إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

مناظرة بين فضيلة الشيخ (العلوي) سليم محمد زوباري أنطاكية والشيخ (الشيعي) حسن الجواهري

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مناظرة بين فضيلة الشيخ (العلوي) سليم محمد زوباري أنطاكية والشيخ (الشيعي) حسن الجواهري

    مناظرة بين فضيلة الشيخ (العلوي)"سليم محمد زوباري"- أنطاكية والشيخ (الشيعي) حسن الجواهري ابن الشاعر العراقي المعروف محمد مهدي الجواهري.
    تاريخ المناظرة صيف 1989م
    المكان: أنطاكية - لواء الإسكندرون - تركيا
    ___________________
    محادثة جرت سنة 1989
    بيني وبين الشيخ حسن الجواهري
    أحد علماء الشيعة
    بقلم الفقير لله
    سليم زوباري
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين
    وبعد فإنه في صيف عام 1989 ميلادية, زارني أحد مشايخ الشيعة واسمه الشيخ حسن الجواهري , وهو ابن الشاعر العراقي المعروف محمد مهدي الجواهري الذي طالما شاهدناه في التلفزيون العربي السوري واستمعنا إليه وأعجبنا بأشعاره.
    وكان الشيخ حسن المذكور يقطن حالياً في مدينة قم بإيران, وهو من علماء الشيعة المعدودين وله مؤلفات قيمة قرأنا بعضها , وعندي منها مؤلف عنوانه (الربى في الاسلام).
    وكانت تلك الزيارة هي الثانية أو الثالثة التي يزورنا فيها, وكان لما يأتي في كل مرة يزور المشايخ ويجتمع معهم في أنطاكية والسويدية والحربية واسكندرون وغيرهم.
    وقد اجتمعت معه مراراً وذلك عندنا في البيت وفي الدكان , وفي الفندق , وفي غير ذلك, وكان -والحق يقال- رجل عالم فاضل مهذب ذو أخلاق حسنة وآداب عالية, وكنا لما نجتمع نتحدث في مختلف الشؤون , ورغم ذلك , فإننا لم نتطرق للبحث يوماً في المذاهب قط , إذ لا هو افتتح الحديث بشيء من هذا , ولا أنا ابتدأته بمثل ذلك إلى أن جاء اليوم الذي نحن بذكره . وذلك أنه في يوم من الأيام وكان عندي في الدكان الذي هو في خان الخضرة بمدينة أنطاكية , وقد وجدنا بعض الفراغ من العمل الذي كنت أمارسه , فابتدأنا بالمحادثة والمذاكرة والمؤانسة وما إلى ذلك , وكان عندي دفتر جيب يوجد به بعض الاشعار واللطائف والطرائف, بحيث كنت إذا قرأت في أي كتاب ووجدت فيه حديث و طرفة أو شعر مما يجلب النظر أسجله فيه , حتى تجتمع لدي مجموعة من الاشعار لا بأس بها. وعلى وجه الخصوص الأشعار الواردة في مدح مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) من مختلف الشعراء مهما كان مذهبهم ومشاربهم. فقرأت له بعض الأشعار منه ومنها قصيدة للشاعر الشيعي الكبير , آية الله الشيخ حسين نجف في مديح مولانا أمير المؤمنين (ع) يقول في مطلعها:
    لعلي مناقب لا تضاها ***** لا نبيٌّ ولا وصيٌّ حواها
    واستمرينا بالقراءة في هذا الشعر إلى أن وصلنا إلى قوله فيها:
    ما استقامت نبوة لنبيٍّ ***** قط إلاّ وفي يديه لواها
    والمزايا التي تجمعن فيهِ ****** فُرقت في الورى على أنبياها
    قد خُصّ من دونهم بصفاتٍ ****** من صفات الإله جل علاها
    ولذا لم نصف بها مَن سواهُ ***** غيرَ أنّا وصفنا بها الإلهَ
    فلما سمع الجواهري هذا القول , ولم يكن يدري أن الناظم شيعياً , فقال بشيء من التردد : إن هذا الشعر يوجد فيه غلو , أليس كذلك؟
    فقلت له : نعم ,ولكن هل تعلم هذا الشعر لمن. ومن هو الناظم له؟
    فقال : كلا, فمن هو؟
    فقلت : إنه من نظم آية الله الشيخ حسين نجف أحد شعراء الشيعة البارزين , وعلمائها الموصوفين.
    فدهش لذلك وقال متعجباً : يا سبحان الله أتقول جد؟
    فقلت : نعم, وأطرقت, وقد خطر ببالي بأن الشيعة مع كون عندهم غلو غير قليل فهم يتحاملون علينا , على أساس أننا غلاة. بصرف النظر عن ماعندهم منه, فحدثتني نفسي أن أبحث معه في هذا الموضوع, إذ أنّ الوضع أصبح الآن ملائماً لمثل ذلك بحيث أنّ الفرصة قد جاءت من تلقاء نفسها, وذلك بمناسبة قراءة هذا الشعر واعترافه بأن فيه غلو مع أنّ الناظم شيعي.
    فلم يعد يَسَعُني السكوت , فرفعت رأسي إليه وقلت له:
    نحن متهمون يا أستاذ ,فهل تعرف ذلك؟
    فقال: بماذا؟
    فقلت :نحن متهمون عندكم بالغلو أليس كذلك؟
    فقال: نعم, وتبسم, وبدا كأنه كان يريد البحث في هذا الموضوع ولكنه يتحاشى ذلك , أما الآن فقد فُتحت الطريق أمامه , فلم يعد يرى بأساً في ذلك , ونظر إليَّ مستفهماً, فقلت له :
    نحن متهمون لديكم بالغلو. بينما غيرنا أيضاً يوجد عنده غلو كما يوجد عندنا , ومع ذلك لا أحد يتحامل عليهم , أو ينتقدهم بشيء.
    فقال: من تعني بذلك؟
    فقلت : أنتم مثلاً تتهموننا بالغلو , وتتحاملون علينا فتقولون عنّا أننا غلاة , بينما يوجد عندكم نفس الغلو الذي يوجد عندنا بل لربما أكثر, - هذا إذا كان يوجد غلو - .
    فقال: كيف ذلك؟
    فقلت : ألستم تغالون في مديح أمير المؤمنين علي إلى أقصى حد, وإلاّ فبماذا تفسر قول هذا الشاعر الشيعي وهو الشيخ حسين نجف المذكور في قصيدته التي قرأناها آنفاً, والتي اعترفتَ سيادتك لما قرأتُ لك إياها بأن فيها غلواً مع أنه شيعيٌ مثلكم...
