ادخلت الحملات الوحشيه التي كان يقوم بها قرامطه البحرين علي المدن القريبه والبعيده الرّعب والهلع في نفوس المسلمين، وخصوصاً عمليات الاباده والقتل الجماعي التي كان القرامطه يمارسونها، وبالاخصّ علي قوافل الحجّ التي كانت تتعرّض دوماً لغارات وحملات من هذا النوع.
وكان الحجّاج الذين يمرّون بمناطق يُسيطر عليها القرامطه وخصوصاً القادمين من العراق، يتعرّضون لحملاتهم الوحشيه، حتّي وصل الامر الي انّه في سنه 263 و316 لم يتمكن اي من الحجّاج القادمين من العراق من اداء مراسم الحجّ في هاتين السنتين.
وصل الامر الي ذوره الخشونه والوحشيه في سنه 317 فنتجت عنه فاجعه كبري، فقد امتنع القرامطه علي غير عادتهم من مهاجمه قوافل الحجّاج القادمين من العراق باتّجاه الديار المقدّسه، فوصلت القوافل ومنها قافله العراق بقياده منصور الديلمي سالمه الي مكّه دون مضايقه تذكر، الاّ انَّ القرامطه بقياده ابوطاهر الجنابي هاجموا الحجّاج يوم الترويه في مكّه علي حين غره فقتلوا منهم جمعاً غفيراً، وليس ذلك وحسب بل هجموا علي اهل مكّه وعملوا منهم مذبحه مريعه وانتهكوا حرمه وقدسيه المسجد الحرام.
ويذكر انّ ابوطاهر هاجم الحجّاج واهل مكّه علي راس (900) فارس بينما كان هو ثمل ممتشق حسامه علي ظهر حصانه الذي تبوّل قريباً من بيت الله الحرام.
وينقل المؤرّخون انَّ القرامطه قتلوا ما استطاعوا من الحجّاج واهل مكّه، وهتكوا الحرمات ودنّسوا المقدّسات. فقتلوا ما يقارب (1700) نفس كان معظمهم متمسّكاً باستار الكعبه. وكانت سيوف القرامطه تحصد رؤوس النّاس من الطائفين والمصلّين وحتّي الذين هربوا من بطشهم الي الوديان والجبال، فكان النّاس يصيحون عليهم: اوَ تقتلون ضيوف الله؟ فكان القرامطه يجيبونهم: انَّ من يخالف اوامر الله ليس بضيف له. وقد وصل عدد الذين قُتلوا في هذه الحمله الوحشيه قرابه (30) الف انسان، ورمي القرامطه بجثث اكثر هؤلاء في بطن بئر زمزم ودُفن الكثير كذلك منهم دون ان يُغسلوا او يكفّنوا.
وفي تلك الحاله التي كان القرامطه يُذبّحون فيها المسلمين ويعملون من جثثهم كومات متراكمه بعضها فوق بعض، كان ابوطاهر ينشد البيت التالي وهو يقف بقرب الكعبه: انا بالله وبالله انا يخلق الخلق وافنيهم انا
واضافهً الي المقتله العظيمه التي احدثها القرامطه، والوحشيه التي اتّبعوها مع الحجّاج، واستيلائهم علي اموالهم واموال اهل مكّه، فقد قاموا بسرقه معظم الحلي والنفائس الموجوده في الكعبه ومن جمله ما سرقوا ستار الكعبه المشرّفه، وقلعوا بابها ثمّ عمدوا الي ميزابها لقلعه وارسلوا واحداً منهم الي سطح الكعبه لاجل ذلك الاّ انَّ المرسل لفعل ذلك سقط من علي السطح وخرَّ ميّتاً في الحال.
