
في حقنا القوة


العرب الشامتون في العرب
2003/04/25
عبد الباري عطوان
بذلت بعض الصحف العربية والكويتية منها خاصة جهوداً خارقة لإثبات أن المزارع العراقي منقاش لم يسقط الطائرة العمودية الأمريكية من نوع أباتشي ، وذهب الأمر بهؤلاء إلي ترتيب مقابلة مع الرجل نفي أن يكون أسقط الطائرة فعلاً، أو تلقي أي أموال مقابل ذلك من الرئيس العراقي صدام حسين، وقال إنه وجد الطائرة جاثمة في حقله، وجاء من أملي عليه من المخابرات العراقية، لكي يقول إنه أسقط الطائرة فعلاً.
المسألة في اعتقادنا ليست فيما إذا كان منقاش أسقط الطائرة أو لم يسقطها، وإنما في إصرار بعض الكتاب والصحافيين في الكويت وغير الكويت علي عدم إعطاء أي فعل إيجابي للمواطن العربي، وتصوير كل شيء عربي بأنه جاهل، ومتخلف، وإلصاق تهمة الفشل بالعرب والمسلمين.
نعم بندقية منقاش تستطيع أن تسقط طائرة أباتشي، مثلما استطاعت وتستطيع المتفجرات المصنعة محلياً في مدن وقري مخيمات اللجوء في قطاع غزة والضفة الغربية تدمير أكثر من عشر دبابات من نوع ميركافا فخر الصناعة العسكرية الإسرائيلية.
نستغرب هذه الشماتة في بعض الأوساط الكويتية والعربية بالعراق وجيشه، مثلما نستغرب المهرجانات الاحتفالية بهزيمة دولة عربية مثل العراق وإذلالها بطريقة بشعة علي أيدي قوات المارينز.
الهزيمة كانت ثقيلة بكل المقاييس، وانهيار الدفاعات في بغداد كان مفاجأة مؤلمة ومهينة، ولكن ينسي هؤلاء الشامتون أن العراق صمد لمدة واحد وعشرين يوماً في مواجهة قوات الامبراطورية الأعظم في التاريخ.
بغداد لم تسقط في يومين، وإنما بعد عشرين يوماً من القصف المتواصل، وثلاثة عشر عاماً من الحصار التجويعي الظالم، وثلاثين عاماً من المؤامرات الداخلية والخارجية. فأي دولة عربية صمدت كل هذه المدة.. وهل نسينا أن أطول حروب العرب في مواجهة إسرائيل وجيشها لم تزد عن ثمانية أيام فقط؟
نحن هنا لا نبرر، بل نذكر وقائع، نجد من غير الإنصاف القفز فوقها، رضوخاً لإرهاب الشامتين الفكري والإعلامي، الذي يمارس علينا بكثافة هذه الأيام.
ما حدث في العراق كان زلزالاً بكل المقاييس، يتطلب منا جميعاً إجراء مراجعة نقدية شاملة، للبحث عن أسس الخلل التي جعلتنا نعيش هذا المسلسل المذل والمهين من النكسات والإنكسارات والهزائم.
علينا أن نعترف بأن الأنظمة العربية التي لا تحترم حقوق الإنسان، وتؤسس للفساد المالي والأخلاقي، وتحارب سيادة القانون والتعددية السياسية ونظام المؤسسات الديمقراطية، هذه الأنظمة هي الخطر الحقيقي علينا كشعوب، بل هي أخطر من الغزو الخارجي، لأنها أضعف من أن تواجهه، ولا تهيئ شعوبها أو تسمح لها بمواجهته.
النخب العربية، السياسية والفكرية والثقافية والإعلامية والاقتصادية، تتحمل المسؤولية الأكبر في مسلسل الهزائم والانكسارات هذا لأنها تحالفت في معظمها مع الدكتاتوريات وامبراطوريات الفساد والقمع في الوطن العربي. هذه النخب انحازت للفساد والقمع إيثاراً للسلامة وطمعاً في بعض الامتيازات. وغرقت في العموميات وعدم تسمية الأشياء بأسمائها.
لقد تشابهت البقر، ولم يعد هناك أي فرق بين هذا النظام العربي أو ذاك، والتســـميات السابقة لأنظمة ثورية وأخري رجعية سقطت سقوطاً مريعاً، وبات الجميع في الخانة نفسها للأسف.
ولابد أن تشمل المراجعة وضعية الجيوش العربية الجبارة هذه والإنفاق الهائل عليها، فقد اتضح ان الشيء الوحيد الذي تجيده هذه الجيوش وقياداتها هو الهرب، وخلع الملابس العسكرية في زمن قياسي، وتسليم الأوطان بالقدر القليل من المقاومة.
علينا أن نسأل أنفسنا سؤالاً محدداً وهو أنه كيف يقاتل هذا الجندي الأمريكي أو البريطاني ببسالة وهو القادم من علي بعد عشرة آلاف كيلومتر ودون أي قضية وطنية محددة غير الغزو واحتلال بلد أجنبي، بينما لا يقاتل الجندي النظامي العربي علي الإطلاق، ويبحث عن أول فرصة لترك سلاحه والهرب.
إنها الديمقراطية ودولة المؤسسات والمشاركة السياسية، والقضاء العادل المستقل، والصحافة الحرة، والمحاسبة الدقيقة للحكام قبل المحكومين، والفصل الواضح بين السلطات.
المواطن العربي، الذي يشكك البعض في قدراته، هو الذي صمد في جنين لأكثر من عشرة أيام في مواجهة الدبابات نفسها، وتحت قصف الطائرات نفسها أيضاً، صمد لأنه حر يدافع عن كرامة وقضية وطنية وليس عن نظام. وهو نفسه المواطن الذي صمد لأكثر من تسعين يوماً في بيروت في مواجهة الدبابات والطائرات نفسها.
وهذا المواطن بالنسبة إلينا هو منقاش العراقي، ومنقاش السوري واللبناني والمغربي والمصري، وهو قادر علي إسقاط طائرة أباتشي ودبابة ميركافا، لأن المسألة ليست مسألة حسابات وموازين قوي، فعندما تتعرض الأمم لتحديات الغزو والاستعمار تسقط كل هذه الحسابات والمعادلات، وإلا لما انطلقت الدعوة المحمدية إلي كل أرجاء المعمورة، ولما حارب الفيتناميون أمريكا، ولما قاوم الفرنسيون النازية، ولظلت أمريكا إلي اليوم مستعمرة بريطانية.
تعليق