إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

دورس من وحي عآشوراء للسيد حسين بدرالدين الحوثي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دورس من وحي عآشوراء للسيد حسين بدرالدين الحوثي

    ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
    بتاريخ: 10/1/1423 ه‍
    الموافق: 23/3/2002م
    اليمن - صعدة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
    والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي بعثه الله رحمة للعالمين، لينقذ الأمة من الطغيان, والشرك, والجهالة ويخرجهم من الظلمات إلى النور، صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، الذين نهجوا نهجه، وسلكوا طريقه, وحملوا رايته, ونصحوا لأمته.
    في هذا اليوم, يوم عاشوراء، في هذا اليوم, يوم العاشر من محرم وقعت فاجعة عظيمة ومأساة كبرى في تاريخ هذه الأمة، الأمة التي دينها الإسلام, وسماها الله ونبيها: المسلمين. تلك الفاجعة كان المفترض أن لا يقع مثلها إلا في تلك العصور المظلمة، في عصر الجاهلية، في عصر الشرك، في عصر الظلمات، كان الشيء المفترض والطبيعي لحادثةٍ مثل هذه أن لا تكون في عصر الإسلام، وفي ساحة الإسلام، وعلى يدي من يسمون, أو يحسبون على الإسلام، فما الذي حصل؟.
    لم نسمع في تاريخ الجاهلية بحادثة كهذه!. ما الذي جعل الساحة الإسلامية مسرحاً لمثل هذه المآسي؟ لمثل هذه الأحداث المفجعة؟ ما الذي جعل من يسمون أنفسهم مسلمين، ويحسبون على الإسلام هم من ينفِّذون مثل هذه الكارثة!؟ مثل تلك العملية المرعبة المفجعة!
    وضد من؟ ضد من؟! هل ضد شخص ظل طيلة عمره كافراً يعبد الأصنام, ويصد عن الدين؟ هل ضد رجل عاش حياته نفاقاً ومكراً وخداعاً وظلماً وجبروتاً؟ كان هذا هو المفترض لأمة كهذه، أن يكون لها موقف كهذا أمام أشخاص على هذا النحو: كفر وشرك وطغيان وجبروت وظلم ونفاق.
    لكنَّا نرى أن تلك الحادثة التي وقعت في الساحة الإسلامية، وعلى يد أبناء الإسلام، بل وتحت غطاء الإسلام وعناوين إسلامية، وخلافة تسمي نفسها خلافة إسلامية، نرى أن ذلك الذي كان الضحية هو من؟ واحد من سادة شباب أهل الجنة (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة). هو ابن سيد النبيين، هو ابن القرآن، هو ابن سيد الوصيين، وسيد العرب, على بن أبي طالب، هو ابن سيدة النساء فاطمة الزهراء، هو ابن سيد الشهداء حمزة.
    ما الذي جعل الأمور تصل إلى أن يصبح الضحية في الساحة الإسلامية وتحت عنوان خلافة إسلامية وعلى يد أبناء هذه الأمة الإسلامية، أن يكون الضحية هو هذا الرجل العظيم؟.
    إنه حدث - أيها الإخوة - مليء بالدروس، مليء بالعبر.. وما أحوجنا نحن في هذا الزمن إلى أن نعود إلى تاريخنا من جديد، إلى أن نعود إلى الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فنتطلع في سيرته وحركته الرسالية، منذ أن بعثه الله رسولاً إلى أن صعدت روحه الشريفة للقاء ربه، إلى أن نعود إلى علي (عليه السلام) لنقرأ سيرته وحركته في الحياة، إلى أن نعود إلى الحسن وإلى فاطمة الزهراء وإلى الحسين، إلى الحسين الذي نجتمع هذا اليوم لنعزي أنفسنا بفقد مثله، وإلى أن نستلهم في هذا اليوم بالذات ما يمكننا أن نفهمه من دروس وعبر من تلك الحادثة التي كان هو وأهل بيته ضحيتها.
    حادثة كربلاء فاجعة كربلاء هل كانت وليدة يومها؟ هل كانت مجرد صدفة؟ هل كانت فلتة؟ أم أنها كانت هي نتاج طبيعي لانحراف حدث في مسيرة هذه الأمة، انحراف في ثقافة هذه الأمة، انحراف في تقديم الدين الإسلامي لهذه الأمة من اليوم الأول الذي فارق فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هذه الأمة للقاء ربه.
    إذا ما فهمنا أن حادثة كربلاء هي نَتاج لذلك الإنحراف، حينئذٍ يمكننا أن نفهم أن تلك القضية هي محط دروس وعبر كثيرة لنا نحن, من نعيش في هذا العصر المليء بالعشرات من أمثال يزيد وأسوء من يزيد.
    إن الحديث عن كربلاء هو حديث عن الحق والباطل، حديث عن النور والظلام، حديث عن الشر والخير، حديث عن السمو في أمثلته العليا، وعن الإنحطاط, إنه حديث عن ما يمكن أن تعتبره خيراً, وما يمكن أن تعتبره شراً، ولذا يقول البعض: إن حادثة كربلاء, إن ثورة الحسين (عليه السلام) حدث تستطيع أن تربطه بأي حدث في هذه الدنيا، تستطيع أن تستلهم منه العبر والدروس أمام أيٍّ من المتغيرات والأحداث في هذه الدنيا؛ لذا كان مدرسة, كان مدرسةً مليئة بالعبر, مليئةً بالدروس لمن يعتبرون, لمن يفقهون, لمن يعلمون.