وسرق القرامطه الحجر الأسود بعد ان قلعوه بواسطه مقلاع او فاس وحملوه معهم الي البحرين، وقد ورد موضوع سرقه الحجر الاسود من قبل القرامطه في كتب التاريخ جميعاً، وقد اضافت مصادر تاريخيه اخري قائله: انَّ ابا طاهر ضَرَبَ الحجر الاسود بفاس كانت بيده وذلك في محاوله لقلعه، فانكسر الحجر ثمّ التفت الي الجموع هناك قائلا لهم: ايّها الجهله! انتم تقولون: انَّ كلّ من يرد البيت فهو امن وقد رايتم ما فعلتُ انا الي الان. فتقدم اليه رجل من الحاضرين ممّن كان قد هيا نفسه للموت فامسك بلجام حصان ابوطاهر واجابه قائلا: انَّ معني ذلك ليس كما قلت بل انَّ المعني هو ان من يدخل هذا البيت فعليكم منحه الامان علي نفسه وماله وعرضه حتّي يخرج منه. فامتعظ القرمطي وتحرك بحصانه دون ان ينبسّ ببنت شفه.
وذكر ابن كثير انَّ ابا طاهر هدَّم القبّه التي كانت موضوعه علي راس بئر زمزم، وهو الذي امر رجاله بقلع باب الكعبه ونزع ستارها الذي قطعه ارباً ارباً ووزّعه علي اصحابه، ثمّ امر احد رجاله بالصعود الي سطح الكعبه لقلع ميزابها فلمّا سقط الرجل من اعلي السطح ومات انصرف ابوطاهر عن قلع الميزاب، وتوجّه الي الحجر الاسود واصدر اوامره الي رجاله باخراج الحجر، فعمد احدهم الي فاس وبدا يضرب الحجر به وهو يقول: "اين الطيور الابابيل، اين الحجاره من سجّيل" ولمّا قلعوا الحجر اخذوه ورحلوا الي بلادهم.
وجاء في التكمله لتاريخ الطبري انّ القرامطه سرقوا الحلي التي كان الخلفاء قد زيّنوا بها الكعبه واخذوها معهم، ومن تلك الحلي «درّه اليتيم» التي كان وزنها اربعه عشر مثقالا من الذهب، وافراط ماريه وقرون كبش ابراهيم (عليه السلام) وعصا موسي والموزونه ذهباً، وطبق ووشيعه من الذهب وسبعه عشر قنديلا من الفضّه وثلاثه محاريب فضيّه اقصر من الانسان بقليل كانت موضوعه في صدر البيت.
وقيل: ان كثيراً من العلماء المحدثين قتلوا اثناء الهجوم الذي قام به القرامطه علي الحجّاج اثناء طوافهم، من جملتهم: الحافظ ابوالفضل بن حسين الجارودي وشيخ الحنفيه في بغداد ابوسعيد احمد بن حسين البردعي وابوبكر بن عبدالله الرهاوي وعلي بن بابويه الصوفي وابوجعفر محمّد بن خالد البردعي "والذي كان يسكن في مكّه".
وذُكرَ انّ احد المحدّثين في ذلك الوقت انشد بيتاً من الشعر بينما احاطت به سيوف القرامطه:تري المحبّين صرعي في ديارهم كفتيه اهل الكهف لايدرون كم لبثوا.
وظلَّ القرامطه يرزحون في مكّه مدّه احد عشر يوماً وقيل ستّه ايام وبروايه اخري سبعه ايّام، ورجعوا بعدها الي هجر مصطحبين معهم الحجر الاسود. ويقال: ان اربعين بعيراً هلكوا حينما ارادوا حمل الحجر الاسود، وبقي مكانه في الكعبه خالياً فكان النّاس يمسحون ايديهم بمكانه ويتبركون به.
وحمل القرامطه الحجر الاسود الي الاحساء، ويدلّ ذلك علي ان ما ذكرته المصادر التاريخيّه من انَّ القرامطه حملوا الحجر الاسود الي البحرين او هجر هو صحيح اذ انَّ منطقه واسعه من شمال الجزيره العربيه اليوم كانت تدعي بالبحرين او الهجر حيث تقع الاحساء في داخل هذه المنطقه كذلك.
هذا، ولما خرج القرامطه من مكّه حاملين معهم الحجر الاسود والاموال التي غنموها من النّاس متوجّهين الي هجر، تعقَّب "ابن محلب" امير مكّه من قبل العبّاسيين القرامطه مع جمع من رجاله وطلب منهم ردّ الحجر الاسود الي مكانه علي ان يملّكهم جميع اموال رجاله. الاّ انَّ القرامطه رفضوا طلبه مما اضطرّه الي محاربتهم حتّي قتل علي ايديهم.