    ثم قلت : وليس هذا وحده الذي تفرد بمثل هذا القول , فقد قرأنا لكثير من شعراء الشيعة وعلمائها مثل هذا وأكثر منه , فهذا العلامة الحاج ميرزا اسماعيل ابن عم سيد الطائفة آية الله الميرزا الكبير الشيرازي يقول في قصيدته التي يمدح فيها أمير المؤمنين علي (ع) ومطلعها :
    طَرِبَ الصبُّ على وصل الحبيب ***** وهنا العيش على بعد الرقيبْ
    ثم أخذت ليدي الدفتر المذكور , وفتحت على الصفحة التي يوجد فيها الشعر , وأخذت أقرأ الى أن وصلت إلى الموضع الذي يذكر فيه ولادة أمير المؤمنين في الكعبة المعظمة, وهو قوله فيها :
    آنست نفسي من الكعبة نور *** مثل ما آنس موسى نار طور
    يوم غشّي الملأ الأعلى سرور *** قرع السمع نداءٌ كندا
    شاطئ الوادي طوىً من حرمِ
    هذه فاطمة بنت أسدْ *** أقبلت تحمل لاهوت الأبد
    فاسجدوا ذلاًّ له مع من سجد *** فله الأملاك خرّت سجدا
    إذ تجلى نوره في آدم
    نسخ التأبد من نفي ترى *** فأرانا وجهه رب الورى
    ليت موسى كان فينا فيرى *** ما تمناه بطور مجهدا
    فانثني عنه بكفّيْ معدمِ
    ثم التفتُّ إليه وقلت له: مارأيك يا أستاذ فيما قاله هذا الشاعر الشيعي الكبير, هل هذا غلو أم لا, وإذا لم يكن غلواً فماذا يكون إذاً ؟
    ثم قلت : وإليك شاعر شيعي آخر من شعراء القرن الثاني عشر الهجري , وهو للمولى مسيحا الفسوي كما ذكر العلامة الاميني النجفي في كتابه الغدير يقول في شعر له. يقول فيه:
    إلى الذي فرض الرحمن طاعته ***** على البرية من أنس ومن جانِ
    عليٌّ المرتضى الحاوي مدائحه ***** أسفار توراة بل آيات قرآنِ
    ثم تابعت القراءة فيه إلى أن وصلت إلى قوله:
    بصفو حبك قد أحييت مهتدياً **** فدتك نفسي يا ديني ويا إيماني
    ثم وإليك شاعر شيعي آخر وهو ابن حماد العبدي فإنه يقول في قصيدة له يمدح أمير المؤمنين فيها فيقول:
    من كلمته الشمس لما كلمت **** جهراً عليه والخلائق تقشعُ
    يا اولاً يا آخراً يا ظاهراً **** يا باطناً في الحجب سرٌّ مودعُ (1)
    (1) مناقب آل أبي طالب 2\150
    ثم قلت له : ومع ذلك فإنه يوجد الكثير غيرهم, من أمثالهم من شعراء الشيعة يغالون في مديح أمير المؤمنين , لو ذهبنا إلى تعداد أسمائهم , وقراءة أمثلة من أشعارهم لطال بنا الخطاب , وضاق بنا الوقت , وفي هذه المجموعة التي في يدي بالذات يوجد فيها الكثير من ذلك.
    ثم وليس الشعراء فقط بل إنّ الكثير من المؤلفين والكتّاب البارزين من علماء الشيعة أيضاً فقد ترى الغلو واضحاً في كتبهم ومؤلفاتهم. خذ مثلاً لذلك الحاج الحافظ رجب البرسي فما تقول فيه ؟ أليس هو من علماء الشيعة البارزين, وأعلامها المشهورين؟
    فقال :نعم!
    قلت: فما تقول فيما يوجد فيه من الغلو الواضح خلال الاحاديث والاخبار التي يحتوي عليها.
    فقال: إن الحافظ البرسي أودع في كتابه هنا أحاديث وأخبار مرسلة بدون إسناد ولذلك فإنها لا يُعتَد بها.
    فقلت له: يا أستاذ , هل تعتقد أن رجل عالم, فاضل , مثل الحاج رجب البرسي مع علو منزلته وعظم فضله وغزارة علمه يودع كتابه المعتبر الذي أخذ شهرة كافية , يودع فيه أحاديث وأخبار مرسلة لا عبرة لها أو بدون اسناد؟ كلا ثم كلا, أنا لا أعتقد ذلك أبداً , بل إنّ الشيخ المذكور رحمه الله أودع كتابه هذا أحاديث حذف أسانيدها ثقة منه بصحتها وتفادياً للتطويل . هذا مع إنكم علماء شيعة كلكم تعترفون له بالفضل وعلو المنزلة وتعتبرونه من مشاهير العلماء عندكم, وكتابه المذكور هذا من الكتب القيمة المشهورة والمعتبرة لديكم , ومع ذلك فأما أنه هو والشيعة جميعاً من الغلاة كما يقال عنّا نحن , وأما إنّ هذه الاحاديث يراد منها المبالغة في تمجيد أمير المؤمنين لأقصى حد.
    ثم قلت: وليس يوجد مثل هذا الغلو في كتاب البرسي فحسب, بل إنك تجده في كتاب بحار الانوار للعلامة المجلسي. وفي كتاب عيون المعجزات لابن عبد الوهاب وفي كتاب بصائر الدرجات للعلامة ميرزا محمد تقي حجة الاسلام وغيرهم, وغيرهم كثير, ولما كان ليس في وسعي الآن أن اشرح لك النصوص الواردة فيهم فأنا أحيلك على مطالعتهم والتمعن فيهم لترى صحة ما أقوله لك
    ثم قلت: والآن فلنرجع إلى وضعنا نحن فلقد زرتنا سيادتك مرات عديدة, واتصلت بالكثير من المشايخ والعلماء ورجال الدين لحد الآن , فبالله عليك هل رأيت منّا شيئاً من الغلو أو مايدل على الغلو منّا أو من غيرنا من الاشخاص الذين اتصلت بهم أو اجتمعت معهم أو تحادثت وإياهم من العلماء أو من رجال الدين أو من سواهم في جميع الجهات التي زرتها, أرجوك أن تجيب بالصحيح ولا تخفي شيئاً!
    فقال: كلا, إنني والحق يُقال لم أرى من أي واحد من المشايخ ورجال الدين الذين اجتمعت بهم وتحادثت معهم أي أثر للغلو مطلقاً, هذا باستثناء بعض العامة فقد سمعت منهم بعض أقوال تدل على ذلك.
    فقلت: يا أستاذ, إن المهم هم العلماء ورجال الدين, أعني المشايخ, وليس العامة, وهذا شيء تعلمه سيادتك ولا تجهله, لأن العامة فيهم الجهلاء وفيهم الأميين الذين لا يعلمون الكتاب فلا يحسنون القراءة والكتابة , ولا يحسنون فهم الاشياء , ولذلك فقد يسيؤون فهم الشيء فيفهمونه على غير حقيقته , أو على غير مايُراد منه.
