حفل خيرى من أجل شعب العراق .. يقيمه إتحاد الطلاب العرب VAS .. يوم الأحد الموافق: 4 من مايو 2003 م الساعة 19:00.. بالمعهد الأفروأسيوى الكائن بالحى (9) شارع Tuerkenstr .
مزيد من المعلومات بالملف الآمن المرفق .
--------------------------------------------------------------------------------
العراق.. تقرير من الداخل
الطبعة الأولى - 2003 م
ديليب هيرو متخصص مرموق في شؤون العراق وإيران تحديداً, والشرق الأوسط عموماً. كتب عن العراق كتباً عدة, وأصبح واحداً من قليلين يتصفون بالصدقية والموثوقية ممن يدلون برأيهم في الشأن العراقي خاصة في الأوساط الغربية. وتمتاز كتب هيرو بأنها ثروة معلوماتية من ناحية التوثيق والرصد وتضمين الوثائق والحوادث. إضافة إلى ذلك فإنه يربط بين الحوادث والمعلومات بطريقة تحليلية تنفذ دوماً إلى عمق الأهداف المبتغاة من السياسات المعلنة, خاصة من قبل الولايات المتحدة إزاء العراق والمنطقة.
في هذا الكتاب الصادر قبل أسابيع من إعلان الحرب ضد العراق, يتابع هيرو أسلوبه التحليلي والتوثيقي عن "عراق صدام" ويتحدى به الكثير من الطروحات الغربية, ويكتب من داخل العراق وعنه ما تقشعر له الأبدان, خاصة لناحية أثر العقوبات والحصار على المدنيين العراقيين.
أبعد من ذلك, يقدم هيرو أطروحة هامة تقول: لقد نجح جورج بوش الابن عن طريق شن "هجوم وقائي" ضد العراق في استفزاز صدام حضارات بين الإسلام والغرب, وهو الأمر الذي فشل فيه أسامة بن لادن. وبهذا فإن هيرو يحمل بوش والإدارة الأميركية اليمينية المتطرفة التي يرأسها بالتسبب في تشجيع وتكريس مقولات صدام الحضارات بسبب تبني سياسات هجومية هوجاء.
أميركا لا تستطيع الجواب
يطرح هيرو عبر فصول الكتاب مجموعة من الأسئلة الحادة, ويقول إن الولايات المتحدة لا تستطيع تفادي الإجابة عنها أمام الرأي العام العالمي, وهي:
لماذا قامت الولايات المتحدة بالحرب على العراق مع أن تقارير لجان التفتيش التابعة للأمم المتحدة أكدت أنه تم نزع ما بين 90 إلى 95% من أسلحة الدمار الشامل العراقية؟
أين الدليل على صلة العراق بتنظيم القاعدة؟
ما دور جهازي الاستخبارات الأميركية سي آي إي والبريطانية أم آي سكس في محاولات الانقلاب الست الفاشلة التي نظمت للإطاحة بنظام حكم صدام حسين منذ عام 1991؟
لكن هذه الأسئلة -وغيرها عديد- يصل إليها المؤلف بعد أن يطوف بنا في تسعة فصول مليئة بالمعلومات التاريخية والسياسية والخرائط والوثائق, وتنتهي بملاحق تتضمن قوائم من الأسئلة التي كثيراً ما تطرح من مثل: هل تصب الحملات العالمية المناهضة للعقوبات ضد العراق -وضد الحرب حالياً- في صالح النظام الحاكم؟ وهكذا.
الفصول الأولى تتناول تاريخ العراق ووضعه السكاني والسياسي الراهن, والتطورات التي لحقت به في المراحل السياسية في القرن العشرين. ثم تبدأ الفصول التي تلي, من الفصل الرابع وحتى نهاية الكتاب في معالجة الأزمات والحروب الحديثة من الحرب مع إيران, ثم غزو الكويت وحرب الخليج الثانية, وبعدها الحصار والعقوبات, ثم تأثير أحداث الحادي 11 سبتمبر/ أيلول على العراق, ووصولاً إلى الحرب الحالية.
