مناظرة بين فضيلة الشيخ (العلوي)"سليم محمد زوباري"- أنطاكية والشيخ (الشيعي) حسن الجواهري ابن الشاعر العراقي المعروف محمد مهدي الجواهري.
تاريخ المناظرة صيف 1989م
المكان: أنطاكية - لواء الإسكندرون - تركيا
___________________
محادثة جرت سنة 1989
بيني وبين الشيخ حسن الجواهري
أحد علماء الشيعة
بقلم الفقير لله
سليم زوباري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين
وبعد فإنه في صيف عام 1989 ميلادية, زارني أحد مشايخ الشيعة واسمه الشيخ حسن الجواهري , وهو ابن الشاعر العراقي المعروف محمد مهدي الجواهري الذي طالما شاهدناه في التلفزيون العربي السوري واستمعنا إليه وأعجبنا بأشعاره.
وكان الشيخ حسن المذكور يقطن حالياً في مدينة قم بإيران, وهو من علماء الشيعة المعدودين وله مؤلفات قيمة قرأنا بعضها , وعندي منها مؤلف عنوانه (الربى في الاسلام).
وكانت تلك الزيارة هي الثانية أو الثالثة التي يزورنا فيها, وكان لما يأتي في كل مرة يزور المشايخ ويجتمع معهم في أنطاكية والسويدية والحربية واسكندرون وغيرهم.
وقد اجتمعت معه مراراً وذلك عندنا في البيت وفي الدكان , وفي الفندق , وفي غير ذلك, وكان -والحق يقال- رجل عالم فاضل مهذب ذو أخلاق حسنة وآداب عالية, وكنا لما نجتمع نتحدث في مختلف الشؤون , ورغم ذلك , فإننا لم نتطرق للبحث يوماً في المذاهب قط , إذ لا هو افتتح الحديث بشيء من هذا , ولا أنا ابتدأته بمثل ذلك إلى أن جاء اليوم الذي نحن بذكره . وذلك أنه في يوم من الأيام وكان عندي في الدكان الذي هو في خان الخضرة بمدينة أنطاكية , وقد وجدنا بعض الفراغ من العمل الذي كنت أمارسه , فابتدأنا بالمحادثة والمذاكرة والمؤانسة وما إلى ذلك , وكان عندي دفتر جيب يوجد به بعض الاشعار واللطائف والطرائف, بحيث كنت إذا قرأت في أي كتاب ووجدت فيه حديث و طرفة أو شعر مما يجلب النظر أسجله فيه , حتى تجتمع لدي مجموعة من الاشعار لا بأس بها. وعلى وجه الخصوص الأشعار الواردة في مدح مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) من مختلف الشعراء مهما كان مذهبهم ومشاربهم. فقرأت له بعض الأشعار منه ومنها قصيدة للشاعر الشيعي الكبير , آية الله الشيخ حسين نجف في مديح مولانا أمير المؤمنين (ع) يقول في مطلعها:
لعلي مناقب لا تضاها ***** لا نبيٌّ ولا وصيٌّ حواها
واستمرينا بالقراءة في هذا الشعر إلى أن وصلنا إلى قوله فيها:
ما استقامت نبوة لنبيٍّ ***** قط إلاّ وفي يديه لواها
والمزايا التي تجمعن فيهِ ****** فُرقت في الورى على أنبياها
قد خُصّ من دونهم بصفاتٍ ****** من صفات الإله جل علاها
ولذا لم نصف بها مَن سواهُ ***** غيرَ أنّا وصفنا بها الإلهَ
فلما سمع الجواهري هذا القول , ولم يكن يدري أن الناظم شيعياً , فقال بشيء من التردد : إن هذا الشعر يوجد فيه غلو , أليس كذلك؟
فقلت له : نعم ,ولكن هل تعلم هذا الشعر لمن. ومن هو الناظم له؟
فقال : كلا, فمن هو؟
فقلت : إنه من نظم آية الله الشيخ حسين نجف أحد شعراء الشيعة البارزين , وعلمائها الموصوفين.
فدهش لذلك وقال متعجباً : يا سبحان الله أتقول جد؟
فقلت : نعم, وأطرقت, وقد خطر ببالي بأن الشيعة مع كون عندهم غلو غير قليل فهم يتحاملون علينا , على أساس أننا غلاة. بصرف النظر عن ماعندهم منه, فحدثتني نفسي أن أبحث معه في هذا الموضوع, إذ أنّ الوضع أصبح الآن ملائماً لمثل ذلك بحيث أنّ الفرصة قد جاءت من تلقاء نفسها, وذلك بمناسبة قراءة هذا الشعر واعترافه بأن فيه غلو مع أنّ الناظم شيعي.
فلم يعد يَسَعُني السكوت , فرفعت رأسي إليه وقلت له:
نحن متهمون يا أستاذ ,فهل تعرف ذلك؟
فقال: بماذا؟
فقلت :نحن متهمون عندكم بالغلو أليس كذلك؟
فقال: نعم, وتبسم, وبدا كأنه كان يريد البحث في هذا الموضوع ولكنه يتحاشى ذلك , أما الآن فقد فُتحت الطريق أمامه , فلم يعد يرى بأساً في ذلك , ونظر إليَّ مستفهماً, فقلت له :
نحن متهمون لديكم بالغلو. بينما غيرنا أيضاً يوجد عنده غلو كما يوجد عندنا , ومع ذلك لا أحد يتحامل عليهم , أو ينتقدهم بشيء.
فقال: من تعني بذلك؟
فقلت : أنتم مثلاً تتهموننا بالغلو , وتتحاملون علينا فتقولون عنّا أننا غلاة , بينما يوجد عندكم نفس الغلو الذي يوجد عندنا بل لربما أكثر, - هذا إذا كان يوجد غلو - .
فقال: كيف ذلك؟
فقلت : ألستم تغالون في مديح أمير المؤمنين علي إلى أقصى حد, وإلاّ فبماذا تفسر قول هذا الشاعر الشيعي وهو الشيخ حسين نجف المذكور في قصيدته التي قرأناها آنفاً, والتي اعترفتَ سيادتك لما قرأتُ لك إياها بأن فيها غلواً مع أنه شيعيٌ مثلكم...