    وهؤلاء (ولو أنهم) يعبدون الله تعالى لا يشركون به شيئاً, ولكنهم على بساطتهم لا يفرقون بين الغث والثمين ولذلك فلما أن يسمعوا أمير المؤمنين اسمه علي يظنون أنه العلي القدير , وخاصة عندما يجري البحث أمامهم بأن علياً بن أبي طالب له معاجز باهرة فوق طاقة المخلوقين منها: إنه رد الشمس , وشق القمر, وأحيا الميت وخاطبته الجمجمة , وما يماثل ذلك من الخوارق التي هي من أفعال الرب بحيث يعجز المخلوق عن مثلها فيظنون أنه رب العالمين, وخصوصاً لما يقال عندهم أن عليا يعلم الغيب فيعتقدون أنه هو الله لأنه لا يعلم الغيب إلا الله, ولا يدرون أن هنا شرك والعياذ بالله.
    وهذا كله مصدره سوء الفهم وقلة الادراك إذ لا يدركون أن الله سبحانه وتعالى قد خص علياً بهذه الاشياء ووهبه المقدرة على اتيان الخوارق والمعاجز ومنها علم الغيب , وإن علم الغيب من مختصاته التي قد خصه الله بها, والعلماء يعترفون بذلك, فقط قال ابن أبي حديد السني المعتزلي في احدى قصائده التي أسماها (القصائد العلويات السبع) :
    علم الغيوب إليه غير مدافَعُ **** والحق أبيض مسفر لا يدفع (1)
    (1) شرح نهج البلاغة
    وجاء في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي إن أمير المؤمنين علي (ع) يقول في الشعر:
    لقد حزت علم الاولين وإنني **** ضنين بعلم الآخرين كتومُ
    وقد حزتُ أسرار الغيوب بأسرها **** وعندي حديثٌ حادثٌ وقديمُ
    وإني لقيوم على كل قيمٍ **** محيطٌ بجمع العالمين عليمُ
    ثم قلت: وبناء على ذلك أيها الاستاذ فإنه لو سألك أحدهم: هل كان علي بن أبي طالب يعلم الغيب؟ فبماذا تجيبه سيادتك؟
    فقال الجواهري: نعم إنَّ علياً بن أبي طالب كان يعلم الغيب بدون شك, ويعلم مافي السماء وما في الأرض وما مضى ومايأتي .
    فقلت: لنفرض أنك سُألتَ عن هذا السؤال وأجبت بهذا الجواب, وصدف أنك قرأت في نفس الوقت شيئاً من القرآن الكريم, وكان مما قرأته : قوله تعالى (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ) وكان هذا السائل من الجهلاء , فماذا يفهم منك حينئذ؟ ألا يفهم منك كما فهم هؤلاء إن علياً هو الله . لأنه يعلم الغيب وعلم الغيب يختص بالله سبحانه وتعالى.
    هذا ما تستطيع فهمه الجهلاء أو البسطاء الذين لا يكادون يفقهون حديثاً, ولعل الذين رأيتهم سيادتك وسمعت منهم ما سمعت لربما كانوا من هؤلاء لسوء الحظ .
    فأرجو أن لا تعتني بهم ولا تعبأ بمقالتهم, هنا مع العلم إن هؤلاء حينما يحصل لهم من يرشدهم إلى الحقيقة يرجعون إلى الصواب.
    أقول ولهذا وأمثاله نهى سيدنا أمير المؤمنين علي (ع) عن أن يحدث المرء الناس بما لا يعرفونه فقال (ع): حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ماينكرون!
    وقال رسول الله (ص) وآله : إذا حدثتم الناس فلا تحدثوهم بما يغرب عليهم أو يشق عليهم.
    وعن ابن عباس قال :قال لي رسول الله (ص) : يا ابن عباس , لاتحدث الناس حديثاً لا تحتمله عقولهم فيكون فتنة عليهم.
    ولعل في هذا المعنى يقول سيد العابدين الإمام علي بن الحسين سلام الله عليه في شعر له مشهور:
    إني لأكتم من علمي جواهره **** كي لايرى الحق ذو جهل فيفتتنا
    وقد تقدم في هذا أبو حسنٍ **** إلى الحسين ووصى قبله الحسنا
    وربَّ جوهر علم لو أبوح به **** لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
    ولاستحلَّ رجال مسلمون دمي **** يرون أقبح مايأتون به حسنا
    وأيضاً الخبر الذي جاء فيه:
    إن أمير المؤمنين علي (ع) خرج من عند رسول الله (ص) فمر بقوم جلوس في الخارج , فسألوه ماذا قال لك رسول الله ؟
    فقال : لو حدثتكم بما سمعته من فم أبي القاسم لخرجتم من عندي وأنتم تقولون إن عليّاً من أكذب الكاذبين.
    ثم قلت ومع ذلك فليس هذا بعجيب يا أستاذ , فهذا الشاعراللبناني المعروف بولس سلامة يقول في ملحمته الشعرية (عيد الغدير) تحليلاً لحديث الرسول (ص) الذي يقول فيه : "لو شئت أن أقول في علي مقالاً لا يمر بأحد من الناس إذلا أخذوا التراب من تحت قدميه يلتمسون بذلك البركة", فقال الشاعر المذكور في ذلك:
    ويقول النبي آه لو أني أستطيع **** الافصاح عن أسراري
    إن ماقلتُ مااستحق فإني **** بتُّ أخشى ضلالة الكفارِ
    فيصير الوصيُّ معبود قوم **** لا يُبالون بعدها بعثار
    يلثمون التراب حيث يدوس **** الرمل فالرمل مسكة العطارِ
    ويقول أيضاً في الشرح في المقدمة لكتابه المذكور:
    "وبعد فَلِمَ تجادلني في أبي الحسن, أَوَلم تقم في خلال العصور فئات من الناس تؤله الرجل, ولا ريب أنها الضلالة الكبرى ولكنها ضلالة تدلك على الحق, إذ تدلك على مبلغ افتتان الناس بهذه الشخصية العظمى." .
    قلت: ومن الاشياء التي تثير الدهشة في العقول وتوقع العالم في الحيرة ,وهي كثيرة جداً منها ماجاء في كتاب ينابيع المودة للقندوزي الحنفي في تفسير قوله...
    ...
    قلت: ومن الاشياء التي تثير الدهشة في العقول وتوقع العالم في الحيرة , وهي كثيرة جداً منها ماجاء في كتاب ينابيع المودة للقندوزي الحنفي في تفسير قوله...
    وكل شيء أحصيناه في إمام مبين , فقيل يا رسول الله هل هو التوراة؟ قال : لا , قال: فالانجيل ؟ قال : لا ولكنه هذا القادم, فنظروا فإذا هم بعلي بن أبي طالب مقبلاً عليهم.
    وكمثل ماروي في الكتاب المذكور عن عمار بن ياسر قال: اجتزنا أنا وأمير المؤمنين علي بوادٍ مملوءٍ نملاً , فقال :يا عمار هل تدري عدد هذا النمل؟
    قال : فقلت يا مولاي , وهل من رجل يحصي عدده؟
    قال : نعم , أنا أحصي عدده , وأعلم كم عدد الذكران والإناث منه .
