إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

المنشأ التاريخيّ للعادات العاشورائيّة القائمة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المنشأ التاريخيّ للعادات العاشورائيّة القائمة

    اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الاَْرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ،

    اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْنِ




    ***

    المنشأ التاريخيّ للعادات العاشورائيّة القائمة

    إنّ الحديث عن المنشأ التاريخيّ للعادات المتّبعة في المآتم الحسينيّة "مآتم عاشوراء" يقتضي أن نلفت النظر إلى أنّ العادة والتقليد قد تكون منطلقة من واقع اجتماعيّ أو سياسيّ بغضّ النظر عن منشأ أو منطلق تشريعيّ أو مصدر دينيّ، هذا في العموم وما يتعلّق بعادات عاشوراء بشكل خاصّ، مع ما عاناه الشيعة في التاريخ - وهم الفئة التي تحيي هذه المناسبة - وقد مرّوا بظروف معقّدة وصعبة على مستوى العلاقة مع السلطات الحاكمة في المراحل كافّةً، تكشف القراءة لهذه المراحل أنّ بعض عادات عاشوراء لم تنشأ من منطلق شرعيّ أو مصدر دينيّ، وأن بعضها حظي بتأييد من الفقهاء والبعض الآخر، اختلف فيه.



    الشيخ فضل مخدّر/ معهد المعارف الحكمية

    ولذلك سنعمل في هذا البحث على الموضوعيّة من جهة العرض للوقائع، ممّا لا يعني تأييدًا أو رفضًا أو محاولة إعطاء حكم خاصّ لهذه العادات أو بعضها، وسيتضمّن البحث:


    * نشأة المأتم الحسينيّ العاشورائيّ


    * نشأة العادات الخاصّة بالمأتم

    أوّلًا: نشأة المأتم الحسينيّ العاشورائيّ

    في محاولة للخوض في المراحل التاريخيّة لتحديد النشأة الفعليّة والانطلاقة الأولى للمأتم العاشورائي نجد أنّ الأمر يدور بين حالة عفويّة وحالة منظّمة مقصودة تختلف باختلاف موقعها التاريخيّ وبين مَن عمل عليها.

    الحالة العفويّة: إنّ المقصود بالحالة العفويّة هي المواقف التي أظهرت حالة الحزن من خلال إقامة المأتم والحداد والندب والعزاء من دون تخطيط مسبق عن قصد وتنظيم معيّن، وقد سجّل التاريخ عددًا منها، بعضها كان فرديًّا وبعضها كان جماعيًّا.


    أ - الحالات الفرديّة:

    أم سلمة رضي الله عنها: لما بلغها مقتل الإمام الحسين عليه السلام قالت: "أوَ قد فعلوها؟ ملأ الله قبورهم نارًا، ثمّ بكت حتّى غشي عليها".

    أنس بن مالك: "لمّا حُمِلَ رأس الحسين لابن زياد جعله في طست وجعل يضرب ثناياه بقضيب ويقول: "ما رأيت مثل هذا حسنًا، إنّه كان لحسن الثغر!!". وكان عنده أنس، فبكى وقال: كان أشبههم برسول الله صلّى الله عليه وعلى آله.


    زيد بن أرقم: قيل أنّه كان حاضرًا على فعل ابن زياد، فقال له: مه، ارفع قضيبك عن هذه الثنايا، فلقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله يلثمها ثمّ خنقته العبرة، فبكى، فقال ابن زياد: ممّ تبكي؟ أبكى الله عينيك، والله لولا أنّك شيخ قد خرفت لضربت رأسك".

    عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: لمّا بلغه مقتل ابنيه مع الحسين، وأقبل الناس يعزّونه قال لهم: "الحمد لله عزّ وجل على مصرع الحسين، إن لا يكن آست حسينًا يدي فقد آساه ولديّ".

    الحسن البصري: عندما بلغه قتل الحسين بكى حتّى اختلج صدغاه وقال: "وا ذُلّ أمّة قتلت ابن بنت نبيها، والله ليردّن رأس الحسين إلى جسده، ثمّ لينتقمنّ له جدّه وأبوه من ابن مرجانة...".

    ب - الحالات الجماعيّة:

    بكاء من حضر وداع السيّدة زينب عليها السلام لجسد الحسين عليه السلام في الحادي عشر من المحرّم، حيث ودّعت أخاها بمرثيّة جاء في بعضها: "يا محمّداه... وبناتك سبايا وذرّيّتك مقتله، تسفى عليها الصبا"، وقد أبكت كلّ عدوّ وصديق.


    بكاء أهل الكوفة عند وصول السبايا، تقول الأخبار: إنّ أهل الكوفة ضجّوا بالبكاء ونساؤهم يلتدمن مهتكات الجيوب وكذلك كان الأمر بعد خطبة أمّ كلثوم بنت الإمام عليّ عليه السلام، وقد وصفت حال الناس: "فرأيت الناس حيارى وقد ردّوا أيديهم إلى أفواههم، ورأيت شيخًا كبيرًا من بني جحفي وقد اخضلّت لحيته من دموع عينيه، وهو يقول:

    كهولهم خير الكهول ونسلهم إذا عدَّ نسلٌ لا يبور ولا يخزى


    نساء الأمويّين، يقول الطبري: "ثمّ أدخل نساء الحسين على يزيد، فصاح آل يزيد وبنات معاوية وأهله وولولن..." قال بن الأثير: "لم تبق امرأة من آل يزيد إلّا وأتتهنّ وأقمن المأتم"، وفي التذكرة: "فأقاموا عليه المناحة ثلاثًا".

    بكاء أهل الشام في الجامع الأمويّ، وذلك أثناء خطبة الإمام زين العابدين عليه السلام، يقول الخوارزمي: "ولم يزل يقول أنا أنا حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة، فأمر المؤذّن أن يؤذّن، فقطع عليه الكلام وسكت".

    بكاء الهاشميّات والأنصار في المدينة، وقد وردت الأخبار الكثيرة في وصف الحالة التي آلت إليه المدينة المنوّرة عند رجوع ركب نساء الحسين عليه السلام إليها، فقالوا: "عجّت نساء بني هاشم وصارت المدينة صيحةً واحدةً". وقالوا: "تصارخت النساء من كلّ ناحية، حتّى ارتفعت المدينة بالرجمة التي ما سمع بمثلها قطّ".

    وقالوا: "وضجّت بنو هاشم والأنصار، ضجّة لم يسمع بمثلها من قبل"، وجاء أنّ ابنة عقيل بن أبي طالب خرجت ومعها نساؤها، وهي تقول: "ماذا تقولون إن قال النبيّ لكم.. ماذا فعلتم وأنت آخر الأمم بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي منهم أسارى وقتلى ضرّجوا بدمٍ ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي".


    استقبال أهل مصر للسيّدة زينب عليها السلام: "فقد وردت الأخبار أنّ والي مصر ومن معه من أهلها عندما استقبلوها في بلبيس من نواحي مصر، استقبلوها بالتعزية والبكاء والنحيب". فإنّ العزاء وظاهرة الحزن والبكاء، برزت في أغلب ولايات ومناطق الدولة الإسلاميّة على الإمام الحسين في حينها، والأمثلة التي قدّمناها تدل على ذلك وإن كان بشكل عفويّ غير منظّم أو مقصود.

    الحالة المنظّمة:

    لقد تعدّدت الآراء في نشأة المأتم أو المآتم المنظّمة والمقصودة، والتي اعتبرت هادفة في تسنين هذه الظاهرة وتثبيتها، ونعرض منها الآتي:



    الرأي الأوّل: التوّابون: 65 هـ - 684 م

    وكان ذلك بعد مقتل الإمام الحسين بأربع سنوات، فقد رأى البعض في انطلاقة التوّابين حينما غادروا الكوفة ووصلوا إلى موضع قبور شهداء كربلاء، حيث أقاموا المأتم ثلاثًا، وعلت أصواتهم بالبكاء والنحيب، عند قبر الحسين، وابتهالهم إلى الله أن يغفر لهم تخلّيهم عن حفيد النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله في ساعة ضيّقة أن ذلك كان بداية المأتم المنظّم المقصود، وقد اعتبر بعض الكتّاب أنّ مسرحيّات المآتم التي تمثّل في العاشر من محرّم حيثما وجد الشيعة تعود إلى ذلك المأتم، وممّا جاء عن التوّابين أنّ زعيمهم الصحابيّ سليمان بن صرد الخزاعي، كان يصيح في ذلك اليوم: "اللهم ارحم حسينًا، الشهيد ابن الشهيد، المهديّ ابن المهديّ الصدّيق ابن الصدّيق. اللهم اشهد أنّنا على دينهم وسبيلهم وأعداء مقاتليهم وأولياء محبّيهم".

    وإن كان يعتبر بعض الباحثين أنّ هذا المأتم هو من المآتم العفويّة كذلك.

    الرأي الثاني: مأتم المختار على باب ابن سعد:

    في العام 65 الهجريّ، كذلك حيث بلغ المختاربن أبي عبيدة الثقفي - وكان قد سيطر على الكوفة بعد خروج التوّابين منها إلى الشام - أنّ محمّد بن الحنفيّة غير راضٍ عنه لأنّه يُجلس عمر بن سعد على وسائده فأمر صاحب حرسه، أن يستأجر نوائح يبكين الحسين عند باب عمر بن سعد. "وإن لم يسجّل أنّه أسّس للمأتم الحسينيّ ولعلّ سبق التوّابين وحجم مأتمهم، ووجود آراء تدعم أنّهم أسّسوا للمأتم العاشورائيّ ضعف الرأي فيه".


    الرأي الثالث: البويهيّون:

    وكان ذلك في فترة سيطرة البويهيّين على مقاليد الخلافة العباسيّة في بغداد، ذكر ابن الأثير عن سنة 352 الهجريّة "في هذه السنة، في العاشر من محرّم. أمَر معزّ الدولة الناس أن يغلقوا دكاكينهم، ويبطلوا الأسواق والبيع والشراء، وأن يظهروا النياحة، ويلبسوا قبابًا عملوها بالمسوح، وأن تخرج النساء منشرات الشعور، مسوّدات الوجوه وقد شققن ثيابهنّ في البلد، ويلطمن وجوههنّ على الحسين بن عليّ عليهما السلام، ففعل الناس ذلك...".

    يقول السيوطي: "وهذا أوّل يوم نيح عليه فيه ببغداد... واستمرّت هذه البدعة سنين".

    وقال الذهبي: "هذا أوّل يوم نيح عليه ببغداد".

    وقد شكك علماء الشيعة في بعض هذه المظاهر سيّما أمر النساء أن يكشفوا شعورهنّ. وقال بعضهم: "لم يكن فيها اختلاط بين الرجال والنساء: "فكانت النساء تخرج ليلًا والرجال نهارًا". ومع ذلك كلّه، لا يمكننا أن نعتبر أنّ النشأة بدأت من هنا خصوصًا، وإن كتب التاريخ التي تذكر هذه الحادثة على أنّها بعد ما يقارب ثلاثة قرون على استشهاد الإمام الحسين عليه السلام تؤكّد أنّه اليوم الأوّل الذي نيح فيه عليه ببغداد، وذلك لا ينفي أن تكون المآتم قد أقيمت في غيرها قبل ذلك، بل تؤكّد الأخبار على إقامة المآتم فيها وفي غيرها قبل اليويهيّين.


