لاهوت الإمامة في مواجهة القرآن والنبوة والعروبة
الباحث العراقي نبيل الحيدري يبحث من خلال عمله الجديد دور الفرس التاريخي في انحراف التشيع
يسعى الباحث العراقي نبيل الحيدري في كتابه “التشيع العربي والتشيع الفارسي، دور الفرس التاريخي في انحراف التشيع”، الصادر عن “دار الحكمة” بلندن، إلى تفكيك عناصر المسار التدليسي التزويري الذي مارسه الخطاب الفارسي، ليس ضد عناصر التشيع العربي فحسب، ولكن ضد الإسلام ككل.
كان الفتح العربي الإسلامي لبلاد فارس الذي زرع جرحا غائرا في الكبرياء الفارسي الحدث المفجر لهذا المسار. الغرور الفارسي لم يهضم أبدا صدمة انهيار الإمبراطورية الفارسية على يد العرب المسلمين، بل ظل يعيش لحظة ما قبل الفتح الإسلامي وجدانيا وعقائديا وسياسيا، وحاول إنتاج نوع خاص من الإسلام يتماهى مع هذه اللحظة، ويعيد إنتاجها داخل السياق الإسلامي. خطاب التشيع الفارسي كان هو الخلاصة التي بلورها وعي الفرس المأزوم لينتقم لإمبراطوريته التي أسقطها الإسلام.
ثقافة ثأرية
عمد التشيع الفارسي إلى إحياء منطق الملكية الفارسية الذي كان ينسب إلى الملوك قدرات فائقة، ويحيطهم بهالة من المبالغة والغلو. وجد ضالته في ما يسميه الحيدري “لاهوت الإمامة”، الذي يقوم على الغلو في الأئمة، ونسبة قدرات خارقة إليهم، ووضع الإمامة في مقام أعلى من النبوة، وخلق نسب فارسي لها، وقطع كل صلاتها بالنسب العربي. يبدو هذا النزوع واضحا في سيرة سلمان الفارسي الذي نسب إليه انكشاف الغطاء وعلمه بالأسرار وصفات تقديسية وقدرات فائقة، وصولا إلى اختراع قصة شهربانو الفارسية بنت كسرى، التي تزوجها الإمام الحسين والتي صارت أمّا لتسع من الأئمة الاثني عشر في محاولة لربط النسب الكسروي بالتشيع الفارسي، ونفي أيّة صلة ممكنة له مع العروبة.
شكل الغلوّ في الأئمة عصب التشيع الفارسي وروحه وتمّ اختلاق شبكة كبيرة من الأحاديث، التي لا سند يثبت صحتها والتي تتهاوى بسهولة إذا ما عرضت على مصادر الإسلام التي لا خلاف عليها كالقرآن والحديث النبوي وسيرة الصحابة والأئمة، كما تم اختلاق مظلومية شيعية من خلال مرويات ضعيفة من قبيل اعتداء عمر بن الخطاب على منزل الزهراء وكسر ضلعها إضافة إلى اتهام السنة بقتل الحسين.
يتحدث الحيدري في مقابلة تلفزيونية حول هذه المرويات التي أسست لخطاب الثأر الذي يتجلى في رفع شعار “يا لثارات الحسين” وغيرها. يعتبر أن هذه الثقافة الثأرية التي تتجه بالعداء نحو السنة لا تستند على أسس فعلية تاريخية ومنطقية، إنما هي جزء من عملية عداء الفرس للعرب. أبرز آثار التشيع الفارسي كان إشاعة سب الخلفاء ولعنهم، وصب الاهتمام على البحث في الإمامة وإهمال دراسة التوحيد، إضافة إلى تبني منطق التقية، التي اعتبرت أصلا من أصول الدين، إذ قال الخميني بصددها “وترك التقية من الموبقات التي تلقي صاحبها قعر جهنم، وهي توازي جحد النبوة والكفر بالله العظيم”.
شكلت ممارسة التقية تبريرا لكل الالتباس والتناقض في المرويات الشيعية الفارسية، فقد أسست لخطاب متناثر مبعثر، يتكون من طبقات كثيرة يمكن استعمال أيّة طبقة منها في لحظة معينة. كذلك تم إدخال الطقوس والبدع من قبيل التبرّك بالقبور وتقديسها، ونسبة قدرات شفائية وإعجازية إلى طينها وترابها، والقول بتحريف القرآن وكل هذه الممارسات لا وجود لها في الإسلام.
لا معقولية الطقوس
طقسية ولامعقولية التشيع الفارسي تتجلى في عناوين أبواب “كامل الزيارات” لابن قولويه القمي. كعنونته للباب 59: “من زار الحسين كان كمن زار الله في عرشه”، وعنونة الباب 92: “إن طين قبر الحسين شفاء وأمان”. وغيرهما من العناوين الغريبة حقا.
