بسم الله الرحمن الرحيم
مقال في الوجود العدمي
العالم أي ما سوى الله سبحانه و تعالى، يعيش أربع مراحل، عالم الذر و الدنيا و الآخرة الحيوانية الشكل و الآخرة الإنسانية الشكل.
عالم الذر هو عالم العدم، أي الأعيان الثابتة، أو الأفكار السلبية المنفعلة، مقابل الأفكار الإيجابية التي هي أسماء الله الحسنى، هذه الأعيان الثابتة ليست كائنات، و بالتالي ليست موجودات، بل مستحدثات معدومات، بمعنى أنها غير مستظرفات بمكان و لا زمان و لا صفة لها.
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه و رضي عنه في تمجيد الله سبحانه و تعالى: "كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم".
و العدم مشاريع إلهية، أي أفكار ليست بالضرورة جميعا يصير استحداث كينونتها، بل ما يشاء الله سبحانه و تعالى و يختار منها يمنحه الكينونة بقوله: "كن فيكون"، و ليس بالضرورة أن تستجيب فتكون كل عين ثابتة أو كل فكرة يأمرها الله سبحانه و تعالى أن تكون، أي أن تستجيب طوعا، و ربما تستجيب و هي مكرهة، و ربما تفشل في الإستجابة فلا تكون. و هذا لا ينقص من قدرة الله سبحانه و تعالى، كما أنه لا يعيب حكمته أن أكثر الناس هم عصاة، لا يحكمون بما أنزل من شرائع. إذ لا يكفي أن يكون الفعل منعوت القائم به بالإقتدار و بالحكمة و الرفق، الخ. بل لا بد أيضا من توفر القدرة السلبية أو إمكانية الإنفعال عند المأمور بالكينونة.
قال تعالى: "و الله أنبتكم من الأرض (فنبتم) نباتا"، هنا كلمة (فنبتم) متروك النطق بمبناها، مقدر نحوا، مفهوم معناها.
جدير بالذكر أن جوهر الفلسفة الصينية هو انتباهها إلى ضرورة توفر القدرة السلبية أو الإنفعالية، ليقع الحدث. فلا يجوز عن حكماء الصين القول: "قطعت الشجرة بالفأس"، بل الصحيح هو القول: "قطعت الشجرة بالفأس، فانقطعت"، أو : "قطعت الحجر بالفأس، فأخفق أن ينقطع"، و لا يضر فشل الحجر و عجزه عن الإنفعال، بحسن أوصاف الفأس، من ناحية جودة مادة الفلز و الخشب و صورته.
بعض السادة الصوفية قدس الله أسرارهم يخبرون شعور السعادة و النعيم التي يجدها الناس و هم في نعمة الجنة. يجهل أكثر الناس هذه الحقيقة، و إذا علمها ربما يحجد بها و لا يصدقها. لكن جميع الناس يخبرون حال العدم الذي كانوا عليه و هم في عالم الذر.
الناس و هم أفكار في عالم الذر كانوا يتعذبون أشد مما يخبروه من العذاب في الدنيا، و كل ما كانوا يقدرون عليه هو الشوق إلى العيش في الدنيا، و سؤال الأسماء الحسنى أن تبادر إلى نحلهم الكينونة بإذن الله سبحانه و تعالى. أي مثلما المسلمون في الدنيا يتشوقون إلى الحياة الحيوان في الآخرة، و يسألون الله سبحانه و تعالى بالنبي و أسماءه الحسنى أن يحسن الخاتمة و ينجيهم و يجعلهم من الفائزين بالجنة في الآخرة.
عالم الذر يختزل أن سكانه مجرد أفكار متشوقة راجية الكينونة، أفكار غير متمكنة، و لا تشعر بالزمن، أي أفكار عجولة تريد أن الإنجاز فورا، و هي أفكرا تعاني من التفكك، غير مترابطة فيما بينها، أي عاجزة عن التعارف، تدرك حقيقتها، لكنها تجهل تماما حقائق غيرها من الأفكار.
