إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الرد الإمامي على النصارى في دعواهم أن عيسى إله

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الرد الإمامي على النصارى في دعواهم أن عيسى إله

    لقد طرحت مسألة إلوهية المسيح تحت نظرية التثليث، هل يمكن أن توضّح لنا الرؤية القرآنية لهذه النظرية؟ وكيف أبطل القرآن هذه النظرية؟
    الجواب: لقد أقام القرآن الكريم لردّ هذه الدعوة برهانين في غاية الوضوح والعمومية، وها نحن نشير إليهما فيما يأتي:
    البرهان الأوّل: قدرة اللّه على إهلاك المسيح.
    البرهان الثاني: انّ المسيح مثل بقية البشر يأكل ويمشي و...
    يقول تعالى حول البرهان الأوّل:
    (...فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ في الأَرْضِ جَميعاً وَللّهِ مُلْكُ السَّموَاتِ وَ الأرْضِ وَمَابَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآء... ) .( [1])
    ولا ريب أنّ جميع النصارى يعترفون بأنّ السيد المسيح (عليه السلام) ابن
    لمريم (عليها السلام) ، ولذلك يقولون المسيح ابن مريم.
    فإذا كان عيسى (عليه السلام) ابناً لمريم، فلابدّ إنّه بشر كسائر البشر، وآدمي كبقية الآدميّين، محياه ومماته بيد اللّه وتحت قدرته، فإن شاء سبحانه منح الجميع الحياة وإن شاء سلبها عنهم، وإذا كان المسيح من زمرة البشر ـ و هو كذلك ـ فكيف تعتبره النصارى إلهاً وهو لا يملك لنفسه حياة ولا موتاً؟!
    ومن الجدير بالذكر أنّ القرآن الكريم قد ركّز في هذه الآية وبصورة كاملة وجلية على بشرية المسيح، ولذلك وصفه بكونه (ابن مريم) ويتحدّث عن «أُمّه» و عن جميع من في الأرض بقوله: ( وَأُمّه وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَميعاً ) مشيراً بذلك إلى بشريته، بل وليثبت أنّ المسيح (عليه السلام) لا يخرج عن كونه بشراً وفرداً من أفراد النوع الإنساني يشترك مع بني نوعه في كلّ الأحكام على السواء.
    وبعبارة أُخرى أوضح: إنّ هناك قاعدة في الفلسفة الإسلامية يطلق عليها «حكم الأمثال» ومؤدّاها «حكم الأمثال في ما يجوز وفي ما لايجوز واحد». فإذا كان هلاك أفراد الإنسان ـ ما عدا المسيح ـ ممكناً كان هلاك المسيح أيضاً ممكناً كذلك لكونه منهم، وفي هذه الصورة كيف تعتبره النصارى إلهاً والإله لا يجوز عليه الموت؟!
    ولتتميم هذا المطلب يختم القرآن الكريم الآية بجملة ( وللّه ملك السموات والأرض و مابينهما ) .
    وفي الحقيقة أنّ هذه الجملة تكون علّة للحكم السابق، فمعناه أنّ اللّه يملك إهلاك عيسى وأُمّه وكلّ أفراد البشر، لأنّهم جميعاً ملكه وفي قبضته وتحت قدرته.
    البرهان الثاني: المسيح والآثار البشرية
    يؤكّد القرآن الكريم أنّ المسيح (عليه السلام) وأُمّه شأنهم شأن بقية الأنبياء يأكلون الطعام لتلبية حاجاتهم ورفع النقص قال تعالى:
    (مَّا الْمَسيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدّيقَةٌ كَانَا يَأَكُلاَنِ الطَّعَامَ... ) .( [2])
    وهذا يعني أنّه ليس بين المسيح وأُمّه وبين غيره من الأنبياء والرسل أيُّ فرق وتفاوت، فهم يأكلون عندما يجوعون ويتناولون الطعام كلّما أحسّوا بالحاجة إليه، ومن المعلوم أنّ الاحتياج دليل الإمكان، والإله منزّه عن الحاجة والإمكان.
    فالمسيح (عليه السلام) إنسان ممكن ولد من إنسان ممكن آخر وهي السيدة مريم (عليها السلام) ، وكلاهما يطيعان اللّه سبحانه ويعبدانه ويتوسّلان لسدِّ جوعهم بتناول الطعام، ومع هذه الصفات كيف يمكن لإنسان عاقل أن يعتقد بإلوهيتهما؟!