    الإمام علي (عليه السلام) عندما آلت الخلافة إليه كان أمامه عقبة كئوداً, شخص معاوية في الشام. أول قرار اتخذه الإمام علي (عليه السلام) هو أنه يجب عزل هذا الرجل ولا يمكن أن يبقى دقيقة واحدة في ظل حكم علي، يحكم منطقة كالشام باسم علي, وباسم الإسلام.
    البعض نصح الإمام علياً (عليه السلام) بأنه ليس الآن وقت أن تتخذ مثل هذا القرار، معاوية قد تمكن في الشام، انتظر حتى تتمكن خلافتك ثم بإمكانك أن تعزله. يبدو هذا عند من يفهمون سطحية السياسة، وعند من لا يصل فهمهم إلى الدرجة المطلوبة بالنسبة للآثار السيئة, والعواقب الوخيمة لأن يتولى مثل ذلك الرجل على منطقة كَبُرَت أو صَغُرَت, على رقاب المسلمين, كمعاوية، تبدو هذه فكرة صحيحة.
    دعه حتى تتمكن ثم بإمكانك أن تغيره بعد.. الإمام علي (عليه السلام) قال: لا يمكن.. واستشهد بقول الله تعالى: {وما كنتُ مُتخذ المضلينَ عضداً}(الكهف: من الآية51) عوناً ومساعداً؛ لأن من تعينه والياً على منطقة, أو تقرُّه والياً على منطقة ما، يعني ذلك أنك اتخذته ساعداً وعضداً، يقوم بتنفيذ المهام التي هي من مسئوليتك أمام تلك المنطقة أو تلك.
    عندما نعود إلى الحديث من هنا هو من أجل أن نعرف ما الذي جعل الأمور أن تصل إلى هذه الدرجة فنرى الحسين صريعاً في كربلاء، إنها الإنحرافات الأولى.
    الإمام علي لم يقرّ أبداً معاوية والياً على الشام وعندما استشهد بقول الله تعالى: {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً}(الكهف: من الآية51) إن معاوية رجل مضل، يضل أمة، ومعنى أن تُضِل أمة بعد أن جاء هدي الله، بعد أن جاء نور القرآن، بعد أن بعث الله محمداً(صلوات الله وسلامه عليه) ماذا يكون إضلالك؟ هل يكون إلا صرفاً للأمة عن القرآن، صرفاً للأمة عن محمد، صرفاً للأمة عن دين الله, عن الإسلام, عن هدي الله.
    إن معاوية مضل، وقد بقي فترة طويلة على بُعدٍ من عاصمة الدولة الإسلامية، أضل أمة بأسرها، أقام لنفسه دولة في ظل الخلافة الإسلامية.. وعندما حصل الصراع بين الإمام علي (عليه السلام) وبين معاوية وجاءت معركة [صفين] استطاع معاوية أن يحشد جيشاً كثير العدد والعدة أكثر من جيش الخليفة نفسه! أكثر عدداً وأقوى عدة من جيش الخليفة نفسه! وكان ذلك الجيش الذي حشده إلى ساحة [صفين] مجاميع من تلك الأمة التي أضلها معاوية.
    لما أضلها معاوية انطلقت تلك الأمة لتقف في صف الباطل، لتقف في وجه الحق، لتقف في وجه النور، لتقف في وجه العدالة, في وجه الخير، تقف مع ابن آكلة الأكباد، مع ابن أبي سفيان, ضد وصي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ضد أمير المؤمنين على ين أبي طالب, الذي قال فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): ((أنت مني بمنـزلة هارون من موسى)).
    إنه الضلال، وما أخطر الضلال، ما أخطر الضلال وما أسوأ آثار ونتائج وعواقب الضلال! و ما أفضع خسارة المضلين عند الله، ما أشد خسارتهم, وما أفضع خسارتهم في هذه الدنيا ويوم يلقون الله سبحانه وتعالى، وقد أضلوا عباده!.
    الإمام علي (عليه السلام) هو يعلم أن أخطر شيء على الأمة، أن أخطر شيء على البشرية هو الضلال والمضلون، لذلك وهو من يعرف واجب السلطة في الإسلام، ويعرف مهمة الدولة في الإسلام, ويعرف مهمة الخلافة الإسلامية, يرى أنه لا يمكن بحال أن يقرَّ شخصاً مضلاً على منطقة في ظل دولته وإن كانت النتيجة هي تَقْويض خلافته واستشهاده.. كان يقول: ((إن خلافتكم هذه لا تساوي عندي شراك نعلي هذا إلا أن أقيم حقاً أو أميت باطلاً)).
