إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

كيف سبّحت الجمادات لله ؟ وكيف بكت الحسين عليه السلام ؟!

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيف سبّحت الجمادات لله ؟ وكيف بكت الحسين عليه السلام ؟!

    كيف سبّحت الجمادات لله ؟ وكيف بكت الحسين عليه السلام ؟!

    تسبيح الحيوانات والجمادات وسجودها لله

    لا كلام في أن الإنسان مدرك مختار مكلف، والجن مثله، لكن وقع الكلام في الحيوانات والجمادات وسائر خلق الله مما يرى ولا يرى.. فهل لهذه المخلوقات (إدراك واختيار) أم لا ؟ وهل لها شعور ؟ وهل لها تكليف ؟

    في المسألة أقوال عدة، فبين قائل أنها مدرِكة ناطقة، وقائل أنها غير مدركة ولا ناطقة، وقائل أنها مدركة غير ناطقة، ومفصل بين الحيوانات والجمادات..
    ونحن نتعرض للقولين الأول والثاني وأدلتهما، ومنه يعرف حال سائر الأقوال.

    القول الأول: أنها مدرِكة ناطقة
    وههنا دعويان: الأولى أنها مدرِكة، والثانية أنها ناطقة.
    وقد التزم أصحاب هذا القول بأن الحيوانات بل والجمادات وكافة مخلوقات الله تعالى مدركة، وأن لها شعوراً بحسبها، وأنها ناطقة فعلاً وإن لم يعرف الإنسان حقيقة نطقها.

    ويستدل لهذا القول بما يلي:

    الدليل الأول: آيات التسبيح
    قال تعالى: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الحديد : 1]
    وأصرح منه قوله تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ [الإسراء : 44]
    بتقريب أن الآية الثانية تشمل كل شيء ﴿وإن من شيء﴾، والتسبيح فرع المعرفة والاعتقاد، وإن لم نفقه تسبيحهم.

    قال الشيخ البهائي: وأما غيرهم من الحيوانات فذهب فرقة عظيمة إلى أن كل طائفة منها تسبح ربها بلغتها وأصواتها كبني آدم وحملوا عليه قوله تعالى ﴿وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ‏﴾.
    وأما غير الحيوانات من الجمادات فذهب جم غفير إلى أن لها تسبيحا لسانياً أيضا واعتضدوا بقوله سبحانه ﴿وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾.
    و قالوا لو أريد به التسبيح بلسان الحال لاحتاج قوله جل شأنه ﴿وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ إلى تأويل، وذكروا أن الإعجاز في تسبيح الحصى في كف النبي (ص) ليس من حيث نفس التسبيح بل من حيث إسماعه للصحابة وإلا فهي في التسبيح دائماً (مفتاح الفلاح ص130)

    ومما استدل به على ذلك أيضاً قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ [النور : 41]
    وقوله تعالى عن داوود عليه السلام: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ [صـ : 18]
    فدلّت هذه النصوص على معرفة هذه المخلوقات بالله تعالى وتسبيحها له تسبيحاً خاصاً، وهي تشمل الإنس والجن والملائكة والحيوان والنبات والجماد.

    فإن قيل: هذا مخالف للواقع إذ أن غير المؤمنين من الإنس والجن لا يسبحون الله تعالى.
    أجابوا: بأنه ما من عام إلا وقد خصّ، وهؤلاء مستثنون من عموم الآية إن أريد منها التسبيح اللفظي.
    على أنه يمكن أن يراد أيضاً التسبيحان، التكويني واللفظي، فإن انتفى اللفظي يبقى التكويني، بمعنى شهادة أعضائهم بذلك، أو بغيره من الوجوه.

    الدليل الثاني: آيات السجود
    قال تعالى: ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [النحل : 49]
    وقال تعالى: ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ﴾ [الرعد : 15]
    والسجود لله فرع معرفته تعالى، وفي الآيات دلالة واضحة على سجود ما ومن في السماوات والأرض له تعالى، بل على سجود الظلال له تعالى إن أريد بأن الظل نفسه يسجد، أو أريد أن الظل هو نوع سجود تكويني للموجودات، والظل ليس من الناس ولا من الملائكة، فتشمل الآية كل المخلوقات حتى الجمادات على الوجهين.
    وقد صرّحت بهذا المعنى آيات أخرى فشمل التسبيح فيها الشمس والقمر والنجوم والجبال، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحج : 18]
    وفي الآية إشارة إلى نوعين من السجود:
    السجود العام الذي يشترك فيه كل الخلق ولا يتخلف أحد منهم عنه، وهو سجود تكويني بمعنى الخضوع والإقرار والانقياد، وهذا يشترك فيه كل البشر مع الجمادات.
    والسجود الخاص الاختياري التكليفي وهذا يختص به المطيعون اختياراً، وقد سجد بهذا السجود (كثير من الناس) الذين أطاعوا الله، فيما سجد بالسجود العام كل الخلق بما فيهم كلّ الناس.