    إنّ هذه الآية لا تبطل إلوهية المسيح فحسب، بل تبطل إلوهية أُمّه أيضاً، إذ يستفاد من بعض الآيات إنّ مريم (عليها السلام) كانت معرضاً لهذه التصوّرات الباطلة أيضاً حيث يقول سبحانه:
    (...ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّيَ إِلهَيْنِ مِن دُونِ اللّه... ) .( [3])
    نظرية بنوّة السيد المسيح
    تعتبر مسألة بنوّة المسيح (عليه السلام) للّه سبحانه إحدى مظاهر الشرك في «الذات»
    حيث تصوّر حقيقة الإله الواحد في صورة آلهة متعدّدة ويقوم «التثليث» النصراني في الحقيقة على هذا الأساس، أي على أساس اعتبار المسيح ابناً للّه سبحانه.
    وقد فنّد القرآن الكريم هذا الاعتبار الخاطئ وأبطله وبصورة جلية بطريقين:
    الف: عن طريق البراهين العلمية الستة الدالّة على استحالة أن يكون للّه ولدٌ مطلقاً، سواء كان هذا الولد عيسى (عليه السلام) أم غيره.( [4])
    ب: عن طريق بيان تولّد المسيح من أُمّه واستعراض حياته البشرية الدالّ على بطلان خصوص بنوّة السيد المسيح. وليس النصارى هم وحدهم ممّن ينفرد في الاعتقاد بوجود ولد للّه، بل إنّ مشركي العرب كانوا يتصوّرون أنّ (الملائكة) بنات اللّه، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الاعتقاد بقوله سبحانه:
    (وَيَجْعَلُونَ للّهِ اْلبَناتِ سُبْحَانَهُ... ) ( [5]) . ( [6])
    وها نحن نورد أدلّة القرآن الكريم التي تنفي اتّخاذ الولد للّه سبحانه، سواء كان السيد المسيح أم غيره.
    ألف: ليست له سبحانه أيّة زوجة حتّى يكون له ولد منها.
    ب: إنّه تعالى خالق كلّ شيء.
    قال تعالى:
    (بَدِيعُ السَّمَـواتِ وَالأرْضِ أَنَّى يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَـاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء وَ هُوَ بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ ) .( [7])
    إنّ الآية المباركة تشير إلى برهانين لاستحالة اتّخاذ الولد للّه سبحانه:
    الأوّل: إنّ معنى اتّخاذ الولد هو انفصال جزء من الوالد (الحيمن) واستقراره في رحم الأُمّ، ثمّ تكامله بعد طيّ فترة زمنية معينة، وهذا يستلزم الحاجة إلى وجود الزوجة للّه جلّ شأنه، والحال أنّ الجميع ينزّهون اللّه سبحانه من اتّخاذ الزوجة، كما قال سبحانه (ولم تك له صاحبة ) .
    الثاني: إنّ فكرة اتّخاذ الولد تستلزم ـ حتماً ـ أن يكون الولد غير مخلوق للّه، بل يكون مثيلاً ونظيراً له في الاتّصاف بجميع صفات الإلوهية، كالاستقلال والغنى، لأنّ الابن ليس مخلوقاً للأب، بل هو جزء منه ينمو ويترعرع خارج ذاته والحال أنّ اللّه سبحانه خالق كلّ شيء: ( وخلق كل شَيْء ) ، كما ورد في صدر الآية جملة: ( بديع السموات والأرض ) الدالّة أيضاً على ما قلنا.
    ج: اللّه مالك كلّ شيء:
    (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَواتِ وَالأرْضِ وَ لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) .( [8])
    إنّ الآية المباركة تشير إلى برهان آخر لبطلان بنوّة المسيح، وذلك من خلال الاستدلال بالملكية التكوينية المطلقة لما سواه، لأنّ ملكية الإنسان بالنسبة لأمواله تنبع من عقد اجتماعي لغرض إدارة شؤون الحياة وتحريك عجلتها، إلاّ أنّ مالكية اللّه للسماوات والأرض وما بينهما مالكية تكوينية تنبع من خالقيته سبحانه للأشياء.( [9])