النظر إلى نشأة طقوس إحياء ذكرى قتل الحسين، تبيّن ربط الديني بالسلطوي في التشيع الفارسي. يذكر ابن كثير في البداية والنهاية بداية طقوس اللطم والسواد والعزاء، فيردها إلى البويهيين الشيعة، الذين سيطروا على دولة الخلافة العباسية بين عامي 334-447 هجرية. فيقول “في عاشر المحرم من هذه السنة، أمر معز الدولة بن بويه، أن تغلق الأسواق، وأن يلبس الناس المسوح من الشعر، وأن تخرج النساء حاسرات عن وجوههن، ناشرات شعورهن في الأسواق، يلطمن وجوههن، ينحن على الحسين بن علي، ففُعل ذلك، ولم يمكن أهل السنة منع ذلك، لكثرة الشيعة، وكون السلطان معهم”.
هذه الطقوس تبلورت في عهد الصفويين، 907-1148هجرية، وقد بلغ الاهتمام بها إلى حد إرسال بعثات إلى دول أوروبا المسيحية من أجل اقتباس بعض طقوسهم والاستفادة منها. المفكر الإيراني علي شريعتي يعرض في كتابه “التشيع العلوي والتشيع الصفوي” أنه للاهتمام الكبير بصناعة الطقوس واستجلابها، “استحدث منصب وزاري جديد باسم وزير الشعائر الحسينية.
ذهب وزير الشعائر الحسينية إلى أوروبا الشرقية وأجرى هناك تحقيقات ودراسات واسعة حول المراسيم الدينية والطقوس المذهبية، والمحافل الاجتماعية المسيحية، وأساليب إحياء ذكرى السيد المسيح”. كل ذلك أدّى إلى “ظهور موجة جديدة من الطقوس والمراسم المذهبية، لم يعهد لها سابقة في الفلكلور الشعبي الإيراني، ولا في الشعائر الدينية الإسلامية ، ومن بين تلك المراسيم النعش الرمزي، والضرب بالزنجيل والأقفال، والتطبير، واستخدام الآلات الموسيقية”.التشيع الفارسي يشن حربا ضد دعوات التقريب بين المذاهب
شن التشيع الفارسي حربا شعواء على كل دعوات التقريب بين المذاهب، وقد كانت أبرزها محاولة نادرشاه، الذي ظهر في خراسان واستلم قيادة الجيش وحقق انتصارات جبارة وفتح الهند عام 1738.
حاول نادر شاه إزالة مظاهر الخلاف والشقاق التي تباعد بين المسلمين، والدفع في اتجاه اعتبار المذهب الجعفري مذهبا خامسا. أقام مؤتمرا إسلاميا كبيرا في النجف، دعا إليه كبار فقهاء السنة والشيعة، وكان من نتائجه الاتفاق على “وجوب رفع السب، وعدم تفضيل الصحابة بعضهم على البعض الآخر، وكل من يخالف هذه الوثيقة ويعيد السب، فإنه يستحق غضب الشاه”. لكنه اغتيل في النهاية. يعرض الكاتب كذلك للجهد الفارسي الذي بذل من أجل ضرب محاولات الإصلاح التي تبناها علماء الشيعة العرب من أمثال محمد حسين فضل الله، وهاشم معروف الحسني ومحسن الأمين ومهدي الحيدري ومحمد شمس الدين ومحمد جواد مغنية، ومحمد حسين كاشف الغطاء.
الغيبي والسياسي
التوأمة بين الغيبي والسياسي برزت بشكل واضح في فكرة الإمام الغائب المهدي، الذي سيظهر عاريا أمام قرص الشمس، كما تقول المرويات الشيعية الفارسية، والسلطة المطلقة التي أنيطت للولي الفقيه، الذي يمثل آخر تمظهرات التشيع الفارسي، مستمدة من الإمام المهدي، الذي يتصل به الولي الفقيه، ويحكم من خلاله.
هذا المنطق ألغى السياسة تماما، وجعلها رهينة اللامعقول الذي نعيش اليوم تداعياته، وحوّل الممارسة الدينية إلى حالة طقسية غيبية غامضة منفصلة عن العالم، ولكنها تدّعي القدرة على إدارة شؤونه في الوقت نفسه. هل يمكن بعد ذلك أن نفهم بأن المهدي المنتظر الذي يحمل الولي الفقيه لواءه ويتصرف وفق ما يمليه عليه، ما هو إلا مشروع حرب طائفية مفتوحة بين الشيعية الفارسية وكل المسلمين الآخرين وخاصة العرب. التشيع الفارسي سيطر على مجمل التشيع لأن هناك دولة وراءه كما يقول الحيدري في حين أن التشيع العربي ليس له من يحميه
الباحث العراقي نبيل الحيدري يبحث من خلال عمله الجديد دور الفرس التاريخي في انحراف التشيع
يسعى الباحث العراقي نبيل الحيدري في كتابه “التشيع العربي والتشيع الفارسي، دور الفرس التاريخي في انحراف التشيع”، الصادر عن “دار الحكمة” بلندن، إلى تفكيك عناصر المسار التدليسي التزويري الذي مارسه الخطاب الفارسي، ليس ضد عناصر التشيع العربي فحسب، ولكن ضد الإسلام ككل.