    الدليل الثالث: آيات النمل والهدهد
    قال تعالى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ﴾[النمل : 16]
    وقال تعالى عن لسان النملة: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل : 18]
    وعن لسان الهدهد: ﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾
    إلى أن يقول: ﴿ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴾
    إلى ان يصرح الهدهد بالتوحيد فيقول: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [النمل : 26]

    وذكر في دلالة آيات الهدهد وجوه منها: أن الحوار بين النبي سليمان والهدد يدل على تنزيل الهدهد منزلة العقلاء، وعلى علمه بما يقول من توحيد الله ومن وجود الأقوام المكذبين، وعلى كونه مكلفاً وإلا لم يصح توعده بالعذاب، وغير ذلك من الوجوه..
    أما سائر الآيات فتدل على أن للطير (منطقاً) وللنمل كلاماً وفهماً وإدراكاً.

    الدليل الرابع: الروايات عن الحيوان
    وهي روايات عديدة تشير إلى تسبيح الحيوانات وتثني على جملة من الطيور، وتتعرض لأذكارها وأدعيتها، ومن ذلك:
    عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: مَا مِنْ طَيْرٍ يُصَادُ فِي الْبَرِّ وَلَا فِي الْبَحْرِ وَلَا يُصَادُ شَيْ‏ءٌ مِنَ الْوَحْشِ إِلَّا بِتَضْيِيعِهِ التَّسْبِيحَ.( تفسير القمي ج‏2 ص107)
    وعن جعفر بن محمد عن أبيه (ع) قال: نهى رسول الله (ص) عن أن توسم البهائم في وجوهها، وأن يضرب وجوهها فإنها تسبح بحمد ربها (تفسير العياشي ج‏2 ص294)
    و عَنِ الْحُسَيْنِ (ع) أَنَّهُ قَالَ: إِذَا صَاحَ النَّسْرُ فَإِنَّهُ يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ عِشْ مَا شِئْتَ فَآخِرُهُ الْمَوْتُ، وَإِذَا صَاحَ الْبَازِي يَقُولُ يَا عَالِمَ الْخَفِيَّاتِ..
    ثم ذكر قول الطاووس والدراج والديك والدجاجة والباشق والغراب والهدهد والببغاء والزرافة والفيل والفرس وغير ذلك من الحيوانات الكثيرة.. راجع الخرائج والجرائح ج‏1 ص248.
    وهذه الروايات واضحة الدلالة على تسبيح الطيور بل ونطقها وتبين معاني هذا النطق، ومثلها جملة من الروايات الأخرى.

    الدليل الخامس: الروايات في الجمادات
    وهي روايات متعددة وردت في أبواب مختلفة، تتضمن مدحاً لبعض البلدان لقبولها الولاية، وذماً لغيرها لرفضها لها، وكذا المياه التي عذب بعضها وملح بعضها، وما تميز من الحجارة.. ومن ذلك:
    ما روي عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ ؟
    قَالَ: تَنَقُّضُ الْجُدُرِ تَسْبِيحُهَا.(الكافي ج6 ص531)
    وقد سئل الإمام الصادق عليه السلام: أتسبح الشجرة اليابسة ؟
    فقال: نعم، أما سمعت خشب البيت كيف ينقض وذلك تسبيحه فسبحان الله على كل حال‏. (تفسير العياشي ج‏2 ص294)

    وعن رسول الله (ص): تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ أَوَّلُ جَبَلٍ أَقَرَّ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِي بِالنُّبُوَّةِ وَلَكَ يَا عَلِيُّ بِالْوَصِيَّةِ وَلِشِيعَتِكَ بِالْجَنَّةِ. (عيون أخبار الرضا ج‏2 ص70)
    وعن رسول الله (ص): إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَخَذَ عَقْدَ مَوَدَّتِنَا عَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ وَنَبْتٍ فَمَا قَبِلَ الْمِيثَاقَ كَانَ عَذْباً طَيِّباً وَمَا لَمْ يَقْبَلِ الْمِيثَاقَ كَانَ مِلْحاً زُعَاقا (علل الشرائع ج2 ص464)
    ٍ وعن أمير المؤمنين في قول النبي له: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى طَرَحَ حُبِّي عَلَى الْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَالْبِحَارِ وَالْجِبَالِ وَالشَّجَرِ فَمَا أَجَابَ إِلَى حُبِّي عَذُبَ وَمَا لَمْ يُجِبْ إِلَى حُبِّي خَبُثَ وَمَرَّ (بشارة المصطفى ج‏2 ص168).
    وهي تدل في الجملة على إدراك هذه الجمادات بما فيها الحجر والمدر والشجر لمعنى الولاية وقبولها لها أو إنكارها، وعلى أن الصوت الصادر من الحجر والشجر هو صوت تسبيح لا نفقهه.