    الرأي الرابع: الإمام زين العابدين عليه السلام:

    إذ اعتبرت خطبته في المسجد الأمويّ عن قصد وهدف وشكّلت المأتم الأوّل الهادف على الإمام الحسين، كما أنّه كان في كلّ ذكرى لعاشوراء، إمّا أن يخرج بين الناس في المسجد أو الأسواق، وإمّا يجمع حوله أصحابه وأهل بيته ويرثي الإمام الحسين ويبكيه ويذكر ما حدث لهم في كربلاء ويبكي من حوله ومن يسمعه.

    الرأي الخامس: أئمّة أهل البيت عليهم السلام:

    يقول السيّد محسن الأمين: أنّهم (أي أئمّة أهل البيت عليهم السلام) بكوا على الحسين وعدّوا مصيبته أعظم المصائب، وأمروا شيعتهم ومواليهم وأشياعهم بذلك، وحثّوا عليه، واستنشدوا الشعراء في رثائه، وبكوا عند سماعهم، وجعلوا يوم قتله يوم حزنٍ وبكاء، وذمّوا من اتّخذه عيدًا، وأمروا بترك السعي فيه في الحوائج، وعدم ادّخار شيء فيه، فالأخبار فيه مستفيضة عنهم، تكاد تبلغ حدّ التواتر، رواها عنهم ثقات شيعتهم ومحبّيهم بأسانيدها المتّصلة إليهم عليهم السلام.

    وسنورد هنا بعضًا منها:

    الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام:

    "أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين دمعةً حتّى تسيل على خدّه، بوّأه الله بها في الجنّة غرفًا يسكنها أحقابًا".

    الإمام الباقر عليه السلام:

    "فيما ينبغي عمله يوم عاشوراء: ... ثمّ ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه، ويأمر مَن في داره بالبكاء عليه ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضًا بمصاب الحسين عليه السلام..."

    الإمام عليّ الرضا عليه السلام:

    "من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة، ومن كان يوم عاشوراء، يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عزّ وجلّ يوم القيامة، يوم فرحه وسروره، وقرّت في الجنان عينه".

    ورد عدد من الأخبار أنّهم عليهم السلام كانوا يجمعون الشعراء ليرثوا الحسين في بيوتهم، ويضربون الحجاب ويجلسون أبناءهم ونساءهم خلفه ليستمعوا لهم، وتعلوا بيوتهم بأصوات البكاء والنحيب أيّام عاشوراء ويقدّمون العطايا للشعراء على شعرهم في الحسين عليه السلام ولا يُرى واحدهم باسمًا في تلك الأيّام قطّ.

    الإمام جعفر الصادق عليه السلام:

    ورد في ترجمة السيّد الحميري: "ذكر التميمي عن أبيه قال: كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمّد، إذ استأذن آذنه للسيّد (الحميري) فأمره بإيصاله، وأقعد حرمه خلف ستر، ودخل فسلّم وجلس، فاستنشده فأنشده قصيدته التي مطلعها:

    "أمرر على جَدَثِ الحسـ ـين وقل لأعظمه الزكيّة"

    قال: فرأيت دموع جعفر بن محمّد تنحدر على خدّيه، وارتفع الصراخ من داره، حتّى أمره بالإمساك فأمسك".

    وتكرّر ذلك مع الأئمّة والشعراء. كالكميت مع الإمام الباقر عليه السلام ودعبل مع الإمام الرضا عليه السلام.

    خلاصة القول:

    يمكننا أن نعتبر أنّ النشأة العامّة للمأتم الحسينيّ العاشورائيّ، كانت بأمر أو موافقة أو تأييد الأئمّة عليهم السلام، وقد مهّدت المآتم العفويّة للمآتم المنظّمة الهادفة، واستمرّت حتّى وصلتنا في العصر الحاضر، ويبقى أن نلقي الضوء على نشأة العادات التفصيليّة للمأتم التي يمكن أن نلخّصها بالآتي:


    الشِّعر؛ الندب؛ النواح؛ المواكب؛ القراءة وأطوارها؛ اللطم؛ التطبير؛ إقامة الولائم؛ الضرب بالزنجيل؛ تمثيل المصرع؛ وغير ذلك.

    نشأة العادات التفصيليّة:

    إنّ الحديث عن العادات المتّبعة التي اكتسبتها مراسم المأتم الحسينيّ العاشورائيّ (الشعر؛ الندب؛ النواح؛ المواكب؛ القراءة وأطوارها؛ اللطم؛ التطبير؛ الولائم؛ ضرب الزنجيل). يقتضي أن نبيِّن العوامل التي ساهمت في ترسيخ هذه العادات وساهمت في استمرارها وتطويرها مع بيان مراحل النشوء، فالدراسات تؤكّد أنّه لم تنشأ في وقت ومرحلة واحدة ومعيّنة بل كانت تطرأ على المجالس الحسينيّة والمآتم العاشورائيّة، بحسب الظروف الاجتماعيّة أو السياسيّة المحيطة بالشيعة ويمكن أن نعبِّر عن ذلك "بمراحل النشأة"، ولأنّنا لسنا بصدد بيان تفاصيل التطوّر ومراحله، سنتحدّث عن مراحل النشأة بالجملة وهما مرحلتان:



    * الأولى: مرحلة الأئمّة وأهل البيت عليهم السلام

    * الثانية: مرحلة الحكومات الشيعيّة، وهي:

    * حكومة البويهيّين.

    * حكومة الفاطميّين.

    * حكومة الصفويّين.


    المرحلة الأولى: مرحلة الأئمّة وأهل البيت عليهم السلام:

    من الواضح بحسب الأمثلة التي مرّت معنا حثّ الأئمّة وإنشائهم للمآتم، أنّها لم تتجاوز استخدام الشعر الرثائيّ بنوعيه (الندب والنواح) وقراءة واستنشاد الشعراء فيه وإنشاده، وجمع الأهل والأصحاب حوله في ذكرى عاشوراء، وكان ذلك من العادات المتّبعة حينها.

    ولم يطرأ على المآتم في عصرهم جديد، سوى نوع من الاستخدام في أسلوب قراءة الشعر، كما حدث مع أبي هارون المكفوف: عندما دخل على الإمام الصادق عليه السلام يقول: قال لي: "يا أبا هارون أنشدني في الحسين، قال: فأنشدته فبكى، فقال: أنشدني كما تنشدون – يعني بالرقّة؛ قال فأنشدته:

    "أمرر على جدث الحسـ ـين فقل لأعظمه الزكيّة"

    قال فبكى، ثمّ قال: زدني، قال: فأنشدته القصيدة الأخرى فبكى، وسمعت البكاء من خلف الستر".

    ويعقّب السيّد محسن الأمين على لفظ "الرقّة" فيقول: قوله بالرقّة – بكسر الراء المشدّدة؛ أي الطريقة التي تستعملونها عند الإنشاد، التي فيها الرقّة والطلاوة، والتي توجب التأثير في القلب لا مجرّد التلاوة.

    وذكرت بعض المصادر الأدبيّة: أنّ السيدة سكينة بنت الإمام الحسين كانت تولي شعر النياحة اهتمامًا كبيرًا... ونقل عن جماعة من شيوخ مكّة: "أنّ سكينة بنت الحسين عليه السلام بعثت إلى سريج بشعر أمرته أن يصوغ فيه لحنًا يُناح به والشعر هو:

    يا أرض ويْحكم أكرمي أمواتي فلقد ظفرت بسادتي وحماتي

    ويذكر أنّها لم تكتف بنوح ابن سريج بل بعثت إليه بمملوك لها يُقال له عبد الملك، وأمرته أن يعلمه النياحة، فلم يزل يعلمه مدّة طويلة.

    وقد ظهر في عدد كبير من الأخبار تأييد الأئمّة عليهم السلام لقراءة الشعر وكتابته والنواح والندب وتلاوة المرثيّات في الإمام الحسين عليم السلام.

    ومنها: عندما سأل: الإمام الصادق عليه السلام أحد أصحابه من الكوفيّين

    بلغني أنّ قومًا يأتون قبر الحسين عليه السلام، من نواحي الكوفة، وناسًا، من غيرهم، ونساء يندبنه وذلك في النصف من شعبان، فمن قارئ يقرأ، وقاصٍّ يقصّ، ونادبٍ يندب، وقائل يقول المراثي. فقال: نعم جعلت فداك قد شهدت بعض ما تصف، فقال عليه السلام: الحمد لله الذي جعل في الناس، من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا.

    "فالشعر والندب والنواح وقصّ ما حدث في مقتل الحسين" هي العادات والوسائل التي اتّبعت في مرحلة الأئمّة عليهم السلام وكان أوّل من قال الشعر في الإمام الحسين عليه السلام غير أهل كربلاء: بشر بن حلذم عندما طلب منه الإمام زين العابدين أن ينعي الإمام الحسين لأهل المدينة، عند وصول ركب نساء الحسين إليها، وقرأ عليهم أبياته المشهورة:

    يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فأدمعي مدرار

    المرحلة الثانية: مرحلة الحكومات الشيعيّة:

    وسنقدّم بعض الأمثلة على تلك العادات التي اتّبعت إمّا بطلب تلك الحكومات أو بتأييدها لها.

    والقصد من ربط هذه المرحلة بالحكومات الشيعيّة: أنّها كانت تفسح المجال بل تعمل على جمع الشيعة في هذه المناسبة وكانت في أزمنتها حرّيّة إقامة المآتم واجتماع الناس عليها أمر مباح.

    البويهيون:في هذه المرحلة أثناء حكم البويهيين كما يبدو من الذي مر معنا في خبر سنة 352 هـ. في بغداد بأمر
    معز الدولة البويهي: نشأت عادات جديدة منها لبس المسوح ومنها الخروج إلى الشوارع بالندب والنواح والإنشاد أي بداية تأسيس لنوع من المواكب كما أن عاداتٍ هي ليست من العادات الإسلامية، وإن كان الناس يفعلونها عند فقد أحبائهم كصبغ الوجه بالسواد ولطم الصدور والوجوه وشق الثياب أيضًا دخلت بشكل ما في المأتم العاشورائي، وأما خروج النساء، وإن شكك به لكنه ورد أنه حدث بأوقاتٍ غير أوقات خروج الرجال كما مر.

    الفاطميّون: يقول المقريزي في خططه: "انصرف خلق من الشيعة وأشياعهم إلى المشهدين، قبر كلثوم ونفيسة، ومعهم جماعة من فرسان المغاربة ورجالاتهم بالنياحة والبكاء على الحسين عليه السلام... وقد كانت مصر لا تخلو منهم في أيّام الإخشيديّة والكافوريّة في أيّام عاشوراء سنة 350 هـ.

