إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺙ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻭﻫﻢ

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺙ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻭﻫﻢ


    ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺙ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻭﻫﻢ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ






    ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺙ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻭﻫﻢ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ - ‏( ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ‏)


    ﺑﺴﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ
    ﺇﺳﻼﻡ ﻣﺤﻮﺭﻳّﺔ ﺍﻟﺜﻘﻠﻴﻦ
    { ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺙ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻭﻫﻢ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ }
    ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ

    ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﺃﻥَّ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻲ ﻣﻦ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﻄﺮﻭﺣﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺎﺣﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴّﺔ ﺗﻌﻘﻴﺪﺍً ﻭﺗﺸﺎﺑﻜﺎً، ﻭﻗﺪ ﺻﺪﺭﺕ ﻓﻲ ﺍﻵﻭﻧﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻭﺍﻷﺑﺤﺎﺙ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺄﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴّﺪ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤﻴﺪﺭﻱ، ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﺑﺮﻣﻲ ﺗﺮﺍﺙ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ (ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻼﻡ ‏) ﺑﺄﻥَّ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻨﻪ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻭﺍﻟﻤﺠﻮﺱ، ﻭﻣﺮﻭﺭﺍً ﺑﺒﻌﺾ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺠﻠﺴﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴّﺔ، ﻭﺃﺧﻴﺮﺍً ﺑﻤﺎ ﺭﺃﻳﻨﺎﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻤﺎ ﺳﻤﺎﻩ ‏( ﺇﺳﻼﻡ ﻣﺤﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ‏) ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺻﺪﺭﻩ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ: ‏( ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺙ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺸﺄﺓ ﻭﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ‏) ﺑﺘﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻃﻼﻝ ﺍﻟﺤﺴﻦ، ﻭﻗﺪ ﻇﻨﻨﺖُ ﺃﻥَّ ﺍﻟﺒﺤﺚَ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﺟﺪﻳﺎً ﻓﻲ ﻧﻘﺎﺵ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺗﺮﺍﺙ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ‏(ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻼﻡ ‏) ﻓﻮﺟﺪﺕُ ﺍﺷﺘﺒﺎﻫﺎﺕٍ ﻋﺪﻳﺪﺓ، ﻭﺃﺧﻄﺎﺀً ﻓﻈﻴﻌﺔ ﺗﻤﺜَّﻠﺖ ﻓﻲ ﺗﺼﻮﻳﺮ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻘﺪﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤﻄﺮﻭﺣﺔ، ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺍﻟﺨﻠﻂ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﺨُﺺُّ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ ﻭﻣﺎ ﻳﺨﺺ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﺴﻨﻲ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﺘﻠﻒُ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ ﻓﻲ ﻧﺸﺄﺗﻪ ﻭﺧﺼﻮﺻﻴّﺎﺗﻪ ﻭﻃﺮﻕ ﻧﻘﻠﻪ .. ﺇﻟﺦ.
    ﻭﻗﺪ ﻛﻨﺖُ ﺃﻃﺎﻟﻊ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﻻ ﺃﺩﺭﻱ ﻫﻞ ﻫﻮ ﻳﺘﻜﻠﻢُ ﻋﻦ ﺗﺮﺍﺛﻨﺎ ﺃﻡ ﻋﻦ ﺗﺮﺍﺙ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﻴﻦ، ﻭﺃﺗﻌﺠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻠﻂ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﺤﺜﻴﻦ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﻴﻦ، ﻭﺃﺯﺩﺍﺩ ﺗﻌﺠﺒﺎً ﻣﻦ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﻫﺬ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻠﻂ ﻭﺍﻹﺳﻔﺎﻑ. ﻓﻤﺜﻼً ﻟﻮ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ‏(ﻣﻼﻣﺢ ﻋﺼﺮ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺘﺪﻭﻳﻦ ‏) ﺳﻨﺠﺪُ ﺃﻥ ﺗﺴﻌﻴﻦ ﺑﺎﻟﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻧﺎﻇﺮٌ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﻌﺮﺍﺽ ﺧﺼﻮﺻﻴﺎﺕ ﻟﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﺴﻨﻲ، ﻻ ﺑﺘﺮﺍﺙ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ‏(ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻼﻡ ‏)، ﻭﻗﺪ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻨﺎﻳﺎ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﻳﺨﺺ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ‏(ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻼﻡ ‏) ﻟﺘﺨﺮﺝ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻭﺗُﻠﺼﻖ ﺑﺘﺮﺍﺛﻨﺎ ﻭﺗﺮﺍﺛﻬﻢ، ﻭﻳﺬﻫﺐ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ ﺑﺠﺮﻳﺮﺓ ﻏﻴﺮﻩ ﺣﺎﻣﻼً ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻭُﻟِّﺪﺕ ﻣﻦ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﺗﺮﺍﺙ ﻏﻴﺮﻩ !!
    ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ، ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ‏(ﺗﺴﺎﻗﻂ ﺍﻟﻀﻮﺍﺑﻂ ﻓﻲ ﻗﺒﻮﻝ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ‏) ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺃﻏﻠﺐ ﺍﻻﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﻭﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻀﻮﺍﺑﻂ ﺍﻟﻌﺸﺮﺓ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ، ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻭﺍﻟﺸﺎﻫﺪ ﻫﻮ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﺨﻄﻴﺐ ﺍﻟﺒﻐﺪﺍﺩﻱ ﻭﺍﺑﻦ ﺣﺠﺮ ﺍﻟﻌﺴﻘﻼﻧﻲ ﻭﺍﺑﻦ ﺍﻟﺼﻼﺡ ﻭﺍﻟﺴﻴﻮﻃﻲ ﺧﻼ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻧﻘﻠﻬﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻜﺎﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ، ﻓﻲ ﻇﻞ ﻏﻴﺎﺏ ﻛﻠﻤﺎﺕ ﻋﻠﻤﺎﺋﻨﺎ ﺍﻷﺑﺮﺍﺭ ‏(ﺭﺿﻮﺍﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ‏)، ﻓﻬﻞ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﻳﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺗﺮﺍﺙ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺃﻡ ﻓﻲ ﺗﺮﺍﺛﻨﺎ؟ ﺃﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﺍﺛﻴﻦ ﻣﻌﺎً؟ ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻳﺨﺺُّ ﺗﺮﺍﺙ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ‏(ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻼﻡ ‏) ﻓﻠﻢ ﺍﻻﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺑﺨﺼﺎﺋﺺ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﺴﻨﻲ؟ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻳﺨﺺ ﺍﻟﺘﺮﺍﺛﻴﻦ ﻣﻌﺎً ﻓﺄﻳﻦ ﺍﻻﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﻭﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺒﺤﺚ ﺑﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﺗﺮﺍﺙ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ‏(ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻼﻡ ‏)، ﻭﻟﻤﺎﺫﺍ ﻻ ﻳﺘﻢ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﺤﺜﻴﻦ، ﻻ ﺳﻴَّﻤﺎ ﺃﻥ ﻟﻜﻞ ﺗﺮﺍﺙ ﺧﺼﺎﺋﺼﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﺪﻭﻳﻦ، ﻭﺿﻮﺍﺑﻂ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ، ﻭﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻭﺍﻟﻜﺬﺏ، ﻭﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﻐﻠﻮّ ﻭﺍﻟﺒﺪﻋﺔ، ..ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺼﺎﺋﺺ ﺍﻟﻤﻨﻔﺮﺩﺓ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺧُﻠﻄﺖ ﻣﻌﺎً ﻓﻲ ﺃﺑﺤﺎﺙ ﺍﻟﺴﻴّﺪ ﺍﻟﺤﻴﺪﺭﻱ، ﻓﺎﻟﺒﺤﺚ ﻣﺘﻤﻴﺰ ﺑﺎﻟﻘﻔﺰ ﺗﺎﺭﺓً ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺴﻨﺔ، ﻭﺗﺎﺭﺓ ﺗﻄﺒﻴﻘﺎﺕ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ.
    ﻭﺑﻌﻴﺪﺍً ﻋﻦ ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺘﻔﺼﻴﻞ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺨﻠﻂ، ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺍﻟﻤﻘﺎﻻﺕ ﺳﻨﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻭﻫﺎﻡِ ﺍﻟﺴﻴّﺪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺُّ ﺍﻟﺘﺮﺍﺛﻴﻦ، ﻟﻴﻄَّﻠﻊ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﻭﻳﻌﻠﻢ ﺃﻥَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺑﺤﺎﺙ ﻟﻴﺴﺖ ﻧﺎﺿﺠﺔً ﺑﻤﺎ ﻳﻜﻔﻲ، ﻭﻻ ﺗﺼﻠﺢ ﻹﻇﻬﺎﺭ ﺻﻮﺭﺓ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺣﻮﻝ ﺗﺮﺍﺙ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ‏(ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻼﻡ ‏) ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﺴﻨﻲ ﺑﻞ ﻫﻲ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺃﻭﺭﺍﻕ ﻣﻀﻄﺮﺑﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺇﻻ ﺛﻤﺮﺓ ﺍﻻﺳﺘﻌﺠﺎﻝ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﺪﻗﻴﻖ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻓﻘﺪﺍﻥ ﺃﺑﺠﺪﻳﺎﺕ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﻘﺴﻤﻴﻪ ﺍﻟﺴﻨﻲ ﻭﺍﻟﺸﻴﻌﻲ، ﻭﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺧﻄﺎﺀ ﻻ ﻳﻘﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﺪﻋﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻘﻴﺢ ﺗﺮﺍﺙ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ‏( ﻉ ‏) ﻣﻦ ﺭﻛﺎﻡ ﺍﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺰﻋﻮﻣﺔ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺩﻭﻥ ﺗﻨﻔﻴﺬ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺰﺍﻋﻢ ﺧﺮﻁُ ﺍﻟﻘﺘﺎﺩ ﺃﺻﻼً!
    ﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﺪﻭﻳﻨﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ.
    ﺗﻜﻠَّﻢ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺪﺭﻱ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﺪﻭﻳﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺄﺧﺬ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻻﺻﻄﻼﺣﻲ ﻟﻜﺘﺎﺏ ﻣُﺼَﻨَّﻒٍ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ، ﻭﻗﺪ ﺃﻭﺭﺩﻫﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻠﻲ :
    ‏(1 ‏) ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻴﺮﻣﻮﻛﻴَّﺔ ﻟﻌﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﺍﻟﻌﺎﺹ ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴّﺪ ‏(1 ‏) : ‏( ﺇﻥَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔٌ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻨﻘﻮﻻﺕ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴَّﺔ، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺭﻭﺍﻳﺎﺕ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ، ﻭﺇﻧَّﻤﺎ ﺗﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﺧﺒﺎﺭ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ، ﻇﻔﺮ ﺑﻬﺎ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﻴﺮﻣﻮﻙ ﻭﺍﻟﻤﺴﻤﺎﺓ ﺑـ ‏( ﺍﻟﺰﺍﻣﻠﺔ ‏) ﺃﻭ ‏(ﺍﻟﻴﺮﻣﻮﻛﻴَّﺔ ‏) ﻭﻟﻜﻨَّﻬﺎ ﺻﺎﺭﺕ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﺎﺩﺓ ﺣﺪﻳﺜﻴﺔ ‏).
    ﻗﻠﺖُ : ﻗﺪ ﺧﻠﻂ ﺍﻟﺴﻴَّﺪ ﺑﻴﻦ ﺻﺤﻴﻔﺘﻲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ، ﻓﻈﻦَّ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻴﺮﻣﻮﻛﻴّﺔ، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻓﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻻﺛﻨﺘﻴﻦ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﻠﻮﻡ ﻟﺪﻯ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ. ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ، ﻭﻫﻲ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚٍ ﻛﺘﺒﻬﺎ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺒﻲ ‏( ﺹ ‏)، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺎﻝ ﻋﻨﻬﺎ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ
    ‏(2 ‏) : ‏(ﻣﺎ ﻳﺮﻏﺒﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺇﻻ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ ﻭﺍﻟﻮﻫﻂ، ﻓﺄﻣﺎ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ، ﻓﺼﺤﻴﻔﺔ ﻛﺘﺒﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ .. ﺇﻟﺦ ‏) ﻭﻣﺎ ﺭﻭﺍﻩ ﻣﺠﺎﻫﺪ ‏(3 ‏) : ‏(ﺭﺃﻳﺖ ﻋﻨﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻘﺎﻝ: ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ، ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻣﻦ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴﻨﻪ ﺃﺣﺪ ‏) ﻓﺈﻥ ﺻﺤَّﺖ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ ﺑﺨﻂ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻬﻲ ﻣﻤﺎ ﺭﻭﺍﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺍﻷﻛﺮﻡ ( ﺹ ‏) ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﺼﺢ ﻓﻼ ﻭﺟﻮﺩ ﻟﻬﺎ ﺃﺻﻼً، ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻟﻢ ﻧﺠﺪ ﺃﺣﺪﺍً ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻳﻘﻮﻝ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻭُﺟﺪﺕ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﻴﺮﻣﻮﻙ، ﺑﻞ ﻛﻠﻬﻢ ﻣﻄﺒﻘﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻧَّﻬﺎ ﻣﻨﻘﻮﻟﺔ ﻋﻦ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ‏( ﺹ ‏) ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻲﺀٌ ﻣﻦ ﺍﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻴﺎﺕ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﻠﻂ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﺴﻴّﺪ ﺍﻟﺤﻴﺪﺭﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﻤﻴّﺰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺘﻴﻦ.