    أقوال العلماء
    وقد التزم بإدراك الجمادات أو بإدراكها ونطقها جملة من العلماء أو احتملوا ذلك أو استقربوه، منهم المجلسي الأول حينما قال عن شكاية الكعبة: كما هو ظاهر الآيات والأخبار من شعور الحيوانات والجمادات (روضة المتقين ج‏1ص177)
    ولم يستبعد الالتزام بشعورهم المجلسي الثاني، قال: ولا يبعد أن يكون للجمادات نوع من الشعور لا نعرفه (مرآة العقول ج‏22ص237)
    واحتمله أيضاً الشريف الشيرازي في شرحه لحديث بكاء الأرض والسماء على المؤمن: ويحتمل أن يكون المراد نفس تلك البقاع بناءً على أن يكون لكلّ شي‏ء شعور ونفس مدركة كما ذهب إليه بعض، ويدلّ على ذلك ظاهر بعض الآيات والأحاديث (الكشف الوافي في شرح أصول الكافي ص146)
    وكذا المازندراني، قال: ويمكن أن يقال: لجميع الممكنات تسبيح بلسان القال أيضا، ولا يبعد اعطاء هذه القدرة لهم من القدرة القاهرة الإلهية، ويؤيده نطق الاحجار والحصا للنبي والوصي عليهما السلام، وسماعه بعض الحاضرين، ونطق الجوارح يوم القيامة.. (شرح الكافي ج‏11ص322)
    قال الميرزا حبيب الله الخوئي: أما ذوو العقول فلا كلام في تسبيحهم للّه سبحانه حالا وقالا، كما لا كلام في اتّصاف غير ذوى العقول حيوانا أو جمادا بالتسبيح الحالي، وإنما الكلام في اتّصافها بالتسبيح القالي، والحقّ فيه أيضا الامكان بل الوقوع(منهاج البراعة ج11 ص228)
    وقال السيد الطباطبائي في تفسير الميزان: فما من موجود مخلوق إلا وهو يشعر بنفسه بعض الشعور ... وبذلك يظهر أن لا وجه لحمل التسبيح في الآية على مطلق الدلالة مجازا فالمجاز لا يصار إليه إلا مع امتناع الحمل على الحقيقة... والحق أن التسبيح في الجميع حقيقي قالي غير أن كونه قاليا لا يستلزم أن يكون بألفاظ موضوعة وأصوات مقروعة..

    وغيرهم من العلماء سواء صرحوا بانها مدرِكة فقط أو مدركة وناطقة.

    شعيب العاملي

  • #2
    القول الثاني: أنها غير مدركة ولا ناطقة
    والعمدة فيما استند إليه أصحاب هذا القول هو مخالفة القول الأول للأدلة العقلية القطعية الدالة على انتفاء كلٍّ من النطق والشعور عند الحيوانات والجمادات، وهو في الثانية آكد وأشد، ويرشد إليه الوجدان.
    أما الآيات التي استدل بها أصحاب الرأي الأول فأجابوا عليها بأنها ليست نصاً في المدعى، وعلى فرض ظهورها فيه فلا بد من رفع اليد عن هذا الظهور للقطع بعدم صحته.
    والنصوص المباركة كذلك.. فضلاً عن كونها أخبار آحاد لا تفيد علماً ولا يقيناً، فيجب تأويلها وإن لم يمكن فيجب ردّها كما التزم بذلك السيد المرتضى في أماليه ج2 ص350.
    وقد استدل الفخر الرازي على هذا القول باستحالة الفهم والعلم والإدراك في الجمادات: قال: لأن التسبيح بالطريق الأول (أي اللسان) لا يحصل إلا مع الفهم والعلم والإدراك والنطق وكل ذلك في الجماد محال.(تفسير الرازي ج10 ص62)

    ثم إنهم ذكروا وجوهاً في دفع أدلة القول الأول:

    أما الدليل الأول والثاني

    فبأن الآيات الشريفة وإن أثبتت تسبيح المخلوقات لله تعالى وسجودها له بما فيها من جمادات، إلا أن التسبيح والسجود هنا ليس تسبيحاً لفظياً ولا سجوداً عملياً، إنما تدلّ بنفس وجودها على تسبيح الله تعالى وتنزيهه ووحدانيته.
    وبعبارة أخرى: أنها تدل بلسان الحال على توحيد الله تعالى.
    وقد احتمل بعضهم كالمجلسي أن المراد من تسبيح الأرض تسبيح أهلها من الملائكة والجن (البحار ج1 ص168)

