كيف تواجه المصائب؟
1- أن تنظر إلى أهل المصائب والابتلاء من حولك
فحتى تهون المصائب، على المرء أن يرى أن ما أصابه، أصاب غيره أيضاُ، بل أصابهم ما هو أشد... وما تخلو منهم مدينة ولا قرية ولا حي ولا عائلة إلا وعندها الكثير... أنظر حولك.
فكم من فقير وهناك أفقر منه.
وكم من مريض وهناك من هو أكثر مرضاً منه.
وكم ممن يتأفف من ضيق منزله المؤلف من أربع غرف، وهناك من يسكن في ثلاث، بل إثنين، بل في غرفة واحدة... وكم ممن ينام عند قارعة الطريق في البرد القارس والمطر الغزير..
وكم ممن يغضب من قلة التنوع في أصناف طعامه... وهناك من لا يجد خبزة يسد بها رمقه.
وكم من ساخط لأنه رزق البنات دون البنين، أو البنين دون البنات... وهناك من رزق بهم، وفيهم المعوق والمشلول والمعتل و"المنغولي".
وكم ممن أصيب بمرض قابل للعلاج أو الدواء أو العملية الجراحية أو المتابعة الطبية... وهو غاضب جزع، بالرغم من أنه يملك وسيلة للعلاج، من طبيب أو مال... وهناك من أصيب بمرض عضال، ولم ينفعه ماله ولا أحباؤه ولا جاهه ولا سلطانه.
وكم ممن خسر بعض ماله في تجارة أو حريق أو سرقة، ويملك من فضل الله غيرها، وهناك من خسر كل ما يملك.
وكم ممن يتأفف من مريض وحاجاته وطلباته... وهناك من مات عزيزه، وكان يتمنى بقاءه، ليخدمه ويستأنس بأنفاسه ووجوده...
وعلى الجملة، يشكر ربه على أن لم يجعل البلاء أعظم مما وقع حيث أصيب أحدهم بقرحة في يده، فقال:
الحمد لله على هذه النعمة، حيث لم يجعلها في عيني أو طرف لساني.
وليشكر ربه على أن لم يجعل مصيبته في دينه.
كان الصادق (ع) يقول عند المصيبة: "الحمد لله الذي لم يجعل مصيبتي في ديني، والحمد لله الذي لو شاء أن تكون مصيبتي أعظم مما كانت، والحمد لله على الأمر الذي شاء أن يكون وكان".
وسئل أمير المؤمنين (ع): أي المصائب أشد؟
قال (ع):
"المصيبة بالدين".
وكان أحد الصالحين يشكر الله أربع مرات، إذا أصيب بمصيبة:
أ- لأنها لم تكن أعظم مما هي.
ب- ولأنه رزق الصبر عليها.
ج- ولأنه تذكر وانتظر أجرها وثوابها.
د- ولأنها لم تكن مصيبة في الدين، كترك الصلاة أو ركوب الحرام أو إهمال واجب...
والخلاصة:
أن المبتلين من حولنا كثر، وتتعدد الدرجات والأشكال... ومن شاهد عظيم مصائب غيره، هانت عليه مصائبه.
ومن تأسى بأهل المصائب والبلاء شعر براحة عظيمة فورية، والتجربة خير برهان.
2- تذكر أن الله عز وجل عادل لا يظلم
فمن أركان الدين، الإيمان أن الله سبحانه لا يظلم عباده، وإن ظن ذلك بعض ضعاف الإيمان، أو من استحوذ عليهم الشيطان، نتيجة لما يرونه من اختلاف بين البشر، في المال والعمر والصحة والأمن...
والحقيقة هي:
﴿إن الله لا يظلم مثقال ذرة﴾.
صحيح أن هناك تفاوت في الأرزاق، فهذا غني وهذا فقير، وصحيح أن ذاك يموت شاباً أو طفلاً، وغيره يموت شيخاً أو كهلاً، وصحييح أن البعض يفتك فيه المرض، وغيره ينعم بالصحة والعافية... لكن سنة الحياة ﴿ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأسآء والضراء لعلهم يتضرعون، فلولا إذ جآءهم بأسنا تضرعوا، ولكن قست قلوبهم﴾.
إلا أن العدالة الإلهية شملت الجميع برحمة الله، ولو آمنوا واتقوا، لتغيرت الأرض غير الأرض.
﴿ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا، لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون﴾.
ولله أعلم بأسرار العباد، وما يضرهم وما ينفعهم، وينطبق عليهم قوله تعالى:
﴿ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون﴾.
ومن عدل الله عز وجل، أنه لولا المحن والمصائب، لأصاب العبد التكبر والتجبر والغرور والعجب والفرعنة... فيخسر آخرته، وذلك هو الخسران المبين.
فتأتي الابتلاءات متفقدة ومذكرة ومنبهة... وموقظة له من غفلة الدنيا.
قيل:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت
ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
فالله جل جلاله جعل قوانين وقواعد لهذه الدنيا التي نعيش... ومن جملتها، وقوع بعض الأشياء أو تأخيرها أو تعجيلها... بفضل العدالة الإلهية المباركة.وهذه جميعها مرتبطة بالسلوك والعقيدة والحلال والحرام والخلق... وإن جهل كثير من الناس ذلك.
قال الله جل جلاله:
﴿ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا، لعلهم يرجعون﴾.
فمن الأمور التي تزيد في الرزق مثلاً:
حسن الخلق، إطعام الطعام، مواساة الاخوان، أداء الأمانة، بر أهل بيته، الدعاء للإخوان بظهر الغيب، البقاء على طهارة (على وضوء)، كثرة الصدقة، حسن النية، الزواج...