    لماذا؟ قد يستغرب أي شخص منا عندما يسمع كلاماً لأمير المؤمنين (عليه السلام) كهذا... أنت حريص على أن تزيل معاوية من موقعه حتى لو كان الثمن هو تقويض خلافتك, إزاحتك عن هذا المنصب، استشهادك.! الإمام علي (عليه السلام) يرى كل هذا سهلاً، ولا أن يبقى معاوية دقيقة واحدة على رقاب الأمة؛ لأن علياً لم يكن من أولئك الذين يحرصون على مناصبهم, وليكن الثمن هو الدين, وليكن الثمن هو الأمة, ومصالح الأمة, ومستقبل الأمة, وعزة الأمة وكرامتها.
    الإمام علي يعرف أن من يعشق السلطة، أن من يعشق المنصب هو نفسه من يمكن أن يبقي مثل معاوية على الشام، هو نفسه من يمكن أن يبيع دين الأمة، أن يبيع الدين الإسلامي، هو نفسه من يمكن أن يبيع الأمة بأكملها مقابل أن تسلم له ولايته، وأن يسلم له كرسيه ومنصبه.
    وهل عانت الأمة من ذلك اليوم إلى الآن إلا من هذه النوعية من الحاكمين! هذه النوعية التي نراها ماثلة أمامنا على طول وعرض البلاد الإسلامية لما كانوا من هذا النوع الذي لم يتلق درساً من علي (عليه السلام) الذي كان قدوة يمكن أن يحتذي به من يصل إلى السلطة، قدوة للآباء في التربية، قدوة للسلاطين في الحكم، قدوة للدعاة في الدعوة، قدوة للمعلمين في التعليم، قدوة للمجاهدين في ميادين القتال، قدوة لكل ما يمكن أن يستلهمه الإنسان من خير ومجد وعز. أولئك الذين لم يعيشوا هذه الروحية التي عاشها الإمام علي (عليه السلام) في اليوم الأول من خلافته، فأرى الجميع أن خلافته عنده لا تساوي شراك نعله إذا لم يقم حقاً ويمت باطلاً.
    ما قيمتها إذاً! ما قيمة دولة تحكم باسم الإسلام, ويتربع زعيمها على رقاب المسلمين, وعلى عرش البلد الإسلامي، ثم لا يكون همه أن يحيي الحق ويميت الباطل؟. لا قيمة لها، ليس فقط لا قيمة لها، بل ستتحول قيمتها إلى شيء آخر, ستتحول الأمور إلى أن يكون قيمتها هو الدين، إلى أن يكون قيمتها هو الأمة.
    عندما نسمع - أيها الإخوة - زعماء العرب, زعماء المسلمين كلهم يسرعون إلى الموافقة على أن تكون أمريكا حليفة، على أن تكون أمريكا هي من يتزعم الحلف لمحاربة ما يسمى بالإرهاب، وعندما نراهم جميعاً يعلنون وقوفهم مع أمريكا في مكافحة ما يسمونه بالإرهاب؛ لأنهم جميعاً يعشقون السلطة؛ لأنهم جميعاً يحرصون على البقاء في مناصبهم مهما كان الثمن، لكنهم لا يمكن أن يصرحوا بهذا، هم يقولون: من أجل الحفاظ على الأمن والإستقرار، من أجل الحفاظ على مصلحة الوطن! أو يقولون: خوفاً من العصا الغليظة, العبارة الجديدة التي سمعناها من البعض: الخوف من العصا الغليظة! وأي عصا أغلظ من عصا الله، من جهنم, ومن الخزي في الدنيا؟ هل هناك أغلظ من هذه العصا؟.
    الإمام علي (عليه السلام) أراد أن يعلم كل من يمكن أن يصل إلى موقع السلطة في هذه الأمة أنه لا يجوز بحال أن تكون ممن يعشق المنصب؛ لأنك إذا عشقت المنصب ستضحي بكل شيء في سبيله، وأن لا تخاف من شيء أبداً فإذا ما خفت من غير الله فسترى كل شيء مهما كان صغيراً أو كبيراً يبدو عصا غليظة أمامك.
    سترى معاوية... هل معاوية, والذي كان موقعه فعلاً في الأيام الأولى لخلافة الإمام علي (عليه السلام) بل في أيام عثمان كانت دولته أقوى في الواقع من محيط الخليفة نفسه، كان في تلك الفترة حكمه مستقراً، ويمتلك جيشاً كثير العدد، هو كان أقوى في الواقع من المجتمع الذي جاء ليبايع علياًً (عليه السلام)، من مجتمع المدينة وما حولها.
    كان هناك استقرار لدى معاوية.. سنين طويلة من أيام عمر, من أيام الفاروق، الفاروق الذي جعل هذه الأمة تفارق علياً، وتفارق القرآن، وتفارق عزها ومجدها من يوم أن ولىَّ معاوية على الشام، وهو يعلم من هو معاوية, هو يعلم من هو معاوية.
    إذاً كل بلية أصيبت بها هذه الأمة، كل انحطاط وصلت إليه هذه الأمة، كل كارثة مرت في هذه الأمة بما فيها كربلاء، إن المسئول الأول عنها هو عمر، المسئول عنها بالأولوية هو عمر قبل أبي بكر نفسه، قبل أبي بكر نفسه، عمر الذي ولى معاوية على الشام سنيناً طويلة.
