ذكر نهضة الإمام الحسين في المدينة
ورفضه البيعة لطاغية زمانه
حتى دخوله مكة المكرمة ، وشهادة مسلم بن عقيل
التذكرة الأولى :
إنا الله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله :
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ :
الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ : وَصَلّى الله عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ نَبِيّهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسليماً .
اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ : عَلى ما جَرى بِهِ قَضاؤُكَ فِي أَوْلِيائِكَ الَّذينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَدِينِكَ .
إِذْ اخْتَرْتَ لَهُمْ: جَزِيلَ ما عِنْدَكَ مِنَ النَّعيمِ المُقيمِ الَّذِي لا زَوالَ لَهُ وَلا اضْمِحْلالَ.
بَعْدَ أَنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِمُ : الزُّهْدَ فِي دَرَجاتِ هذِهِ الدُّنيا الدَّنِيَّةِ وَزُخْرُفِها وَزِبْرجِها
فَشَرَطُوا لَكَ ذلِكَ
وَعَلِمْتَ مِنْهُمُ : الوَفاءَ بِهِ ، فَقَبِلْتَهُمْ وَقَرَّبْتَهُمْ وَقَدَّمْتَ لَهُمُ الذِّكْرَ العَلِيَّ وَالثَّناءَ الجَلِيَّ
وَأَهْبَطْتَ عَلَيْهِمْ مَلائِكَتَكَ ، وَكَرَّمْتَهُم بِوَحْيِكَ ، وَرَفَدْتَهُمْ بِعِلْمِكَ .
وَجَعَلْتَهُمُ الذَّرِيعَةَ إِلَيْكَ ، وَالوَسِيلَةَ إِلى رِضْوانِكَ ...
قال الله سبحانه وتعالى :{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ
بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ (154)
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ
إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156)
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} البقرة.
فصلاة الله وسلامه ورحمته وبركاته : على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، أولياء الهدى وأئمة الصدق وسادة الحق ، الذين كرمهم الله بالشهادة ورزقهم وشيعتهم السعادة ، وعرف العباد بهم العبادة ، وكل ما يوصل لرضاه وكرامته ولهم منه الزيادة ، بعد أن ابتلاهم بكلمات تامات ، فأتموا ظهور حقائقها بما يحب ويرضى سبحانه علما وعملا وسلوكا في كل أدوار الحياة، فكانوا الصراط المستقيم إلى كل نعيم في الدنيا وبعد الممات.
وأبتلى الله سبحانه العباد بهم : فمن عرفهم وسلك سبيلهم ونصرهم بكل وجوده علما وعملا وعبادة ، كان معهم ، وفاز بالحسنى ، ومن تبع أعدائهم والأئمة الطغاة على الحق ، والحكام الضالين عن الهدى والرشد وأوليائهم خسر الدنيا والآخرة ، فيكون تعبه نصبا ونصرا للباطل والضلال ، وعمله هباء منثورا وفي انحلال ، لأن الله عرف الحق وأهله والرشد ومحله ، ونوره وسادته الواجب طاعتهم ، ولله الحجة البالغة في اختبار عباده وتمت على الكل، وعرفها من يبحث عن الحق وأهله ويتبعه وحتى مقلد أهل الباطل وناصرهم.
ولذا قال سبحانه وتعالى في بيان اختباره لعباده :
{ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُو وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ (4)
مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)
وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) } العنكبوت .
وقال سبحانه وتعالى :
{ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)
إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ
وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ
وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء
وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)
وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) } آل عمران .
فسُنة الله سبحانه الاختبار : ويداول الأيام بين الناس ليظهر حقائقهم ، وإن الله بعد نبيه أجرى سنته ، وليمحص المؤمنين ليظهر حقائقهم ويميزهم عمن يتبع أهل الباطل ، فتبين حقائق المخلصين الثابتين على الحق ولم يغتر بكثرة من يدعي الإيمان بدونه.