بداهة جميع الناس بدون شكل يعانون في مقتبل حياتهم من هذه الأحوال، التي يمكن وصفها باللاوجود، إذ الوجود هو استظراف الكائن المحدث بالمكان و الزمان و ألفة الجماعة المتعارفة.
الرجل العاطل عن العمل هو غير مستظرف في مكان، أي غير متمكن، و هذا هو بعض أحوال المعدومات أي المستحدثات من أفكار في عالم الذر، و المرأة العزباء غير متمكنة، و الرجل أو المرأة العجول المتهور الذي يريد الإنجاز و تحقيق مطالبه فورا عاجلا هو غير مصاحب للزمان، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه و رضي عنه: "إني لأبرأ بنفسي أن يكون زمان أطول من زماني"، الزمان مثل العملة، كما تتضخم العملة و تضعف قوتها الشرائية و ينزل سعر صرفها، كذلك زمان الشخص، و ربما تتلاشى قيمة العملة و هو ما يعرف بالتضخم الذريع، و هو ما يشبه تتضخم زمان الشخص، أي تتقاصر الإنى عنده، أو وحدة الزمان التي يعيشها، حتى يقيس الدقيقة بساعة من عنده، و يقيس اليوم بأسبوع، و الشهر بسنة. بل و حتى ينتفي الزمن عنده فتصير الدقيقة بالنسبة إليه دهر، أي يتوقف زمانه و يجمد، فلا يشعر بمروره.
أما العدم الجوهري أو العيني فهو أن تسوء علاقته مع الناس، أي يعاني من التفكك الأسرى و من الخصام مع زملاء العمل أو الصف المدرسي، و يبادلهم الإحتقار و سوء الفهم.
.......................................
فخر النبي، تلميذ علي
العماد اللبناني الفلسفي الثوري
أبو رابعة محمد سعيد رجب عفارة.
الإثنين 23/11/2015 مـــ
مقال في الوجود العدمي
العالم أي ما سوى الله سبحانه و تعالى، يعيش أربع مراحل، عالم الذر و الدنيا و الآخرة الحيوانية الشكل و الآخرة الإنسانية الشكل.
عالم الذر هو عالم العدم، أي الأعيان الثابتة، أو الأفكار السلبية المنفعلة، مقابل الأفكار الإيجابية التي هي أسماء الله الحسنى، هذه الأعيان الثابتة ليست كائنات، و بالتالي ليست موجودات، بل مستحدثات معدومات، بمعنى أنها غير مستظرفات بمكان و لا زمان و لا صفة لها.
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه و رضي عنه في تمجيد الله سبحانه و تعالى: "كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم".
و العدم مشاريع إلهية، أي أفكار ليست بالضرورة جميعا يصير استحداث كينونتها، بل ما يشاء الله سبحانه و تعالى و يختار منها يمنحه الكينونة بقوله: "كن فيكون"، و ليس بالضرورة أن تستجيب فتكون كل عين ثابتة أو كل فكرة يأمرها الله سبحانه و تعالى أن تكون، أي أن تستجيب طوعا، و ربما تستجيب و هي مكرهة، و ربما تفشل في الإستجابة فلا تكون. و هذا لا ينقص من قدرة الله سبحانه و تعالى، كما أنه لا يعيب حكمته أن أكثر الناس هم عصاة، لا يحكمون بما أنزل من شرائع. إذ لا يكفي أن يكون الفعل منعوت القائم به بالإقتدار و بالحكمة و الرفق، الخ. بل لا بد أيضا من توفر القدرة السلبية أو إمكانية الإنفعال عند المأمور بالكينونة.
قال تعالى: "و الله أنبتكم من الأرض (فنبتم) نباتا"، هنا كلمة (فنبتم) متروك النطق بمبناها، مقدر نحوا، مفهوم معناها.
