أ ـ ورد عن عائشة أنَّها قالت: «جَمَع أبي الحديث عن رسول الله (ص) وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلّب كثيراً.
قالت: فغمّني، فقلت: أتتقلّب لشكوى أو لشيء بَلَغك؟
فلمّا أصبح قال: أي بُنيّة، هَلُمِّي الاَحاديث التي عندك.
فجئته بها، فدعا بنار فحرقها.
فقلت: لِمَ أحرقتها؟
قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنتُه ووثقتُ [به]، ولم يكن كما حدّثني فأكون نقلت ذلك»(1).
ب ـ جاء في تذكرة الحفّاظ: ومن مراسيل ابن أبي مُليكة: «أنّ الصدِّيق جمع الناس بعد وفاة نبيّهم، فقال: إنَّكم تحدّثون عن رسول الله (ص) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً. فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه»(2).
وقبل مناقشة النصّين، لنا استفهامان لا بدّ من الاِجابة عنهما:
الاَوّل: هل جمع الخليفة الاَوّل أحاديثه في زمن الرسول الاَعظم، وبأمر منه(ص)، أم أنّه قد جمعها بعده نظراً للظروف السياسيّة والحاجة الاجتماعيّة؟
____________
(1) تذكرة الحفّاظ 1: 5، الاعتصام بحبل الله المتين 1: 30، حجّيّة السنّة: 394.
(2) تذكرة الحفّاظ 1: 2 3، حجّيّة السنّة: 394.
الثاني: هل وقع المنع من التحديث وتدوين السنّة الشريفة في زمن متأخّر، أم أنّ رسول الله (ص) قد نهى عن التدوين في عهده (ص). كما نُقل عن أبي سعيد الخدريّ، عنه (ص): «ومَن كَتَبَ عنّي غير القرآن فَلْيَمْحُه»(1)؟
من خلال تعبير النصّ الاَوّل «جمع أبي الحديث» يمكن أن نستشم أنَّ تدوين الحديث من قبل الخليفة جاء لاحقاً، خصوصاً حينما عرفنا أنّه أخذها من بعض الرجال، لقوله «خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل إئتمنته ووثقت، ولم يكن كما حدّثني، فأكون قد نقلت ذلك».
فخشية الخليفة من نسبة تلك الاَحاديث إلى رسول الله لقوله «ولميكن كما حدّثني فاكون قد نقلت ذلك» لا يتلاءم مع فرض وقوع عمليّة الجمع في عهده (ص)، إذ لو كان الجمع في عهده (ص) لاَمكن للخليفة عرض المنقول على رسول الله (ص) للتثبّت من المشكوك فيه.
فإن قيل: إنّه فات عليه أن يعرض ما سمعه بواسطةٍ على رسول الله (ص) للتأكد من صحّته أو عدمها، قلنا: إنّنا لا نعقل أن يخفى ذلك على أبي بكر مع قربه من النبيّ واستحكام الشكّ في نفسه، كما نستبعد أن يكون قد ترك هذا الاَمر المهمّ وسوّف فيه حتّى كادت تدركه الوفاة، مع أنّ الصحابة كان لايخفى عليهم ضرورة أن يسألوا النبيّ (ص) في أبسط المسائل وعند أدنى شكّ.
وأمّا إحراق الاَحاديث وتخوّفه من انتسابها إلى رسول الله (ص): لقوله: «فأكون قد نقلت ذلك» وتقارب ذلك مع موت الخليفة: «خشيت أن أموت» فإنّها توضَّح أنّ الخليفة قد جمعها في آواخر عهده، وأنّه لم يسمع منها حديثاً واحداً عن رسول الله (ص) مباشرة، وإلاّ فكيف يبيح لنفسه حرق ما سمعه شفاهاً من رسول الله (ص)؟!
مضافاً إلى ذلك: أنّ الخليفة لو كان قد جمع تلك المرويّات في عهد النبيّ(ص) لذكر ذلك المؤرِّخون وأصحاب السِّيَر، ولما تقَّلبَ ليلته!