ثم قلت : وليس هذا وحده الذي تفرد بمثل هذا القول , فقد قرأنا لكثير من شعراء الشيعة وعلمائها مثل هذا وأكثر منه , فهذا العلامة الحاج ميرزا اسماعيل ابن عم سيد الطائفة آية الله الميرزا الكبير الشيرازي يقول في قصيدته التي يمدح فيها أمير المؤمنين علي (ع) ومطلعها :
طَرِبَ الصبُّ على وصل الحبيب ***** وهنا العيش على بعد الرقيبْ
ثم أخذت ليدي الدفتر المذكور , وفتحت على الصفحة التي يوجد فيها الشعر , وأخذت أقرأ الى أن وصلت إلى الموضع الذي يذكر فيه ولادة أمير المؤمنين في الكعبة المعظمة, وهو قوله فيها :
آنست نفسي من الكعبة نور *** مثل ما آنس موسى نار طور
يوم غشّي الملأ الأعلى سرور *** قرع السمع نداءٌ كندا
شاطئ الوادي طوىً من حرمِ
هذه فاطمة بنت أسدْ *** أقبلت تحمل لاهوت الأبد
فاسجدوا ذلاًّ له مع من سجد *** فله الأملاك خرّت سجدا
إذ تجلى نوره في آدم
نسخ التأبد من نفي ترى *** فأرانا وجهه رب الورى
ليت موسى كان فينا فيرى *** ما تمناه بطور مجهدا
فانثني عنه بكفّيْ معدمِ
ثم التفتُّ إليه وقلت له: مارأيك يا أستاذ فيما قاله هذا الشاعر الشيعي الكبير, هل هذا غلو أم لا, وإذا لم يكن غلواً فماذا يكون إذاً ؟
ثم قلت : وإليك شاعر شيعي آخر من شعراء القرن الثاني عشر الهجري , وهو للمولى مسيحا الفسوي كما ذكر العلامة الاميني النجفي في كتابه الغدير يقول في شعر له. يقول فيه:
إلى الذي فرض الرحمن طاعته ***** على البرية من أنس ومن جانِ
عليٌّ المرتضى الحاوي مدائحه ***** أسفار توراة بل آيات قرآنِ
ثم تابعت القراءة فيه إلى أن وصلت إلى قوله:
بصفو حبك قد أحييت مهتدياً **** فدتك نفسي يا ديني ويا إيماني
ثم وإليك شاعر شيعي آخر وهو ابن حماد العبدي فإنه يقول في قصيدة له يمدح أمير المؤمنين فيها فيقول:
من كلمته الشمس لما كلمت **** جهراً عليه والخلائق تقشعُ
يا اولاً يا آخراً يا ظاهراً **** يا باطناً في الحجب سرٌّ مودعُ (1)
(1) مناقب آل أبي طالب 2\150
ثم قلت له : ومع ذلك فإنه يوجد الكثير غيرهم, من أمثالهم من شعراء الشيعة يغالون في مديح أمير المؤمنين , لو ذهبنا إلى تعداد أسمائهم , وقراءة أمثلة من أشعارهم لطال بنا الخطاب , وضاق بنا الوقت , وفي هذه المجموعة التي في يدي بالذات يوجد فيها الكثير من ذلك.
ثم وليس الشعراء فقط بل إنّ الكثير من المؤلفين والكتّاب البارزين من علماء الشيعة أيضاً فقد ترى الغلو واضحاً في كتبهم ومؤلفاتهم. خذ مثلاً لذلك الحاج الحافظ رجب البرسي فما تقول فيه ؟ أليس هو من علماء الشيعة البارزين, وأعلامها المشهورين؟
فقال :نعم!
قلت: فما تقول فيما يوجد فيه من الغلو الواضح خلال الاحاديث والاخبار التي يحتوي عليها.
فقال: إن الحافظ البرسي أودع في كتابه هنا أحاديث وأخبار مرسلة بدون إسناد ولذلك فإنها لا يُعتَد بها.
فقلت له: يا أستاذ , هل تعتقد أن رجل عالم, فاضل , مثل الحاج رجب البرسي مع علو منزلته وعظم فضله وغزارة علمه يودع كتابه المعتبر الذي أخذ شهرة كافية , يودع فيه أحاديث وأخبار مرسلة لا عبرة لها أو بدون اسناد؟ كلا ثم كلا, أنا لا أعتقد ذلك أبداً , بل إنّ الشيخ المذكور رحمه الله أودع كتابه هذا أحاديث حذف أسانيدها ثقة منه بصحتها وتفادياً للتطويل . هذا مع إنكم علماء شيعة كلكم تعترفون له بالفضل وعلو المنزلة وتعتبرونه من مشاهير العلماء عندكم, وكتابه المذكور هذا من الكتب القيمة المشهورة والمعتبرة لديكم , ومع ذلك فأما أنه هو والشيعة جميعاً من الغلاة كما يقال عنّا نحن , وأما إنّ هذه الاحاديث يراد منها المبالغة في تمجيد أمير المؤمنين لأقصى حد.
ثم قلت: وليس يوجد مثل هذا الغلو في كتاب البرسي فحسب, بل إنك تجده في كتاب بحار الانوار للعلامة المجلسي. وفي كتاب عيون المعجزات لابن عبد الوهاب وفي كتاب بصائر الدرجات للعلامة ميرزا محمد تقي حجة الاسلام وغيرهم, وغيرهم كثير, ولما كان ليس في وسعي الآن أن اشرح لك النصوص الواردة فيهم فأنا أحيلك على مطالعتهم والتمعن فيهم لترى صحة ما أقوله لك
ثم قلت: والآن فلنرجع إلى وضعنا نحن فلقد زرتنا سيادتك مرات عديدة, واتصلت بالكثير من المشايخ والعلماء ورجال الدين لحد الآن , فبالله عليك هل رأيت منّا شيئاً من الغلو أو مايدل على الغلو منّا أو من غيرنا من الاشخاص الذين اتصلت بهم أو اجتمعت معهم أو تحادثت وإياهم من العلماء أو من رجال الدين أو من سواهم في جميع الجهات التي زرتها, أرجوك أن تجيب بالصحيح ولا تخفي شيئاً!
فقال: كلا, إنني والحق يُقال لم أرى من أي واحد من المشايخ ورجال الدين الذين اجتمعت بهم وتحادثت معهم أي أثر للغلو مطلقاً, هذا باستثناء بعض العامة فقد سمعت منهم بعض أقوال تدل على ذلك.
فقلت: يا أستاذ, إن المهم هم العلماء ورجال الدين, أعني المشايخ, وليس العامة, وهذا شيء تعلمه سيادتك ولا تجهله, لأن العامة فيهم الجهلاء وفيهم الأميين الذين لا يعلمون الكتاب فلا يحسنون القراءة والكتابة , ولا يحسنون فهم الاشياء , ولذلك فقد يسيؤون فهم الشيء فيفهمونه على غير حقيقته , أو على غير مايُراد منه.
وهؤلاء (ولو أنهم) يعبدون الله تعالى لا يشركون به شيئاً, ولكنهم على بساطتهم لا يفرقون بين الغث والثمين ولذلك فلما أن يسمعوا أمير المؤمنين اسمه علي يظنون أنه العلي القدير , وخاصة عندما يجري البحث أمامهم بأن علياً بن أبي طالب له معاجز باهرة فوق طاقة المخلوقين منها: إنه رد الشمس , وشق القمر, وأحيا الميت وخاطبته الجمجمة , وما يماثل ذلك من الخوارق التي هي من أفعال الرب بحيث يعجز المخلوق عن مثلها فيظنون أنه رب العالمين, وخصوصاً لما يقال عندهم أن عليا يعلم الغيب فيعتقدون أنه هو الله لأنه لا يعلم الغيب إلا الله, ولا يدرون أن هنا شرك والعياذ بالله.
وهذا كله مصدره سوء الفهم وقلة الادراك إذ لا يدركون أن الله سبحانه وتعالى قد خص علياً بهذه الاشياء ووهبه المقدرة على اتيان الخوارق والمعاجز ومنها علم الغيب , وإن علم الغيب من مختصاته التي قد خصه الله بها, والعلماء يعترفون بذلك, فقط قال ابن أبي حديد السني المعتزلي في احدى قصائده التي أسماها (القصائد العلويات السبع) :
علم الغيوب إليه غير مدافَعُ **** والحق أبيض مسفر لا يدفع (1)
(1) شرح نهج البلاغة
وجاء في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي إن أمير المؤمنين علي (ع) يقول في الشعر:
لقد حزت علم الاولين وإنني **** ضنين بعلم الآخرين كتومُ
وقد حزتُ أسرار الغيوب بأسرها **** وعندي حديثٌ حادثٌ وقديمُ
وإني لقيوم على كل قيمٍ **** محيطٌ بجمع العالمين عليمُ
ثم قلت: وبناء على ذلك أيها الاستاذ فإنه لو سألك أحدهم: هل كان علي بن أبي طالب يعلم الغيب؟ فبماذا تجيبه سيادتك؟
فقال الجواهري: نعم إنَّ علياً بن أبي طالب كان يعلم الغيب بدون شك, ويعلم مافي السماء وما في الأرض وما مضى ومايأتي .
