالملكات، وعندها يصح الجسم ويستريح الجسد.
    3) مطاردة القلق
    وذلك من خلال الاستسلام لله سبحانه وتعالى، وإذا استسلم الإنسان لله غمره السلام والإطمئنان وقد أشار القرآن إلى هذه الحقيقة عندما قال: (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) والصوم يذكي في الإنسان الاستسلام لله تبارك وتعالى.
    * أما الفوائد الناجمة عن الكف عن الجنس فأقلها هو تحقيق الاعتدال والموازنة الحيوية وصلاحية البقاء، لأن الاستجابة المطلقة لها تجعل المرء أسير الإرادة فضلاً عن الانسياق مع الغرائز يضعف حيوية الجسم وقدرته على الإخصاب والإنجاب، علماً إن الله تبارك وتعالى لفت الأنظار إلى أن الغرائز الجنسية ليست للتمتع الرخيص وإنما لحفظ النسل البشري وامتداد الحياة.
    * أما الفوائد الناجمة عن الكف عن التغذية والأشربة فتختصر بما يلي:
    أ ـ إتاحة الراحة للجهاز الهضمي
    وكما قال الباري تبارك وتعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) وكما في الحديث (المعدة بيت الداء).
    فعلى الإنسان أن يمتنع عن الإسراف في التغذية فترة تستهلك فيها رواسب التخمة حتى يستريح الجهاز الهضمي، فيستطيع استعادة نشاطه للوجبة التالية دون أن يدركه الإعياء والانهيار.
    ب. حفظ الجسم من السمنة
    ج. الصحة العامة حيث غالباً ما يستعمل الصوم كوقاية أو علاج للأمراض مثل إضطراب الهضم وأمراض القلب والكبد وارتفاع ضغط الدم وهكذا.. ومن الملفت للنظر إن كل ما كتب فيما يتعلق بفوائد الصوم الصحية خصوصاً وغيرها على العموم مدعم بحقائق طبية من دكاترة اختصاص كل في مجاله كما يلي: قال الدكتور (روبرت بارتولو): لاشك في أن الصوم من الوسائل الفعالة في التخلص من الميكروبات، وبينها ميكروب الزهري لما يتضمن من إتلاف للخلايا ثم إعادة بنائها من جديد.
    كذلك قال الدكتور عبد العزيز اسماعيل: إن الصيام يستعمل طبياً في حالات كثيرة ووقائياً في حالات أكثر.
    كذلك الدكتور (محمد الظواهري) قال: إن كرم رمضان يشمل مرضى الأمراض الجلدية، إذ تتحسن بعض الأمراض الجلدية بالصوم.
    وبعد أن ذكر سماحته هذا العدد الكبير من فوائد الصوم والذي يقول عنها هي ليست إلا جزءً بسيطاً من فوائده توقع أن تثار عدة أسئلة حول الصوم وفوائده، وبالفعل حدث هذا، لكن أهم سؤال هو: إذا كان للصوم هذه الفوائد التي ذكرت فلماذا يجب على المسلمين الصوم بهذا النحو الخاص الذي يحدده الفجر والمغرب والإمساك عن المفطرات العشر المعينة دون غيرها؟ كيف لا يصح استبداله بصوم المرتاضين أو صوم اليهود والنصارى؟
    الجواب: إن فوائد الصوم التي سبقت ليست كافة فوائد الصوم، لأن الصوم عبادة ولابد أن يتوفر فيه أمران: أ ـ المصلحة الدنيوية، ب ـ الترويض المعنوي الذي يجعل من الإنسان عبداً لله وهو أهم من الأول كما قال الله تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) وإذا أطلق للمسلم حرية اختيار نوعية الصوم التي توفر له تلك الفوائد المادية ضاع الجانب العبادي منه وكان فاشلاً دون إنجاز هدفه.
    إن الإمساك المحدود بالفجر والمغرب عن المفطرات العشرة هو المقدار الكافي لترويض الجسم والنفس، فكان الكف عن الأكل والشرب والجنس وسائر المفطرات سمواً إلى المستوى الذي تتحلى فيه بالملكات النبيلة، أما الإكثار أو الإقلال فلا يصلح لترويض النفس، لأن لكل رياضة حجم ومقدار خاص لا تنفع إلا به فكذلك الصوم.
    أحكام الصوم
    تناول سماحة السيد (قدس سره) بعد ذلك الجانب الفقهي في الصوم، فذكر شرائطه ومفطّراته وعقوبة الإفطار، ثم بعض المستحبات للصائم مثل صوم الجوارح وقراءة القرآن والتسحّر والإفطار وإفطار الصائم وغيرها، ثم ذكر بعض المكروهات للصائم القيام بها مثل قول الشعر وشم الرياحين والمغريات لأنها تؤدي إلى التمسك بالدنيا أي على خلاف فلسفة الصوم الداعية إلى الزهد بالدنيا، ثم ذكر في نهاية الكتاب فلسفة العيد وماذا يعني في الإسلام، فقال: إن الأعياد لجميع الأمم الحية والغابرة والطالعة على خطين:
    1) أعياد مادية تحيي ذكريات انتصاراتها كعيد الحرية وعيد النصر.
    2) أعياد فكرية تنسب إلى أمور جديرة بالاهتمام لتشجيعها وإلفات النظر إليها كعيد الطفل وعيد الأم وغيرها.
    أما أعياد الإسلام هي أيضاً انتصاراته، لكن ليس على المستوى المادي أو الفكري، بل هي انتصاراته في صراعه مع الشيطان، ويبدو أن انتصار الإنسان على الشيطان في ثلاثة أيام هي:
    أ. عيد الفطر
    ويجدر فيه بالإنسان أن يفرح، لأن الإنسان قد أعلن المقاومة للشيطان منذ استهلال شهر رمضان، فأغلق في نفسه نوافذ الشيطان وأخلص لله سبحانه، فلم يستطع الشيطان إغراءه وصرفه عن الله فثبّت انتصاره وانهزام الشيطان، ومن استطاع الانتصار على الشيطان شهراً كاملاً يستطيع التغلب عليه أبداً.
    ب. عيد الأضحى
    الذي يفرح فيه الحاج بانتصاره على الشيطان لأداء الركن الثالث من أركان الإسلام.
    ج. عيد الجمعة
    فالمسلم الذي يعيش أسبوعاً كاملاً في طاعة الله ومتمرداً على الشيطان لم ينخدع بتسولاته، وختم أسبوعه بيوم الجمعة وقام فيه بكل خير وفضيلة، فقد انتصر على الشيطان.
    فهذه الأعياد الثلاثة هي أعياد الإسلام لأنها أعياد النصر والبشرى، وبذلك نكون قد أتممنا قراءة كتاب (حديث شهر رمضان) لسماحة آية الله السيد حسن الشيرازي (قدس سره) والذي بحق نقول إنه موسوعة ثقافية ضمّ بين دفتيه أروع ما قيل في حق شهر رمضان مستعيناً بجملة من العلوم موصلاً للقارئ الكريم الفكرة بأفضل أسلوب وأكمل مفاد.. والحمد لله رب العالمين.
    العلوية خادمة الزهراء
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X