    وهنا إشارة إلى وجود الشيعة قبل الفاطميّين وإحيائهم للمأتم العاشورائيّ ومع وصول الفاطميّين إلى الحكم حدث تطوّر مهمّ في مراسم العزاء الحسينيّ، وإنّ تأثّر المصريّين بعزاء الحسين مرجعه إلى سنة 61 هـ حين قدوم السيّدة زينب عليها السلام.

    وقد اتّخذت المراسم أشكالًا تطوّرت من عام إلى عام منذ السنة الأولى لدخول المعزّ الفاطميّ إلى مصر سنة 363 هـ وكان التطوّر الأكبر على المآتم الحسينيّة وقوّتها بعد سنة 548 هـ بعدما نقل رأس الحسين عليه السلام – على ما قيل؛ من مدينة عسقلان في فلسطين إلى القاهرة حيث مدفنه في المسجد المنسوب إليه اليوم.

    أمّا المراسم والعادات فيها فقد ذكرت كالتالي:

    إذا كان يوم العاشر من المحرّم، احتجب الخليفة عن الناس فإذا علا النهار، ركب قاضي القضاة والشهود، وقد غيّروا زيّهم ولبسوا لباس الحزن، ثمّ صاروا إلى المشهد الحسينيّ بالقاهرة، وكان قبل ذلك يُعمل المأتم بالجامع الأزهر، فإذا جلسوا فيه بمن معهم مع الأمراء وأعيان وقرّاء الحضرة والمتصدّرين في الجوامع جاء الوزير فجلس صدرًا. والقاضي وداعي الدعاة من جانبيه، والقرّاء يقرؤون نوبة فنوبة، ثمّ ينشد قوم من الشعراء – غير شعراء الخليفة؛ أشعارًا يرثون بها الحسن والحسين عليهما السلام وأهل البيت وتصيح الناس بالضجيج والبكاء والعويل.

    فإذا كان الوزير شيعيًّا تغالوا في ذلك وأمعنوا، وإن كان سنّيًّا اقتصروا، ولا يزالون كذلك حتّى تمضي ثلاث ساعات، فيستدعون إلى القصر عند الخليفة، بنقباء الرسائل، فيركب الوزير، وهو بمنديل صغير إلى داره، ويدخل قاضي القضاة والداعي، ومن معهما، إلى باب الذهب (أحد أبواب القصر) فيجدون الدهاليز، قد فرشت مساطبها بالحصر والبسط، وينصب في الأماكن الخالية الدكك لتحلّق بالمساطب والفرش، ويجدون صاحب الباب جالسًا هناك، فيجلس القاضي والداعي إلى جانبه، والناس على اختلاف طبقاتهم فيقرأ القرّاء وينشد المنشدون، ثمّ يُفرش وسط القاعة بالحصر المقلوبة، ثمّ يفرش عليها سماط الحزن، مقدار ألف زبديّة من العدس والمسلوقات والمخلّلات والأجبان والألبان الساذجة وأعسال النحل والفطير المغيّر لونه بالقصد، لأجل الحزن... فإذا اقترب الظهر وقف صاحب الباب ببابه، ومن الناس من لا يدخل من شدّة الحزن، فلا يُلزَم أحد بالدخول، فإذا فرغ القوم انفصلوا إلى أماكنهم ركبانًا، بذلك الزيّ الذي ظهروا فيه من قماش الحزن، وطاف النوّاح في القاهرة في ذلك اليوم، وأغلق البياعون حوانيتهم إلى ما بعد العصر، والنواح قائم بجميع شوارع القاهرة وأزقتها، فإذا فات العصر يفتح الناس دكاكينهم، ويتصرّفون في بيعهم وشرائهم، فكان ذلك دأب الخلفاء الفاطميّين من أوّلهم المعزّ لدين الله إلى آخرهم العاضد عبد الله.

    ويمكننا أن نردّ كثيرًا من العادات إلى تلك المرحلة.



    وإنّ إقامة العزاء كانت في الشوارع والبيوت والمشاهد المقدّسة والجوامع وقصور الخلفاء، والجدير ذكره: أنّه تمّ إشادة أمكنة خاصّة بإقامة العزاء والمآتم وهي ما تعرف اليوم (بالحسينيّة).

    الصفويّون: بدأوا كأصحاب طريقة صوفيّة وانتهوا إلى دولة، حتّى سيطروا على معظم إيران وأفغانستان والعراق، وكانت عاصمتهم أصفهان في إيران، حكموا من (1502 – 1736 م) دخل الشاه إسماعيل الصفوي إلى بغداد في 914 هـ، ولقد لقيت المآتم الحسينيّة رعاية خاصّة منهم: "عندما تولّى السلطة على العراق الصفويّين أو غيرهم من الإيرانيّين، كان الإقبال على إقامة هذه المآتم والنياحات عظيمًا وكانت حرّيّة الشيعة في إحياء الذكرى الأليمة مضمونة، وقد غالى الشيعة في إقامتها".

    لقد أولى الصفويّون اهتمامًا كبيرًا بالمآتم الحسينيّة وبقيّة مراسم العزاء باعتبارها من أنجح الطرق الشيعيّة العاطفيّة في نشر التشيّع الذي تبنّاه الصفويّون، وعملوا على نشره في إيران وإعلانهم المذهب الشيعيّ مذهبًا رسميًّا للبلاد، فاستخدموا العزاء الحسينيّ سياسيًّا ودعائيًّا لنشر التشيّع وبسط نفوذهم، وشجّعوا على إقامة المآتم وزيارة العتبات المقدّسة في إيران والعراق، وبذلوا أموالًا طائلة في عمارة مراقد الأئمّة عليهم السلام.

    وأمّا على مستوى العادات والتقاليد وتطوير المعروف منها وإنشاء الجديد منها:

    استحدث الصفويّون منصبًا وزاريًّا جديدًا باسم وزير الشعائر الحسينيّة، وقد أدخلت هذه الوزارة الكثير من العادات على مراسم المأتم الحسينيّ العاشورائيّ، مثال: النعش الرمزيّ والضرب بالزنجيل والأقفال، والتطبير، واستخدام الآلات الموسيقيّة، وأطوارًا جديدة في قراءة المجالس الحسينيّة جماعة وفرادى.

    وقد ردّ البعض، بعض هذه العادات إلى طرق الصوفيّة، واعتبر البعض أنّ كثيرًا أو كلّ هذه العادات لم تكن من الفلكلور الإيرانيّ حينها ولا في الشعائر الدينيّة الإسلاميّة، إنّما نتجت عن دراسات أجراها وزير الشعائر الحسينيّة في الدولة الصفويّة حول المراسم الدينيّة والطقوس المذهبيّة والمحافل الاجتماعيّة المسيحيّة عندما زار أوروبّا الشرقيّة في بدايات القرن السادس عشر واقتبس تلك المراسيم والطقوس وجاء بها إلى إيران واستعان ببعض الملالي لإجراء تعديلات عليها لكي تصبح صالحة لاستخدامها في المناسبات الشيعيّة وبما يتناسب وينسجم مع الأعراف والتقاليد الوطنيّة والمذهبيّة في إيران.

    وبإلقاء الضوء على المرحلة الثانية:

    مرحلة الحكومات الشيعيّة البويهيّة والفاطميّة والصفويّة، يمكننا أن نستنتج أنّ نسبة كبيرة من العادات والتقاليد جاءت من خلال هذه الحكومات وكثيرًا منها كان نوع من إظهار قوّة الحكم وغلبة الشيعة والتشيّع في سلطة نفوذهم، والبعض منها كان اجتهادًا شخصيًّا لسلاطين وزعماء تلك المرحلة.


    المراجع

    - فيصل الخالدي الكاظمي، المنبر الحسينيّ، نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل.
    - عليّ شريعتي، التشيّع العلويّ والتشيّع الصفويّ.
    - المؤتمر العاشورائيّ التخصّصيّ: مجالس الأطفال والناشئة، (الصادر عن معهد سيّد الشهداء عليه السلام)، بحث "الشعر في الحدث العاشورائيّ" للشيخ فضل مخدّر.

    المصدر:
    http://www.almanar.com.lb/adetails.php?eid=1327951


  • #2
    اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الاَْرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ،

    اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْنِ




    ***
    نهضة الحسين (ع): ثورة العرفان القائمة


    قد لا يكون من الغريب القول إنّ قضيّة ثورة الإمام الحسين (ع) على طاغية زمانه تُعتبر بحقّ واحدةً من أهمّ الوقائع التاريخيّة المقتداة اليوم كنموذج للثورة والثوّار على اختلاف مشاربهم. بل قد ذهب البعض – من المنتمين لخطّ الولاء لأهل البيت (ع) – إلى اعتبارها حركةً معياريّةً بحسبها تُحدَّد مشروعيّة أيّ حركة، مع لحاظ الفوارق المتعلّقة بعوامل الزمان والمكان. إلّا أنّه قد يجب أمام هذا الواقع أن نعيد، وبشكل مستمرّ، قراءة الخلفيّة المعرفيّة لحركة الإمام (ع)، لأنّا نوقن قاطعين أنّ حراكه ما كان عبثًا، بل استند إلى عوامل معرفيّة منجّزة، تعود قراءتها بالنفع على صعيد ترسيخ أهداف ثورته المباركة. فالحسين الثائر يرتكز قيامه على كونه الحسين العارف، فلا بدّ لذا من لحاظ جنبة المعرفة القائمة في نفس هذا الثائر، بكلّ أبعادها.



    حسين السعلوك / موقع معهد المعارف الحكمية

    والكلام على أبعاد للمعرفة تلك مردّه إلى أنّ مدخليّة المعرفة في حركة الثورة إنّما تتجلّى في وجوه، أوّلها المعرفة بالواقع والدراية به، وثانيها معرفة الأحكام الشرعيّة والضوابط الدينيّة المتعلّقة بمسألة القيام على الحاكم، وثالثها معرفة الغاية والمصير من القيام.

    فالأولى هي ما يمثّل عامل الدعوة والحثّ على القيام، لأنّه لولا وجود واقع مأساويّ يدعو للقيام، أو مع فرض وجود هذا الواقع دون الدراية به، فإنّ مصير أيّ قيام سيكون الفشل والاندثار. وسيغدو حال الداعي إليه كحال السائر على غير الطريق، فلا تزيده كثرة السير إلّا بعدًا عن مقصده. أمّا الثانية فهي التي تعزّز الحراك بعاملَي الشرعيّة والمشروعيّة، لأنّ وجود الواقع الداعي والدراية به لا يكفيان للقيام إن كان مؤدّى ذلك مخالفة حكم الشريعة الضابطة لسلوك الأفراد، لأنّ إصلاح الفساد لا يكون بإفساد آخر أكبر منه، وإلّا فعن أيّ معنى من الإصلاح يكون الكلام؟! وأمّا الثالثة فهي محور الحراك والمحدّد الأساس لمدياته وأدواته وسائر عناصره، والذي على أساسه يقاس حجم التضحيات.

