تجب المواقعة كلّ أربعة أشهر مرّة
أقول : إذا كان للمرأة الحقّ في المعاشرة الجنسية متى احتاجت وطلبت من الزوج ، كما يحقّ للرجل المعاشرة الجنسية مع زوجته استناداً إلى آية {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} من حيث تقابل الحقوق ، فما معنى الروايات الواردة ـ عند الطرفين ـ بأنّ الزوج لا يجب عليه المعاشرة الجنسية إلاّ في كلّ أربعة أشهر مرّة واحدة ، والواجب عليه إدخال مقدار الحشفة فقط؟
ففي صحيحة صفوان بن يحيى عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه سأله عن رجل يكون عنده المرأة الشابة ، فيمسك عنها الأشهر والسنة لا يقربها ، ليس يريد الإضرار بها ، يكون لهم مصيبة ، يكون في ذلك آثماً؟ قال (عليه السلام) : "إذا تركها أربعة أشهر كان آثماً بعد ذلك"(1) .
وصحيحة حفص بن البختري عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : "إذا غاضب الرجل امرأته فلم يقربها من غير يمين أربعة أشهر استعدت عليه ، فإمّا أن يفيء ، وإمّا أن يطلّق ، فإن تركها من غير مغاضبة أو يمين فليس بمولي"(2) .
وقد روى أهل السنّة أنّ الخليفة عمر بن الخطّاب عندما سمع شيئاً من زوجة أحد الصحابة الذاهبين للجهاد ، فسأل ابنته حفصة عن أقصى ما تستطيع المرأة أن تصبر عن زوجها ، فقالت : أربعة أشهر ، فأمر أن لا يزيد فراق الزوجات وإن كان للجهاد عن أكثر من أربعة أشهر .
____________
1- وسائل الشيعة 14 : باب 71 من مقدّمات النكاح ، حديث 1 .
2- وسائل الشيعة 15 : باب 1 من الإيلاء ، حديث 2 .
أقول : وأنت ترى أنّ الروايات والقصّة كلّها واردة في حالات استثنائية ، لا يمكن سريانها على الحالات الاعتيادية ، فلا تبقى إلاّ المعاشرة بالمعروف ، فلاحظ .
2 ـ لا يجب على الزوجة الخدمة المنزلية : (من كنس أو طبخ وترتيب البيت) بمقتضى عقد الزوجية ، بل الواجب ـ كما تقدّم ـ مقدّمات الاستمتاع بها من تنظيف وإزالة للمنفر والاستحداد ، والمساكنة مع الزوج وذلك :
1 ـ لعدم وجود أيّ دليل على وجوب الخدمات المنزلية على الزوجة في الروايات .
2 ـ الأصل الأولي هو عدم سلطة أحد على أحد في عمل ما ، سواء كان زوجاً على زوجة أو أجنبي على آخر .
3 ـ روايات تدلّ على استحقاق الاُم الاُجرة على إرضاع ولدها إذا طلبتها ، فقد قال تعالى : {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوف وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}(1) وهذه الآية وإن وردت في الطلاق ، إلاّ أنّها لا تفرق من ناحية أخذ الاُجرة على الإرضاع إن طلبتها الاُم ، سواء كانت المرأة مطلّقة أم لا ، لأنّ محلّ الورود لا يخصص الوارد ، كما هو محرّر في علم الاُصول .
4 ـ يجب على الزوج الإنفاق على الزوجة ، حيث جعل هو القيّم على تدبير اُمور الزوجة والمحافظة عليها بقوله تعالى : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض وَبِمَا أَنفَقُواْ} .
ولذا قال صاحب الجواهر (قدس سره) معبّراً عن الرأي المشهور بين الشيعة الإمامية فقال : "أوجبوا على الزوج لزوجته نفقة الخادمة إن كانت الزوجة من أهل الإخدام لشرف أو حاجة ، والمرجع فيه العرف ، فإن كانت من أهل بيت كبير ولها شرف وثروة لا تخدم بنفسها فعليه إخدامها وإن تواضعت في الخدمة بنفسها"(2) .
____________
1- الطلاق : 6 .
2- راجع جواهر الكلام 31 : 336 ـ 338 .
نعم ، يستحب لها الخدمة في بيت الزوج من باب إعانة الزوج وإدخال السرور عليه ، وقد وردت روايات تدلّ على ذلك ، منها ما رواه الصدوق مسنداً إلى الإمام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : "أيّما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً ، نظر الله إليها ، ومن نظر الله إليه لم يعذّبه"(1) .