وبالمقابل، من الأمور التي تمحق الرزق:
إقتراف الذنوب، منع المسلم عن حقه، أكل مال السحت (المال الحرام)... وترك تأديب الناشئة والأولاد على ترك المعصية، فإن الله عز وجل أول ما يعاقبهم فيه، أن ينقص من أرزاقهم.
ومن الأمور التي جعلها الله تعالى لزيادة العمر:
كثرة الطهور (الوضوء)، حسن النية، إجتناب الحرام، إدخال السرور على الوالدين، صلة الرحم، البر، الصدقة.
روي عن مولانا الصادق (ع):
"يعيش الناس بإحسانهم، أكثر مما يعيشون بأعمارهم، ويموتون بذنوبهم، أكثرمما يموتون بآجالهم".
فمن تفهم هذه الأمور، وغيرها كثير، من السنن والنواميس، عرف عدل الله عز وجل، في العمر والرزق والمرض... "فالمصائب بالسوية مقسومة بين البرية".
"وما بلغ عبد حقيقة الإيمان، حتى يعلم أن ما أصابه، لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه".
3-تذكر عند وقوع المصائب، أن الله رحيم رؤوف
فرحمة الله وسعت كل شيء، وأنت شيء بسيط من هذه الأشياء، التي لا ينساها الله عز وجل.
فنعمة البصر التي تتنعم بها بالنظر إلى هذه الكلمات، من الله جل شأنه.
ونعمة اليد التي تمسك بها هذا الكتاب، من الله سبحانه.
وقلبك الذي يتحرك في الليل والنهار، منذ ولدت، وحتى هذه الساعة... إنما يتحرك برحمة الله.
والدم الذي يجري في عروقك، ليصل كل أعضائك، هو من فضل الله ورحمته...
وهل تحيا لو توقف كبدك أو كلوتك عن العمل؟
فالله جل جلاله الذي أنعم عليك بكل هذه النعم، وعلى كل البشر في العالم، وعبر التاريخ... أليس هو رحمان رحيم ورؤوف وودود ولطيف؟
ترى:
هل نسي النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء؟
هل نسي السمكة في البحار؟
هل نسي الطير في الصحاري والقفار؟
هل نسي الجنين في بطن أمه؟
فكيف ينساك وهو أرحم الراحمين؟
وهناك أمور تكون سبباً في نزول الرحمة الإلهية، منها:
أ- الطاعة: ﴿وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون﴾.
ب- واتباع الكتاب والتقوى: ﴿وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون﴾.
ج- وإقامة الصلاة... ﴿وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون﴾.
د- والاستغفار ﴿لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون﴾.
ومن رحمة الله تعالى شأنه، أنه يبعث ملكاً إلى أهل الميت ينسيهم لوعة الحزن.
ولولا ذلك لهلك الناس من فرط أسفهم.
روي عن الإمام الصادق (ع):
"إن الميت إذا مات، بعث الله ملكاً إلى أوجع أهله، فمسح على قلبه، فأنساه لوعة الحزن، ولولا ذلك لم تعمر الدنيا".
4- عليك أن تعتاد كتمان المصائب
وهذه العادة ينبغي أن تكون ملكة عندك، أي عادة راسخة، بحيث تتحدث بالنعم والخير ﴿وأما بنعمة ربك فحدث﴾... لا كما يفعل بعض الناس الذين بمجرد أن تسألهم عن حالهم يشكون ويندبون.
لذا ورد عن النبي (ص) أنه من البر كتمان المصائب، والأمراض، والصدقة (إلا في بعض الحالات حيث لا يمكن الكتمان، أو لا بد من الإظهار، كإعلام الناس بموت فلان ليؤجروا في تشييعه، أو إعلامهم بمرضه لإرشاده إلى الدواء).
والكتمان هنا، سر من أسرار الرضا بقضاء الله وقدره، الذي يؤدي إلى الانشراح والراحة، على قاعدة:
﴿قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا﴾.
من هنا، كان بعض أهل الطاعات، يضمرون ما يصيبهم حتى يظهر من تلقاء نفسه... وكانوا يكتفون بإطلاع الله جل شأنه على حالهم وما وقع بهم.
فمن تعظيم الله وإجلاله ترك الشكوى والتململ والتأفف من المصائب.
والقدوة في ذلك، سيدنا يعقوب (ع)، حيث لم يناف بكاؤه صبره(ما دام البكاء غير مقرون بكلام حرام) حيث قال الله سبحانه عنه:
﴿إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله﴾ أي الشكوى للخالق سبحانه، وليس للمخلوق.
ووصف الله صبره قبل ذلك بقوله:
﴿فصبر جميل﴾ والصبر الجميل هو الذي ليس فيه شكوى للناس.
اللهم ارزقنا إياه.
لما مات إبراهيم ابن النبي (ص) بكى عليه، حتى جرت دموعه على لحيته، فقيل له: يا رسول الله، تنهى عن البكاء ثم تبكي؟!
فقال (ص):
" ليس هذا بكاء، وإنما هي رحمة، ومن لا يرحم، لا يرحم".
فالبكاء لا ينافي الرضا، ولا يوجب السخط، لأن القلب مطمئن بالإيمان، ومستقر على قبول مشيئة الله تعالى.
وما بكاء الأنبياء والأئمة (ع) على أبنائهم وأحبائهم إلا أمر طبيعي ما دام لم يقترن بالسخط.
يتبع
تعليق