فأراهم سبحانه : إن من المنتحلين للدين والظالمين والطغاة ومن يتبع المكر والحيلة والخداع يمكن أن يستلم الحكم ويسيطر على زمام أمور المسلمين ، ويدعي خلافة رسول الله ، حتى وصل الأمر لأعدا أعداء الله وأصل الكفر والنفاق معاوية وأبنه وأمثالهم ، و باسم الإسلام حاربوا سادة الحق وأئمة الهدى وقتلوهم وعملوا ما لم يعمله أظلم الظالمين.
فكانت شهادة سيد شباب أهل الجنة : على يد ممن يدعي الإسلام ، وممن خدع المسلمين عن دينهم حتى حسبوا أنهم يتقربون لله بدم الحسين ، والله عرفهم أنه يختبرهم ويبتليهم ، لتظهر حقائقهم ويعتبر المسلمون والمؤمنون بما تصل إليه الأمور ، وليحتاط المؤمن لدينه ويكون مع الحق أبدا ، ويبحث عن الهدى الواقعي دائما ، ولا يتبع كل متسلط جبار طاغي ، فإن مصيرهم إلى النار هو وأتباعه مهما كانوا .
ولذا لما جاء دور الإمام الحسين عليه السلام: في استلام قيادة المسلمين وسيادتهم بعد أخيه الأكبر الذي خُذل من قبل كأبيه ولم ينصرا ، ولكنه عليه السلام لما عرف أنه الحق قد استبان وظهر بعد ما أجرى معاوية من الظلم والضلال وقتل المؤمنين ونفي أهل الحق، حتى أنه كل من تقاعس عن نصر أبيه وأخيه كاتبه يطلب الظهور بالحق ، والتحلي بكل الدين والهدى الصادق، فقام بواجبه وهو يعلم أنهم لكاذبون ، ولكن الله أبتلاه فأتم كلمات الله، وأما المسلمون فمن نصره كان معه في أعلى عليين، ومن خذله وتابع أئمة الكفر خسر الدنيا والآخرة ، وقد عمل عليه السلام بما قال الله سبحانه :
{ لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ
وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ
فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ
عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى
وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمً (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (96) } النساء .
لأن الإمام الحسين عليه السلام : هو الإمام الواجب الطاعة ويعرفه كل المسلمون ، بأنه ريحانه رسول الله وسيد شباب أهل الجنة وسبطه الواجب الطاعة بعد أخيه وأبيه ، وإن الله عرف كل عباده أنه في كل الأحوال وفي جميع أيام الزمان أنه هناك لبني آدم أئمة حق وأئمة باطل كما في قوله تعالى :
{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)
يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ
فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)
وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) } الإسراء
فكان هناك إمام الحق وسيد الشهداء وأهل الجنة : جاهد وقاتل من قاتلهم جده رسول الله سيد الأنبياء والمرسلين ، وأبيه سيد الوصيين أمير المؤمنين ، وأخيه الحسن سيد شباب ، وهناك كان حاكم جور وبفسق لم يرعى القربى والإل من النبي فضلا عن الذمام الواجب عليهم في رعاية حق كل مسلم فضلا عن آل محمد ، ولكنهم نقضوا من قبل وطالبوا بكل وقاحة بشرعية تطبيق الباطل وتوريث الفسق والفجور والظلال والظهور به فرفض الإمام الحسين عليه السلام وقام بواجبه في مقاتلة أئمة الكفر كما قال سبحانه:
{ لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)
فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ
فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)
وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ
فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ
إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (12)
أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ (13) } التوبة .
وهكذا نرى إمام الباطل من بني أمية وطاغيتهم : الذي تسلط بالظلم والعدوان يصر على الإثم والعدوان والظهور بالفساد والطغيان ، ويطالب أمام الحق بالبيعة له وإقرار على فسقه وفجوره ، فرفض وقاتلهم يرجوا فضل الله حتى الشهادة ، وقد كرمه الله سبحانه بما عرفت من الفضائل والمناقب ، وهم أهل التقى والعلم والظهور بحقائق الدين بكل وجودهم ، بلوا وامتحنوا بشر الناس ، فكانت حكمة الله مقضيه وله الأمر من قبل ومن بعد ، وإن لله وإنا إليه راجعون ، وقد جاء الحديث في بيان الطرفين :
عن ابْنُ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ :
ثَلَاثٌ هُنَّ فَخْرُ الْمُؤْمِنِ وَ زَيْنُهُ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ :
الصَّلَاةُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ ، وَ يَأْسُهُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ ، وَ وَلَايَتُهُ الإمام مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام .
قَالَ عليه السلام : وَ ثَلَاثَةٌ هُمْ شِرَارُ الْخَلْقِ ابْتُلِيَ بِهِمْ خِيَارُ الْخَلْقِ :
أَبُو سُفْيَانَ أَحَدُهُمْ قَاتَلَ رَسُولَ اللَّهِ وَ عَادَاهُ .
وَ مُعَاوِيَةُ قَاتَلَ عَلِيّاً وَ عَادَاهُ .
وَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ لَعَنَهُ اللَّهُ قَاتَلَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَ عَادَاهُ حَتَّى قَتَلَهُ[1] .
ويا طيب : قد عرفت بكل تفصيل في مصباح الهدى أسباب وشؤون وآثار ثورة الإمام الحسين عليه السلام ، وإن الله سبحانه أبتلى به المؤمنون وأظهر صدقهم ، وعرفه لكل المسلمين في مجالس ذكره التي يشرق نورها لكل العباد، وتُعرف حقه وسيادته إلى يوم الدين ، وتريهم ما حل بالمسلمين من الفتن حتى حارب أهل الدنيا والمنافقين ، ومن لم تهمه دماء المسلمين وحقوقهم، وهم حكام الضلال والطغاة وأئمة الكفر ومعهم أتباعهم وأوليائهم، وبكل ما أتوا من قوة وفكر ماكر وخداع ضال وادعاء باطل بخلافتهم للنبي ، فحاربوا أئمة الحق ولاة أمر الله وآل النبي الكرام الطيبين الطاهرين و عترته الذين أختارهم الله وأمر بودهم و ومحبتهم وطاعتهم والكون على صراطهم المستقيم ، ولله في خلقه شؤون يختبر عباده ، ولمعرفة وقائع ما حل بالحسين عليه السلام نتابع بعد التذكرة .
العلوية خادمة الزهراء
ورفضه البيعة لطاغية زمانه
حتى دخوله مكة المكرمة ، وشهادة مسلم بن عقيل
التذكرة الأولى :
إنا الله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله :
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ :
الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ : وَصَلّى الله عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ نَبِيّهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسليماً .
اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ : عَلى ما جَرى بِهِ قَضاؤُكَ فِي أَوْلِيائِكَ الَّذينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَدِينِكَ .
إِذْ اخْتَرْتَ لَهُمْ: جَزِيلَ ما عِنْدَكَ مِنَ النَّعيمِ المُقيمِ الَّذِي لا زَوالَ لَهُ وَلا اضْمِحْلالَ.
بَعْدَ أَنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِمُ : الزُّهْدَ فِي دَرَجاتِ هذِهِ الدُّنيا الدَّنِيَّةِ وَزُخْرُفِها وَزِبْرجِها
فَشَرَطُوا لَكَ ذلِكَ
وَعَلِمْتَ مِنْهُمُ : الوَفاءَ بِهِ ، فَقَبِلْتَهُمْ وَقَرَّبْتَهُمْ وَقَدَّمْتَ لَهُمُ الذِّكْرَ العَلِيَّ وَالثَّناءَ الجَلِيَّ
وَأَهْبَطْتَ عَلَيْهِمْ مَلائِكَتَكَ ، وَكَرَّمْتَهُم بِوَحْيِكَ ، وَرَفَدْتَهُمْ بِعِلْمِكَ .
وَجَعَلْتَهُمُ الذَّرِيعَةَ إِلَيْكَ ، وَالوَسِيلَةَ إِلى رِضْوانِكَ ...
قال الله سبحانه وتعالى :{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ
بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ (154)
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ
إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156)
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} البقرة.