نعم ، قد يوجد ارتكاز ذهني عند عرف خاص على أنّ الزوجة يجب عليها القيام بأعمال المنزل من طبخ وكنس وترتيب ورعاية الأطفال ، وحينئذ سيكون قيام عقد الزوجية مبتنياً على هذا الارتكاز ، فتكون الخدمة المنزلية ورعاية الأطفال مشروطة في عقد الزواج ، فيجب على الزوجة القيام بها ، ويقتصر في وجوب الخدمة على القدر المتيقّن ، وهذا أمر خارج عن مقتضى عقد الزوجية ، بل هو نشأ من الارتكاز الذهني عند عرف خاص .
3 ـ حقّ الزوجة في الإرواء الجنسي : إنّ الشريعة المقدّسة تعتبر الممارسة الجنسية ليست علاقة غريزية حيوانية محضة ، بل هي ممارسة عاطفية وأخلاقية وجمالية ، كما أنّها ليست امتيازاً للزوج ، لا يكون للزوجة فيها نصيب في المشاركة ، بل إنّ الزوجة هي شريك للرجل ، فيتفاعلان في الممارسة الجنسية ويشتركان في تأهيل نفسيهما لها .
فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله : "إذا جامع أحدكم فلايأتيهن كما يأتي الطير ، ليمكث وليلبث"(2) .
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فلايعجّلها"(3) .
____________
1- وسائل الشيعة : باب 67 من أحكام الأولاد ، حديث 1 .
2- وسائل الشيعة 14 : باب 56 من مقدّمات النكاح ، حديث 1 .
3- المصدر نفسه : حديث 2 .
وعن الصدوق في حديث الأربعمائة : "إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فلايعجّلها ، فإن للنساء حوائج"(1) .
فهذه الروايات وإن لم تكن تفيد حكماً إلزامياً وجوبياً ; لأنّها مقيّدة بإرادة الإنسان ، ولو كان واجباً لما قيّد بالإرادة ، إلاّ أنّه يستفاد منه الإرشاد إلى قضية حقّ المرأة في الإرواء الجنسي ، فالزوج وإن كان حقّ المبادرة للعملية الجنسية هو له ، وعلى الزوجة الاستجابة ، إلاّ أن كيفية العملية الجنسية تشترك فائدتها للطرفين .
وأمّا حقّ العزل عن المرأة فقد وردت روايات تمنع من العزل عن الحرة إلاّ بإذنها ، وروايات تقول بأنّ الماء هو ماء الرجل يضعه حيث شاء . فالاُولى تحرّم العزل عن الحرة إلاّ إذا وافقت على ذلك ، والثانية تجيز العزل ، فحَمَلَ الفقهاء روايات المنع إلاّ بإذنها على الكراهة .
ولكن إذا ثبت أنّ العزل عن المرأة يكون في ضررها ; لعدم استيفائها حاجتها من الإرتواء الجنسي ، أو ثبت أنّ العزل عن المرأة يوجب ضرراً لها كالخلل النفسي والعصبي ، فسوف يكون الجمع بين الروايات المانعة من العزل إلاّ بإذنها وروايات الجواز هو حمل روايات الجواز على العزل الذي لا تتضرّر به الزوجة ، وأمّا روايات المنع إلاّ بإذنها فتُحمل على تضرّرها بالعزل ، فيكون حراماً ، إلاّ إذا وافقت على ضررها ولو لمصلحة عدم حملها ، كأن يكون حملها أكثر ضرراً من ضررها العصبي والنفسي فلاحظ .
4 ـ حقّ الزوجة في المضاجعة : والمضاجعة هو حقّ المبيت عندها في المكان الذي تنام فيه ليلة من كلّ أربع ليال . وهذا حقّ آخر غير حقّ الوطء ، فالزوج له أن يكتفي بالمبيت فقط ، كما له الحقّ في المجامعة ، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام)
____________
1- المصدر نفسه : حديث 4 .
قوله : "إنّما عليه أن يبيت عندها ليلتها ويظلّ عندها إلى صبيحتها ، وليس عليه أن يجامعها إذا لم يرد ذلك"(1) .
وقد عرّف صاحب الرياض المضاجعة بقوله : "وهي أن ينام معها قريباً منها عادة ، معطياً لها وجهه دائماً أو أكثرياً ، بحيث لا يعدّ هاجراً وإن لم يتلاصق الجسمان"(2) .
