إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

كيف تواجه المصائب؟

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيف تواجه المصائب؟


    كيف تواجه المصائب؟
    بما أن البلاء واقع لا محالة، فلا بد لكل إنسان عاقل أن يستعد لمواجهته... باتباع الأمور التالية:
    1- أن تنظر إلى أهل المصائب والابتلاء من حولك
    فحتى تهون المصائب، على المرء أن يرى أن ما أصابه، أصاب غيره أيضاُ، بل أصابهم ما هو أشد... وما تخلو منهم مدينة ولا قرية ولا حي ولا عائلة إلا وعندها الكثير... أنظر حولك.
    فكم من فقير وهناك أفقر منه.
    وكم من مريض وهناك من هو أكثر مرضاً منه.
    وكم ممن يتأفف من ضيق منزله المؤلف من أربع غرف، وهناك من يسكن في ثلاث، بل إثنين، بل في غرفة واحدة... وكم ممن ينام عند قارعة الطريق في البرد القارس والمطر الغزير..
    وكم ممن يغضب من قلة التنوع في أصناف طعامه... وهناك من لا يجد خبزة يسد بها رمقه.
    وكم من ساخط لأنه رزق البنات دون البنين، أو البنين دون البنات... وهناك من رزق بهم، وفيهم المعوق والمشلول والمعتل و"المنغولي".
    وكم ممن أصيب بمرض قابل للعلاج أو الدواء أو العملية الجراحية أو المتابعة الطبية... وهو غاضب جزع، بالرغم من أنه يملك وسيلة للعلاج، من طبيب أو مال... وهناك من أصيب بمرض عضال، ولم ينفعه ماله ولا أحباؤه ولا جاهه ولا سلطانه.
    وكم ممن خسر بعض ماله في تجارة أو حريق أو سرقة، ويملك من فضل الله غيرها، وهناك من خسر كل ما يملك.
    وكم ممن يتأفف من مريض وحاجاته وطلباته... وهناك من مات عزيزه، وكان يتمنى بقاءه، ليخدمه ويستأنس بأنفاسه ووجوده...
    وعلى الجملة، يشكر ربه على أن لم يجعل البلاء أعظم مما وقع حيث أصيب أحدهم بقرحة في يده، فقال:
    الحمد لله على هذه النعمة، حيث لم يجعلها في عيني أو طرف لساني.
    وليشكر ربه على أن لم يجعل مصيبته في دينه.
    كان الصادق (ع) يقول عند المصيبة: "الحمد لله الذي لم يجعل مصيبتي في ديني، والحمد لله الذي لو شاء أن تكون مصيبتي أعظم مما كانت، والحمد لله على الأمر الذي شاء أن يكون وكان".
    وسئل أمير المؤمنين (ع): أي المصائب أشد؟

    قال (ع):
    "المصيبة بالدين".

    وكان أحد الصالحين يشكر الله أربع مرات، إذا أصيب بمصيبة:
    أ- لأنها لم تكن أعظم مما هي.

    ب- ولأنه رزق الصبر عليها.
    ج- ولأنه تذكر وانتظر أجرها وثوابها.
    د- ولأنها لم تكن مصيبة في الدين، كترك الصلاة أو ركوب الحرام أو إهمال واجب...
    والخلاصة:
    أن المبتلين من حولنا كثر، وتتعدد الدرجات والأشكال... ومن شاهد عظيم مصائب غيره، هانت عليه مصائبه.
    ومن تأسى بأهل المصائب والبلاء شعر براحة عظيمة فورية، والتجربة خير برهان.
    2- تذكر أن الله عز وجل عادل لا يظلم
    فمن أركان الدين، الإيمان أن الله سبحانه لا يظلم عباده، وإن ظن ذلك بعض ضعاف الإيمان، أو من استحوذ عليهم الشيطان، نتيجة لما يرونه من اختلاف بين البشر، في المال والعمر والصحة والأمن...
    والحقيقة هي:
    ﴿إن الله لا يظلم مثقال ذرة﴾.
    صحيح أن هناك تفاوت في الأرزاق، فهذا غني وهذا فقير، وصحيح أن ذاك يموت شاباً أو طفلاً، وغيره يموت شيخاً أو كهلاً، وصحييح أن البعض يفتك فيه المرض، وغيره ينعم بالصحة والعافية... لكن سنة الحياة ﴿ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأسآء والضراء لعلهم يتضرعون، فلولا إذ جآءهم بأسنا تضرعوا، ولكن قست قلوبهم﴾.
    إلا أن العدالة الإلهية شملت الجميع برحمة الله، ولو آمنوا واتقوا، لتغيرت الأرض غير الأرض.
    ﴿ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا، لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون﴾.
    ولله أعلم بأسرار العباد، وما يضرهم وما ينفعهم، وينطبق عليهم قوله تعالى:
    ﴿ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون﴾.
    ومن عدل الله عز وجل، أنه لولا المحن والمصائب، لأصاب العبد التكبر والتجبر والغرور والعجب والفرعنة... فيخسر آخرته، وذلك هو الخسران المبين.
    فتأتي الابتلاءات متفقدة ومذكرة ومنبهة... وموقظة له من غفلة الدنيا.
    قيل:
    قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت
    ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
    فالله جل جلاله جعل قوانين وقواعد لهذه الدنيا التي نعيش... ومن جملتها، وقوع بعض الأشياء أو تأخيرها أو تعجيلها... بفضل العدالة الإلهية المباركة.
    وهذه جميعها مرتبطة بالسلوك والعقيدة والحلال والحرام والخلق... وإن جهل كثير من الناس ذلك.
    قال الله جل جلاله:
    ﴿ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا، لعلهم يرجعون﴾.
    فمن الأمور التي تزيد في الرزق مثلاً:
    حسن الخلق، إطعام الطعام، مواساة الاخوان، أداء الأمانة، بر أهل بيته، الدعاء للإخوان بظهر الغيب، البقاء على طهارة (على وضوء)، كثرة الصدقة، حسن النية، الزواج...
    وبالمقابل، من الأمور التي تمحق الرزق:
    إقتراف الذنوب، منع المسلم عن حقه، أكل مال السحت (المال الحرام)... وترك تأديب الناشئة والأولاد على ترك المعصية، فإن الله عز وجل أول ما يعاقبهم فيه، أن ينقص من أرزاقهم.
    ومن الأمور التي جعلها الله تعالى لزيادة العمر:
    كثرة الطهور (الوضوء)، حسن النية، إجتناب الحرام، إدخال السرور على الوالدين، صلة الرحم، البر، الصدقة.
    روي عن مولانا الصادق (ع):
    "يعيش الناس بإحسانهم، أكثر مما يعيشون بأعمارهم، ويموتون بذنوبهم، أكثرمما يموتون بآجالهم".
    فمن تفهم هذه الأمور، وغيرها كثير، من السنن والنواميس، عرف عدل الله عز وجل، في العمر والرزق والمرض... "فالمصائب بالسوية مقسومة بين البرية".
    "وما بلغ عبد حقيقة الإيمان، حتى يعلم أن ما أصابه، لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه".
    3-تذكر عند وقوع المصائب، أن الله رحيم رؤوف

    فرحمة الله وسعت كل شيء، وأنت شيء بسيط من هذه الأشياء، التي لا ينساها الله عز وجل.
    فنعمة البصر التي تتنعم بها بالنظر إلى هذه الكلمات، من الله جل شأنه.
    ونعمة اليد التي تمسك بها هذا الكتاب، من الله سبحانه.
    وقلبك الذي يتحرك في الليل والنهار، منذ ولدت، وحتى هذه الساعة... إنما يتحرك برحمة الله.
    والدم الذي يجري في عروقك، ليصل كل أعضائك، هو من فضل الله ورحمته...
    وهل تحيا لو توقف كبدك أو كلوتك عن العمل؟
    فالله جل جلاله الذي أنعم عليك بكل هذه النعم، وعلى كل البشر في العالم، وعبر التاريخ... أليس هو رحمان رحيم ورؤوف وودود ولطيف؟
    ترى:
    هل نسي النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء؟
    هل نسي السمكة في البحار؟
    هل نسي الطير في الصحاري والقفار؟
    هل نسي الجنين في بطن أمه؟
    فكيف ينساك وهو أرحم الراحمين؟
    وهناك أمور تكون سبباً في نزول الرحمة الإلهية، منها:
    أ- الطاعة: ﴿وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون﴾.
    ب- واتباع الكتاب والتقوى: ﴿وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون﴾.
    ج- وإقامة الصلاة... ﴿وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون﴾.
    د- والاستغفار ﴿لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون﴾.
    ومن رحمة الله تعالى شأنه، أنه يبعث ملكاً إلى أهل الميت ينسيهم لوعة الحزن.
    ولولا ذلك لهلك الناس من فرط أسفهم.
    روي عن الإمام الصادق (ع):
    "إن الميت إذا مات، بعث الله ملكاً إلى أوجع أهله، فمسح على قلبه، فأنساه لوعة الحزن، ولولا ذلك لم تعمر الدنيا".
    4- عليك أن تعتاد كتمان المصائب
    وهذه العادة ينبغي أن تكون ملكة عندك، أي عادة راسخة، بحيث تتحدث بالنعم والخير ﴿وأما بنعمة ربك فحدث﴾... لا كما يفعل بعض الناس الذين بمجرد أن تسألهم عن حالهم يشكون ويندبون.
    لذا ورد عن النبي (ص) أنه من البر كتمان المصائب، والأمراض، والصدقة (إلا في بعض الحالات حيث لا يمكن الكتمان، أو لا بد من الإظهار، كإعلام الناس بموت فلان ليؤجروا في تشييعه، أو إعلامهم بمرضه لإرشاده إلى الدواء).
    والكتمان هنا، سر من أسرار الرضا بقضاء الله وقدره، الذي يؤدي إلى الانشراح والراحة، على قاعدة:
    ﴿قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا﴾.
    من هنا، كان بعض أهل الطاعات، يضمرون ما يصيبهم حتى يظهر من تلقاء نفسه... وكانوا يكتفون بإطلاع الله جل شأنه على حالهم وما وقع بهم.
    فمن تعظيم الله وإجلاله ترك الشكوى والتململ والتأفف من المصائب.
    والقدوة في ذلك، سيدنا يعقوب (ع)، حيث لم يناف بكاؤه صبره(ما دام البكاء غير مقرون بكلام حرام) حيث قال الله سبحانه عنه:
    ﴿إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله﴾ أي الشكوى للخالق سبحانه، وليس للمخلوق.
    ووصف الله صبره قبل ذلك بقوله:
    ﴿فصبر جميل﴾ والصبر الجميل هو الذي ليس فيه شكوى للناس.
    اللهم ارزقنا إياه.
    لما مات إبراهيم ابن النبي (ص) بكى عليه، حتى جرت دموعه على لحيته، فقيل له: يا رسول الله، تنهى عن البكاء ثم تبكي؟!
    فقال (ص):
    " ليس هذا بكاء، وإنما هي رحمة، ومن لا يرحم، لا يرحم".
    فالبكاء لا ينافي الرضا، ولا يوجب السخط، لأن القلب مطمئن بالإيمان، ومستقر على قبول مشيئة الله تعالى.