فقلت: لنفرض أنك سُألتَ عن هذا السؤال وأجبت بهذا الجواب, وصدف أنك قرأت في نفس الوقت شيئاً من القرآن الكريم, وكان مما قرأته : قوله تعالى (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ) وكان هذا السائل من الجهلاء , فماذا يفهم منك حينئذ؟ ألا يفهم منك كما فهم هؤلاء إن علياً هو الله . لأنه يعلم الغيب وعلم الغيب يختص بالله سبحانه وتعالى.
هذا ما تستطيع فهمه الجهلاء أو البسطاء الذين لا يكادون يفقهون حديثاً, ولعل الذين رأيتهم سيادتك وسمعت منهم ما سمعت لربما كانوا من هؤلاء لسوء الحظ .
فأرجو أن لا تعتني بهم ولا تعبأ بمقالتهم, هنا مع العلم إن هؤلاء حينما يحصل لهم من يرشدهم إلى الحقيقة يرجعون إلى الصواب.
أقول ولهذا وأمثاله نهى سيدنا أمير المؤمنين علي (ع) عن أن يحدث المرء الناس بما لا يعرفونه فقال (ع): حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ماينكرون!
وقال رسول الله (ص) وآله : إذا حدثتم الناس فلا تحدثوهم بما يغرب عليهم أو يشق عليهم.
وعن ابن عباس قال :قال لي رسول الله (ص) : يا ابن عباس , لاتحدث الناس حديثاً لا تحتمله عقولهم فيكون فتنة عليهم.
ولعل في هذا المعنى يقول سيد العابدين الإمام علي بن الحسين سلام الله عليه في شعر له مشهور:
إني لأكتم من علمي جواهره **** كي لايرى الحق ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا أبو حسنٍ **** إلى الحسين ووصى قبله الحسنا
وربَّ جوهر علم لو أبوح به **** لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحلَّ رجال مسلمون دمي **** يرون أقبح مايأتون به حسنا
وأيضاً الخبر الذي جاء فيه:
إن أمير المؤمنين علي (ع) خرج من عند رسول الله (ص) فمر بقوم جلوس في الخارج , فسألوه ماذا قال لك رسول الله ؟
فقال : لو حدثتكم بما سمعته من فم أبي القاسم لخرجتم من عندي وأنتم تقولون إن عليّاً من أكذب الكاذبين.
ثم قلت ومع ذلك فليس هذا بعجيب يا أستاذ , فهذا الشاعراللبناني المعروف بولس سلامة يقول في ملحمته الشعرية (عيد الغدير) تحليلاً لحديث الرسول (ص) الذي يقول فيه : "لو شئت أن أقول في علي مقالاً لا يمر بأحد من الناس إذلا أخذوا التراب من تحت قدميه يلتمسون بذلك البركة", فقال الشاعر المذكور في ذلك:
ويقول النبي آه لو أني أستطيع **** الافصاح عن أسراري
إن ماقلتُ مااستحق فإني **** بتُّ أخشى ضلالة الكفارِ
فيصير الوصيُّ معبود قوم **** لا يُبالون بعدها بعثار
يلثمون التراب حيث يدوس **** الرمل فالرمل مسكة العطارِ
ويقول أيضاً في الشرح في المقدمة لكتابه المذكور:
"وبعد فَلِمَ تجادلني في أبي الحسن, أَوَلم تقم في خلال العصور فئات من الناس تؤله الرجل, ولا ريب أنها الضلالة الكبرى ولكنها ضلالة تدلك على الحق, إذ تدلك على مبلغ افتتان الناس بهذه الشخصية العظمى." .
قلت: ومن الاشياء التي تثير الدهشة في العقول وتوقع العالم في الحيرة ,وهي كثيرة جداً منها ماجاء في كتاب ينابيع المودة للقندوزي الحنفي في تفسير قوله...
...
قلت: ومن الاشياء التي تثير الدهشة في العقول وتوقع العالم في الحيرة , وهي كثيرة جداً منها ماجاء في كتاب ينابيع المودة للقندوزي الحنفي في تفسير قوله...
وكل شيء أحصيناه في إمام مبين , فقيل يا رسول الله هل هو التوراة؟ قال : لا , قال: فالانجيل ؟ قال : لا ولكنه هذا القادم, فنظروا فإذا هم بعلي بن أبي طالب مقبلاً عليهم.
وكمثل ماروي في الكتاب المذكور عن عمار بن ياسر قال: اجتزنا أنا وأمير المؤمنين علي بوادٍ مملوءٍ نملاً , فقال :يا عمار هل تدري عدد هذا النمل؟
قال : فقلت يا مولاي , وهل من رجل يحصي عدده؟
قال : نعم , أنا أحصي عدده , وأعلم كم عدد الذكران والإناث منه .
وكمثل ماجاء في كتاب عيون المعجزات في مخاطبة الشمس له , وقولها : وعليك السلام يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا من أنت بكل شيء عليم.
وهذا كله من طريق المجاز , إذ إنه لما سُئِل الرسول (ص) عن معنى ذلك ؟ فقال: أما قولها : يا أول , فهو أول من آمن بالله , وأما قولها يا آخر فهو آخر الاوصياء, والظاهر أي أنه ظاهر على كل علم, والباطن اي بطن عن معرفته المخالفين.
ومثل ماروي عنه (ع) إنه قال:
واللهِ ما من فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا وأنا أعلم بقائدها وناعقها وسائقها إلى يوم القيامة ومن منهم يموت موتاً , ومن منهم يقتل قتلاً , ومثل قوله (ع) : سلوني قبل أن تفقدوني, فأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الارض.
فالجاهل يغتر, ويُسيء فهم هذا الشيء طبعاً, أما العالم الفاهم ,فلا يطرأ عليه أي تغيير , لأنه يُدرك معنى الكلام , ويفهم الشيء على حقيقته كما يجب وقد تقدم بنا ذلك.
ثم قلت : وبناء على كل ذلك يا أستاذ فإن كل مايُقال عنّا بأننا غلاة لا أصل له, وليس له أي نصيب من الصحّة مطلقاً, بل كل هذا مُجرد اتهام يُمازجه سوء تفاهم , وهذا الاتهام جاء من أعدائنا وأعدائكم أي ممّن هم أعداء لأمير المؤمنين ولكل من يوالي أمير المؤمنين وآل البيت الطاهرين من الامويين والعباسيين.
ثم لا تنسى يا أستاذ أنّ من الدليل على بطلان هذا الاتهام هو أن أهل السنة الذين يتهموننا بهذا, هم في نفس الوقت يتهمونكم بالغلو كما يتهموننا نحن سواء بسواء, انظر كتاب فجر الاسلامي لأحمد أمين المصري , والعقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي وغيرهم من كتب أهل السنة فإنك تجد صحة ما أقوله لك بدون شك أو شبهة.
ولأضرب لك مثلاً حياً على ذلك , وهو أن الدكتور محمد التيجاني السماوي الأديب المعاصر, وهو من أهل تونس الذي كان سنياً متعصباً على الشيعة كأكثر مايكون من التعصب , وكان منسوباً للطريقة التيجانية ثم استبصر بعد ذلك فتشيّع في قصة طويلة.
إنه يحدثنا في كتابه الذي أسماه (ثم اهتديت) إنه لما كان مسافراً بحراً إلى بيروت في يوم من الايام. وفي الباخرة اجتمع برجل عراقي اسمه عبد المنعم فتعارفا وتحادثا وتآنسا ملياً , وفي أثناء المحادثة جرى بينهما ذكر اختلاف المسلمين وانقسامهم , عدم اتحادهم , وسوء التفاهم الموجود بينهم.