العراق.. بوش وكلينتون
وقبل استعراض الأفكار الأساسية الواردة في كل من هذه الفصول, سيكون من المفيد التوقف مع المؤلف بعض الشيء عند المقدمة وحول ما التقطه من تأثير العراق على السياسة الداخلية في الولايات المتحدة وتحديداً على الانتخابات الرئاسية, بما يشير إلى مركزية العراق في الإستراتيجية الأميركية.
ففي الأسطر الأولى يقول هيرو -متهكماً- إن رسالة الوداع والشكر التي ألقاها الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون يوم 20 يناير/ كانون ثاني 2001 بعد انتهاء فترتي رئاسته، خلت من تقديم شكر لصدام حسين لأنه كان السبب في بقاء كلينتون في الحكم، إذ بعد حرب الخليج الثانية وانتصار الحلفاء في إخراج العراق من الكويت تصاعدت شعبية جورج بوش الأب إلى معدلات عالية بلغت 91% بحسب الاستطلاعات، وكان فوزه في الانتخابات الرئاسية التالية مؤكداً، مما أدى بكثير من قيادات الحزب الديمقراطي المؤهلة لمنافسة بوش الأب إلى عدم ترشيح نفسها لأن الخسارة أمام بوش كانت شبه محققة.
وكان هذا التنحي الاختياري عن الترشح هو السبب الذي مهد الطريق لسياسي مغمور مثل بيل كلينتون من القفز بقوة وحرق المراحل ليصبح مرشح الحزب الديمقراطي أمام بوش. لكن ما أن حل موعد الانتخابات حتى كان المزاج الأميركي الداخلي قد تغير لأسباب محلية, وانقلبت الموازين ومال الناخبون للحزب الديمقراطي ومرشحه كلنتون المحظوظ. ويقول هيرو إن إيران كانت قد سبقت العراق في التأثير المباشر في نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، فالرئيس الأسبق جيمي كارتر خسر انتخابات عام 1980 بسبب فشله في معالجة أزمة الرهائن في السفارة الأميركية بالعاصمة الإيرانية طهران.
الحياة في العراق
في الفصل الأول المعنون "الحياة في العراق" ينقل هيرو صورة دقيقة وحية عن معاناة العراقيين وتفاصيل حياتهم اليومية, بهدف إطلاع القارئ الغربي على كيفية حياة الناس العاديين بعد أكثر من 12 سنة من الحصار.
وهيرو هنا لا يكتب معتمداً على تقارير المنظمات غير الحكومية أو التغطيات الصحفية -المنصف منها وغير المنصف- بل يذهب بنفسه إلى هناك ويقضي الأسابيع متنقلاً مع دليله ومترجمه أثير الأنباري, بين مدن العراق وأحيائه راصداً بعين الكاتب والباحث شظف العيش الذي اعتاد عليه العراقيون, لكنه ليس من عاديات العيش في أي مكان آخر.
فليس من الطبيعي أو العادي أن يستأجر شخص ما شقة بمقابل شهري هو طبقين من البيض كما كان يفعل سعيد -وغيره كثيرون طبعاً- سنة 1994. وليس من العادي أو الطبيعي أن تعرض امرأة بيتها للاستئجار بمقابل سنوي هو مجرد دجاجة, ثم لا تجد من يقبل العرض! فالحصار دمر اقتصاد وحياة العراقيين, بل وأضعف أجسادهم التي صارت تعاني من سوء التغذية.
ويلاحظ هيرو كيف أن ثمة لازمة لغوية صارت جزءاً لا يتجزأ من حديث العراقيين وهي "قبل الحصار" و "بعد الحصار", حيث تتم المقارنة الدائمة بين نوعين من الحياة. هذه الحياة التي تغيرت في المدن والأرياف على حد سواء, بل وقلبت أنماط التحديث المديني المعروفة في العالم الثالث، إذ ينقل هيرو عن تقارير للأمم المتحدة عام 1995 تقول إن ما نسبته 10% فقط من العاملين في القطاع الخاص كان وضعهم مقبولاً من ناحية أداء الأعمال الاقتصادية التي يديرونها, في حين تعرضت البقية لنكسات هائلة اضطرت الكثيرين منهم للهجرة إلى الريف. وبينما بلغت نسبة سكان المدن 70% انخفضت هذه النسبة خلال عدة سنوات فقط وزادت نسبة سكان الريف، وصارت نسبة من يعملون في الزراعة 40% على عكس النمط السائد في كل البلدان النامية.