    ﺃﻣَّﺎ ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﻴﺮﻣﻮﻛﻴَّﺔ ﻓﻬﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺟﺪﻫﺎ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﻴﺮﻣﻮﻙ، ﻭﻫﻲ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺗﺤﺘﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺃﺧﺒﺎﺭ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ، ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ‏(4 ‏) : ( ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﻗﺪ ﺃﺻﺎﺏ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻴﺮﻣﻮﻙ ﺯﺍﻣﻠﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻓﻜﺎﻥ ﻳﺤﺪﺙ ﻣﻨﻬﻤﺎ ‏) ﻭﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ ‏( 5 ‏) : ‏( ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﻭﺟﺪ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻴﺮﻣﻮﻙ ﺯﺍﻣﻠﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺤﺪﺙ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻛﺜﻴﺮﺍً ‏) ﻭﻟﺴﺖُ ﺑﺼﺪﺩ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﻭﺟﻮﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﻋﺪﻣﻪ - ﻣﻊ ﺃﻧﻨﺎ ﻧﻘﻮﻝ ﺑﻮﺟﻮﺩﻫﺎ - ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻧﺮﻳﺪ ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﻭﺻﻒ ﻛﻠﺘﺎ ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺘﻴﻦ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻧﺒﻮﻳﺔ ﺗﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﺼﺎﺩﻗﺔ ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻴﺔ ﻭﻟﻢ ﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﺣﺪ ﻟﻘﺐ ( ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ ‏)، ﻓﻜﻴﻒ ﺟﻌﻠﻬﻤﺎ ﺍﻟﺴﻴّﺪُ ﺍﻟﺤﻴﺪﺭﻱ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ؟! ﻭﻟﻌﻤﺮﻱ ﻛﻴﻒ ﺳﻴُﻨﻘّﺢ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﻣﻦ ﻣﺸﻮﺑﺎﺗﻪ ﻣﻦ ﻻ ﻳﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻜﻴﻒ ﺳﻴﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﻭﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﻭﻗﺘﺎً ﻭﻗﺪﺭﺍً ﻣﻦ ﺍﻹﻃﻼﻉ ﻟﻴﺘﺴﻨﻰ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻧﻘﺪﻫﺎ ﻭﺑﻴﺎﻥ ﺷﻮﺍﺋﺒﻬﺎ.
    ‏(2 ‏) ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﻨﺴﻮﺑﺔ ﻟﻺﻣﺎﻡ ﻋﻠﻲ ‏( ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ‏) : ﻭﻗﺪ ﺃﺷﺎﺭ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺇﻟﻰ ﺭﻭﺍﻳﺎﺕ ﻣﺤﺪﺛﻲ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﻴﻦ ﻛﺎﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ﻭﺍﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ ﻭﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻓﻲ ﻭﺻﻒ ﻣﻀﻤﻮﻧﻬﺎ ﻭﻣﺤﺘﻮﺍﻫﺎ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻛﺘﻔﻰ ﺑﺎﻹﺷﺎﺭﺓ ﻟﻮﺻﻔﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺮﺍﺙ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ‏(ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻼﻡ ‏) ﺑﺼﻴﻐﺔ ﺍﻟﺘﻤﺮﻳﺾ ﺑﻘﻮﻟﻪ ‏(6 ‏) : ‏( ﻭﻗﻴﻞ: ﻫﻲ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺗﺴﻤﻰ ﻓﻲ ﺗﺮﺍﺙ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ‏) ﻣﻊ ﺃﻥَّ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﺘﺒﺮٌ ﺟﺪﺍً، ﻭﻫﻲ ﻣﻦ ﺃﻗﻮﻯ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﻭﺃﻭﺿﺤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻥَّ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ‏( ﻉ ‏) ﻫﻮ ﺃﻭّﻝ ﻣﻦ ﺩﻭَّﻥ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻳﺘﻢ ﺗﺠﺎﻫﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻭﺍﻻﻧﺸﻐﺎﻝ ﺑﻤﺘﺎﺑﻌﺔ ﻣﺎ ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﻮﻥ ﺣﻮﻝ ﺻﻔﺔ ﻭﻣﻘﺪﺍﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺑﺨﺴﻮﻫﺎ ﺣﻘﻬﺎ ﻭﺣﺎﻭﻟﻮﺍ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﺑﺰﻋﻤﻬﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌُﻘَﻞ ‏( ﺍﻟﺪﻳﺎﺕ ‏) ﻭﻓﻜﺎﻙ ﺍﻷﺳﻴﺮ ﻭﻻ ﻳﻘﺘﻞ ﻣﺴﻠﻢ ﺑﻜﺎﻓﺮ، ﺃﻭ ﻓﺮﺍﺋﺾ ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ، ﻓﻘﻂ!!
    ﻭﺃﻣَّﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﻠﻮﻳّﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻋﻨﺪﻧﺎ، ﻓﻬﻲ ﻣﻤﺎ ﻛُﺘِﺐَ ﺑﺈﻣﻼﺀ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ‏( ﺹ ‏) ﻭﺑﺨﻂ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ‏( ﻉ ‏)، ﻭﻫﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔٌ ﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺤﻼﻝ ﻭﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺨﺘﺺُّ ﺑﺎﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ، ﻭﻣﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﻭﺻﻔﻬﺎ، ﻣﺎ ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﺼﻔَّﺎﺭ ﺑﺈﺳﻨﺎﺩٍ ﺻﺤﻴﺢ ‏(7 ‏) : ( ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻣﺤﺒﻮﺏ ﻋﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺭﺋﺎﺏ ‏[ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﻴﺪﺓ‏] ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺃﻧَّﻪُ ﺳﺌﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ، ﻗﺎﻝ : ﺗﻠﻚ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺳﺒﻌﻮﻥ ﺫﺭﺍﻋﺎً ﻓﻲ ﻋﺮﻳﺾ ﺍﻷﺩﻳﻢ ﻣﺜﻞ ﻓﺨﺬ ﺍﻟﻔﺎﻟﺞ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻗﻀﻴﺔ ﺇﻻ ﻭﻫﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺃﺭﺵ ﺍﻟﺨﺪﺵ ‏) ﻭﺃﻳﻀﺎً ﺑﺈﺳﻨﺎﺩٍ ﺻﺤﻴﺢ ‏(8 ‏) : ‏( ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻳﻌﻘﻮﺏ ﺑﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺍﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﻤﻴﺮ ﻋﻦ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺤﻤﻴﺪ ﻭﺃﺑﻰ ﺍﻟﻤﻌﺰﺍ ﻋﻦ ﺣﻤﺮﺍﻥ ﺑﻦ ﺃﻋﻴﻦ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺟﻌﻔﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻗﺎﻝ: ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺖ ﻛﺒﻴﺮ ﻭﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﺣﻤﺮﺍﻥ ﺇﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻃﻮﻟﻬﺎ ﺳﺒﻌﻮﻥ ﺫﺭﺍﻋﺎً ﺑﺨﻂ ﻋﻠﻲ ﻭﺇﻣﻼﺀ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻟﻮ ﻭﻟﻴﻨﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﺤﻜﻤﻨﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﺃﻧﺰﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻢ ﻧﻌﺪُ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ‏).
    ‏(3 ‏) ﺛﻢ ﺃﺩﺭﺝ ﺍﻟﺴﻴِّﺪ ﻋﺪﺩﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺿﻤﻦ ﻋﻨﻮﺍﻥ (ﻭﺛﺎﺋﻖ ﺃﺧﺮﻯ ‏) ﻣﺼﻨﻔﺎً ﻛﺘﺎﺏ ﺃﺑﻲ ﺭﺍﻓﻊ ﻣﻮﻟﻰ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ‏( ﺹ ‏) ﻛﺼﺤﻴﻔﺔ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﺪﻭَّﻧﺔ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻧَّﻪ ﺃﻭﻝُ ﻛﺘﺎﺏ ﻓﻘﻬﻲ ﻳﺼﻨﻒ ﺑﻴﺪ ﺃﺣﺪ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ‏( ﻉ ‏)، ﻭﻫﻮ ﻛﺘﺎﺏ ﻳﺸﻤﻞ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﻓﻘﻬﻴﺔ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﻛﺎﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﻭﺍﻟﺤﺞ ﻭﺍﻟﺰﻛﺎﺓ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺀ، ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﻨﺠﺎﺷﻲ ‏(9 ‏): ‏( ﻭﻷﺑﻲ ﺭﺍﻓﻊ ﻛﺘﺎﺏُ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﻭﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ‏) ﻓﻬﻞ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻳﺼﻨﻒ ﺿﻤﻦ ‏( ﻭﺛﺎﺋﻖ ﺃﺧﺮﻯ ‏) ﻛﺼﺤﻴﻔﺔ ﻋﺎﺩﻳّﺔ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺨﺼﺺ ﻋﻨﻮﺍﻥٌ ﻋﺮﻳﺾ ﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ، ﻓﺄﻳﻦ ﺍﻹﻧﺼﺎﻑ ﻓﻲ ﻋﺮﺽ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺗﺮﺍﺙ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ‏(ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻼﻡ ‏) ؟! ﻭﺟﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ ﺃﻧﻪ ﺗﻢ ﺗﻐﻴﻴﺐ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺪﻭَّﻧﺎﺕ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﺻﺪﺭ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻛﺘﺎﺏ ﻋﻬﺪ ﺍﻷﺷﺘﺮ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻭﻳﻪ ﺍﻷﺻﺒﻎ ﺑﻦ ﻧﺒﺎﺗﺔ ‏( 10 ‏)، ﻭﻛﺘﺎﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﻟﻌﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺭﺍﻓﻊ ‏(11 ‏)، ﻭﻛﺘﺎﺏ ﻓﻲ ﺯﻛﻮﺍﺕ ﺍﻷﻧﻌﺎﻡ ﻟﺮﺑﻴﻌﺔ ﺑﻦ ﺳﻤﻴﻊ ‏(12 ‏)، ﻭﺃﺻﻞ ﻇﺮﻳﻒ ﺑﻦ ﻧﺎﺻﺢ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺑﺎﻷﺻﻞ ﻛﺘﺎﺏٌ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﺎﺕ ﻷﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ‏( ﻉ ‏) ﻭﺭﻭﺍﻩ ﻋﻨﻪ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ‏(13).
    ﻓﻬﻞ ﻣﺎ ﺧﻄَّﻪ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺪﺭﻱ ﻓﻌﻼً ﻫﻮ ﺍﺳﺘﻌﺮﺍﺽ ﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺗﺮﺍﺙ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ‏(ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻼﻡ ‏) ﺃﻡ ﻫﻮ ﺍﺳﺘﻌﺮﺍﺽ ﻟﻤﺰﺍﻳﺎ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﺴﻨﻲ؟ ﻭﻛﻴﻒ ﺳﻴﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﺗﺮﺍﺛﻨﺎ ﺇﺫﺍ ﺑﻘﻲ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﺴﻨﻲ ﻓﻲ ﻓﻲ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺍﻻﺳﺘﻌﺮﺍﺽ ﻣﺘﺼﺪﺭﺍً؟
    ﺇﻥَّ ﺍﻟﺘﺪﻭﻳﻦ ﻓﻲ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺑُﺪﺉ ﺑﻴﺪ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ‏( ﻉ ‏) ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ، ﻭﺍﺳﺘﻤﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﻴﻦ ﺃﺗﺒﺎﻉ ﺍﻷﺋﻤﺔ ‏( ﻉ ‏) ﻣﻊ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﻭﺍﻟﻘﻠَّﺔ ﺗﺒﻌﺎً ﻟﻠﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﻀﻐﻮﻁ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻮﺍﺟﻬﻮﻧﻬﺎ ﺁﻧﺬﺍﻙ، ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﺑﻦ ﺷﻬﺮ ﺁﺷﻮﺏ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻣﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ : ‏(ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﺃﻥ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﺻﻨﻒ ﻓﻴﻪ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺟﻤﻊ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞ ﺟﻼﻟﻪ، ﺛﻢ ﺳﻠﻤﺎﻥ ﺍﻟﻔﺎﺭﺳﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﺛﻢ ﺃﺑﻮ ﺫﺭ ﺍﻟﻐﻔﺎﺭﻱ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ، ﺛﻢ ﺍﻷﺻﺒﻎ ﺑﻦ ﻧﺒﺎﺗﺔ، ﺛﻢ ﻋﺒﻴﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺭﺍﻓﻊ ﺛﻢ ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻋﻦ ﺯﻳﻦ ﺍﻟﻌﺎﺑﺪﻳﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ‏).
    ﻣﻊ ﺫﻟﻚ، ﻓﺈﻥَّ ﺗﺮﺍﺙ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﻌﺘﺮﺓ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﺓ ﻟﻢ ﻳﺨﻀﻊ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﻀﻊ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﺨﻂ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻒ ﺣﻴﺚُ ﺗﺄﺛﺮﺕ ﻋﻨﺪﻩ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺚ ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺪﻭﻳﻦ ﺑﻌﺪ ﻭﻓﺎﺓ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ‏( ﺹ ‏) ﺑﻀﻐﻮﻃﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺤُﻜَّﺎﻡ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﺎﻫﻤﻮﺍ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺚ ﻭﺍﻟﺘﺪﻭﻳﻦ ﻣﻌﺎً، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﻜﺎﻥ ﻻ ﺑُﺪَّ ﻣﻦ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺗﻘﺪُّﻡ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﺪﻭﻳﻦ ﻓﻲ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ‏(ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻼﻡ ‏) ﺭﺗﺒﺔ ﻭﺯﻣﺎﻧﺎً، ﻭﻋﺪﻡ ﺗﺄﺛﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﻌﻘﺒﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻘﻴﻴﺪﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﺮﺿﺘﻬﺎ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﺕ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﺔ ﺑﺨﻼﻑ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴّﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ.
    ﺃﻣَّﺎ ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻷﻭﻫﺎﻡ ﻓﺴﻴﺄﺗﻲ ﺑﻴﺎﻧﻬﺎ، ﻭﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﺑﻘﻴَّﺔ ..
    ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺟﻮﺍﺩ
    ﻗﻢ ﺍﻟﻤﻘﺪَّﺳﺔ - ‏(ﻋُﺶُّ ﺁﻝِ ﻣُﺤَﻤَّﺪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻼﻡ‏) .
    ﺍﻹﺛﻨﻴﻦ، 9 ﺫﻭ ﺍﻟﻘﻌﺪﺓ 1436 ﻫـ 24 / ﺃﻏﺴﻄﺲ .2015
    https://twitter.com/ejawad91
    ----------------------
    (1 ‏) ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺙ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺸﺄﺓ ﻭﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ، ﺹ .26
    ‏(2 ‏) ﺳﻨﻦ ﺍﻟﺪﺍﺭﻣﻲ، ﺭﻗﻢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ 513، ﺗﺤﻘﻴﻖ : ﺣﺴﻴﻦ ﺳﻠﻴﻢ ﺃﺳﺪ، ﺩﺍﺭ
    ﺍﻟﻤﻐﻨﻲ ﻟﻠﻨﺸﺮ ﻭﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻊ – ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ، ﻁ .1
    ‏(3 ‏) ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ، ﺝ2 ، ﺹ 373، ﺗﺤﻘﻴﻖ : ﺇﺣﺴﺎﻥ ﻋﺒّﺎﺱ، ﺩﺍﺭ ﺻﺎﺩﺭ
    – ﺑﻴﺮﻭﺕ.
    ‏(4 ‏) ﻣﺠﻤﻮﻉ ﺍﻟﻔﺘﺎﻭﻯ، ﺝ 13، ﺹ 366، ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻣﺠﻤﻊ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻓﻬﺪ –
    ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ، 1425 ﻫـ - 2004ﻡ .
    ‏(5 ‏) ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ، ﺝ3، ﺹ 546، ﺗﺤﻘﻴﻖ : ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﺤﺴﻦ ﺍﻟﺘﺮﻛﻲ،
    ﺩﺍﺭ ﻫﺠﺮ، ﻁ 1، 1997ﻡ .
    ‏(6 ‏) ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺙ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺸﺄﺓ ﻭﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ، ﺹ .28
    ‏(7 ‏) ﺑﺼﺎﺋﺮ ﺍﻟﺪﺭﺟﺎﺕ، ﺝ1 ، ﺹ 266 ، ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﻬﺪﻱ
    ‏(ﻋﺞ ‏) – ﻗﻢ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ.
    ‏(8 ‏) ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ، ﺝ1، ﺹ .267-266
    ‏(9 ‏) ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﻨﺠﺎﺷﻲ، ﺭﻗﻢ ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ 1 ، ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺁﻳﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﻣﻮﺳﻰ
    ﺍﻟﺸﺒﻴﺮﻱ ﺍﻟﺰﻧﺠﺎﻧﻲ، ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻴﻦ
    ﺑﻘﻢ ﺍﻟﻤﺸﺮﻓﺔ، ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ، 1432 ﻫـ .
    ‏(10 ‏) ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﻨﺠﺎﺷﻲ، ﺭﻗﻢ ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ .5
    ‏(11 ‏) ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﻨﺠﺎﺷﻲ، ﺭﻗﻢ ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ .2
    ‏(12 ‏) ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﻨﺠﺎﺷﻲ، ﺭﻗﻢ ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ .3
    ‏(13 ‏) ﺍﻧﻈﺮ : ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻣﺮﺁﺓ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻟﻠﺴﻴﺪ ﻣﺮﺗﻀﻰ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ، ﺝ2، ﺹ 359، ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ : ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴَّﺔ – ﻃﻬﺮﺍﻥ، 1363 ﻫـ ﺵ، ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ .


    المصدر:
    https://mhedaiat.blogspot.in/2015/08...st_14.html?m=1

  • #2
    الموروث الروائي بين الحقيقة ووهم النقد العلمي - (الحلقة الثّانية)

    الموروث الروائي بين الحقيقة ووهم النقد العلمي - (الحلقة الثّانية)


    بسم الله الرحمن الرحيم

    إسلام محوريّة الثقلين
    { الموروث الروائي بين الحقيقة ووهم النقد العلمي }
    الحلقة الثانية



    بحث حول حديث (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج).

    قال السيّد كمال الحيدري (1) :
    (وتُنسبُ هذه الوثيقة إلى الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص، راوي الخبر التاريخي المزيَّف الذي منح الأمويين فرصةً عظيمة في تربية الأمة على الإسرائيليات، وهو عن حسان بن عطيّة، عن أبي كبشة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّ النبي صلى الله عليه وآله قال : حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج).
    وهنا قد حاد السيد عن الصواب، وجازف بتقديم نتائج سقيمة بلا أي دليل، فكان هذا الوهم من أعجب الأوهام التي تثير الاستغراب، والحديث هنا عن مسألتين:

    المسألة الأولى :
    وهي اتّهام عبد الله بن عمرو بن العاص بوضع الحديث حيث قال إنَّه هو راوي هذا الخبر المزيّف، وهذا كلامٌ غير دقيق من وجهين:
    الوجه الأوّل : أن الخبرَ رواه غيره من الصحابة، ومنهم :
    أبو هريرة : فقد روى أحمد في مسنده (2) : (حدثنا يحيى، عن محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج )، وقال المحقق شعيب الأرناؤوط : (صحيحٌ لغيره، وهذا إسنادٌ حسن).
    أبو سعيد الخدري : روى أحمد في مسنده (3) : (حدثنا عبد الصمد، حدثنا همام، حدثنا زيد، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حدثوا عني ولا تكذبوا علي، ومن كذب علي متعمداً فقد تبوأ مقعده من النار، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) وقال المحقق شعيب الأرناؤوط: (إسناده صحيح على شرط الشيخين)، والخبر مروي عند غير واحدٍ من الحُفَّاظ والمحدثين العامَّة بطرقٍ معتبرة.
    فمن أين يجزمُ السيَّد الحيدري أن هذا الخبر إنَّما جاء موضوعاً من جهة عبد الله بن عمرو بن العاص، ولم لا يكون أبو هريرة أو أبو سعيد الخدري من وضعه؟! بل لو فرضنا أنّه موضوع فلم لا يُحتمل أنَّه موضوع على أبي هريرة أو أبي سعيد الخدري أو عبد الله؟ وأين القرائن والأدلَّة على هذه المزاعم؟! لا يوجد مطلقاً !
    الوجه الثاني: أن هذا الخبر قد روي من طرق مدرسة أهل البيت (ع):
    (1) روى الشيخ الكشّي بسند صحيح (4) : (محمد بن مسعود، قال حدثنا عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي قال: حدثني الحسن بن علي الوشاء، عن محمد بن حمران، قال : حدثني زرارة قال ، قال لي أبو جعفر عليه السلام: حدث عن بني إسرائيل ولا حرج ..).
    (2) روى الشيخ الصفار بسندٍ صحيح (5) : (حدثنا يعقوب بن يزيد عن الحسن بن علي الوشا عن محمد بن حمران قال: حدثنا زرارة قال : قال أبو جعفر عليه السلام حدث عن بني إسرائيل يا زرارة ولا حرج ..).
    فهل هذا أيضاً مما وضعه عبد الله بن عمرو بن العاص؟! أم سيتوغّل السيد في تقديم المزيد من الادّعاءات ليقول أنّه مما تسرب من عبد الله ورواة السنة إلى زرارة بلا أي دليل ولا برهان يُطمئن إليه؟!!

    المسألة الثانية :
    وهي الحكم على الحديثِ بأنَّه موضوع، دون الالتفات إلى ما يُمكن أن يُحتَمل من معانٍ في حقّ هذا الحديث، وهنا يمكننا أن نذكر احتمالین في معناه :
    الاحتمال الأوّل : هو أن يكون المقصد منه الدعوة إلى نقل أخبار وأحاديث بني إسرائيل من كتبهم والتحديث بها بين أوساط المسلمين، وهذا الاحتمال باطلٌ معارضٌ بالعديد من الأدلّة، منها :
    الدليل الأوّل : أنَّ القرآن الكريم قد كذَّب أهل الكتاب وصرّح بأنهم يفترون على الله، قال تعالى (6) : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا)، فكيف يجوّزُ المعصوم (ع) النقل عنهم وفتح الباب على مصراعيه لورود مكذوبات اليهود والنصارى على المسلمين؟!
    الدليل الثاني: ما أكّد عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من انحصار العلم الصحيح بهم، وأنَّ الحق لا يصدر إلا عن مشكاة أهل بيت النبوة، فقد روى الشيخ الكليني بسنده عن الباقر (ع) قوله لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة (7): (شرقا وغربا فلا تجدان علماً صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت) فلا يُعقل أن يحثوا الآخرين على نقل العلوم الأخرى التي سقيمها غالبٌ على صحيحها.
    الدليل الثالث: إنَّ أئمة أهل البيت عليهم السلام كانوا يتصدّون لمفتريات أهل الحديث من العامة ومن ضمنهم رواة الإسرائيليات، ويردّون على مفتريات اليهود من الإسرائيليات، فكيف يحثون المسلمين على رواية أخبار بني إسرائيل وهم أصلاً يعملون على مناقشة هذه الأخبار ونقضها وإبطالها؟! ومستند هذا الدليل معلومٌ لمن تصفَّح أخبارنا ورواياتنا، وبعداً عن عدم تقديم الدليل، وتجنباً للإطالة أذكر بعض النماذج اليسيرة التي تبيّن هذه الحالة التي وصفناها.
    (أ) روى الكليني بسنده عن الرضا (ع) (8) : (أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى قال : سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي الحسن الرضا عليه السلام فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والأحكام، حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد فقال أبو قرة : إنا روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين فقسم الكلام لموسى ولمحمد الرؤية .. إلخ) وذكر نقض الرضا (عليه السلام) لهذه الرواية.
    (ب) وبنفس السند (8) قال أبو قرة للرضا (ع) : ( فتكذب بالرواية التي جاءت أن الله إذا غضب إنما يعرف غضبه أن الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم، فيخرون سجداً، فإذا ذهب الغضب خف ورجعوا إلى مواقفهم ؟ فقال أبو الحسن عليه السلام ... إلخ).
    (ج) روى الكليني بسنده عن الكاظم (ع) (9) : (محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن عباس الخراذيني عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا. فقال : إن الله لا ينزل ولا يحتاج إلى أن ينزل ... إلخ).
    (د) روى الكليني بسنده عن أبي حمزة الثمالي (ع) (10) : (رأيت علي بن الحسين (عليهما السلام ) قاعداً واضعاً إحدى رجليه على فخذه. فقلت : إن الناس يكرهون هذه الجلسة ويقولون : إنها جلسة الرب، فقال : إني إنما جلست هذه الجلسة للملالة والرب لا يمل ولا تأخذه سنة ولا نوم).
    (هـ) روى بسنده عن داود الرقي (11) : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل : وكان عرشه على الماء فقال ما يقولون ؟ قلت : يقولون : إن العرش كان على الماء والرب فوقه، فقال : كذبوا، من زعم هذا فقد صير الله محمولاً ...إلخ الرواية).
    (و) روى بسنده عن زرارة (12) : (عن زرارة قال : كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر (عليه السلام) وهو محتبٍ مستقبل الكعبة، فقال: أما إن النظر إليها عبادة فجاءه رجل من بجيلة يقال له: عاصم بن عمر فقال لأبي جعفر (عليه السلام) : إن كعب الأحبار كان يقول: إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : فما تقول فيما قال كعب؟ فقال: صدق، القول ما قال كعب. فقال أبو جعفر (عليه السلام) : كذبت وكذب كعب الأحبار معك وغضب).
    فهذه النماذج من الروايات التي أوردناها مشيرةٌ إلى منهج الأئمة (عليهم السلام) في محاربة الإسرائيليات وأكاذيب أهل الكتاب، فكيف يمكن أن يُحمل قولهم (حدّث عن بني إسرائيل) على نقل أخبارهم ورواياتهم التي لا تحتوي غالباً إلا على ما هو باطل وفاسد ومناقض للقرآن والعقل القطعيّ؟!
    ويمكن أن يُستدلّ للعامة في نفي هذا الاحتمال، بما رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن جابر بن عبد الله الأنصاري في حديثٍ معتبر (13)، قال: (حدثنا هشيم، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر: أن عمر بن الخطاب، أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقال: يا رسول الله، إني أصبت كتاباً حسناً من بعض أهل الكتاب، قال: فغضب وقال: «أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، فوالذي نفسي بيده، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده، لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني») فهذا يعني أنّ النبي (ص) كان يدعو لمحاربة الكتب الإسرائيلية، ويمنع من انتشار أكاذيبها بين المسلمين، لا سيّما أنهم حديثو عهدٍ بالإسلام، بل كان هذا منهج بعض الصحابة كابن عباس، فقد روى البخاري عنه (14): ( يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب، وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله، تقرءونه لم يشب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب، فقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم، ولا والله ما رأينا منهم رجلاً قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم) وقد روى الحافظ الدارمي في سننه عن ابن مسعود، قال (15) : (أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، حدثنا أبو زبيد، حدثنا حصين، عن مرة الهمداني، قال: جاء أبو قرة الكندي بكتاب من الشام، فحمله فدفعه إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فنظر فيه فدعا بطست، ثم دعا بماء فمرسه فيه، وقال: «إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم الكتب وتركهم كتابهم» قال: حصين فقال مرة: أما إنه لو كان من القرآن أو السنة لم يمحه، ولكن كان من كتب أهل الكتاب) قال المحقق حسين سليم أسد : (إسناده صحيح).
    وبهذا يتضح أن هذا الاحتمال ساقط ولا يمكن التعويل عليه. نعم، قد حاول بعض علماء العامة الاستدلال به على جواز رواية الإسرائيليات -على تفصيلٍ-، وفيما تقدَّم كفاية لإبطال ما زعموه.

    الاحتمال الثاني : وهو أن يكون المراد من الحديث (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) أي تكلموا عن بني إسرائيل وقصصهم لما في ذلك من العظة، وقد يكون مصدر التحديث إما الكتب والروايات الإسرائيلية وهذا ممنوع بما ذكرناه آنفاً، وإمّا القرآن والسنة النبوية المعتبرة وهو المطلوب، وبهذا يكون المعنى : حدثوا الناس عن بني إسرائيل بما جاء من الحق، وهذا الوجه موافق للمنهج القرآني، حيث أكثر القرآنُ الكريم من القصص والحديث عن أخبار بني إسرائيل بشكل واضح، وبهذا يظهر أن هذا الحديث هو لدعوة لتوجيه الناس للتحدث عن بني إسرائيل وقصصهم وأخبارهم لما فيها من العبرة والعظة والدليل في العديد من المسائل، وإننا نجد في البحث العقائدي مثلاً استدلالات متعددة بقصص بني إسرائيل في أبحاث الإمامة والخلافة والغيبة والعصمة والرجعة وما سيكون في هذه الأمة من الابتلاء نظير ابتلاءات بني إسرائيل ..إلخ، بل قد استفاضت الأخبار أنّ هذه الأمة تسير مسار بني إسرائيل حذو القذة بالقذة، وفي معرفة فتن وابتلاءات وانحرافات بني إسرائيل فوائد كثيرة على المستوى العقائدي والإيماني، وهذا التوجيه يتناغم مع فلسفة القرآن الكريم في تعاطيه مع قضايا بني إسرائيل، إذ لا يمكن أن يُكثر منها حاشداً الفوائد والعظات في مقابل إهمال ذلك عملياً من قبل المسلمين، فكثرة الكمّ النظري لا بُدَّ أن يقابله كثرة عملية في أوساط المسلمين، لتتم الاستفادة من القرآن الكريم بأتم وجه.
    وهذا التفسير ليس بمستهجنٍ في اللغة، فيقال مثلاً : (حدثت أبي عن طلاب المدرسة) أي أخبرته عنهم وعن أحوالهم وأمورهم وما يتعلق بهم، ولهذا حمل التحديث على الحكاية عنهم لا الرواية عن كتبهم صحيح موافق للّسان العربي.
    ويؤيد هذا كله، ما رواه الشيخ الصدوق بسنده (16) : (عن عبد الأعلى بن أعين، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك حديث يرويه الناس أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : حدث عن بني إسرائيل ولا حرج قال : نعم، قلت : فنحدث عن بني إسرائيل بما سمعناه ولا حرج علينا؟ قال: أما سمعت ما قال: كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ؟ فقلت : فكيف هذا ؟ قال : ما كان في الكتاب أنه كان في بني إسرائيل فحدث أنه كائن في هذه الأمة ولا حرج).
    فالإمام الصادق (عليه السلام) في هذه الرواية يطرحُ مطلباً دقيقاً، من حيث الحكم بجواز الحديث عن بني إسرائيل، ولكن ليس بكل ما يسمعه المرء لئلا يختلط المكذوب بما جاء من الحق، فالإمام (ع) يؤسس لمنهج الفصل بين ما هو مجعول وضعيف وبين ما هو صحيح مقطوع بكونه من الحق تعالى، ولهذا قال لصاحبه : (أما سمعت ما قال: كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع؟)، ثم يوضح الإمام منابع التحديث عن بني إسرائيل، فيقول : (ما كان في الكتاب أنَّه كان في بني إسرائيل فحدّث أنه كائن) لأن القرآن الكريم طافحٌ بالقصص القرآني المقطوع بصحته عن بني إسرائيل، ومحتوٍ على مضامين ونكات كثيرة يمكن الاستفادة منها في أبحاث معرفيّة وغير ذلك، وقد قال بذلك بعض علماء العامّة، فقد قال الحافظ ابن حبَّان (17) : (وقوله صلى الله عليه وسلم: «وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» أمر إباحة لهذا الفعل من غير ارتكاب إثم يستعمله، يريد به حدثوا عن بني إسرائيل ما في الكتاب والسنة من غير حرج يلزمكم فيه).
    وهذا هو الوجه الصحيح في فهم هذا الحديث، ولهذا فإن التسرّع برمي الحديث بالوضع نابعٌ من قلة تتبع منابعه وطرقه، وعدم تأمل مضامينه ومعانيه المحتملة، وأنى لحديثٍ أن يُحكم عليه بالوضع ولا دليل يدلُّ على ذلك إلا احتمال واحد في تفسير معناه، وهذا الاحتمال فاسد وقد تقدّم إبطاله، وإنما يُقطع بجعل الحديث إذا لم يبقَ أي احتمال مقبول في تفسيره، وإلا فرمي الأحاديث بالوضع بهذه الصورة عبثٌ محض كاشفٌ عن قلّة التتبع والتأمُّل، ولا يمكن أن يصدر مثل هذا عن أهل التحقيق والمعرفة، فإذا كان السيّد الحيدري قد قدّم نفسه منقحاً للتراث، مصححاً للمفاهيم التراثية والفكرية فلا بُدَّ أن يُقدِّم أدلةً صحيحة معتبرة، لا أن يوزع الادّعاءات بلا براهين توضّح مدى صحتها، فإنَّ التراث الإسلامي الذي ورثناه عن أهل البيت (عليهم السلام) ليس من السهل أن يتم تسقيطه بهذه السهولة لأننا نرى أن تراثنا هو بحر زاخر بالكنوز المعرفيّة، ولا يمكننا التساهل بإسقاط رواية منه بلا دليل ولا برهانٍ صحيح. نعم، لا نقول أن تراثنا خالٍ تماماً من المرويات غير المقبولة، ولكن بنفس الوقت نطالب بالتحقيق الجدّي والعلمي في مسائل التراث بإظهار الأدلة والبراهين المعتبرة لا بالاكتفاء بتقديم التُهم والادعاءات، والله الموفق والهادي إلى الصراط المستقيم.

    إبراهيم جواد
    قم المقدَّسة - (عُشُّ آلِ مُحَمَّد عليهم السلام).
    الأربعاء، 10 ذو القعدة 1436 هـ / 26 أغسطس 2015.
    https://twitter.com/ejawad91

    --------------
    (1) الموروث الروائي بين النشأة والتأثير، ص 27.
    قد يُقال : ( إنّ السيد يقصد أنَّ الخبر موضوع، ولعله لا يقصد أنَّ عبد الله واضعه) ويُقال في الجواب: (إن نعته لعبد الله بأنه هو راوي الخبر المزيف، يلزم منه أن يكون هو من وضعه، وإلا لو كان موضوعاً على عبد الله لما جاز أن يقول عنه بأنه راويه لأنه بريء منه بل هو منحولٌ عليه، فتأمّل).
    (2) مسند أحمد، ج16، ص 125، رقم الحديث 10130، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الناشر : مؤسسة الرسالة - بيروت.
    (3) مسند أحمد، ج18، ص19، رقم الحديث 11424.
    (4) رجال الكشي، ص 235، رقم الرواية 260، تحقيق: محمد تقي فاضل الميبدي وأبو الفضل موسويان، الناشر: وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي - مؤسسة الطباعة والنشر، طهران 1382 هـ ش.
    (5) بصائر الدرجات، ج1، ص 429، تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي (عج) بقم المقدسة، الطبعة الأولى.
    (6) سورة البقرة، الآية 79.
    (7) الكافي، ج2، ص 328، تحقيق ونشر : مؤسسة دار الحديث، قم المقدسة، الطبعة الثالثة.
    (8) المصدر السابق، ج1، ص 238.
    (9) المصدر السابق، ج1، ص 310 -311.
    (10) المصدر السابق، ج4، ص 741.
    (11) المصدر السابق، ج1، ص 325.
    (12) المصدر السابق، ج8، ص 146-147.
    (13) مصنف ابن أبي شيبة، ج5، ص 312، تقديم وضبط : المحقق كمال الحوت، الناشر : دار التاج - بيروت، الطبعة الأولى 1989م. وقد حسّن الحديث الشيخ الألباني في كتابه : إرواء الغليل، رقم الحديث 1589. وفي تحقيقه لمشكاة المصابيح، رقم الحديث 177.
    (14) صحيح البخاري، رقم الحديث 2685، الناشر: المطبعة السلفية - القاهرة، الطبعة الأولى بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، 1400 هـ .
    (15) سنن الدارمي، رقم الحديث 494، تحقيق: حسين سليم أسد، دالناشر: دار المغني للنشر والتوزيع- المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 2000م.
    (16) معاني الأخبار، ص 261، تحقيق : علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة السادسة، 1431 هـ .
    (17) صحيح ابن حبان، ج14، ص 149-150، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة- بيروت، الطبعة الثانية، 1993م.