ولَمَا شكّ في جواز التدوين وعدمه بعد ذلك!
____________
(1) شرح صحيح مسلم، للنوويّ 17 ـ 18: 340 كتاب الزهد ب16 ح12، مسند أحمد 3:12، 21، 39 باختلاف يسير، تقييد العلم: 29.
ولَجَاءَ في كلام عائشة: «إنّ أبي قد جمع الحديث في زمن رسول الله (ص)» أو «أملى رسول الله (ص) على أبي، فكتب» أو ما شابه ذلك.
نعم، إنّ الخليفة كان قد كتب لاَنس بن مالك حينما كان عامله على البحرين كتاباً فيه فرائض الصدقة(1)، وقد كتب إلى عمرو بن العاص كذلك(2).
وهذا لا ينافي ما نُقل عنه من إحراقه صحيفته، لاَنّ ما كتبه لاَنس كان عبارة عن تدوين أمر الصدقة وجباية الاَموال، وهو ممّا يقوّم أمر الدولة ولايمكن للخليفة أن يتناساه، وقد جاء عن عمرو بن حزم أنّه دوّن كتاباً فيه الصدقات عن رسول الله، وللخليفة عمر بن الخطّاب كتاباً في نفس الاَمر كذلك، كان موجوداً عند حفصة ثمّ عند آل أبي الخطّاب، فالكتابة بما يقوّم أمر الدولة شيء وما عُلِّل في منع التدوين شيء آخر.
أمّا الاستفهام الثاني: فيمكن الاِجابة عنه بجلاءٍ من خلال فعل الشيخين وسيرة المسلمين، فقد جمع الخليفة الاَوّل خمسمائة حديث، وهذا دليل كافٍ على عدم ورود نهي منه (ص) فيه، إذ لو كان قد صدر نهي سابق لما دوّن الخليفة ما دوّن من أحاديث.
وهكذا الحال بالنسبة إلى الخليفة الثاني، إذ لو كان التدوين محظوراً من قبل لما جمع الصحابة واستشارهم بالاَمر. ولما أرشدوه إلى التدوين(3).
ولو تنزّلنا وقلنا بورود المنع عن التدوين عموماً وعن السنّة خصوصاً، فما معنى ما صحَّ عنه (ص) من أنّه أمَر المسلمين بكتابة «الاَحكام التي قالها يوم فتح مكّة»(4)، أو أنّه ـ بعد هجرته من المدينة ـ أمر بكتابة أحكام الزكاة ومقاديرها، فكُتب في صحيفتين وبِقيَتا محفوظَتين في بيت أبي بكر الصدّيق وأبي بكر بن عمر بن حزم(5). وما معنى ما ثبت من قوله(ص) «اكتُبوا ولاحرج»
____________
(1) تقييد العلم 87، السنن الكبرى 4: 84.
(2) موطّأ مالك: 1|5، ألف ، كما في الدراسات: 94.
(3) تقييد العلم: 49، حجّيّة السنّة: 395.
(4) صحيح البخاريّ 1: 39 باب كتابة العلم.
(5) تاريخ الفقه الاِسلاميّ، للدكتور محمّد يوسف: 173.
وما ساوقها من العبارات الصريحة في الحثّ على تدوين الاَحكام والسنّة النبويّة.
وبهذا ندرك أنَّ التدوين لم يكن محظوراً في عهد رسول الله (ص)، وأنّ الشيخين لم يدوّنا حديثه (ص) في أيّام حياته، بل إنّ الخليفة الاَوّل دوّنها بعد وفاته (ص).
وإنّ الكتابة، وتدوين العلم كان ممّا أكّد عليه القرآن الحكيم بقوله: (ن، والقلم وما يسطرون)(1) و(الذي علّم بالقلم)(2) و(لا تسئموا أن تَكْتُبوه صغيراً أو كبيراً)(3) و(فاكْتُبوه)(4) و(عِلْمُها عند ربِّي في كتاب)(5) .