5 ـ حقّ الزوجة في التكريم والعفو عنها إذا أخطأت : فيجب على الزوج أن يتصرّف معها بكرامة إنسانية ومودّة عاطفية ، وإذا أخطأت غفر لها وسامحها . وهذا هو المعنى المتقدّم للمعاشرة بالمعروف ، وأنّ الزوج له عليها درجة في مسامحتها والغفران لها .
فقد ورد في معتبرة صفوان ، عن إسحاق بن عمار ، قال : قلت للصادق (عليه السلام) : ما حقّ المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال : "يشبعها ويكسوها ، وإن جهلت غفر لها"(3) .
وفي رواية الصدوق عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في رسالة الحقوق قال : "وأمّا حقّ الزوجة فأن تعلم أنّ الله عزّ وجلّ جعلها سكناً وأنيساً ، وتعلم أنّ ذلك نعمة من الله عزّ وجلّ عليك فتكرمها وترفق بها . . ."(4) .
ويؤيّد ما تقدّم ما ذكر من روايات أهل السنّة عن حكيم بن معاوية القشيري قال : قلت : يا رسول الله ما حقّ زوجة أحدنا عليه؟ قال : "أن يطعمها إذا طعمت ، ويكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ولا تقبّح ولا تهجر إلاّ في البيت" .
____________
1- وسائل الشيعة باب 5 من النشوز ، حديث 1 .
2- الشرح الصغير على المختصر النافع 2 : 394 .
3- وسائل الشيعة باب 88 مقدّمات النكاح ، حديث 1 .
4- من لا يحضره الفقيه 3 : 378 .
أي لا تقول لها قبيحاً ولا تهجرها إذا فعلت ما يوجب التقبيح والهجر إلاّ في البيت ، وهذا هو من مصاديق التكريم حتى إذا أخطأت وفعلت ما يوجب الهجر من دون سبب من الزوج .
ثمّ إنّ الغفران هنا واجب على الزوج ; لأنّه وارد في جواب السؤال عن حقّ الزوجة وفي سياق النفقة الواجبة ، فلاحظ .
المرأة الأُمّ
إنّ القرآن الكريم يوجب الإرضاع للولد الذي ولدته أُمّه فصارت أُمّاً بذلك ، قال تعالى : {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}(1) ، فإنّ جملة "يرضعن" ظاهرة في الإنشاء لا الإخبار ; لعدم تطابقه مع الواقع الخارجي على نحو كلّي .
وقد يقال : إنّ الفقهاء حملوا إرضاع الولد حولين كاملين على الاستحباب ; وذلك لأنّ الآية الكريمة في صدد بيان مدّة الرضاع لمن أراد أن يتمّ الرضاعة ، لا لبيان أصل وجوب الإرضاع عليهن بالذات ، على أنّ الحكم الإلزامي لا يعلّق على إرادة الإنسان .
وحينئذ يقال : إنّ الاستحباب إتمام الرضاعة للحولين كما قالت الآية الكريمة ، فإن لم يكن هناك أدلّة على وجوب إرضاع الاُمّ لولدها على نحو التعيين والتخصيص ، إلاّ أنّه يوجد واجب كفائي على كلّ من يقدر على تغذية هذا المولود الجديد ورعايته وحفظه من الموت ، والاُمّ أحد الأفراد المأمورين بذلك خصوصاً
____________
1- البقرة : 233 .
اللباء : وهو أول اللبن في النتاج ، فقد قيل : إنّ الولد لا يعيش بدونه(1) ، ولكن الصحيح إنّ الولد لا يقوى ولا تشتد بنيته إلاّ باللباء ، فحينئذ يجب على كلّ الناس ومنهم الاُمّ إرضاع الوليد هذا اللبن ، سواء كان منها أو من غيرها إذا حصلت ولادة مقارنة لها .
ثمّ إنّ مدّة الرضاع هي إحدى وعشرين شهراً ، كما أشارت الآيات القرآنية التي ذكرت أنّ حمله وفصاله ثلاثون شهراً ، فقال تعالى : {وَوَصَّيْنَا الاِْنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً}(2) .