    ______________________
    [1] . المائدة: 17.
    [2] . المائدة: 75.
    [3] . المائدة: 116.
    [4] . أقام القرآن الكريم ستة أدلّة لإبطال نظرية بنوّة المسيح وقد جاءت هذه البراهين ضمن أربع آيات من آيات الذكر الحكيم.
    [5] . النحل: 57.
    [6] . انظر: الإسراء:40، الصافات:149ـ 153، الزخرف:19، الطور:39، ولقد أشار القرآن الكريم إلى وجود طائفة من يهود عصر الرسالة كانت تعتقد أنّ ] عزير [ ابن اللّه، حيث قال سبحانه: ( وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيرٌ ابن اللّه... ) (التوبة:30).
    [7] . الأنعام: 101.
    [8] . الفرقان: 2.
    [9] . منشور جاويد:2/202ـ 206.

  • #2
    يعتبر القرآن الكريم «قضية التثليث» مرتبطة بالأديان السابقة على المسيحية ويعتقد أنّ المسيح ـ عليه السَّلام ـ نفسه ما كان يدعو إلاّ إلى اللّه «الواحد» الأحد إذ يقول:

    (لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوا إنّ اللّهَ هُوَ المسِيحُ ابنُ مَرْيَمَ وقالَ المَسِيحُ يا بَنِي إسرائيلَ اعْبُدُوا اللّهَ رَبّي وَرَبَّكُمْ إنّهُ مَنْ يُشْـرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ)(1).

    ويعتقد القرآن أنّ النصارى هم الذين أدخلوا هذه الخرافة في العقائد المسيحية إذ يقول:

    (وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)(2).

    لقد أثبتت تحقيقات المتأخرين من المحققين صحة هذا الرأي القرآني بوضوح لا لبس فيه.

    فهذه التحقيقات والدلائل التاريخية جميعها تدل على أنّه أدخلت ـ في القرن السادس قبل الميلاد ـ إصلاحات على الدين البراهماني، وفي النتيجة ظهرت الديانة الهندوسية.

    وقد تجلّـى الرب الأزلي الأبدي وتجسد ـ لدى البراهمة ـ في ثلاثة مظاهر وآلهة:

    1. برهما (الخالق).

    __________________
    1 .المائدة: 72.
    2 . التوبة: 30.

    (289)

    2. فيشنو (الواقي).

    3. سيفا (الهادم).

    ويوجد هذا الثالوث الهندوكي المقدس في المتحف الهندي، في صورة ثلاث جماجم متلاصقة، ويوضح الهندوس هذه الأُمور الثلاثة في كتبهم الدينية على النحو التالي:

    «براهما»: هو الموجد في بدء الخلق، وهو دائماً الخالق اللاهوتي، ويسمى الأب.

    «فيشنو» : هو الواقي الذي يسمى عند الهندوكيين بالابن الذي جاء من قبل أبيه.

    «سيفا»: هو المفني الهادم المعيد للكون إلى سيرته الأُولى.

    لقد أثبت مؤلف كتاب «العقائد الوثنية في الديانة النصرانية» في دراسته الشاملة حول هذه الخرافة وغيرها من الخرافات التي تعج بها الديانة النصرانية أثبت أنّ هذا «الثالوث» المقدس كان في الديانة البراهمانية، وغيرها من الديانات الخرافية، قبل ميلاد المسيح ـ عليه السَّلام ـ بمئات السنين.

    وقد استدل لإثبات هذا الأمر بكتب قيمة وتصاوير حية توجد الآن في المعابد والمتاحف يمكن أن تكون سنداً حياً، ومؤيداً قوياً لرأي القرآن الكريم ، الذي ذكرناه عما قريب.