    تعليق


    • #3
      فعلاً , يهاجمون التراث لمخالفينا ثم يقولون أن هذا يدل على أهمية تنقيح تراثنا مع أن العلماء نقّحوه مسبقاً في أزمان بعيدة !

      تعليق


      • #4
        الموروث الروائي بين الحقيقة ووهم النقد العلمي - (الحلقة الثالثة)

        الموروث الروائي بين الحقيقة ووهم النقد العلمي - (الحلقة الثالثة)


        بسم الله الرحمن الرحيم

        إسلام محوريّة الثقلين

        { الموروث الروائي بين الحقيقة ووهم النقد العلمي }
        الحلقة الثالثة





        هل اتّهم ابنُ كثير عبدَ الله بن عمرو في نقله؟!


        قد أشار السيد الحيدري إلى أنَّ الحافظ ابن كثير قد اتّهم عبد الله بن عمرو بن العاص في نقله، والسبب في هذا الاشتباه الفظيع هو أنَّ السيد قد غفل عن المبنى الذي كان يتكلّم على أساسه ابن كثير، فظنّ أنّه يطعن في عبد الله بن عمرو، ولهذا فقد رأيتُ أن أحرر الكلام في هذا المبنى عند العامّة وأبين الفرق الشاسع بين ما يقوله ويعتقده ابن كثير وبين ما نسبه السيد الحيدري له لعدم إحاطته بتلك المباني والقواعد الحديثية، ومن خلال البحث سوف تتشكل الصورة بشكل أوضح عند القارئ المنصف حول قصور إحاطة السيّد بتلك المباني والقواعد والتي تمسّ أبحاث التراث الإسلامي وكذلك سيعرف القارئ مدى دقّة ما يُطرح في هذه المسائل البسيطة، ليتصوّر ماذا يمكن أن يحصل من اشتباهات بل جناياتٍ بحق تراث أهل البيت عليهم السلام إذا ما تم الكلام في ما هو أعمق وأعقد.

        جاء في كتابه، كما يلي (1) :

        [ حتَّى أنّ ابن كثير الدمشقيّ الأمويّ الهوى والصنعة كان يتّهم عبد الله بن عمرو في نقله ،فيقول في نقله للخبر الإسرائيلي (يهبط الله عزوجل حين يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجابٍ، منها النور والظلمة، فيضرب الماء في تلك الظلمة صوتاً تنخلع له القلوب فيضرب الماء في تلك الظلمة صوتاً تنخلع له القلوب) : « وهذا موقوفٌ على عبد الله بن عمرو من كلامه، ولعلّه من الزاملتين، والله أعلم». (تفسير القرآن العظيم، لإسماعيل بن كثير الدمشقيّ، دار المعرفة، بيروت : ج3، ص 328 ].


        والكلام حول موقف العامّة عموماً وابن كثير خصوصاً من رواة الإسرائيليات كعبد الله بن عمرو بن العاص فيه تفصيلٌ دقيق لم يلتفت إليه السيد، ولهذا أطلق هذا الادعاء كالعادة بدون تتبع الأقوال بتمحيص وتفحّص، ولأجل الإيضاح نقول:

        إنَّ موقف العامة من الصحابة معلوم، فهم قائلون بعدالتهم وقبول رواياتهم المرفوعة (2) جميعاً، بمن فيهم الذين اشتهروا برواية الإسرائيليات كأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص، ولكن في خصوص أحاديثهم الموقوفة (3)، فهناك تفصيل على النحو التالي:

        (1) إذا جاء الحديث موقوفاً على صحابي، وهذا الصحابي ليس من المشتهرين برواية الإسرائيليات كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأبي ذر الغفاري (رضي الله عنه)، ومتن الرواية مما لا يُقال فيه بالرأي والاجتهاد، فهذه الرواية تأخذُ حكم المرفوع إلى النبي (صلى الله عليه وآله).

        (2) إذا جاء الحديث موقوفاً على صحابي، وهذا الصحابي من المشتهرين برواية الإسرائيليات كأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص، فيُتوقف في الرواية لا طعناً في الصحابي ولا اتّهاماً له، بل للشك في مصدرها، أهي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أم عن رواة الإسرائيليات مثل كعب الأحبار وكتب أهل الكتاب، وهذا ما دفع بابن كثير للتوقف في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص التي ذكرها السيّد ونقل بعدها قول ابن كثير : (ولعلّه من الزاملتين) أي الصحيفة اليرموكيّة التي تقدّم ذكرها في الحلقة الأولى.

        فالخلاصة، إن علماءَ العامة يفرقون بين مرفوعاتهم وموقوفاتهم فلو جاء راوٍ من الصحابة وقد اشتهر بنقل الإسرائيليات كعبد الله بن عمرو مثلاً ونقل رواية مرفوعة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فإنّهم لا يتهمونه في النقل مطلقاً إذا ثبتت تلك الرواية عنه، بل يصححون نقله ولا يتهمونه، أما إذا ثبت عنه كلامٌ موقوف في خصوص الغيبيات التي لا يُقال فيها بالرأي والاجتهاد فإنَّهم لا يتهمونه أيضاً، بل غاية ما في الأمر يتوقفون في ذلك النقل خشيةَ أن يكون أخذه عن الإسرائيليات لا سماعاً عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبالتالي لا يأخذ قوله حكم الحديث المرفوع، وإليك بعض أقوال علمائهم في هذا الشأن :

        1 - الحافظ ابن حجر العسقلاني (4) :

        (ومثال المرفوع من القول حكماً لا تصريحاً: أن يقول الصحابي الذي لم يأخذ عن الإسرائيليات ما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا له تعلق ببيان لغة أو شرح غريب، كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وأخبار الأنبياء أو الآتية كالملاحم والفتن وأحوال يوم القيامة.

        وكذا الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص.

        وإنما كان له حكم المرفوع؛ لأن إخباره بذلك يقتضي مخبراً له، وما لا مجال للاجتهاد فيه يقتضي موقفاً للقائل به، ولا مُوقِفَ للصحابة إلا النبي، أو بعض من يخبر عن الكتب القديمة، فلهذا وقع الاحتراز عن القسم الثاني).

        2 - قال الإمام ابن الحنبلي (5) :

        (وأما مثال المرفوع حكماً فمن القول أن يقول الصحابي الذي لم يأخذ عن الكتب القديمة قولاً لا مجال للاجتهاد فيه).

        3 - قال الشيخ عبد الحقّ الدهلويّ في حديثه عن الموقوف الذي له حكم المرفوع (6) :

        ( وأما حكماً، فكإخبار الصحابي الذي لم يخبر عن الكتب المتقدمة ما لا مجال للاجتهاد فيه).

        4 - قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (7) :

        (وأيضاً لو أخبر أحدٌ من الصحابة عن الجنة والنار لقلنا: هذا مرفوعٌ حكماً، إلا أنه يُشترط في هذا النوع: ألا يكون الصحابي ممن عُرف بكثرة الأخذ عن بني إسرائيل، فإن كان ممن عُرفوا بذلك، فإنه لا يُعتبر له حكم الرفع؛ لاحتمال أن يكون ما نقله عن بني إسرائيل، وهؤلاء كثيرون أمثال: عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فإنه أخذ جملة كبيرة عن كتب أهل الكتاب في غزوة اليرموك).

        5 - قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في (مذكرة أصول الفقه) (8): ( حاصل تحرير هذه المسألة أنّ قول الصحابي الموقوف عليه له حالتان:

        الأولى: أن يكون مما لا مجال للرأي فيه.

        الثانية: أن يكون مما له فيه مجال.

        فإن كان مما لا مجال للرأي فيه فهو في حكم المرفوع كما تقرّر في علم الحديث، فيقدّم على القياس ويخصّ به النّصّ إن لم يعرف الصحابيّ بالأخذ عن الإسرائيليّات).

        6 - قال الدكتور محمد أبو شُهبة (9) :

        (إن أئمة الحديث نصوا على أن كلام الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه له حكم المرفوع إذا لم يكن الصحابي معروفاً بالأخذ عن الإسرائيليات كعبد الله بن عمرو بن العاص مثلاً) وكذا قال في كتابه (الوسيط في علوم ومصطلح الحديث) (10).

        7 - قال الشيخ محمود الطحّان (11) : (هناك صور من الموقوف في ألفاظها وشكلها، لكن المدقق في حقيقتها يرى أنها بمعنى الحديث المرفوع، لذا أطلق عليها العلماء اسم المرفوع حكماً أي أنها من الموقوف لفظاً، المرفوع حكماً، ومن تلك الصور:

        أن يقول الصحابي الذي لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب قولاً لا مجال للاجتهاد فيه، ولا له تعلق ببيان لغة، أو شرح غريب، مثل:

        1- الإخبار عن الأمور الماضية؛ كبدء الخلق.

        2- أو الإخبار عن الأمور الآتية، كالملاحم والفتن وأحوال يوم القيامة.

        3- أو الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص، أو عقاب مخصوص؛ كقوله: من فعل كذا فله من أجر كذا).

        ويتبيّن مما تقدّم، أن الكلام في (موقوفات الصحابة) الذين عُرفوا برواية الإسرائيليات لا في خصوص (وثاقتهم)، فهم غير متهمين أبداً رغم روايتهم للإسرائيليات، بل الكلام منحصر في قبول روايتهم الموقوفة من عدمه، ولعلّ هذا الرأي هو المشهور. نعم، قد يخالف بعضهم في تفاصيل القيد على الروايات الموقوفة إلا أن هذا الخلاف لا يفضي للطعن في وثاقة الصحابي أو نقله لا سيَّما عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).

        ولأجل هذا المبنى الذي اتّضح بشكلٍ تام، توقَّف ابن كثير في الخبر الموقوف عن عبد الله بن عمرو، لا أنَّه كان يتهمه أو يطعن أو يشكُّ في روايته، فتأمّل.

        يبقى الكلام في إيضاح موقف ابن كثير من عبد الله بن عمرو بن العاص، فهل يصح الادعاء بأنّه متهمٌ لديه؟ هذا ما يمكن أن نراه في كلماته الأخرى من بعض كتبه :

        قال في (البداية والنهاية) (12) : (وأحسن ما يستدل به في هذه المسألة ما رواه عثمان بن سعيد الدارمي عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً وهو أصح ...إلخ).

        قال أيضاً (13) : (قال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن الصقعب بن زهير، عن زيد بن أسلم قال: حماد أظنه عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو قال: «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أهل البادية ...إلخ» وهذا إسناد صحيح ولم يخرجوه).

        بل ويستدلُّ بحديثه في التفسير، قال (14) : (وفي صحيح مسلم من حديث كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي ..إلخ).

        بل وبشكل أصرح من هذا بما لا يقبل الشكّ في موقف ابن كثير من عبد الله بن عمرو بن العاص، نذكر ما قاله في (اختصار علوم الحديث) (15) :

        ( والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل) وحين تطرّق لذكر الصحابة المكثرين قال (16) : (قال أحمد بن حنبل: وأكثرهم رواية ستة: أنس وجابر وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وعائشة. قلت: و عبد الله بن عمرو ، وأبو سعيد، وابن مسعود، ولكنه توفي قديماً؛ ولهذا لم يعده أحمد بن حنبل في العبادلة بل قال: العبادلة أربعة: عبد الله بن الزبير، وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص) فيظهر من كلامه أنَّه يعتبرُ عبد الله بن عمرو بن العاص من الصحابة المكثرين وعليه فهو عدلٌ عنده لما تقدّم من كلامه أن الصحابةَ كلهم عدول، فكيف إذا كان من المكثرين ؟!

        وبهذا قد ظهر أنّ ابن كثير لا يتهمُ عبد الله بن عمرو في نقله مطلقاً بل هو عنده صحابي عدلٌ ثقة لا مجال لاتهامه والطعن فيه، وأنَّ السيد لم يكن عارفاً بحقيقة هذا المبنى حول روايات الصحابة رواة الإسرائيليات، ولولا ذلك لما نسب إلى ابن كثير ما لا يقبله (17).




        إبراهيم جواد

        قم المقدَّسة - (عُشُّ آلِ مُحَمَّد عليهم السلام).

        السبت، 14 ذو القعدة 1436 هـ / 29 أغسطس 2015.

        https://twitter.com/ejawad91

        ـــــــــــــــــ

        (1) الموروث الروائي بين النشأة والتأثير، هامش ص 26 -27.

        (2) الحديث المرفوع : ما أضيف إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) خاصة.

        (3) الحديث الموقوف : وهو ما يروى عن الصحابة من أقوالهم أو أفعالهم ونحوها، فيوقف عليهم [مُقدّمة ابن الصلاح].

        (4) نزهة النظر في توضيح نخبة أهل الفكر، ص 235، تحقيق: د. عبد الله الرحيلي، الطبعة الأولى - الرياض، 1422 هـ - 2001 م .

        (5) قفو الأثر في صفوة علوم الأثر، ص 92، تحقيق: عبد الفتّاح أبو غدة، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلاميّة بحلب – سوريا.

        (6) مقدمة في أصول الحديث، ص 38، تقديم وتعليق: سليمان الندوي، الناشر: دار البشائر الإسلاميّة، بيروت – لبنان.

        (7) شرح المنظومة البيقونيّة، ص 52-53، تحقيق: فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، الناشر: دار الثريا للنشر- الرياض، الطبعة الثانية، 1423هـ - 2003 م.

        (8) مذكرة أصول الفقه، ص 256، بإشراف : بكر أبو زيد، الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع - مكة المكرّمة، الطبعة الأولى 1426 هـ .

        (9) دفاع عن السنة، ص 183، الناشر: مكتبة السنّة - جمهورية مصر العربية، الطبعة الأولى، 1989م.

        (10) الوسيط في علوم ومصطلح الحديث، ص 210-211، الناشر: عالم المعرفة للنشر والتوزيع / ناشر آخر: دار الفكر العربي.

        (11) تيسير مصطلح الحديث، ص 163-164، الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع- الرياض، الطبعة العاشرة 1425هـ-2004م.

        (12) البداية والنهاية، ج1، ص 127، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1418 هـ - 1997م.

        (13) المصدر السابق، ج1، ص 280.

        (14) تفسير ابن كثير، ج4، ص 176، تحقيق: سامي محمد السلامة، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع – الرياض، الطبعة الثانية، 1420 هـ - 1999م.

        (15) اختصار علوم الحديث، ص 277، تحقيق: ماهر ياسين الفحل، الناشر: دار الميمان للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1434 هـ - 2013 م.

        (16) المصدر السابق، ص 281. (17) اعترض بعضهم على محاكمة ما ورد في كتاب السيّد بأنّ ما في هذه العبارة من كلام المقرر، ويُقال في ردّ الاعتراض: إنَّ هذا التقرير تمّ بنظر السيد، ولو كان السيّد عارفاً بحقيقة الاشتباه لحذف هذا الكلام وردّه، إلا أن يُقال إنَّ السيد لا ينظر في كتبه المقررة والتي تُطبع باسمه، فكيف يقبل بمثل هذا الإهمال لكتبه و"الدسّ" لمطالب فاسدة باطلة في كتبه، وإذا كان لا يقدر على تنقية كتابٍ من كتبه من مثل هذا التحريف فكيف سيقدر على تنقية التراث؟!

        تعليق


        • #5
          الموروث الروائي بين الحقيقة ووهم النقد العلمي - (الحلقة الرابعة)

          الموروث الروائي بين الحقيقة ووهم النقد العلمي - (الحلقة الرابعة)

          بسم الله الرحمن الرحيم

          إسلام محوريّة الثقلين
          { الموروث الروائي بين الحقيقة ووهم النقد العلمي }
          الحلقة الرابعة


          هل تأثّرَ مصنفو الكتب الأربعة بصحيحي البُخاري ومسلم ؟!