    ولا يحتاج عارف بالحسين (ع) إلى ما يثبت له توفّره على جوانب المعرفة كلّها، لأنّه سلام الله عليه الإمام المنصوص العالم بشؤون زمانه، الأعلم بأحكام الشريعة الربّانيّة، والأقدر على تحديد السبل الموصلة إلى تحقيق الغايات. إلّا أنّ ما نبغيه في هذه الوريقات إنّما هو تسليط بعض ضوء على مسألة معرفته بالغاية، والكلام على الغاية في خصوص فعل المعصوم لا بدّ أن ينقسم إلى مستويين: الغايات الدنيويّة؛ والغايات الأخرويّة، لأنّ غاية أيّ حراك للمعصوم – بل أيّ فعل من أفعاله – لا تنحصر ببعد الدنيا وما فيها من مكتسبات مادّيّة ومعنويّة، على ما لهذا البعد من أهمّيّة، بل إنّها تتعدّاه لتشمل بعدًا أسمى متعلّقًا بعالم الغيب وهو الذي نحبّ أن نصطلح عليه تسمية غاية الغايات وهو الوصول إلى الله سبحانه ومعرفته بالمعرفة الشهوديّة.

    ولأنّ ضيق المقام لا يسمح بالخوض في مسألة تقديم صورة عن محدّدات معرفة الحسين (ع) بالله، التي كانت هي دافع حراكه ضدّ الفساد، كما والعامل الذي بسببه بذل سيّد الشهداء ما بذل، دونما حساب للتضحيات في إزاء تحقيق مرضاة الله سبحانه، فإنّا سنحصر الكلام في تحديد أهمّيّة عامل المعرفة بالله سبحانه عند الإمام الحسين ومركزيّته، ثمّ تحديد موقعيّة هذه المعرفة في حركة الإنسان المؤمن التي تتبدّى باللحاظ الأوّليّ في ثلاث موقعيّات سنحصر الكلام حولها وهي:

    المعرفة بالله كغاية للوجود.

    المعرفة بالله كوسيلة للارتقاء.

    المعرفة بالله كمقدمة للعبوديّة.


    وإنّا لا نجد في سبيل مقاربة هذه المسألة مصدرًا أوضح من كلام الإمام نفسه، الذي عبّر من خلاله في غير موقف عن أهمّيّة هذه المعرفة وتجذّرها في صميم تلك الذات المقدّسة، لذلك سنعمد إلى اقتفاء بعض موارد كلامه لنستنتج منها الفوائد ونطرحها في سياق البحث.

    المعرفة بالله كغاية للخلق والوجود

    إنّ أوّل سمة يمكن للمراقب المطّلع على سياق طروحات الأدبيّات الإسلاميّة استنباطها هي أنّ معرفة الله سبحانه قُدّمت فيها كغاية أساسيّة من غايات الخلق، بل لعلّها في بعض الموارد اعتبرت الغاية الرئيسيّة، التي في سياق بلوغها تقع بقّية الغايات الفرعيّة.

    وفي تحديد هذا المعنى تضافرت آيات الكتاب الكريم مع روايات أهل بيت العصمة (ع) فتقدّم طرح متكامل يوضح هذا المعنى ويثبته في أكثر من مورد. ومن بين ذلك قد نجد في كلام الإمام الحسين (ع) الكثير ممّا يشير إلى هذا المعنى، وإلى القارئ نقدّم بعض النماذج.

    ورد في دعاء عرفة المنسوب للإمام الحسين (ع) قوله: "إِلهِي عَلِمْتُ بِاخْتِلافِ الآثارِ وَتَنَقُّلاتِ الأطْوارِ أَنَّ مُرادَكَ مِنِّي أَنْ تَتَعَرَّفَ إِلَيَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى لا أَجْهَلَكَ فِي شَيْءٍ". وهو كلام يجدر بنا الوقوف عليه والتأمّل فيه طويلًا لما يحويه من معانٍ سامية تطال تحديد الإمام (ع) لغاية خلق الآثار واختلافها من جهة، ثمّ لكيفيّة بلوغ هذه الغاية من جهة أخرى.

    فأمّا عن الغاية، فواضحة بيّنة في تعبير الإمام بأنّ مراد الله منه التعرّف إليه، فالله سبحانه يريد من كلّ تلك المخلوقات المتباينة والآثار المتنقّلة أن يتعرّف لعباده، ليعرفوه بها، ويستدلّوا عليه بها، فالآثار المختلفة، وتنقّلاتها في الأطوار إنّما هي صورة يراد منها الاستدلال على مصوّرها ومبدعها، فغاية إيجادها وإبداعها على ما هي عليه إنّما كانت تدليلها على ذلك الموجد المبدع، وإلّا فإنّ الاستغراق في معايشة هذه الآثار ومراقبتها دون ربط لها بمبدئها الواحد الأوّل وارتيادها طريقًا للوصول إليه إنّما هو أمر مذموم، فكما قال إمامنا في فقرات من الدعاء نفسه: "إِلهِي تَرَدُّدي فِي الآثارِ يُوجِبُ بُعْدَ المَزارِ فاجْمَعْنِي عَلَيْكَ بِخِدْمَةٍ تُوصِلُنِي إِلَيْكَ".



    وأمّا عن كيفيّة بلوغ الغاية، فالكلام السابق عن أنّ ما تبصره العين المادّيّة من آثار خلقيّة مختلفة وتغيّرات حركيّة مستمرّة إنّما هدفه إبصار العين القلبيّة لموجد تلك الآثار والتعرّف عليه بالتفكر فيها، كمصوّر وكمدبّر، أفاض وجود الموجودات المختلفة واستنّ لها سننًا مطّردة محدِّدة لحركتها، فتصوَّرَ بذلك نظام الكون المتكامل كأبدع صور الجمال التي لا تتأتّى إلّا عن مطلق الإبداع؛ ذلك الكلام يستبطن دعوةً جادّةً للتفكّر، إذ استعمال الإمام لعبارة "علمت" دالّ على أنّ الوصول من لحاظ وجود الموجودات إلى المعرفة بالموجد إنّما يتخلّله إعمال فكر ونظر، وهو التفكّر الذي دعت إليه آيات القرآن في موارد عديدة. ومن بين الموارد المؤازرة لقول الإمام السابق ودعوته للتفكّر والنظر في عناصر الكون وموجوداته في سبيل بلوغ غاية معرفة الموجد قول الله سبحانه: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصّلت/ 53]، وهو بيان صريح مشير إلى مسلك من مسالك معرفة الله عبر رؤية الآيات الآفاقيّة والأنفسيّة كسبيل لمعرفة الحقّ واستبيانه.

    ولعلّ ما مرّ كافٍ لإيضاح موقعيّة المعرفة بالله كغاية دعت التعاليم الإسلاميّة إلى اكتناهها، وحدّدت السبيل إلى ذلك فلا نزيد لضيق المقام.

    المعرفة بالله كوسيلة للارتقاء في سلّم الوجود

    بعد تحديدها كغاية أساسيّة للوجود، تقع المعرفة في موقع آخر يتكامل مع موقعها الأوّل السابق الذكر، في سبيل تحقيق السعادة الأخرويّة للنوع الإنسانيّ، وهو كونها وسيلةً يرتقي بها الإنسان وتنفتح معها مداركه المعرفيّة فيتعرّف إلى حقيقة الوجود والموجودات. فبعد أن فهم دورها في المرحلة الأولى كغاية للوجود، وسعى هنالك لبلوغها، فهو يقف الآن في موقع العارف المستند إلى معرفته في إزاء لحاظ الوجود والاشتغال فيه.

    ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى أنّ مفهوم المعرفة بالله مفهوم مشكّك يقع في رتب ومستويات متفاوتة، فلا يجري الحديث عنها كأمر يُقبض عليه فيناله القابض بالتمام، بل إنّ السير في خطّ معرفة الله مسير لا متناهٍ، يمتنع معه بلوغ نهاية، إذ السبر في غور المطلق مطلق، لا حدّ له ولا أمد. ولعلّ من أدلّ الشواهد على هذا المعنى قول النبيّ المصطفى صلّى الله عليه وعلى آله – والذي يعتبر دون خلاف أعرف الناس بالله وأقربهم منه سبحانه – "إلهي ما عرفناك حقّ معرفتك"[1]. وبناءً على ما تقدّم نشير إلى أنّ المرحلة الثانية – والتي هي التصرّف في الوجود بحسب ما اكتُسب من المعرفة – إنّما يكون بحسب الرتبة المعرفيّة التي بلغها العارف، كما أنّ بلوغه هذا المستوى لا يعني انقطاعه عن المستوى الأوّل، فالعارف في هذا المستوى يتصرّف بما تمليه عليه معرفته، ويسعى في الآن نفسه إلى بلوغ مراتب أرقى من المعرفة.

    وفي هذا السياق يقدّم إمامنا الحسين (ع) في دعاء عرفة المسبوقة الإشارة إليه معنًى للمعرفة يجعلها فيه وسيلةً لبلوغ غايات الاستخلاف الإلهيّ، في تقديم بديع منه لمرحلة الإنشاء الإلهيّ للإنسان الخليفة، الذي يكون كمال بلوغ الحجّة عليه إلهامه معرفته سبحانه. فالإمام يباشر بادئ ذي بدء الكلام عن الإعداد الأوّليّ السابق على الوجود فيقول: "إِبْتَدأتَنِي بِنِعْمَتِكَ قَبْلَ أَنْ أَكُونَ شَيْئاً مَذْكُوراً، وَخَلَقْتَنِي مِنَ التُرابِ، ثُمَّ اسْكَنْتَنِي الأصْلابَ، آمِناً لِرَيْبِ المَنُونِ، وَاخْتِلافِ الدُّهُورِ وَالسِّنِينَ، فَلَم أَزَلْ ظاعِناً مِنْ صُلْبِ إِلى رَحِمٍ فِي تَقادُمٍ مِنْ الأيَّامِ الماضِيَةِ وَالقُرُونِ الخالِيَةِ"، وهي مرحلة من الإعداد الإلهيّ تتعلّق بإيجاد القابل، الذي يحوي كلّ خصائص الموجوديّة على نحو ما بالقوة، لينتقل بعدها في كلامه إلى مرحلة الخلق والانتقال بما بالقوّة إلى ما بالفعل فيقول: "فَابْتَدَعْتَ خَلْقِي مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى وَأَسْكَنْتَنِي فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ بَيْنَ لَحْمٍ وَدَمٍ وَجِلْدٍ، لَمْ تُشْهِدْنِي خَلْقِي، وَلَمْ تَجْعَلْ إِلَيَّ شَيْئاً مِنْ أَمْرِي ثُمَّ أَخْرَجْتَنِي لِلَّذِي سَبَقَ لِي مِنَ الهُدى إِلى الدُّنْيا تامّاً سَوِيّاً"، وفيها كما يلاحظ القارئ تصوير دقيق لمراحل الخلق الدنيويّ، فبعد أن أوجده في مرحلة ما بالقوّة حيث لم يكن شيئًا مذكورًا، أخرجه الآن إلى الدنيا بشرًا تامًّا سويًّا، والبيان.