    وما بكاء الأنبياء والأئمة (ع) على أبنائهم وأحبائهم إلا أمر طبيعي ما دام لم يقترن بالسخط.


    يتبع

  • #2
    * * *
    وكيف يحق للعبد أن يتأفف من مصيبة نازلة به، وهو محاط بشتى أنواع النعم في صحته وعافيته ورزقه... وبأعظم نعمة، وهي التي لا تتم النعم إلا بها: نعمة الإسلام؟!
    ولا يخلو إنسان من عافية ليرى كيف شكره، أو من بلية ليرى كيف صبره... فلم يظهر ابن آدم دائماً بليته ولا يظهر عافيته؟
    ثم، أليس أكثر المصائب لها وقت محدود ثم تمضي وتنسى (ويبقى أجر من صبر فيها)، أما النعم التي يعجز صاحبها عن عدها، فإنها تستمر وتقيم؟
    نقل عن أحد الأنبياء أنه قال: يا رب، أخبرني ما أدنى نعمك علي، فأوحى الله عز وجل إليه:

    يا فلان، تنفس... فتنفس، فقال الله تعالى: هذا أدنى نعمي عليك.
    وورد في النصوص الكثيرة، أن الأوجاع والأسقام تغسل من الذنوب، وأنها كفارة الخطايا، وعلى هذا الأساس، والهدي النبوي، يكون البلاء نعمة... فلم الشكوى؟
    اللهم لا نسألك حملاً خفيفاً، ولكن ظهراً قوياً.
    وقد ذكر أن المريض (المبتلى بالمرض)، يستجاب دعاؤه، ويرفع عنه القلم، ويكتب له الأجر، ويذهب مرضه بذنوبه:
    فإن عاش، عاش مغفوراً له طاهراً نقياً... وإن مات، مات مغفوراً له طاهراً نقياً، وكلاهما خير.

    فلم الشكوى من المرض؟ ولمن؟ للمخلوق الذي لا يضر ولا ينفع... وقد ينزل به أشد مما نزل بك.
    والعجب ممن يشكو الله إلى الناس، فهذا، ما عرف ربه الحنان المنان الغفور الرحيم، وما عرف الناس وضعفهم وعجزهم عن معالجة أمراضهم وابتلاءاتهم وما نزل بهم...
    وهذا الجاهل حقاً، لربه وللخلق ولحق نفسه.
    ولا بأس للمبتلى من البكاء... لكن لا أن يصل إلى حد التسخط والعويل وتمزيق الثياب وتكسير الأشياء وأذية الناس.
    5- التأسي بقصص الصالحين عندما نزلت بهم المصائب
    من الأمور الهامة في مواجهة المصائب، أن يكون لكل إنسان ( تقدم معنا أن البلاء لا يترك أحداً قط) مخزوناً مما أصاب الأنبياء والأولياء والتابعين والصالحين والعلماء والعابدين... يعرفه ويستحضره دوماً، إذا نزل به ما يسوؤه.
    قال الله عز وجل:
    ﴿أم حسبتم أن تدخلوا الجنة، ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم، مستهم البأساء والضراء وزلزلوا، حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله، ألا إن نصر الله قريب﴾.
    وعن رسول الله (ص) أنه قال:
    "كان الرجل قبلكم يؤخذ فيحفر له الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيشق بإثنين، ما يصده عن دينه".
    فعلينا أن نتذكر تضحيات أهل الإيمان من الذين سبقوا.
    وهل أوذي نبي كما أوذي حبيبنا، وخير خلق الله، وسيد البشر، محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟
    والملاحظ أن ما يصيب الناس اليوم من خوف، ما هو إلا لأنهم تركوا التأسي بأهل الأسوة، وقلدوا الكفار وما يرون من أفلامهم وما فيها من جزع وجبن وسخط وغضب وقلة أدب في التعامل مع الخالق جل وعلا.
    قدوتنا آدم (ع) وما عانى من محن، ونوح وابتلاءاته، وإبراهيم يعرض على النار ويقدم ولده، ويعقوب يبكي حتى يذهب بصره، وموسى يحرب فرعون، وعيسى يقارع اليهود، ومحمد (ص) يعاني ما يعاني... فيصبرون على ما يقع عليهم من أحداث مؤلمة ومفتنة...
    وهكذا نحن نطلع على سيرهم ومواقفهم لنمتثل بها.
    * لما توفي ابن رسول الله (ص)، وكان اسمه الطاهر، بكت أمه خديجة رضوان الله عليها، فقال لها النبي (ص) مواسياً لها:
    "أما ترضين أن تجديه قائماً لك على باب الجنة؟ فإذا رآك أخذ بيدك، فأدخلك الجنة، أطهرها مكاناً، وأطيبها".
    فسألته مستفهمة عن ذلك، فتابع قائلاً:

    "الله أعز وأكرم من أن يسلب عبداً ثمرة فؤاده، فيصبر، ويحتسب، ويحمد الله، ثم يعذبه".
    * عندما توفي اسماعيل، بن المفضل، بعث الإمام الصادق (ع) ابنه الإمام الكاظم (ع) للتعزية والمواساة.
    وكان ذلك بعد وفاة اسماعيل بن الإمام الصادق (ع)... فأوصاه قائلاً:
    " أقرئ المفضل السلام، وقل له، إنا أصبنا بإسماعيل فصبرنا، فاصبر كما صبرنا، إنا إذا أردنا أمراً، وأراد الله أمراً سلمناه لأمر الله".
    *إشتكى أبو صالح من رجله، فعلم الإمام الصادق (ع) ودعاه إلى منزله، فلما جاءه وأجلسه ووضع يده عليه ودعا له، قال (ع):