ويعتبر القرامطه انفسهم جزءاً من الاسماعيليه، ولذا فقد خطب القرامطه في مكّه باسم عبيدالله المهدي وهو نفسه ابوعبيد الله المهدي الفاطمي العلوي الذي خرج في افريقيا، ثم كتبوا اليه كلّ ما حدث في مكّه، فكتب عبيدالله المهدي جواباً شديداللهجه الي ابوطاهر القرمطي يقول فيه: لقد اعترتني الدهشه والعجب من رسالتك التي بعثت بها اليَّ اذ تمنُّ فيها عليَّ بانّك ارتكبت جرائم وحشيه باسمنا في حرم الله واهله، وفي مكان لم ترق فيه قطره دم واحده منذ الجاهليه، ولم يُهن اهله او تُنتهك حرمهم فيه. بل وتجاوزت حدّك باخذك الحجر الاسود الذي هو يدالله اليمني في الارض فاقتلعته وحملته الي بلدك. فهل كنت تنتظر منّا الشكر والتقدير علي عملك هذا لعنه الله عليك.
واورد ثابت بن سنان نصّ ومضمون الرساله بشكل اخر، اذ ارسل عبيدالله المهدي كتاباً الي ابوطاهر القرمطي بعد ان اطّلع علي الاحداث المذكوره يقبّح فيه عمله هذا ويلعنه علي فعلته، فمن جمله ما كتب: "لقد لطّخت صفحتنا في التاريخ بنقطه سوداء لايمحوها مرور الزمن ولا يزيلها غبار المحن... لقد وصمت بعملك هذا دولتنا وشيعتنا والدّعاه لنا بالكفر والزندقه..." واستطرد عبيدالله المهدي في رسالته الي ابوطاهر القرمطي يحذره من انّه ان لم يَرُد اموال اهل مكّه التي سرقها وارجاع الحجر الاسود الي مكانه ووضع ستار الكعبه عليها مجدّداً فانّه سياتيه بجيش لاقِبَلَ له بهم. ثمّ ذكر اخيراً بانّه بريءٌ منه ومن اعماله كما يبرا من الشيطان الرجيم.
وظلّ الحجر الاسود بحوزه القرامطه مدّه (22) سنه في البحرين، ولم تجد كل المحاولات والمساعي التي بذلها قطبا السياسه الاسلاميه (اي القطب العبّاسي في بغداد والفاطمي في افريقيا) من اجل الضغط علي القرامطه واجبارهم علي اعاده الحجر الاسود، وقد عرض الخلفاء علي القرامطه مبلغاً قدره (50) الف دينار مقابل ارجاعهم للحجر الاسود، لكنّ القرامطه ظلّوا يخوضون في عنادهم.
ويقول ابن سنان الذي كان معاصراً لتلك الاحداث: لقد عُرِضَت الكثير من الاموال علي القرامطه كثمن لردّهم الحجر الاسود لكنّهم رفضوا كلّ تلك العروض، وكان السبب الحقيقي وراء امتثال القرامطه للامر هو التهديد الذي وجّههُ المهدي العلوي الفاطمي اليهم ممّا اجبرهم علي ردّ الحجر الاسود الي مكّه ثانيه.
وعلي اي حال فقد ارجع الحجر الاسود الي مكّه سنه (339) وقد حمله رجل من القرامطه يُدعي سنبر والذي يحتمل ان يكون حمو ابوسعيد القرمطي ويُقال ان الحجر الاسود حمل قبل ارجاعه الي مكّه الي الكوفه ونصب في العمود السابع لمسجد الكوفه حتّي يتسنّي للنّاس رؤيته، وقد كتب شقيق ابوطاهر رساله جاء فيها: اخذناه بقدره الله ورددناهُ بمشيئه الله.
ولمّا رُدَّ الحجر الاسود الي مكّه كان امير مكّه حاضراً مع حشد من اهلها، وارجع سنبر الحجر بيديه الي مكانه، وقيل ان رجلا يُدعي حسن بن مزوّق البناء قام بنصب الحجر عند جدار الكعبه واحكم مكانه بالجصّ54، هذا وقد ورد ذكر اسماء اخرين ممّن اسهموا في ذلك.