على الصعيد الصحي فإن الكارثة الإنسانية التي أنزلتها العقوبات على الشعب العراقي لا يمكن وصفها خاصة على مستوى حظر استيراد الأدوية والغذاء بزعم أن الكثير منها يحتوي على مواد وعناصر يمكن للعراق استخدامها في إنتاج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية. وينقل هيرو عن أحد العراقيين قوله إنه كان يتناول حبات 100 ملغ من دواء الترنين لضبط ارتفاع ضغط الدم عنده والتي كانت موجودة في الأسواق وبسعر أقرب إلى المجاني، ثم كيف أصبحت الحبة الواحدة تساوي عشرة دنانير عراقية, أي 150 ضعف ما كانت تساويه قبل الحصار. وهذا يعني أن الوجبة الشهرية من هذا الدواء تقضي على دخل ابنه الذي يعمل في الحلاقة والذي يبلغ 25 ألف دينار.
ويقارن هيرو نصيب الفرد العراقي من الإنفاق الصحي السنوي الذي يبلغ 12 دولارا بإنفاق الفرد على حبوب الدواء في بريطانيا الذي يبلغ 1500 دولار. وكان استيراد أي مواد من الخارج يتطلب موافقة لجان عديدة من الأمم المتحدة -المشرفة على الحصار- والمرور بـ14 خطوة تسيطر عليها الولايات المتحدة التي كانت ترفض الكثير من صفقات الدواء والطعام حتى من دون تقديم أي تبريرات.
تاريخ العراق
في الفصل الثاني يستعرض المؤلف تاريخ العراق من حضارة بابل وحتى قيادة حزب البعث، وهو بهذا يقدم إطاراً جغرافياً وتاريخياً سياسياً مهماً خاصة لقارئه الغربي. وهو إذ لا يتوقف طويلاً عند التاريخ السحيق للكلدانيين وحضارة ما بين النهرين, فإنه يستعجل الوصول إلى التاريخ الحديث الذي له علاقة مباشرة بأحداث العراق المعاصر. فبعد انهيار الدولة العثمانية في المنطقة منحت "عصبة الأمم" بريطانيا "حق الانتداب" في العراق الذي أصبح بالتالي مستعمرة تابعة للتاج البريطاني. وخلال سنوات الاستعمار تلك, خطت الحدود السياسية الحالية للعراق بكل تعقيداتها في الشمال حيث الأكراد, وخلافاتها في الجنوب حيث ولدت دولة أخرى آنذاك اسمها الكويت. وبعد اكتشاف النفط في كركوك عام 1927 ازداد سعار البريطانيين واهتمامهم بالعراق, وأجبر الملك فيصل الأول بعد ذلك على توقيع اتفاقية مع بريطانيا تفرض على العراق انتهاج سياسة خارجية خاضعة لبريطانيا, وتسمح ببقاء قوات بريطانية على الأراضي العراقية لمدة 25 سنة.
وعندما انتهى "الانتداب البريطاني" عن العراق سنة 1932 كان الكثير من العراقيين ينظرون إلى استقلالهم على أنه منقوص السيادة طالما ظلت القوات البريطانية في بلدهم. بعد وفاة فيصل الأول عام 1933 خلفه ابنه غازي الأول الذي مات هو بدوره في حادث سيارة عام 1939, واتهم البريطانيون بتدبيره بعد أن شجع رئيس وزرائه على تبني سياسة معادية لبريطانيا. بعدها, حكم العراق بالوصاية عبد الإله بن علي, وصي الوريث الشرعي للحكم الملك فيصل الثاني الذي كان عمره عند وفاة والده أربعة أعوام. وفي سنة 1941 قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني التي أطاحت بالملكية مؤقتاً وطردت العائلة المالكة إلى الخارج، لكن سرعان ما أجهضها البريطانيون وقضوا عليها ونصبوا نوري السعيد رئيساً للوزراء يحكم بحسب التعليمات البريطانية.