فإذا عرفنا أنّ مدّة الحمل الطبيعية الغالبة تسعة أشهر ، يتبيّن لنا أنّ مدّة الرضاع هي واحد وعشرون شهراً واجبة على الاُمّ إن لم يكن مرضعة اُخرى له ; لأنّ غذاء الطفل واجب على كلّ من يقدر على تغذيته بالواجب الكفائي .
ولكن هل هذا الرضاع الواجب على كلّ من يقدر عليه يكون بلا أجر؟
الجواب : إنّ الدليل القرآني ذكر أنّ المرأة الزوجة لها الحقّ في أخذ الاُجرة على هذا الرضاع حيث قالت الآية القرآنية في سورة الطلاق {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوف وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}(3) .
فالحقّ الذي للطفل الذي تقدّم الكلام عليه يبقى كما هو ، إلاّ أنّه حقّ للطفل بأجر كما صرحت بذلك الآية الكريمة وإن كان حقّ الاُمّ في إرضاع ولدها مقدّم على غيرها إذا طالبت أجراً متعارفاً ، ولكن عند التعاسر والطلب غير المتعارف للأجر يعطى الحقّ للأب في إعطاء الولد للرضاعة فقط لامرأة اُخرى بأجر متعارف .
____________
1- إلاّ أنّ هذه الدعوى يكذّبها الوجدان ، فإننا شاهدنا وعاصرنا من ولد ولم يرضع اللباء ، وعاش عيشة متعارفة ، إلاّ أنّه عليل البدن مريض الحال .
2- الأحقاف : 15 .
3- الطلاق : 6 .
ثمّ إنّ الأدلّة الشرعية من الروايات الكثيرة جعلت حقّ حضانة الولد إلى الأُمّ ، فإن كان ذكراً فالحضانة سنتان ، وإن كانت اُنثى فالحضانة سبع سنين على المشهور وإن كان هناك قول قوي يقول : بأنّ الحضانة في الذكر والاُنثى مدّة سبع سنين .
ومن الواضح أنّ جعل حقّ الحضانة بيد الأُم لأجل إعطاء مجال لها لتمارس دورها التربوي خاصة في المراحل المبكّرة للولد ، حيث تكون الأُم هي الأنسب من الأب لما تحمله من رقّة وحنان ، ولأجل إرواء نهمها لأن تكون أمّاً مربية تنعم بولدها في مراحل حياته كلّها
أقول : إذا كان للمرأة الحقّ في المعاشرة الجنسية متى احتاجت وطلبت من الزوج ، كما يحقّ للرجل المعاشرة الجنسية مع زوجته استناداً إلى آية {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} من حيث تقابل الحقوق ، فما معنى الروايات الواردة ـ عند الطرفين ـ بأنّ الزوج لا يجب عليه المعاشرة الجنسية إلاّ في كلّ أربعة أشهر مرّة واحدة ، والواجب عليه إدخال مقدار الحشفة فقط؟
ففي صحيحة صفوان بن يحيى عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه سأله عن رجل يكون عنده المرأة الشابة ، فيمسك عنها الأشهر والسنة لا يقربها ، ليس يريد الإضرار بها ، يكون لهم مصيبة ، يكون في ذلك آثماً؟ قال (عليه السلام) : "إذا تركها أربعة أشهر كان آثماً بعد ذلك"(1) .
وصحيحة حفص بن البختري عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : "إذا غاضب الرجل امرأته فلم يقربها من غير يمين أربعة أشهر استعدت عليه ، فإمّا أن يفيء ، وإمّا أن يطلّق ، فإن تركها من غير مغاضبة أو يمين فليس بمولي"(2) .
وقد روى أهل السنّة أنّ الخليفة عمر بن الخطّاب عندما سمع شيئاً من زوجة أحد الصحابة الذاهبين للجهاد ، فسأل ابنته حفصة عن أقصى ما تستطيع المرأة أن تصبر عن زوجها ، فقالت : أربعة أشهر ، فأمر أن لا يزيد فراق الزوجات وإن كان للجهاد عن أكثر من أربعة أشهر .
____________
1- وسائل الشيعة 14 : باب 71 من مقدّمات النكاح ، حديث 1 .
2- وسائل الشيعة 15 : باب 1 من الإيلاء ، حديث 2 .
أقول : وأنت ترى أنّ الروايات والقصّة كلّها واردة في حالات استثنائية ، لا يمكن سريانها على الحالات الاعتيادية ، فلا تبقى إلاّ المعاشرة بالمعروف ، فلاحظ .