    وكمثل ماجاء في كتاب عيون المعجزات في مخاطبة الشمس له , وقولها : وعليك السلام يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا من أنت بكل شيء عليم.
    وهذا كله من طريق المجاز , إذ إنه لما سُئِل الرسول (ص) عن معنى ذلك ؟ فقال: أما قولها : يا أول , فهو أول من آمن بالله , وأما قولها يا آخر فهو آخر الاوصياء, والظاهر أي أنه ظاهر على كل علم, والباطن اي بطن عن معرفته المخالفين.
    ومثل ماروي عنه (ع) إنه قال:
    واللهِ ما من فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا وأنا أعلم بقائدها وناعقها وسائقها إلى يوم القيامة ومن منهم يموت موتاً , ومن منهم يقتل قتلاً , ومثل قوله (ع) : سلوني قبل أن تفقدوني, فأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الارض.
    فالجاهل يغتر, ويُسيء فهم هذا الشيء طبعاً, أما العالم الفاهم ,فلا يطرأ عليه أي تغيير , لأنه يُدرك معنى الكلام , ويفهم الشيء على حقيقته كما يجب وقد تقدم بنا ذلك.
    ثم قلت : وبناء على كل ذلك يا أستاذ فإن كل مايُقال عنّا بأننا غلاة لا أصل له, وليس له أي نصيب من الصحّة مطلقاً, بل كل هذا مُجرد اتهام يُمازجه سوء تفاهم , وهذا الاتهام جاء من أعدائنا وأعدائكم أي ممّن هم أعداء لأمير المؤمنين ولكل من يوالي أمير المؤمنين وآل البيت الطاهرين من الامويين والعباسيين.
    ثم لا تنسى يا أستاذ أنّ من الدليل على بطلان هذا الاتهام هو أن أهل السنة الذين يتهموننا بهذا, هم في نفس الوقت يتهمونكم بالغلو كما يتهموننا نحن سواء بسواء, انظر كتاب فجر الاسلامي لأحمد أمين المصري , والعقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي وغيرهم من كتب أهل السنة فإنك تجد صحة ما أقوله لك بدون شك أو شبهة.
    ولأضرب لك مثلاً حياً على ذلك , وهو أن الدكتور محمد التيجاني السماوي الأديب المعاصر, وهو من أهل تونس الذي كان سنياً متعصباً على الشيعة كأكثر مايكون من التعصب , وكان منسوباً للطريقة التيجانية ثم استبصر بعد ذلك فتشيّع في قصة طويلة.
    إنه يحدثنا في كتابه الذي أسماه (ثم اهتديت) إنه لما كان مسافراً بحراً إلى بيروت في يوم من الايام. وفي الباخرة اجتمع برجل عراقي اسمه عبد المنعم فتعارفا وتحادثا وتآنسا ملياً , وفي أثناء المحادثة جرى بينهما ذكر اختلاف المسلمين وانقسامهم , عدم اتحادهم , وسوء التفاهم الموجود بينهم.
    فقال التيجاني : نعم مع الاسف , ومن ذلك فقد جرى معي أنا شيء من هذا , وهو أنني لما كنت في مصر دخلت يوماً الى أحد المساجد لأقيم فريضة الصلاة وبعد الصلاة قال لي رجل كان بجنبي : لماذا لم تعقد يديك في الصلاة مثلنا ؟, فقلت له أنني رجل مالكي المذهب , والمالكية لا يعقدون أيديهم في الصلاة بل يسدلونها.
    فقال الرجل: إذا كنت مالكي لماذا لا تذهب إلى مسجد المالكية وتصلي معهم هناك نحن أحناف فلماذا أتيت الى هنا ؟ لا عدت تأتي أبداً.
    فتأسفت جداً على هذا الوضع المؤلم .
    فقال العراقي: نعم أنتم المالكية تسدلون أيديكم في الصلاة مثلنا , لأننا نحن شيعة , والشيعيون يسدلون أيديهم أيضاً.
    فقال التيجاني: ماذا تقول , هل أنت شيعي؟
    قال : نعم!
    فقال : أعوذ بالله , والله لو أعلم أنك شيعي لما تكلمت معك قط.
    فقال العراقي : لماذا يا أخي؟
    فقال : لأن الشيعة ليسوا بمسلمين بل هو كفّار لأنهم يعبدون علياً بن أبي طالب ,... إلى آخر ماجرى بينهما , تجده في كتاب التيجاني ( ثم اهتديت)
    وفي هذا كفاية لأن المقصد منه هو أن أهل السنة يعتقدون أن الشيعة يعبدون علياً بن أبي طالب ويتهمونهم بذلك , كما يتهموننا نفس الشيء, ولكن استنادكم بهذا عليهم مع أنهم يتهمونكم كما يتهموننا ومع ذلك فأنتم تتهموننا بهذا استناداً عليهم.
    ثم إنني فتحت الكتاب المذكور, وأخرجت الموضع الذي يتحدث فيه عن هذه القصة بعينها ليراها بنفسه , وكان هو الذي أهداني هذا الكتاب .
    ثم قلت له: مارأيك يا أستاذ هل رأيت بعينك كيف أن أهل السنة يتهمونكم بعبادة علي بن أبي طالب فهل هذا صحيح؟ هل إنكم تعبدون علياً كما يقولون؟
    فقال: أعوذ بالله حاشا وكلا, إن هذا ليس له أصل , بل هو مجرد اتهام وافتراء!
    فقلت: وأنا أقول أيضاً: حاشا وكلاّ إن هذا إلا مجرد اتهام وافتراء بالنسبة لنا ايضاً كما هو لكم , ثم وإذا كان هذا اتهام بالنسبة لكم كيف لا يكون اتهام بالنسبة لنا , ولماذا يصدق علينا هذا الاتهام ولا يصدق عليكم؟!
    إنّ الواقع يا أستاذ يقتضي بأنه إمّا أن يكون هذا مجرد اتهام وافتراء لكل منّا ومنكم , وإلا فكيف تكونوا أنتم بريئين , ونحن مذنبين أليس هذا هو الظلم بعينه ؟ أنصفونا يا منصفين !
    ثم استطردت قائلاً : اعلم يا أستاذ إننا في الحقيقة لسنا غلاة لا نحن ولا أنتم بل كل هذا عبارة عن اتهام وافتراء مصدره العداوة, والبغضاء الصادرة عن أعداء أمير المؤمنين وآل البيت (ع) نتيجة للظلم والعدوان الصادر من الأمويين والعباسيين وغيرهم من أهل السنة المعتدين تجاه شيعة أمير المؤمنين (ع) وذلك بقصد انتقاصهم , والتشنيع عليهم والزراية فيهم , ولإثبات كفرهم , فقد اتهموهم بالغلو . أي إنهم مشركون يتخذون مع الله إلهاً آخر, وبهذا فإنهم يستحقون القتل تبريراً لما قتلوه معاوية وأذنابه.