    نجد الفاروق الحقيقي، الذي يفرق بين الحق والباطل لا يسمح لنفسه أن يبقي معاوية دقيقة واحدة على الشام، ومن هو الشخص الذي قال عنه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): أنه مع القرآن؟ هل عمر أم علي؟ ((علي مع القرآن والقرآن مع علي)) أم قال عمر مع القرآن والقرآن مع عمر؟.

    وعندما نجد أن علياً لا يسمح لنفسه أن يبقي معاوية لحظة واحدة على الشام، فإنه يتحرك باسم القرآن، وأنه منطق القرآن، وموقف القرآن.
    إذاً فالموقف الآخر الذي سمح لنفسه أن يبقي معاوية سنيناً طويلة لا يحاسبه على شيء من أعماله، ويقول عنه: [ذلك كسرى العرب] هو الموقف الذي لا ينسجم مع القرآن بحال، هو الموقف المفارق للقرآن, هو الموقف الذي ضرب القرآن, وأمة القرآن, وقرناء القرآن. فهنيئاً لفاروق هذه الأمة, هنيئاً يوم يلقى الله فيُسأل عن كل حادث حدث في هذه الأمة.
    لا تنظر إلى فاجعة كربلاء أنها وليدة يومها.. من الذي حرك الجيوش لتواجه الحسين في كربلاء؟ من الذي أرسل ابن زياد إلى الكوفة ليغري زعماء العشائر بالأموال, ويرغّب ويرهب حتى يجيشهم، حتى يحولهم إلى جيش يتوجه لضرب الحسين بعد أن كانوا قد بايعوا الحسين، من هو؟ إنه يزيد.
    من الذي جعل يزيداً خليفة على رقاب المسلمين؟ إنه معاوية, من الذي جعل الأمة - تلك الأمة - تقبل مثل يزيد؟ من الذي جعل ليزيد سنداً قوياً وقاعدة قوية؟ إنه معاوية, من الذي ولى معاوية على الشام؟ إنه عمر, من الذي ولى عمر؟ هو أبو بكر.
    أبو بكر وعمر كانا يتحركان كما قال الإمام علي (عليه السلام) لعمر: (أحلب حلباً لك شطره, شدّها لـه اليوم يردها عليك غداً). حركة واحدة كانت على هذا النحو ممن يعشقون السلطة, ممن يعشقون المنصب، ممن يعشقون الوجاهة.
    يقول البعض: لو كان أولئك ممن يعشقون السلطة لرأيناهم مترفين؛ لأننا نشاهد أن من يعشقون السلطة هم عادة إنما من أجل أن تتوفر لهم الأموال, وتتوفر لهم الملذات.. إلى آخر ما قيل في هذا الموضوع.
    يقول أحد العلماء الآخرين - وهو محمد باقر الصدر - : ليس صحيحاً كل هذا، بل وجدنا في التاريخ من ظهروا بمظهر المتقشفين الزهاد من أجل أن يصلوا إلى السلطة. إن هناك من يحب السلطة فتبدوا لديه ألذ من كل مطائب العيش، ألذ من كل ملذات الدنيا كلها، فمن أجل الوصول إلى السلطة يتقشف، ومن أجل الوصول إلى السلطة يبدو زاهداً.
    وقد وجدنا في اليمن نفسه [علي بن الفضل], علي بن الفضل عندما وصل إلى اليمن جلس في واد يتعبد زاهداً ويتركع، يقبل الشيء اليسير مما يعطى، زاهد متقشف متعبد. إن هناك نوعيات في البشر يعشقون المنصب، يعشقون الوجاهة فتبدو كل لذة أخرى من ملذات الطعام والشراب والنكاح والبنيان وغيره، تبدو كلها لا تساوي عنده شيئاً، سيضحي بها جميعاً من أجل أن يصل إلى المنصب.
    هو يجيب على من يحاول أن يقدم أبا بكر وعمر بأنهم لم يكونوا عشاق مناصب, لو لم يكن عمر يعشق المنصب لكان أول من يستجيب يوم قال الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في يومه الأخير من أيام مرضه: ((ائتوني بقلم ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده)) عمر اعترض هو يعرف ماذا سيعمل؟, هو يعرف أنه سيكتب علياً.
    إذا كان قد تحدث عن علي طيلة حياته, وأعلن ولايته على رقاب الأمة يوم الغدير فماذا يتوقع أن يكتب الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) إلا أن يشد الأمة إلى علي فيكون قد استخدم كل الوسائل، فضج عمر، وقال: الرسول قد غلب عليه الوجع! وقال: إن الرسول ليهجر! لأنه - كما قال الإمام علي (عليه السلام) - ((أشددها له اليوم يردها عليك غداً)).
    لا ننظر إلى فاجعة كربلاء أنها وليدة يومها، ونتحدث عن ابن زياد وحده, أو نتحدث عن يزيد وحده، إذا كنا على هذا النحو، إذا لم ننظر دائماً إلى البدايات، ننظر إلى بدايات الإنحراف، ننظر إلى الأسباب الأولى, النظرة التي تجعلنا نرى كل تلك الأحداث المؤسفة، نرى كل هذا الواقع الذي تعيشه الأمة إنما هو نتاج طبيعي لذلك الإنحراف، إنما هي تداعيات لتلك الآثار السيئة التي كانت نتاج ذلك الإنحراف، وإلا فسنعيش في ظل الأسباب نفسها، وسنكون نحن جزءاً من الأسباب التي جعلت الحسين صريعاً في كربلاء، وجعلت علياً قبله, والحسن قبله يسقطون شهداء.
