التدريب علىالحياة
إن الهدف من جميعالبحوث والدراسات والآراء والتوصيات حول ظروف النمو وكيفية التعامل مع حالاته ،إنما هي من أجل الحفاظ على سلامة الفتاة وإعدادها نفسيا وفكريا في سبيل الدخول الىمعترك الحياة والعيش السليم الهادف والمتطلع نحو السمو والرفعة في ظل ظروف طبيعية.
ومن هنا فمن الواجب تركيز جانب من الجهود والمساعيالتربوية على توضيح معاني الحياة للفتاة ، وشرح الأبعاد التي تساهم في نموها وتكاملشخصيتها ، وتجنيبها مشاعر اليأس والإحباط في الحياة ،والعمل على توعيتها وتثقيفهابالواجبات والمسؤوليات التي تنتظرها في المستقبل .
فالفتاة في هذه السن لا هي طفلة كي تبقى منغمسة في دنيا اللهو وملاعب الصبا ، ولاهي إمرأة كبيرة وناضجة كي تترك لحالها تدبر شؤونها وتعتمد على نفسها في التعامل معمسائل الحياة. ومن هنا فإنها بحاجة الى توجيه أولياء الأمور والمربين ورعايتهم لكيتنمو نموا طبيعيا ، كما تحتاج النبتة في سبيل نموها الى نور الشمي والرعاية الدائمةلكي تنضج وتعطي ثمارها في نهاية المطاف .
الإعدادللحياة
من حسن الطالع إنالفتاة في هذه السن هي في وضع تميل فيه ذاتيا غلى التوصل لمستوى معقول ومنطقي فيالحياة ، وأن تتمكن من تحمل مسؤولياتها الفردية والإجتماعية بنفسها في الحياة ، وأنتدرك دورها وواجباتها الجنسية في معترك الحياة الأسرية والإجتماعية.
فهي ترغب في أنتعرف لماذا وكيف يجب أن تبادر الى تشكيل الأسرة ، وما هي الطريقة المثلى في التعاملمع الحياة الزوجية والأمومة ، وبالتالي هي تميل الى إستجلاء أجوبة كل هذه المسائلومايشابهها ومعرفة ما يحيط بها من أسرار وملابسات ، وهي فرصة طيبة يجب إستثمارها ،على الوجه الصحيح ، في سبيل تنمية قابليات الفتاة ، نفسيا ، وفكريا ، وإجتماعيا ،وإقتصاديا ، بالشكل الذي ينضج شخصيتها ويؤهلها للعب دور إيجابي في الحياةالإجتماعية . كما إن النساء والفتايت يملن ذاتيا الى الأعمال والمهن النسائية أكثرمن الأعمال الخاصة بالرجال.
تنميةالأنوثة
من المهم الإنتباهالى هذه المسالة وهي أننا نريد أن تكون الفتاة أنثى وتعتز بأنوثتها ، وأن تحمل فيشخصيتها جميع صفات الأنوثة عن رضى وطيب خاطر ، وأن لا تنبذ أنوثتها بحيث تتمنىلوكانت ذكرا ، أو أن تتصرف على أساس الميل والرغبة بالإسترجال والذكورة.
وينبغي عدم إغفال حقيقة إن كل من الذكور والإناث نوع حياتي خاص بهبحسب طبيعتهم والدور الذي ينتظر أن يلعبوه في الحياة مستقبلا كأعضاء في المجتمعالإنساني . ويجب إحترام هذه الطبيعة والدور وتنميتهما في مجاليهما المختلفين .
ففي سني ما بعد البلوغ ، يجب أن يتجه التركيز علىالتثقيف العملي ، وتكتسب مسائل الأسرة وفنون الحياة الزوجية وتربية الأطفال أهميةمتزايدة في هذا المجال . إننا لا نعترض على مواصلة الفتيات لتحصيلهن الدراسي ،لكننا نعتقد ، كما يعتقد المتخصصون بشؤون المرأة ، إن الدور الأساس والواجب الأهم
للفتيات هو تربية الأجيال وإدارة شؤونالأسرة . يقول (لامبروزو) بأن الدراسات العلمية المعمقة في مجالات الفلسفة ،والراياضيات ، والإقتصاد ، والسياسات ، والتي تصفي ذهن الرجل ، تساهم في إضعاففراسة المرأة .
التدريب علىالعمل
يجب تجريب الفتاة ،منذ سني المراهقة على العمل ، وتشجيعها على القيام ببعض الأعمال البيتية كالطبخورعاية الأخوة والأخوات الصغر سنا ، وذلك من أجل أن تتمرس بالتدريج على تحملالواجبات والمسؤوليات العملية في الحياة ،حيث إن هذه الطريقة تحمل تأثيرات إيجابيةكبيرة جدا في تنمية قابليات الفتاة وإكتسابها للمهارات الضرورية التي تحتاجهامستقبلا .
فأحيانا نجد الأمهات يتصورن خطأ أنه يجب إشغالالفتاة بالأعمال الهامشية الروتينية ومنعها من القيام بالأعمال الأخرى المهمة كطهيالطعام وما الى ذلك ، خوفا من أن تلحق بالأسرة اضرارا مادية . في حين إن تعلم مثلهذه الأعمال يعد ضرورة لا غنى للفتاة عنها في حياتها الزوجية في المستقبل من الزمن .