ونُقلَ عن الشيخ الجليل جعفر بن محمّد بن قولويه احد ابرز العلماء المحدّثين المشهورين لدي الشيعه واستاذ الشيخ المفيد، انَّ في نفس السنه التي تمَّ ارجاع الحجر الاسود الي مكّه من قبل القرامطه، قرَّر الشيخ السّفر الي هذه المدينه المقدّسه. ولما كان عُلماء الشيعه يعتقدون بوجوب حضور المعصوم او ولي الله; ليقوم بوضع الحجر بنفسه في مكانه، وانه لايمكن ولايجوز لاي شخص غير المعصوم من وضع الحجر في مكانه، فقد عزم بن قولويه علي السفر الي مكه واعدّ عدّته ليشهد حضور امام العصر (عليه السلام). لكنّه وللاسف الشديد ساءت حالته الصحيّه اثناء الطريق ممّا اضطرته الي التخلّي عن السفر والبقاء في بغداد. الاّ انّه بعث احد اصدقائه المعتمدين لديه ويُدعي (ابن هشام) وارسله نائباً عنه الي مكّه وسلّمه رساله واوصاه بتسليمها الي الشخص الذي يراه وهو يضع الحجر الاسود وينصبه عند جدار الكعبه.
فوصل ابن هشام الي مكّه ولحسن الحظ كان حاضراً لمراسم وضع الحجر الاسود. يقول ابن هشام: لقد رايت انَّ كلّ من حاول ان يضع الحجر الاسود في مكانه ان الحجر يسقط من بين يديه، حتّي ظهر شابٌ حسن الصوره ادم الوجه فاستلم الحجر من الواقفين ووضعه في محلّه فاستقرَّ الحجر في مكانه وفرح الحاضرون بذلك. ثمّ خرج ذلك الشاب من المسجد الحرام وذهبت انا وراءه حتّي تسنّي لي تسليم رساله ابن قولويه اليه فنظر اليّ دون ان يفتح الكتاب او يقراه وقال: قل له لاباس عليك فستعمّر ثلاثين سنه اُخري. ثمّ التفت فلم اجده معي ودهشت من ذلك.
وكان الحجّاج الذين يمرّون بمناطق يُسيطر عليها القرامطه وخصوصاً القادمين من العراق، يتعرّضون لحملاتهم الوحشيه، حتّي وصل الامر الي انّه في سنه 263 و316 لم يتمكن اي من الحجّاج القادمين من العراق من اداء مراسم الحجّ في هاتين السنتين.
وصل الامر الي ذوره الخشونه والوحشيه في سنه 317 فنتجت عنه فاجعه كبري، فقد امتنع القرامطه علي غير عادتهم من مهاجمه قوافل الحجّاج القادمين من العراق باتّجاه الديار المقدّسه، فوصلت القوافل ومنها قافله العراق بقياده منصور الديلمي سالمه الي مكّه دون مضايقه تذكر، الاّ انَّ القرامطه بقياده ابوطاهر الجنابي هاجموا الحجّاج يوم الترويه في مكّه علي حين غره فقتلوا منهم جمعاً غفيراً، وليس ذلك وحسب بل هجموا علي اهل مكّه وعملوا منهم مذبحه مريعه وانتهكوا حرمه وقدسيه المسجد الحرام.
ويذكر انّ ابوطاهر هاجم الحجّاج واهل مكّه علي راس (900) فارس بينما كان هو ثمل ممتشق حسامه علي ظهر حصانه الذي تبوّل قريباً من بيت الله الحرام.
وينقل المؤرّخون انَّ القرامطه قتلوا ما استطاعوا من الحجّاج واهل مكّه، وهتكوا الحرمات ودنّسوا المقدّسات. فقتلوا ما يقارب (1700) نفس كان معظمهم متمسّكاً باستار الكعبه. وكانت سيوف القرامطه تحصد رؤوس النّاس من الطائفين والمصلّين وحتّي الذين هربوا من بطشهم الي الوديان والجبال، فكان النّاس يصيحون عليهم: اوَ تقتلون ضيوف الله؟ فكان القرامطه يجيبونهم: انَّ من يخالف اوامر الله ليس بضيف له. وقد وصل عدد الذين قُتلوا في هذه الحمله الوحشيه قرابه (30) الف انسان، ورمي القرامطه بجثث اكثر هؤلاء في بطن بئر زمزم ودُفن الكثير كذلك منهم دون ان يُغسلوا او يكفّنوا.