فقال التيجاني : نعم مع الاسف , ومن ذلك فقد جرى معي أنا شيء من هذا , وهو أنني لما كنت في مصر دخلت يوماً الى أحد المساجد لأقيم فريضة الصلاة وبعد الصلاة قال لي رجل كان بجنبي : لماذا لم تعقد يديك في الصلاة مثلنا ؟, فقلت له أنني رجل مالكي المذهب , والمالكية لا يعقدون أيديهم في الصلاة بل يسدلونها.
فقال الرجل: إذا كنت مالكي لماذا لا تذهب إلى مسجد المالكية وتصلي معهم هناك نحن أحناف فلماذا أتيت الى هنا ؟ لا عدت تأتي أبداً.
فتأسفت جداً على هذا الوضع المؤلم .
فقال العراقي: نعم أنتم المالكية تسدلون أيديكم في الصلاة مثلنا , لأننا نحن شيعة , والشيعيون يسدلون أيديهم أيضاً.
فقال التيجاني: ماذا تقول , هل أنت شيعي؟
قال : نعم!
فقال : أعوذ بالله , والله لو أعلم أنك شيعي لما تكلمت معك قط.
فقال العراقي : لماذا يا أخي؟
فقال : لأن الشيعة ليسوا بمسلمين بل هو كفّار لأنهم يعبدون علياً بن أبي طالب ,... إلى آخر ماجرى بينهما , تجده في كتاب التيجاني ( ثم اهتديت)
وفي هذا كفاية لأن المقصد منه هو أن أهل السنة يعتقدون أن الشيعة يعبدون علياً بن أبي طالب ويتهمونهم بذلك , كما يتهموننا نفس الشيء, ولكن استنادكم بهذا عليهم مع أنهم يتهمونكم كما يتهموننا ومع ذلك فأنتم تتهموننا بهذا استناداً عليهم.
ثم إنني فتحت الكتاب المذكور, وأخرجت الموضع الذي يتحدث فيه عن هذه القصة بعينها ليراها بنفسه , وكان هو الذي أهداني هذا الكتاب .
ثم قلت له: مارأيك يا أستاذ هل رأيت بعينك كيف أن أهل السنة يتهمونكم بعبادة علي بن أبي طالب فهل هذا صحيح؟ هل إنكم تعبدون علياً كما يقولون؟
فقال: أعوذ بالله حاشا وكلا, إن هذا ليس له أصل , بل هو مجرد اتهام وافتراء!
فقلت: وأنا أقول أيضاً: حاشا وكلاّ إن هذا إلا مجرد اتهام وافتراء بالنسبة لنا ايضاً كما هو لكم , ثم وإذا كان هذا اتهام بالنسبة لكم كيف لا يكون اتهام بالنسبة لنا , ولماذا يصدق علينا هذا الاتهام ولا يصدق عليكم؟!
إنّ الواقع يا أستاذ يقتضي بأنه إمّا أن يكون هذا مجرد اتهام وافتراء لكل منّا ومنكم , وإلا فكيف تكونوا أنتم بريئين , ونحن مذنبين أليس هذا هو الظلم بعينه ؟ أنصفونا يا منصفين !
ثم استطردت قائلاً : اعلم يا أستاذ إننا في الحقيقة لسنا غلاة لا نحن ولا أنتم بل كل هذا عبارة عن اتهام وافتراء مصدره العداوة, والبغضاء الصادرة عن أعداء أمير المؤمنين وآل البيت (ع) نتيجة للظلم والعدوان الصادر من الأمويين والعباسيين وغيرهم من أهل السنة المعتدين تجاه شيعة أمير المؤمنين (ع) وذلك بقصد انتقاصهم , والتشنيع عليهم والزراية فيهم , ولإثبات كفرهم , فقد اتهموهم بالغلو . أي إنهم مشركون يتخذون مع الله إلهاً آخر, وبهذا فإنهم يستحقون القتل تبريراً لما قتلوه معاوية وأذنابه.
ومن هنا جاءت أسطورة عبد الله بن سبأ , التي لا نصيب لها من الصحة كما يؤكد ذلك العلامة مرتضى العسكري في مؤلفه , وقد اتهموا بعبادة علي بن أبي طالب (ع) كل من يحبه , ويتشيع له , ويوالي وليه ويعادي عدوه.
يثبت ذلك ماقتله معاوية, وزياد وعبيد الله بن زياد والحجاج وغيرهم من رجال أمير المؤمنين (ع) الاتقياء البررة ,كمثل حجر بن عدي ورفاقه لأنهم امتنعوا أن يسبّوا أمير المؤمنين , ويبرؤوا منه بل بقوا ثابتين على ولائه كالطود العظيم لم يتزحزحوا عن حبه وولائه قيد شعرة.
وعليه فإن ذلك الاتهام مصدره حب أمير المؤمنين (ع) , والإخلاص له ولأهل بيته الطاهرين وقد صدر من المبغضين المناوئين.
قديماً قالوا يا استاذ من أحب قوماً فهو منهم ,إننا نحن الشيعة والعلويين أحببنا أمير المؤمنين , وواليناه بكل ما في الكلمة من معنى , وقد جاء في الحديث الذي هو بحفظ سيادتكم إن الحب في الله والبغض في الله من شروط الايمان, فلا يكمل للمؤمن إيمانه حتى يحب في الله ويبغض في الله فيوالي أولياء الله ويعادي أعداء الله.
وبناء على ذلك فإننا والينا أولياءه وهم علي وآله , وبرئنا من اعدائهم .
إننا أحببنا علياً بن أبي طالب في الدرجة الاولى ذلك لأن الرسول العظيم عليه الصلوات والتسليم يقول في الحديث المشهور الذي رواه كل من أهل السنة والشيعة على السواء و وهو قوله:
من أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله , الحديث.
وقال (ص) : حب علي إيمان وبغضه نفاق فلا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق.
وقال (ص): حب علي حسنة لا تضر معها سيئة.
وقال(ص): حب علي يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب.
وقال (ص): عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب.
ومثل هذا أحاديث كثيرة , رواها كل من الطرفين أعني رواها أهل السنة كما روتها الشيعة, فمن يلمنا على حبه , مع أن حبه كمال الدين كما قال اليزيدي الشاعر:
أهوى علياً أمير المؤمنين وقد *** أصبحت حقاً أرى حبي له دينا
ومع ذلك فقد كان الامويون يعدون حبه بدعة .
قال الصاحب بن عباد:
حب علي بن أبي طالب **** هذا الذي يفضي إلى الجنة
إذا كان تفضيلي له بدعة **** فليت شعري ما هي السنّة
وفي رواية أخرى إنه يقول:
إذا كان تفضيلي له بدعةٌ **** فلعنة الله على السنّة
وقد بلغ الأمر إلى أن يسموا من أحب ووالى علياً , رافضي, فقال الامام الشافعي في ذلك , وكان في أول أمره محباً لعلي (ع) :
إذا في مجلس ذكروا علياً **** وسبطيه وفاطمة الزكية
فأجرى بعضهم ذكراً سواه **** فأيقـن أنــه سلقلقـيّــه
وقال :
تجاوزوا يا قوم هـذا **** فهذا من حديث الرافضيــة
برأت إلى المهيمن من أنـاس **** يرون الرفض حب الفاطمية
على آل الرسول صلاة ربـي **** ولعنتــه لتلك الجاهليــة
وقال أيضاً في شعر آخر:
إذا كان رفضاً حب آل محمـدٍ **** فليشهد الثقلان إنـي رافضـي
وله:
إن كان حب الوصي رفضاً **** فأنا من أرفض العـبــاد
وقال الصاحب بن عباد رحمه الله تعالى:
أبا حسن إن كان حبك مدخلي **** جحيماً فإن الفوز عندي جحيمها
وكيف يخاف النار من كان موقناً ****بأن أمير المؤمنين قسيمها
وقال أبو فراس الحمداني رحمه الله:
لا عذّب الله أمي إنها شربت **** حب الوصي وغذتنيه في اللبن
وكان لي والد يهوى أبا حسن *** فصرت من ذي وذا أهوى أبا حسن
تاريخ المناظرة صيف 1989م
المكان: أنطاكية - لواء الإسكندرون - تركيا
___________________
محادثة جرت سنة 1989
بيني وبين الشيخ حسن الجواهري
أحد علماء الشيعة
بقلم الفقير لله
سليم زوباري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين
وبعد فإنه في صيف عام 1989 ميلادية, زارني أحد مشايخ الشيعة واسمه الشيخ حسن الجواهري , وهو ابن الشاعر العراقي المعروف محمد مهدي الجواهري الذي طالما شاهدناه في التلفزيون العربي السوري واستمعنا إليه وأعجبنا بأشعاره.