وإنّ العرب كانوا يُجِلُّون الكتّاب، ويميلون إلى الكتابة، وقد ذكر ابن حبيب البغداديّ قائمة بأسماء الاَشراف المتعلّمين وفقهائهم في العصر الجاهليّ وصدر الاِسلام(6) .
قال ابن سعد: «كان الكامل عندهم في الجاهليّة وأوّل الاِسلام: الذي يكتب بالعربيّة ويُحسن العوم والرمي»(7) .
وفي مكّة(8) … والمدينة(9) والطائف(10) والاَنبار(11) والحيرة(12) ودومة
____________
(1) القلم: 1.
(2) العلق: 4.
(3) البقرة: 282.
(4) البقرة: 282.
(5) طه: 52.
(6) انظر المحبر: 475 477.
(7) الطبقات الكبرى: 3|2|91 طبعة ليدن 1904 ـ 1940 تحقيق سخاو.
(8) الدراسات، للاَعظميّ ص: 44 عن مصادر الشعر الجاهليّ: 52، القصد والاَُمم لابن عبدالبرّ: 22.
(9) فتوح البلدان، للبلاذريّ: 583.
(10) فتوح البلدان، للبلاذريّ: 579.
(11) عيون الاَخبار 1: 43، القصد والاَُمم: 22.
(12) فتوح البلدان: 579، القصد والاَُمم: 22.
الجندل(1) كانت تعقد الكتاتيب للدراسة؛ وجاء عن رسول الله (ص) أنّه أنشأ في مسجده صُفّة كان عبد الله بن سعيد بن العاصّ يعلِّم فيها الراغبين الكتابة والخطّ(2).
قال الدكتور أحمد أمين: إنّ الاَُمّيّة لم تكن متفشّية بين العرب بالشكل الذي يتصوّره بعض الكتّاب والمستشرقين، وبخاصّة عرب الحيرة وبادية الشام؛ لاَنّهم عاشوا زمناً طويلاً مع جيرانهم الفرس والروم، وبحكم الظروف التي كانت تحيط بهم والمراحل التي مرّوا بها مع تلك الاَُمم المتحضّرة ليس من البعيد عليهم أن يتعلّموا الكتابة، وأن يأخذوا عنهم العلوم والعادات التي تمسّ حياتهم وتسهل لهم سبل العيش والحياة الحرّة الكريمة(3).
فإذا كان القرآن يشرّع الكتابة والتدوين، والسنّة تُعنى بأمر الكتابة حتّى تجعل فداء أسرى بدر من المشركين في مقابل تعليم كلّ واحد منهم عشرة من أولاد المسلمين القراءة والكتابة(4)، فلا معنى إذَن للقول بمنع تدوين السنّة الشريفة من قبل رسول الله (ص).
ثمّ ألاَ يلفت أنظارنا عتاب الرسول لاَقوام، وقوله لهم: «ما بال أقوام لايُفَقّهون جيرانهم، ولا يعلّمونهم ولا يعظونهم، ولا يأمرونهم ولاينهونهم؟! وما بال أقوام لا يتعلّمون من جيرانهم ولا يتفقّهون ولا يتّعظون؟!...»(5).
وقد سأل رسول الله (ص) وفد عبد القيس: «كيف رأيتم كرامة إخوانكم لكم وضيافتهم إيّاكم؟
قالوا: خير إخوان، ألانُوا فراشنا، وأطابوا مطعمنا، وباتوا وأصبحوا يعلّموننا كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا (ص).
فأعجب النبيّ (ص) وفرح بنا، ثمّ أقبل علينا رجلاً رجلاً يعرضنا على ما
____________
(1) المحبر: 475.
(2) انظر الاستيعاب، لابن عبد البرّ 2: 374.
(3) فجر الاِسلام: 13 14.
(4) الطبقات، لابن سعد 2: 22، سيرة ابن هشام، للسهيليّ 2: 92.