ولا بد أن نسجل هنا إستثناء بخصوص عمل الفتاة في هذهالسن وهو وجوب عدم الإثقال على الفتاة بكثرة الأعمال والواجبات البيتية الى الدرجةالتي تأخذ كل وقتها ، وترهقها وتخلق لديها من جهة طابعا سلبيا عن المسؤوليات التيتنتظرها في المستقبل ، ومن جهة أخرى تحول بينها وبين التمتع بملذات سن الشباب ، بليجب الأخذ بنظر الإعتبار ، عند تكليفها بالأعمال والواجبات راحتها وعدم إجهادهاكثيرا ، وكذلك إعطائها وقتا كافيا للتفرغ الى نفسها وممارسة هواياتها اليومية .
التدريب علىالإستقلال
يجب على أولياءالأمور أن يخففوا من وصايتهم على الفتاة في سني المراهقة بالتدريج ، وأن يتعاملوامعها بالشكل الذي يتيح لها المجال كي تنمو وتتطور شيئا فشيئا بالإعتماد على نفسهابعيدا عن أوامر وتوجيهات الأوبين . إن الفتاة في هذه السن هي في مرحلة الفطامالنفسي ، الذي يستتبعه الإستقلال الذاتي ، ويوجب أن تتحول فيها سلطة الوالدينالمباشرة الى سلطة ظل وتوجيه غير مباشرين .
ومن المهمجدا العمل على إعداد الفتاة لكي تستقل بشؤونها بالتدريج بشكل كامل ، حيث أنه ليس منالصحيح أن تبقى متعلقة بالوالدين كالأطفال أو تنتظر أن يحلا لها جميع مشاكلهاويستجيبا لكل ما تريده وتطلبه .
وطبيعي أنه يجب علىأولياء الأمور ، وهم يعملون على تنمية إستقلال فتياتهم وتشجيع إعتمادهن على أنفسهن، أن يشرفوا على أوضاعهن بشكل غير مباشر ليعرفوا بمن يلتقين خارج إطار الأسرة ، ومنيعاشرن ، وما هي نوع العلاقات والروابط التر تربطهن بالآخرين ، ويراقبوا سلوكهنوتصرفاتهن في المجتمع ، خصوصا نوع العلاقات العاطفية التي يمكن أن تربطهن بالأقرانوالمعلمات .
وهناك بعض المشكلات يمكن أن تعترض سبيلتنمية إستقلال التفيات يجب معرفتها والعمل على تذليلها ، ومنها التعلقات العاطفيةالشديدة بين الأولياء والبنات ، التي تمد بجذورها لسنوات الطفولة ، والجهل بما يدورداخل الفتاة من ميول وإنفعالات تنعكس على سلوكها وتصرفاتها رغم حرصها على إخفائها ،وبساطة البنت وسرعة تصديقها الأمر الذي يمكن أن يعرضها لمخاطر النصب والإحتيال و ...
معالجةالمعضلات
هناك الكثير منالمشاكل والصعوبات التي تعترض سبل نمو وإستقلال ونضوج الفتيات يتطلب العمل علىتذليلها وحلها مزيدا من الوعي والتحمل . وبإمكان الأولياء ، خصوصا الأمهات ، الذينيتطلعون لخير وسعادة بناتهم ، ان يتواصلوا معهن بالإرشاد والتوجيه وغبداء العونوالمساعدة على تجاوز مثل هذه المعضلات بنجاح . وذلك بحاجة الى جد ومثابرة وسعة صدر .
تتاح في بعض الحالات داخل الأسرة فرص مناسبة ينبغيإستغلالها للحديث مع الأبناء ، بما فيهم البنات حول شؤون الحياة ومشاكلها وكيفيةالتعامل معها من خلال شرح حيثياتها وملابساتها ، وبالتالي تزويدهم بخبرات عن طرقوكيفية التعامل مع معضلات الحياة وصعوباتها ، وإفهامهم بأنه يجب عليهم من الآنفصاعدا الإعتماد على أنفسهم في إدارة شؤونهم وحل مشاكلهم .
إن الصدمات النفسية ، التي يمكن أن تتعرض لها الفتيات في هذه السنأو في مراحل لاحقة منحياتهن ، لو بحثنا عن أسبابها فإننا سنجدها في غالب الأحوالتعود الى قلةالخبرة وعدم إكتسبا المهارات اللازمةفي التعامل مع مشكلات الحياةوصعوباتها ، لأنهن كن ببساطة فتيات عاطلات في البيت دون أي نشاط أو فعالية عملية ،وكانت الأمهات هن اللاتي يقضين حاداتهن ويتصرفن في شؤونهن على الدوام ، ولم يكنليخطر في بال الأمهات بأن فتياتهن لابد أن يستعدن عمليا للعب دور الزوجة والأموإدارة شؤون الأسرة في المستقبل من حياتهن الإجتماعية.