    من خلال موقف الإمام علي (عليه السلام) الذي لم يسمح أن يبقي معاوية لحظة واحدة نعرف خطورة ما يمكن أن يعمله معاوية، ومن خلال هذا الشاهد نفسه نعرف عظم ما جناه عمر على الأمة يوم ولىَّ معاوية على الشام، وجاء من بعده عثمان ليبقي معاوية، وهو بالطبع ابن عمه، ليبقيه ملكاً على الشام، وليس فقط والياً.
    الإمام علي (عليه السلام) كأنه يحذر الأمة إذا ما بقي هذا الشخص ولو لحظة واحدة والياً على منطقة فيها فإن التاريخ سيتحول إلى تاريخ مظلم، وإن الدين ستطمس أعلامه، وهذا هو ما حدث بالذات, هذا هو ما حدث بالذات.
    ويعطي - كما أسلفنا - درساً لنا نحن؛ لنفهم نظرة أهل البيت إلى السلطة، لأن أكثر ما يقوله المنحرفون عن أهل البيت والمضللون على الناس: أن ذلك إنما تحرك لأنه يريد أن يحكم، إن هذا إنما ثار لأنه يريد أن يصل إلى السلطة!.
    إن من يتأمل تاريخ أهل البيت سيجد أنه ليس فقط مجرد حالة بل مبدأ لديهم ثابت أنه يجب أن لا يكون للسلطة عندك قيمة تساوي شراك نعلك؛ لماذا؟ هل لأنك تبدو زاهداً، أن هذا هو مظهر من مظاهر الزهد، وأنه لا يهمك أمر الأمة؟ أن يحكمها من يحكمها؟.. لا.
    إن علياً يوم قال هذه العبارة لا يعني أنه لا يهمه أمر الأمة أن يحكمها من يحكمها، وأنا لا أرغب أن أحكمكم، أنا زاهد متقشف، أنا لا أرغب أن أحكمكم حتى وإن استطعت أن أحيي الحق وأميت الباطل.. ليس هذا منطق علي، إن علياً يقول لا يجوز أن يحكم المسلمين بحال من يعشق السلطة، من يعشق المنصب.
    والذي فهم هذا الإمام الخميني - رحمة الله عليه - يوم قال لابنه وهو يوصيه: ((لا يجوز أن تبحث عن منصب، لا يجوز أن تجري وراء الحصول على المنصب حتى وإن كان منصباً دينياً)). أنت تريد أن تصل إلى أن تصبح [آية الله العظمى]، أو أن تصل إلى لقب [حجة الإسلام والمسلمين]، أو عناوين من هذه. إن عشق المناصب هو ما يمكن أن يضحي بالدين، ويضحي بالأمة، ويضحي بكل شيء.
    إن علياً (عليه السلام) ترك شاهداً حياً على أنه فعلاً لم يكن يعشق السلطة لهذا الاعتبار، لهذا الاعتبار الذي ذكرناه.. يوم أن رفض أن يبقي معاوية، واسأل أي زعيم من هؤلاء الزعماء, واسأل أي خليفة من أولئك الخلفاء.. أليس أي واحد منهم سيرى أن من مصلحته, ولا يرى في ذلك ضيراً، بل يراه من الحكمة, ويراه من السياسة، أن يبقي مثل معاوية, وأسوء من معاوية، أن يبقيه والياً ولو إلى الأبد، من أجل أن يبقى له منصبه، ويحتفظ له كرسي سلطته.
    الإمام علي (عليه السلام) ترك مثالاً حياً لنا، ونحن - أيها الإخوة - بحاجة إلى أن نعرف تاريخ أئمة أهل البيت لنستطيع أن نفضح كل من يقول أنهم كانوا يلهثون وراء السلطة, الكل يلهثون وراء أن يقوم حكم الله في أرضه على عباده، أن تقوم شريعته فتكون هي التي تحكم عباده، أن يسود هديه كل المعمورة التي يعيش عليها عباده. هذا مبدأ إسلامي: أن الدولة الإسلامية, أن الحكومة الإسلامية هي جزء لا يتجزأ من هذا الدين.
    ولكنهم يرون أنه لا يجوز بحال أن يكون لدى حتى علي أو الحسن أو الحسين أو زيد أو الهادي أو أي شخص من تلك النوعية أن يكون لديه عشق للسلطة، عشق للمنصب.
    ألسنا نرى أننا أصبحنا نُواجه وتُواجه الأمة بكلها بأن يضحى بها على يد زعمائها.. أليس هذا ما هو حاصل؟ وكل ما نسمعه لأجل الحفاظ على المصلحة وعناوين أخرى!. إن السر الحقيقي هو أن أولئك يعشقون السلطة. يجب أن نفهم هذا حتى نميز بين أساليب من يعشقون السلطة، وكيف ستكون العواقب الوخيمة حتى ولو انطلق باسم الإسلام، حتى ولو حكم تحت عنوان إسلامي، حتى ولو حمل لقب [خليفة أو أمير المؤمنين!] أو غير ذلك.