          قال السيّد كمال الحيدري (1) :
          ( والمظنونُ أنَّ النظم البديع الملحوظ في الكتب الحديثية الأربعة في مدرسة أهل البيت قد كان انعكاساً لتجربة البخاري ومُسلم، ولا سيَّما وأنَّ الفاصلة الزمنيَّة بين الشيخ الكليني [ت:329 هـ] ومسلم النيسابوري [ت: 261 هـ] لم تبلغ الثمانين عاماً، وقد كان المحدثون آنذاك لا يجدون حرجاً في التزوّد من بعضهم رغم الاختلاف المذهبي ).
          ومثل هذا القول لا يمكن أن يصدر من متخصص في التراث الإسلامي ويعرف خصائص الكتب التراثية، بل لا يمكن أن يخطر بباله ولو كخاطرٍ عابر أو كظنٍ يُتَوَقَّفُ عنده؛ لأن هذا خلاف بديهيات الواقع.
          لنعرف مدى فساد هذا القول لا بد أن نذكر حقيقة تتعلقُ بالصحيحين، وهي أنّ ترتيبهما الحالي ليس من صنع المؤلفَيْن بشكلٍ كامل، فقد رُتّبا فيما بعد بأيدي من تلاهما، وهذا القول معروف عند طلبة العلم المشتغلين بفنّ الحديث والتراث الإسلامي فضلاً عن المحققين وراسخي القَدَم في هذا المجال، وإذا صحّ هذا فكيف يتأثر أصحاب الكتب الأربعة: الكليني والصدوق والطوسي بالصحيحين وهم لم يدركوا الكتابَيْن بتبويبٍ علميٍّ منضبط ؟!

          حول ترتيب صحيح البخاري

          من المعلوم أنّ البخاري توفي وقد ترك صحيح البخاري مسودّة بحاجة إلى تبييض وتحرير وكانت بعض أحاديثه متفرقة بحاجةٍ إلى جمع تحت بابٍ وأبواب بحاجةٍ إلى إثبات أحاديث فيها وإلى ما هو من هذا القبيل.
          قال الحافظ ابن حجر العسقلاني (2) : ([قوله باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح] كذا أخر ذكره عن إخوانه من العشرة ولم أقف في شيء من نسخ البخاري على ترجمة لمناقب عبد الرحمن بن عوف ولا لسعيد بن زيد وهما من العشرة وإن كان قد أفرد ذكر إسلام سعيد بن زيد بترجمة في أوائل السيرة النبوية وأظن ذلك من تصرف الناقلين لكتاب البخاري كما تقدم مراراً أنه ترك الكتاب مسودة فإن أسماء من ذكرهم هنا لم يقع فيهم مراعاة الأفضلية ولا السابقية ولا الأسنية وهذه جهات التقديم في الترتيب فلما لم يراع واحداً منها دل على أنه كتب كل ترجمة على حدة فضم بعض النقلة بعضها إلى بعض حسبما اتفق) وهذا يعني أن الكتاب لم يكن مرتباً على نحوٍ معين، بل كانت التراجم (الأبواب) متفرّقة وقد جمعها الناقلون ورتبوها، ويُستظهر هذا من عدم ترتيب كتب المناقب طبق أي أساسٍ تصنيفي كالأسبقية أو الأسنية أو الأفضلية، ويُضاف إلى هذا أنّ ابن حجر يقول (3) : (قال الشيخ محيي الدين نفع الله به: ليس مقصود البخاري الاقتصار على الأحاديث فقط بل مراده الاستنباط منها والاستدلال لأبواب أرادها ولهذا المعنى أخلى كثيراً من الأبواب عن إسناد الحديث واقتصر فيه على قوله فيه فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك، وقد يذكر المتن بغير إسناد وقد يورده معلقاً وإنما يفعل هذا لأنه أراد الاحتجاج للمسألة التي ترجم لها وأشار إلى الحديث لكونه معلوماً وقد يكون مما تقدم وربما تقدم قريباً ويقع في كثير من أبوابه الأحاديث الكثيرة وفي بعضها ما فيه حديث واحد وفي بعضها ما فيه آية من كتاب الله وبعضها لا شيء فيه البتة، وقد ادعى بعضهم أنه صنع ذلك عمداً وغرضه أن يبين أنه لم يثبت عنده حديث بشرطه في المعنى الذي ترجم عليه ومن ثمة وقع من بعض من نَسَخَ الكتاب ضم باب لم يذكر فيه حديث إلى حديث لم يذكر فيه باب فأشكل فهمه على الناظر فيه وقد أوضح السبب في ذلك الإمام أبو الوليد الباجي المالكي في مقدمة كتابه في أسماء رجال البخاري فقال: أخبرني الحافظ أبو ذر عبد الرحيم بن أحمد الهروي قال حدثنا الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملى قال: انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري فرأيت فيه أشياء لم تتم وأشياء مبيضة منها تراجم لم يثبت بعدها شيئاً ومنها أحاديث لم يترجم لها فأضفنا بعض ذلك إلى بعض. قال أبو الوليد الباجي: ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي ورواية أبي محمد السرخسي ورواية أبي الهيثم الكشميهني ورواية أبي زيد المروزي مختلفة بالتقديم والتأخير مع إنهم انتسخوا من أصل واحد وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضع ما فأضافه إليه ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث).
          ومن هذا النص نفهم أنّ صحيح البخاري في بداياته كان غير مضبوط النُسَخِ من جهة ترتيب الأحاديث والأبواب، وبقي الاختلاف مستمراً حتَّى ما بعد وفاته لأكثر من مائة وثلاثين سنة، فالبخاري توفيَ سنة 256 هـ بينما الكشميهني توفي سنة 389 هـ (4) والكشميهني ترتيبه لصحيح البخاري مختلف عن المستملي والسرخسي والمروزي، وهو آخرهم وفاةً، ما يعني أن الترتيب بقي يتغيّر من حين لآخر حتى بعد وفاة المستملي والذي مات قبل الكشميهني بثلاث عشرة سنة، مع أنّ الجميع انتسخوا عن أصلٍ واحد وهو نسخة الفربري.

          حول ترتيب صحيح مُسلم

          ونفس الأمر يُقال في صحيح مسلم، إذ أنَّ مسلماً ترك كتابه بلا عناوين لأبواب مصنَّفهِ، وقد صرح بذلك بعض العلماء، ولهذا بقي الكتاب عبارة عن أحاديث تمّ سردها بلا عنونة أو تصنيف.
          قال ابن القيم في (اجتماع الجيوش الإسلاميّة) (5) :
          ( قول مسلم بن الحجاج : يُعْرَف قوله في السنة من سياق الأحاديث التي ذكرها ولم يتأولها، ولم يذكر لها التراجم كما فعل البخاري ولكن سردها بلا أبواب ولكن تعرف التراجم من ذكره للشيء مع نظيره).
          قال الشيخ محمد الأمين الهرري الشافعي (6) :
          (واعلم أن المؤلف رحمه الله تعالى لم يذكر التراجم من الكتب والأبواب في جامعه وفاءً بما التزمه للسائل من جمع الأحاديث المرفوعة وتلخيصها في كتاب مؤلف من غير مزج غيرها فيها، أو فراراً من إطالة المؤلف بمزج التراجم فيه لتقاصر الهمم عن أخذ المطولات، وإنما وضعها بعضُ رواته، وزاد فيها بعض الشراح له، ومع ذلك كثير من الأحاديث لا يُطابق التراجم السابقة ولا اللاحقة فلا بد من وضع التراجم لها بحسب ما يستنبط منها من الأحكام، ولو كان وضع التراجم من المؤلف لم تختلف باختلاف النسخ واختلاف الشراح).
          قال الشيخ صفي الدين المباركفوري (7) :
          ( حيث إن صحيح الإمام مسلم كان خالياً عن الكتب والأبواب عموماً فقد وضع الإمام النووي وغيره الكتب والأبواب بعناوينها وتراجمها، واشتهر من بينها ما وضعه الإمام النووي اشتهاراً كأنه من أصل الكتاب ومن عمل المصنف إلا أنه لا يخلو من نظر، فكثير منها لا يطابق الحديث تمام المطابقة، بل يطابق لما أفتى به فقهاء الشافعيّة).
          قال السيوطي (8) :
          ( فليس فيه بعد المقدمة إلا الحديث السرد وما يوجد في نسخة من الأبواب مترجمة فليس من صنع المؤلف وإنما صنعه جماعةٌ بعده كما قاله النووي ومنها الجيّد وغيره.
          قلتُ : كأنهم أرادوا به التقريب على من يكشف منه، وكان الصواب ترك ذلك، ولهذا تجد النسخ القديمة ليس فيها أبوابٌ البتّة، نسخة بخط الحافظ أبي إسحاق الصريفيني كذلك لا أبواب فيها أصلاً).
          قال النووي (9) :
          ( وقد ترجم جماعة أبوابه بتراجم بعضها جيّد وبعضها ليس بجيّد، وإنما لقصور في عبارة الترجمة، وإما لركاكة لفظها، وإما لغير ذلك، وأنا إن شاء الله أحرص على التعبير عنها بعباراتٍ تليق بها في مواطنها).
          قال الشيخ مشهور حسن سليمان في كتابه (الإمام مسلم بن الحجاج ...) (10) :
          (ليس في صحيح مسلم بعد المقدّمة إلا الحديث السرد، وما يوجد في نسخه من الأبواب مترجمة فليس من صنع المؤلف، وإنَّما صنعه جماعةٌ بعده من نُساخه أو شراحه، وأهمهم الإمام النووي، وكانوا يضعونها على حاشيته) وذكر فيما بعد أقوال الديوبندي وابن الصلاح وابن عساكر والسيوطي والنووي فيما يفيد أنّ الكتابَ لا توجد فيه أبوابٌ بعناوين (تراجم).
          نعم، صرّح بعضهم أنّ مسلماً سرد صحيحه ولم يضع عناوين للأبواب ولكنه جمع الأحاديث ذات الموضوع الواحد في نفس المكان فكأنّه مبوّب في الحقيقة، وهذا يعني أنّ عناوين الأبواب لم تكن موضوعة، وإنما وُضعت الأحاديث على التتابع بحيث يجمعها مضمون واحد في مكان معيّن، ومع ذلك فإن هذا النحو من الترتيب لم يكن وافياً بالغرض بقدر الإمكان وإلا لما اضطر القرطبي في تلخيصه لصحيح مسلم أن يقدم ويؤخر بعض الأحاديث لأجل ضمّ الأحاديث ذات المضمون الواحد إلى ما يشاكلها، ولما اضطر من بعده كالنووي وغيره أن يضعوا بعض العناوين لأحاديث صحيح مسلم.
          وبعد أن يتضح لك حال الصحيحين، يتساءل العاقل :
          من أين يستفاد من مثل هذين الكتابين في التبويب وأبوابهما غير واضحة وليست مهيَّأة للاستقراء، وهل مثل هذا المسلك في التصنيف يمكن أن يكون مؤثراً ويحتذى به؟! فلا الفهارس ظاهرة ولا الأبواب للقراء مفصّلة، فمن أين يمكن أن يترك هذا العمل الناقص أثراً في فهرسة كتب من أجود الكتب فهرسة وتبويباً ؟!

          إبراهيم جواد
          قم المقدَّسة - (عُشُّ آلِ مُحَمَّد عليهم السلام).

          الأربعاء، 17 ذو القعدة 1436 هـ / 2 سبتمبر2015.
          https://twitter.com/ejawad91
          ـــــــــــــــــــــــــ
          (1) الموروث الروائي بين النشأة والتأثير، ص 39.
          (2) فتح الباري، ج8، ص 454، الناشر: دار طيبة - الرياض، الطبعة الأولى، 1426 هـ.
          (3) هدي الساري مقدمة فتح الباري، ج1، ص 11، الناشر: دار طيبة - الرياض، الطبعة الأولى، 1426 هـ.
          (4) سير أعلام النبلاء، ج16، ص 492، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة - 1405 هـ / 1985م.
          (5) اجتماع الجيوش الإسلاميّة، ص 367، الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1431 هـ .
          (6) الكوكب الوهاج والروض البهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ج1، ص135، الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1430 هـ.
          (7) منة المنعم في شرح صحيح مسلم، ج1، ص 9، الناشر: دار السلام للنشر والتوزيع- الرياض، الطبعة الأولى 1420 هـ - 1999م.
          (8) الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج، ج1، ص33، تحقيق: أبو إسحاق الحويني، الناشر: دار ابن عفان – الخبر/ المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1416 هـ - 1996م.
          (9) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ج1، ص 138، تحقيق: خليل مأمون شيحا، الناشر: دار المعرفة – بيروت، الطبعة السابعة عشر، 1430 هـ - 2009 م.
          (10) الإمام مسلم بن الحجاج صاحب المسند الصحيح ومحدث الإسلام الكبير، ص182، الناشر: دار القلم – دمشق، الطبعة الأولى، 2009م.

          تعليق


          • #6
            الموروث الروائي بين الحقيقة ووهم النقد العلمي - (الحلقة الخامسة)

            بسم الله الرحمن الرحيم

            إسلام محوريّة الثقلين
            { الموروث الروائي بين الحقيقة ووهم النقد العلمي }
            الحلقة الخامسة

            تطرّق السيِّدُ كمال الحيدري في كتابهِ إلى (ملامح عصرِ ما قبل التدوين) وذكر أنَّ الملمح الأوّلَ هو وضعُ الحديث واختلاقه، وتكلَّم في أغلب مساحة البحث حول الوضع في مدرسة المخالفين في ظل قصورٍ واضح في تصوير هذا المطلب عند مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، حيث أنَّ المسألةَ تختلف تماماً عما يمكن أن يظنَّه الآخرون قياساً لمذهب العترة الطاهرة بمدرسة المخالفين التي لا تنتهي مشاكل تراثها السقيم.
            إنَّ الحديث الشريف عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم يكن مصوناً عن الوضع، بمعنى أن الدسّ فيه كان ممكناً، وكان الوضاعون على مختلف مآربهم يضعون الحديث ويكذبون على لسان الله ورسوله، ولكن لا يعني هذا أن حركة الوضع وتأثيرها في المدرسة المخالفة كانت بنفس المقدار عند مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، فالظروف مختلفة وآليات التأثر والمواجهة والحدِّ من الآثار أيضاً مغايرة كليَّاً، ولهذا فإنَّ الاختصار المخل فيما أورده السيد بخصوص مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) – في حال اعتبرنا أنه أورد شيئاً يخص مدرسة الإمامية وإلا فالكلام والمصادر والاستنباط من كتب المخالفين - لا يمكنه أن يخدمَ القارئ الباحث عن الإنصاف والحقيقة في معرفة تراث أهل البيت (عليهم السلام) حيث تحدث المؤلِّفُ طيلة بحثه عن الوضع وأسبابه وآثاره في مدرسة المخالفين ثم يضع بين الثنايا ما تيسر من اقتباسات يسيرة تخصُّ التراث الشيعي، ليتحمّل تراثنا العظيم وزر غيره بعنوان جامع وهو (التراث الإسلاميّ)، ولأجل هذا شدَّدنا على مسألة الفصل بين التراثين خلال التفحُّص الدقيق لكل بحثٍ علميٍ يختص بهما، كالبحث حول مرحلة التدوين وحركة التحديث والكتابة والتصنيف والوضع والفهرسة وعلم الرجال وحركته وطرق التنقيح والتصحيح ..إلخ، وهو ما لم يُراعِه السيد الحيدري في بحثه من الأساس، بل كان الخلط هو العنصر المشترك بين جميع أبحاث الكتاب !