    قال الميرزا الخوئي في تقرير هذا القول: لأنّ قوله لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ كما يجوز أن يراد به التسبيح القولي ويكون عدم فهم المخاطبين له من أجل اختلاف اللغات وعدم معرفتهم بأصوات الحيوانات والجمادات وساير المخلوقات، كذلك يجوز أن يراد به التسبيح الحالي ويكون عدم فهم المخاطبين له لأجل التشاغل والأغراض، أى لا تعلمون تسبيح هذه الأشياء حيث لم تنظروا فيها ولم تعرفوا كيفيّة دلالتها على صانعها...
    فيكون المراد بالتسبيح والسجود والحمد في جميعها المعني الأعمّ مما كان بلسان المقال....(منهاج البراعة ج11 ص227)

    قال المازندراني: قال المحققون والمفسرون ان تسبيح السماء والارض والاشجار والاحجار ونحوها من المكونات الغير العاقلة عبارة عن تنزيهه تعالى بما هو فيهن من لوازم الامكان وتوابع الحدوث وبواعث الافتقار الى الغير فى الوجود والبقاء والكمالات وغيرها مما هو ملحوظ فى الممكنات بلسان الحال حيث تدل بامكانها وحدوثها وافتقارها على وجود الصانع القديم الواجب بالذات الغنى عن الغير من جميع الجهات (شرح الكافي ج‏11ص322) وان التزم بإمكان القول الأول بعد ذلك.

    وبه التزم الفيض الكاشاني: قال تعقيباً على حديث تسبيح الشجرة اليابسة: وذلك لأنّ نقصانات الخلائق دلائل كمالات الخالِق.. فهذا تسبيح فطري واقتضاء ذاتي... (تفسير الصافي ج‏3 ص195)

    وكذا الميرداماد حيث قال عن التسبيح: ينزهه مما هو من لوازم الامكان وتوابع الحدوث بلسان الحال، حيث تدل بامكانها وحدوثها على الصانع القديم الواجب لذاته (التعليقة على أصول الكافي ص321)

    وعلى هذا فتسبيح الجبال والحيوانات ليس نطقاً فعلاً، إنما نوع من التسبيح التكويني، وعلى هذا يحمل التسبيح في كل الآيات المباركة.
    وقد قال بعضهم: صلّت السماء بدورانها والارض برجحانها والماء بسيلانه والمطر بهطلانه.
    ومثل هذا المعنى ما ذكره القمي في تفسيره: تحويل كل ظل خلقه الله وهو سجود لله لأنه ليس شي‏ء إلا له ظل يتحرك بتحريكه وتحريكه سجوده.(تفسير القمي ج1 ص386)

    قال المجلسي: والحاصل أن جميع المصنوعات والممكنات بصفاتها ولوازمها وآثارها دالة على صانعها وبارئها ومصورها.. فسكون الأرض خدمتها وتسبيحها وصرير الماء وجريه تسبيحه وطاعته وقيام الأشجار والنباتات ونموها وجري الريح وأصواتها وهذه الأبنية وسقوطها وتحريق النار ولهبها وأصوات الصواعق وإضاءة البروق وجلاجل الرعود وجري الطيور في الجو ونغماتها كلها طاعة لخالقها وسجدة وتسبيح وتنزيه له سبحانه. (بحار الأنوار ج‏57 ص178)

    والسجود حاله حال التسبيح، قال المجلسي: لعل المراد بالسجود غاية الخضوع والانقياد الممكن من الشي‏ء ففي الجمادات والعجم من الحيوانات يحصل منهم غاية الانقياد الذي يتأتى منهم وكذا الملائكة وصالحو المؤمنين وأما الكفار والفجار فلما لم يتأت منهم غاية الانقياد أخرجهم وقال ﴿وَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾ لأنهم وإن كانوا في الأوامر التكوينيّة منقادين فليسوا في الأوامر التكليفيّة كذلك‏ فالسجود محمول على معنى واحد وليس من استعمال المشترك في معنييه كما عرفت سابقا.( بحار الأنوار ج‏57ص172)

    أما الدليل الثالث والرابع
    ناقش فيه السيد المرتضى فقال: وأما إضافة اعتقاد الحق إلى بعض البهائم واعتقاد الباطل والكفر إلى بعض آخر فمما تخالفه العقول والضرورات؛ لأن هذه البهائم غير عاقلة ولا كاملة ولا مكلّفة، فكيف تعتقد حقا أو باطلا! وإذا ورد أثر في ظاهره شي‏ء من هذه المحاولات؛ إما اطّرح أو تؤوّل على المعنى الصحيح. وقد نهجنا طريق التأويل، وبيّنا كيف التوصل إليه. (الأمالي ج2 ص352)

    وأما تعليم منطق الطير فبأن الله علم سليمان ما يفهم به مقاصد الطيور في أصواتها وصياحها دون أن تكون مدركة مكلفة.
    وأما كلام النملة فهو تخويفها أصحابها في الواقع وكانت نسبة الكلام إليها على سبيل المجاز، او أن الكلمات قد صدرت منها على سبيل الإعجاز لسليمان دون أن تكون مكلفة أو عاقلة. وهكذا الهدهد وغير ذلك مما استدل به.
    أما روايات مدح الطيور وذمها فتحمل على ضرب من المجاز، كأن تكون ناظرة لمن يتخذ هذه الطيور أي يقتنيها، من جهة أنه ينطق بالثناء على الله أو عكس ذلك، نظير المجاز في قوله تعالى (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا) فإنه يدل على أهل القرية.