    ثم في هذا الصدد يكتب غوستاف لوبون:

    «لقد واصلت المسيحية تطورها في القرون الخمسة الأُولى من حياتها مع
    (290)

    أخذ ما تيسر من المفاهيم الفلسفية والدينية اليونانية والشرقية وهكذا أصبحت خليطاً من المعتقدات المصرية والإيرانية التي انتشرت في المناطق الأوربية حوالي القرن الأوّل الميلادي، فاعتنق الناس تثليثاً جديداً مكوناً من الأب والابن وروح القدس مكان التثليث القديم المكون من نروپي تر، وژنون ونرو».(1)

    ***

    لقد أبطل القرآن الكريم مسألة التثليث بالبرهان المحكم إذ قال:

    (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعاً).(2)

    نعم لم يرد في هذه الآية كلام صريح عن التثليث بل تركز الاهتمام فيها على إبطال «إلوهية المسيح»، ولكن طرحت ـ في آيات أُخرى ـ إلوهية المسيح في صورة إنكار «التثليث» ومن هذا الطرح يعلم أنّ إلوهية المسيح كانت مطروحة بصورة «التثليث» وتعدد الآلهة كما قال القرآن في موضع آخر :

    (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَة وَمَا مِنْ إِله إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ)(3).

    يقيم القرآن الكريم ـ في هذا المجال ـ برهانين في غاية الوضوح والعمومية، وها نحن نوضحهما فيما يأتي:

    والبرهانان هما:

    1. قدرة اللّه على إهلاك المسيح.

    _______________________

    1 . قصة الحضارة.

    2 . المائدة: 17.
    3 . المائدة: 73.

    (291)

    2. أنّ المسيح مثل بقية البشر يأكل ويمشي و ...

    يقول القرآن حول البرهان الأوّل:

    (فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعاً وَللّهِ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ ).(1)

    ولا ريب أنّ جميع النصارى يعترفون بأنّ السيد المسيح «ابن» لمريم ولذلك يقولون: المسيح ابن مريم.

    فإذا كان عيسى «ابناً» لمريم فلابد أنّه بشر كسائر البشر وآدمي كبقية الآدميين، محياه ومماته بيد اللّه، وتحت قدرته، فهو تعالى يهبه الحياة متى يشاء، وهو تعالى يميته متى أراد، ومع هذه الحالة كيف تعتبره النصارى «إلهاً» وهو لا يملك لنفسه حياة ولا موتاً؟!!»

    والجدير بالذكر أنّ القرآن الكريم وجّه في هذه الآية عناية كاملة إلى «بشرية» المسيح باعتبار أنّ بشرية المسيح تؤلِّف أساس البرهان الأوّل ولذلك نجد القرآن يصفه ـ عليه السَّلام ـ بأنّه ابن مريم، ويتحدث عن «أُمه» وعن جميع من في الأرض فيقول: (وََأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعاً)مشيراً إلى بشريته، بل وليثبت أنّ المسيح ليس أكثر من كونه واحداً من آحاد البشر وفرداً من أفراد النوع الإنساني يشترك مع بني نوعه في كل الأحكام على السواء.

    وبعبارة أوضح أنّ هناك قاعدة في الفلسفة الإسلامية هي قاعدة «حكم

    ____________________
    1 . المائدة: 17.
    (292)

    الأمثال» التي تقول: «حكم الأمثال فيما يجوز [عليها] وما لا يجوز واحد».

    فإذا كان هلاك أفراد الانسان (ما عدا المسيح) ممكناً كان هلاك المسيح أيضاً ممكناً كذلك، لكونه واحداً من البشر، وفي هذه الصورة كيف تعتبره النصارى إلهاً، والإله لا يجوز عليه الموت؟!

    ولتتميم هذا المطلب يختم القرآن الكريم الآية بجملة (وَللّهِ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالأرْضِ) وفي الحقيقة إنّ هذه الجملة تكون علة للحكم السابق فمعناه أنّ اللّه يملك اهلاك عيسى وأُمّه وكل أفراد البشر لأنّهم جميعاً ملكه، وفي قبضته، وتحت قدرته، فيكون معنى مجموع الآية: انّ اللّه قادر على إهلاك عيسى وأُمّه، لأنّه مالكهم جميعاً وبيده ناصيتهم دون استثناء، والقدرة على إهلاكه وإهلاك أُمّه، أدل دليل على كونه مخلوقاً له سبحانه .


    البرهان الثاني: المسيح والآثار البشرية

    خلاصته: أنّ المسيح وأُمّه شأنهم شأن بقية الأنبياء، يأكلون الطعام، كأي بشر آخر، إذ يقول:

    (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمَّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ).(1)

    وعلى هذا فليس بين المسيح وأُمّه وبين غيره من الأنبياء والرسل أي فرق، وتفاوت، فهم يأكلون عندما يجوعون ويتناولون الطعام كلما أحسّوا بالحاجة إلى الطعام، وشأن عيسى وأُمّه شأنهم، ولا ريب أنّ «الحاجة» دليل الإمكان والإله

    __________________
    1 . المائدة: 75.
    (293)

    منزّه عن الحاجة والإمكان.