كان الفتح العربي الإسلامي لبلاد فارس الذي زرع جرحا غائرا في الكبرياء الفارسي الحدث المفجر لهذا المسار. الغرور الفارسي لم يهضم أبدا صدمة انهيار الإمبراطورية الفارسية على يد العرب المسلمين، بل ظل يعيش لحظة ما قبل الفتح الإسلامي وجدانيا وعقائديا وسياسيا، وحاول إنتاج نوع خاص من الإسلام يتماهى مع هذه اللحظة، ويعيد إنتاجها داخل السياق الإسلامي. خطاب التشيع الفارسي كان هو الخلاصة التي بلورها وعي الفرس المأزوم لينتقم لإمبراطوريته التي أسقطها الإسلام.
ثقافة ثأرية
عمد التشيع الفارسي إلى إحياء منطق الملكية الفارسية الذي كان ينسب إلى الملوك قدرات فائقة، ويحيطهم بهالة من المبالغة والغلو. وجد ضالته في ما يسميه الحيدري “لاهوت الإمامة”، الذي يقوم على الغلو في الأئمة، ونسبة قدرات خارقة إليهم، ووضع الإمامة في مقام أعلى من النبوة، وخلق نسب فارسي لها، وقطع كل صلاتها بالنسب العربي. يبدو هذا النزوع واضحا في سيرة سلمان الفارسي الذي نسب إليه انكشاف الغطاء وعلمه بالأسرار وصفات تقديسية وقدرات فائقة، وصولا إلى اختراع قصة شهربانو الفارسية بنت كسرى، التي تزوجها الإمام الحسين والتي صارت أمّا لتسع من الأئمة الاثني عشر في محاولة لربط النسب الكسروي بالتشيع الفارسي، ونفي أيّة صلة ممكنة له مع العروبة.
شكل الغلوّ في الأئمة عصب التشيع الفارسي وروحه وتمّ اختلاق شبكة كبيرة من الأحاديث، التي لا سند يثبت صحتها والتي تتهاوى بسهولة إذا ما عرضت على مصادر الإسلام التي لا خلاف عليها كالقرآن والحديث النبوي وسيرة الصحابة والأئمة، كما تم اختلاق مظلومية شيعية من خلال مرويات ضعيفة من قبيل اعتداء عمر بن الخطاب على منزل الزهراء وكسر ضلعها إضافة إلى اتهام السنة بقتل الحسين.
يتحدث الحيدري في مقابلة تلفزيونية حول هذه المرويات التي أسست لخطاب الثأر الذي يتجلى في رفع شعار “يا لثارات الحسين” وغيرها. يعتبر أن هذه الثقافة الثأرية التي تتجه بالعداء نحو السنة لا تستند على أسس فعلية تاريخية ومنطقية، إنما هي جزء من عملية عداء الفرس للعرب. أبرز آثار التشيع الفارسي كان إشاعة سب الخلفاء ولعنهم، وصب الاهتمام على البحث في الإمامة وإهمال دراسة التوحيد، إضافة إلى تبني منطق التقية، التي اعتبرت أصلا من أصول الدين، إذ قال الخميني بصددها “وترك التقية من الموبقات التي تلقي صاحبها قعر جهنم، وهي توازي جحد النبوة والكفر بالله العظيم”.
شكلت ممارسة التقية تبريرا لكل الالتباس والتناقض في المرويات الشيعية الفارسية، فقد أسست لخطاب متناثر مبعثر، يتكون من طبقات كثيرة يمكن استعمال أيّة طبقة منها في لحظة معينة. كذلك تم إدخال الطقوس والبدع من قبيل التبرّك بالقبور وتقديسها، ونسبة قدرات شفائية وإعجازية إلى طينها وترابها، والقول بتحريف القرآن وكل هذه الممارسات لا وجود لها في الإسلام.
لا معقولية الطقوس
طقسية ولامعقولية التشيع الفارسي تتجلى في عناوين أبواب “كامل الزيارات” لابن قولويه القمي. كعنونته للباب 59: “من زار الحسين كان كمن زار الله في عرشه”، وعنونة الباب 92: “إن طين قبر الحسين شفاء وأمان”. وغيرهما من العناوين الغريبة حقا.