    أما الدليل الخامس
    والنقاش فيه كما تقدم من آية القرية، وعلى مثله يحمل كل ما يمدح أو يذم بلاداً، فيحمل جحود الأرض السبخة للولاية على جحود أهلها وإنكارهم الولاية، لأن جحودها بنفسها أمراً غير معقول كما يرى أصحاب هذا الرأي. (كما صرح به السيد المرتضى في أماليه ج2 ص352)
    وحول الجدار يقول المجلسي: والحاصل أن تنقض الجدار لدلالتها على حدوث التغير فيها وفنائها نداء منها بلسان حالها على افتقارها إلى من يوجدها ويبقيها منزها عن صفاتها المحوجة إلى ذلك (بحار الأنوار ج‏57 ص178)
    على أن المجلسي قد ذكر في توجيه مدح بعض البلاد وذمها: يمكن الجمع بين الآيات والأخبار الواردة في مدح الشام ومصر وذمه بما أومأنا إليه سابقا من اختلاف أحوال أهله في الأزمان فإنه كان في أول الزمان محل الأنبياء والصلحاء فكان من البلاد المباركة الشريفة فلما صار أهله من أشقى الناس وأكفرهم صار من شر البلاد كما أن يوم عاشوراء كان من الأيام المتبركة كما يظهر من بعض الأخبار فلما قتل فيه الحسين ع صار من أنحس الأيام (بحار الأنوار ج57 ص208)

    الحق في المسألة
    تبيّن مما تقدّم أن عمدة ما استدل به أصحاب القول الثاني أي امتناع الادراك والشعور والنطق عند الحيوانات والجمادات هو استحالة ذلك وقيام المانع العقلي منه، فلجؤوا الى حمل الأدلة التي استدل بها على خلاف الظاهر في كثير من الموارد.

    والحق أن لا مانع ولا استحالة في ذلك من جهة العقل، كيف وهم يسلمون بأن الله سبحانه وتعالى خلق في الجبال عقلاً وقدرة ومنطقاً فصارت مسبّحة ! قال الفخر الرازي: قوله ﴿وسَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ﴾ الاية إنّ اللّه سبحانه خلق فى جسم الجبال حياة وعقلا وقدرة ومنطقا وحينئذ صار الجبل مسبّحا لله!
    أما السيد المرتضى فإنه ارتضى أن يكون كلام النملة ذو حروف منظمة كالإنسان على سبيل الإعجاز لسليمان، دون أن تكون مدركة ولا كاملة العقل..

    ولا ندري ما هي مخالفة العقول والضرورات في أن يكون للجمادات نوع إدراك كما للإنسان نوع إدراك !
    فإن الخالق تعالى قد جعل في الناس قدرات عقلية متفاوتة حيث كانت ضعيفة في بعضهم لا تكاد تبين وقوية في بعضهم حتى يخيل أنها سحر ! فما المانع من أن يجعل بعض مستويات الإدراك في الحيوانات والجمادات ولو بحدودها الدنيا !

    بل لا شك ولا ريب بأن للحيوانات مستوى من الإدراك يفوق البشر في بعض الجهات، فقد عرّف الله النحل طريق استخراج العسل المصفى الذي جعل فيه شفاءً من كل داء.. وعرف كل نوع من الحيوانات ما تصلح به أمورها.
    وليس ما يمنع من أن يكون قد أعطى الجمادات ما هو أدنى من ذلك من حدود الإدراك والشعور.

    إذا كان كذلك، ودلّت ظواهر الكتاب الكريم وصريح النصوص الشريفة على ذلك، لم يكن هناك ما يمنع من الالتزام به، ولم يكن هناك من ضرورة لحمل هذه النصوص القرآنية على خلاف ظاهرها ولا لرد الاحاديث الشريفة المصرحة بذلك.
    بل وليس هناك مسوّغ لحملها على خلاف الظاهر، إذ أن مثل هذا الحمل يحتاج لقرينة لا نرى لها وجوداً.
    على أن بين القولين أقوال أخرى لا حاجة للتعرض لها.