فصلاة الله وسلامه ورحمته وبركاته : على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، أولياء الهدى وأئمة الصدق وسادة الحق ، الذين كرمهم الله بالشهادة ورزقهم وشيعتهم السعادة ، وعرف العباد بهم العبادة ، وكل ما يوصل لرضاه وكرامته ولهم منه الزيادة ، بعد أن ابتلاهم بكلمات تامات ، فأتموا ظهور حقائقها بما يحب ويرضى سبحانه علما وعملا وسلوكا في كل أدوار الحياة، فكانوا الصراط المستقيم إلى كل نعيم في الدنيا وبعد الممات.
وأبتلى الله سبحانه العباد بهم : فمن عرفهم وسلك سبيلهم ونصرهم بكل وجوده علما وعملا وعبادة ، كان معهم ، وفاز بالحسنى ، ومن تبع أعدائهم والأئمة الطغاة على الحق ، والحكام الضالين عن الهدى والرشد وأوليائهم خسر الدنيا والآخرة ، فيكون تعبه نصبا ونصرا للباطل والضلال ، وعمله هباء منثورا وفي انحلال ، لأن الله عرف الحق وأهله والرشد ومحله ، ونوره وسادته الواجب طاعتهم ، ولله الحجة البالغة في اختبار عباده وتمت على الكل، وعرفها من يبحث عن الحق وأهله ويتبعه وحتى مقلد أهل الباطل وناصرهم.
ولذا قال سبحانه وتعالى في بيان اختباره لعباده :
{ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُو وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ (4)
مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)
وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) } العنكبوت .
وقال سبحانه وتعالى :
{ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)
إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ
وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ
وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء
وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)
وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) } آل عمران .
فسُنة الله سبحانه الاختبار : ويداول الأيام بين الناس ليظهر حقائقهم ، وإن الله بعد نبيه أجرى سنته ، وليمحص المؤمنين ليظهر حقائقهم ويميزهم عمن يتبع أهل الباطل ، فتبين حقائق المخلصين الثابتين على الحق ولم يغتر بكثرة من يدعي الإيمان بدونه.
فأراهم سبحانه : إن من المنتحلين للدين والظالمين والطغاة ومن يتبع المكر والحيلة والخداع يمكن أن يستلم الحكم ويسيطر على زمام أمور المسلمين ، ويدعي خلافة رسول الله ، حتى وصل الأمر لأعدا أعداء الله وأصل الكفر والنفاق معاوية وأبنه وأمثالهم ، و باسم الإسلام حاربوا سادة الحق وأئمة الهدى وقتلوهم وعملوا ما لم يعمله أظلم الظالمين.
فكانت شهادة سيد شباب أهل الجنة : على يد ممن يدعي الإسلام ، وممن خدع المسلمين عن دينهم حتى حسبوا أنهم يتقربون لله بدم الحسين ، والله عرفهم أنه يختبرهم ويبتليهم ، لتظهر حقائقهم ويعتبر المسلمون والمؤمنون بما تصل إليه الأمور ، وليحتاط المؤمن لدينه ويكون مع الحق أبدا ، ويبحث عن الهدى الواقعي دائما ، ولا يتبع كل متسلط جبار طاغي ، فإن مصيرهم إلى النار هو وأتباعه مهما كانوا .
ولذا لما جاء دور الإمام الحسين عليه السلام: في استلام قيادة المسلمين وسيادتهم بعد أخيه الأكبر الذي خُذل من قبل كأبيه ولم ينصرا ، ولكنه عليه السلام لما عرف أنه الحق قد استبان وظهر بعد ما أجرى معاوية من الظلم والضلال وقتل المؤمنين ونفي أهل الحق، حتى أنه كل من تقاعس عن نصر أبيه وأخيه كاتبه يطلب الظهور بالحق ، والتحلي بكل الدين والهدى الصادق، فقام بواجبه وهو يعلم أنهم لكاذبون ، ولكن الله أبتلاه فأتم كلمات الله، وأما المسلمون فمن نصره كان معه في أعلى عليين، ومن خذله وتابع أئمة الكفر خسر الدنيا والآخرة ، وقد عمل عليه السلام بما قال الله سبحانه :
{ لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ
وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ
فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ
عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى
وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمً (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (96) } النساء .