            إنَّ التراث الشيعي الذي يتمثل قوامه في أصول أصحاب الأئمة (عليهم السلام) قد تعرَّض لمحاولات الدس والإفساد على أيدي الغلاة والوضَّاعين ولا يمكن لعاقلٍ أن ينكر هذه الحقيقة، وقد كان الأئمة (عليهم السلام) ينبهون لهذه الأمور ويتصدون لها بوسائل علمية ومناهج تحقيقية لا زال العلماء يستفيدون منها إلى زماننا الحاضر، ومن هذه الوسائل :
            أولاً: التحذير النصِّي على بطلان بعض الأحاديث بعينها، وهذا ذكرنا منه نماذج في الحلقة الثانية، حيث كان الأئمة (عليهم السلام) يبطلون أحاديث شائعة عند محدثي المسلمين ويبينون وجه بطلانها، ولنا فهرسة للأحاديث التي بيَّن الأئمة (عليهم السلام) بطلانها وناقشوا متونها وأظهروا فسادها مع تعليقة علمية عليها، ونسأل الله أن نوفَّقَ لنشرها قريباً.
            ثانياً: تعليم الأصحاب طرق تمييز الرواية والتعامل معها عبر تأسيس قواعد تنقيحية لمضامين الروايات مثل: العرض على القرآن الكريم، الأخذ بالمشهور بين الفقهاء الإماميَّة وترك الشاذ النادر، ترك ما وافق العامَّة عند الترجيح والتمسُّك بما خالفهم، تفحُّص المتون وفق ضوابط العقل القطعيّ .. إلخ.
            وأحياناً عبر الإرشاد إلى مظانِّ الأحاديث المدسوسة كقول الرضا (عليه السلام) (1) : (يا ابن أبي محمود إن مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام : أحدها الغلو وثانيها التقصير في أمرنا وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا، ..إلخ).
            وقول الصادق (عليه السلام) (2) : ( .. وإن قوماً كذبوا علي، مالهم أذاقهم الله حر الحديد، فوالله ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا واصطفانا، ما نقدر على ضرٍ ولانفع وإن رحمنا فبرحمته وإن عذبنا فبذنوبنا، والله ما لنا على الله من حجة ولا معنا من الله براءة وإنَّا لميتون، ومقبورون ومنشرون ومبعوثون وموقوفون ومسئولون ويلهم مالهم لعنهم الله فلقد آذوا الله وآذوا رسوله صلى الله عليه وآله في قبره وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي). فهاتان الروايتان مثلاً تشكلان مدخلاً لمعرفة بعض الروايات الموضوعة، حيث أشارتا إلى مظان الوضع والكذب، وهي الغلو كتأليه الأئمة (عليهم السلام) وأنهم قدماء مستقلون بالقدرة والإرادة، أو التقصير أو ما يسوِّغ إذاعة مثالب أعداء الأئمة (عليهم السلام) عملاً بخلاف التقيِّة. وكذلك عن طريق إعلام الأئمة (عليهم السلام) بأحوال الرواة مدحاً وقدحاً، والروايات في هذا المجال كثيرة بحيث لا يفي المقام بذكرها.
            ثالثاً: الإشارة إلى كتبٍ مدسوس فيها كإشارة الإمام الصادق (عليه السلام) لدس المغيرة بن سعيد في كتب أصحاب الباقر (عليه السلام) وهذا يعني أنَّ الإمام قد بدأ عملية تنقيح جديدة، وهكذا كان يفعلُ كل إمامٍ من الأئمة (عليهم السلام) في حال تطرق الوضع والدس لبعض كتب الأصحاب.
            رابعاً: التنقيح عبر منهج عرض الأصول والكتب على الأئمة (عليهم السلام) وقد مارسه العديد من الأصحاب ومن الروايات المشيرة إلى هذا :
            (1) روى الكشي بسنده عن محمد بن عيسى بن عبيد أن يونس بن عبد الرحمن قد عرض بعض كتب أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) على الإمام الرضا (عليه السلام) فأبطل منها أحاديث كثيرة (3) : (قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر ووجدت أصحاب أبي عبد الله متوافرين، فسمعت منهم وأخذت كتبهم ، فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله عليه السلام).
            (2) روى الشيخ النجاشي عن أبي هاشم الجعفري أنَّه عرض على العسكري (عليه السلام) كتاب (يوم وليلة) ليونس بن عبد الرحمن فأقرَّه، فقد روى النجاشيّ (4) : (وقال شيخنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان في كتاب مصابيح النور: أخبرني الشيخ الصدوق أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله قال : حدثنا علي بن الحسين بن بابويه قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري قال : قال لنا أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري رحمه الله : عرضت على أبي محمد صاحب العسكر عليه السلام كتاب يوم وليلة ليونس فقال لي : تصنيف من هذا؟ فقلت : تصنيف يونس مولى آل يقطين. فقال: أعطاه الله بكل حرف نوراً يوم القيامة).
            (3) عرض كتاب عبيد الله الحلبي على الإمام الصادق (عليه السلام)، قال الشيخ النجاشي (5) : (وكان عبيد الله كبيرهم ووجههم، وصنف الكتاب المنسوب إليه وعرضه على أبي عبد الله عليه السلام وصححه قال عند قراءته: أترى لهؤلاء مثل هذا؟).
            (4) عرض كتاب سليم على الإمام السجَّاد (عليه السلام) وقد قال فيه (6): (هذا حديثنا نعرفُه).
            (5) عرض كتاب الديات المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) على الإمام الصادق عليه السلام، ثم على الإمام الرضا عليه السلام مرتين.
            أما عرضه على الإمام الصادق (ع) فقد روى الشيخ الكليني (7): (عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن ظريف، عن أبيه ظريف بن ناصح، عن رجل يقال له : عبد الله بن أيوب قال : حدثني أبو عمرو المتطبب قال : عرضت هذا الكتاب على أبي عبد الله عليه السلام).
            وأما عرضه على الإمام الرضا (عليه السلام) فقد روى الشيخ الكليني (8) : (علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى، عن يونس، وعن أبيه ، عن ابن فضال جميعاً، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال يونس: عرضت عليه الكتاب فقال : هو صحيح) وروى أن أبا الجهم قد عرضه على الرضا (عليه السلام) (9) فيكون قد عُرض هذا الكتاب ثلاث مرَّات.
            وفي هذا يقول الشيخ آقا بزرگ الطهراني (10) : (يظهر من أسانيده المذكورة في الكتب أنه من الكتب المشهورة وقد عُرِضَ على الأئمة عليهم السلام مكرراً ).
            (6) عرض كتاب (اختيار الأيَّام) المنسوب إلى الإمام الصادق (عليه السلام) على الإمام الهادي (عليه السلام). روى الطبري في (بشارة المصطفى) (11) :
            (أخبرنا الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي (رحمه الله) بقراءتي عليه في شهر رمضان سنة إحدى عشرة وخمسمائة بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال : حدثنا السعيد الوالد أبو جعفر الطوسي (رحمه الله)، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى الفحام السامري، قال: حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبيد الله المنصوري، قال: حدثنا أبو السري سهل بن يعقوب بن إسحاق الملقب بأبي نؤاس المؤذن في المسجد المعلق في صف شنيف بسامرا، قال المنصوري: وكان يلقب بأبي نؤاس لأنه كان يتخالع ويطيب مع الناس ويظهر التشيع على الطيبة فيأمن على نفسه ، فلما سمع الإمام علي بن محمد لقبني بأبي نؤاس، قال : يا أبا السري أنت أبو نؤاس الحق ومن تقدمك أبو نؤاس الباطل.
            قال : وقلت له ذات يوم : يا سيدي قد وقع لي اختيارات الأيام عن سيدنا الصادق (عليه السلام)، مما حدثني به الحسن بن عبد الله بن مطهر، عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن أبيه ، عن سيدنا الصادق (عليه السلام) في كل شهر فأعرضه عليك، فقال لي:افعل. فلما عرضته عليه وصححته قلت : يا سيدي، ...إلخ).
            وكذا ما يظهرُ من بعض الروايات اشتهار بعض الكتب بين الأصحاب وإقرار الإمام (عليه السلام) لها كما الحال في كتاب حريز في الصلاة، فقد روى الشيخ الكليني (12) : (علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى قال : قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) يوماً : يا حماد تحسن أن تصلي ؟ قال : فقلت يا سيدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة فقال : لا عليك يا حماد، قم فصل..إلخ) وكتاب للفضل بن شاذان، كما في كتاب الكشي عن الإمام العسكري (عليه السلام) أنَّه قال لما رأى أحد مصنفات الفضل (13) : (أغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم).
            خامساً: يمكننا من خلال فهم مشروع الإمامة الإلهية أن نضع قاعدةً عامة في خصوص هذه المسألة وخلاصتها أن وجود الأئمة (عليهم السلام) بعينه عملية تنقيح مستمرة لدين الإسلام أصولاً وفروعاً عبر ترسيخ معارف الدين وتعليمها لأصحابهم وإحقاق الحق وإعلائه ورد الباطل إلى أهله، ولا يُعقل أن يتصدَّى الإمام لأداء مهمَّته، ثم ينزوي تاركاً حركة الوضع والغلو تتزايد وتنتشر وتفسد التراث الشيعي الذي دوَّنه أصحابهم على مدى عشرات السنين. ولو سلمنا بأن هذا لم يقوموا به لنفينا أحد أهمِّ الأغراض الأساسيَّة من إمامتهم، فلا يصحُّ هذا القولُ بأيّ حال.

            يبقى الكلام في ما آل إليه التراث الشيعي بعد غيبة الإمام الثاني عشر (صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين) وهي مرحلة زمنيَّة لا تقلُّ تأميناً وضبطاً عن سابقتها، حيثُ كان للسفراء الأربعة دورٌ في متابعة الجانب العلميّ في المجتمع الشيعي بحسب الأهميَّة ووفق ما تتيحه الظروف التي كانت تحيط بهم آنذاك، ويمكن أن يدل على هذا ما يلي من الأخبار:
            (1) روى الشيخ الطوسي في (الغيبة) (14) : (وأخبرني الحسين بن إبراهيم، عن أحمد بن علي بن نوح ، عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد، قال : حدثني أبو عبد الله الحسين بن أحمد الحامدي البزاز المعروف بغلام أبي علي بن جعفر المعروف بابن زهومة النوبختي وكان شيخاً مستوراً قال : سمعت روح بن أبي القاسم بن روح يقول : لما عمل محمد بن علي الشلمغاني كتاب التكليف، قال [الشيخ] يعني أبا القاسم رضي الله عنه : اطلبوه إلي لأنظره، فجاؤوا به فقرأه من أوله إلى آخره، فقال : ما فيه شئ إلا وقد روي عن الأئمة إلا موضعين أو ثلاثة، فإنه كذب عليهم في روايتها لعنه الله).
            (2) روى الشيخ الطوسي في (الغيبة) (15) : (وقال أبو الحسين بن تمام : حدثني عبد الله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه ، قال : سئل الشيخ - يعني أبا القاسم رضي الله عنه - عن كتب ابن أبي العزاقر بعدما ذم وخرجت فيه اللعنة، فقيل له : فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملاء ؟ فقال : أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما وقد سئل عن كتب بني فضال ، فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟ فقال صلوات الله عليه : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا).
            (3) وروى أيضاً (16) : (وأخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود القمي، قال : حدثني سلامة بن محمد قال : أنفذ الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه كتاب التأديب إلى قم، وكتب إلى جماعة الفقهاء بها وقال لهم : انظروا في هذا الكتاب وانظروا فيه شيء يخالفكم ؟ فكتبوا إليه : إنه كله صحيح، وما فيه شيء يخالف إلا قوله: في الصاع في الفطرة نصف صاع من طعام، والطعام عندنا مثل الشعير من كل واحد صاع).
            وهكذا كان الحال في زمن السفراء الأربعة، حيث كان لهم اعتناء بمسألة الكتب، إلا أنَّه بسبب ظروف التقيَّة، لم يكن هذا الأمر متاحاً بشكل دائم، فكان العلماء الكبار والفقهاء الأجلاء في قم وبغداد لهم دورٌ واسع في هذا المجال، وبقي هذا الأمر إلى ما بعد انتهاء زمن الغيبة الصغرى حيث تضافرت جهود العلماء الفقهاء والمحدثين الأجلاء على تنقيح أصول الأصحاب وضبطها وتصنيفها والاعتناء الشديد بها، فكانت كتبهم من أضبط المصنَّفات الحاوية لمعظم ما في أصول أصحاب الأئمة (رضوان الله عليهم)، والكلام في متانة مصنَّفات الأصحاب يأتي في موضعه، وإنما نقتصر الآن على بيان أن حركة الوضع والدسّ كانت ضعيفةً أمام الجهود العلمية الضخمة التي بذلها الأئمة (عليهم السلام) والسفراء الأربعة (رضي الله عنهم) وعلماء الطائفة العظام (قدست أسرارهم)، بفضل المتابعة والتنبيه والتحرير والتنقيح الذي كان شغلهم الشاغل وعملهم المتواصل من قديم الزمان وإلى الآن، وفوق هذا كلّه لو سلَّمنا بوجود تأثير لحركة الوضع على كتبنا الأصيلة وبورود بعض الأحاديث المدسوسة، فإنه لم يكن لها تأثير عظيم في الجانب العقائدي أو الجانب الفقهي، وأبحاث العلماء هي الفيصل في هذه المسألة، حيث نراهم ينقحون ويردون ما يتعارض مع مسلَّمات القرآن والعقائد والفقه والعقل القطعي فلم يُبتلَ جمهور الإماميَّة في كتب العقائد بالتجسيم أو انتقاص عصمة النبي (صلى الله عليه وآله) ..إلخ من الانحرافات العقائديّة، أما على نحو أفراد العلماء فإنَّ العصمةَ لأهلها وما من خطأ إلا وقد تتبعه أهل التحقيق، وبهذا يتضح أن جهود الوضاعين قد ذهبت أدراج الرياح، وعلى النقيض تماماً ما عند العامة، فهم قد ابتلوا بالوضَّاعين وعجزوا عن مواجهة ذلك حتَّى صنفوا في الأحاديث الموضوعة ما لم يصنفه أحد من المسلمين، ومع ذلك بقيت هذه الموضوعات تخدعهم وتضرب جذور عقائدهم حتى ابتلوا بروايات التجسيم والقدح في الذات الإلهيَّة والتعريض بالنبوّة والأنبياء عليهم السلام والخرافات المعارضة للعقل القطعيّ والأساطير الإسرائيلية، فضلاً عن عجزهم إلى الآن عن تنقيح التفاسير من روايات الإسرائيليات، بمن فيهم من سعى لذلك العمل ولم يوفق بشكلٍ تام لعموم البليَّة واتساع مداها.
            إنَّ ما تقدم نقدٌ إجمالي لما ذكره السيِّد الحيدري في الملمح الأول من ملامح عصر ما قبل التدوين، وكافٍ لإيضاح مدى الخلط والتغرير الحاصل في هذا المبحث، أما على نحو التفصيل فنذكر بعض الملاحظات على ما أورده:

            حول المنحرفين من أصحاب الحديث عند المسلمين

            قال السيِّد الحيدري (17) :
            ( إذن، كثيرٌ من صحابة النبي صلى الله عليه وآله تنكروا للإسلام ومبادئه، وانقادوا لشهواتهم وأهوائهم، كما أنَّ هنالك من ينتمي لمدرسة أهل البيت أعني من أصحاب الأئمة أنكر إمامة الإمام علي الرضا وصار واقفياً لأجل ثلاثين ألف دينار، وأوجدوا مذهب الواقفية حتى يحبسوا عندهم الأموال التي وصلت إليهم بصفتهم وكلاء وكان بعضهم من خواص الإمام الكاظم كالبطائني الذي ادّعى أن الإمام لم يمت لتبقى الأموال بيده).
            وهذه المقارنة فيها نوع من الإجحاف بحق تراث أهل البيت (عليهم السلام) فإنَّ مدرسة المخالفين قد أخذت عن جميع الصحابة في كل الأحوال، أمَّا بخصوص بعض أصحاب الأئمة (عليهم السلام) فقد كان هناك نوعٌ من الانقطاع عنهم بعد إعلانهم الانحراف ويدلُّ عليه الموقف الشديد الذي اتخذه الإمام الرضا (عليه السلام) تجاههم، وبهذا نعلم أن الأصحاب كانوا يحترزون عن رواياتهم بعد انحرافهم، وأمَّا في حال استقامتهم فكانوا يأخذون عنهم ويروون كتبهم وأصولهم، وهذه الخطوة المهمة في التفريق بينهم كانت مهمَّة في صيانة التراث عن أن يكون ألعوبة بيد أصحاب المآرب الدنيوية. هذا بشكلٍ عام، أما ما يخص البطائني وزياد بن مروان القندي اللذين ذكرهما السيِّدُ فالكلام فيهما على هذا النحو :
            علي بن أبي حمزة البطائني هو رأس الوقف وكان وكيلاً للكاظم (عليه السلام)، ثم جحد إمامة الرضا (عليه السلام) بعد وفاته لطمعه في الأموال التي كانت لديه، وقد امتنع الأصحاب بعد وقفه عن الرواية عنه، أما رواياته قبل انحرافه فهي مورد اعتماد الطائفة وفي هذا يقول الشيخ الطوسيّ (18) : (ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير وغيره، وأخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران وعلي بن أبي حمزة وعثمان بن عيسى) ونفس الأمر فيما يخص الغلاة والمتهمين فإنَّ الشيخ قد أشار إلى التفريق بين أحوالهم قبل الانحراف وبعده، قال (19) : (وأما ما ترويه الغلاة والمتهمون والمضعفون وغير هؤلاء، فما يختص الغلاة بروايته، فإن كانوا ممن عرف لهم حال استقامة وحال غلو، عمل بما رووه في حال الاستقامة وترك ما رووه في حال خطئهم).
            وزياد بن مروان القنديّ حاله كحال البطائنيّ، وقد كان في حياة الكاظم (عليه السلام) مستقيماً بل وروى النصَّ على الرضا (عليه السلام)، إلا أنَّه جحد ذلك فيما بعد.
            قال الشيخ الصدوق بعدما ذكر خبر النصِّ على الرضا (عليه السلام) برواية القندي (20): (إن زياد بن مروان القندي روى هذا الحديث ثم أنكره بعد مضي موسى عليه السلام وقال بالوقف وحبس ما كان عنده من مال موسى بن جعفر عليه السلام)، وقد كان مقدار المال الذي لديه سبعون ألف دينار، فيظهر أنَّ زياداً كان وكيلاً للكاظم (عليه السلام) ومعتمداً عنده، ثم سقط من جملة الأعاظم بعد وقفه. ويحسن التنبيه على ما عقَّب به السيد الحيدري بعد إيراده لعبارة الشيخ المفيد وهي (21) : (فممن روى النص على الرضا علي بن موسى عليهما السلام بالإمامة من أبيه والإشارة إليه منه بذلك، من خاصته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته : داود بن كثير الرقي ومحمد بن إسحاق بن عمار وعلي بن يقطين، ونعيم القابوسي والحسين بن المختار، وزياد بن مروان) حيث قال بعدها (22) :
            ( فزياد العالم والفقيه والورع والثقة ومن الخواصّ أيضاً قد طمع بسبعين ألف دينار كانت مودعةً عنده!).
            قلت: لا تعارض بين كونه جليلاً ورعاً ثقة في زمان استقامته، وبين طمعه بالأموال بعد انحرافه، فإن عبارة الشيخ المادحة له ناظرةٌ إلى كونه من خواصِّ الكاظم (عليه السلام) وهذا معلوم إذ كان وكيلاً له، فالعبارة تصف حاله في زمان الكاظم (عليه السلام) وإلا فواضح أشدّ الوضوح أنّ زياداً لم يكن من خواص الرضا (عليه السلام) ولا كان مقبولاً في زمانه، وعليه فلا وجه لاستنكار السيد كونه ثقة من الخواصّ، فهو كان كذلك فيما سبق، وسارقاً منحرفاً فيما لحق.
            أما العامة فقد ابتلوا بالأخذ عن جميع الصحابة في كافة أحوالهم حتَّى اجتمعت في كتبهم أحاديث كثيرة تشير إلى أهواء الصحابة ومسالكهم، فضلاً عن ظهور أثر السلطة على المحدثين والرواة بل على بعض الصحابة والتحكم بهم، مع تعدد الوضع على لسان بعض الصحابة حتى أنَّه يوجد الحديث ونقيضه مروياً عنه بطرقٍ معتبرة، والكلام في البليَّة التي حلَّت بأحاديث العامَّة جراء الأخذ العشوائي عن جميع الصحابة وتعرضهم لضغوط السلطة طويل جداً ليس هاهنا محلّه، والخلاصة أن مقارنة تعامل العامَّة مع منحرفي الصحابة بتعامل علمائنا مع منحرفي أصحاب الأئمة (عليهم السلام) ليس دقيقاً؛ لأن كلاً من الطرفين قد اختلف في التعاطي مع تلك الجهة، وجعلُ المدرستين على قدم المساواة في التعامل مع هذه القضيَّة ليس من الإنصاف في شيء، بل هو إجحاف وتعسُّف بلا دليل.


            حول الأحاديث الموضوعة في مسند أحمـد بن حنبل

            قال السيِّدُ الحيدري (23) :
            (ومع هذا الكم الكبير من الروايات لم يستطع أن يستخرج ابن حنبل منها إلا زهاء ثلاثين ألف رواية. ومع هذا الفارق الهائل نجد أنَّ بعض المعاصرين عندما جاؤوا إلى التراث الحديثي للإمام أحمد بن حنبل، المنقَّح من قِبَله، لم يسلِّموا به، فأخرجوا الكثير من الروايات الموضوعة والمدسوسة بحسب مبانيهم من قبيل العلامة محمد ناصر الدين الألباني والعلامة شعيب الأرناؤوط، والعلامة أحمد محمد شاكر والملَّا علي القاري وغيرهم من الباحثين والمحققين، حيث وجدوا فيه أحاديث ضعيفة كثيرة، بل إنَّ بعضها أشد في الضعف من الآخر مما دعا ابن الجوزي إلى إدخال الكثير في موضوعاته).
            وهذا الكلام غير دقيق إلى حدٍ ما، فإنَّ من حقَّقَ مسند أحمد بن حنبل قد صحح وضعَّف، وبعضهم حكمَ على جملة من أحاديث المسند بـ(الضعف) و(الوهن) في حين أنَّ ما حكموا بكونه من (الموضوع) أو (المدسوس) نادرٌ جداً، والفرق معلوم بين الحديث الضعيف والحديث الموضوع، حيثُ إنَّ الثاني أخصُّ من الأوَّل وبينهما عموم وخصوص مطلق.
            ولنأخذ كمثال أشهرَ تحقيقين للكتاب لنتفحَّص مدى دقَّة كلام السيِّد الحيدري :
            تحقيق المحقق أحمد شاكر : لم يحكم على حديثٍ واحد بالوضع (!!).
            تحقيق المحقق شعيب الأرناؤوط : قد جزم بالحكم على حديث واحد بالوضع وهو الحديث رقم ( 13356)، فيما نعت ثمانية أحاديث أخرى بقوله : (شبه موضوع) كأنه مترددٌ في ذلك، وأرقامها: (461/530/533/605/ 4294/ 22167/ 23018/ 24923) فمن أين يجوز أن يُقال إنَّهم (أخرجوا الكثير من الروايات الموضوعة والمدسوسة بحسب مبانيهم)؟
            وأما ما حكم عليه ابن الجوزي بالوضع فبلغ (38) حديثاً من أصل المسند الذي يحتوي على ما يقارب (27647) حديثاً بحسب ترقيم تحقيق شعيب الأرناؤوط، فأين هذا من قوله (مما دعا ابن الجوزي إلى إدخال الكثير في موضوعاته) ؟!! ومن خلال هذا يتَّضِح لنا أنَّ العديد من الأحكام والإحصاءات التي يطلقها السيد الحيدريُّ صادرةٌ بلا أدنى تأملٍ أو تتبع، وإلا فالذي يخطو خطوات يسيرة في البحث حول هذه المسألة يعلم علم اليقين أنَّ العديد من علماء العامة لا يقبلون بأنَّ في المسند حديثاً موضوعاً، وأما من يقبل فلا يرى ذلك كثيراً بل قليل جداً كما عبَّر الحافظ الذهبي بأنّ الموضوعات في مسند أحمد قطرةٌ في بحر (24) والحافظ أبو الفضل العراقي الذي قال (25) : (فذكرت له أن الذي في المسند من هذا النوع أحاديث ذوات عدد ليست بالكثيرة) أو كالمحققين شعيب الأرناؤوط وأحمد شاكر كما تبيَّن مما تقدَّم!

            إبراهيم جواد
            قُم المقدَّسة (عُشُّ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام)
            الخميس، 25 ذو القعدة 1436 هـ / 10 سبتمبر 2015.

            https://twitter.com/ejawad91
            ------------------
            (1) عيون أخبار الرضا، ج1، ص 272، الناشر: انتشارات الشريف الرضي – قم المقدسة، الطبعة الأولى – 1378 هـ ش .
            (2) رجال الكشي، ص 299، رقم الحديث 403، تحقيق: محمد تقي فاضل الميبدي وأبو الفضل موسويان، الناشر: وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي - مؤسسة الطباعة والنشر، طهران 1382 هـ ش.
            (3) المصدر السابق، 297 – 298.
            (4) رجال النجاشي، ص 447، رقم الترجمة 1208، تحقيق : السيد موسى الشبيري الزنجاني، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة العاشرة 1432 هـ .
            (5) المصدر السابق، ص 231.
            (6) كتاب سليم بن قيس، ج2، ص 559. ورواه عنه الحلي في مختصر البصائر (انظر: بحار الأنوار، ج53، ص 86 نقلاً عن مختصر البصائر عن كتاب سليم، وقال العلامة المجلسي: (أقول: رأيت في أصل كتاب سليم بن قيس مثله).
            (7) الكافي، ج14، ص 416، الناشر: مؤسسة دار الحديث بقم المقدسة.
            (8) المصدر السابق، ج14، ص 414.
            (9) المصدر السابق، ج14، ص 416.
            (10) الذريعة، ج2، ص 160، الناشر : دار الأضواء - بيروت – لبنان، الطبعة الثانية.
            (11) بشارة المصطفى، ص 207، رقم الحديث 32، تحقيق: جواد القيومي الاصفهاني، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الثالثة 1425 هـ ، والخبر مروي عن الشيخ الطوسي وهو في أماليه.
            (12) الكافي، ج6، ص 141.
            (13) رجال الكشي، ص 586.
            (14) الغيبة، ص 255، تصحيح علي أكبر غفاري، الناشر: منشورات الفجر للطباعة والنشر – لبنان، الطبعة الأولى.
            (15) المصدر السابق، ص242.
            (16) المصدر السابق، ص 243.
            (17) الموروث الروائي بين النشأة والتأثير، ص 52.
            (18) العدة في أصول الفقه، ج1، ص 150، تحقيق: محمد رضا أنصاري، الناشر: مطبعه ستاره، الطبعة الأولى 1417 هـ .
            (19) المصدر السابق، ج1، ص 151.
            (20) عيون أخبار الرضا، ج1، ص 39.
            (21) الإرشاد، ج2، ص 247 – 248، تحقيق: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - قم، الطبعة الثانية 2008.
            (22) الموروث الروائي بين النشأة والتأثير، ص 53.
            (23) المصدر السابق، ص 57.
            (24) سير أعلام النبلاء، ج 11، ص 329، تحقيق: شعيب الأرناؤوط الناشر: مؤسسة الرسالة
            (25) انظر: القول المسدد في الذب عن مسند أحمد، ص 4، الناشر: مكتبة ابن تيمية – القاهرة، الطبعة الأولى 1401 هـ .

            تعليق


            • #7
              عندما زار الرئيس بشار الأسد سوتشي في آب (اغسطس) ٢٠٠٨ لتوقيع عقود تسليح جديدة ودعم التدخل العسكري الروسي في جورجيا، لم يكن يتوقع ان يأتي عام ٢٠١٥، حيث الدعم العسكري في الساحل محوري لبقاء النظام السوري، ولم يكن يتوقع ان تكون سورية بعد جورجيا وأوكرانيا مشاهدة مباراة برشلونة وروما ساحة كي يستعرض فيها بوتين عضلاته في اللعبة الدولية وينفذ عقيدته الدفاعية.
              في الفترة الأخيرة، أقدمت موسكو على جملة من الخطوات. سياسياً، استضافت اجتماعي «منتدى موسكو» بين النظام و «معارضين» في بداية العام الحالي وكانت لديها خيبة من موقف ممثل الحكومة الذي لم يقدم شيئاً بما في ذلك «الخدمة الشفوية». كما دعت الخارجية الروسية معظم، أو جميع، قادة التكتلات السياسية والشخصيات المعارضة لإجراء مشاورات وتوحيد المعارضة وكسر احتكار «الائتلاف الوطني السوري». ديبلوماسياً، كانت موسكو محرك إصدار بيان من مجلس الأمن تبنى «بيان جنيف» وضغطت على فنزويلا لدعم صدور البيان الرئاسي بالإجماع لمباركة مشروع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لعقد متزامن للجان العمل الأربع في جنيف في الأيام المقبلة وصولاً الى تقديم تقرير الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل مشاهدة مباراة الاهلي وبتروجيت. أمنياً، اقترحت «معجزة» تشكيل تحالف إقليمي - دولي يضم الجيش النظامي لمحاربة «الإرهاب» كما نظمت لقاءات بين مسؤولين أمنيين سوريين وخليجيين، في وقت تحولت موسكو وجهة لقادة عرب بحثاً عن حل للأزمة السوررية. عسكرياً، رفعت موسكو، بناء على دعوة رسمية من الأسد، نوعية وكمية الدعم العسكري للنظام عبر ارسال مزيد من الخبراء والسيطرة على مطار اللاذقية وبحث احتمال تحويل الميناء في طرطوس الى قاعدة عسكرية.

              تعليق


              • #8
                الموروث الروائي بين الحقيقة ووهم النقد العلمي - (الحلقة السادسة)

                الموروث الروائي بين الحقيقة ووهم النقد العلمي - (الحلقة السادسة)






                بسم الله الرحمن الرحيم
                إسلام محوريّة الثقلين

                { الموروث الروائي بين الحقيقة ووهم النقد العلمي }

                الحلقة السادسة







                الآراء في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) حول صحة الكتب


                قال السيِّد الحيدري (1) : (ومقتضى الإنصاف هو القول بأنَّ مدرسة أهل البيت تمتاز على مدرسة الصحابة بأنه لا قائل فيها بتصحيح أي كتاب حديثي بخلاف مدرسة الصحابة القائلة بوجود كتابي الصحاح).

                وهذا الكلام ليس بصحيح إطلاقاً، فهناك العديد من العلماء الإمامية قد قالوا بصحَّة الكتب الأربعة ولا سيَّما علماؤنا الأخباريّون، وإليكَ بعض الأقوال في إثبات هذا :

                قال العلامة المجلسي (2) : (قوله - أي الكليني -: بالآثار الصحيحة استدل به الأخباريون على جواز العمل بجميع أخبار الكافي وكون كلها صحيحة) أما الشيخ الحر العاملي فقد ذكر جمعاً من العلماء القائلين باعتبار الكتب الأربعة، فقال (3): ( في ذكر شهادة جمع كثير من علمائنا بصحّة الكتب التي نقلنا منها وأمثالها وثبوت ما فيها من النقل عنهم عليهم السلام وقد شهد أكثر علمائنا بذلك، وبأنّ تلك الأخبار بعضها متواتر والباقي محفوف بالقرائن ونقتصر منهم على اثني عشر) وذكر بعض أقوال العلماء وفي سياق ذلك قال معلِّقاً على كلام الشيخ البهائي (4) : (وهذه شهادة صريحة بصحّة أحاديث الكتب المشار إليها وأمثالها بمعنى ثبوتها عن الأئمّة عليهم السلام وإنّها جميعها منقولة من تلك الأصول المعتمدة الثابتة بالقرائن القطعيّة، وقد شهد بمثل هذه الشهادة بل أبلغ منها الشهيد الثاني) فيما يصرِّح السيد الخوئي بقوله (5) : (وقد شجب الأخباريون تنويع الحديث، وعدّوه من البدع التي يحرم العمل بها، وبسطوا البحث في إبطاله وإثبات صحة جميع أخبار كتبنا الأربعة) فيما السيِّدُ كمال الحيدري بنفسه قد قال (6) : (إذن ما هي الخطوات التي أسس لها المنهج الأخباري؟ لأنه اتضح أنَّ مرجعيته الرواية والحديث، الخطوة الأولى التي اتخذها والتي وقفنا عندها إجمالاً هو تصحيح الكتب الأربعة). ومن خلال ما تقدَّم، يعرف القارئ مقدار التناقض والاضطراب فيما يقدمه السيِّدُ الحيدري لقراء (كتبه التنقيحية) للتراث الإسلامي.


                هل أخبار التختم في اليسار موضوعة ؟!


                روي عن الصادق عن أبيه عليه السلام : ( كان الحسنُ والحسين يتختمان في يسارهما).