وفي تلك الحاله التي كان القرامطه يُذبّحون فيها المسلمين ويعملون من جثثهم كومات متراكمه بعضها فوق بعض، كان ابوطاهر ينشد البيت التالي وهو يقف بقرب الكعبه: انا بالله وبالله انا يخلق الخلق وافنيهم انا
واضافهً الي المقتله العظيمه التي احدثها القرامطه، والوحشيه التي اتّبعوها مع الحجّاج، واستيلائهم علي اموالهم واموال اهل مكّه، فقد قاموا بسرقه معظم الحلي والنفائس الموجوده في الكعبه ومن جمله ما سرقوا ستار الكعبه المشرّفه، وقلعوا بابها ثمّ عمدوا الي ميزابها لقلعه وارسلوا واحداً منهم الي سطح الكعبه لاجل ذلك الاّ انَّ المرسل لفعل ذلك سقط من علي السطح وخرَّ ميّتاً في الحال.
وسرق القرامطه الحجر الأسود بعد ان قلعوه بواسطه مقلاع او فاس وحملوه معهم الي البحرين، وقد ورد موضوع سرقه الحجر الاسود من قبل القرامطه في كتب التاريخ جميعاً، وقد اضافت مصادر تاريخيه اخري قائله: انَّ ابا طاهر ضَرَبَ الحجر الاسود بفاس كانت بيده وذلك في محاوله لقلعه، فانكسر الحجر ثمّ التفت الي الجموع هناك قائلا لهم: ايّها الجهله! انتم تقولون: انَّ كلّ من يرد البيت فهو امن وقد رايتم ما فعلتُ انا الي الان. فتقدم اليه رجل من الحاضرين ممّن كان قد هيا نفسه للموت فامسك بلجام حصان ابوطاهر واجابه قائلا: انَّ معني ذلك ليس كما قلت بل انَّ المعني هو ان من يدخل هذا البيت فعليكم منحه الامان علي نفسه وماله وعرضه حتّي يخرج منه. فامتعظ القرمطي وتحرك بحصانه دون ان ينبسّ ببنت شفه.
وذكر ابن كثير انَّ ابا طاهر هدَّم القبّه التي كانت موضوعه علي راس بئر زمزم، وهو الذي امر رجاله بقلع باب الكعبه ونزع ستارها الذي قطعه ارباً ارباً ووزّعه علي اصحابه، ثمّ امر احد رجاله بالصعود الي سطح الكعبه لقلع ميزابها فلمّا سقط الرجل من اعلي السطح ومات انصرف ابوطاهر عن قلع الميزاب، وتوجّه الي الحجر الاسود واصدر اوامره الي رجاله باخراج الحجر، فعمد احدهم الي فاس وبدا يضرب الحجر به وهو يقول: "اين الطيور الابابيل، اين الحجاره من سجّيل" ولمّا قلعوا الحجر اخذوه ورحلوا الي بلادهم.
وجاء في التكمله لتاريخ الطبري انّ القرامطه سرقوا الحلي التي كان الخلفاء قد زيّنوا بها الكعبه واخذوها معهم، ومن تلك الحلي «درّه اليتيم» التي كان وزنها اربعه عشر مثقالا من الذهب، وافراط ماريه وقرون كبش ابراهيم (عليه السلام) وعصا موسي والموزونه ذهباً، وطبق ووشيعه من الذهب وسبعه عشر قنديلا من الفضّه وثلاثه محاريب فضيّه اقصر من الانسان بقليل كانت موضوعه في صدر البيت.