    هذا يقدمه الإمام (ع) في سياق ذكره النعم الإلهيّة الحاقة بالإنسان من قبل وجوده، وتعتبر المرحلة المسبوقة الذكر تمهيدًا لمراحل أخرى يذكرها الإمام ويشير فيها إلى إنعام الله على عبده بتعطيف قلوب الأمّهات الرواحم، والحفظ من الشرور، والسلامة من الزيادة والنقصان، ليختم المطاف ببلوغ هذا الإنسان مرحلة اكتمال الفطرة، التي هي المرتكز الأول لتحقّق أيّ معرفة عند الإنسان، والسند الأساس للإنسان لفهم الحجج الإلهيّة وبلوغ أهليّة الاستخلاف الإلهيّ، يقول: "حَتَّى إِذا اكْتَمَلَتْ فِطْرَتِي وَاعْتَدَلَتْ مِرَّتِي أَوْجَبْتَ عَلَيَّ حُجَّتَكَ بِأَنْ أَلْهَمْتَنِي مَعْرِفَتَكَ وَرَوَّعْتَنِي بِعَجائِبِ حِكْمَتِكَ، وَأيْقَظْتَنِي لِما ذَرَأْتَ فِي سَمائِكَ وَأَرْضِكَ مِنْ بَدائِعِ خَلْقِكَ وَنَبَّهْتَنِي لِشُكْرِكَ وَذِكْرِكَ وَأَوْجَبْتَ عَلَيَّ طاعَتَكَ وَعِبادَتَكَ وَفَهَّمْتَنِي ما جاءتْ بِهِ رُسُلُكَ وَيَسَّرْتَ لِي تَقَبُّلَ مَرْضاتِكَ، وَمَنَنْتَ عَلَيَّ فِي جَمِيعِ ذلِكَ بِعَوْنِكَ وَلُطْفِكَ". وكما لاحظت، فالإمام (ع) جعل المعرفة المرتكزة على اكتمال الفطرة واعتدال المِرّة داعيًا لإيجاب الحجج الإلهيّة، وبالتالي وسيلةً لبلوغ الأهليّة للاستخلاف، إذ هو يستتبع كما قرأت المعرفة بمعاني كاليقظة والتنبّه والفهم، وكلّها واقعة في السياق السابق.

    من هنا فمعرفة الله تقع كمقدّمة أساسيّة ووسيلة ضروريّة لبلوغ مقام الخلافة، في الوقت نفسه الذي تبقى هي غايةً للوجود، في علاقة التزاميّة بين تحقّق المعرفة وتوظيفها من جهة، وبلوغ مراتب أعلى من المعرفة من جهة أخرى.



    المعرفة بالله كمقدّمة للعبوديّة

    ثمّ بعد كلّ ما مرّ، تقع المعرفة بالله، التي كانت في المقام الأوّل غاية الوجود، ثمّ في الثاني وسيلةً لعبور باب الارتقاء في الوجود، تقع في هذا المقام الثالث، بحسب الإمام الحسين (ع)، كمقدّمة لتحقّق العبوديّة بمعناها الأصحّ عند الإنسان.

    فعامل المعرفة على أهمّيّته لا يكتمل دون ترتّب الآثار عليه، وقد لفت إمامنا إلى هذا المعنى في واحدة من بدائع كلماته حيث يقول: "أيّها الناس، إنّ الله عزّ وجلّ ذكره ما خلق العباد إلّا ليعرفوه"، وهذا توكيد منه على المعنى السابق من مركزيّة المعرفة كغاية أساسيّة للخلق، إلّا أنّه يكمل في سياق متّصل محدّد لحقيقة وأثر تلك المعرفة فيقول: "فإذا عرفوه عبدوه واستغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه"[2]، والإشارة واضحة إلى أنّ المعرفة يجب أن تقع كمقدّمة لعوامل أخرى أهمّها تحقّق العبوديّة الحقيقيّة لله.

    والإمام (ع) إذ يطرح هذه الوجهة، فإنّما يطرحها لما تتّسم به العبوديّة لله سبحانه من كونها سبيل الصلاح الأوحد الذي يجب على الأفراد – بل على الأمم – انتهاجه في سبيل صلاح شؤون الدنيا والآخرة، لما يعود به ذلك عليها من منفعة على صعيد تأسيس نظام قيميّ متكامل يرتكز على العبوديّة لله ويقدم منظومة القيم الأخرى كالحرّيّة والعدالة ورفض الظلم وغيرها.

    ولعلّ من أسمى التجارب المشيرة إلى هذا المعنى تجربة صاحب الكلام السابق، الذي قدّم في قيامه ضدّ الظلم والطغيان نموذجًا عمليًّا مكتمل المعالم لما أسّس له نظريًا في كلمته السابقة. فهو بعد أن تحقّقت عنده أسمى مراتب المعرفة بالله سبحانه، قام لله في مواجهة الطغيان، وبذل في هذا السبيل كلّ غالٍ، بل أصبح بذله هذا هيّنًا في الحسبان لأنّه بعين الله. فالحسين العارف بالله هو وحده من بإمكانه أن يقدّم كلّ تلك التضحيات دونما عبء أو شعور بخسران.

    إنّ هذه تعتبر بحقّ واحدةً من أهمّ الاستفادات العمليّة التي قدّمها إلينا إمامنا الحسين (ع) والتي لا زالت تنتهجها في أيّامنا هذه حركات ثوريّة إسلاميّة تجعل الحسين (ع) منارة دربها وقدوتها الأولى، في سبيل تحقيق خير الدنيا والآخرة.

    كلمة ختام

    لعلّ ما قدّمناه قد يكون يسيرًا من كثير ممّا قدّمه الإمام الحسين (ع) من معارف ومواقف يجب الوقوف عليها والتعلّم منها، وإنّ ما كتب في هذه الورقات القليلة لا يعتبر إلّا دعوةً لإعادة قراءة فكر الإمام الحسين (ع) وعرفانه، لأنّ ذلك سبيل أساسيّ لا بدّ من سلوكه لمعرفة المباني النظريّة الأساسيّة لثورته وحركته، وذلك، كما أسلفنا في المقدّمة، أمر ضروريّ لحفظ معالم ثورته المباركة والاستفادة منها في سبيل إصلاح الأرض وإعمارها، وتمهيدها لتكون بيئةً مهيأةً لحفظ نور العصمة والولاية بظهور قائم آل محمّد عجّا الله فرجه فيها، وبلوغها بذلك غاية كمالها إذ الأرض كلّها لله، وسيورثها من يشاء من عباده بعد تحقّق القابليّات فيها بأن نمهّدها لذلك.

    [1]

    [2] موسوعة كلمات الإمام الحسين (ع)، إعداد محمود شريفي وآخرين (قم: دار المعروف، 1993)، الصفحة 540.

    تعليق


    • #3
      اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الاَْرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ،

      اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْنِ




      ***
      * قراءة مسيحية في فكر الحُسين (ع)

      لا بدَّ بداية من التنويه بنقطين:

      أولاً:
      إن إعتلاء آلاف المسيحيين من رجال دينٍ ودنيا المنابر العاشورائية عبر تاريخنا المعاصر، ليس من قبيل العلاقة الإنسانية وتبادل الواجبات الإجتماعية كما في الأضحى والفصح والميلاد والإفطار الرمضاني المشترك، بل تأتي مشاركة المسيحيين في عاشوراء من منطلق التفاعل مع الفكر النهضوي للإمام الحُسين عليه السلام، والإضاءة من منظور إنساني شمولي على الثورة الحسينية، وتأكيد واجب وجودها في كل زمان ومكان، حاضرةً في الثقافة المجتمعية وفي الوجدان، من منطلق الحاجة الى استلهامها طالما على الأرض ظالمٌ ومظلوم.



      أمين أبوراشد/ موقع المنار


      ثانياً:
      إن المسيحيين يعتبرون أن الإختلاف في تفاصيل إحياء مشهدية مراسم عاشوراء بين منطقة وأخرى، وبيئة وأخرى، هو نفسه في ذكرى الجمعة العظيمة وإحياء ذكرى صلب السيد المسيح، ويذهبون في قراءة القاسم المشترك بين آلام السيد المسيح فداء للبشر ورُسُل السلام من بعده، وبين استشهاد الحُسين للغاية نفسها ومن سار على نهجه من بعده>

      وكما يقول المفكِّر أنطوان بارا في كتابه "الحسين في الفكر المسيحي": في صدر المسيحية صَلَب مجنون روما نيرون، تلميذيّ السيد المسيح بطرس وبولس جزاء ادخالهما المسيحية الى روما، وكذلك فعل يزيد بالإمام الحسين.

      قد يكون للمستشرقين بعضٌ من الفضل في عولمة الفكر الحُسيني، لكن كبار علماء الإجتماع والمفكِّرين في الغرب، استلهموا فكره في معرض بحثهم عن "الظواهر العجائبية" التي فعلت فعلها في المجتمعات على امتداد قرون،

      ونقرأ بعضاً مما كُتِب عن "الحُسين الظاهرة التاريخية" لأن المقالة الواحدة أصغر من أن تختصر بعض العناوين:

      * "لو كان الحسين منَّا لنشرنا له في كل أرضٍ رايةً، ولأقمنا له في كل أرضٍ منبراً ولَدَعونا الناس الى المسيحية بإسم الحسين" (أنطوان بارا).

      * "وهل ثمة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثاً عن كربلاء؟ وحتى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح التي وقعت هذه المعركة في ظلِّها" (المستشرق إدوارد دبروان).

      * يقال في مجالس العزاء أن الحسين ضحَّى بنفسه لصيانة شرف وأعراض الناس، ولحفظ حرمة الإسلام، ولم يرضخ لتسلُّط ونزوات يزيد، إذاً تعالوا نتخذه لنا قدوة، لنتخلص من نير الاستعمار، وأن نفضِّل الموت الكريم على الحياة الذليلة"(موريس دو كابري).

      * "حقاً، إن الشجاعة والبطولة التي أبدتها هذه الفئة القليلة، بحيث دفعت كل من سمعها إلى إطرائها والثناء عليها لا إرادياً، هذه الفئة الشجاعة الشريفة جعلت لنفسها صيتاً عالياً وخالداً لا زوال له إلى الأبد"( المستشرق برسي سايكوس).



      * "إن ميتة الشهداء التي ماتها الحسين بن علي، قد عجلت في التطوُّر الديني لحزب علي، وجعلت من ضريح الحسين في كربلاء أقدس محجَّة" (المستشرق كارل بروكلمان).

