أربعينية الإمام الحسين ع وتحريك الحدث السياسي
( منصور الجمري )
الدعوة التي وجهتها شخصيات وجهات عدة من بينها رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق السيد محمد باقر الحكيم للتوجه إلى كربلاء لاحياء شعائر اربعينية الامام الحسين لها وقعها الديني والسياسي.
إن الثورة الحسينية لعبت دائما دورا مهما في حياة المجتمعات التي تحييها. لقد كانت عاشوراء الحسين في العام ،1953 في البحرين بداية فتنة طائفية تم وأدها في اربعينية الامام الحسين من ذلك العام، وذلك عندما وقف رموز البلاد في المواكب خطباء داعين الجماهير إلى الوحدة الوطنية والصعود بالمطالب إلى ما هو جامع وشامل لكل المواطنين.
وفي العام 1978 في إيران كانت الحوادث تتصاعد منذ يناير/ كانون الثاني، إذ ارتكبت قوات الشاه مذابح ضد المدنيين العزل، ووصلت قمة القمع في سبتمبر/ايلول 1978 عندما قتلت قوات الشاه أكثر من اربعة آلاف ايراني في ميدان جالة بطهران، واعتقد البعض ان كل شيء قد انتهى وانتصر الشاه. إلا ان موسم عاشوراء في ديسمبر/كانون الاول من ذلك العام كان العامل الحاسم عندما خرج ملايين البشر الى الشوارع هاتفين بسقوط الشاه وانهاء حكمه.
وفعلا، غادر الشاه بعد ذلك وعاد الامام الخميني، وانتهت حقبة كان البعض يعتقد انها باقية الى أمد طويل.
كان صدام حسين آنذاك نائبا للرئيس، وخرج بعد مواكب عاشوراء الايرانية ليصرح بأن "الشاه باق... باق... باق" إلا ان بقاءه لم يستمر سوى ايام ليرحل من إيران الى غير رجعة.
وهكذا تدور الأيام ويعبث صدام بارض العراق وشعبها، ويقحم بلاده في حرب مع ايران ثم احتل الكويت.
واعتقد الجميع ان صدام غير زائل بعد ان صفى كل معارضيه، واخضع الشعب العراقي بعد ان قتل منهم كثيرا وسجن آخرين وهجر مئات الآلاف منهم.
إلا أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، ليتحول صدام من صديق للأميركان تدعمه اموال الكويت والخليج إلى عدو للكويتيين والخليجيين وللأميركان، وتنتهي الامور في 9 ابريل/نيسان 2003 باختفاء طاغية العراق، واحتلال العراق من قبل الجيش الأميركي الذي احتل بغداد.
إلا أن خروج جماهير الشعب من الطائفتين الشيعية والسنية في مسيرات كبرى بعد صلاة يوم الجمعة الماضية مرحبين بسقوط صدام ومطالبين برحيل الغزاة من أرض العراق، هذه المفاجأة لم يتوقعها الكثيرون لأن العراق عانى من الطائفية تماما كما عانت المجتمعات الاخرى، ولكن الوحدة الاسلامية وصلاة اتباع الطائفتين مع بعضهم بعضا وادارة نشاط مشترك يطالب بمطالب موحدة ثم قيام علماء الدين من الطائفتين بتنظيم شئون الناس والأمن والخدمات والفصل بين المواطنين، أعاد هيبة الحركة الإسلامية التي حاول حزب البعث القضاء عليها منذ وصوله إلى الحكم العام .1968
واستعادت جماهير الحركة الإسلامية قوتها، وكأن شيئا من القمع لم يحصل لها بما يعبر عن اصالة الشعب العراقي وارتباطه بجذوره الإسلامية التي لا يمكن لأي حزب علماني أو دكتاتوري أو استعماري القضاء عليها مهما حاول ومهما كان بطشه.
والاجتماع الجماهيري بذكرى الاربعين يعيد إلى ذاكرة العراقيين كيف كانت الامور قبل حكم حزب البعث، وكيف كان اتباع المذاهب يمارسون شعائرهم من دن قمع.