    ومن هنا جاءت أسطورة عبد الله بن سبأ , التي لا نصيب لها من الصحة كما يؤكد ذلك العلامة مرتضى العسكري في مؤلفه , وقد اتهموا بعبادة علي بن أبي طالب (ع) كل من يحبه , ويتشيع له , ويوالي وليه ويعادي عدوه.
    يثبت ذلك ماقتله معاوية, وزياد وعبيد الله بن زياد والحجاج وغيرهم من رجال أمير المؤمنين (ع) الاتقياء البررة ,كمثل حجر بن عدي ورفاقه لأنهم امتنعوا أن يسبّوا أمير المؤمنين , ويبرؤوا منه بل بقوا ثابتين على ولائه كالطود العظيم لم يتزحزحوا عن حبه وولائه قيد شعرة.
    وعليه فإن ذلك الاتهام مصدره حب أمير المؤمنين (ع) , والإخلاص له ولأهل بيته الطاهرين وقد صدر من المبغضين المناوئين.
    قديماً قالوا يا استاذ من أحب قوماً فهو منهم ,إننا نحن الشيعة والعلويين أحببنا أمير المؤمنين , وواليناه بكل ما في الكلمة من معنى , وقد جاء في الحديث الذي هو بحفظ سيادتكم إن الحب في الله والبغض في الله من شروط الايمان, فلا يكمل للمؤمن إيمانه حتى يحب في الله ويبغض في الله فيوالي أولياء الله ويعادي أعداء الله.
    وبناء على ذلك فإننا والينا أولياءه وهم علي وآله , وبرئنا من اعدائهم .
    إننا أحببنا علياً بن أبي طالب في الدرجة الاولى ذلك لأن الرسول العظيم عليه الصلوات والتسليم يقول في الحديث المشهور الذي رواه كل من أهل السنة والشيعة على السواء و وهو قوله:
    من أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله , الحديث.
    وقال (ص) : حب علي إيمان وبغضه نفاق فلا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق.
    وقال (ص): حب علي حسنة لا تضر معها سيئة.
    وقال(ص): حب علي يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب.
    وقال (ص): عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب.
    ومثل هذا أحاديث كثيرة , رواها كل من الطرفين أعني رواها أهل السنة كما روتها الشيعة, فمن يلمنا على حبه , مع أن حبه كمال الدين كما قال اليزيدي الشاعر:
    أهوى علياً أمير المؤمنين وقد *** أصبحت حقاً أرى حبي له دينا
    ومع ذلك فقد كان الامويون يعدون حبه بدعة .
    قال الصاحب بن عباد:
    حب علي بن أبي طالب **** هذا الذي يفضي إلى الجنة
    إذا كان تفضيلي له بدعة **** فليت شعري ما هي السنّة
    وفي رواية أخرى إنه يقول:
    إذا كان تفضيلي له بدعةٌ **** فلعنة الله على السنّة
    وقد بلغ الأمر إلى أن يسموا من أحب ووالى علياً , رافضي, فقال الامام الشافعي في ذلك , وكان في أول أمره محباً لعلي (ع) :
    إذا في مجلس ذكروا علياً **** وسبطيه وفاطمة الزكية
    فأجرى بعضهم ذكراً سواه **** ‌فأيقـن أنــه سلقلقـيّــه
    وقال :
    تجاوزوا يا قوم هـذا **** فهذا من حديث الرافضيــة
    برأت إلى المهيمن من أنـاس‌ **** ‌يرون الرفض حب الفاطمية
    على آل الرسول صلاة ربـي **** ‌ولعنتــه لتلك الجاهليــة
    وقال أيضاً في شعر آخر:
    إذا كان رفضاً حب آل محمـدٍ **** فليشهد الثقلان إنـي رافضـي
    وله:
    إن كان حب الوصي رفضاً **** فأنا من أرفض العـبــاد
    وقال الصاحب بن عباد رحمه الله تعالى:
    أبا حسن إن كان حبك مدخلي **** جحيماً فإن الفوز عندي جحيمها
    وكيف يخاف النار من كان موقناً ****بأن أمير المؤمنين قسيمها
    وقال أبو فراس الحمداني رحمه الله:
    لا عذّب الله أمي إنها شربت **** حب الوصي وغذتنيه في اللبن
    وكان لي والد يهوى أبا حسن *** فصرت من ذي وذا أهوى أبا حسن

  • #2
    القسم الثاني من المناظرة :

    وقد اشتهر العلويون والشيعة وعرفوا جميعاً بحبهم لعلي بن أبي طالب , وتفضيله والاشادة بذكره ومديحه , والمبالغة في وصفه إلى أقصى حد المبالغة, حتى إن بعض من يسمعهم يظن أنهم قد يغالون فيه فيؤلهونه , وبعضهم من يتهمهم بقصد انتقاصهم , مع أن ذلك ليس بالغلو كما يظن , بل إن هذا كله من فرط الحب والتقدير , وشدة الإعجاب بهذه الشخصية العظمى المحببة إلى النفوس والمقربة الى الرسول الكريم(ص) وإلى قلب كل مسلم من أهل الدين , وذلك لقوله تعالى :
    قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (الآية), والرسول يحبه , فأحببناه تبعاً للرسول العظيم (ص) .
    إنّ علي بن أبي طالب يا سيدي هو كما تعلم جدير بكل حب وود وتقدير واحترام وبكل مديح وثناء فمهما قال القائل أو مدح المادح , أو وصف الواصف في أمير المؤمنين كان مقصراً جداً عن الغاية , لأنه يستحق أكثر بكثير من ذلك المديح والثناء , فلا يستطيع أحد مهما بلغ من البلاغة أن يبلغ عشر معشار ما يستحقه على (ع) من التقدير والتبجيل, والاحترام والتفضيل والتكريم والتعظيم.
    ويكفي في ذلك شهادة الرسول العظيم عليه أفضل الصلاة والتسليم في الحديث المشهور:
    لو أن الاشجار أقلام, والبحار مداد والانس كتاب والجن حساب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب (ع) .
    وكذلك فإنهم يمدحونه ويثنون عليه ويعظمونه ويشيدون بفضله بكل مايستطيعون وبكل مالديهم من قوة وبيان ,فيبالغون في مديحه والثناء عليه أبلغ ماعندهم من المديح والثناء حتى يظن السامع انهم يغالون فيه, وقد يكون ذلك وسيلة للاتهام بالغلو او التأليه له كما قلنا.
    ثم وهذه المغالاة فإن منها ماهي مجازية ,خذ مثالا لذلك ,ماقله الاستاذ صالح علي الصالح في شرحه قصائد بن أبي الحديد المعتزلي في قوله : ...