(5) مجمع الزوائد 1:
تعلّمنا وعلّمنا...»(1).
قالت: فغمّني، فقلت: أتتقلّب لشكوى أو لشيء بَلَغك؟
فلمّا أصبح قال: أي بُنيّة، هَلُمِّي الاَحاديث التي عندك.
فجئته بها، فدعا بنار فحرقها.
فقلت: لِمَ أحرقتها؟
قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنتُه ووثقتُ [به]، ولم يكن كما حدّثني فأكون نقلت ذلك»(1).
ب ـ جاء في تذكرة الحفّاظ: ومن مراسيل ابن أبي مُليكة: «أنّ الصدِّيق جمع الناس بعد وفاة نبيّهم، فقال: إنَّكم تحدّثون عن رسول الله (ص) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً. فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه»(2).
وقبل مناقشة النصّين، لنا استفهامان لا بدّ من الاِجابة عنهما:
الاَوّل: هل جمع الخليفة الاَوّل أحاديثه في زمن الرسول الاَعظم، وبأمر منه(ص)، أم أنّه قد جمعها بعده نظراً للظروف السياسيّة والحاجة الاجتماعيّة؟
____________
(1) تذكرة الحفّاظ 1: 5، الاعتصام بحبل الله المتين 1: 30، حجّيّة السنّة: 394.
(2) تذكرة الحفّاظ 1: 2 3، حجّيّة السنّة: 394.
الثاني: هل وقع المنع من التحديث وتدوين السنّة الشريفة في زمن متأخّر، أم أنّ رسول الله (ص) قد نهى عن التدوين في عهده (ص). كما نُقل عن أبي سعيد الخدريّ، عنه (ص): «ومَن كَتَبَ عنّي غير القرآن فَلْيَمْحُه»(1)؟
من خلال تعبير النصّ الاَوّل «جمع أبي الحديث» يمكن أن نستشم أنَّ تدوين الحديث من قبل الخليفة جاء لاحقاً، خصوصاً حينما عرفنا أنّه أخذها من بعض الرجال، لقوله «خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل إئتمنته ووثقت، ولم يكن كما حدّثني، فأكون قد نقلت ذلك».
فخشية الخليفة من نسبة تلك الاَحاديث إلى رسول الله لقوله «ولميكن كما حدّثني فاكون قد نقلت ذلك» لا يتلاءم مع فرض وقوع عمليّة الجمع في عهده (ص)، إذ لو كان الجمع في عهده (ص) لاَمكن للخليفة عرض المنقول على رسول الله (ص) للتثبّت من المشكوك فيه.
فإن قيل: إنّه فات عليه أن يعرض ما سمعه بواسطةٍ على رسول الله (ص) للتأكد من صحّته أو عدمها، قلنا: إنّنا لا نعقل أن يخفى ذلك على أبي بكر مع قربه من النبيّ واستحكام الشكّ في نفسه، كما نستبعد أن يكون قد ترك هذا الاَمر المهمّ وسوّف فيه حتّى كادت تدركه الوفاة، مع أنّ الصحابة كان لايخفى عليهم ضرورة أن يسألوا النبيّ (ص) في أبسط المسائل وعند أدنى شكّ.
وأمّا إحراق الاَحاديث وتخوّفه من انتسابها إلى رسول الله (ص): لقوله: «فأكون قد نقلت ذلك» وتقارب ذلك مع موت الخليفة: «خشيت أن أموت» فإنّها توضَّح أنّ الخليفة قد جمعها في آواخر عهده، وأنّه لم يسمع منها حديثاً واحداً عن رسول الله (ص) مباشرة، وإلاّ فكيف يبيح لنفسه حرق ما سمعه شفاهاً من رسول الله (ص)؟!
مضافاً إلى ذلك: أنّ الخليفة لو كان قد جمع تلك المرويّات في عهد النبيّ(ص) لذكر ذلك المؤرِّخون وأصحاب السِّيَر، ولما تقَّلبَ ليلته!