                وزعم السيِّدُ الحيدري أنَّ أوَّل من روى هذه الرواية هو ابن أبي شيبة الكوفي (ت: 235 هـ) ثم تسربت هذه الرواية إلى كتاب الكافي للشيخ الكليني (7)، وبعد أن نقل كلام العلامة المجلسي في حمل الخبر على التقية والتفصيلات التاريخية التي أوردها العلَّامة (قدس سره) حول تحريف سنة التختم باليمين، وبيان أن التختم باليسار هو من السنن الأموية التي سُنَّت لمخالفة أهل البيت (عليهم السلام)، أصرَّ السيد الحيدري على أن الخبر موضوعٌ وقال (8):

                (إلا أن حمل التختم في اليسار على التقية لا معنى له، وقد كان الأمر واضحاً فيما لو حقق في أصل الخبر، وظهر لهم المكنون في كون الخبر سلطوياً على لسان حاتم بن إسماعيل في كتب مدرسة الصحابة كما تقدَّم) ويمكن الكلام فيما تقدم في عدة نقاط :

                النقطة الأولى : إنَّ الخبر عن الإمام الصادق ( عليه السلام) بتختم الحسنين (عليهما السلام) في يسارهما، لم يتفرَّد حاتم بن إسماعيل به ليُقال إنَّه من موضوعاته، فقد روى ثقة الإسلام الكليني في هذا المضمون من غير طريق حاتم، قال (9) : (عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري عن ابن القداح، عن أبي عبد الله عليه السلام كان علي والحسن والحسين صلوات الله عليهم يتختمون في أيسارهم) وقال (10) : (عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان، عن يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان الحسن والحسين عليهما السلام يتختمان في يسارهما) وأيضاً روى في تختم الباقر (عليه السلام) (11) : (عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن الحكم، عن أبان عن يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سأله عن التختم في اليمين وقلت : إني رأيت بني هاشم يتختمون في أيمانهم فقال: كان أبي يتختم في يساره وكان أفضلهم وأفقههم ) فأي هذه الطرق قد وضعها حاتم بن إسماعيل ؟! وما الدليل على ذلك؟! وهل كل هذه الطرق التي أوردها علماؤنا (سلطويَّة) ؟!

                النقطة الثانية : كما يظهر فإنَّ الرواية قد تعددت عن الصادق (عليه السلام) بين يحيى بن أبي العلاء وعبدالله بن القداح وحاتم بن إسماعيل وهذا يرفع شبهة الوضع نوعاً ما، ويقوِّي هذا أن بعض الأئمة (عليهم السلام) كانوا يفتون بجواز التختم باليسار، ففي كتاب الكافي رواية في هذا الأمر (12): (عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن علي بن أسباط، عن علي بن جعفر قال : سألت أخي موسى عليه السلام عن الخاتم يلبس في اليمين فقال : إن شئت في اليمين وإن شئت في اليسار) ورواه الحميري في (قرب الإسناد) (13) : (عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام، قال: وسألته عن الرجل يلبس الخاتم في اليمين؟ قال: إن شئت في اليمين، وإن شئت في الشمال) والرواية أصلها في مسائل علي بن جعفر، فقد نقلها البزنطي في (الجامع) بصيغة الإضمار واستطرفها ابن إدريس، ولكن كل روايات المسائل التي أُوْرِدَتْ بصورة مضمرة هي من كتاب مسائل علي بن جعفر كما صرَّح بذلك السيد المحقق محمد مهدي الخرسان (14): (ولكن لدى التحقيق تبيّن أنّ تلك المسائل جميعها من جملة مسائل الشريف السيد الجليل علي بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، سألها من أخيه الإمام موسى بن جعفر عليه السلام).

                النقطة الثالثة : إذا عرفنا أن حاتم بن إسماعيل عاميٌ، فاحتمال أن الإمام (عليه السلام) كان يتقيه واردٌ جداً، فبأي دليل يُدفع هذا الاحتمال ؟! مع العلم أنَّ جميع هذه الروايات الدالة على جواز التختم باليسار أقرب إلى كونها للتقيَّة؛ لموافقتها مسلك بني أميَّة والنواصب في مخالفة أهل البيت (عليهم السلام) وقد بسط علماؤنا الكلام في إثبات هذا الأمر فليُراجع في محله. والتساؤلات التي تُفَنِّدُ توهّمات السيِّد :

                (1) هل يلزم من كون الراوي عاميَّاً أن يكون كذَّاباً وضَّاعاً؟ بالطبع لا. إذن فأين الدليل على كون الحديث موضوعاً من جهة حاتم بن إسماعيل؟ وما القرائن المؤيِّدة لهذا القول؟!

                (2) هل يلزم من موافقة حديثٍ ما لمسلك حكومات الظالمين أنَّه موضوع؟! أيضاً لا يلزم هذا، بل أخبار التقية جاءت على هذا النحو لموافقة مذاهب السلاطين الظالمين صوناً لدماء شيعة أهل البيت (عليهم السلام) والأخبار كثيرة في هذا الجانب ودالة على الإطلاق والعموم وأنّ التقية شاملة لكل الموارد إلا ما خرج بالدليل. قال السيد الإمام الخميني (قدس سره) (15) : (ثمّ إنّه لا ريب في عموم أخبار التقيّة وإطلاقها كصحيحة الفضلاء قالوا : سمعنا أبا جعفر (عليه السّلام) يقول: « التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلَّه الله له » ورواية الأعجمي عن أبي عبد الله (عليه السّلام) في حديث أنّه قال : « لا دين لمن لا تقيّة له، والتقيّة في كلّ شيء إلَّا في النبيذ والمسح على الخفّين ») بل وفي بعض الموارد يظهر أنَّ الأئمة (عليهم السلام) يخالفون بين فتاواهم ابتداءً؛ ليختلف الشيعة في أداء تكاليفهم فلا يمكن معرفتهم جميعاً وإن اشتدت عليهم المراقبة، روى الشيخ الصدوق بسندٍ صحيح - أو موثَّق على فرض ثبوت فطحية ابن فضَّال - (16) : (أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن محمد بن عبد الجبار عن الحسن بن علي بن فضال عن ثعلبة بن ميمون عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن مسألة فأجابني قال: ثم جاء رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ثم جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت: يا ابن رسول الله رجلان من أهل العراق من شيعتك قدما يسألان فأجبت كل واحد منها بغير ما أجبت به الآخر! قال: فقال: يا زرارة، إن هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم ولو اجتمعتم على أمر واحد لقصدكم الناس ولكان أقل لبقائنا وبقائكم، قال : فقلت لأبي عبد الله عليه السلام شيعتكم لو حملتموهم على الأسنة أو على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين. قال : فسكت فأعدت عليه ثلاث مرات فأجابني بمثل أبيه).

                وروى الشيخ في التهذيب عن سالم بن أبي خديجة (17) : (قال: سأل إنسان وأنا حاضر فقال: ربما دخلت المسجد وبعض أصحابنا يصلي العصر وبعضهم يصلي الظهر فقال : أنا أمرتهم بهذا لو صلوا على وقت واحد لعُرِفُوا فأخذوا برقابهم).

                والخلاصة مما تقدَّم، أنَّه لا يلزم من كون الراوي عاميَّاً أن يكون حديثه موضوعاً، ولا إذا وافق الخبر سلطات بني أمية وغيرهم يعني أن هذا الخبر موضوع على لسان أئمة الهدى (عليهم السلام) فما أورده السيِّدُ الحيدري لا يتعدى التكهنات والظنون. ولهذا فإن السيد والكثير ممن يتسرعون بإتهام الروايات بالوضع يتجاوزون دراسة ظروف صدور الروايات إلى النظر إلى دلالة متنها بعيداً عن أجواء زمانها، وبمجرد مخالفتها يرمونها بالوضع وهذا ليس بصحيح، فنحن نعلم أن غالب تقية الأئمة (عليهم السلام) كانت في الفتوى وذلك لحفظ شيعتهم من العامة بل من غيرهم أيضاً، يقول السيِّدُ الإمام الخميني (قدس سره) (18) : (والظاهر أنّ غالب تقيّة الأئمّة (عليهم السّلام) في الفتوى لأجل حفظ شيعتهم وكذا لا إشكال في شمولها بالنسبة إلى المتقى منه كافراً كان أو مسلماً مخالفاً أو غيرهما. وكون كثير من أخبارها ناظراً إلى المخالفين، لا يوجب اختصاصها بهم لعدم إشعار فيها على كثرتها بذلك وإن كان بعض أقسامها مختصّاً بهم) فهذا يدل على عموم البلوى بالتقيّة في الفتوى بسبب المخالفين بل ما هو أعمّ من أهل الخلاف، فتأمّل. ولأجل هذا فإنَّ التسرع برمي أي خبر تُحْتَمَلُ التقيّة فيه بالوضع هو من المجازفات غير المقبولة لا سيَّما إذا افتُقِدَتْ (الأدلة الخاصة) على الوضع، وإلا فإنَّ مجرد المخالفة للصواب والموافقة لعلماء المخالفين وسلاطينهم لا تستدعي الحكم بالوضع؛ لما علمنا أنّ الفتوى كانت محلّ ابتلاء بأحكامٍ على سبيل التقيّة، وفي هذا يقول المحققُ البحراني (19) : (قد عرفت في المقدمة الأولى من أن منشأ الاختلاف في أخبارنا إنما هو التقية من ذوي الخلاف لا من دس الأخبار المكذوبة) وأما السيد الخوئي (قدس سره) فيقول (20) : (في كتب الحديث عند الشيعة الإمامية، حيث ذكر الدكتور الكتب الثمانية المشهورة منها، ونظر إليها على مستوى واحد فحكم بأن أحاديثها خام لم يجر عليها عمليات تهذيب وتشذيب إلى يومنا هذا. ويوهنه الأدلة السابقة التي ثبت بها أن ثقات رواة الإمامية، والقدماء من مؤلفي كتبهم الأربعة، ونظائرها من الكتب المعتبرة قد أجروا أكبر عملية تهذيب للأحاديث، حتى لم يبق مجال للقول بتسرّب الأحاديث المدسوسة إلى تلك الكتب) ثم يعقب مشيراً إلى نتيجة التنقيح والتهذيب الذي قام به المحمدون الثلاثة في الكتب الأربعة (21) : (الثابت بتلك الأمور سلامة الأخبار الواردة في تلك الكتب من الوضع والدس). فما في الكتب الأربعة من الأحاديث التي ظاهرها البطلان لا يبعد كونها من الأخبار التي وردت على سبيل التقيَّة أو غير ذلك، وأما دعوى الوضع والدس فبحاجة إلى أدلة خاصة تورث الاطمئنان وإلا فلا اعتبار لأي كلام من هذا القبيل.

                وأحبُّ أن أختم بتنبيهٍ مهم أشير فيه إلى خطأ فظيعٍ في معايير الإتهام بالوضع، فالسيد الحيدري لديه هاجس غير مُبَرَّر من الآثار الأمويَّة في التعامل مع الروايات، وهذا لا وجه له ليتعدَّى إلى خارج النطاق المقبول والمعقول، فمثلاً قد أورد السيد في كتابه روايةً من التراث السني مفادها أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) مرَّ بأبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) وهو مضطجع على بطنه، فوكزه النبي برجله وقال له إنَّ هذه ضجعة أهل النار، وهنا يتدخل السيد الحيدري معلقاً بأن هذه من الآثار الأموية للإساءة إلى المقربين من أمير المؤمين عليه السلام والمناوئين لمعاوية وبني أمية (22) !!

                وللإنصاف فإنَّ السيد الحيدري لا يقدر على إلزام الخصوم من أهل السنة بهذا المنطق الضعيف ولا حتى إلزام أي مسلم عاقل من المذاهب الإسلامية بهذا الأسلوب في محاكمة الروايات، فغاية ما تدل عليه الرواية أنَّ أبا ذر الغفاري (رضي الله عنه) قد ارتكب مكروهاً والنبي (صلى الله عليه وآله) نبهه لتجنّبه، وهذا الفعل قد يكون من أبي ذر على سبيل عدم معرفته بالحكم أو عدم رغبته بتجنب هذا المكروه أو لغفلته عن حكم كراهة النوم على البطن، وهل أبو ذر معصوم؟ وهل الأصحاب المقربون من أمير المؤمنين (عليه السلام) يستحيل في حقهم أن يفعلوا مكروهاً أو حراماً؟! هذه الخلفيَّة الذهنية التي ينطلق منها السيِّدُ الحيدري في محاكمة الروايات لا تنفع كقواعد علمية ومنصفة في رمي الروايات بالوضع والجعل، ولهذا يجب أن تؤسس منهجيّة علمية واضحة في بيان مقبوليّة الرواية ومدى صحّة متنها؛ لأن هذه التطبيقات العشوائية غير المنهجية لا تنفع في تنقيح التراث بمصداقيَّة وواقعية بل غاية ما تفعله هو أن تكشف عن ضعف وقصور أصحابها في هذا المجال، والحمد لله رب العالمين.


                إبراهيم جواد

                قُم المقدَّسة (عُشُّ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام)

                الأربعاء، 30 ذي الحجة 1436 هـ / 14 أكتوبر 2015.
                https://twitter.com/ejawad91



                -----------------

                (1) الموروث الروائي بين النشأة والتأثير، ص 59.

                (2) مرآة العقول، ج1، ص 21، الناشر: دار الكتب الإسلامية - الطبعة الثانية، طهران.

                (3) هداية الأمة إلى أحكام الأئمة، ج8، ص 564، التحقيق : قسم الحديث في مجمع البحوث الإسلامية، الناشر: مجمع البحوث الإسلامية، مشهد.

                (4) المصدر السابق، ج8، ص 568.

                (5) قواعد الحديث، ص16 -17، الناشر: دار الأضواء، الطبعة الثانية، بيروت، 1406 هـ.

                (6) موقع السيِّد كمال الحيدري، دروس خارج الأصول، الدرس 166.

                الرابط : http://alhaydari.com/ar/2013/11/51068/

                (7) الموروث الروائي بين النشأة والتأثير، ص 229 – 230.

                (8) الموروث الروائي بين النشأة والتأثير، 231. وقد يُقال : إن عبارة السيد قد لا تدل على أن حاتم قد وضع الحديث، بل ربما وضعته السلطة على لسانه. والجواب : إنَّ السيد قد اتهم حاتم بن إسماعيل بنفسه فانظر ص 225 و226 من نفس الكتاب حيث يشير إلى تتلمذه على يد الصادق (عليه السلام) واستغلال هذا الأمر ليضع على لسان الإمام، مضافاً إلى أنّه لو سلمنا أن السلطة وضعت على لسان حاتم بن إسماعيل، فلا بد من الأدلة الخاصة لا الادعاءات المتكررة.

                (9) الكافي، ج13، ص 84 - 85، الناشر: مؤسسة دار الحديث بقم المقدسة.

                (10) المصدر السابق، ج13، ص 85.

                (11) المصدر السابق، ج13، 83.

                (12) المصدر السابق، ج13، ص 84.

                (13) قرب الإسناد، ص293، تحقيق: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1993م.

                (14) موسوعة ابن إدريس الحلي ج14، مستطرفات السرائر (باب النوادر)، ج7، ص 97، تحقيق وتقديم: السيد محمد مهدي حسن الخرسان، الناشر: انتشارات دليل ما - قم المقدسة، 1429 هـ .

                (15) الرسائل العشرة، ص10، تحقيق ونشر: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، الطبعة الأولى، 1420 هـ.

                (16) علل الشرائع، ج2، ص 535، باب العلة التي من أجلها حرم الله تعالى الكبائر، رقم الحديث 16، الناشر: منشورات كلمة الحق الطبعة الأولى - 2009م، قدم له: السيد محمد صادق بحر العلوم.

                (17) تهذيب الأحكام، ج2، ص 253، باب المواقيت، رقم الحديث 37، تحقيق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الناشر: دار الكتب الإسلاميَّة - طهران.

                (18) الرسائل العشرة، ص 11.

                (19) الحدائق الناضرة، ج1، ص 15، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

                (20) قواعد الحديث، ص 148 - 149.

                (21) المصدر السابق، ص 150. (22) الموروث الروائي بين النشأة والتأثير، ص 239.

                تعليق

                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                حفظ-تلقائي
                x

                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                صورة التسجيل تحديث الصورة

                اقرأ في منتديات يا حسين

                تقليص

                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
                استجابة 1
                10 مشاهدات
                0 معجبون
                آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                بواسطة ibrahim aly awaly
                 
                أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
                ردود 2
                12 مشاهدات
                0 معجبون
                آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                بواسطة ibrahim aly awaly
                 
                يعمل...
                X