    إنّ هذه الآية لا تبطل إلوهية المسيح فحسب، بل تبطل إلوهية أُمّه أيضاً، إذ يستفاد من بعض الآيات أنّ «أُمّه» كانت معرضاً لهذه التصورات الباطلة أيضاً حيث يقول القرآن :

    (ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ).(1)

    لقد استوفينا البحث حول التثليث في نظر القرآن وبقي البحث حوله من زاوية البراهين العقلية، وسيوافيك ذلك في مختتم هذا الفصل، بعد أن ندرس بنوة عيسى ومعبوديته وبطلانها قرآنياً، لنتفرغ بعده إلى دراسة التثليث عقلياً.
    اللّه سبحانه واتخاذ الولد(2)

    تعتبر مسألة بنوة المسيح للّه إحدى مظاهر الشرك في «الذات»، الذي يصوّر حقيقة الإله الواحد في صورة آلهة متعددة، ويقوم «التثليث» النصراني في الحقيقة على هذا الأساس، أي على أساس اعتبار المسيح ابناً للّه سبحانه .

    وقد فنّد القرآن الكريم هذا الاعتبار الخاطئ وأبطله ببراهين عديدة، وأوضح تفاهته بطريقين:

    أوّلاً: عن طريق البراهين العلمية الدالة على استحالة أن يكون للّه ولد مطلقاً سواء أكان هذا الولد عيسى ـ عليه السَّلام ـ أم غيره.

    وثانياً: عن طريق بيان تولد المسيح من أُمّه، واستعراض حياته البشرية،

    ______________________
    1 . المائدة: 116.

    2 . هذه هي المسألة الثانية التي أشرنا إليها ـ آنفاً في مطلع بحث التثليث ـ .
    (294)

    الدال على بطلان كونه «ولداً» للّه خصوصاً.

    على أنّ النصارى ليسوا هم وحدهم الذين اعتقدوا بوجود ولد للّه، بل قالت بمثل ذلك اليهود حيث ينقل سبحانه عنهم:

    (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ).(1)

    وحذا حذوهم مشركو العرب حيث كانوا يتصورون أنّ «الملائكة» بنات اللّه إذ يقول سبحانه :

    (وَيَجْعَلُونَ للّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ).(2)

    وإليك هذه البراهين حول الطريق الأوّل بالتفصيل.


    البرهان الأوّل

    يقول سبحانه :

    (بَدِيْعُ السَّموَاتِ وَالأرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ).(3)

    أُشير في هذه الآية الشريفة إلى برهانين على استحالة اتخاذ اللّه للولد:

    1. انّ اتخاذ الولد يتحقق بانفصال جزء من الأب باسم «الحويمن» ويستقر في رحم الأُم ويتفاعل مع ما ينفصل منها وتسمّى بالبويضة، وتواصل تلك البويضة تكاملها حتى يكون الوليد بعد زمن.

    _____________________
    1 . التوبة: 30.
    2 . النحل: 57.
    3 . الأنعام: 101.

    (295)

    إذن فمثل هذه العملية تحتاج ولا ريب إلى وجود «زوجة» أو بتعبير القرآن إلى «صاحبة» في حين يعترف الجميع بعدم الصاحبة له سبحانه كما يقول القرآن (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ) .

    2. إن كان معنى «اتخاذ الولد» هو ما قلناه، إذن فلا يكون الولد مصنوعاً للّه ومخلوقاً له تعالى بل يكون عدلاً وشريكاً له.

    لأنّ «الوالد» ليس خالق «الولد» بل الولد جزء من والده انفصل عنه، ونما خارجه، وكبر، في حين انّ اللّه خالق كل شيء ما سواه من الأشياء بلا استثناء كما تقول: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء) .

    ويقول سبحانه في صدر الآية: (بَدِيعُ السَّماوَاتِ والأرْضِ) بمعنى موجد السماوات والأرض وخالقهما وما فيهما.