    شعيب العاملي

    تعليق


    • #3
      بكاء (جميع الخلائق) على الحسين

      قال تعالى عن قوم فرعون: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾ [الدخان : 29]
      ومثلهم سائر أعداء الله تعالى، ففي الحديث الشريف أن رجلاً عدواً لله ورسوله مرّ على أمير المؤمنين عليه السلام فقرأ عليه السلام هذه الآية..
      ثُمَّ مَرَّ عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع) فَقَالَ: لَكِنْ هَذَا لَيَبْكِيَنَّ عَلَيْهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ، وَقَالَ: وَمَا بَكَتِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ إِلَّا عَلَى يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام.(تفسير القمي ج2 ص291)
      وفي حديث آخر: يَا بُنَيَّ إِنَّ اللَّهَ عبر [عَيَّرَ] أَقْوَاماً بِالْقُرْآنِ فَقَالَ ﴿فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ﴾‏ وَايْمُ اللَّهِ لَيَقْتُلُنَّكَ بَعْدِي ثُمَّ تَبْكِيكَ السَّمَاءُ وَالْأَرْض‏ (كامل الزيارات ص89)
      وفي حديث ثالث عنه عليه السلام: خَرَجَ عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ مِنْ بَعْضِ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّ هَذَا سَيُقْتَلُ وَتَبْكِي عَلَيْهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْض‏ (المصدر 88)

      ثم إن النصوص دلّت على أن البكاء شمل (جميع الخلائق)، فعن الإمام الصادق عليه السلام: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنَ ع لَمَّا قَضَى بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ وَمَنْ يَنْقَلِبُ (يتقلّب) فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا وَمَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى بَكَى عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ ع إِلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ.
      قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَا هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَشْيَاءِ ؟
      قَالَ: لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ الْبَصْرَةُ وَلَا دِمَشْقُ وَلَا آلُ عُثْمَانَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله...
      وفي زيارته عليه السلام من هذا الحديث: أَشْهَدُ أَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْدِ وَاقْشَعَرَّتْ لَهُ أَظِلَّةُ الْعَرْشِ وَبَكَى لَهُ جَمِيعُ الْخَلَائِقِ وَبَكَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَا فِيهِنَّ ومَا بَيْنَهُنَّ وَمنْ يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا وَمَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى (الكافي ج‏4 ص575، ومثله كامل الزيارات ص198)

      ولئن كان الإنسان يبكي بدموعه تارة، فإن الأمر قد يصل إلى حدّ البكاء بدمه، ففي زيارة الناحية المقدسة: وَلَأَبْكِيَنَّ عَلَيْكَ بَدَلَ الدُّمُوعِ دَماً، حَسْرَةً عَلَيْكَ وَتَأَسُّفاً عَلَى مَا دَهَاكَ وَتَلَهُّفاً، حَتَّى أَمُوتَ بِلَوْعَةِ الْمُصَابِ وَغُصَّةِ الِاكْتِيَاب‏ (المزار الكبير ص501)
      وقد تبيّن مما تقدّم أن للمخلوقات جميعاً نوع شعور وإدراك، وأنها تسبح الله تعالى وتسجد له تسبيحاً وسجوداً تكوينياً، بل أنه ثبت لجملة منها نوع خاص من النطق.
      وإذا كان كذلك فليس هناك ما يمنع من الالتزام بظواهر النصوص التي دلّت على بكاء الخلائق على الإمام الحسين عليه السلام، غاية الامر أن بكاء كل شيء منها بحسبه.

      أما كيفية هذا البكاء، فقد ورد ذكره في جملة من النصوص ومنها:
      عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ الْحُسَيْنَ (ع) بَكَى لِقَتْلِهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَاحْمَرَّتَا (كامل الزيارات ص89)

      وسئل عليه السلام في خبر آخر: وَمَا بُكَاؤُهَا ؟
      قَالَ: مَكَثَتْ أَرْبَعِينَ يَوْماً تَطْلُعُ كَشَمْسٍ بِحُمْرَةٍ وَتَغْرُبُ بِحُمْرَةٍ.
      قُلْتُ: فَذَاكَ بُكَاؤُهَا ؟
      قَالَ: نَعَمْ. (كامل الزيارات ص89)

      وفي حديث ثالث: قُلْتُ مَا بُكَاؤُهَا ؟
      قَالَ: كَانَتْ تَطْلُعُ حَمْرَاءَ وَتَغْرُبُ حَمْرَاء(كامل الزيارات ص90)

      وفي حديث رابع : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: احْمَرَّتِ السَّمَاءُ حِينَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع سَنَةً وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا وَحُمْرَتُهَا بُكَاؤُهَا.(كامل الزيارات ص90)

      أما بكاؤها دماً، فقد سئل الإمام زين العابدين عليه السلام: أَيَّ شَيْ‏ءٍ كَانَ بُكَاؤُهَا ؟
      قَالَ: كَانَتْ إِذَا اسْتُقْبِلَتْ بِثَوْبٍ وَقَعَ عَلَى الثَّوْبِ شِبْهُ أَثَرِ الْبَرَاغِيثِ مِنَ الدَّمِ. (كامل الزيارات ص91)
      وقول المجلسي: بكاء السماء احمرارها أي خارجا عن العادة، فإنه من علامات غضبه تعالى فكأنه يبكي على من استحق الغضب أو على من يستحق العباد له الغضب كما وقع بعد شهادة الحسين ع. (بحار الأنوار ج57 ص179)
      لا ينافي كون البكاء حقيقياً بل يؤكده وإن حاول تبيان سببه بأنه من جهة استحقاق الغضب على العباد.