    ألم ينهزم [أمير المؤمنين محمد بن عمر!] في أفغانستان وهو باسم خليفة المسلمين؟! هل أنهزم علي أو انهزم الحسن أو انهزم الحسين أو انهزم زيد؟ أو انهزم الهادي أو انهزم قبلهم محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)؟.
    لا. لا يجوز لأمير المؤمنين أن ينهزم، إذا انهزم فإنه من يعشق السلطة، من يعشق الحياة، من يعشق المنصب، هو يريد أن يتمتع أياماً متتالية بلقب [أمير المؤمنين]، و نحوه من الألقاب.
    عودوا - أيها الإخوة - إلى تاريخ أهل البيت، ادرسوه دراسة حقيقية واقعية حتى تجدوا أنه ليس هناك مكان لتلك المقولة: بأنهم كانوا إنما يثورون من أجل أن يصلوا إلى السلطة، وأنهم كانوا عشاق سلطة. هم عشاق حق، هم من قال لهم جدهم - وهو يوصي الحسن - ((وخض الغمرات للحق حيث كان)) خض غمرات الموت من أجل الحق حيث كان. هذه هي طريقتهم.
    وعندما نعرف أن الإضلال الذي تبناه معاوية طيلة أيام إمارته، ثم بعد أن أصبح يحمل لقب خليفة يحكم البلاد الإسلامية بعد استشهاد الإمام علي (عليه السلام), ثم من بعد استشهاد الإمام الحسن (عليه السلام) رأينا كيف حول ذلك المجتمع إلى مجتمع يناصر الباطل، ويقف في صف الباطل.
    ورأينا أيضاً - أيها الإخوة - كيف يكون الجانب الآخر - وهو ما كنا نقوله أكثر من مرة - : أن الجرائم ليست في العادة هي نتيجة عمل طرف واحد فقط, المجرمون من جهة, المضلون من جهة يجنون، والمفرِّطون والمقصرون والمتوانون واللائباليون هم أيضاً يجنون من طرف آخر.
    فالجريمة مشتركة, الجريمة مشتركة من أول يوم حصل الإنحراف بمسيرة هذه الأمة عن هدي القرآن، وهدي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وكيف يمكن أن يسمع الناس منطق الحق ثم نراهم في يوم من الأيام يقفون في وجه الحق، في صف الباطل، هذا هو الذي حصل بالنسبة لأهل العراق.
    معاوية أضل أهل الشام فكانوا قاعدة لإمارته وخلافته، وقاعدة لخلافة ابنه يزيد، وكانوا جيشاً قوياً يتحركون لتنفيذ أهدافه, وأهل العراق من جانب آخر. ما الذي حصل؟. ألم يعش علي (عليه السلام) بينهم سنين خلافته ماعدا الأيام الأولى منها كانت في العراق.. وعلي ببلاغته.. علي بمنطقه.. علي بحجـته.. علي بمعرفته وعلمه الواسع ((باب مدينة العلم)) هو من كان دائماً يتحدث مع أهل العراق، من كان دائماً يوجه ويتحدث ويرشد ويعلِّم ويحذِّر وينذر من عواقب الأمور.
    فلماذا رأينا أهل العراق يقفون هم قبل أهل الشام في صف يزيد في مواجهة الحسين نفسه؟! إنه التفريط، ليس فقط التفريط أمام الحدث، بل التفريط يوم نسمع التوجيهات فلا تعطيها أهميتها. أن تحصل حادثة معينة، فتتقاعس، تقاعسك، قعودك، إنما هو نتيجة لتفريطك الأول يوم كنت تسمع توجيهات علي، يوم كنت تسمع إنذار علي، يوم كنت تسمع الحِِكَمَ تتساقط من فم علي كالدرر، فتنظر إليها و كأنها بَعَر، لا تهتم بها.
    التفريط.. التفريط إنما هذا منبعه: يوم أن يسمع الناس الكلام، ويسمعون التوجيهات ويسمعون منطق الحق ثم لا يهتمون ولا يبالون، ولا يعطون كل قضية ما تستحقه من الأهمية.
    لماذا تربع أبو بكر على الخلافة بعد أن سمع المسلمون ما قاله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في يوم الغدير وما سمعوه قبل ذلك وبعده؟ سمعوا علياً، وسمعوا محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله)، وسمعوا كل شيء, لكن [وأبو بكر لا بأس المهم واحد]!، حالة اللامبالاة.
    من هنا بدأ التفريط، فتربع أبو بكر على الخلافة، ولولا أبو بكر لما كان عمر كما قال عبد الله بن حمزة [ولولا عمر لما كان عثمان، ولولا عثمان لما كان معاوية، ولولا معاوية لما كان يزيد]. لولا تفريط أولئك لما كان أبو بكر من البداية، ولولا تفريط أهل العراق يوم كانوا يسمعون علياً يتحدث، ومن أبلغ من علي بعد القرآن وبعد الرسول! ومن أبلغ من منطقه, وأعظم أثراً - إن كان هناك ما يمكن أن يترك أثراً - بعد القرآن وبعد كلام الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) من مثل كلام علي؟!.