ولَمَا شكّ في جواز التدوين وعدمه بعد ذلك!
____________
(1) شرح صحيح مسلم، للنوويّ 17 ـ 18: 340 كتاب الزهد ب16 ح12، مسند أحمد 3:12، 21، 39 باختلاف يسير، تقييد العلم: 29.
ولَجَاءَ في كلام عائشة: «إنّ أبي قد جمع الحديث في زمن رسول الله (ص)» أو «أملى رسول الله (ص) على أبي، فكتب» أو ما شابه ذلك.
نعم، إنّ الخليفة كان قد كتب لاَنس بن مالك حينما كان عامله على البحرين كتاباً فيه فرائض الصدقة(1)، وقد كتب إلى عمرو بن العاص كذلك(2).
وهذا لا ينافي ما نُقل عنه من إحراقه صحيفته، لاَنّ ما كتبه لاَنس كان عبارة عن تدوين أمر الصدقة وجباية الاَموال، وهو ممّا يقوّم أمر الدولة ولايمكن للخليفة أن يتناساه، وقد جاء عن عمرو بن حزم أنّه دوّن كتاباً فيه الصدقات عن رسول الله، وللخليفة عمر بن الخطّاب كتاباً في نفس الاَمر كذلك، كان موجوداً عند حفصة ثمّ عند آل أبي الخطّاب، فالكتابة بما يقوّم أمر الدولة شيء وما عُلِّل في منع التدوين شيء آخر.
أمّا الاستفهام الثاني: فيمكن الاِجابة عنه بجلاءٍ من خلال فعل الشيخين وسيرة المسلمين، فقد جمع الخليفة الاَوّل خمسمائة حديث، وهذا دليل كافٍ على عدم ورود نهي منه (ص) فيه، إذ لو كان قد صدر نهي سابق لما دوّن الخليفة ما دوّن من أحاديث.
وهكذا الحال بالنسبة إلى الخليفة الثاني، إذ لو كان التدوين محظوراً من قبل لما جمع الصحابة واستشارهم بالاَمر. ولما أرشدوه إلى التدوين(3).
ولو تنزّلنا وقلنا بورود المنع عن التدوين عموماً وعن السنّة خصوصاً، فما معنى ما صحَّ عنه (ص) من أنّه أمَر المسلمين بكتابة «الاَحكام التي قالها يوم فتح مكّة»(4)، أو أنّه ـ بعد هجرته من المدينة ـ أمر بكتابة أحكام الزكاة ومقاديرها، فكُتب في صحيفتين وبِقيَتا محفوظَتين في بيت أبي بكر الصدّيق وأبي بكر بن عمر بن حزم(5). وما معنى ما ثبت من قوله(ص) «اكتُبوا ولاحرج»
____________
(1) تقييد العلم 87، السنن الكبرى 4: 84.
(2) موطّأ مالك: 1|5، ألف ، كما في الدراسات: 94.
(3) تقييد العلم: 49، حجّيّة السنّة: 395.
(4) صحيح البخاريّ 1: 39 باب كتابة العلم.
(5) تاريخ الفقه الاِسلاميّ، للدكتور محمّد يوسف: 173.
وما ساوقها من العبارات الصريحة في الحثّ على تدوين الاَحكام والسنّة النبويّة.
وبهذا ندرك أنَّ التدوين لم يكن محظوراً في عهد رسول الله (ص)، وأنّ الشيخين لم يدوّنا حديثه (ص) في أيّام حياته، بل إنّ الخليفة الاَوّل دوّنها بعد وفاته (ص).
وإنّ الكتابة، وتدوين العلم كان ممّا أكّد عليه القرآن الحكيم بقوله: (ن، والقلم وما يسطرون)(1) و(الذي علّم بالقلم)(2) و(لا تسئموا أن تَكْتُبوه صغيراً أو كبيراً)(3) و(فاكْتُبوه)(4) و(عِلْمُها عند ربِّي في كتاب)(5) .