    ثم وهذه المغالاة فإن منها ماهي مجازية , خذ مثالا لذلك , ماقله الاستاذ صالح علي الصالح في شرحه قصائد بن أبي الحديد المعتزلي في قوله :
    قيّلتَ فعال الربوبية التي **** عذرتُ بها من شك إنك مربوبُ
    قال الشارح : تقيّلتَ أي اشبهتَ, يقال تقيّل فلان أباه إذا شبهه , وذلك لأنه عليه السلام كان يصدر عنه ما لا يصدر عن البشر كالمعاجز الباهرة, كالحكم بالمغيبات وغير ذلك , وقوله عذرتُ بها من شكّ إنك مربوب أي إنني بهذه الافعال الخارقة قد عذرت من ظن أنك غير مربوب أي غير مخلوق , يريد بهذا المبالغة والمجاز , إذ إن العذر الحقيقي في هذا كفر والمعنى لو جاز أن يُعذرَ لعذرته.
    أقول: ومثل هذا كثير , وقال ابن أبي الحديد أيضاً:
    لولا حدوثك قلت أنك جاعل **** الارواح في الاشباح والمستنزعُ
    لولا مماتك قلت أنك باسط **** الارزاق تقدر في العطاء وتوسعُ
    وعليه , فلا يظن السامع أنهم بهذا يغالون فيه بقصد التأليه أو العبادة, أي يجعلونه إله, كلا ثم كلا, بل إنّ هذا مبالغة منهم في مديحه , وهو آت عن طريق المجاز ليس إلا , وإن هذا كله حباً له وتعلقاً به , وتمسكاً فيه, وإنهم مع كل هذا يعترفون بأنهم مقصرين بحقه , وإنهم يذكرونه بأقل مايجدر به الاحترام , كما قلنا قبل قليل , ثم قلت:
    وإنني ألفت نظرك أيها السيد المحترم إلى شيء تعرفه سيادتك ولا تجهله , وهو حقيقي مئة بالمئة وهو : إنه يمكن القول , بأنه ليس العلويون وحدهم , أو الشيعة وحدهم , هم الذين يبالغون في مديحه واحترامه وتقديره , ووصفه بتلك الواصاف العالية التي يظن سامعها إنهم يغالون فيه , أو يفهم منها بأنهم قد يغالون فيه حتى يوصلونه إلى درجة التأليه.
    كلا ثم كلا, ليس هؤلاء وحدهم بل إنّ أهل السنة أيضاً , نعم أهل السنة الذين هم ليسوا من أتباعه, ولا من شيعته, يوجد فيهم من يمدحه فيبالغ في مديحه حتى يُظنّ إن ذلك غلو ليس إلا.
    فهذا الشاعر العراقي الشهير عبد الباقي العمري الموصلي , ومعنى لفظه العمري هي أنه ينتسب الى عمر بن الخطاب , وهو سنّياً بالطبع , فإنه أقبل يمدح أمير المؤمنين بمديح من أعجب العجائب , إنه يبالغ في مديحه حتى يظن أن ذلك غلو , فيقول في قصيدة له:
    أنت العلي الذي فوق العلا رفعا **** في بطن مكة وسط البيت إذ وضعا
    إلى أن قال فيها:
    وأنت أنت الذي حُطّت له قدمً ***** في موضع يده الرحمن قد وضعا
    وهي قصيدة طويلة أتى فيها بالعجائب والغرايب من المديح والمبالغة فيه أو الغلو حتى إنه يقول فيها :
    وباب خيبر لو كانت مسامره **** كل الثوابت حتى القطب لانخلعا
    وهذه مبالغة طبعاً حمله عليها التقدير والحب الخالص حتى يُظنّ إن ذلك غلو , ويقول في قصيدة له أخرى , نظمها بمناسبة ذهابه إلى زيارة امير المؤمنين (ع) في النجف الاشرف يقول في مطلعها:
    بنا من بنات الماء للكوفة الغرَّا ****سبوحٌ سرت ليلاً فسبحان من أسرى
    إلى قوله فيها:
    تؤمُ ضريحاً ما الضراح وإن علا **** بأرفع منه لا وساكنه قدرا
    أثيرُ مع الافلاك خالف دوره ُ **** فمن فوقه الغبرا ومن تحته الخضرا
    أحطنا به وهو المحيط حقيقة **** بنا فتعالى أن نحيط به خبرا
    ويقول فيها:
    حريٌّ بتقسيم الفيوض وماسوى **** أبو الحسنين الاحسنين بها احرى
    والفيوض هي الارزاق أي ان علياً حريٌّ بتقسيم الارزاق , وهذا غلو على مايظهر , ولكن العجيب هو كونه من رجل سني لا علوي ولا شيعي.
    وكنت لحسن الحظ , قد جمعت هذه الاشعار قبلاً فكتبتها في دفتر صغير , وكان في جيبي يومها فكنت أقرأ له منها الشعر الذي اطلبه.
    ثم قلت له : أليس هذا هو غلو يا أستاذ , مع ان ناظمه من اهل السنة , وليس هذا وحده هكذا فهذا ابن الحجاج الشعر العباسي المعروف يقول في مديح أمير المؤمنين (ع) في قصيدة له مطلعها:
    يا صاحب القبة البيضاء في النجف **** من زار قبرك واستشفى لديك شفي
    وهي قصيدة طويلة , يقول فيها:
    وإن أسماءك الحسنى إذا تليت على **** مريض شفي من سقمه الدنف
    وهذا مجد الدين جميل الشاعر العباسي الآخر يقول:
    ولو رمق السماء وليس فيها **** حياً لاستمطرت غيثاً ركاما
    وهذا ابن أبي الحديد المعتزلي السني يقول في إحدى قصائده العلويات السبع الذب نظمها جميعها في مديح أمير المؤمنين (ع):
    والله لولا حيدرٌ ما كانت **** الدنيا ولا جمع البرية مجمعُ
    من اجله خلق الزمان وضوّئت **** شُهب كنسن وجن ليل أدرعُ
    ويقول:
    علم الغيوب إليه غير مُدافعٍ **** والصبح أبيض مسفرٌ لا يدفعُ
    وإليه في يوم المـعاد حسـابنـا *** وهـو المـلاذ لنا غـداً والمفزعُ
    فماذا يقال في هذا , أو في قصيدة أخرى:
    هو النبأ المكنون والجوهر الذي **** تجسّد من نور من القدس زاهر
    وذو المعجزات الواضحات اقلها **** الظهور على مستودعات السرائر
    ألا إنما الاقدار طوع يمينه **** فبورك من وتر مطاعِ وقادرِ
    هو الآية الكبرى ومستنبط الهدى **** وحيرة أرباب النهى والبصائرِ
    فماذا تعد كل هذا يا ترى أليس هو غلو , ولكنني أقول:
    إنه لو كان يعني الغلو فإنه مجازياً , وإن المقصود منه المبالغة في مديح أمير المؤمنين (ع) وتعظيمه.