      * إن مأساة الحسين بن علي، تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي (جون أشر)

      * "إن اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي، وهو العاشر من محرَّم اصبح يوم حداد ونواح عند المسلمين، وفي مثل هذا اليوم من كل عام تمثل مأساة النضال الباسل والحدث المفجع الذي وقع للإمام الشهيد، وغدت كربلاء من الاماكن المقدسة في العالم واصبح يوم كربلاء وثأر الحسين صيحة الاستنفار في مناهضة الظلم" (المستشرق فيليب حتّي).

      سيِّدة بلجيكية كانت في زيارة سياحية للعراق منذ نحو ثلاثين سنة تقول: "ذهبت لزيارة كربلاء لأتعرَّف على مراسم عاشوراء، رأيت الدموع تنهمر غزيرة من الحشود الهائلة، لكني قرأت في عيونهم القوَّة وفي سواعدهم العزم، وبدوا وكأنهم يزورون الحسين ليس فقط للصلاة، بل للتزوُّد بالعزم على مواصلة طريقه في النضال من أجل العدل، إنهم قومٌ لا بدَّ مُنتصرون".

      ولعل الفرادة التاريخية التي ميَّزت الظاهرة الحُسينية التي قامت على خلفية تطبيق عدالة الدين في المجتمع لنُصرة المظلومين، أن كافة الأديان تعرَّضت خلال التاريخ لإنقسامات طائفية ومذهبية وبقيت ضمن الإطار الديني البحت، بينما تميَّزت ظاهرة الحسين بأن جعلت الدين مرجعاً عادلاً لإدارة المجتمعات، وتحرير الناس من خوف المطالبة بالحق، وتعميم الإنصاف بينهم وتحقيق ذلك بإسمهم، وإستلهام الأنظمة والقوانين الوضعية التي تُراعي المتغيِّرات عبر العصور، واعتماد سيرة الحسين نبراساً لمسيرة "الولي الفقيه" في إدارة شؤون الدولة واحتضان هموم الناس وتطوير المجتمعات نحو الأفضل، وقد تكون الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي الدليل الأكبر والتجربة الأعظم، في كيفية دمج التاريخ الحسيني المقاوِم للظلم والإستكبار في الأزمان الغابرة، بدستورٍ عصري وثقافة قومية قائمة على المبادىء الحُسينية لدولةٍ نهضوية عظيمة تُجاري أرقى الدول المتطورة في حداثة الكيانات المعاصرة، من أجلِ شعوبٍ طامحة للعدالة الإجتماعية ضمن الكرامة الإنسانية المقدَّسة...

      ***
      * الحسين (ع) سرّ انتصاراتنا..


      د. طراد حمادة - خاص العهد

      في كتابنا "ميتافيزيقا عاشوراء" أثبتنا في مقالة فلسفيّة أن النفاذ إلى حقيقة عاشوراء لا يحصل على اليقين إلى معرفة الشيء في ذاته إلاّ بالنظر الميتافيزيقي. لأن الحقيقة الذاتية لثورة الإمام الحسين (ع) تقوم على اعتبارها، ثورة ذات أبعاد إلهيّة، من ناحية فعل الإمام وتقريره وقوله وسيرته وأخلاقه، ومن ناحية أسبابها والغايات المرتبطة بالدور الإلهي المنوط بالإمامة والولاية للنبوة المحمدية الخاتمة.

      لا يعني هذا القول أن مقاربة ثورة الإمام الحسين (ع) من النواحي التاريخيّة المرتبطة بالزمان والمكان، والظروف السياسية والاجتماعية والمعرفية المرتبطة بدورها بحركة الأحداث والوقائع في النصف الأول من القرن الأول للهجرة؛ وما تشكله هذه الوقائع والأحداث من موقع تاريخي مرتبط بزمن النبوّة وتنزل الوحي واكتمال الدين، بالولاية المحمدية – العلويّة، وما ارتضاه الله من دروس وعبر وتجربة ومواقف، وسيرة وسلوك، يكون مرجعاً للناس، في عبادة الله سبحانه حق عبادته في كل زمان ومكان..

      وعليه، تكون ثورة الإمام الحسين(ع) الرمز والقدوة والمثال والنموذج لكل ثورة بعدها والمعيار في تقييم كل ثورة قبلها. إنها الدرس الأكثر بلاغة الذي قدّم للإنسان في دورته الآدمية الراهنة، للاستفادة منها واعتبارها مرجعاً ونموذجاً وقوة تحتذى. ويسمح هذا الدور بإجراء مقاربات متعددة لثورة الإمام الحسين(ع) من الناحية التاريخية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية والمعرفية، للتجارب الإنسانية حتى اكتمال الدورة الآدمية، في العناية الإلهية المستمرة بعد ختم نبوّة التشريع بالولاية المستمرة ما استدام هذا الزمان.



      إن الشرط الذي نضعه أمام هذه المقاربات هو ارتباطها بالبعد الميتافيزيقي – الإلهي لثورة الإمام الحسين، ويكون فيه المؤرخ الناظر وفق منطق الرؤية التاريخية، مدركاً أنه أمام تجربة ذات بعد ميتافيزيقي غالب، لا يدرك إلاّ وفق الميتافيزيقا التاريخية، أو السياسية أي على ضوء الأسئلة الكلية التي تحيط بالنظر الميتافيزيقي...

      كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء، صورة عن البعد والمثال والنموذج والاقتداء والمحاكاة التي تجعل من النظر الميتافيزيقي لعاشوراء، قادرا على الإحاطة بأحداث ووقائع راهنة، يمكن تفسيرها على ضوء المنهج والدرس العاشورائي. الإمام الحسين(ع) هو المعلم؛ في دائرة النبوّة المحمدية، والولاية العلوية، في حوار الدور الحسيني في الرسالة المحمدية، أو الحرف الحسيني في الكلمة المحمديَّة...

      اختار حزب الله لإحياء ذكرى عاشوراء للعام الميلادي 2015، شعار "الحسين سر انتصاراتنا" ماذا يعنيها من الناحية السياسية، المرتبطة بالرؤية الميتافيزيقية لعاشوراء هذا الشعار، في الزمان والمكان المقصودين، وهي وقائع أحداث العالم ومشكلاته في الزمن الحاضر عام 2015 للميلاد.

      الناظر فيما يدور في هذا العالم من أحداث يجد أن ثمة مصاديق فيها يمكن تفسيرها على ضوء المنهج العاشورائي، والحرف الحسيني في الكلمة المحمدية. لقد قام الإمام الحسين(ع) في ثورته من أجل الإصلاح في أمة جده، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويقاوم الشر وسلطة الاستبداد والانحراف التي مثلها حكم يزيد بن معاوية ومن قبله حكم أبيه والتي وضعت الإسلام في دائرة الخطر الوجودي تريد محق هذا الدين وإطفاء الثورة، والعودة إلى الجاهلية العمياء، ونكران الدعوة، وتبديد قوى الإسلام، ونشر الضلالة والجهل وبسط الطغيان الأعمى، وفرض السلطان الجائر، ونيل البيعة له بقوة العصبيّة الجاهلية وقتل الناس وإرهابهم، وشراء الضمائر، ونشر الفساد والباطل.

      يواجه عالمنا المعاصر، دول وأنظمة سياسية طاغية فاسدة ظالمة تنشر الحروب والفوضى وتعيث في الأرض فساداً، وتستند إلى الإرهاب والتكفير، والقتل والتهجير وإشاعة الدمار والخراب.

      هذه الظواهر وفيها مصداق حكم يزيد بن معاوية تهدد العالم المعاصر في وجوده، ولا بد لهذا العالم من أجل الحفاظ على بقائه من مقاومتها...

      إن مقاومة الإرهاب والاستبداد والاستعمار والاستغلال ونشر الرعب والفوضى والقتل يستلزم التحلي بكل خصائص الثورة الحسينية، من الحكمة والشجاعة والتضحية والإيثار والمقاومة والشهادة وانتصار الدم على السيف، والحق على الباطل والتحلي بأخلاق الله، والتخلي عن كل ما يغضب الله، والعمل في سبيل الله، وعبادة الله حق عبادته، والدعوة إلى حقائق دينه، وصلاح خلقه؛ ونشر الأخلاق والمثل الإلهية بين الناس وهي خصائص وصفات إذا تحلى بها المقاومون حققوا وعد الله لهم بالنصر.

      تكشف هذه البارقة عن السرّ الإلهي الذي يجعل الحسين(ع) في سيرته وعلمه وتقواه حكمته وشجاعته ومقاومته واستشهاده مع أهل بيته والخلّص من أصحابه سر انتصاراتنا، لأننا نحقق النصر بأخذنا ثورة الإمام الحسين قدوة ومثالاً، ورمزاً، وراية وعنواناً، لمقاومتنا المعاصرة، والتي ستنتصر، لأن الله سبحانه وعد المجاهدين في سبيله بالنصر، ولأن هذا النصر ثمرة السير على الصراط المستقيم ولا يحل هذا السر إلاّ بهداية الإسلام والتمسك بالعروة الوثقى كتاب الله ورسوله وعترته أهل بيته ومنهم ريحانته، الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، والذي قال فيه رسول العالمين وخاتم النبيين: حسين مني وأنا من حسين.

      إن كل ما لدينا هو من بركات عاشوراء، والحسين سر انتصاراتنا، حقيقة واقعية وواقعة حقيقيّة. نشاهد بأنفسنا مظاهرها الصادقة.

      تعليق


      • #4
        اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الاَْرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ،

        اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْنِ




        ***

        تاريخ المآتم (الحسينيات) في البحرين

        قاسم حسين - صحيفة الوسط البحرينية

        بدأ الباحث التراثي يوسف النشابة محاضرته في نادي باربار الرياضي مساء الاثنين (12 أكتوبر/ تشرين الأول 2015)، بطرح سؤال على الحضور: متى كان أول مأتم للأحزان في الأرض؟ وأجاب: في بيت أبينا آدم (ع)، بعد مقتل هابيل على يد أخيه قابيل، وكانت أمهما حواء أول المفجوعات الثاكلات.

        الباحث النشابة خريج المعهد العالي للمعلمين، درس في بريطانيا، وعمل اختصاصي مناهج بوزارة التربية والتعليم، وكاتب قصة قصيرة وباحثاً في التراث، وكتب في العديد من المجلات البحرينية والخليجية، وله عشرة كتب مطبوعة، مع ديوانَيْ شعرٍ، أحدهما بالانجليزية، كما إنه عضو مؤسس بمسرح أوال، وعضو في جمعيتي «تاريخ وآثار البحرين» و«خزّافي البحرين». هذه الاهتمامات الكثيرة تنعكس على طريقة طرحه المتنوعة بما يشبه «الكشكول».