وكان الشيخ حسن المذكور يقطن حالياً في مدينة قم بإيران, وهو من علماء الشيعة المعدودين وله مؤلفات قيمة قرأنا بعضها , وعندي منها مؤلف عنوانه (الربى في الاسلام).
وكانت تلك الزيارة هي الثانية أو الثالثة التي يزورنا فيها, وكان لما يأتي في كل مرة يزور المشايخ ويجتمع معهم في أنطاكية والسويدية والحربية واسكندرون وغيرهم.
وقد اجتمعت معه مراراً وذلك عندنا في البيت وفي الدكان , وفي الفندق , وفي غير ذلك, وكان -والحق يقال- رجل عالم فاضل مهذب ذو أخلاق حسنة وآداب عالية, وكنا لما نجتمع نتحدث في مختلف الشؤون , ورغم ذلك , فإننا لم نتطرق للبحث يوماً في المذاهب قط , إذ لا هو افتتح الحديث بشيء من هذا , ولا أنا ابتدأته بمثل ذلك إلى أن جاء اليوم الذي نحن بذكره . وذلك أنه في يوم من الأيام وكان عندي في الدكان الذي هو في خان الخضرة بمدينة أنطاكية , وقد وجدنا بعض الفراغ من العمل الذي كنت أمارسه , فابتدأنا بالمحادثة والمذاكرة والمؤانسة وما إلى ذلك , وكان عندي دفتر جيب يوجد به بعض الاشعار واللطائف والطرائف, بحيث كنت إذا قرأت في أي كتاب ووجدت فيه حديث و طرفة أو شعر مما يجلب النظر أسجله فيه , حتى تجتمع لدي مجموعة من الاشعار لا بأس بها. وعلى وجه الخصوص الأشعار الواردة في مدح مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) من مختلف الشعراء مهما كان مذهبهم ومشاربهم. فقرأت له بعض الأشعار منه ومنها قصيدة للشاعر الشيعي الكبير , آية الله الشيخ حسين نجف في مديح مولانا أمير المؤمنين (ع) يقول في مطلعها:
لعلي مناقب لا تضاها ***** لا نبيٌّ ولا وصيٌّ حواها
واستمرينا بالقراءة في هذا الشعر إلى أن وصلنا إلى قوله فيها:
ما استقامت نبوة لنبيٍّ ***** قط إلاّ وفي يديه لواها
والمزايا التي تجمعن فيهِ ****** فُرقت في الورى على أنبياها
قد خُصّ من دونهم بصفاتٍ ****** من صفات الإله جل علاها
ولذا لم نصف بها مَن سواهُ ***** غيرَ أنّا وصفنا بها الإلهَ
فلما سمع الجواهري هذا القول , ولم يكن يدري أن الناظم شيعياً , فقال بشيء من التردد : إن هذا الشعر يوجد فيه غلو , أليس كذلك؟
فقلت له : نعم ,ولكن هل تعلم هذا الشعر لمن. ومن هو الناظم له؟
فقال : كلا, فمن هو؟
فقلت : إنه من نظم آية الله الشيخ حسين نجف أحد شعراء الشيعة البارزين , وعلمائها الموصوفين.
فدهش لذلك وقال متعجباً : يا سبحان الله أتقول جد؟
فقلت : نعم, وأطرقت, وقد خطر ببالي بأن الشيعة مع كون عندهم غلو غير قليل فهم يتحاملون علينا , على أساس أننا غلاة. بصرف النظر عن ماعندهم منه, فحدثتني نفسي أن أبحث معه في هذا الموضوع, إذ أنّ الوضع أصبح الآن ملائماً لمثل ذلك بحيث أنّ الفرصة قد جاءت من تلقاء نفسها, وذلك بمناسبة قراءة هذا الشعر واعترافه بأن فيه غلو مع أنّ الناظم شيعي.
فلم يعد يَسَعُني السكوت , فرفعت رأسي إليه وقلت له:
نحن متهمون يا أستاذ ,فهل تعرف ذلك؟
فقال: بماذا؟
فقلت :نحن متهمون عندكم بالغلو أليس كذلك؟
فقال: نعم, وتبسم, وبدا كأنه كان يريد البحث في هذا الموضوع ولكنه يتحاشى ذلك , أما الآن فقد فُتحت الطريق أمامه , فلم يعد يرى بأساً في ذلك , ونظر إليَّ مستفهماً, فقلت له :
نحن متهمون لديكم بالغلو. بينما غيرنا أيضاً يوجد عنده غلو كما يوجد عندنا , ومع ذلك لا أحد يتحامل عليهم , أو ينتقدهم بشيء.
فقال: من تعني بذلك؟
فقلت : أنتم مثلاً تتهموننا بالغلو , وتتحاملون علينا فتقولون عنّا أننا غلاة , بينما يوجد عندكم نفس الغلو الذي يوجد عندنا بل لربما أكثر, - هذا إذا كان يوجد غلو - .
فقال: كيف ذلك؟
فقلت : ألستم تغالون في مديح أمير المؤمنين علي إلى أقصى حد, وإلاّ فبماذا تفسر قول هذا الشاعر الشيعي وهو الشيخ حسين نجف المذكور في قصيدته التي قرأناها آنفاً, والتي اعترفتَ سيادتك لما قرأتُ لك إياها بأن فيها غلواً مع أنه شيعيٌ مثلكم...
ثم قلت : وليس هذا وحده الذي تفرد بمثل هذا القول , فقد قرأنا لكثير من شعراء الشيعة وعلمائها مثل هذا وأكثر منه , فهذا العلامة الحاج ميرزا اسماعيل ابن عم سيد الطائفة آية الله الميرزا الكبير الشيرازي يقول في قصيدته التي يمدح فيها أمير المؤمنين علي (ع) ومطلعها :
طَرِبَ الصبُّ على وصل الحبيب ***** وهنا العيش على بعد الرقيبْ
ثم أخذت ليدي الدفتر المذكور , وفتحت على الصفحة التي يوجد فيها الشعر , وأخذت أقرأ الى أن وصلت إلى الموضع الذي يذكر فيه ولادة أمير المؤمنين في الكعبة المعظمة, وهو قوله فيها :
آنست نفسي من الكعبة نور *** مثل ما آنس موسى نار طور
يوم غشّي الملأ الأعلى سرور *** قرع السمع نداءٌ كندا
شاطئ الوادي طوىً من حرمِ
هذه فاطمة بنت أسدْ *** أقبلت تحمل لاهوت الأبد
فاسجدوا ذلاًّ له مع من سجد *** فله الأملاك خرّت سجدا
إذ تجلى نوره في آدم
نسخ التأبد من نفي ترى *** فأرانا وجهه رب الورى
ليت موسى كان فينا فيرى *** ما تمناه بطور مجهدا
فانثني عنه بكفّيْ معدمِ
ثم التفتُّ إليه وقلت له: مارأيك يا أستاذ فيما قاله هذا الشاعر الشيعي الكبير, هل هذا غلو أم لا, وإذا لم يكن غلواً فماذا يكون إذاً ؟
ثم قلت : وإليك شاعر شيعي آخر من شعراء القرن الثاني عشر الهجري , وهو للمولى مسيحا الفسوي كما ذكر العلامة الاميني النجفي في كتابه الغدير يقول في شعر له. يقول فيه:
إلى الذي فرض الرحمن طاعته ***** على البرية من أنس ومن جانِ
عليٌّ المرتضى الحاوي مدائحه ***** أسفار توراة بل آيات قرآنِ
ثم تابعت القراءة فيه إلى أن وصلت إلى قوله:
بصفو حبك قد أحييت مهتدياً **** فدتك نفسي يا ديني ويا إيماني
ثم وإليك شاعر شيعي آخر وهو ابن حماد العبدي فإنه يقول في قصيدة له يمدح أمير المؤمنين فيها فيقول:
من كلمته الشمس لما كلمت **** جهراً عليه والخلائق تقشعُ
يا اولاً يا آخراً يا ظاهراً **** يا باطناً في الحجب سرٌّ مودعُ (1)
(1) مناقب آل أبي طالب 2\150
ثم قلت له : ومع ذلك فإنه يوجد الكثير غيرهم, من أمثالهم من شعراء الشيعة يغالون في مديح أمير المؤمنين , لو ذهبنا إلى تعداد أسمائهم , وقراءة أمثلة من أشعارهم لطال بنا الخطاب , وضاق بنا الوقت , وفي هذه المجموعة التي في يدي بالذات يوجد فيها الكثير من ذلك.