مزيد من المعلومات بالملف الآمن المرفق .
--------------------------------------------------------------------------------
العراق.. تقرير من الداخل
الطبعة الأولى - 2003 م
ديليب هيرو متخصص مرموق في شؤون العراق وإيران تحديداً, والشرق الأوسط عموماً. كتب عن العراق كتباً عدة, وأصبح واحداً من قليلين يتصفون بالصدقية والموثوقية ممن يدلون برأيهم في الشأن العراقي خاصة في الأوساط الغربية. وتمتاز كتب هيرو بأنها ثروة معلوماتية من ناحية التوثيق والرصد وتضمين الوثائق والحوادث. إضافة إلى ذلك فإنه يربط بين الحوادث والمعلومات بطريقة تحليلية تنفذ دوماً إلى عمق الأهداف المبتغاة من السياسات المعلنة, خاصة من قبل الولايات المتحدة إزاء العراق والمنطقة.
في هذا الكتاب الصادر قبل أسابيع من إعلان الحرب ضد العراق, يتابع هيرو أسلوبه التحليلي والتوثيقي عن "عراق صدام" ويتحدى به الكثير من الطروحات الغربية, ويكتب من داخل العراق وعنه ما تقشعر له الأبدان, خاصة لناحية أثر العقوبات والحصار على المدنيين العراقيين.
أبعد من ذلك, يقدم هيرو أطروحة هامة تقول: لقد نجح جورج بوش الابن عن طريق شن "هجوم وقائي" ضد العراق في استفزاز صدام حضارات بين الإسلام والغرب, وهو الأمر الذي فشل فيه أسامة بن لادن. وبهذا فإن هيرو يحمل بوش والإدارة الأميركية اليمينية المتطرفة التي يرأسها بالتسبب في تشجيع وتكريس مقولات صدام الحضارات بسبب تبني سياسات هجومية هوجاء.
أميركا لا تستطيع الجواب
يطرح هيرو عبر فصول الكتاب مجموعة من الأسئلة الحادة, ويقول إن الولايات المتحدة لا تستطيع تفادي الإجابة عنها أمام الرأي العام العالمي, وهي:
لماذا قامت الولايات المتحدة بالحرب على العراق مع أن تقارير لجان التفتيش التابعة للأمم المتحدة أكدت أنه تم نزع ما بين 90 إلى 95% من أسلحة الدمار الشامل العراقية؟
أين الدليل على صلة العراق بتنظيم القاعدة؟
ما دور جهازي الاستخبارات الأميركية سي آي إي والبريطانية أم آي سكس في محاولات الانقلاب الست الفاشلة التي نظمت للإطاحة بنظام حكم صدام حسين منذ عام 1991؟
لكن هذه الأسئلة -وغيرها عديد- يصل إليها المؤلف بعد أن يطوف بنا في تسعة فصول مليئة بالمعلومات التاريخية والسياسية والخرائط والوثائق, وتنتهي بملاحق تتضمن قوائم من الأسئلة التي كثيراً ما تطرح من مثل: هل تصب الحملات العالمية المناهضة للعقوبات ضد العراق -وضد الحرب حالياً- في صالح النظام الحاكم؟ وهكذا.
الفصول الأولى تتناول تاريخ العراق ووضعه السكاني والسياسي الراهن, والتطورات التي لحقت به في المراحل السياسية في القرن العشرين. ثم تبدأ الفصول التي تلي, من الفصل الرابع وحتى نهاية الكتاب في معالجة الأزمات والحروب الحديثة من الحرب مع إيران, ثم غزو الكويت وحرب الخليج الثانية, وبعدها الحصار والعقوبات, ثم تأثير أحداث الحادي 11 سبتمبر/ أيلول على العراق, ووصولاً إلى الحرب الحالية.