    البرهان الثاني

    (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمواتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً).(1)

    وقد أُشير في هذه الآية إلى برهان واحد على «نفي الولد للّه» وهو مسألة «المالكية التكوينية له سبحانه والوهيته المطلقة» لما سواه، وتوضيحه:

    إنّ هناك نوعين من المالكية: مالكية اعتبارية، تنشأ من العقد الاجتماعي الدارج بين أبناء البشر، ومالكية تكوينية تنشأ من خالقية المالك.

    إنّ مالكية الإنسان لأمواله مالكية ناشئة عن «العقد الاجتماعي» الذي

    _______________
    1 . الفرقان: 2.
    (296)

    أذعن له الإنسان لغرض إدارة الحياة وضمان تمشيتها وجريانها، في حين أنّ مالكية اللّه للسماوات والأرض وما بينهما مالكية تكوينية ناشئة عن خالقيته لها.

    فإذا كان اللّهُ سبحانه مالكاً لكل شيء فلا يمكن حينئذ أن نتصور له ولداً لأنّ ولد الإنسان ـ بحكم كونه ليس مخلوقاً له ـ لا يكون مملوكاً له كذلك مع أنّا أثبتنا أنّ اللّه مالك لكل شيء لكونه خالقاً لكل شيء، وإلى هذا البرهان أُشير في هذه الآية: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمواتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) .

    كما أُشير ـ في ذيل هذه الآية ـ إلى علة هذه المالكية وأساسها وهو «الخالقية» إذ يقول: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء) .


    البرهان الثالث

    (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمواتِ وَالأرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ * بَدِيعُ السَّمواتِ وَالأرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).(1)

    استدل في هاتين الآيتين على «نفي الولد» بثلاثة براهين:

    1. أنّ معنى الولد هو انفصال جزء من الوالد واستقراره في رحم الأُم، وهذا يستلزم كون اللّه جسماً، ومتصفاً بالآثار الجسمانية كالمكان، والزمان والجزئية، والتركب من الأجزاء بينما يكون اللّه سبحانه منزّهاً عن هذه الأُمور وإلى هذه الناحية أشارت الآية بكلمة « سبحانه ».

    2. انّ إلوهية اللّه مطلقة وربوبيته عامة وشاملة، فكل الموجودات قائمة به ومحتاجة إليه، غير مستغنية عنه.

    _________________________
    1 . البقرة: 116 ـ 117.
    (297)

    فإذا كان له «ولد» يلزم ـ حتماً ـ أن يكون الولد مثيلاً ونظيراً له في الاتصاف بجميع صفات اللّه ومنها: «الاستقلال والغنى عن الغير» على حين ثبت كونه سبحانه مالكاً مطلقاً للسماوات والأرض وما بينهما فهي قائمة به، تابعة له، محتاجة إليه دون استثناء ومطيعة لأمره وخاضعة لمشيئته بلا منازع، وليس هنا موجود مستقل غيره.

    وإلى هذا البرهان أشار بقوله سبحانه : ( لَهُ مَا فِي السَّمواتِ وَالأرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ).

    3. انّه لا موجب لاتخاذ اللّه للولد، لأنّ طلب الأبناء والأولاد، إمّا أن يكون لغرض استمرار النسل والذرية، أو بهدف الاستعانة بهم لرفع الاحتياج عند الشيخوخة والعجز، ولا يمكن أن يتصور أي واحد من هذه الدوافع في مقامه سبحانه وإلى هذا أشارت الآية بقولها:

    (بَدِيعُ السَّمواتِ وَالأرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).(1)

    فأية حاجة تتصوّر للّه إلى الولد وهو بديع كل شيء؟

    وفي آية أُخرى اعتمد على موضوع «الغنى الإلهي» لنفي الولد، إذ يقول:

    (قَالُوا اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمواتِ و ما فِي الأرْضِ).(2)

    وهكذا ينفي القرآن الكريم خرافة اتخاذ اللّه للبنين والبنات، تلك الخرافة التي كانت توجد في الديانات القديمة كـ: «اليهودية» و «النصرانية»

    _______________________
    1 . البقرة: 117.
    2 . يونس: 68.

    (298)

    و«الزرادشتية» و «الهندوكية» وعند المشركين.