النظر إلى نشأة طقوس إحياء ذكرى قتل الحسين، تبيّن ربط الديني بالسلطوي في التشيع الفارسي. يذكر ابن كثير في البداية والنهاية بداية طقوس اللطم والسواد والعزاء، فيردها إلى البويهيين الشيعة، الذين سيطروا على دولة الخلافة العباسية بين عامي 334-447 هجرية. فيقول “في عاشر المحرم من هذه السنة، أمر معز الدولة بن بويه، أن تغلق الأسواق، وأن يلبس الناس المسوح من الشعر، وأن تخرج النساء حاسرات عن وجوههن، ناشرات شعورهن في الأسواق، يلطمن وجوههن، ينحن على الحسين بن علي، ففُعل ذلك، ولم يمكن أهل السنة منع ذلك، لكثرة الشيعة، وكون السلطان معهم”.
هذه الطقوس تبلورت في عهد الصفويين، 907-1148هجرية، وقد بلغ الاهتمام بها إلى حد إرسال بعثات إلى دول أوروبا المسيحية من أجل اقتباس بعض طقوسهم والاستفادة منها. المفكر الإيراني علي شريعتي يعرض في كتابه “التشيع العلوي والتشيع الصفوي” أنه للاهتمام الكبير بصناعة الطقوس واستجلابها، “استحدث منصب وزاري جديد باسم وزير الشعائر الحسينية.
ذهب وزير الشعائر الحسينية إلى أوروبا الشرقية وأجرى هناك تحقيقات ودراسات واسعة حول المراسيم الدينية والطقوس المذهبية، والمحافل الاجتماعية المسيحية، وأساليب إحياء ذكرى السيد المسيح”. كل ذلك أدّى إلى “ظهور موجة جديدة من الطقوس والمراسم المذهبية، لم يعهد لها سابقة في الفلكلور الشعبي الإيراني، ولا في الشعائر الدينية الإسلامية ، ومن بين تلك المراسيم النعش الرمزي، والضرب بالزنجيل والأقفال، والتطبير، واستخدام الآلات الموسيقية”.التشيع الفارسي يشن حربا ضد دعوات التقريب بين المذاهب
شن التشيع الفارسي حربا شعواء على كل دعوات التقريب بين المذاهب، وقد كانت أبرزها محاولة نادرشاه، الذي ظهر في خراسان واستلم قيادة الجيش وحقق انتصارات جبارة وفتح الهند عام 1738.
حاول نادر شاه إزالة مظاهر الخلاف والشقاق التي تباعد بين المسلمين، والدفع في اتجاه اعتبار المذهب الجعفري مذهبا خامسا. أقام مؤتمرا إسلاميا كبيرا في النجف، دعا إليه كبار فقهاء السنة والشيعة، وكان من نتائجه الاتفاق على “وجوب رفع السب، وعدم تفضيل الصحابة بعضهم على البعض الآخر، وكل من يخالف هذه الوثيقة ويعيد السب، فإنه يستحق غضب الشاه”. لكنه اغتيل في النهاية. يعرض الكاتب كذلك للجهد الفارسي الذي بذل من أجل ضرب محاولات الإصلاح التي تبناها علماء الشيعة العرب من أمثال محمد حسين فضل الله، وهاشم معروف الحسني ومحسن الأمين ومهدي الحيدري ومحمد شمس الدين ومحمد جواد مغنية، ومحمد حسين كاشف الغطاء.
الغيبي والسياسي
التوأمة بين الغيبي والسياسي برزت بشكل واضح في فكرة الإمام الغائب المهدي، الذي سيظهر عاريا أمام قرص الشمس، كما تقول المرويات الشيعية الفارسية، والسلطة المطلقة التي أنيطت للولي الفقيه، الذي يمثل آخر تمظهرات التشيع الفارسي، مستمدة من الإمام المهدي، الذي يتصل به الولي الفقيه، ويحكم من خلاله.
هذا المنطق ألغى السياسة تماما، وجعلها رهينة اللامعقول الذي نعيش اليوم تداعياته، وحوّل الممارسة الدينية إلى حالة طقسية غيبية غامضة منفصلة عن العالم، ولكنها تدّعي القدرة على إدارة شؤونه في الوقت نفسه. هل يمكن بعد ذلك أن نفهم بأن المهدي المنتظر الذي يحمل الولي الفقيه لواءه ويتصرف وفق ما يمليه عليه، ما هو إلا مشروع حرب طائفية مفتوحة بين الشيعية الفارسية وكل المسلمين الآخرين وخاصة العرب. التشيع الفارسي سيطر على مجمل التشيع لأن هناك دولة وراءه كما يقول الحيدري في حين أن التشيع العربي ليس له من يحميه
تعليق