    ذلك التفريط هو الذي جعل أهل العراق قبل أهل الشام يصلون إلى كربلاء فيحاصرون الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، وجعلهم قبل أهل الشام يوجهون النبال إلى صدره، وهم من عاش بينهم علي (عليه السلام) سنين يحدثهم ويعظهم ويرشدهم؛ لماذا؟ ما الذي أوصلهم إلى هذا الحد؟.
    هم فرطوا, وعندما يفرط الإنسان فيما يسمع ستأتي البدائل المغلوطة، إما أن يتلقاها من أمثاله ممن يفهمون الأمور فهماً مغلوطاً، ممن لا يعرفون عواقب الأمور,.أو من جهة نفسه هو فيكون هو من يحلل, ومن يحاول أن يضع لكل قضية حداً معيناً، يظن أنها لا تتجاوزه. ربما كانوا يتصورون أن الحسين هو المشكلة.. يمكن أن يُصفى الحسين وتبقى الأجواء طبيعية!.
    بعد أن قُتل الحسين.. (عليه السلام) هل بقيت الأجواء طبيعية؟ هل استقر وضع أهل العراق؟ أم بدأ العراق يغلي، أم بدأت النكبات, والكوارث تتابع على أهل العراق جيلاً بعد جيل إلى هذا العصر الذي نحن فيه. لم يسلم أهل العراق، لم يسلم لهم دينهم، لم تسلم لهم دنياهم، لم تسلم أنفسهم.
    ما أسوء الإنسان أن يسمع كلمة الحق ثم يرى نفسه في يوم من الأيام يقف في وجه الحق يضربه بسيفه، إنه أسوء من ذلك الذي تربى على الضلال من يومه الأول، إنه أسوء من أولئك؛ ولذلك تجد مثلاًً واضحاً على هذا.. أليس تاريخ العراق أسوء من تاريخ سوريا, أليس العراقيون في كل عصر لا تجد شعباً من الشعوب في البلاد العربية أكثر نكبات, وأكثر مآسي من شعب العراق نفسه؟ لأن شعب العراق هو الذي سمع علياً أكثر من أي شعب آخر.
    علي خرج أياماً معدودة إلى اليمن، وبقي أياماً معدودة في المدينة بعد خلافته، وكان في المدينة لا يتفوه بكلمة في ظل الخلفاء الثلاثة, لا يريدون أن يتفوه بكلمة، لكن معارفه وتوجيهاته وحكمته انصبت في الكوفة على آذان ومسامع أهل العراق ففرطوا.. ففرطوا فكانت عواقبهم أسوء من عواقب أهل الشام أنفسهم.
    وعندما يكون الإنسان من هذه النوعية فقد يصحوا في يوم من الأيام لكن في الوقت الذي لا ينفع. أهل العراق ندموا بعد، وتاب الكثير من تفريطهم في الإمام الحسين إذ لم ينصروه وخرجوا ثائرين، وقتلوا مَنْ قتلوا الحسين (عليه السلام) وثاروا, ثأروا لقتله لكن بعد فوات الأوان، بعد فوات شخصية عظيمة كالحسين.
    لو كانت تلك التضحية، لو كان ذلك الصمود، لو كان ذلك التفاني، لو كان ذلك الإهتمام، لو كان ذلك الوعي في وقته، يوم كان الحسين متوجهاً إلى الكوفة لاستطاعوا أن يغيروا وجه التاريخ بأكمله، وليس فقط وجه العراق، لاستطاعوا أن يعيدوا الأمة إلى ما كان يريد لها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أن تكون عليه.
    قتلوا الآلاف, وقُتل منهم الآلاف لكن بعد فوات الأوان، بعد فوات شخصية كالإمام الحسين. وأعظم ما تتعرض له الأمة أو من أعظم نكبات الأمة أن تفقد عظماء كالحسين وعلي وزيد والحسن وأمثالهم من أعلام الهدى، خسارة عظيمة.
    فنحن - أيها الإخوة - عندما نتحدث عن كربلاء لا نتحدث عنها فقط من الجانب العاطفي، الجانب العاطفي مثير لكن قد يجعل القضية تتجمد في عصرها، ويجعلنا نحن لا نستطيع أن نستلهم منها الدروس والعبر، ولذا حاولنا أن يكون إحياؤنا لهذه الذكرى هو فعلاً حديث عن ما حدث فيها من مآسي كشفت عن وحشية أولئك الظالمين، وخشونة طباعهم, وخبث أنفسهم.
    ونعرف أيضاً الأسباب التي أدت لمثل تلك؛ لأنها أسبابٌ الناس يعيشونها في كل عصر، نحن نعيش - فيما أعتقد - الأمة المسلمة هي تعيش الحالة, الحالة نفسها، الأسباب نفسها التي هيأت الظروف لأن يسقط بين أيديها مثل علي والحسن والحسين وزيد ومحمد بن عبد الله النفس الزكية وغيرهم من عظماء أهل البيت، الحالة نفسها واحدة.