    ولقد استدل المسيحيون على بنوة عيسى للّه بتولده من غير أب، إذ قالوا للنبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ هل رأيت ولداً من غير أب؟ إذن فليس لعيسى من أب إلاّ اللّه.

    فأجاب اللّه عن هذا الزعم بقوله:

    (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).(1)

    أي إنّ مثل عيسى في تكونه من غير أب كمثل آدم في خلق اللّه له من غير أب وأُم فليس عيسى عندئذ بأبدع وأعجب من آدم فكيف أنكروا هذا وأقرّوا بذلك؟!
    خلاصة ما سبق

    تلخّص مما سبق أنّ القرآن يستند في نفيه لاتخاذ اللّه ولداً على البراهين التالية:

    1. ليست له سبحانه أية زوجة حتى يكون له ولد منها.

    2. انّه تعالى خالق كل شيء واتخاذ الولد ليس خلقاً بل هو انفصال جزء من الوالد وهو ينافي خالقيته لكل شيء.

    3. انّه مالك كل شيء مالكية ناشئة عن الخالقية وكون المسيح ولداً له سبحانه يستلزم عدم مخلوقيته وهو يستلزم عدم كونه مملوكاً وهو ينافي مالكية اللّه العامة.

    4. انّه سبحانه منزّه عن أحكام الجسم، واتّخاذ المسيح ولداً يستلزم كون اللّه

    ___________________
    1 . آل عمران: 59.
    (299)

    جسماً ومحكوماً بالأحكام الجسمانية، لأنّ معنى كون المسيح ولداً له سبحانه هو انفصال جزء منه سبحانه وهو يستلزم كونه جسماً.

    5. انّ جميع الأشياء قائمة باللّه فلا استقلال لسواه في حين يستلزم افتراض ولد للّه سبحانه استقلاله كاستقلال الوالد حتى يكون الولد نظير الوالد.

    6. انّ اللّه تعالى غني فلا حاجة له إلى ولد.

    7. انّ كون المسيح دون والد ليس بأعجب من آدم الذي وجد من دون أبوين مطلقاً.

    ***

    وأمّا الطريق الثاني(1) الذي سلكه القرآن لإبطال «بنوة خصوص المسيح» فهو بيان حياة السيد المسيح وشرحها بنحو واضح في سور مختلفة خاصة في سورة «مريم»(2) بحيث لا يبقى أي شك لمنصف في «بشريته» ـ عليه السَّلام ـ .

    وقد وردت في بعض الآيات التي مرت في هذا البحث نماذج عن حياته البشرية.(3)

    بقي هنا بحث هام اعتنى به القرآن الكريم بجد، وهو مسألة كون المسيح
    1 . قد تقدم آنفاً في صفحة 293 إنّ القرآن استعرض مسألة نفي الولد للّه سبحانه بشكلين تارة عن طريق نفي أي ولد له سواء أكان المسيح أم غيره وأُخرى عن طريق نفي خصوص بنوة المسيح، وقد استوفينا البحث في القسم الأوّل وإليك البحث في القسم الثاني.
    2 . راجع سورة مريم: 16 ـ 35.
    3 . راجع سورة المائدة: 17 و 75، وسورة التوبة: 30 وسيوافيك قوله سبحانه : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ) (النساء: 171) فبملاحظة حالاته في هذه الدنيا نجزم بأنّه مخلوق للّه سبحانه وليس ولداً له.

    (300)

    معبوداً وانّه لا يستحق العبادة سواء أكان ابناً للّه سبحانه أم لا، وسواء أصح التثليث أم لا ، وهذه مسألة مستقلة تجتمع مع نفي التثليث والبنوة، ولأجل ذلك نستعرض هذا البحث مستقلاً عن البحثين الماضيين.


    القرآن ومعبودية المسيح

    إنّ القرآن ينزّه اللّه تنزيهاً مطلقاً عن أن يبعث رسلاً يدعون الناس إلى عبادة أنفسهم بدل الدعوة إلى عبادة اللّه سبحانه ، فقال:

    (مَا كَانَ لِبَشَر أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيّيِنَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلا يَأْمُرَكُمْ أنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأمُرُكُمْ بِالكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).(1)

    وفي هاتين الآيتين نفي لمعبودية المسيح أو مشاركته في الربوبية.