ثم وليس الشعراء فقط بل إنّ الكثير من المؤلفين والكتّاب البارزين من علماء الشيعة أيضاً فقد ترى الغلو واضحاً في كتبهم ومؤلفاتهم. خذ مثلاً لذلك الحاج الحافظ رجب البرسي فما تقول فيه ؟ أليس هو من علماء الشيعة البارزين, وأعلامها المشهورين؟
فقال :نعم!
قلت: فما تقول فيما يوجد فيه من الغلو الواضح خلال الاحاديث والاخبار التي يحتوي عليها.
فقال: إن الحافظ البرسي أودع في كتابه هنا أحاديث وأخبار مرسلة بدون إسناد ولذلك فإنها لا يُعتَد بها.
فقلت له: يا أستاذ , هل تعتقد أن رجل عالم, فاضل , مثل الحاج رجب البرسي مع علو منزلته وعظم فضله وغزارة علمه يودع كتابه المعتبر الذي أخذ شهرة كافية , يودع فيه أحاديث وأخبار مرسلة لا عبرة لها أو بدون اسناد؟ كلا ثم كلا, أنا لا أعتقد ذلك أبداً , بل إنّ الشيخ المذكور رحمه الله أودع كتابه هذا أحاديث حذف أسانيدها ثقة منه بصحتها وتفادياً للتطويل . هذا مع إنكم علماء شيعة كلكم تعترفون له بالفضل وعلو المنزلة وتعتبرونه من مشاهير العلماء عندكم, وكتابه المذكور هذا من الكتب القيمة المشهورة والمعتبرة لديكم , ومع ذلك فأما أنه هو والشيعة جميعاً من الغلاة كما يقال عنّا نحن , وأما إنّ هذه الاحاديث يراد منها المبالغة في تمجيد أمير المؤمنين لأقصى حد.
ثم قلت: وليس يوجد مثل هذا الغلو في كتاب البرسي فحسب, بل إنك تجده في كتاب بحار الانوار للعلامة المجلسي. وفي كتاب عيون المعجزات لابن عبد الوهاب وفي كتاب بصائر الدرجات للعلامة ميرزا محمد تقي حجة الاسلام وغيرهم, وغيرهم كثير, ولما كان ليس في وسعي الآن أن اشرح لك النصوص الواردة فيهم فأنا أحيلك على مطالعتهم والتمعن فيهم لترى صحة ما أقوله لك
ثم قلت: والآن فلنرجع إلى وضعنا نحن فلقد زرتنا سيادتك مرات عديدة, واتصلت بالكثير من المشايخ والعلماء ورجال الدين لحد الآن , فبالله عليك هل رأيت منّا شيئاً من الغلو أو مايدل على الغلو منّا أو من غيرنا من الاشخاص الذين اتصلت بهم أو اجتمعت معهم أو تحادثت وإياهم من العلماء أو من رجال الدين أو من سواهم في جميع الجهات التي زرتها, أرجوك أن تجيب بالصحيح ولا تخفي شيئاً!
فقال: كلا, إنني والحق يُقال لم أرى من أي واحد من المشايخ ورجال الدين الذين اجتمعت بهم وتحادثت معهم أي أثر للغلو مطلقاً, هذا باستثناء بعض العامة فقد سمعت منهم بعض أقوال تدل على ذلك.
فقلت: يا أستاذ, إن المهم هم العلماء ورجال الدين, أعني المشايخ, وليس العامة, وهذا شيء تعلمه سيادتك ولا تجهله, لأن العامة فيهم الجهلاء وفيهم الأميين الذين لا يعلمون الكتاب فلا يحسنون القراءة والكتابة , ولا يحسنون فهم الاشياء , ولذلك فقد يسيؤون فهم الشيء فيفهمونه على غير حقيقته , أو على غير مايُراد منه.
وهؤلاء (ولو أنهم) يعبدون الله تعالى لا يشركون به شيئاً, ولكنهم على بساطتهم لا يفرقون بين الغث والثمين ولذلك فلما أن يسمعوا أمير المؤمنين اسمه علي يظنون أنه العلي القدير , وخاصة عندما يجري البحث أمامهم بأن علياً بن أبي طالب له معاجز باهرة فوق طاقة المخلوقين منها: إنه رد الشمس , وشق القمر, وأحيا الميت وخاطبته الجمجمة , وما يماثل ذلك من الخوارق التي هي من أفعال الرب بحيث يعجز المخلوق عن مثلها فيظنون أنه رب العالمين, وخصوصاً لما يقال عندهم أن عليا يعلم الغيب فيعتقدون أنه هو الله لأنه لا يعلم الغيب إلا الله, ولا يدرون أن هنا شرك والعياذ بالله.
وهذا كله مصدره سوء الفهم وقلة الادراك إذ لا يدركون أن الله سبحانه وتعالى قد خص علياً بهذه الاشياء ووهبه المقدرة على اتيان الخوارق والمعاجز ومنها علم الغيب , وإن علم الغيب من مختصاته التي قد خصه الله بها, والعلماء يعترفون بذلك, فقط قال ابن أبي حديد السني المعتزلي في احدى قصائده التي أسماها (القصائد العلويات السبع) :
علم الغيوب إليه غير مدافَعُ **** والحق أبيض مسفر لا يدفع (1)
(1) شرح نهج البلاغة
وجاء في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي إن أمير المؤمنين علي (ع) يقول في الشعر:
لقد حزت علم الاولين وإنني **** ضنين بعلم الآخرين كتومُ
وقد حزتُ أسرار الغيوب بأسرها **** وعندي حديثٌ حادثٌ وقديمُ
وإني لقيوم على كل قيمٍ **** محيطٌ بجمع العالمين عليمُ
ثم قلت: وبناء على ذلك أيها الاستاذ فإنه لو سألك أحدهم: هل كان علي بن أبي طالب يعلم الغيب؟ فبماذا تجيبه سيادتك؟
فقال الجواهري: نعم إنَّ علياً بن أبي طالب كان يعلم الغيب بدون شك, ويعلم مافي السماء وما في الأرض وما مضى ومايأتي .