    سنظل دائماً نئن ونتوجع من الأحداث ولا نهتدي لحل, ولا نعرف من الذي وراء ذلك، إذا لم نعد إلى دراسة أسباب الأشياء من أولها, نعود إلى دراسة الأسباب الأولى للأحداث حتى نعرف ما إذا كان هناك في واقعنا شيء من هذه الأسباب متوفر, شيء من هذه الحالة التي أدت إلى تلك النتائج السيئة تعيش عليها الأمة، فإذا ما وجدنا أنفسنا نعيش نفس الشعور، نعيش نفس الحالة فاعرف بأنك إنما ستكون مثل أهل العراق، مثل أهل الشام الذين ظلوا دائماً يتوجعون، مثل هذه الأمة من أولها إلى حاضرها, تتوجع من الأحداث، تتوجع من الكوارث، وتئن وتصرخ ولا ترى مخرجاً, ولا تعرف حلاً.
    وحتى نعرف, وحتى يعرف كل واحد منا أنه يعيش نفسية الشخص الذي أغمض عينيه يوم صعد أبو بكر على كرسي الخلافة، وأنك تعيش نفسية ذلك العراقي الذي كان يسمع علياً يتحدث بمسجد الكوفة، وتحمل نفسية ذلك العراقي يوم خرج الحسين متجهاً إلى الكوفة، ويوم دخل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة، حتى تعرف أنك لا تختلف عن أولئك، إذا ما وجدت نفسك أمام أي قضية, أمام أي حدث، تجد هناك من يذكرك بمسئوليتك، ويذكرك بخطورة عواقب تلك الأحداث يذكرك بعقوبة تفريطك ثم لا تهتم، فإنك من قد تجد نفسك في يوم من الأيام ليس فقط ضحية لتفريطك، بل تجد نفسك في موقف أسوء من ذلك الموقف، تجد نفسك في صف الباطل تقف في وجه الحق، تساق إلى مواقف الباطل.
    وهذا لم يكن فقط ما حصل للعراقيين وحدهم في التاريخ، لقد حصل للكثير من البشر على امتداد التاريخ, تاريخ هذه الأمة، كم من الأشخاص ممن هم يُحسبون على جانب الحق، ممن سمعوا توجيهات الحق, وسمعوا صوت الحق ودعوا إلى الحق ففرطوا فرأوا أنفسهم يساقون إلى ميادين نصر الباطل!.
    نحن - أعتقد - إذا لم ننطلق في مواجهة الباطل، في هذا الزمن فإننا من سنرى أنفسنا نساق جنوداً لأمريكا في ميادين الباطل في مواجهة الحق. لا يجوز بحال إذا كنا نحن من نلوم أولئك، أي واحد منا يلوم أهل الكوفة أليس كذلك؟ يلوم أهل العراق، يلوم ذلك المجتمع الذي لم يصغ لتوجيهات الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) بعد أن ولى علياً, يلوم أهل المدينة، يلوم أهل البصرة، يلوم أهل الشام، يلوم.
    إذا كنا فقط إنما نلوم الآخرين، ولا نعرف على ماذا نلومهم، أنت تلومهم لأنهم قتلوا الحسين, أليس كذلك؟ فعلاً يلامون على أنهم قتلوا الحسين, لكن ما الذي جرّهم إلى أن يقتلوا الحسين؟.
    أنت تعيش النفسية، تعيش الحالة التي جرتهم إلى أن يخرجوا ليواجهوا الحسين، فَلُمْ أنت نفسك, ولمُهم أنت على تفريطهم يوم كانوا يسمعون علياً، واحذر أنت أن تكون ممن يفرط وهو يتكرر عليك هدي علي، وهدي القرآن الكريم الذي هو فوق كل هدي.
    أوليس القرآن الكريم حياً بين أظهرنا؟ أولسنا نقرأه؟ أولسنا نحاول أن نعرض الأحداث على القرآن الكريم لنستلهم من خلال القرآن ما هو الموقف المطلوب منا؟ بل لنحصل من خلال القرآن على وعي وبصيرة نفهم من خلالها ما يدور حولنا؟ فمن يُعرض، من يُفرط، من لا يهتم، من لا يبالي إنه يعيش نفسية من يلومهم قبل ألف سنة وأكثر من ألف سنة.
    بل أرى أن اللوم علينا أشد.. لماذا؟ عادة الناس إذا تحدث معهم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وحذرهم من عواقب الأمور، الكثير من الناس هو يكون من أولئك الذين يريدون أن ينظروا إلى الأشياء متجسدة أمامهم حتى يصدقوا، وحتى يستشعروا الخطورة، وحتى يهتموا, أو يكون لهم موقف, يريدون كما قال بنو إسرائيل: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}(الأعراف: من الآية138) بعد أن خرجوا من البحر، بعد تلك الآية العظيمة، الآية الدالة على قدرة الله سبحانه وتعالى.
    وهم مؤمنون بالله، لكنهم ما زالوا يريدون أن يروا إلهاً متجسداً أمامهم، حتى قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}(البقرة: من الآية55) ألم يقولوا هكذا؟ {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}هذه الروحية: [لن نصدقك حتى نرى الأحداث ماثلة] هذا هو الغباء، هذا هو الخطأ، هذه هي الأمية الحقيقية، هذه هي الجهالة، هذه الروحية هي التي تؤدي إلى ضرب الأمة في كل عصر
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
ردود 2
12 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
يعمل...
X