    "إن الله إذا أحب عبداً، وكل به ملكاً يبتليه، لكي يدعو فيسمع صوته، وإذا أبغض عبداً، وكل به ملكاً فيقول لا تبتليه بشيء، فأنا أكره أن يدعو وأن يسألني".
    * وكان امرأة صالحة من العابدات، تصاب بالمصائب، فلا تجزع وتنهار، فسئلت عن ذلك، فقالت:
    ما أصبت بمصيبة إلا وذكرت النار وغضب الجبار... فصارت المصيبة في عيني أصغر من الذباب.
    * وقطعت رجل صالح بعد أن فتك بها المرض، فقال:
    الحمد لله، هو أعطى الأمانة، وهو أخذها، الحمد لله، لم أستعملها إلا في طاعة.
    * وأصيب رجل بالعمى، وشلل في نصف جسده... وسمع يقول:
    الحمد لله على نعمه، ما لي إليه من حاجة، إلا أن يتوفاني على الإسلام.
    * وشوهد رجل مقعد ضرير يصلي من جلوس، فرآه من كان عرفه في أيام العافية والقوة، فبكى عليه... فقال الرجل: ما يبكيك؟!
    قال: ما نزل بك.
    قال الرجل المبتلى: ألست على الإيمان والتوحيد؟ يكفيني ذلك حتى ألقى وجه الله المنان فالحمد لله على أعظم النعم وأجلها... الحمد لله الذي فضلني على كثير من خلقه بالإسلام.
    * وأصيبت امرأة عابدة في بعض مالها، وخسرت دابتها، فجاء من يعزيها، فقالت:
    لولا المصائب لفجعنا بخطايانا ولأرهقتنا ذنوبنا.
    * وفقد رجل عزيزاً، فقال:
    لئن ساءني دهر، سرني دهر
    وإن مسني عسر، فقد مسني يسر
    لكل من الأيام عندي عادة
    فإن ساءني صبر، وإن سرني شكر
    * وخسر رجل مالاً كثيراً، فصبر... وعندما سئل عن ذلك، قال:
    ما عوضت من الصبر، أعظم مما انتزعت من مال.
    * وعرف عن رجل من العابدين كثرة مال وخدم... وكان مصلياً في أول الوقت، ذاكراً لله عز وجل، كريماً... ومما كان يقوله:
    كل نعمة لا تقرب من الله عز وجل، فهي بلية.
    * وأصاب حريق قمح رجل وزيتونه وما زرعه... فخسر كل موسمه، وشوهد باكياً... ثم قال لأهله:
    والله ما عليه أبكي، لكني تذكرت قول ربي:
    ﴿كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم، فأهلكته﴾.
    فخشيت أن أكون ممن قصدهم الآية.
    * ومات رجل من أهل الغفلة والغرور... فقال من عرفه متعظاً، وواعظاً:
    رب مغتر بها قد رأينا
    نفسه فوق رقاب الرجال
    * وقطعت رِجل رَجل بعد أن فتك بها المرض، فقال لمواسيه:
    الحمد لله على نعمه، الحمد لله، لقد أبقى الله أكثري، أبقى عقلي ولساني وبصري ويداي وإحدى رجلاي.
    * ومات شاب في حادث سيارة مفاجئ، فقال والده أثناء تشييعه:
    رضيت بمشيئة الله، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
    (حصلت هذه الحادثة أمامي).
    ولا أدري ماذا يفعل، من كان له ولد وحيد أو بنت وحيدة، ويخاف عليه خوفاً مرضياً... ماذا يفعل إذا نزل به مرض أو سوء أو موت، ولم يتأهب لتلك اللحظة بصبر واحتساب؟!
    * ومر حكيم في الريف، فرأى رجلاً قد ذهبت عيناه ورجلاه، وهو يقول:
    الحمد لله على نعمه عليّ، الحمد لله الذي فضلني على كثير من خلقه.
    فاقترب الحكيم من الرجل متعجباً مستفسراً عن حمده على الرغم من كثير بلائه...
    فقال المبتلى:
    عاملت ربي بما يكره، وعاملني بما أحب... ولم يرسل ناراً تحرقني، ولم ينسف الجبال فوق رأسي، ولم يأمر الجبال فتبتلعني، وفسح في أجلي، ليزداد عملي، فمازلت أحمده، وأحمده على الحمد، وأشكره على الشكر... وإني من المقصرين.
    ثم صمت، وقال:
    فخرجت أطلبها بين تلك التلال، ابتغاء وجه الله الكريم في قضاء حاجة هذا الرجل الصالح... فإذا السبع قد أكلها، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، كيف أخبره بموت ابنته؟ فأتيته وقلت له:
    أنت أعظم عند الله منزلة، أم أيوب (ع)؟ حيث ابتلاه الله في ولده وأهله وماله وبدنه.
    قال: لا بل أيوب (ع).
    قلت: ابنتك أكلها السبع.
    قال: لا بل أيوب (ع).
    قلت: ابنتك أكلها السبع.
    قال: الحمد لله حمداً كثيراً، أن لم يخرجني من الدنيا وفي قلبي منها شيء... ثم مات.
    * وابتلي مؤمن بإشاعات وتهم الناس... فكان يكثر القول:
    ﴿ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك﴾.
    الحمد لله الذي جعل لي ما جعل للرسل.
    * وإلتزم رجل بدين الإسلام بعد أن كان نصرانياً... فقيل عنه أنه غبي مجنون، فكان يردد:
    ﴿كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون﴾.
    * وكان أحدهم يكثر الاسترجاع (يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون) في كل صغيرة وكبيرة تؤذيه. (كوجع الضرس، والجرح البسيط، والكدمة، والصداع، وثقب في الثوب، وضياع الآنية، والسرقة، و"الفكش" في اليد والرجل...).
    * وشكا رجل ضيق حاله ومعاشه... فقال له عالم حكيم:
    أتبيع بصرك بمئة ألف؟
    قال: لا.
    قال الحكيم: أتبيع سمعك بمئة ألف؟
    قال: لا.
    قال الحكيم: فأنت الغني بما لا يباع بثمن.
    * وخسر رجل بعض عقاره وماله... وبقي مع أولاده على الإيمان والإلتزام... فسمع يقول:
    من كل شيء إذا ضيعته عوض
    وما من الله إن ضيعته عوض
    * ونعي إلى والد ولده، فاسترجع (قال: إنا لله، وإنا إليه راجعون) وتابع:
    عورة سترها الله، ومؤنة كفاها الله، وأجر ساقه الله..." ثم نزل وصلى ركعتين... وقال:
    قد فعلنا ما أمرنا الله عز وجل في قوله: ﴿واستعينوا بالصبر والصلاة﴾.
    * وأصيبت زاهدة في ولدها، فصبرت واحتسبت... وعندما سئلت عن ذلك، قالت:
    قد بشرني الله بالصلاة علي، وبالرحمة والهداية... وتكفيني واحدة للفوز بالجنة (إشارة لقوله سبحانه ﴿وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا، إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون﴾).
    * وعزي رجل على مصيبة نالته، فأشار إلى الآية الكريمة بقوله:
    وعدني ربي على صبري ثلاث خصال، كل واحدة منها، خير من الدنيا وما عليها.
    (إشارة إلى الآية الكريمة التي مرت قبل ثلاثة أسطر).
    * وتسلى (تعزى) أحد الحكماء عند موت ابنه، فقال:
    قد مات كل نبي وعالم وحبيب.
    من لم يصب ممن ترى بمصيبة؟!
    هذا سبيل لست عنه بأوحد
    وإذا ذكرت مصيبة تسلو بها
    فاذكر مصابك بالنبي محمد
    * وأخبرت امرأة بموت ابنها عقيل، وكان قد نزل عندها ضيوف، فقالت لهم: عزوني بشيء من كتاب ربي.
    فتلى أحدهم :﴿وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا، إنا لله وإنا إليه راجعون...﴾.
    فقامت وصلت ركعتين، ثم استرجعت قائلة: "إنا لله وإنا إليه راجعون" عند الله أحتسب عقيلاً، اللهم إني فعلت ما أمرتني، فأنجز لي ما وعدتني.
    6- لا تنسى أن البلاء تذكرة وأدب ونجاة
    روي عن رسول الله (ص):
    "لولا ثلاث في ابن آدم، ما طأطأ رأسه شيء:
    المرض، والموت، والفقر، وكلهن فيه، وإنه لمعهن لوثاب".
    فكل إنسان له قابلية للتجبر والتفرعن والبطش، وهذا ما نراه حولنا كثيراً، خاصة عند من أعطي جاهاً أو مالاً... إلا ما رحم ربي.
    قال الله عز وجل:
    ﴿ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين، ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون﴾.
    فيأتي البلاء من مرض أو فقر... كتذكرة لصاحبه، بل إيقاظ لنفسه، بل قيام من سباته، فهو دواء لحالات الطغيان والبغي، فكم من الناس ﴿لو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون﴾.
    ومن رحمة الله إبتلاء الإنسان ليعود إلى رشده، ويتذكر أنه عبد وليس إله، وأنه ضعيف وليس مخلداً في الأرض يفعل ما يشاء.
    ولنتصور إنساناً ساقته الأحداث والأسباب فأصبح آمراً ناهياً، موزعاً للأموال، يعطي من يشاء، ويمنع عمن يشاء، مؤيداً بسلطة عسكرية، مهاباً يخافه الناس (والأمثلة حولنا كثيرة).
    كيف سوف يكون إيمانه وقلبه ودينه وتقواه؟
    هذا إذا بقي منها شيئاً.
    ونرى نماذج كثيرة أفسدتها عضوية في بلدية قرية صغيرة، أو مسؤولية متواضعة في جمعية مغمورة، أو وظيفة في شركة ما، أو مال يذهب بين ليلة وضحاها.
    وكم خسرنا من أعزاء ومؤمنين نتيجة هذه الابتلاءات.
    فالبعض لا يقبل الموعظة، وبعضهم يضع الحكم الشرعي وراءه، وهو الذي كان يبشر به من أمسه (قبل المنصب أو الغنى)، وبعضهم يفسد في الأرض كأنه نسي الذين من قبله وقد ماتوا قبل أن يصبح مكانهم.
    فدواء هؤلاء، الإبتلاء، لتعود عافية الإيمان إليهم، وصحة التواضع عليهم، وليستشعروا العبودية الحقة.
    فيخضعوا رغم أنوفهم الشامخة للمرض وأنواعه، والفقر وأصنافه، والموت وأهواله.
    ومما لا شك فيه، أن المصائب على نحو الإجمال تقرب من الله جل شأنه... فكيف بمن أحاطت به الأوهام، وغرق في الأحلام، ونسي يوم القيامة؟
    فكم مما يظن أنه شراب، فإذا به سراب.
    وكم من عمارات شامخات، فإذا هي خراب.
    وكم من مال كثير وجاه وفير، فإذا به إلى ذهاب.
    وهل من نبي حبيب نجى من بلاء أو امتحان قريب؟
    هذه هي الدنيا، من خاضها لا يخلو من بلاء:
    طبعت على كدر، وأنت تريدها
    صفواً من الأقذاء والأكدار!
    وفي شأن الإيقاظ من الغفلة، روي عن علي (ع):
    " إذا رأيت الله سبحانه يتابع عليك البلاء فقد أيقظك".
    ومن فضل الله على إيمان المؤمن، ومن حرصه عز وجل على تقواه وآخرته، جعل له تذكرة متواصلة، رحمة به لا تتأخر عنه أكثر من أربعين يوماً.
    روي عن الإمام الصادق(ع):
    "ما من مؤمن إلا وهو يذكر في كل أربعين يوماً ببلاء، إما في ماله، أو في ولده، أو في نفسه، فيؤجر عليه، أو هم لا يدري من أين هو".
    وعن الإمام العسكري (ع):
    " ربما كان الغير (تغير الأحوال وتلاحق الأحداث والوقائع) نوع من أدب الله".
    وفي نص صريح وجلي عن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يقول:
    "إن الله يبتلي عباده عن الأعمال السيئة، بنقص الثمرات، وحبس البركات، وإغلاق خزائن الخيرات:

    ليتوب تائب، ويقلع مقلع، ويتذكر متذكر، ويزدجر مزدجر".
    وورد عنه (ع)، نص في بحار الأنوار، يستحق التأمل والشكر...
    " إن البلاء للظالم أدب،
    وللمؤمن امتحان،
    وللأنبياء درجة،
    وللأولياء كرامة".
    ومن أسرار البلاء التي يجهلها كثير من الناس، أنه يكون حتى لا يتعلق المؤمن بالدنيا، ويستكين إليها، بل يبغضها ويتقرف منها ويتوجه للآخرة.
    وفي هذا، يروى أنه جبرائيل (ع) جاء إلى رسول الله(ص)، فقال:
    " الحق يقرئك السلام، ويقول لك: إني أوحيت إلى الدنيا أن تمرري (من المر)، وتكدري، وتضيقي، وتشددي على أوليائي حتى يحبوا لقائي، وتيسري وتسهلي تطيبي لأعدائي حتى يبغضوا لقائي، فإني جعلت الدنيا سجناً لأوليائي، وجنة لأعدائي".

    ولا ننسى على كل حال أن شدة البلاء إيذان بقرب الفرج.
    روي عن علي (ع):
    " عند تناهي البلاء يكون الفرج".
    7- عليك إنتظار البلاء والإستعداد له

    بعد أن أصبح مسلماً أن البلاء آت لا محالة على كل البشر، كان لا بد من الاستعداد له، بحوافز التسليم والرضا.
    رأى الصادق(ع) رجلاً قد اشتد جزعه عند موت ولده فقال (ع):
    "يل هذا، جزعت للمصيبة الصغرى، وغفلت عن المصيبة الكبرى، لو كنت لما صار إليه ولدك مستعداً، لما اشتد عليه جزعك.
    فمصابك بتركك الاستعداد، أعظم من مصابك بولدك".
    وتنبغي الإشارة، إلى أن الاستعداد لتلقي المصائب والبلايا، لا يكون عند وقوعها، حيث تضطرب النفس ويتشتت الذهن، بل تكون بمسلك إيماني ومفاهيم مستقرة في معنى الدنيا والآخرة والقضاء والقدر وسنن الحياة في المصيبة والبلاء والرزق..

    وهذا لا يتحقق إلا بالرجوع إلى الأحاديث الشريفة المروية عن أنبياء الله وأوليائه (ع)، لأن "البلاء أسرع إلى المؤمن التقي من المطر إلى قرار الأرض".
    وعندما سئل الإمام أبو جعفر الباقر (ع): هل يبتلي الله المؤمن؟

    قال (ع):
    "وهل يبتلى إلا المؤمن".
    وفي النص الشريف عن الإمام الكاظم (ع):
    "مثل المؤمن كمثل كفتي الميزان، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه، ليلقى الله عز وجل ولا خطيئة له".
    وعلى كل مؤمن أن يعلم، أنه يبتلى على قدر أعماله الحسنة، فمن حسن دينه وحسن عمله إشتد بلاؤه... ومن ضعف دينه وضعف عمله قل بلاؤه.

    8- عليك أن تسلم الأمر لله تعالى وترضى بقضائه
    وهذا من الأمور الأساسية في حياة المؤمن، ولا تتعلق بمواجهة المصائب والفواجع... إنما ترتبط في أصل نظرته للحياة والأرزاق والأعمار والأحداث والمفاجآت والزواج والأولاد والكوارث والموت والقرب والبعد والإلفة والمحبة بين الناس.
    فما من طائر يطير بجناحيه، ومامن ورقة تسقط من شجرة، وما من موجة تتحرك في البحر، ومامن نسمة تعبر الوديان، وما من نملة تدب، وما من حية تسعى، وما من أهداب عين تلتقي، وما من رجل تنتقل، وما من يد ترفع، وما من زرع ينبت، وما من نفس تقبض، وما من مولود يولد، وما من ديك يصيح... إلا بقضاء الله، وعلمه، ورحمته.
    فما عليك إلا التسليم والرضا.
    سئل الرضا عن كنز اليتيم مما كان؟
    فقال (ع):
    " كان لوحاً من ذهب فيه:

    بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يركن إليها.
    وينبغي لمن عقل عن الله، أن لا يستبطئه في رزقه، ولا يتهمه في قضائه".
    وعن أبي عبد الله (ع):
    " عجبت للمؤمن، إن الله لا يقضي له بقضاء، إلا كان خيراً له:

    إن أغناه كان خيراً له،
    وإن إبتلاه كان خيراً له،
    وإن ملكه ما بين المشرق والمغرب كان خيراً له،
    وإن قرض بالمقارض كان خيراً له،
    وفي قضاء الله للمؤمن كل خير".
    وعنه (ع):
    "لأحب الرجل إذا جاء أمر يكرهه أن ل يرى ذلك في وجهه، وإذا جاء ما يسره أن لا يرى ذلك في وجهه".

    وكفى، أن الرضا بقضاء الله وقدره أعلى درجات أهل الإيمان.
    ورد عن الرضا (ع) قوله:
    " الرضا بمكروه القضاء، من أعلى درجات اليقين".

    وذلك لأنه تسليم كامل لما أراد الله تبارك وتعالى.
    وعن الحسن (ع):
    "... كيف يكون المؤمن مؤمناً، وهو يسخط قسمه، ويحقر منزلته، والحاكم عليه الله".
    وخلاصة القول:
    "الرضا ثمرة اليقين".

    فمن رزق الرضا، فاز براحة البال، واستقرار الحال، وطال عمره، وبعد مرضه، وهنأت معيشته... لأنه سعيد بكل ما جعل الله له، من مال أو ولد أو عمر...
    والملاحظ أن أهل الرضا واليقين عبر التاريخ، هم أوزن الناس وأهنأهم وأسعدهم... مهما كانت حياتهم الدنيوية، وأحوالهم الظاهرية.
    والنصوص الكثيرة في هذا المجال، توضح الأمور جلياً.
    ورد عن علي أمير المؤمنين (ع):

    " من رضي من الله بما قسم له، استراح بدنه".
    فالرضا ينفي الحزن، ويورث الراحة، ويجعل العيش هنياً.

    أما من لم يرض بالقضاء، نعوذ بالله سبحانه، فقد دخل الكفر دينه.
    وأوحى الله، تعالى شأنه، إلى سيدنا داود (ع):
    "تريد وأريد، وإنما يكون ما أريد،



    يتبع

    تعليق


    • #3
      فإن سلمت لما أريد، كفيتك ما تريد،
      وإن لم تسلم لما أريد، أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد".
      ومن أدب الرضا وعلاماته، أن لا يقول المرء على شيء فاته "لو"، لأنها تورث الحسرة والندامة، فتكون فرصة لولوج الشيطان.
      ولم يكن رسول الله (ص) يقول لشيء قد مضى: لو كان غيره.
      وكان الإمام الباقر (ع) يقول:
      " ما أبالي، أصبحت فقيراً أو مرضاً، أو غنياً...لأن الله يقول:
      لا أفعل بالمؤمن إلا ما [هو] خير له".
      9-سبحان من يقتل أبناءنا ونزداد له حباً!!!

      ومن آثار التسليم لأمر الله عز وجل في سلوكيات المتدين المتوكل على الله عز وجل، أنه يرضى بما جعل الله له، ولو كان على خلاف رغبته... أو كان ذلك فقد عزيز.
      لأن "رأس طاعة الله، الرضا بما صنع الله، فيما أحب العبد وفيما كره...".
      ومن الأحبة الذين يعز فقدهم الأولاد... فكيف واجه أهل الطاعة ذلك؟
      فقد كان للإمام الصادق (ع) ابن، فبينما هو يمشي ويلعب بين يديه، إذ غص ومات، فبكى الإمام (ع) بكاء الراضي بما أصابه، وقال:

      "لئن أخذت لقد بقيت، ولئن ابتليت لقد عافيت".
      ثم دخل على النساء، فلما رأينه صرخن، فأقسم عليهن أن لا يصرخن، فلما أخرجه للدفن، قال كلمة، يجب أن تكتب بماء الذهب، قال (ع):

      " سبحان من يقتل أولادنا، ولا نزداد له إلا حباً".
      فلما دفنه قال وهو مطمئن البال:
      "يا بني، وسع الله في ضريحك، وجمع بينك وبين نبيك".
      ولما توفي ابنه اسماعيل، طلب قميصاً جديداً، فلبسه، ثم سرح شعره، وخرج إلى الناس كعادته، يأمر وينهى ويدعو إلى ربه، فقال له بعض الناس:

      لقد ظننا أننا لا ننتفع بك زماناً نتيجة إصابتك بإبنك... فقال (ع):
      "إنا أهل البيت نجزع ما لم تنزل المصيبة، وإذا نزلت صبرنا".