      أما الحيوانات والطيور، فلم يكن حالها مختلفاً عن حال الإنسان، فقد ورد في الحديث عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: بَكَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالطَّيْرُ وَالْوَحْشُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع حَتَّى ذَرَفَتْ دُمُوعُهَا (كامل الزيارات ص79)
      وعن أمير المؤمنين عليه السلام: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْوُحُوشِ مَادَّةً أَعْنَاقَهَا عَلَى قَبْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَحْشِ يَبْكُونَهُ وَيَرْثُونَهُ لَيْلًا حَتَّى الصَّبَاحِ (كامل الزيارات ص80)
      وعَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً فِي بَيْتِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَنَظَرْتُ إِلَى الْحَمَامِ الرَّاعِبِيِّ يُقَرْقِرُ طَوِيلًا فَنَظَرَ إِلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع فَقَالَ: يَا دَاوُدُ أَ تَدْرِي مَا يَقُولُ هَذَا الطَّيْرُ ؟
      قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ.
      قَالَ: تَدْعُو عَلَى قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍ‏ ع فَاتَّخِذُوهُ فِي مَنَازِلِكُمْ (كامل الزيارات ص98)

      وبهذا يتضح أن كل ما في الوجود قد بكى سيدّ الشهداء بكاءً تكوينياً كما سبح لله تسبيحاً تكوينياً وسجد له. أي أن كلّ ذرة من ذرات الوجود تقرّ لله تعالى بالوحدانية وتبكي الإمام الحسين عليه السلام ولو كانت ذرات جسم الإنسان الكافر. ومن هذا الباب كان بكاء أهل النار.
      وقد يقال في بكاء أهل النار عليه أنه بكاء اختياري أيضاً، نظير دعائهم لله تعالى أن يخلصهم من النار وهم فيها، ودعاؤهم أن يسقيهم ويطعمهم، ونظير ما في قوله تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الأعراف : 50]
      ويرد عليه، أن الآخرة وإن لم تكن دار عمل، إلا أنه من البعيد أن يبكي جميع أهل النار على الحسين عليه السلام ثم يبقون فيها، فإن البكاء عليه مما يطفئ غضب الجبار.
      ويجاب عنه: أن البكاء عليه ليس سبباً للنجاة مطلقاً، نظير ما رواه ابن كثير: ودنا عمر بن سعد من الحسين فقالت له زينب: يا عمر أيقتل ابو عبد الله وأنت تنظر ؟ فبكى وصرف وجهه عنها. (البداية والنهاية ج8 ص131)
      وفي رواية أخرى: ثمّ صاح ابن سعد بالنّاس : انزلوا إليه وأريحوه !!
      فإن هذه دموع من أشرك في دم الحسين عليه السلام، وهي أجدر بأن تكون حسرة عليه يوم القيامة لما يعرف من مقام الإمام والإمامة ثم يشرك في قتل الإمام!

      كذلك بكته جملة من المخلوقات بكاءً اختيارياً، فمن الإنسان من أسبل دموعه ولا يزال حزناً عليه، ومن الحيوان من بكاه بالدموع كما دلت عليه النصوص، أما السماء فقد تغير لونها وأمطرت دماً.

      وأما استثناء ثلاثة أشياء من البكاء: لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ الْبَصْرَةُ وَلَا دِمَشْقُ وَلَا آلُ عُثْمَانَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله.
      فظاهره البكاء الفعلي الاختياري في الدنيا..
      فإن كان المراد من عدم بكاء (البصرة ولا دمشق) البكاء التكويني دلّ على خبث في تكوين هذه البلاد، فلم تبك على الحسين عليه السلام كما بكت سائر الجمادات، ويمكن ان يكون هذا لخبث أصلها، كما روى الكشي عن أبي عبد الله عليه السلام: إِنَّ عَلِيّاً (ع) لَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنَ الْبَصْرَةِ قَامَ عَلَى أَطْرَافِهَا، ثُمَّ قَالَ: لَعَنَكِ اللَّهُ يَا أَنْتَنَ الْأَرْضِ تُرَاباً وَأَسْرَعَهَا خَرَاباً وَأَشَدَّهَا عَذَاباً فِيكِ الدَّاءُ الدَّوِيُّ! قَالُوا وَمَا هُوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: كَلَامُ الْقَدْرِ الَّذِي فِيهِ الْفِرْيَةُ عَلَى اللَّهِ، وَبُغْضُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَفِيهِ سَخَطُ اللَّهِ وَسَخَطُ نَبِيِّهِ (ع)، وَكَذِبُهُمْ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَاسْتِحْلَالُهُمُ الْكَذِبَ عَلَيْنَا.( رجال الكشي - إختيار معرفة الرجال ص397)
      وسواء كان المراد منها ترابها فعلاً، أم ترابها لدلالته على ما يحمل من مبغضين لأهل البيت كاذبين عليهم.. فإن كل من كان عدواً لهم كان مذموماً مدحوراً، وكل من كان ولياً لهم كان آمناً مطمئناً.