وبعيدا عن بعض الممارسات التي لا يقبل بها اكثرية علماء الدين والتي ارتبطت بإحياء الذكرى، فإن شعائر عاشوراء والاربعين تعتبر من أهم ادوات التحشيد الجماهيري بوحي من قضية الامام الحسين "ع" الذي استشهد مظلوما بعد ان خرج طالبا الاصلاح في أمة جده محمد "ص".
وهذه الشعائر ليست فقط للتذكير بفاجعة الطف، ولكنها عمل اجتماعي سياسي يؤكد ارتباط السياسة بالدين، هذا الترابط الذي لا نراه ينفك عن مختلف الاعمال التي يمارسها المسلمون من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى دفع الزكاة والحقوق الشرعية إلى الدفاع عن بيضة الدين، إلى الخروج على الحاكم غير العادل. ولاشك ان حرية التعبير وحرية التجمع السلمي توفر مجالا للتنفيس عن الذين حرموا من ممارسة شعائرهم سنين طويلة، ولكن هذا التبرير الذي قال به بعض المسئولين الأميركان ليس دقيقا. فالعراقيون لم يخرجوا في مواكب الاربعين لانهم حرموا منها وهم يتمتعون بحرية التجمع تحت الاحتلال، ولكنهم خرجوا استجابة لضميرهم الديني والانساني الذي حثهم على رفض الاحتلال، كما كان يحثهم على رفض الظلم والدكتاتورية.
إن الخروج في هذه المواكب الحسينية ليس احياء للمناسبة فقط، وانما هو احياء لنفوس المسلمين الذين اثقلتهم هموم الدنيا ومشكلاتها. فالحسين "ع" خرج لانه لم يرتض لنفسه دورا تابعا لحاكم لا يحترم الدين والانسان ورفض صك الذل قائلا: "ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك، ورسوله والمؤمنون، ونفوس أبية وأنوف حمية وحجور طابت وطهرت...".
خرج الحسين "ع" ليكسر المعزوفة التي فرضت على الأمة، وأحرق جليد الظلم بلهيب شهادته... وهكذا يسير من يحيي ذكراه في أحلك الظروف التي تمر بها الأمة، معلنا رفضه للسيمفونية المشكلة على موسيقى خارج إرادة الأمة لتعلن اباءها وعزتها واعتزازها بحريتها وكرامتها.
منصور الجمري
( منصور الجمري )
الدعوة التي وجهتها شخصيات وجهات عدة من بينها رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق السيد محمد باقر الحكيم للتوجه إلى كربلاء لاحياء شعائر اربعينية الامام الحسين لها وقعها الديني والسياسي.
إن الثورة الحسينية لعبت دائما دورا مهما في حياة المجتمعات التي تحييها. لقد كانت عاشوراء الحسين في العام ،1953 في البحرين بداية فتنة طائفية تم وأدها في اربعينية الامام الحسين من ذلك العام، وذلك عندما وقف رموز البلاد في المواكب خطباء داعين الجماهير إلى الوحدة الوطنية والصعود بالمطالب إلى ما هو جامع وشامل لكل المواطنين.
وفي العام 1978 في إيران كانت الحوادث تتصاعد منذ يناير/ كانون الثاني، إذ ارتكبت قوات الشاه مذابح ضد المدنيين العزل، ووصلت قمة القمع في سبتمبر/ايلول 1978 عندما قتلت قوات الشاه أكثر من اربعة آلاف ايراني في ميدان جالة بطهران، واعتقد البعض ان كل شيء قد انتهى وانتصر الشاه. إلا ان موسم عاشوراء في ديسمبر/كانون الاول من ذلك العام كان العامل الحاسم عندما خرج ملايين البشر الى الشوارع هاتفين بسقوط الشاه وانهاء حكمه.
وفعلا، غادر الشاه بعد ذلك وعاد الامام الخميني، وانتهت حقبة كان البعض يعتقد انها باقية الى أمد طويل.
كان صدام حسين آنذاك نائبا للرئيس، وخرج بعد مواكب عاشوراء الايرانية ليصرح بأن "الشاه باق... باق... باق" إلا ان بقاءه لم يستمر سوى ايام ليرحل من إيران الى غير رجعة.
وهكذا تدور الأيام ويعبث صدام بارض العراق وشعبها، ويقحم بلاده في حرب مع ايران ثم احتل الكويت.