      10- تذكر أن بلاء الدنيا مغفرة للذنوب
      وعلى المبتلى أن يستحضر دائماً، أن الله سبحانه لا يبتليه في الدنيا ببلاء إلا ليخفف عنه في آخرته... وقد يكون البلاء كفارة لكل الذنوب، كما ورد في العديد من النصوص المقدسة.
      وهذا إكرام من الله الرؤوف الرحيم بعبده.
      "فالله تبارك وتعالى، إذا كان من أمره أن يكرم عبداً وله عنده ذنب، إبتلاه بالسقم (المرض)، فإن لم يفعل فبالحاجة، فإن لم يفعل شدد عليه الموت".
      ومن رحمة الله عز وجل أنه يبتلي عبده ولو بالخدشة أو الضربة... أو بخطأ في عد أمواله، فيحزن، وإن وجدها صحيحة فيما بعد... أو بغم لا يعرف سببه... وفي كل ذلك أجر ومغفرة.

      سمع الإمام الصادق (ع) يقول:
      "ملعون ملعون كل بدن لا يصاب في كل أربعين يوماً".
      فتعجب يونس بن يعقوب من ذلك (كما قد يتعجب قارئ هذه الكلمات) وقال مستغرباً: ملعون؟!

      فقال الإمام (ع):
      " يا يونس، إن من البلية، الخدشة، واللطمة، والعثرة، والنكبة، والقفزة، وانقطاع الشسع (جزء من الحذاء)، وأشباه ذلك".
      (لاحظ، من منا لا يصيبه ذلك كل يوم؟ فسبحان الله الذي وسعت رحمته كل شيء).

      "يا يونس، إن المؤمن أكرم على الله تعالى، من أن يمر عليه أربعون (يوماً)، لا يمحص فيها ذنوبه، ولو بغم يصيبه، لا يدري ما وجهه (ما سببه)،
      والله إن أحدكم ليضع الدراهم بين يديه فيزنها، فيجدها ناقصة، فيغتم بذلك، ثم يزنها، فيجدها سواء (صحيحة) فيكون ذلك حطة لبعض ذنوبه".
      (وفي نص، يعدها فتكون ناقصة... ثم يعاود عدها فتكون صحيحة).
      وعن رسول الله (ص):
      "إن المؤمن إذا قارف الذنوب إبتلى بها (بسببها) بالفقر، فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه (إن كان ذلك مكفراً لذنوبه، فيكتفى به)، وإلا ابتلي بالمرض، فإن كان ذلك كفارة لذنوبه، وإلا ابتلي بالخوف من السلطان يطلبه (الخوف من الحكم الجائر أو الحكومة الظالمة أو الملك المستبد)،فإن كان ذلك كفارة لذنوبه، وإلا ضيق عليه عند خروج نفسه (عند موته)، حتى يلقى الله حين يلقاه، وما له من ذنب يدعيه عليه، فيؤمر به إلى الجنة".
      وعنه (ص):

      " لا يزال البلاء في المؤمن والمؤمنة في جسده وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة".
      وفي النص الشريف، عن علي أمير المؤمنين (ع):
      " ما عاقب الله عبداً مؤمناً في هذه الدنيا، إلا كان الله أحلم، وأمجد، وأجود، وأكرم، من أن يعود في عقابه يوم القيامة..".
      11- تذكر الموازين الحقيقية لا المقاييس الوهمية

      عند وقوع البلاء عليك أن تتذكر الموازين الإلهية الحقيقية التي جعلها الله نظاماً وناموساً وقاعدةً لهذه الدنيا، بها يثيب، وبها يعاقب... وعلى أساسها يحدد مصير العباد.
      فبلاء الدنيا نعمة، والرخاء نقمة!
      ورد عن مولانا رسول الله (ص):
      "لا تكون مؤمناً حتى تعد البلاء نعمة، والرخاء محنة، لأن بلاء الدنيا نعمة في الآخرة، ورخاء الدنيا محنة في الآخرة".
      ومن جملة هذه الموازين أن " المصائب منح من الله".
      ومن هذه الموازين "أن الله ليتعهد عبده المؤمن بأنواع البلاء، كما يتعهد أهل البيت سيدهم بطرف الطعام".
      والبلاء خير للمؤمن لأنه يصحح إيمانه "فالبلاء زين للمؤمن، وكرامة لمن عقل، لأن في مباشرته، والصبر عليه، والثبات عنده، تصحيح نسبة الإيمان".

      "وإن الله ليغذي عبده المؤمن بالبلاء، كما تغذي الوالدة ولدها باللبن (الحليب).
      وهناك مقاييس وموازين للمؤمن تختلف عن الآخرين، نتيجة نظرته إلى الهدف من الدنيا، وحب الفوز في الآخرة.

      فقد نقل عن أبي ذر، أنه، وعلى عكس الناس في مقاييسهم الوهمية، أنه يحب الموت، ويحب الفقر، ويحب البلاء!
      فأوضح الإمام الصادق (ع) ذلك، بقوله، مؤكداً:
      أنه يحب الموت... لكن في طاعة الله، على الحياة في معصية الله سبحانه.
      ويحب الفقر.. لكن في طاعة الله عز وجل، على الغنى في معصية الله.
      ويحب البلاء... لكن في طاعة الله سبحانه، على الصحة في معصية الله.
      وهكذت تتوضح الكثير من المفاهيم والقواعد.
      12- للمبتلى في جسده
      على المبتلى بالعمى أو الطرش أو الشلل أو من قطعت إحدى أطرافه أو كان معاقاً أو أصيب في جسده... أن يتذكر أن هناك منزلة في الجنة لا يصلها إلا من أبتلي في جسده.
      روي عن رسول الله (ص):
      "إن الرجل ليكون له الدرجة عند الله، لا يبلغها بعمله، يبتلى ببلاء في جسمه فيبلغها بذلك".

      إلى العديد من النصوص بهذا المضمون.
      13- ومما يهون المصائب:
      ذكر الموت... الزهد... إنقضاء أيام الحياة
      ومما يهون مصائب الدنيا:
      أ- أن يتذكر المرء ما ينتظره حتماً، من الموت وأحواله، وما يسبقه، وما يلحقه...

      روي عن علي أمير المؤمنين (ع):
      "أكثروا ذكر الموت، ويوم خروجكم من القبور، وقيامكم بين يدي الله عز وجل، تهون عليكم المصائب".

      ب- الزهد في الدنيا، بمعنى عدم التعلق بشيء منها، لأنه إلى فناء، ولأننا إلى فراق وزوال:
      وفي النص عن رسول الله (ص):
      "من زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات".
      ج- ذكر المصيبة العظمى التي لا توازيها مصيبة، وهي تيتمنا بموت رسول الله (ص):
      روي عن الصادق (ع):
      "إذا أصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول الله (ص)، فإن الناس لم يصابوا بمثله أبداً، ولن يصابوا بمثله أبداً".
      د- إنقضاء أيام الحياة:

      روي عن الإمام زين العابدين (ع):
      "مسكين ابن آدم، له في كل يوم ثلاث مصائب، لا يعتبر بواحدة منهن، ولو اعتبر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا:
      فأما المصيبة الأولى، فاليوم الذي ينقص من عمره.
      وإن ناله نقصان في ماله اغتم بهن والدرهم يخلف عنه (يمكن تعويضه)، والعمر لا يرده (لا يرجع ولا يعوض).
      والثانية، أنه يستوفي رزقه، فإن كان حلالاً حوسب عليه، وإن كان حراماً عوقب عليه.

      والثالثة، أعظم من ذلك".
      قيل: ما هي؟
      قال (ع):
      " ما من يوم يمسي، إلا وقد دنى من الآخرة مرحلة، لا يدري على الجنة أم على النار".
      وقال الشاعر:
      عليك بتقوى الله إن كنت غافلاً

      يأتيك بالأرزاق من حيث لا تدري
      فكيف تخاف الفقر والله رازقاً
      فقد رزق الطير والحوت في البحر
      ومن ظن أن الرزق يأتي بقوة
      ما أكل العصفور شيئاً مع النسر
      تزول عن الدنيا فإنك لا تدري
      إذا جن عليك الليل هل تعيش إلى الفجر
      فكم من صحيح مات من غير علة
      وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
      وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكاً
      وأكفاناً في الغيب تنسج وهو لا يدري
      فمـن عـاش ألفـاً وألفيـن
      فلا بد من يوم يسير إلى القبر
      14- لا تنسى أن الأحزان كفارة للذنوب
      فالأحزان مهما كان سببها، فإن الله سبحانه يثيب عليها، أكانت بسبب مرض أو طلب معيشة أو أذية...
      روي عن رسول الله (ص):
      "إذا كثرت ذنوب المؤمن، ولم يكن له من العمل ما يكفرها، إبتلاه الله بالحزن، ليكفرها به عنه".
      وروي عنه (ص) أنه قال:
      "إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها صلاة ولا صدقة".

      قيل: يا رسول الله، فما يكفرها؟
      قال (ص):
      "الهموم في طلب المعيشة".