وقيل: ان كثيراً من العلماء المحدثين قتلوا اثناء الهجوم الذي قام به القرامطه علي الحجّاج اثناء طوافهم، من جملتهم: الحافظ ابوالفضل بن حسين الجارودي وشيخ الحنفيه في بغداد ابوسعيد احمد بن حسين البردعي وابوبكر بن عبدالله الرهاوي وعلي بن بابويه الصوفي وابوجعفر محمّد بن خالد البردعي "والذي كان يسكن في مكّه".
وذُكرَ انّ احد المحدّثين في ذلك الوقت انشد بيتاً من الشعر بينما احاطت به سيوف القرامطه:تري المحبّين صرعي في ديارهم كفتيه اهل الكهف لايدرون كم لبثوا.
وظلَّ القرامطه يرزحون في مكّه مدّه احد عشر يوماً وقيل ستّه ايام وبروايه اخري سبعه ايّام، ورجعوا بعدها الي هجر مصطحبين معهم الحجر الاسود. ويقال: ان اربعين بعيراً هلكوا حينما ارادوا حمل الحجر الاسود، وبقي مكانه في الكعبه خالياً فكان النّاس يمسحون ايديهم بمكانه ويتبركون به.
وحمل القرامطه الحجر الاسود الي الاحساء، ويدلّ ذلك علي ان ما ذكرته المصادر التاريخيّه من انَّ القرامطه حملوا الحجر الاسود الي البحرين او هجر هو صحيح اذ انَّ منطقه واسعه من شمال الجزيره العربيه اليوم كانت تدعي بالبحرين او الهجر حيث تقع الاحساء في داخل هذه المنطقه كذلك.
هذا، ولما خرج القرامطه من مكّه حاملين معهم الحجر الاسود والاموال التي غنموها من النّاس متوجّهين الي هجر، تعقَّب "ابن محلب" امير مكّه من قبل العبّاسيين القرامطه مع جمع من رجاله وطلب منهم ردّ الحجر الاسود الي مكانه علي ان يملّكهم جميع اموال رجاله. الاّ انَّ القرامطه رفضوا طلبه مما اضطرّه الي محاربتهم حتّي قتل علي ايديهم.
ويعتبر القرامطه انفسهم جزءاً من الاسماعيليه، ولذا فقد خطب القرامطه في مكّه باسم عبيدالله المهدي وهو نفسه ابوعبيد الله المهدي الفاطمي العلوي الذي خرج في افريقيا، ثم كتبوا اليه كلّ ما حدث في مكّه، فكتب عبيدالله المهدي جواباً شديداللهجه الي ابوطاهر القرمطي يقول فيه: لقد اعترتني الدهشه والعجب من رسالتك التي بعثت بها اليَّ اذ تمنُّ فيها عليَّ بانّك ارتكبت جرائم وحشيه باسمنا في حرم الله واهله، وفي مكان لم ترق فيه قطره دم واحده منذ الجاهليه، ولم يُهن اهله او تُنتهك حرمهم فيه. بل وتجاوزت حدّك باخذك الحجر الاسود الذي هو يدالله اليمني في الارض فاقتلعته وحملته الي بلدك. فهل كنت تنتظر منّا الشكر والتقدير علي عملك هذا لعنه الله عليك.
واورد ثابت بن سنان نصّ ومضمون الرساله بشكل اخر، اذ ارسل عبيدالله المهدي كتاباً الي ابوطاهر القرمطي بعد ان اطّلع علي الاحداث المذكوره يقبّح فيه عمله هذا ويلعنه علي فعلته، فمن جمله ما كتب: "لقد لطّخت صفحتنا في التاريخ بنقطه سوداء لايمحوها مرور الزمن ولا يزيلها غبار المحن... لقد وصمت بعملك هذا دولتنا وشيعتنا والدّعاه لنا بالكفر والزندقه..." واستطرد عبيدالله المهدي في رسالته الي ابوطاهر القرمطي يحذره من انّه ان لم يَرُد اموال اهل مكّه التي سرقها وارجاع الحجر الاسود الي مكانه ووضع ستار الكعبه عليها مجدّداً فانّه سياتيه بجيش لاقِبَلَ له بهم. ثمّ ذكر اخيراً بانّه بريءٌ منه ومن اعماله كما يبرا من الشيطان الرجيم.