واعتقد الجميع ان صدام غير زائل بعد ان صفى كل معارضيه، واخضع الشعب العراقي بعد ان قتل منهم كثيرا وسجن آخرين وهجر مئات الآلاف منهم.
إلا أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، ليتحول صدام من صديق للأميركان تدعمه اموال الكويت والخليج إلى عدو للكويتيين والخليجيين وللأميركان، وتنتهي الامور في 9 ابريل/نيسان 2003 باختفاء طاغية العراق، واحتلال العراق من قبل الجيش الأميركي الذي احتل بغداد.
إلا أن خروج جماهير الشعب من الطائفتين الشيعية والسنية في مسيرات كبرى بعد صلاة يوم الجمعة الماضية مرحبين بسقوط صدام ومطالبين برحيل الغزاة من أرض العراق، هذه المفاجأة لم يتوقعها الكثيرون لأن العراق عانى من الطائفية تماما كما عانت المجتمعات الاخرى، ولكن الوحدة الاسلامية وصلاة اتباع الطائفتين مع بعضهم بعضا وادارة نشاط مشترك يطالب بمطالب موحدة ثم قيام علماء الدين من الطائفتين بتنظيم شئون الناس والأمن والخدمات والفصل بين المواطنين، أعاد هيبة الحركة الإسلامية التي حاول حزب البعث القضاء عليها منذ وصوله إلى الحكم العام .1968
واستعادت جماهير الحركة الإسلامية قوتها، وكأن شيئا من القمع لم يحصل لها بما يعبر عن اصالة الشعب العراقي وارتباطه بجذوره الإسلامية التي لا يمكن لأي حزب علماني أو دكتاتوري أو استعماري القضاء عليها مهما حاول ومهما كان بطشه.
والاجتماع الجماهيري بذكرى الاربعين يعيد إلى ذاكرة العراقيين كيف كانت الامور قبل حكم حزب البعث، وكيف كان اتباع المذاهب يمارسون شعائرهم من دن قمع.
وبعيدا عن بعض الممارسات التي لا يقبل بها اكثرية علماء الدين والتي ارتبطت بإحياء الذكرى، فإن شعائر عاشوراء والاربعين تعتبر من أهم ادوات التحشيد الجماهيري بوحي من قضية الامام الحسين "ع" الذي استشهد مظلوما بعد ان خرج طالبا الاصلاح في أمة جده محمد "ص".
وهذه الشعائر ليست فقط للتذكير بفاجعة الطف، ولكنها عمل اجتماعي سياسي يؤكد ارتباط السياسة بالدين، هذا الترابط الذي لا نراه ينفك عن مختلف الاعمال التي يمارسها المسلمون من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى دفع الزكاة والحقوق الشرعية إلى الدفاع عن بيضة الدين، إلى الخروج على الحاكم غير العادل. ولاشك ان حرية التعبير وحرية التجمع السلمي توفر مجالا للتنفيس عن الذين حرموا من ممارسة شعائرهم سنين طويلة، ولكن هذا التبرير الذي قال به بعض المسئولين الأميركان ليس دقيقا. فالعراقيون لم يخرجوا في مواكب الاربعين لانهم حرموا منها وهم يتمتعون بحرية التجمع تحت الاحتلال، ولكنهم خرجوا استجابة لضميرهم الديني والانساني الذي حثهم على رفض الاحتلال، كما كان يحثهم على رفض الظلم والدكتاتورية.
إن الخروج في هذه المواكب الحسينية ليس احياء للمناسبة فقط، وانما هو احياء لنفوس المسلمين الذين اثقلتهم هموم الدنيا ومشكلاتها. فالحسين "ع" خرج لانه لم يرتض لنفسه دورا تابعا لحاكم لا يحترم الدين والانسان ورفض صك الذل قائلا: "ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك، ورسوله والمؤمنون، ونفوس أبية وأنوف حمية وحجور طابت وطهرت...".
خرج الحسين "ع" ليكسر المعزوفة التي فرضت على الأمة، وأحرق جليد الظلم بلهيب شهادته... وهكذا يسير من يحيي ذكراه في أحلك الظروف التي تمر بها الأمة، معلنا رفضه للسيمفونية المشكلة على موسيقى خارج إرادة الأمة لتعلن اباءها وعزتها واعتزازها بحريتها وكرامتها.
منصور الجمري