لأن الإمام الحسين عليه السلام : هو الإمام الواجب الطاعة ويعرفه كل المسلمون ، بأنه ريحانه رسول الله وسيد شباب أهل الجنة وسبطه الواجب الطاعة بعد أخيه وأبيه ، وإن الله عرف كل عباده أنه في كل الأحوال وفي جميع أيام الزمان أنه هناك لبني آدم أئمة حق وأئمة باطل كما في قوله تعالى :
{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)
يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ
فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)
وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) } الإسراء
فكان هناك إمام الحق وسيد الشهداء وأهل الجنة : جاهد وقاتل من قاتلهم جده رسول الله سيد الأنبياء والمرسلين ، وأبيه سيد الوصيين أمير المؤمنين ، وأخيه الحسن سيد شباب ، وهناك كان حاكم جور وبفسق لم يرعى القربى والإل من النبي فضلا عن الذمام الواجب عليهم في رعاية حق كل مسلم فضلا عن آل محمد ، ولكنهم نقضوا من قبل وطالبوا بكل وقاحة بشرعية تطبيق الباطل وتوريث الفسق والفجور والظلال والظهور به فرفض الإمام الحسين عليه السلام وقام بواجبه في مقاتلة أئمة الكفر كما قال سبحانه:
{ لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)
فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ
فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)
وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ
فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ
إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (12)
أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ (13) } التوبة .
وهكذا نرى إمام الباطل من بني أمية وطاغيتهم : الذي تسلط بالظلم والعدوان يصر على الإثم والعدوان والظهور بالفساد والطغيان ، ويطالب أمام الحق بالبيعة له وإقرار على فسقه وفجوره ، فرفض وقاتلهم يرجوا فضل الله حتى الشهادة ، وقد كرمه الله سبحانه بما عرفت من الفضائل والمناقب ، وهم أهل التقى والعلم والظهور بحقائق الدين بكل وجودهم ، بلوا وامتحنوا بشر الناس ، فكانت حكمة الله مقضيه وله الأمر من قبل ومن بعد ، وإن لله وإنا إليه راجعون ، وقد جاء الحديث في بيان الطرفين :
عن ابْنُ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ :
ثَلَاثٌ هُنَّ فَخْرُ الْمُؤْمِنِ وَ زَيْنُهُ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ :
الصَّلَاةُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ ، وَ يَأْسُهُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ ، وَ وَلَايَتُهُ الإمام مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام .
قَالَ عليه السلام : وَ ثَلَاثَةٌ هُمْ شِرَارُ الْخَلْقِ ابْتُلِيَ بِهِمْ خِيَارُ الْخَلْقِ :
أَبُو سُفْيَانَ أَحَدُهُمْ قَاتَلَ رَسُولَ اللَّهِ وَ عَادَاهُ .
وَ مُعَاوِيَةُ قَاتَلَ عَلِيّاً وَ عَادَاهُ .
وَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ لَعَنَهُ اللَّهُ قَاتَلَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَ عَادَاهُ حَتَّى قَتَلَهُ[1] .
ويا طيب : قد عرفت بكل تفصيل في مصباح الهدى أسباب وشؤون وآثار ثورة الإمام الحسين عليه السلام ، وإن الله سبحانه أبتلى به المؤمنون وأظهر صدقهم ، وعرفه لكل المسلمين في مجالس ذكره التي يشرق نورها لكل العباد، وتُعرف حقه وسيادته إلى يوم الدين ، وتريهم ما حل بالمسلمين من الفتن حتى حارب أهل الدنيا والمنافقين ، ومن لم تهمه دماء المسلمين وحقوقهم، وهم حكام الضلال والطغاة وأئمة الكفر ومعهم أتباعهم وأوليائهم، وبكل ما أتوا من قوة وفكر ماكر وخداع ضال وادعاء باطل بخلافتهم للنبي ، فحاربوا أئمة الحق ولاة أمر الله وآل النبي الكرام الطيبين الطاهرين و عترته الذين أختارهم الله وأمر بودهم و ومحبتهم وطاعتهم والكون على صراطهم المستقيم ، ولله في خلقه شؤون يختبر عباده ، ولمعرفة وقائع ما حل بالحسين عليه السلام نتابع بعد التذكرة .