      وفي النص الشريف عنه (ص) قال:
      " ساعات الهموم، ساعات الكفارات، ولا يزال الهم بالمؤمن حتى يدعه وما له من ذنب".
      ليس فقط إذا كانت الأحزان نتيجة لما تقدم، بل لو كانت بتأثير منام رآه، فإنه كفارة لذنوبه.
      عن الصادق (ع) قال:
      "إن المؤمن ليهول عليه في منامه، فتغفر له ذنوبه".
      وعن رسول الله (ص):
      "ساعات الوجع يذهبن ساعات الخطايا".
      15- عليك بالقناعة بما عندك

      إذا كان بلاؤك في قلة المال وقلة الحال... فاقتنع بما أنت عليه، وارضى بما قسم الله تعالى لك، فرزقك سوف يستوفى حتى آخر درهم، ولن تموت حتى تنال كل ما جعل الله لك.
      فالقناعة رأس الغنى، لأن من قنع بما رزقه الله، فهو من أغنى الناس، فالله سبحانه في حقيقة الأمر جعل الغنى في القناعة... لكن الموهومين يعتقدون اشتباهاً أنه في كثرة المال!
      لذا، يفتشون عليه فلا يجدونه، ولن يجدوه ما داموا كذلك.
      وورد في النصوص الشريفة، أن الحياة الطيبة في الآية القرآنية ﴿من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى فلنحيينه حياة طيبة﴾ هي القناعة والرضا بما قسم الله له.
      ومن أهم النصائح في هذا المجال:
      أن تنظر إلى من هو دونك في المال والحال والمعيشة والمسكن والملبس... ولا تنظر إلى من هو فوقك في القدرة.
      وابن آدم، إن لم يتسلح بالرضا والقناعة، لا يشبعه شيء ولو أصبح أغنى الناس وأقدرهم.
      والشواهد من حولنا في العالم، ومن التاريخ، كثيرة.
      ورد فيما نزل به الوحي من السماء:
      "لو أن لابن آدم واديين يسيلان ذهباً وفضة لابتغى إليهما ثالثاً!
      يا ابن آدم، إن بطنك بحر من البحور، وواد من الأودية، لا يملأه شيء إلا التراب".
      ونختم بما روي عن الحبيب المصطفى (ص)، وهو رحمة للعالمين، قال:
      "إذا أردت أن تحيا عزيزاً غنياً، فلا تكن على حالة إلا رضيت بما دونها".
      16- ولخصوص من كان بلاؤه في موت ولده
      فمن جملة البلاء في هذه الدنيا، أن يتوفى الولد في حياة امه وأبيه... وإضافة لما تقدم من أمور، يجبر خاطرهما بتذكيرهما بالخصوص بما يربط على قلبهما بإذن الله تعالى:
      أ- ورد في النص الشريف عن رسول الله (ص):
      * "أيما رجل قدم ثلاثة أولاد، لم يبلغوا الحنث (الإثم والذنب)، أو امرأة قدمت ثلاثة أولاد، فهم حجاب يسترونه عن النار".
      وفي نص آخر "إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته".

      * وعن مولانا الصادق (ع) قوله:
      "ثواب المؤمن من ولده إذا مات، الجنة".

      * وعن رسول الله (ص) أنه قال:
      " بخ بخ ، خمس ما أثقلهن في الميزان:
      لا إله إلا الله.

      وسبحان الله.
      والحمد لله.
      والله أكبر.
      والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم، فيحتسبه".
      *وعن رسول الله (ص):
      " تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، حتى أن السقط ليظل محنبطئاً على باب الجنة، فيقال له: أدخل، يقول: حتى يدخل أبواي".
      * وعن رسول الله (ص):
      " النفساء يجرها ولدها يوم القيامة بسرره إلى الجنة".
      * وعنه (ص):
      "يقال للوِلدان يوم القيامة: أدخلوا الجنة، فيقولون: يا رب، حتى يدخل آباؤنا وأمهاتنا، قال: فيأبون.

      فيقول الله عز وجل: ما لي أراهم محبنطئين، أدخلوا الجنة، فيقولون: يا رب آباؤنا، فيقول تعالى:
      أدخلوا الجنة أنتم وآباؤكم".
      * وعنه (ص):
      "إذا كان يوم القيامة، خرج ولدان المسلمين من الجنة بايديهم الشراب، فيقول الناس لهم: أسقونا، أسقونا، فيقولون: أبوينا، أبوينا.

      قال: حتى أن السقط محبنطئاً بباب الجنة، يقول: لا أدخل حتى يدخل أبواي".
      * وعن رسول الله (ص):
      "إذا كان يوم القيامة، نودي في أطفال المؤمنين: أن اخرجوا من قبوركم، فيخرجون من قبورهم، ثم ينادى فيهم أن امضوا إلى الجنة زمراً، فيقولون: ربنا، ووالدينا معنا،

      ثم ينادى فيهم ثانيةً، أن امضوا إلى الجنة زمراً، فيقولون: ربنا، ووالدينا معنا،
      ثم ينادى فيهم ثالثة، أن امضوا إلى الجنة زمراً، فيقولون ربنا، ووالدينا،
      فيقول في الرابعة: ووالديكم معكم.
      فيثب كل طفل إلى أبويه، فيأخذون بأيديهم، فيدخلون بهم الجنة، فهم أعرف بآبائهم وأمهاتهم يومئذ من أولادكم الذين في بيوتكم".
      ( وفي الحديث إشارة إلى الآية الكريمة 73 من سورة الزمر ﴿وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً﴾ وهم أفواج الشهداء والزهاد والعلماء والفقراء والقراء والمحدثون...).

      * وروي أن رجلاً كان يجيء النبي (ص) ومعه صبي، وسأل عنه النبي (ص) بعد أن انقطع عنه، فقيل له أن ابنه مات.
      فقام النبي (ص) بزيارته لتعزيته، فلما دخل (ص) على الرجل وجده حزيناً كئيباً، فعزاه، فقال الرجل:
      يا رسول الله، كنت أرجوه لكبر سني وضعفي.
      فقال رسول الله (ص):
      "أما يسرك أن يكون يوم القيامة بإزائك (بجنبك)؟ فيقال له: أدخل الجنة، فيقول: ربي، وأبواي،

      فلا يزال يشفع، حتى يشفعه الله عز وجل فيكم، ويدخلكم الجنة جميعاً".
      * ولما توفي ولد لعثمان بن مظعون، اشتد عليه حزنه، و اتخذ في داره مسجداً يتعبد فيه.
      وعندما عرف النبي (ص) بذلك، قال له:
      "يا عثمان، إن الله عز وجل، لم يكتب علينا الرهبانية، إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله، يل عثمان بن مظعون:
      إن للجنة ثمانية أبواب، وللنار سبعة أبواب، أفلا يسرك ألا تأتي باباص منها إلا وجدت ابنك بجنبه، آخذاً بحجزتك (موضع الحزام)، ليشفع لك إلى ربه عز وجل؟".
      * وفي الحديث الشريف:

      "إذا مات ولد العبد، قال الله تعالى لملائكته:
      أقبضتم ولد عبدي؟
      فيقولون: نعم.
      فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟
      فيقولون: نعم.
      فيقول: ماذا قال عبدي؟
      فيقولون: حمدك، واسترجع (قال: إنا لله وإنا إليه راجعون).

      فيقول الله تعالى:
      ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسموه بيت الحمد".
      * وسأل النبي امرأة هل لها فرط؟

      قالت: نعم، فسألها (ص): في الجاهلية أم في الإسلام؟
      قالت: بل في الإسلام، فقال رسول الله (ص) :
      " جنة حصينة، جنة حصينة".
      * ولمن حزنت لموت ولدها، أمرها (ص) بتقوى الله عز وجل والصبر، ثم قال لها:
      " أما تحبين أن ترينه على باب الجنة، وهو يدعوك إلينا؟"
      قالت: بلى.
      قال (ص): "فإنه كذلك".
      والأحاديث في هذا الموضوع كثيرة جداً كما وردت عن مولانا رسول الله (ص).

      ب- أما الوارد في موت الأولاد من حكايات... فمنها:
      * رأى رجل كأن الناس قد جمعوا ليوم القيامة، وأصابهم عطش شديد، فإذا الولدان قد خرجوا من الجنة معهم الأباريق، وفيهم ابن أخ له، فالتمس منه أن يسقيه فأبى، وقال:
      يا عم، إنا لا نسقي إلا الآباء.
      فجمع الرجل قومه، ودعا لكي يقبض الله ابنه ليكون كذلك يوم القيامة.
      * ومات لداود (ع) ولد، فحزن عليه حزناً شديداً، فأوحى الله عز وجل إليه: يا داود، ما كان يعدل هذا الولد عنك؟
      قالك يا رب يعدل هذا عندي ملأ الأرض ذهباً، قال:

      فلك عندي يوم القيامة ملأ الأرض ثواباً.
      * وأن أحد الصالحين كان يعرض عليه التزويج، فيأبى، فاستيقظ من نومه ذات يوم، وهو يقول: زوجوني... فسئل عن ذلك، فقال:
      لعل الله يرزقني ولداً ويقبضه، لأني رأيت في المنام، كأن القيامة قد قامت، وكأني في جملة