فقلت: لنفرض أنك سُألتَ عن هذا السؤال وأجبت بهذا الجواب, وصدف أنك قرأت في نفس الوقت شيئاً من القرآن الكريم, وكان مما قرأته : قوله تعالى (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ) وكان هذا السائل من الجهلاء , فماذا يفهم منك حينئذ؟ ألا يفهم منك كما فهم هؤلاء إن علياً هو الله . لأنه يعلم الغيب وعلم الغيب يختص بالله سبحانه وتعالى.
هذا ما تستطيع فهمه الجهلاء أو البسطاء الذين لا يكادون يفقهون حديثاً, ولعل الذين رأيتهم سيادتك وسمعت منهم ما سمعت لربما كانوا من هؤلاء لسوء الحظ .
فأرجو أن لا تعتني بهم ولا تعبأ بمقالتهم, هنا مع العلم إن هؤلاء حينما يحصل لهم من يرشدهم إلى الحقيقة يرجعون إلى الصواب.
أقول ولهذا وأمثاله نهى سيدنا أمير المؤمنين علي (ع) عن أن يحدث المرء الناس بما لا يعرفونه فقال (ع): حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ماينكرون!
وقال رسول الله (ص) وآله : إذا حدثتم الناس فلا تحدثوهم بما يغرب عليهم أو يشق عليهم.
وعن ابن عباس قال :قال لي رسول الله (ص) : يا ابن عباس , لاتحدث الناس حديثاً لا تحتمله عقولهم فيكون فتنة عليهم.
ولعل في هذا المعنى يقول سيد العابدين الإمام علي بن الحسين سلام الله عليه في شعر له مشهور:
إني لأكتم من علمي جواهره **** كي لايرى الحق ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا أبو حسنٍ **** إلى الحسين ووصى قبله الحسنا
وربَّ جوهر علم لو أبوح به **** لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحلَّ رجال مسلمون دمي **** يرون أقبح مايأتون به حسنا
وأيضاً الخبر الذي جاء فيه:
إن أمير المؤمنين علي (ع) خرج من عند رسول الله (ص) فمر بقوم جلوس في الخارج , فسألوه ماذا قال لك رسول الله ؟
فقال : لو حدثتكم بما سمعته من فم أبي القاسم لخرجتم من عندي وأنتم تقولون إن عليّاً من أكذب الكاذبين.
ثم قلت ومع ذلك فليس هذا بعجيب يا أستاذ , فهذا الشاعراللبناني المعروف بولس سلامة يقول في ملحمته الشعرية (عيد الغدير) تحليلاً لحديث الرسول (ص) الذي يقول فيه : "لو شئت أن أقول في علي مقالاً لا يمر بأحد من الناس إذلا أخذوا التراب من تحت قدميه يلتمسون بذلك البركة", فقال الشاعر المذكور في ذلك:
ويقول النبي آه لو أني أستطيع **** الافصاح عن أسراري
إن ماقلتُ مااستحق فإني **** بتُّ أخشى ضلالة الكفارِ
فيصير الوصيُّ معبود قوم **** لا يُبالون بعدها بعثار
يلثمون التراب حيث يدوس **** الرمل فالرمل مسكة العطارِ
ويقول أيضاً في الشرح في المقدمة لكتابه المذكور:
"وبعد فَلِمَ تجادلني في أبي الحسن, أَوَلم تقم في خلال العصور فئات من الناس تؤله الرجل, ولا ريب أنها الضلالة الكبرى ولكنها ضلالة تدلك على الحق, إذ تدلك على مبلغ افتتان الناس بهذه الشخصية العظمى." .
قلت: ومن الاشياء التي تثير الدهشة في العقول وتوقع العالم في الحيرة ,وهي كثيرة جداً منها ماجاء في كتاب ينابيع المودة للقندوزي الحنفي في تفسير قوله...
...
قلت: ومن الاشياء التي تثير الدهشة في العقول وتوقع العالم في الحيرة , وهي كثيرة جداً منها ماجاء في كتاب ينابيع المودة للقندوزي الحنفي في تفسير قوله...
وكل شيء أحصيناه في إمام مبين , فقيل يا رسول الله هل هو التوراة؟ قال : لا , قال: فالانجيل ؟ قال : لا ولكنه هذا القادم, فنظروا فإذا هم بعلي بن أبي طالب مقبلاً عليهم.
وكمثل ماروي في الكتاب المذكور عن عمار بن ياسر قال: اجتزنا أنا وأمير المؤمنين علي بوادٍ مملوءٍ نملاً , فقال :يا عمار هل تدري عدد هذا النمل؟
قال : فقلت يا مولاي , وهل من رجل يحصي عدده؟
قال : نعم , أنا أحصي عدده , وأعلم كم عدد الذكران والإناث منه .
وكمثل ماجاء في كتاب عيون المعجزات في مخاطبة الشمس له , وقولها : وعليك السلام يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا من أنت بكل شيء عليم.
وهذا كله من طريق المجاز , إذ إنه لما سُئِل الرسول (ص) عن معنى ذلك ؟ فقال: أما قولها : يا أول , فهو أول من آمن بالله , وأما قولها يا آخر فهو آخر الاوصياء, والظاهر أي أنه ظاهر على كل علم, والباطن اي بطن عن معرفته المخالفين.
ومثل ماروي عنه (ع) إنه قال:
واللهِ ما من فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا وأنا أعلم بقائدها وناعقها وسائقها إلى يوم القيامة ومن منهم يموت موتاً , ومن منهم يقتل قتلاً , ومثل قوله (ع) : سلوني قبل أن تفقدوني, فأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الارض.
فالجاهل يغتر, ويُسيء فهم هذا الشيء طبعاً, أما العالم الفاهم ,فلا يطرأ عليه أي تغيير , لأنه يُدرك معنى الكلام , ويفهم الشيء على حقيقته كما يجب وقد تقدم بنا ذلك.
ثم قلت : وبناء على كل ذلك يا أستاذ فإن كل مايُقال عنّا بأننا غلاة لا أصل له, وليس له أي نصيب من الصحّة مطلقاً, بل كل هذا مُجرد اتهام يُمازجه سوء تفاهم , وهذا الاتهام جاء من أعدائنا وأعدائكم أي ممّن هم أعداء لأمير المؤمنين ولكل من يوالي أمير المؤمنين وآل البيت الطاهرين من الامويين والعباسيين.
ثم لا تنسى يا أستاذ أنّ من الدليل على بطلان هذا الاتهام هو أن أهل السنة الذين يتهموننا بهذا, هم في نفس الوقت يتهمونكم بالغلو كما يتهموننا نحن سواء بسواء, انظر كتاب فجر الاسلامي لأحمد أمين المصري , والعقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي وغيرهم من كتب أهل السنة فإنك تجد صحة ما أقوله لك بدون شك أو شبهة.
ولأضرب لك مثلاً حياً على ذلك , وهو أن الدكتور محمد التيجاني السماوي الأديب المعاصر, وهو من أهل تونس الذي كان سنياً متعصباً على الشيعة كأكثر مايكون من التعصب , وكان منسوباً للطريقة التيجانية ثم استبصر بعد ذلك فتشيّع في قصة طويلة.
إنه يحدثنا في كتابه الذي أسماه (ثم اهتديت) إنه لما كان مسافراً بحراً إلى بيروت في يوم من الايام. وفي الباخرة اجتمع برجل عراقي اسمه عبد المنعم فتعارفا وتحادثا وتآنسا ملياً , وفي أثناء المحادثة جرى بينهما ذكر اختلاف المسلمين وانقسامهم , عدم اتحادهم , وسوء التفاهم الموجود بينهم.
فقال التيجاني : نعم مع الاسف , ومن ذلك فقد جرى معي أنا شيء من هذا , وهو أنني لما كنت في مصر دخلت يوماً الى أحد المساجد لأقيم فريضة الصلاة وبعد الصلاة قال لي رجل كان بجنبي : لماذا لم تعقد يديك في الصلاة مثلنا ؟, فقلت له أنني رجل مالكي المذهب , والمالكية لا يعقدون أيديهم في الصلاة بل يسدلونها.