2 ـ لا يجب على الزوجة الخدمة المنزلية : (من كنس أو طبخ وترتيب البيت) بمقتضى عقد الزوجية ، بل الواجب ـ كما تقدّم ـ مقدّمات الاستمتاع بها من تنظيف وإزالة للمنفر والاستحداد ، والمساكنة مع الزوج وذلك :
1 ـ لعدم وجود أيّ دليل على وجوب الخدمات المنزلية على الزوجة في الروايات .
2 ـ الأصل الأولي هو عدم سلطة أحد على أحد في عمل ما ، سواء كان زوجاً على زوجة أو أجنبي على آخر .
3 ـ روايات تدلّ على استحقاق الاُم الاُجرة على إرضاع ولدها إذا طلبتها ، فقد قال تعالى : {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوف وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}(1) وهذه الآية وإن وردت في الطلاق ، إلاّ أنّها لا تفرق من ناحية أخذ الاُجرة على الإرضاع إن طلبتها الاُم ، سواء كانت المرأة مطلّقة أم لا ، لأنّ محلّ الورود لا يخصص الوارد ، كما هو محرّر في علم الاُصول .
4 ـ يجب على الزوج الإنفاق على الزوجة ، حيث جعل هو القيّم على تدبير اُمور الزوجة والمحافظة عليها بقوله تعالى : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض وَبِمَا أَنفَقُواْ} .
ولذا قال صاحب الجواهر (قدس سره) معبّراً عن الرأي المشهور بين الشيعة الإمامية فقال : "أوجبوا على الزوج لزوجته نفقة الخادمة إن كانت الزوجة من أهل الإخدام لشرف أو حاجة ، والمرجع فيه العرف ، فإن كانت من أهل بيت كبير ولها شرف وثروة لا تخدم بنفسها فعليه إخدامها وإن تواضعت في الخدمة بنفسها"(2) .
____________
1- الطلاق : 6 .
2- راجع جواهر الكلام 31 : 336 ـ 338 .
نعم ، يستحب لها الخدمة في بيت الزوج من باب إعانة الزوج وإدخال السرور عليه ، وقد وردت روايات تدلّ على ذلك ، منها ما رواه الصدوق مسنداً إلى الإمام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : "أيّما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً ، نظر الله إليها ، ومن نظر الله إليه لم يعذّبه"(1) .
نعم ، قد يوجد ارتكاز ذهني عند عرف خاص على أنّ الزوجة يجب عليها القيام بأعمال المنزل من طبخ وكنس وترتيب ورعاية الأطفال ، وحينئذ سيكون قيام عقد الزوجية مبتنياً على هذا الارتكاز ، فتكون الخدمة المنزلية ورعاية الأطفال مشروطة في عقد الزواج ، فيجب على الزوجة القيام بها ، ويقتصر في وجوب الخدمة على القدر المتيقّن ، وهذا أمر خارج عن مقتضى عقد الزوجية ، بل هو نشأ من الارتكاز الذهني عند عرف خاص .
3 ـ حقّ الزوجة في الإرواء الجنسي : إنّ الشريعة المقدّسة تعتبر الممارسة الجنسية ليست علاقة غريزية حيوانية محضة ، بل هي ممارسة عاطفية وأخلاقية وجمالية ، كما أنّها ليست امتيازاً للزوج ، لا يكون للزوجة فيها نصيب في المشاركة ، بل إنّ الزوجة هي شريك للرجل ، فيتفاعلان في الممارسة الجنسية ويشتركان في تأهيل نفسيهما لها .
فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله : "إذا جامع أحدكم فلايأتيهن كما يأتي الطير ، ليمكث وليلبث"(2) .
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فلايعجّلها"(3) .
____________
1- وسائل الشيعة : باب 67 من أحكام الأولاد ، حديث 1 .
2- وسائل الشيعة 14 : باب 56 من مقدّمات النكاح ، حديث 1 .
3- المصدر نفسه : حديث 2 .
وعن الصدوق في حديث الأربعمائة : "إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فلايعجّلها ، فإن للنساء حوائج"(1) .
فهذه الروايات وإن لم تكن تفيد حكماً إلزامياً وجوبياً ; لأنّها مقيّدة بإرادة الإنسان ، ولو كان واجباً لما قيّد بالإرادة ، إلاّ أنّه يستفاد منه الإرشاد إلى قضية حقّ المرأة في الإرواء الجنسي ، فالزوج وإن كان حقّ المبادرة للعملية الجنسية هو له ، وعلى الزوجة الاستجابة ، إلاّ أن كيفية العملية الجنسية تشترك فائدتها للطرفين .