جدير بالذكر أن جوهر الفلسفة الصينية هو انتباهها إلى ضرورة توفر القدرة السلبية أو الإنفعالية، ليقع الحدث. فلا يجوز عن حكماء الصين القول: "قطعت الشجرة بالفأس"، بل الصحيح هو القول: "قطعت الشجرة بالفأس، فانقطعت"، أو : "قطعت الحجر بالفأس، فأخفق أن ينقطع"، و لا يضر فشل الحجر و عجزه عن الإنفعال، بحسن أوصاف الفأس، من ناحية جودة مادة الفلز و الخشب و صورته.
بعض السادة الصوفية قدس الله أسرارهم يخبرون شعور السعادة و النعيم التي يجدها الناس و هم في نعمة الجنة. يجهل أكثر الناس هذه الحقيقة، و إذا علمها ربما يحجد بها و لا يصدقها. لكن جميع الناس يخبرون حال العدم الذي كانوا عليه و هم في عالم الذر.
الناس و هم أفكار في عالم الذر كانوا يتعذبون أشد مما يخبروه من العذاب في الدنيا، و كل ما كانوا يقدرون عليه هو الشوق إلى العيش في الدنيا، و سؤال الأسماء الحسنى أن تبادر إلى نحلهم الكينونة بإذن الله سبحانه و تعالى. أي مثلما المسلمون في الدنيا يتشوقون إلى الحياة الحيوان في الآخرة، و يسألون الله سبحانه و تعالى بالنبي و أسماءه الحسنى أن يحسن الخاتمة و ينجيهم و يجعلهم من الفائزين بالجنة في الآخرة.
عالم الذر يختزل أن سكانه مجرد أفكار متشوقة راجية الكينونة، أفكار غير متمكنة، و لا تشعر بالزمن، أي أفكار عجولة تريد أن الإنجاز فورا، و هي أفكرا تعاني من التفكك، غير مترابطة فيما بينها، أي عاجزة عن التعارف، تدرك حقيقتها، لكنها تجهل تماما حقائق غيرها من الأفكار.
بداهة جميع الناس بدون شكل يعانون في مقتبل حياتهم من هذه الأحوال، التي يمكن وصفها باللاوجود، إذ الوجود هو استظراف الكائن المحدث بالمكان و الزمان و ألفة الجماعة المتعارفة.
الرجل العاطل عن العمل هو غير مستظرف في مكان، أي غير متمكن، و هذا هو بعض أحوال المعدومات أي المستحدثات من أفكار في عالم الذر، و المرأة العزباء غير متمكنة، و الرجل أو المرأة العجول المتهور الذي يريد الإنجاز و تحقيق مطالبه فورا عاجلا هو غير مصاحب للزمان، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه و رضي عنه: "إني لأبرأ بنفسي أن يكون زمان أطول من زماني"، الزمان مثل العملة، كما تتضخم العملة و تضعف قوتها الشرائية و ينزل سعر صرفها، كذلك زمان الشخص، و ربما تتلاشى قيمة العملة و هو ما يعرف بالتضخم الذريع، و هو ما يشبه تتضخم زمان الشخص، أي تتقاصر الإنى عنده، أو وحدة الزمان التي يعيشها، حتى يقيس الدقيقة بساعة من عنده، و يقيس اليوم بأسبوع، و الشهر بسنة. بل و حتى ينتفي الزمن عنده فتصير الدقيقة بالنسبة إليه دهر، أي يتوقف زمانه و يجمد، فلا يشعر بمروره.
أما العدم الجوهري أو العيني فهو أن تسوء علاقته مع الناس، أي يعاني من التفكك الأسرى و من الخصام مع زملاء العمل أو الصف المدرسي، و يبادلهم الإحتقار و سوء الفهم.
.......................................
فخر النبي، تلميذ علي
العماد اللبناني الفلسفي الثوري
أبو رابعة محمد سعيد رجب عفارة.
الإثنين 23/11/2015 مـــ
تعليق