      يتبع

      تعليق


      • #4
        الخلائق في الموقف، وبي من العطش ما كاد أن يقطع قلبي، وكذا الخلائق من شدة العطش والكرب، فبينما نحن كذلك، وإدا ولدان يدخلون بين الناس، عليهم قناديل من نور، وبأيديهم أباريق من فضة، وأكواب من ذهب، يسقون الواحد بعد الواحد، لكنهم تجاوزوا الكثير من الناس، فمددت يدي إلى أحدهم قائلاً: اسقني، فقد أجهدني العطش، فقال: ما لك فينا ولد، إنما نسقي آباءنا، فقلت: ومن أنتم؟ قالوا: نحن من مات من أطفال المسلمين. * وحدث رجل من أهل الثقة في دينه وفهمه، قال:
        أتيت المدينة المنورة، ونمت في البقيع (مقبرة أهل المدينة) بين أربعة قبور، وعندها قبر محفور، فرأيت في منامي أربعة أطفال قد خرجوا من تلك القبور، وهم يقولون:
        أنعــم اللـه بـالحبيبـة عينــاً
        وبمســراك يــا أميــم إلينــا
        عجبـاً مـا عجبـت مـن ضغطـة
        القبـر ومغـداك يـا أميـم إلينــا
        وأقمت حتى طلعت الشمس، فإذا بجنازة قد أقبلت، فقلت : من هذه؟ فقالوا: امرأة من أهل المدينة، فقلت: اسمها أميمة؟ قالوا: نعم، قلت: قدمت أولاداً قبل موتها؟ قالوا: أربعة أولاد، فأخبرتهم بما رأيت، فأخذوا يتعجبون.
        ج- أما الوارد عن السلف الصالح عند الموت أبنائهم وأحبائهم... فمنها:
        * كان أبو ذر، رضوان الله عليه، لا يعيش له ولد، فسئل عن ذلك، فقال: الحمد لله الذي يأخذهم من دار الفناء، ويدخرهم في دار البقاء.
        * ومات لأبي عبد الله بن عامر المازني، رضوان الله عليه، في الطاعون الجارف، سبعة بنين في يوم واحد، فقال: إني مسلم مسَلم.
        * وفي قصة طويلة عن حب عبد الله بن مسعود لأولاده، وعن غنجه لهم، ينقل في آخرها عن رسول الله (ص) قوله:
        "يأتي عليكم زمان، يغبط الرجل بخفة الحال، كما يغبط اليوم بكثرة المال والولد".
        * ودخل بعض المؤمنين على معاذ، وهو قاعد عند رأس ابن له في لحظات موته، فما ملكوا أنفسهم، حتى ذرفت أعينهم، وانتحب بعضهم، فزجرهم معاذ، وقال:
        فوالله ليعلم الله برضاي.
        لهذا أحب إلي من كل غزوة غزوتها مع رسول الله (ص)، فإني سمعته يقول:
        " من كان له ابن، وكان عزيزاً عليه، وبه ضنيناً، ومات، فصبرعلى مصيبته، واحتسبه، أبدل الله الميت داراً خيراً من داره، وقراراً خيراً من قراره، وأبدل المصاب الصلاة والرحمة والمغفرة والرضوان".
        فما لبث الصبي أن مات حين أخذ المنادي لصلاة الظهر (عند رفع الأذان)، فغادرناه نريد الصلاة (في المسجد)، فما جئنا إلا وقد غسله وكفنه وجهزه...
        واستعجل معاذ دفن ابنه.. قال الراوي:
        قلنا: يغفر الله لك يا أبا عبد الرحمن، هلا إنتظرتنا حتى نفرغ من صلاتنا، ونشهد ابن أخينا (نشارك في تشييعه).
        فقال: أمرنا أن لا ننتظر موتانا ساعة، ماتوا بليل أو نهار.
        ثم نزل في القبر، فلما أراد الخروج، ناوله أحد إخوانه يده لينتهضه من القبر... فأبى وقال:
        لا مانع من ذلك، لكن أكره أن يرى الجاهل ذلك مني جزعاً عند المصيبة.
        وكان في ذلك اليوم مكثراً من التبسم، ينوي به ما ينوي (من الرضا والتسليم والقبول) ثم قال:
        إنا لله وإنا إليه راجعون، في اللله خلف عن كل هالك، وعزاء من كل مصيبة، ودرك لكل ما فات.
        * ولما مات ابن عياض بن عقبة الفهري، نزل عياض في قبره، وقال:
        قد كان بالأمس زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات.
        * وصحب أبو علي الرازي الفضيل بن عياض ثلاثين سنة، فما رآه ضاحكاً ولا مبتسماً إلا يوم مات ابنه علي، فسأله عن ذلك، فقال:

        إن الله سبحانه وتعالى أحب أمراً، فأحببت ما أحب الله عز وجل.
        * ودعا رجل إخوانه على الطعام، فضربت بعض دوابهم ابناً له فمات، فأخفى ذلك عن ضيوفه، ونهى أهله (أفراد عائلته) عن البكاء حتى ينتهي القوم من تناول الطعام، فلما فرغوا أخبرهم، وأخذ بتجهيز إبنه لدفنه.
        فتعجب الضيوف من صبره وكرمه ورباطة جأشه.
        * ومات لرجل من اليمامة ثلاثة رجال من ولده، فدفنهم، وواصل حياته العادية كأنه لم يفقد أحداً، فقيل له في ذلك، فقال:
        ليسوا في الموت ببديع (ليس الموت عليهم بدعة تحدث لأول مرة، بل هو نازل بكل الناس).
        ولا أنا في المصيبة بأوحد ( فالمصائب تقع على كل الناس ولست وحيداً في ذلك).
        ولا جدوى للجزع (لا نفع للخوف والاستسلام...).
        فعلام تلوموني؟!

        * ومات لعمر بن عبد العزيز أخ، وابن وبعض من يخصه، في أيام متوالية، فدخل عليه بعض أصحابه يعزيه، ومادحاً من مات، فقال له ابن عبد العزيز:
        ما أحب أن شيئاً كان من ذلك لم يكن.

        * وحدث بعض الحكماء، قال:
        خرجت وأنا أريد الرباط، حتى إذا بعريش مصر إذا أنا بمظلة، وفيها رجل قد ذهبت عيناه، واسترسلت يداه ورجلاه، وهو يقول: لك الحمد سيدي ومولاي، اللهم إني أحمدك حمداً يوافي محامد خلقك، كفضلك على سائر خلقك، إذ فضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلاً.
        فقلت: والله لأسألنه، أعلمه أو ألهمه إلهاماً؟
        فدنوت منه، وسلمت عليه، فرد علي السلام، فقلت له:
        رحمك الله، إني أسألك عن شيء، أتخبرني به أم لا؟
        فقال: إن كان عندي منه علم أخبرتك به.
        فقلت: رحمك الله، على أي فضيلة من فضائله تشكره؟
        فقال: أوليس ترى ما قد صنع بي؟
        قلت: بلى.
        فقال: والله لو أن الله تبارك وتعالى صب علي النار تحرقني، وأمر الجبال فدمرتني، وأمر البحار فغرقتني، وأمر الأرض فخسفت بي، ما ازددت فيه ـ سبحانه ـ إلا حباً، ولا ازددت له إلا شكراً، وإن لي إليك حاجة، فتقضيها لي؟
        قلت: نعم، قل ما تشاء.
        فقال: بني لي كان يتعاهدني أوقات صلاتي، ويطعمني عند إفطاري، وقد فقدته منذ أمس، فانظر هل تجده لي؟
        قال: فقلت في نفسي: إن في قضاء حاجته لقربة إلى الله عز وجل، فقمت وخرجت في طلبه، حتى إذا صرت بين كثبان الرمال، إذا أنا بسبع قد افترس الغلام فأكله، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، كيف آتي هذا العبد الصالح بخبر ابنه؟
        قال: فأتيته، وسلمت عليه، فرد علي السلام.

        فقلت: رحمك الله، إن سألتك عن شيء تخبرني؟
        فقال: إن كان عندي منه علم أخبرتك به.
        قال، فقلت: أنت أكرم على الله عز وجل وأقرب منزلة، أو نبي الله أيوب (ع)؟
        فقال: بل نبي الله أكرم على الله تعالى مني، وأعظم عند الله تعالى منزلة مني.

        قال: فقلت له: إنه ابتلاه الله تعالى فصبر، حتى استوحش منه من كان يأنس به، وكان عرضاً لمرار الطريق، واعلم أن ابنك الذي أخبرتني به، وسألتني أن أطلبه لك افترسه السبع، فإعظم الله أجرك فيه.
        فقال: الحمد لله الذي لم يجعل في قلبي حسرة من الدنيا، ثم شهق شهقة وسقط على وجهه، فجلست ساعة ثم حركته فإذا هو ميت، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، كيف أعمل في أمره؟ ومن يعينني على تغسيله وكفنه وحفر قبره ودفنه؟
        فبينما أنا كذلك إذ أنا بركب يريدون الرباط، فأشرت إليهم فأقبلوا نحوي حتى وفقوا علي، وقالوا: من أنت؟ ومن هذا؟
        فأخبرتهم بقصتي، فعقلوا رواحلهم، وأعانوني حتى غسلناه بماء البحر، وكفناه بأثواب كانت معهم، وتقدمت فصليت عليه مع الجماعة، ودفناه في مظلته.
        وجلست عند قبره آنساً به أقرأ القرآن إلى أن مضى من الليل ساعة، فغفوت غفوة فرأيت صاحبي في أحسن صورة وأجمل زي، في روضة خضراء عليه ثياب خضر قائماً يتلو القرآن، فقلت له: ألست صاحبي؟
        قال: بلى،
        قلت: فما الذي صيرك إلى ما أرى؟
        فقال: إعلم أني وردت مع الصابرين على الله عز وجل في درجة لم ينالوها إلا بالصبر على البلاء، والشكر على الرخاء، فانتبهت.
        د- أما ما ورد في صبر النساء الصالحات فمنها:
        *مات ابن لأبي طلحة، رضوان الله عليه، فأخفت أمه (أم الصبي) موته عن أبيه، فلما رجع، سأل عنه، فطمأنته، ثم قدمت له طعاماً، فأكل وشرب، ثم تصنعت له وتعطرت وتعرضت له، فواقعها (جامعها)... ثم قالت:
        يا أبا طلحة أرأيت لو أخذنا شيئاً من جيراننا إعارة، ثم طالبنا الجيران بذلك الشيء، أر نعطيهم حقهم؟
        قال: بلى.
        قالت: إن ابني كان عارية (أمانة) من الله عز وجل، فقبضه إليه.
        فاسترجع وقال: أنا أحق بالصبر.
        *وأتت صفية بنت عبد المطلب تنظر أخاها حمزة بن عبد المطلب بعد معركة أحد، وقد مثل به (شوه)... فنظرت إليه، وصلت عليه، واسترجعت، واستغفرت له.
        * وعندما أشيع أن النبي (ص) قتل في أحد، هاجت المدينة وماجت، فخرجت امرأة من الأنصار متفجعة، فنعي إليها أبوها وابنها وزوجها وأخوها... فسألت عن النبي، فقالوا: أمامك، وهو يحمد الله كما تحبين، فقالت: أرونيه (اجعلوني أراه) حتى أنظر إليه، فلما رأته، أخذت بطرف ثوبه، وقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله (أي فداك أبي وأمي)، لا أبالي إذا سلمت من عطب (ضرر)، كل مصيبة بعدك جلل (هينة).
        *واستشهد ابن صلة بن أشيم، فاحتسبه عند الله عز وجل، ثم تقدم صلة في نفس المعركة، فقاتل فقتل، فاستشهد الولد ووالده سوية.