    ويجب أن لا ننسى أن هؤلاء كلهم من أهل السنّة , ولا عجب فهذا الشافعي إمام مذهب الشافعية يقول في شعر له:
    قيل لي قل في العلي مدحة **** ذكره يخكد ناراً مؤصدةْ
    قلت لا أقدم في مدح امرىءٍ **** ضلَّ ذو اللب إلى أن عَبَدَهْ
    والنبي المصطفى قال لنا **** ليلة المعراج لما صَعَدَهْ
    وضع الله بظهري يدهُ **** فأحسَّ القلب أن قد بَرَدَهْ
    وعليٌّ واضع أقدامَه **** في محل وضع الله يدَهْ
    وقد مرّ بنا قوله:
    يموت الشافعي وليس يدري **** عليٌّ ربه أم ربُّه الله
    وهذا الخليفة الناصر العباسي يقول:
    قَسَمٌ بمكةَ والحطيم وزمزمٍ **** والراقصات وسعيهنَّ إلى منىَ
    بغض الوصي علامه مكتوبةً **** كتبت على جبهات اولاد الزنىَ
    من لم يوالِ في البرية حيدرا **** سيّان عند الله صلى أو زنا
    ثم قلت: ولألفت نظركَ إلى شيء آخر يا أستاذ وهو حقيقة واقعة أيضاً , وهو إنه ليس في العلويين أو في الشيعة أو في أهل السنّة فقط مثل هذا , بل إن ذلك قد تجاوزهم إلى غير المسلمين أيضاً ...
    ثم قلت: ولألفت نظركَ إلى شيء آخر يا أستاذ وهو حقيقة واقعة أيضاً , وهو إنه ليس في العلويين أو في الشيعة أو في أهل السنّة فقط مثل هذا , بل إن ذلك قد تجاوزهم إلى غير المسلمين أيضاً , فقد رأينا من شعراء المسيحيين ومؤلفيهم وكتّابهم من يذكر أمير المؤمنين (ع) : بكل إكبار وإجلال , ويمدحه بأبلغ مايكون من المديح والثناء .
    فهذا عبد المسيح الانطاكي ينشىء قصيدة طويلة جداً, في مديح أمير المؤمنين (ع) أسماها القصيدة العلوية المباركة وقد تجاوز عدد أبياتها الخمسة آلاف بيت, يقول في مطلعها خطاباً لأمير المؤمنين :
    أوحي البلاغةَ في أزهى مجالها **** فأنتَ سيدها الاسمى وموحيها
    إلى أن يذكر فيها كلام أمير المؤمنين فيشبّهه بآيات القرآن الكريم بقوله :
    لولا التقى قلتُ آيات منسقةٌ **** فيها الهداية أو يجري مجاريها
    وهذا بولس سلامة الاديب اللبناني المعاصر يقول في ملحمته الرائعة المسماة (عيد الغدير):
    إذا لم يكن عليٌّ نبيّاً **** فلقد كان خلقه نبويّاً
    سفر خير الانام من بعد طه **** ما رأى الكون مثله آدميا
    فيا سماء اشهدي ويا أرض قرّي ***** واخشعي إنني ذكرت عليا
    وهذا خليل فرحات من مسيحي لبنان أيضاً يقول في قصيدته التي يمدح فيها أمير المؤمنين علياً (ع) :
    دللتَ على الرحمن هل كنتَ غيرهُ **** وفيك استوى الرحمن بالفعل والفكر
    تعالت بك الارضونَ واشتدّ ظهرها **** ولولاك هذي الارض مقصومة الظهرِ
    ولما تنادى الناسُ بالصدق والرضى *****و نادوك رب الخلقِ والصوت والنشرِ
    فقلت هو الخلاق ربي وإنني ***** لعبدٌ له وهو الوليُّ على أمري
    فهؤلاء الذين ذكرت لك إياهم أخيراً مسيحيون.
    وعليه فلنفكر قليلاً يا أستاذ , هل إن هؤلاء الذين ذكرناهم كلهم غلاة يؤلهون علياً بن ابي طالب , بل إنهم يبالغون في مديحه حباً به كما قلنا , ورغبة منهم في تعظيمه والثناء عليه ونشر فضائله , ومآثره التي لا تحصى , واعترافاً منهم بفضله وعلو قدره , فيظن الناس أن ذلك غلواً به , أو تأليهاً له , ولكن الحقيقة هي غير ذلك تماماً , فما كل من يمدح أمير المؤمنين علي , ويبالغ في مديحه أو يغالي فيه مجازاً معناها انه يعبده أو يتخذه إلهاً كلا ثم كلا!
    هذا يا أستاذ مايجب ان نعرفه وتعرفه أنت ويعرفه كل عاقل, فما رأيك في هذا الكلام , إن كان لك أي اعتراض فأبديه , ولا تخفيه.
    فقال لي : صدقت وأحسنت بارك الله فيك فلقد تكلمت بالمعقول والمنطق , فشكراً لك على هذه الايضاحات القيمة .
    وبدا عليه الارتياح لذلك وظهر كأنه مقتنعاً كل الاقتناع ,راضياً كل الرضا
    ومما يجدر بنا ذكره من الاشياء التي بحثنا عنها في مجلسنا هذا, هو:
    إنه كان قبل من مدة دخل إلى يدي كتاب قد ألفه أحد علماء الشيعة , واسمه عبد الحسين مهدي العسكري بعنوان (العلويون النصيريون) , ينتقد فيه العلويين اشد الانتقاد ويهاجمهم أشد المهاجمة أكثر من ابن تيمية الحراني فيجعل عليهم الحملات الشعواء , ويتهمهم بكل قبيح , فيفتري عليهم أبشع الافتراءات الكاذبة, فليسوا هم عنده غلاة فحسب بل إنهم كفرة وفجرة لا يجوز السلام عليهم , ولا أكل ذبائحهم ,ولا,ولا ,,,,,
    وفي أثناء المحادثة بيني وبين الجواهري وبحثنا عن الغلو خطر ببالي هذا الكتاب ومؤلفه ,فقلت له : يا أستاذ هل تعرف مهدي العسكري؟
    فقال: نعم أعرفه.
    فقلت له: إنه ألف كتاباً بعنوان (العلويون النصيريون) يتهجم علينا فيه بأشد المهاجمة ويتهمنا بأبشع الاتهام , والافتراء الكاذب , وأقبل يشتمنا فيه ويذمّنا بأبلغ الذمر , ويسبنا بأبلغ السب , فهل رأيت سيادتك هذا الكتاب وقرأته ؟
    فقال: إنني سمعت به ولم أره.
    فقلت: كيف بينما أنتم وأمثالكم من العقلاء والمصلحين بل العالم الشيعي بأسره تحاولون السعي إلى التقارب , والتعارف والتعاضد وبث روح الالفة فيما بيننا وبينكم, على أننا شعب واحد وكلنا أخوة في الولاية إذا به يُظهر بُغضه وعداءه , ويبث اتهاماته وافتراءاته فيسبق النواصب وأعداء اهل البيت كمثل ابن تيمية
    وأضرابه من أعداء امير المؤمنين’ وهل أنتم كلكم تعدوننا هكذا , وإذا كان ذلك كذلك , فهل هذا هو مانأمله منكم أيها الاخوة؟
    فقال: كلا, معاذ الله , نحن نستغفر الله من مثل هذا .