        مقتل هابيل قد يكون بداية جلسات التعزية في التاريخ، التي تعدّدت بتعدد المعارك والمجازر في التاريخ، التي وصلنا بعضها فيما ضاع بعضها الآخر في مطاوي النسيان. وفي التاريخ الإسلامي، تبرز واقعة كربلاء (61 هـ, 680 م)، التي تركت ندوباً عميقة في الوجدان الإسلامي. فبعد انتهاء هذه المعركة غير المتكافئة، سيقت قافلة السبايا إلى الكوفة، وهناك عقد أحفاد وبنات الرسول (ص) أول مأتمٍ لنعي الشهداء، ولحقه مأتمٌ آخر في الشام، في قلب عاصمة الخلافة الأموية، بالقرب من قصر الطاغية يزيد.

        فكرة إحياء الذكرى تطوّرت بمباركة أئمة أهل البيت النبوي الشريف، وبحضورهم وتشجيعهم كان الشعراء يلقون قصائدهم ومرثياتهم على الجمهور، وأحياناً كانت تتم على قبور الشهداء في كربلاء نفسها.

        الفكرة أخذت بعداً أوسع في ظل الدولة الفاطمية (969 - 1172 م)، التي قامت أولاً في تونس وتمدّدت إلى مصر واستمرت حوالي ثلاثة قرون، كما شهدت الدولة البويهية في العراق (933 - 1066 م)، والحمدانية في الشام (890 - 1004 م) ممارسة شعائر مماثلة. أما أول حسينية، أو مأتمٍ مستقلٍّ فقد تأسّس في القاهرة أيام المعز لدين الله الفاطمي (953 - 975 م)، حيث كان يُعلَّق «السواد» وتُعطّل الأسواق وتخرج المواكب في العاشر من محرم، حزناً على آل الرسول، حيث عُرف المصريون بحبّهم الشديد لآل البيت.

        في ظل هذه البيئة، تطورت تلك الثقافة الأصيلة الغنية بالبلاغة والأدب، التي عُرفت بـ «أدب الطف»، من شعر ونثر، وباللغتين العامية والفصحى، فضلاً عن اللغات الأخرى كالفارسية والتركية والأوردية. بل إن أكبر وأشهر شعراء العربية كتبوا قصائد أو أبياتاً في هذا الباب، مثل دعبل الخزاعي، الكميت، الفرزدق، أبوفراس الحمداني، أبوالعلاء المعري، ابن الرومي، الشريف الرضي، فضلاً عن أسماء كبيرة أخرى مثل صعصعة بن صوحان العبدي، سليمان بن صرد الخزاعي، وأبو الأسود الدؤلي.

        في البحرين، تظهر أسماء بارزة مثل الشيخ حسن الدمستاني (توفي 1759 م)، الشيخ جعفر الخطي (توفي 1618 م)، الشيخ سليمان الماحوزي (توفي 1709 م)، والملا عطية الجمري (توفي 1981 م)، ومئات الشعراء والخطباء والرواديد. كما كانت للبحرين طريقة متميزة في القراءة الحسينية، عُرفت بـ«الطور البحراني»، المحبّب لدى العراقيين. وكانت المآتم في الأيام الخوالي، تقام في مجالس بيوت الوجهاء في المنامة أو مختار القرية، المبنية من سعف النخيل، ثم انتقل إلى عريش خاص مع زيادة أعداد المعزّين. وكان المنبر يُتّخذ من جذوع النخل، لعدم توافر الخشب أو النجارين، لصنعه في حالته التي نعرفها حاليّاً. (يذكر النشابة أنه لم يكن هناك نجارون وإنّما قلافون لصناعة السفن قبل كساد تجارة اللؤلؤ).

        الباحث النشابة يكشف أن إحياء يوم الأربعين يعود إلى عادة قديمة كان يمارسها الفراعنة في مصر القديمة، حيث يحتاج أهالي الميت لتحنيطه قبل دفنه، وكانت مواد التحنيط تحتاج إلى 40 يوماً لتعطي مفعولها لحفظ الجثمان قبل نقله إلى مثواه الأخير. هذه العادة انتقلت إلى الديانة المسيحية، ومن ثم مارسها المسلمون في مصر، حيث كان أهل المتوفى يتلقون التعازي مرتين، يوم الوفاة وبعد الدفن، أي بعد أربعين يوماً.

        أما «أربعينية الحسين»، فتعود إلى زيارة الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري (رض) لقبر الحسين (ع) بعد أربعين يوماً من مقتله، فغدت هذه الزيارة تقليداً يمارس سنويّاً.

        من الناحية السيكولوجية، للألوان دلالاتها لدى المجتمعات، فالأخضر يمثل البهجة والنمو، والأزرق يمثل صفاء السماء، والأصفر الحكمة، والأبيض النقاء، أما الأسود فيمثل الظلام والحزن لدى عامة الشعوب، وهو ما نراه من لون طاغٍ في هذا الموسم الحزين.

        ويسرد الباحث النشابة التاريخ المدوّن لتأسيس بعض المآتم في البحرين في العصر الحديث: فمأتم المديفع تأسس سنة 1875 م، وحسينية بن خميس تأسست في 1877 م، وهي ملتقى ثقافي ديني اجتماعي، وكانت مركزاً سياسيّاً أيام هيئة الاتحاد الوطني في 1954 م.

        المأتم اليوم يلعب دوراً كبيراً ومؤثراً في حياة المجتمع، من النواحي الدينية والفكرية والثقافية، حيث يتلقى روّاده - صغاراً وكباراً - الثقافة والمعرفة التاريخية، في هذه الحواضن الإسلامية العريقة.

        تعليق


        • #5
          اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الاَْرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ،

          اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْنِ




          ***


          معالم الإصلاح في ثورة الإمام الحسين عليه السلام

          حمد جاسم محمد الخزرجي
          مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

          جسدت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضتها قيم ومبادئ حقوق الأمة ومنها الإصلاح، حيث أكد فيها على ضرورة الاهتمام بإصلاح شؤون الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية من خلال توعية الأمة بمواصفات الحاكم العادل القائم بالعدل الذي يسوس الناس بالقرآن والسنة ويحترم آرائهم ومعتقداتهم ويؤمن بالشورى في الحكم وتولي الحكم من هو أهلا لها، وعدم المساومة على الحق، والالتزام بالاتفاقيات والعهود، ودعم سيادة القانون، وجعلها مقياسا لقيمة الحاكم ومشروعية حكمه وهذا ما أراده (عليه السلام) بقوله (ولعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الداين بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله).

          كما تضمنت معالم تلك النهضة تمتين أواصر الثقة بالمعتقدات من خلال طرح الصحيح منها إلى الأمة، والتأكيد على وحدة الأمة ومنع إثارة التفرقة والعنصرية والطائفية والقبلية والقومية كأساس للتمييز بين الناس، وقد وضع (عليه السلام) شروط الكفاءة والاستقامة في تولي شؤون الأمة وتسيير مهام الحكم والسياسية فيها، فضلا عن ممارسة حق النقد والبيعة والنصح والتوجيه ومناقشة سياسة الحاكم، وهذا ما أكده الحسين (عليه السلام) عندما قال: (إنا أهل بيت النبوة، ومعدن العلم، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله).

          واستطاع الإمام الحسين (عليه السلام) أن يوقظ الضمير الإنساني ويؤثر فيه باتجاه القيم الحقة، والانتصار لها، وتحقيقها على أرض الواقع، كونها لم تحدّد بدين أو مذهب أو قومية معيّنة، بل كانت للإنسانية جمعاء.

          وقد اكد الإمام (عليه السلام) على أهمية طريق الحرية وعدم الانسياق وراء الحاكم الظالم مهما كانت الاسباب، وعدم العيش كالعبيد، بل دعا (عليه السلام) الى ان يكون الناس احراراً في دنياهم، وقد انطلق بأهدافه هذه معلنا الحرب على الظلمة بقوله (ألا وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)، مذكراً بان دعواته الإصلاحية هي ليس للتنافس على الخلافة وإنما لإيجاد أرضية لعمل الحق مقابل الباطل جاهراً قوله “اللهم إنك تعلم إنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان، ولا التماسا من فضول الحطام، ولكن لنرى المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسنتك وأحكامك”، من هنا ثورته (عليه السلام) جاءت من اجل حرية الناس وصيانة كرامتهم الإنسانية، ورفض الذلة التي اتبعها الطغاة من الأمويين وأتباعهم في تعاملهم مع الناس.

          فقد دأب بنو أمية منذ توليهم زمام السلطة السياسية في الأمة الإسلامية على انتهاك كل ما هو مقدس بموازين الشرع الإسلامي واستهانوا بالقيم الإنسانية قبل الإسلامية، وكان حكمهم من أسوء أنظمة الحكم في كل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية، فها هو الحاكم الأموي يزيد بن معاوية يمسك زمام السلطة بعد أبيه ليذيق الأمة خلال ثلاث سنوات الويلات ويأمر بقتل جميع من يعارض حكمه وسلطانه وفي مقدمتهم الإمام الحسين وسبي عياله وتعمد الإساءة له ولأهل بيته، لذا جاءت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) للإصلاح السياسي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والديني في الدولة الإسلامية.

          وينبغي على المنصف أن يفرق بين الإسلام وتطبيقه السليم على يد المعصوم خليفة السماء في الأرض والانحراف الذي حصل بعد تولي بني أمية السلطة، وما رافق ذلك من عدوان على الحقوق والحريات تحت راية من يدعي زورا الإسلام، ولا يلومن أحد إلا نفسه بعد العاشر من المحرم سنة 61هـ لتقصيره في الوقوف جنب الحق وجنب آل الرسول الذين أرادوا للأمة ان تنهض من غفوتها وتثور على الحكم الاستبدادي المغتصب المتمثل بيزيد ومن سار في فلكه إلى قيام الساعة، فقد حاول الإمام الحسين استنهاض الأمة من سباتها إلا انه أصطدم بالغدر والمكر وانكار ابسط الحقوق الإسلامية بل انه واجه يوم العاشر من المحرم عدوا لا يمت للإنسانية بصلة.

          وسنضع تأسيساً لبعض الحقوق الإصلاحية، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والدينية، التي أقرتها الشريعة الإسلامية وثورة الإمام الحسين عليه السلام وانتهكها حكام الأمويين في عاشوراء:

          سياسيا: الشورى في الحكم

          لقد دعا الاسلام الى الشورى في الحكم، وان يتم اختيار الحاكم عن طريق بيعة المسلمين له من خلال شروط تتوفر فيه اهمها العدالة والتقوى والتفقه في الدين وصحة النسب، ورضا الناس له، اضافة الى تأكيد الاحاديث الشريفة على أحقية اهل بيت النبوة عليهم السلام بالحكم، واهمها حديث الغدير “من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم والي من ولاه وعادي من عاداه..”، الا ان الأمويين قد جعلوا من الحكم وراثيا بالبيت الأموي، بعد ان كان شورى بين المسلمين، وهو مخالفة صريحة للقران الكريم “وامرهم شورى بينهم”، ومخالفة صريحة ايضا للسيرة النبوية الشريفة، خاصة بعد تأكيد الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) على ان يتولى امر المسلمين من هم على دراية ومعرفة بالقران والسنة، وبشؤون الحكم، كذلك من يحصلون على بيعة الامة لهم، من خلال مواصفات خاصة، بالرضا وليس بالإكراه، وبالإضافة الى شكل الحكم فان هناك انتهاك صارخ في تعامله مع الرعية من خلال تقريب الموالين لهم، والابعاد والتنكيل وقتل المعارضين، فقد تم ملاحقة اهل بيت النبوة عليهم السلام وانصارهم، وقتلهم او تهجيرهم الى البلاد البعيدة نتيجة الملاحقة من قبل اتباعهم من الولاة الفاسدين.