الإعدادللزواج
قد يعتبر بعض أولياءالأمور الحديث عن الزواج في هذه المرحلة من العمر سابقا لأوانه ، وينزعجون من سماعهأو التداول حوله ، في حين إن مثل هذا
التصور ـ كما نعتقد ـ خاطئ بالمرة وليس فيمحله ، فالملاحظ إن بعض الفتيات ، في سني 14 و 15 و16 عاما ، تحصل لديهن ميولوتصرفات جنسية منحرفة بما يدل على أنهذه المسالة ليست سابقة لأوانها ومن هنا فإنالتفكير بتزويج الفتاة في هذه السن وإعدادها نفسيا لقبوله ضرورة لا غنى عنها وتزدادأهمية ذلك إذا عرفنا إن الإسلام يعتبر «من سعادة المرء أن لا تطمث إبنته في بيته» (1).
ولا ننسى أننشير في هذا المجال أيضا الى نقطتين هامتين وهما أولا إن الفتيات في هذه السن ، رغممايتمتعن به نمو عضوي ونفسي ، غلا انهن لسن في وضع يسمح لهن بإنتخاب الزوج المناسبلوحدهن بسهولة ، أعني أنهن لم يبلغن النضج الفكري في هذا المجال تماما ، ولابد أنيكون غلى جنبهن من يرشدهن ويساعدهن على إتخاذ القرار الذي يصب في مصلحتهن ، وثانياإن سن التأهل للزواج هوسن بلوغ الحيض ...
وأحيانا يحصلفاصل بين الإثنين ، ويوصف ذلك يفترةتأخر البلوغ .
قثدتتزوج الفتاة من دون أن يحصل لديها حمل . لذا فإن النضوج الجنسي شيء جد مهم في أمرالزواج والحمل .
إن المشكلة التي تواجه فتياتنا في هذاالمجال هي طول مرحلة الدراسة في عصرنا الحاضر ، وإزدياد تعلقهن العاطفي بالوالدين ،الأمر الذي يؤدي الى تأخر زواجهن ، ويفترض عليهن تحمل كثير من المعاناة والحرمانالجنسي . وتزداد هذه المشكلة تفاقما في الحالات التي لا يلتفت فيها الأولياء لحاجةالفتاة للزواج ، ولا تجد الأخيرة فرصة مناسبة لمفاتحتهم والتعبير عن رغبتها .
(1) النبي (ص) عن كتاب مكارم الأخلاق .
الإقتداءبالوالدين
إن أفضل أسلوب فيالتربية هو إسلوب الإقتداء . فالوالدان والمربون يجب أن يكونوا قدوة للفتيات فيالمعايير والمسائل السلوكية التي يدعونهن غلى الالتزام بها في حياتهن . والواقع هوأن الفتيات المراهقات ينظرن للحيان في هذه السن وكأنها نهر متلاطم الأمواج يصعبالعبور منه الى الضفة الأخرى بنجاح ، ولعل واحدا من الأسباب النفسية التي تدفع بعضالفتايت الى الإنتحار أو التفكير به هو شعورهن بالعجز عن مواصلة الحياة ومواجهةمشاكلها وصعوباتها بشجاعة وإقتدار .
وهكذا فإنهن بحاجةالى من يوجههن ويعينهن على مواجهة مجريات الحياة . فقد لا يسمح لهن غرورهنوإعتدادهن بأنفسهن طلب العون والمساعدة من الآخرين ، وحتى من الوالدين ، وهو مايفرض على أولياء الأمور والمربين أن يبادروا بأنفسهم الى عرض خدماتهم ومساعداتهملهن دون إنتظار أن يطلبن ذلك مهم بأنفسهن ، وإن يشجعونهن على خوض غمار الحياةبشجاعة وتفاؤل خال من الخوف والوجل .
التوجيه وليسالفرض
قلنا فيما مر منالبحث إن شروط التربية تتغير في سني المراهقة خصوصا في المرحلة التر تلي البلوغالجنسي . فمن الخطأ بعد الآن أن يعتبر الأولياء فتياتهم صغيرات ويتعاملون معهنإنطلاقا من مثل هذا التصور ، فيركزون جل إهتماماتهم على توجيه الأوامر والنواهي لهنومراقبتهن فيما إذا كن يلتزمن بها أم لا .
لابد من معرفة إنالفتيات في هذه السن لم يعدن تلك الفتيات الصغيرات اللاتي كنيخضعن في مرحلة الطفولةلأوامر ونواهي الوالدين دون أي نقاش أو إبداء للرأي . فهن الآن يعتبرن أنفسهن قدكبرن ولهن الحق في أن يبدين آرائهن بشأن جميع شؤونهن وأن يعملن يما يقتنعن بهويرينه معقولا ويصب في صالحهن ، وليس الذي يفرضع عليهن الاخرون بالقوة على شكلأوامر غير قابلة للنقاش ، وهو المر الذي يفرض على الأولياء أن يغيروا إسلوب تعاملهممعهن ويجعلوه منسجما مع أوضاعهن الجديدة ويساعدونهن ويوجهونهن بواسطة الإنفتاحالودي عليهن وبناء علاقات مبنية على الإحترام والتفاهم المتبادل معهن .