وظلّ الحجر الاسود بحوزه القرامطه مدّه (22) سنه في البحرين، ولم تجد كل المحاولات والمساعي التي بذلها قطبا السياسه الاسلاميه (اي القطب العبّاسي في بغداد والفاطمي في افريقيا) من اجل الضغط علي القرامطه واجبارهم علي اعاده الحجر الاسود، وقد عرض الخلفاء علي القرامطه مبلغاً قدره (50) الف دينار مقابل ارجاعهم للحجر الاسود، لكنّ القرامطه ظلّوا يخوضون في عنادهم.
ويقول ابن سنان الذي كان معاصراً لتلك الاحداث: لقد عُرِضَت الكثير من الاموال علي القرامطه كثمن لردّهم الحجر الاسود لكنّهم رفضوا كلّ تلك العروض، وكان السبب الحقيقي وراء امتثال القرامطه للامر هو التهديد الذي وجّههُ المهدي العلوي الفاطمي اليهم ممّا اجبرهم علي ردّ الحجر الاسود الي مكّه ثانيه.
وعلي اي حال فقد ارجع الحجر الاسود الي مكّه سنه (339) وقد حمله رجل من القرامطه يُدعي سنبر والذي يحتمل ان يكون حمو ابوسعيد القرمطي ويُقال ان الحجر الاسود حمل قبل ارجاعه الي مكّه الي الكوفه ونصب في العمود السابع لمسجد الكوفه حتّي يتسنّي للنّاس رؤيته، وقد كتب شقيق ابوطاهر رساله جاء فيها: اخذناه بقدره الله ورددناهُ بمشيئه الله.
ولمّا رُدَّ الحجر الاسود الي مكّه كان امير مكّه حاضراً مع حشد من اهلها، وارجع سنبر الحجر بيديه الي مكانه، وقيل ان رجلا يُدعي حسن بن مزوّق البناء قام بنصب الحجر عند جدار الكعبه واحكم مكانه بالجصّ54، هذا وقد ورد ذكر اسماء اخرين ممّن اسهموا في ذلك.
ونُقلَ عن الشيخ الجليل جعفر بن محمّد بن قولويه احد ابرز العلماء المحدّثين المشهورين لدي الشيعه واستاذ الشيخ المفيد، انَّ في نفس السنه التي تمَّ ارجاع الحجر الاسود الي مكّه من قبل القرامطه، قرَّر الشيخ السّفر الي هذه المدينه المقدّسه. ولما كان عُلماء الشيعه يعتقدون بوجوب حضور المعصوم او ولي الله; ليقوم بوضع الحجر بنفسه في مكانه، وانه لايمكن ولايجوز لاي شخص غير المعصوم من وضع الحجر في مكانه، فقد عزم بن قولويه علي السفر الي مكه واعدّ عدّته ليشهد حضور امام العصر (عليه السلام). لكنّه وللاسف الشديد ساءت حالته الصحيّه اثناء الطريق ممّا اضطرته الي التخلّي عن السفر والبقاء في بغداد. الاّ انّه بعث احد اصدقائه المعتمدين لديه ويُدعي (ابن هشام) وارسله نائباً عنه الي مكّه وسلّمه رساله واوصاه بتسليمها الي الشخص الذي يراه وهو يضع الحجر الاسود وينصبه عند جدار الكعبه.
فوصل ابن هشام الي مكّه ولحسن الحظ كان حاضراً لمراسم وضع الحجر الاسود. يقول ابن هشام: لقد رايت انَّ كلّ من حاول ان يضع الحجر الاسود في مكانه ان الحجر يسقط من بين يديه، حتّي ظهر شابٌ حسن الصوره ادم الوجه فاستلم الحجر من الواقفين ووضعه في محلّه فاستقرَّ الحجر في مكانه وفرح الحاضرون بذلك. ثمّ خرج ذلك الشاب من المسجد الحرام وذهبت انا وراءه حتّي تسنّي لي تسليم رساله ابن قولويه اليه فنظر اليّ دون ان يفتح الكتاب او يقراه وقال: قل له لاباس عليك فستعمّر ثلاثين سنه اُخري. ثمّ التفت فلم اجده معي ودهشت من ذلك.
تعليق