العراق.. بوش وكلينتون
وقبل استعراض الأفكار الأساسية الواردة في كل من هذه الفصول, سيكون من المفيد التوقف مع المؤلف بعض الشيء عند المقدمة وحول ما التقطه من تأثير العراق على السياسة الداخلية في الولايات المتحدة وتحديداً على الانتخابات الرئاسية, بما يشير إلى مركزية العراق في الإستراتيجية الأميركية.
ففي الأسطر الأولى يقول هيرو -متهكماً- إن رسالة الوداع والشكر التي ألقاها الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون يوم 20 يناير/ كانون ثاني 2001 بعد انتهاء فترتي رئاسته، خلت من تقديم شكر لصدام حسين لأنه كان السبب في بقاء كلينتون في الحكم، إذ بعد حرب الخليج الثانية وانتصار الحلفاء في إخراج العراق من الكويت تصاعدت شعبية جورج بوش الأب إلى معدلات عالية بلغت 91% بحسب الاستطلاعات، وكان فوزه في الانتخابات الرئاسية التالية مؤكداً، مما أدى بكثير من قيادات الحزب الديمقراطي المؤهلة لمنافسة بوش الأب إلى عدم ترشيح نفسها لأن الخسارة أمام بوش كانت شبه محققة.
وكان هذا التنحي الاختياري عن الترشح هو السبب الذي مهد الطريق لسياسي مغمور مثل بيل كلينتون من القفز بقوة وحرق المراحل ليصبح مرشح الحزب الديمقراطي أمام بوش. لكن ما أن حل موعد الانتخابات حتى كان المزاج الأميركي الداخلي قد تغير لأسباب محلية, وانقلبت الموازين ومال الناخبون للحزب الديمقراطي ومرشحه كلنتون المحظوظ. ويقول هيرو إن إيران كانت قد سبقت العراق في التأثير المباشر في نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، فالرئيس الأسبق جيمي كارتر خسر انتخابات عام 1980 بسبب فشله في معالجة أزمة الرهائن في السفارة الأميركية بالعاصمة الإيرانية طهران.
الحياة في العراق
في الفصل الأول المعنون "الحياة في العراق" ينقل هيرو صورة دقيقة وحية عن معاناة العراقيين وتفاصيل حياتهم اليومية, بهدف إطلاع القارئ الغربي على كيفية حياة الناس العاديين بعد أكثر من 12 سنة من الحصار.
وهيرو هنا لا يكتب معتمداً على تقارير المنظمات غير الحكومية أو التغطيات الصحفية -المنصف منها وغير المنصف- بل يذهب بنفسه إلى هناك ويقضي الأسابيع متنقلاً مع دليله ومترجمه أثير الأنباري, بين مدن العراق وأحيائه راصداً بعين الكاتب والباحث شظف العيش الذي اعتاد عليه العراقيون, لكنه ليس من عاديات العيش في أي مكان آخر.
فليس من الطبيعي أو العادي أن يستأجر شخص ما شقة بمقابل شهري هو طبقين من البيض كما كان يفعل سعيد -وغيره كثيرون طبعاً- سنة 1994. وليس من العادي أو الطبيعي أن تعرض امرأة بيتها للاستئجار بمقابل سنوي هو مجرد دجاجة, ثم لا تجد من يقبل العرض! فالحصار دمر اقتصاد وحياة العراقيين, بل وأضعف أجسادهم التي صارت تعاني من سوء التغذية.
ويلاحظ هيرو كيف أن ثمة لازمة لغوية صارت جزءاً لا يتجزأ من حديث العراقيين وهي "قبل الحصار" و "بعد الحصار", حيث تتم المقارنة الدائمة بين نوعين من الحياة. هذه الحياة التي تغيرت في المدن والأرياف على حد سواء, بل وقلبت أنماط التحديث المديني المعروفة في العالم الثالث، إذ ينقل هيرو عن تقارير للأمم المتحدة عام 1995 تقول إن ما نسبته 10% فقط من العاملين في القطاع الخاص كان وضعهم مقبولاً من ناحية أداء الأعمال الاقتصادية التي يديرونها, في حين تعرضت البقية لنكسات هائلة اضطرت الكثيرين منهم للهجرة إلى الريف. وبينما بلغت نسبة سكان المدن 70% انخفضت هذه النسبة خلال عدة سنوات فقط وزادت نسبة سكان الريف، وصارت نسبة من يعملون في الزراعة 40% على عكس النمط السائد في كل البلدان النامية.