وأمّا حقّ العزل عن المرأة فقد وردت روايات تمنع من العزل عن الحرة إلاّ بإذنها ، وروايات تقول بأنّ الماء هو ماء الرجل يضعه حيث شاء . فالاُولى تحرّم العزل عن الحرة إلاّ إذا وافقت على ذلك ، والثانية تجيز العزل ، فحَمَلَ الفقهاء روايات المنع إلاّ بإذنها على الكراهة .
ولكن إذا ثبت أنّ العزل عن المرأة يكون في ضررها ; لعدم استيفائها حاجتها من الإرتواء الجنسي ، أو ثبت أنّ العزل عن المرأة يوجب ضرراً لها كالخلل النفسي والعصبي ، فسوف يكون الجمع بين الروايات المانعة من العزل إلاّ بإذنها وروايات الجواز هو حمل روايات الجواز على العزل الذي لا تتضرّر به الزوجة ، وأمّا روايات المنع إلاّ بإذنها فتُحمل على تضرّرها بالعزل ، فيكون حراماً ، إلاّ إذا وافقت على ضررها ولو لمصلحة عدم حملها ، كأن يكون حملها أكثر ضرراً من ضررها العصبي والنفسي فلاحظ .
4 ـ حقّ الزوجة في المضاجعة : والمضاجعة هو حقّ المبيت عندها في المكان الذي تنام فيه ليلة من كلّ أربع ليال . وهذا حقّ آخر غير حقّ الوطء ، فالزوج له أن يكتفي بالمبيت فقط ، كما له الحقّ في المجامعة ، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام)
____________
1- المصدر نفسه : حديث 4 .
قوله : "إنّما عليه أن يبيت عندها ليلتها ويظلّ عندها إلى صبيحتها ، وليس عليه أن يجامعها إذا لم يرد ذلك"(1) .
وقد عرّف صاحب الرياض المضاجعة بقوله : "وهي أن ينام معها قريباً منها عادة ، معطياً لها وجهه دائماً أو أكثرياً ، بحيث لا يعدّ هاجراً وإن لم يتلاصق الجسمان"(2) .
5 ـ حقّ الزوجة في التكريم والعفو عنها إذا أخطأت : فيجب على الزوج أن يتصرّف معها بكرامة إنسانية ومودّة عاطفية ، وإذا أخطأت غفر لها وسامحها . وهذا هو المعنى المتقدّم للمعاشرة بالمعروف ، وأنّ الزوج له عليها درجة في مسامحتها والغفران لها .
فقد ورد في معتبرة صفوان ، عن إسحاق بن عمار ، قال : قلت للصادق (عليه السلام) : ما حقّ المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال : "يشبعها ويكسوها ، وإن جهلت غفر لها"(3) .
وفي رواية الصدوق عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في رسالة الحقوق قال : "وأمّا حقّ الزوجة فأن تعلم أنّ الله عزّ وجلّ جعلها سكناً وأنيساً ، وتعلم أنّ ذلك نعمة من الله عزّ وجلّ عليك فتكرمها وترفق بها . . ."(4) .
ويؤيّد ما تقدّم ما ذكر من روايات أهل السنّة عن حكيم بن معاوية القشيري قال : قلت : يا رسول الله ما حقّ زوجة أحدنا عليه؟ قال : "أن يطعمها إذا طعمت ، ويكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ولا تقبّح ولا تهجر إلاّ في البيت" .
____________
1- وسائل الشيعة باب 5 من النشوز ، حديث 1 .
2- الشرح الصغير على المختصر النافع 2 : 394 .
3- وسائل الشيعة باب 88 مقدّمات النكاح ، حديث 1 .
4- من لا يحضره الفقيه 3 : 378 .
أي لا تقول لها قبيحاً ولا تهجرها إذا فعلت ما يوجب التقبيح والهجر إلاّ في البيت ، وهذا هو من مصاديق التكريم حتى إذا أخطأت وفعلت ما يوجب الهجر من دون سبب من الزوج .
ثمّ إنّ الغفران هنا واجب على الزوج ; لأنّه وارد في جواب السؤال عن حقّ الزوجة وفي سياق النفقة الواجبة ، فلاحظ .