        وعندما أخبرت معاذة بذلك (زوجة صلة)، اجتمع النساء عندها لتعزيتها بزوجها وابنها، فقالت:
        مرحباً بكن إن كنتن حئتن لتهنئتي، وإن كنتن جئتن لغير ذلك، فارجعن.
        * وروي أن عجوزاً من بني بكر بن كلاب، كانت معروفة بين قومها بالعقل والسداد، فمات ابن لها، وكان واحدها، وقد طالت علته، وأحسنت تمريضه... فأنشأت تقول:
        هو إبني وأنسي أجره لي، وعزني
        على نفسه، رب إليه ولاؤها
        فإن أحتسب أؤجر، وإن أبكه أكن
        كباكية لم يغن شيئاً بكاؤها
        * وروت جويرية بنت أسماء، أن ثلاثة إخوة استشهدوا، فبلغ ذلك أمهم، فقالت: مقبلين أم مدبرين؟ فقيل لها بل مقبلين (مهاجمين للأعداء)، فقالت: الحمد لله، نالوا والله الفوز.
        وما تأوهت ولا دمعت لها عين.
        * وقال أبان بن تغلب رحمه الله:
        دخلت على امرأة وقد نزل بإبنها الموت، فغمضته، وسجته (مددته) ثم قالت:
        يا بني، ما الجزع في ما لا يزول ( لماذا الخوف من المصيبة والخوف لا نتيجة له)؟
        يا بني، تذوق ما ذاق أبوك (من الموت)، وستذوقه من بعدك أمك (سوف تموت).
        وإن أعظم الراحة لهذا الجسد النوم، والنوم أخو الموت (مضمون حديث شريغ) فما عليك إن كنت نائماً على فراشك، أو على غيره.
        وإن غداً السؤال والجنة والنار.
        فإن كنت من أهل الجنة فما ضرك الموت،
        وإن كنت من أهل النار فما تنفعك الحياة، ولو كنت أطول عمراً (في النهاية سوف تموت).
        والله يا بني لولا أن الموت أشرف الأشياء لابن آدم، لما أمات الله نبيه (ص) وأبقى عدوه إبليس لعنه الله.
        * ومات ولد لامرأة، فقالت لمعزيها:
        كان، والله، ما له، لغير بطنه (ما عنده من مال ليس للأكل والشرب... بل للخير والصدقة).
        وكان رحب الذراع بالتي لا تشينه (يعمل ويعطي ويحسن بما يفتخر به وليس للحرام...).
        فإن كانت الفحشاء ضاق بها ذرعاً ( إن جاءه المنكر، أنكره وضاقت نفسه به ورفضه).
        فقيل لها: هل لك منه خلف؟ (هل أبقى لك ولداً).
        فقالت: نعم بحمد الله، كثير طيب، ثواب الله عز وجل، ونعم العوض في الدنيا والآخرة.
        *ومات رجل، فوقفت أمه العجوز عنده فقالت بكل صبر وتجلد:
        رحمك الله، أي بني، فقد كانت بنا باراً، وعلينا شفيقاً، فرزقني الله عليك الصبر (لاحظ أن الصبر عندها رزق تفرح به)، فقد كنت تطيل القيام (قيام الليل للعبادة والتهجد والصلاة)، وتكثر الصيام، لا حرمك الله ما أملت فيه من رحمته.
        * وعن أبي قدامة الشامي قال:
        كنت أميراً على الجيش في بعض الغزوات، فدخلت بعض البلدان، ودعوت الناس للغزاة، ورغبتهم في الجهاد، وذكرت فضل الشهادة وما لأهلها، ثم تفرق الناس وركبت فرسي، وسرت إلى منزلي، فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس وجهاً تنادي:
        يا أبا قدامة، فمضيت ولم أجب.
        فقالت: ما هكذا كان الصالحون.
        فوقفت، فجاءت ودفعت إلي رقعة وخرقة مشدودة وانصرفت باكية.
        فنظرت في الرقعة وإذا فيها مكتوب:

        أنت دعوتنا إلى الجهاد، ورغبتنا في الثواب، ولا قدرة لي على ذلك، فقطعت أحسن ما في، وهما ضفيرتاي، وأنفذتهما إليك لتجعلهما قيد فرسك لعل الله يرى شعري قيد فرسك في سبيله، فيغفر لي.
        فلما كان صبيحة القتال، فإذا بغلام بين يدي الصفوف يقاتل حاسراً، فتقدمت إليه وقلت: يا غلام، أنت فتى غر راجل، ولا آمن أن تجول الخيل فتطجؤك بأرجلها، فارجع عن موضعهك هذا.
        فقال: أتأمرني بالرجوع، وقد قال الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار﴾؟ وقرأ الآية إلى آخرها.
        فحملته على هجين كان معي.
        فقال: يا أبا قدامة، أقرضني ثلاثة أسهم.
        فقلت: أهذا وقت قرض؟
        فما زال يلح علي حتى قلت: بشرط إن من الله عليك بالشهادة أكون في شفاعتك.
        قال: نعم، فأعطيته ثلاثة أسهم، فوضع سهماً في قوسه ورمى به، فقتل رومياً، ثم رمى بالآخر فقتل رومياً، ثم رمى بالآخر، وقال: السلام عليك يا أبا قدامة سلام مودع، فجاءه سهم فوقع بين عينيه، فوضع رأسه على قربوس سرجه، فتقدمت إليه، وقلت: لا تنسها.
        فقال: نعم، ولكن لي إليك حاجة، إذا دخلت المدينة فأت والدتي، وسلم خرجي إليها وأخبرها، فهي التي أعطتك شعرها لتقيد به فرسك، فسلم عليها، فهي العام الأول أصيبت بوالدي، وفي هذا العام بي، ثم مات، فحفرت له، ودفنته.
        فلما هممت بالإنصراف عن قبره قذفته الأرض، فألقته على ظهرها، فقال أصحابه: غلام غر، ولعله خرج بغير إذن أمه.
        فقلت: إن الأرض لتقبل من هو شر من هذا، فقمت وصليت ركعتين، ودعوت الله، فسمعت صوتاً يقول:
        يا أبا قدامة، أترك ولي الله، فما برحت حتى نزلت عليه طيور فأكلته.
        فلما أتيت المدينة ذهبت إلى دار والدته، فلما قرعت الباب خرجت أخته إلي، فلما رأتني عادت إلى أمها، وقالت:
        يا أماه، هذا أبو قدامة، وليس معه أخي، وقد أصبنا في العام الأول بأبي، وفي هذا العام بأخي، فخرجت أمه، فقالت: أمعزياً أم مهنئاً؟
        فقلت: ما معنى هذا؟
        قالت: إن كان ابني مات فعزني، وإن كان استشهد فهيئني.
        فقلت: لا، بل قد مات شهيداً.
        فقالت: له علامة، فهل رأيتها؟
        فقلت: نعم، لم تقبله الأرض، ونزلت الطيور، فأكلت لحمه، وتركت عظامه، فدفنتها.
        فقالت: الحمد لله.
        فسلمت إليها الخرج، ففتحته وأخرجت منه مسحاً وغلاً من حديد، قالت: إنه كان إذا جنه الليل لبس هذا المسح، وغل نفسه بالفل وناجى مولاه، وقال في مناجاته: إلهي احشرني من حواصل الطيور. فاستجاب الله سبحانه دعاءه رحمه الله.
        * * *
        وصدق الله العظيم القائل، فيمن سبقنا من أهل الهدى والصلاح:
        ﴿وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا، لما صبروا﴾.
        "اللهم ارزقني من اليقين ما تهون به علي مصيبات الدنيا"

        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        x

        رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

        صورة التسجيل تحديث الصورة

        اقرأ في منتديات يا حسين

        تقليص

        المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
        أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
        ردود 2
        9 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة ibrahim aly awaly
        بواسطة ibrahim aly awaly
         
        يعمل...
        X