على الصعيد الصحي فإن الكارثة الإنسانية التي أنزلتها العقوبات على الشعب العراقي لا يمكن وصفها خاصة على مستوى حظر استيراد الأدوية والغذاء بزعم أن الكثير منها يحتوي على مواد وعناصر يمكن للعراق استخدامها في إنتاج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية. وينقل هيرو عن أحد العراقيين قوله إنه كان يتناول حبات 100 ملغ من دواء الترنين لضبط ارتفاع ضغط الدم عنده والتي كانت موجودة في الأسواق وبسعر أقرب إلى المجاني، ثم كيف أصبحت الحبة الواحدة تساوي عشرة دنانير عراقية, أي 150 ضعف ما كانت تساويه قبل الحصار. وهذا يعني أن الوجبة الشهرية من هذا الدواء تقضي على دخل ابنه الذي يعمل في الحلاقة والذي يبلغ 25 ألف دينار.
ويقارن هيرو نصيب الفرد العراقي من الإنفاق الصحي السنوي الذي يبلغ 12 دولارا بإنفاق الفرد على حبوب الدواء في بريطانيا الذي يبلغ 1500 دولار. وكان استيراد أي مواد من الخارج يتطلب موافقة لجان عديدة من الأمم المتحدة -المشرفة على الحصار- والمرور بـ14 خطوة تسيطر عليها الولايات المتحدة التي كانت ترفض الكثير من صفقات الدواء والطعام حتى من دون تقديم أي تبريرات.
تاريخ العراق
في الفصل الثاني يستعرض المؤلف تاريخ العراق من حضارة بابل وحتى قيادة حزب البعث، وهو بهذا يقدم إطاراً جغرافياً وتاريخياً سياسياً مهماً خاصة لقارئه الغربي. وهو إذ لا يتوقف طويلاً عند التاريخ السحيق للكلدانيين وحضارة ما بين النهرين, فإنه يستعجل الوصول إلى التاريخ الحديث الذي له علاقة مباشرة بأحداث العراق المعاصر. فبعد انهيار الدولة العثمانية في المنطقة منحت "عصبة الأمم" بريطانيا "حق الانتداب" في العراق الذي أصبح بالتالي مستعمرة تابعة للتاج البريطاني. وخلال سنوات الاستعمار تلك, خطت الحدود السياسية الحالية للعراق بكل تعقيداتها في الشمال حيث الأكراد, وخلافاتها في الجنوب حيث ولدت دولة أخرى آنذاك اسمها الكويت. وبعد اكتشاف النفط في كركوك عام 1927 ازداد سعار البريطانيين واهتمامهم بالعراق, وأجبر الملك فيصل الأول بعد ذلك على توقيع اتفاقية مع بريطانيا تفرض على العراق انتهاج سياسة خارجية خاضعة لبريطانيا, وتسمح ببقاء قوات بريطانية على الأراضي العراقية لمدة 25 سنة.
وعندما انتهى "الانتداب البريطاني" عن العراق سنة 1932 كان الكثير من العراقيين ينظرون إلى استقلالهم على أنه منقوص السيادة طالما ظلت القوات البريطانية في بلدهم. بعد وفاة فيصل الأول عام 1933 خلفه ابنه غازي الأول الذي مات هو بدوره في حادث سيارة عام 1939, واتهم البريطانيون بتدبيره بعد أن شجع رئيس وزرائه على تبني سياسة معادية لبريطانيا. بعدها, حكم العراق بالوصاية عبد الإله بن علي, وصي الوريث الشرعي للحكم الملك فيصل الثاني الذي كان عمره عند وفاة والده أربعة أعوام. وفي سنة 1941 قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني التي أطاحت بالملكية مؤقتاً وطردت العائلة المالكة إلى الخارج، لكن سرعان ما أجهضها البريطانيون وقضوا عليها ونصبوا نوري السعيد رئيساً للوزراء يحكم بحسب التعليمات البريطانية.
تعليق