وإنّ العرب كانوا يُجِلُّون الكتّاب، ويميلون إلى الكتابة، وقد ذكر ابن حبيب البغداديّ قائمة بأسماء الاَشراف المتعلّمين وفقهائهم في العصر الجاهليّ وصدر الاِسلام(6) .
قال ابن سعد: «كان الكامل عندهم في الجاهليّة وأوّل الاِسلام: الذي يكتب بالعربيّة ويُحسن العوم والرمي»(7) .
وفي مكّة(8) … والمدينة(9) والطائف(10) والاَنبار(11) والحيرة(12) ودومة
____________
(1) القلم: 1.
(2) العلق: 4.
(3) البقرة: 282.
(4) البقرة: 282.
(5) طه: 52.
(6) انظر المحبر: 475 477.
(7) الطبقات الكبرى: 3|2|91 طبعة ليدن 1904 ـ 1940 تحقيق سخاو.
(8) الدراسات، للاَعظميّ ص: 44 عن مصادر الشعر الجاهليّ: 52، القصد والاَُمم لابن عبدالبرّ: 22.
(9) فتوح البلدان، للبلاذريّ: 583.
(10) فتوح البلدان، للبلاذريّ: 579.
(11) عيون الاَخبار 1: 43، القصد والاَُمم: 22.
(12) فتوح البلدان: 579، القصد والاَُمم: 22.
الجندل(1) كانت تعقد الكتاتيب للدراسة؛ وجاء عن رسول الله (ص) أنّه أنشأ في مسجده صُفّة كان عبد الله بن سعيد بن العاصّ يعلِّم فيها الراغبين الكتابة والخطّ(2).
قال الدكتور أحمد أمين: إنّ الاَُمّيّة لم تكن متفشّية بين العرب بالشكل الذي يتصوّره بعض الكتّاب والمستشرقين، وبخاصّة عرب الحيرة وبادية الشام؛ لاَنّهم عاشوا زمناً طويلاً مع جيرانهم الفرس والروم، وبحكم الظروف التي كانت تحيط بهم والمراحل التي مرّوا بها مع تلك الاَُمم المتحضّرة ليس من البعيد عليهم أن يتعلّموا الكتابة، وأن يأخذوا عنهم العلوم والعادات التي تمسّ حياتهم وتسهل لهم سبل العيش والحياة الحرّة الكريمة(3).
فإذا كان القرآن يشرّع الكتابة والتدوين، والسنّة تُعنى بأمر الكتابة حتّى تجعل فداء أسرى بدر من المشركين في مقابل تعليم كلّ واحد منهم عشرة من أولاد المسلمين القراءة والكتابة(4)، فلا معنى إذَن للقول بمنع تدوين السنّة الشريفة من قبل رسول الله (ص).
ثمّ ألاَ يلفت أنظارنا عتاب الرسول لاَقوام، وقوله لهم: «ما بال أقوام لايُفَقّهون جيرانهم، ولا يعلّمونهم ولا يعظونهم، ولا يأمرونهم ولاينهونهم؟! وما بال أقوام لا يتعلّمون من جيرانهم ولا يتفقّهون ولا يتّعظون؟!...»(5).
وقد سأل رسول الله (ص) وفد عبد القيس: «كيف رأيتم كرامة إخوانكم لكم وضيافتهم إيّاكم؟
قالوا: خير إخوان، ألانُوا فراشنا، وأطابوا مطعمنا، وباتوا وأصبحوا يعلّموننا كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا (ص).
فأعجب النبيّ (ص) وفرح بنا، ثمّ أقبل علينا رجلاً رجلاً يعرضنا على ما
____________
(1) المحبر: 475.
(2) انظر الاستيعاب، لابن عبد البرّ 2: 374.
(3) فجر الاِسلام: 13 14.
(4) الطبقات، لابن سعد 2: 22، سيرة ابن هشام، للسهيليّ 2: 92.
(5) مجمع الزوائد 1:
تعلّمنا وعلّمنا...»(1).
تعليق