    ***

    كما أنّ القرآن الكريم طرح مسألة عبادة السيد المسيح في آيات أُخرى وأبطل ـ بنفي مالكية المسيح لضر عباده ونفعهم ـ إمكان كونه مستحقاً للعبادة فيقول:

    (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً ولا نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).(2)

    __________________________

    1 . آل عمران: 79 ـ 80.
    2 . المائدة: 75.

    (301)

    وحيث إنّ البحث هنا هو حول التوحيد الذاتي، فنرجئ البحث عن التوحيد في العبادة مطلقاً وبطلان معبودية المسيح خصوصاً إلى الفصل التاسع.

    غير أنّ التدبر في هذه الآية و الآيات المشابهة لها يوضح لنا نقطة مهمة وهي: أنّ الدافع الأساسي لاتخاذ شخص أو شيء معبوداً إنّما هو لأجل الاعتقاد بمالكية ذلك المعبود لضرهم ونفعهم.

    وعلى هذا فكل خضوع وخشوع ينبع من هذه النقطة المهمة يمكن أن يكون مصداقاً للشرك في العبادة.

    وأمّا إذا خضع أحد أمام إنسان آخر دون هذا الدافع فإنّ عمله لا يكون حينئذ إلاّ احتراماً، وتكريماً وليس عبادة.

    وسوف يأتي مفصل هذا القسم في الفصل التاسع إن شاء اللّه.

    وبالتالي فإنّ القرآن الكريم يبدي نظره حول «السيد المسيح» وهو ـ في الحقيقة ـ الرأي الصحيح البعيد عن أية مبالغة أو غمط حق، وهو قوله سبحانه :

    (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَ آمِنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ).(1)

    فلقد وصفت هذه الآية السيد المسيح بأفضل ما يمكن أن يكون مبيناً لحقيقة شخصية رفيعة الشأن جليلة المقام، وكان هذا الوصف والتعريف رفيعاً ومؤثراً جداً بحيث جعل النجاشي (ملك الحبشة) الذي سأل جعفر بن أبي طالب أن يبين له رأي القرآن في المسيح فقرأ عليه هذه الآية .

    ___________________
    1 . النساء: 171.
    (302)

    أقول: جعل النجاشي يعمد ـ بعد سماعه الآية ـ إلى عود من الأرض، ويقول:

    «ما عدا [أي ما تجاوز] عيسى عما قلت هذا العود»(1).

    إنّ الأوصاف التي وصف بها عيسى في هذه الآية هي:

    1. (إِنَّما الْمَسِيحُ) ، وتعني لفظة المسيح: المبارك وقد وصف عيسى في آية أُخرى بهذا النحو:

    (وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)(2).

    2. (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) ، فقد وصف في هذا المقطع بكونه «ابناً لمريم» ومع هذا كيف يجوز أن يعتبره النصارى إلهاً، أو ابناً للّه؟

    3. (رَسُولُ اللّهِ) حيث وصف بالرسالة والنبوة، فلا هو إله ولا هو رب كما ادّعى النصارى.

    4. (كَلِمَتُهُ) ، وهنا لا بد أن نقول: إنّ الكون بأجمعه وإن كان كلمة للّه وإنّ النظام البديع وإن كان يحكي عن علمه ويخبر عن حكمته ويعبَّر عن قداسته كما تعبر الألفاظ والكلمات عن معانيها، ولكن حيث إنّ هذه الكلمة (أعني: المسيح) خلق دون توسط أسباب وعلل، لذلك أطلقت عليه لفظة الكلمة بخصوصه لإبراز أهميته الخاصة من بين كلمات اللّه الأُخرى.

    5. (وَرُوحٌ مِنْهُ) ، أي من جانب اللّه.

    _______________________________
    1 . الكامل لابن الأثير : 2/55.
    2 . آل عمران: 45.

    تعليق


    • #3
      منقول....

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      x

      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

      صورة التسجيل تحديث الصورة

      اقرأ في منتديات يا حسين

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 21-02-2015, 05:21 PM
      ردود 119
      18,090 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-05-2024, 02:34 PM
      استجابة 1
      100 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-05-2024, 02:27 PM
      استجابة 1
      71 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 04-10-2023, 10:03 AM
      ردود 2
      154 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 09-01-2023, 12:42 AM
      استجابة 1
      160 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      يعمل...
      X