    فقلت له : ومع ذلك أيها السيد المحترم فما رأيك فيما قلته وشرحت لك إياه في هذه المحادثة التي جرت فيما بيننا في هذا اليوم على غير ميعاد.
    فقال: أعترف أن هذا حق ومقبول يقبله العقل والمنطق , وإنك ما تكلمت الا بالصدق فشكراً لك على هذه البيانات القيمة.
    فقلت: كيف يُقدم العسكري إذاً على ما أقدم عليه من إظهار عدائه السافر فيهاجمنا , ويتكلم بحقنا بالقبيح ويتهمنا بما نحن منه براء , وهو مع ذلك لم يعرفنا ولم نعرفه, ولا زارنا ولا زرناه, ولا تكلم معنا أو اجتمع مع أحد منا قط, بل إنه قد كتب ماكتبه بناء على الظن والتخمين , وما تهوى الانفس , واستناداً على سيده ابن تيمية الحراني, وأمثاله من متعصبي أهل السنة الذين يحبوه ويحبوا الشيعة كثيراً. ولم يدر أصلحه الله إن ابن تيمية وأمثاله من النواصب لا يتهمون العلويين فحسب بل إنهم يتهمون كل الشيعة وكل من يوالي أمير المؤمنين وآل البيت نفس الاتهام.
    وجدير بالذكر إنه لما زار أحمد أمين المصري العراق, واجتمع بعلماء الشيعة , وسألوه عن كتابه : (فجر الاسلام) قائلين له: لماذا كتبت ما كتبت عن الشيعة , وماهو دليلك؟
    فخجل واعتذر , وقال إنما كتبت ذلك بناء على السماع والاشاعات , ولم أكن زرت الشيعة أو اجتمعت بأحد منهم قط ولم أكن أعلم إنهم بهذا المستوى الرفيع , وأنا نادمٌ على ذلك, وأنا اعترف بالخطأ , فمعذرة!
    وهذا ( أي احمد أمين) هو أحد علماء السنة المتعصبين أما الاستاذ العسكري , فهو بناءً علوي شيعي من شيعة أمير المؤمنين (ع) ومع ذلك فهو يتحامل على إخوانه في الولاية ويذمهم ويطعن عليهم , ويتهمهم زوراً بما لم يعرفه ولا يره , فيؤيد سيده ابن تيمية الحراني واضرابه من النواصب المتعصبين أعداء امير المؤمنين المبغضين له ولكل من يواليه بما فيهم الاستاذ العسكري وهو لا يعلم أن الاتهام الموجه للعلويين , فهو في نفس الوقت موجّه إليه أيضاً , والى جميع الشيعة , ومع ذلك فهو يؤيده بدون ان يحس أو يدرك شيئاً من ذلك.
    بل إن بغضه وعداءه لنا حمله على ان يكتب ماكتبه , فسبق بذلك هؤلاء المذكورين كما قلنا.
    مع أنّ الطعن الذي بدر منه إلينا فهو بهذا إنما يطعن على نفسه, وعلى عموم الشيعة بحيث إنه ينطق بلسان ابن تيمية , وكأنه بهذا يقول له:
    احسنت وأصبت فإننا كما ذكرت , أو كما تقول علينا , وعلى كل من يوالي أمير المؤمنين(ع).
    ثم قلت : يا أستاذ إني أعددت للعسكري رداً على كتابه الذي سأكتب فيه مايُبطل دعواه ويدحض حجته , ويثبت أنه شريك في كل ما افتراه علينا , واتهمنا به , بحيث انّ ابن تيمية لا يتهم العلويين أو النصيريين فقط , بل يتهم جميع الشيعة بل جميع من يتشيع لأمير المؤمنين ويواليه.
    فلينتظر الاستاذ العسكري هذا الرد الذي سيأتيه قريباً باذن الله , لنرى ماذا سيقول , وبماذا سيدافع عن نفسه , وهل يستطيع أن يخبرنا ماهو دليله , وعلى ماذا استناده -كما قالوا علماء العراق لأحمد امين-.
    فقال الجواهري: لا , لا تفعل , فإنه قد كتب ماكتب على غير معرفة على مايظهر, وظناً منه أن مايتقوله أهل السنة في العلويين صحيح.
    فقلت: ألا يعلم أنه إذا كان هذا صحيح , فهو نفسه داخل فيه , لأننا شركاء في هذا الاتهام المزور. لأنه لا يتهم العلويين النصيريين فقط, بل يتهم كل من يتشيع ويوالي أمير المؤمنين بوجه العموم, فليستعد هذا العسكري المتعصب الذي لم يتشبه بعلماء الشيعة فقط , بل إنه أشبه بابن تيمية وأمثاله وإذا فليستعد لاستقبال هذا الرد الذي سيلقاه مني قريباً انشاء الله.
    نعم ليستعد لاستقبال هذه الهدية التي إنما أرسلها إليه مقابل هديته , أو لتلقي هذه التحية التي سأرسلها إليه رداً على تحيته , كما قال الله تعالى : وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا , والذي سيستلمها قريباً انشاء الله .
    فلعله أن يقف عند حده , ولا يعود لمثلها.
    فقال الجواهري: كلا لا تفعل , ناشدتك بالله ان لاتفعل ! فإنه لا يعلم ماذا يفعل , ولا يعلم بأنه بينما نحن نسعى لنعمر , فإنه يسعى ليخرب , وحضرتك تعرف المثل العربي الذي يقول: إياك أن تبادي الجاهل بمثل افعاله , فيصير حالك كما حاله.
    ومع ذلك فأنت رجل عاقل ذو صبر وتحب الاصلاح وبما أننا سعاة إصلاح فيجب ان تكون معنا من سعاة الاصلاح , لا أن تكونوا مثله سبباً للنفور والعداء , وإني أتمنى لك التوفيق والنجاح , فبارك الله فيك وأكثر من أمثالك.
    فقلت له: وأنا أشكرك من صميم قلبي لحسن اصغائك , ومقابلتك لي بالارتياح والرضا والقبول , أسأل الله ان يجمع بيننا دائماً في اوقات اخرى.
    وهكذا فقد انتهت هذه المحاورة أو المحادثة التي جرت فيما بيني وبين الشيخ حسن الجواهري حفظه الله تعالى , والحمدلله على كل حال والسلام.
    خادم إخوانه المؤمنين
    سليم محمد زوباري
    أنطاكية
    وهنا نسخة المخطوطة من خط المؤلف رحمه الله
    http://gadir.free.fr/Ar/Alewi/mk/yasar.pdf

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

    يعمل...
    X