          ومن هنا جاءت نهضة الامام الحسين (عليه السلام) لبسط العدل في الحكم الذي تختاره الأمة، تأكيده (عليه السلام) على ضرورة مشاركة الفرد في الحياة السياسية، وعدم التخلي عن ممارسة تلك الوظيفة لئلا يترك المجال للنفعيين للتسلط على رقاب الناس واستغفالهم، واللعب بمقدراتهم والتحكم بمصائرهم، وهذا التأكيد هو نفسه الذي اعتمدته المادة الحادية والعشرين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث جاء فيها ما نصه:

          1- لكل شخص الحق في أن يشترك في حكومة بلده مباشرة، أو عن طريق ممثلين مختارين بحرية.

          2- لكل شخص الحق في الدخول بشكل متساو إلى الخدمة العامة في بلده.

          3- سوف تكون إرادة الشعب هي أساس سلطة الحكومة، وهذه الإرادة سوف يتم التعبير عنها في انتخابات دورية وحقيقية، وتكون بواسطة اقتراع عام ومتساو، وسوف تجري بواسطة تصويت سري، أو إجراءات تصويت حرة نزيهة ومتساوية تشمل الجميع.

          اقتصاديا: العدالة في توزيع الثروة على المجتمع

          لقد اكد الاسلام على قيم العدالة بين الناس في كل الامور، ومنها الجوانب المعيشية، وعلى الحاكم ان لا يفرق بين احد من الرعية، لان من واجبات الحاكم هو توفير مستلزمات العيش، والخدمات، وعدم معاقبة الناس في ارزاقهم، وهذا يشمل حتى اصحاب الديانات الاخرى كاليهود والنصارى، فما بالك بالمسلمين، وخاصة اصحاب واهل بيت النبوة، الا ان الحكم الاموي بقيادة يزيد عمد الى السيطرة على مقدرات الامة، واعتبار كل ما يجبى من زكاة وخراج وغيره ملكا خاصا للحاكم يتصرف به حسب ما يشاء، ويقوم بإنفاقه على ملذاته من بناء القصور، وشرب الخمور، واكرام بطانته المقربين منه كأقاربه والموالين له، حتى اصبح العطاء مشروطا بمدى الولاء للحاكم، وحجبها عن المعارضين لحكمه، لهذا اصبحت البلاد الاسلامية تعج بالفقراء وبالولاة القساة، والناهبين للثروة من الناس بغير حق، لذا جاءت النهضة الحسينية في عاشوراء لتأكد على القيم الانسانية، وحق الناس في الحياة والعيش الكريم وعدم معاقبتهم على افكارهم ومعتقداتهم، كذلك دعا الامام الحسين عليه السلام الى الالتزام بالقران الكريم والسنة النبوية وعدم تبذير الثروات على الامور الدنيوية للحاكم، وتوزيع العطاء على عامة الناس.

          اجتماعيا: احترام الكرامة الإنسانية


          اما اجتماعيا فقد عمل (يزيد) على اذلال الناس ومعاملته لهم كالعبيد، فقد اغتصب الخلافة، وفرض حكمه بالجور والظلم، وكان يريد استسلام أهل الحق لذله، وهذا لا يتلاءم مع أصحاب المبادئ والقيم الذين خصهم الله بالكرامة والعزة وهذا ما أكده (عليه السلام) بقوله “ألا وإن الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة، وهيهات له ذلك مني، هيهات منا الذلة، أبى الله ذلك لنا، ورسوله، والمؤمنون، وحجور طهرت، وجدود طابت، أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام”، فقد عمل الحكم الاموي على انتهاك حرمات المسلمين، من خلال اخذ الفتاوى من بعض علماء السلطة وذلك بتكفير كل من يخالف منهجهم الفاسد، استخدام الإرهاب والتصفيات الجسدية للقوى المعارضة لحكمه، واستخدام منهج التنكيل بعوائلهم واضطهادهم، واغتيال الشخصيات التي تحمل رسالة التغيير وفضح الباطل والدعوة إلى الإصلاح، واستباحة دماء المسلمين واعراضهم، اذ ان هجوم الجيش الاموي على المدينة ومكة وانتهاك حرمات النساء المسلمات، وقتل الابرياء، حتى وصل الامر بهم الى هدم الكعبة المشرفة من خلال ضربها بالمنجنيق، المضايقة الاقتصادية باستخدام أسلوب التجويع لإذلال الناس، إغداق الأموال لشراء الضمائر والذمم وتسخيرها لمصلحته ولتحريف الوقائع.


          لذا ركز الإمام (عليه السلام) في دعواته الإصلاحية إلى صيانة الكرامة الإنسانية، ورفض العبودية وقال متحديا الذلة التي يريدها الطغاة للأحرار، وتوجيه الناس وتذكيرهم بأدوارهم في هذه الدنيا وضرورة التزامهم بالوعي من كل مكر أو خديعة تحاك ضدهم، محذرا من سوء العاقبة في الدنيا بالخزي والذلة وفي الآخرة بعذاب الله عند إطاعة الأشرار والسير على نهجهم، حيث قال (عليه السلام) محذراً الناس “ولكنكم مكنتم الظلمة في منزلتكم، وأسلمتم أمور الله في أيديهم يعملون بالشبهات، ويسيرون في الشهوات، سلطهم على ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم، فمن بين مستعبد مقهور وبين مستضعف على معيشته مغلوب، يتقلبون في الملك بآرائهم ويستشعرون الخزي بأهوائهم، إقتداءً بالأشرار، وجرأة على الجبار، في كل بلد منهم على منبره خطيب يصقع، فالأرض لهم شاغرة وأيديهم فيها مبسوطة، والناس لهم خول لا يدفعون يد لامس”.

          عقائديا: العمل بالقرآن والسنة


          ان اهم شروط الحاكم المسلم هي العمل بالقران وسنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وعدم تبديلها، لذا كانت اعمال الامويين ضد الدين الاسلامي هي الاخطر على الاطلاق، فقد كان الحكم الاموي بعيدا عن روح الاسلام، وعدم تفقهه بالدين، وجهله بإدارة الحكم، وتحكم المزاج، والمصلحة الشخصية، والقبلية في قراراته، ثم قام بانشاء طبقة من وعاظ السلاطين وصناع الأحاديث والمحرفين لسنة الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) لتقدم ليزيد ما يحتاج من الأحاديث النبوية التي تساعده على خداع الناس، وإبعادهم عن الطريق المستقيم، كما حاول ان يبعد اهل بيت النبوة عليهم السلام عن الحياة العامة من خلال منعهم من اللقاء بالناس، وتوجيههم نحو العمل الصالح، فقاموا بعمليات قتل وتشريد وملاحقة لاتباع اهل البيت عليهم السلام، اضافة الى تشويه صورة اهل البيت على المنابر من خلال علماء السلطة، من خلال نشر بعض الاحاديث المزورة، كذلك عمل الامويون على ايهام الناس بان هدف اهل حركة اهل البيت الاصلاحية هو الحكم والمنصب، لذا جاءت النهضة الحسينية من اجل تصحيح ما لحق بالإسلام والسيرة النبوية من تشويه وتحريف على يد الحكم الاموي، فقد انطلق الامام من منطلق الحرص على بيضة الاسلام وتوجيه المسلمين نحو طريق الصواب والطريق الحقيقي للإسلام، فقد نبه الامام عليه السلام الى خطورة حكم يزيد وأعوانه على المسلمين لأنه (الشارب للخمر، المستحل لحرمات المسلمين، المغتصب للحكم، القاتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق)، فثورة الحسين (عليه السلام) أزالت تلك الغشاوة التي اصطنعها معاوية ومن جاء بعده يزيد وأمثاله، واستطاعت أن تكشف هذا الحكم على حقيقته وما به من جاهلية بغيضة نقلها معه ككيان أسري وتنظيم اجتماعي لم يغادره حتى عندما أعلن الأمويون الأوائل دخولهم الإسلام عنوة، فابتعاد معاوية ودولته عن الإسلام والمفاهيم والقيم الإسلامية، والتعامل الاجتماعي الذي ساد المجتمعات الإسلامية خلال فترة حكم الرسول(ص) على الأقل، ومن الشواهد التي تناقلتها لنا كتابات المؤرخين أن معاوية ومن حكم بعده أبعدوا المسلمين من غير العرب في المشاركة بحكم الدولة الإسلامية، وفي زمن الإسلام، فضلاً عن أنه سن الوراثة أسلوباً للحكم في دولته التي أقامها في الشام على أنقاض الفتن التي قادها مع بني أمية ضد الإسلام منذ مقتل عثمان بن عفان، واستغلاله هذه الواقعة أبشع استغلال، فضلاً عن قدرة بني أمية على تشويه معالم الدين من خلال ادعائهم لصلة القرابة مع آل الرسول(صلى الله عليه وسلم) ومحاولة تثبيت حكمهم على أساس تلك الادعاءات، فكانت ثورة الحسين(ع) هي المحك الذي اسقط كل تلك الادعاءات.


          لقد جسد الإمام الحسين (عليه السلام) مبدأ عدم جواز الخضوع للسلطان الجائر بفعله قبل قوله، فإنّ ثورته بوجه يزيد واختياره الشهادة على البيعة هو خير برهان على رفض الإسلام شرعية السلطان الجائر وضرورة الخروج عليه، كما إنّه (عليه السلام) ركَّز على هذا الأمر في كل مراحل ثورته، انّ الوقوف بوجه السلطان الجائر ومعارضته بالفعل والقول هو خطّ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ومنهجه، وعليه فكل ما ينسب إليه (عليه السلام) وأنّه نهى عن الخروج على السلطان الجائر، ولزوم إطاعته أو نحو ذلك، هو إمّا كلام مكذوب على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، أو أنّه ناظر إلى صورة ما إذا كان النهوض غير مُجدٍ، أو كانت الأولوية لرصّ الصفوف الداخلية في مواجهة أخطار الخارج التي تحدّق بالإسلام والمسلمين، وذلك على قاعدة أمير المؤمنين (عليه السلام)، “لأسلمن ما سَلِمَتْ أمور المسلمين”.

          تعليق

          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
          حفظ-تلقائي
          x

          رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

          صورة التسجيل تحديث الصورة

          اقرأ في منتديات يا حسين

          تقليص

          المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
          أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
          ردود 2
          9 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة ibrahim aly awaly
          بواسطة ibrahim aly awaly
           
          يعمل...
          X