      وأما دمشق، فلما كانت مورد مدح في بعض النصوص (على فرض اعتبار روايات مدح بلاد الشام) وذمٍّ في بعضها الآخر علمنا أن هذا قرينة على إرادة سكانها وأهلها.
      قال المجلسي: بكاء البلاد والبقاع بكاء أهلها وظهور آثار الحزن فيهم (البحار ج57 ص205)

      أما آل عثمان، فيشمل بني أمية، وقد قال أبو سفيانهم عندما عقدت البيعة لعثمان: يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة (مروج الذهب للمسعودي ج2 ص351)

      وقد فصّلت رواية أخرى في كيفية بكاء بعض المخلوقات، فعن زُرَارَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع: يَا زُرَارَةُ..
      إِنَّ السَّمَاءَ بَكَتْ عَلَى الْحُسَيْنِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً بِالدَّمِ
      وَ إِنَّ الْأَرْضَ بَكَتْ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً بِالسَّوَادِ
      وَ إِنَّ الشَّمْسَ بَكَتْ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً بِالْكُسُوفِ وَالْحُمْرَةِ
      وَ إِنَّ الْجِبَالَ تَقَطَّعَتْ وَانْتَثَرَتْ
      وَ إِنَّ الْبِحَارَ تَفَجَّرَتْ
      وَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَكَتْ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً عَلَى الْحُسَيْنِ ع ....
      وَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ عِنْدَ قَبْرِهِ لَيَبْكُونَ فَيَبْكِي لِبُكَائِهِمْ كُلُّ مَنْ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَاءِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
      وَ لَقَدْ خَرَجَتْ نَفْسُهُ ع فَزَفَرَتْ جَهَنَّمُ زَفْرَةً كَادَتِ الْأَرْضُ تَنْشَقُّ لِزَفْرَتِهَا وَلَقَدْ خَرَجَتْ نَفْسُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَشَهَقَتْ جَهَنَّمُ شَهْقَةً لَوْ لَا أَنَّ اللَّهَ حَبَسَهَا بِخُزَّانِهَا لَأَحْرَقَتْ مَنْ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ فَوْرِهَا وَلَوْ يُؤْذَنُ لَهَا مَا بَقِيَ شَيْ‏ءٌ إِلَّا ابْتَلَعَتْهُ وَلَكِنَّهَا مَأْمُورَةٌ مَصْفُودَةٌ وَلَقَدْ عَتَتْ عَلَى الْخُزَّانِ غَيْرَ مَرَّةٍ حَتَّى أَتَاهَا جَبْرَئِيلُ فَضَرَبَهَا بِجَنَاحِهِ فَسَكَنَتْ وَإِنَّهَا لَتَبْكِيهِ وَتَنْدُبُهُ وَإِنَّهَا لَتَتَلَظَّى عَلَى قَاتِلِهِ وَلَوْ لَا مَنْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ لَنَقَضَتِ الْأَرْضَ وَأَكْفَأَتْ بِمَا عَلَيْهَا .. (كامل الزيارات ص81)

      نعم، وليس في كل هذا شيء من المبالغة، فإنا لم نصل إلى ما ذكره صادق آل محمد عليهم السلام عندما قال: وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي زِيَارَتِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَيَعْلَمُ ذَلِكَ النَّاسُ لَاقْتَتَلُوا عَلَى زِيَارَتِهِ بِالسُّيُوفِ وَلَبَاعُوا أَمْوَالَهُمْ فِي إِتْيَانِه‏ (كامل الزيارات ص87)
      صلى الله عليك يا أبا عبد الله..
      والسلام عليك يا صريع الدمعة الساكبة..
      وإنا لله وإنا إليه راجعون

      شعيب العاملي

      تعليق


      • #4
        اللهم صل على محمد وآل محمد

        تعليق


        • #5
          يرفع,
          رغما للذباب السعودي الذي ينشر اعلانات شركاته المزيفة في المنتدى

          تعليق


          • #6
            ..................................

            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            x

            رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

            صورة التسجيل تحديث الصورة

            اقرأ في منتديات يا حسين

            تقليص

            لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

            يعمل...
            X