المرأة الأُمّ
إنّ القرآن الكريم يوجب الإرضاع للولد الذي ولدته أُمّه فصارت أُمّاً بذلك ، قال تعالى : {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}(1) ، فإنّ جملة "يرضعن" ظاهرة في الإنشاء لا الإخبار ; لعدم تطابقه مع الواقع الخارجي على نحو كلّي .
وقد يقال : إنّ الفقهاء حملوا إرضاع الولد حولين كاملين على الاستحباب ; وذلك لأنّ الآية الكريمة في صدد بيان مدّة الرضاع لمن أراد أن يتمّ الرضاعة ، لا لبيان أصل وجوب الإرضاع عليهن بالذات ، على أنّ الحكم الإلزامي لا يعلّق على إرادة الإنسان .
وحينئذ يقال : إنّ الاستحباب إتمام الرضاعة للحولين كما قالت الآية الكريمة ، فإن لم يكن هناك أدلّة على وجوب إرضاع الاُمّ لولدها على نحو التعيين والتخصيص ، إلاّ أنّه يوجد واجب كفائي على كلّ من يقدر على تغذية هذا المولود الجديد ورعايته وحفظه من الموت ، والاُمّ أحد الأفراد المأمورين بذلك خصوصاً
____________
1- البقرة : 233 .
اللباء : وهو أول اللبن في النتاج ، فقد قيل : إنّ الولد لا يعيش بدونه(1) ، ولكن الصحيح إنّ الولد لا يقوى ولا تشتد بنيته إلاّ باللباء ، فحينئذ يجب على كلّ الناس ومنهم الاُمّ إرضاع الوليد هذا اللبن ، سواء كان منها أو من غيرها إذا حصلت ولادة مقارنة لها .
ثمّ إنّ مدّة الرضاع هي إحدى وعشرين شهراً ، كما أشارت الآيات القرآنية التي ذكرت أنّ حمله وفصاله ثلاثون شهراً ، فقال تعالى : {وَوَصَّيْنَا الاِْنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً}(2) .
فإذا عرفنا أنّ مدّة الحمل الطبيعية الغالبة تسعة أشهر ، يتبيّن لنا أنّ مدّة الرضاع هي واحد وعشرون شهراً واجبة على الاُمّ إن لم يكن مرضعة اُخرى له ; لأنّ غذاء الطفل واجب على كلّ من يقدر على تغذيته بالواجب الكفائي .
ولكن هل هذا الرضاع الواجب على كلّ من يقدر عليه يكون بلا أجر؟
الجواب : إنّ الدليل القرآني ذكر أنّ المرأة الزوجة لها الحقّ في أخذ الاُجرة على هذا الرضاع حيث قالت الآية القرآنية في سورة الطلاق {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوف وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}(3) .
فالحقّ الذي للطفل الذي تقدّم الكلام عليه يبقى كما هو ، إلاّ أنّه حقّ للطفل بأجر كما صرحت بذلك الآية الكريمة وإن كان حقّ الاُمّ في إرضاع ولدها مقدّم على غيرها إذا طالبت أجراً متعارفاً ، ولكن عند التعاسر والطلب غير المتعارف للأجر يعطى الحقّ للأب في إعطاء الولد للرضاعة فقط لامرأة اُخرى بأجر متعارف .
____________
1- إلاّ أنّ هذه الدعوى يكذّبها الوجدان ، فإننا شاهدنا وعاصرنا من ولد ولم يرضع اللباء ، وعاش عيشة متعارفة ، إلاّ أنّه عليل البدن مريض الحال .
2- الأحقاف : 15 .
3- الطلاق : 6 .
ثمّ إنّ الأدلّة الشرعية من الروايات الكثيرة جعلت حقّ حضانة الولد إلى الأُمّ ، فإن كان ذكراً فالحضانة سنتان ، وإن كانت اُنثى فالحضانة سبع سنين على المشهور وإن كان هناك قول قوي يقول : بأنّ الحضانة في الذكر والاُنثى مدّة سبع سنين .
ومن الواضح أنّ جعل حقّ الحضانة بيد الأُم لأجل إعطاء مجال لها لتمارس دورها التربوي خاصة في المراحل المبكّرة للولد ، حيث تكون الأُم هي الأنسب من الأب لما تحمله من رقّة وحنان ، ولأجل إرواء نهمها لأن تكون أمّاً مربية تنعم بولدها في مراحل حياته كلّها