فقال الرجل: إذا كنت مالكي لماذا لا تذهب إلى مسجد المالكية وتصلي معهم هناك نحن أحناف فلماذا أتيت الى هنا ؟ لا عدت تأتي أبداً.
فتأسفت جداً على هذا الوضع المؤلم .
فقال العراقي: نعم أنتم المالكية تسدلون أيديكم في الصلاة مثلنا , لأننا نحن شيعة , والشيعيون يسدلون أيديهم أيضاً.
فقال التيجاني: ماذا تقول , هل أنت شيعي؟
قال : نعم!
فقال : أعوذ بالله , والله لو أعلم أنك شيعي لما تكلمت معك قط.
فقال العراقي : لماذا يا أخي؟
فقال : لأن الشيعة ليسوا بمسلمين بل هو كفّار لأنهم يعبدون علياً بن أبي طالب ,... إلى آخر ماجرى بينهما , تجده في كتاب التيجاني ( ثم اهتديت)
وفي هذا كفاية لأن المقصد منه هو أن أهل السنة يعتقدون أن الشيعة يعبدون علياً بن أبي طالب ويتهمونهم بذلك , كما يتهموننا نفس الشيء, ولكن استنادكم بهذا عليهم مع أنهم يتهمونكم كما يتهموننا ومع ذلك فأنتم تتهموننا بهذا استناداً عليهم.
ثم إنني فتحت الكتاب المذكور, وأخرجت الموضع الذي يتحدث فيه عن هذه القصة بعينها ليراها بنفسه , وكان هو الذي أهداني هذا الكتاب .
ثم قلت له: مارأيك يا أستاذ هل رأيت بعينك كيف أن أهل السنة يتهمونكم بعبادة علي بن أبي طالب فهل هذا صحيح؟ هل إنكم تعبدون علياً كما يقولون؟
فقال: أعوذ بالله حاشا وكلا, إن هذا ليس له أصل , بل هو مجرد اتهام وافتراء!
فقلت: وأنا أقول أيضاً: حاشا وكلاّ إن هذا إلا مجرد اتهام وافتراء بالنسبة لنا ايضاً كما هو لكم , ثم وإذا كان هذا اتهام بالنسبة لكم كيف لا يكون اتهام بالنسبة لنا , ولماذا يصدق علينا هذا الاتهام ولا يصدق عليكم؟!
إنّ الواقع يا أستاذ يقتضي بأنه إمّا أن يكون هذا مجرد اتهام وافتراء لكل منّا ومنكم , وإلا فكيف تكونوا أنتم بريئين , ونحن مذنبين أليس هذا هو الظلم بعينه ؟ أنصفونا يا منصفين !
ثم استطردت قائلاً : اعلم يا أستاذ إننا في الحقيقة لسنا غلاة لا نحن ولا أنتم بل كل هذا عبارة عن اتهام وافتراء مصدره العداوة, والبغضاء الصادرة عن أعداء أمير المؤمنين وآل البيت (ع) نتيجة للظلم والعدوان الصادر من الأمويين والعباسيين وغيرهم من أهل السنة المعتدين تجاه شيعة أمير المؤمنين (ع) وذلك بقصد انتقاصهم , والتشنيع عليهم والزراية فيهم , ولإثبات كفرهم , فقد اتهموهم بالغلو . أي إنهم مشركون يتخذون مع الله إلهاً آخر, وبهذا فإنهم يستحقون القتل تبريراً لما قتلوه معاوية وأذنابه.
ومن هنا جاءت أسطورة عبد الله بن سبأ , التي لا نصيب لها من الصحة كما يؤكد ذلك العلامة مرتضى العسكري في مؤلفه , وقد اتهموا بعبادة علي بن أبي طالب (ع) كل من يحبه , ويتشيع له , ويوالي وليه ويعادي عدوه.
يثبت ذلك ماقتله معاوية, وزياد وعبيد الله بن زياد والحجاج وغيرهم من رجال أمير المؤمنين (ع) الاتقياء البررة ,كمثل حجر بن عدي ورفاقه لأنهم امتنعوا أن يسبّوا أمير المؤمنين , ويبرؤوا منه بل بقوا ثابتين على ولائه كالطود العظيم لم يتزحزحوا عن حبه وولائه قيد شعرة.
وعليه فإن ذلك الاتهام مصدره حب أمير المؤمنين (ع) , والإخلاص له ولأهل بيته الطاهرين وقد صدر من المبغضين المناوئين.
قديماً قالوا يا استاذ من أحب قوماً فهو منهم ,إننا نحن الشيعة والعلويين أحببنا أمير المؤمنين , وواليناه بكل ما في الكلمة من معنى , وقد جاء في الحديث الذي هو بحفظ سيادتكم إن الحب في الله والبغض في الله من شروط الايمان, فلا يكمل للمؤمن إيمانه حتى يحب في الله ويبغض في الله فيوالي أولياء الله ويعادي أعداء الله.
وبناء على ذلك فإننا والينا أولياءه وهم علي وآله , وبرئنا من اعدائهم .
إننا أحببنا علياً بن أبي طالب في الدرجة الاولى ذلك لأن الرسول العظيم عليه الصلوات والتسليم يقول في الحديث المشهور الذي رواه كل من أهل السنة والشيعة على السواء و وهو قوله:
من أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله , الحديث.
وقال (ص) : حب علي إيمان وبغضه نفاق فلا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق.
وقال (ص): حب علي حسنة لا تضر معها سيئة.
وقال(ص): حب علي يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب.
وقال (ص): عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب.
ومثل هذا أحاديث كثيرة , رواها كل من الطرفين أعني رواها أهل السنة كما روتها الشيعة, فمن يلمنا على حبه , مع أن حبه كمال الدين كما قال اليزيدي الشاعر:
أهوى علياً أمير المؤمنين وقد *** أصبحت حقاً أرى حبي له دينا
ومع ذلك فقد كان الامويون يعدون حبه بدعة .
قال الصاحب بن عباد:
حب علي بن أبي طالب **** هذا الذي يفضي إلى الجنة
إذا كان تفضيلي له بدعة **** فليت شعري ما هي السنّة
وفي رواية أخرى إنه يقول:
إذا كان تفضيلي له بدعةٌ **** فلعنة الله على السنّة
وقد بلغ الأمر إلى أن يسموا من أحب ووالى علياً , رافضي, فقال الامام الشافعي في ذلك , وكان في أول أمره محباً لعلي (ع) :
إذا في مجلس ذكروا علياً **** وسبطيه وفاطمة الزكية
فأجرى بعضهم ذكراً سواه **** فأيقـن أنــه سلقلقـيّــه
وقال :
تجاوزوا يا قوم هـذا **** فهذا من حديث الرافضيــة
برأت إلى المهيمن من أنـاس **** يرون الرفض حب الفاطمية
على آل الرسول صلاة ربـي **** ولعنتــه لتلك الجاهليــة
وقال أيضاً في شعر آخر:
إذا كان رفضاً حب آل محمـدٍ **** فليشهد الثقلان إنـي رافضـي
وله:
إن كان حب الوصي رفضاً **** فأنا من أرفض العـبــاد
وقال الصاحب بن عباد رحمه الله تعالى:
أبا حسن إن كان حبك مدخلي **** جحيماً فإن الفوز عندي جحيمها
وكيف يخاف النار من كان موقناً ****بأن أمير المؤمنين قسيمها
وقال أبو فراس الحمداني رحمه الله:
لا عذّب الله أمي إنها شربت **** حب الوصي وغذتنيه في اللبن
وكان لي والد يهوى أبا حسن *** فصرت من ذي وذا أهوى أبا حسن
تعليق