الوهابية
لمحة إلى حياة مؤسّس الوهّابيّة
تُنسب الطريقة الوهّابيّة إلى الشيخ محمّد بن عبدالوهّاب النجدي، وتُسمّى طريقته باسم أبيه «عبدالوهّاب» . أمّا السبب في عدم تسميتها بـ «المحمّدية» نسبة الى مؤسّسها محمّد، فهو ـ كما يقول البعض ـ للحذر من وقوع التشابه بينها و بين المسلمين أتباع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الحيلولة دون استغلاله. ( [1])
وُلد الشيخ محمّد عام 1115 هـ في قرية «عُيينة» إحدى القرى التابعة لـ «نجد» و كان والده قاضياً فيها.
كان محمّد بن عبدالوهّاب ـ منذ طفولته ـ ذا علاقة شديدة بمطالعة كتب التفسير و الحديث والعقائد، و قد درس الفقه الحنبلي عند أبيه الَّذي كان من علماء الحنابلة. و كان ـ منذ شبابه ـ يستقبح كثيراً من الشعائر الدينية التي كان يمارسها أهالي نجد. و لم يقتصر ذلك على «نجد» بل تعدّاه إلى المدينة المنوَّرة بعد ما انصرف من مناسك الحج، فقد كان يستنكر على الذين يتوسّلون برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند مرقده المقدّس. ثم عاد إلى نجد و بعدها ارتحل إلى البصرة ـ و هو في طريقه إلى الشام ـ وهناك في البصرة طفق يستنكر على الناس شعائرهم الدينية و ينهاهم عنها، فثار عليه أبناء البصرة الغيارى وأخرجوه مدحوراً من ديارهم، فتوجَّه إلى مدينة الزبير.
و في الطريق ـ بين البصرة و الزبير ـ تعب من المشيو نال منه الحرُّ والعطش نيلا شديداً بحيث كاد أن يهلك فأدركه رجل من الزبير فعطف عليه عندما رآه مرتدياً زىَّ رجال الدين، و سقاه الماء و أركبه و أوصله إلى المدينة.
كان محمّد بن عبدالوهّاب عازماً على السفر إلى الشام، لكنّه لم يكن يملك ما يكفيه من المال و الزاد، فسافر إلى الأحساء و منها إلى حريملة التابعة لـ «نجد».
في تلك السنة ـ و كانت سنة 1139 هـ ـ انتقل والده عبدالوهّاب من عُيينة الى حريملة فلازَم الولد والده و تتلمذ على يده، و واصل حملاته المسعورة ضدّ الشعائر الدينية في نجد، ممّا أدّى إلى نشوب النزاع و الخلاف بينه و بين أبيه من جهة، و بينه و بين أهالي نجد من جهة أُخرى، و استمرّت الحالة على هذه حتى عام 1153 هـ حيث توفّي والده.( [2])
عند ذلك خلا الجوّ لمحمّد بن عبدالوهّاب، فراح يُعلن عن عقائده الشاذّة، و يستنكر على الناس ما يمارسونه من الشعائر الدينية، و يدعوهم إلى الانخراط في حزبه و تحت لوائه، فانخدع بعضٌ ورَفض آخرون، و اشتهر أمره في المدينة. عندها قَفل راجعاً إلى «عُيينة» و كان يحكم عليها عثمان بن حمد، فاستقبله و أكرمه، و وقع القرار بينهما على أن يُدافع كلٌّ عن صاحبه، باعتبار أنّ لأحدهما السلطة التشريعية و للآخر السلطة التنفيذية، فحاكم عيينة يمدّه بالقوّة و محمّد بن عبدالوهّاب يدعو الناس إلى طاعة الحاكم و اتّباعه.
و وصل الخبر إلى حاكم الأحساء بأنّ محمّد بن عبدالوهّاب يدعو إلى آرائه و مبتدعاته، و يعضده حاكم عُيينة فأرسل حاكم الأحساء رسالة تحذيرية الى حاكم عُيينة، فاستدعى الحاكم محمّد بن عبدالوهّاب و اعتذر من تأييده، فقال له ابن عبدالوهّاب: لو ساعدتني في هذه الدعوة لملكت نجد كلَّها، فرفضه الحاكم و أمره بمغادرة عُيينة مذموماً مدحوراً.
كان ذلك في عام 1160 هـ عندما خرج ابن عبدالوهّاب من عيينة و توجَّه إلى الدرعية التي كانت من أشهر المدن التابعة لنجد، و كان حاكمها ـ يومذاك ـ محمّد بن سعود ـ الجدّ الأعلى لآل سعود ـ فزاره الحاكم و أكرمه و وعده بالخير.
و بالمقابل بشَّره ابن عبدالوهّاب بالهيمنة على بلاد نجد كلّها، و هكذا وقع الاتّفاق المشؤوم.( [3])
و الجدير بالذكر: أنّ أهالي الدرعية كانوا يعانون من فقر مُدقع و حرمان فظيع، حتى وصول ابن عبدالوهّاب و عقد الاتفاقية بينه و بين محمّد بن سعود.
يقول ابن بشر النجدي ـ فيما يرويه عنه الآلوسي ـ : ... و كان أهل الدرعيّة ـ يومئذ ـ في غاية الضيق و الحاجة، و كانوا يحترفون لأجل معاشهم...
ولقد شاهدتُ ضيقهم في أول الأمر، ثم رأيتُ الدرعيّة بعد ذلك ـ في زمن سعود ـ و ما عند أهلها من الأموال الكثيرة و الأسلحة المحلاّة بالذهب و الفضَّة والخيل الجياد و النجائب العُمانيات والملابس الفاخرة، و غير ذلك من أسباب الثروة التامَّة، بحيث يعجز عن عدّه اللسان و يكلُّ عن تفصيله البيان.
و نظرتُ إلى موسمها يوماً ـ في الموضع المعروف بالباطن ـ فرأيتُ موسم الرجال في جانب، و موسم النساء في جانب آخر، فرأيت من الذهب و الفضّة والأسلحة و الإبل و الغنم و الخيل والألبسة الفاخرة و سائر المآكل ما لا يمكن وصفه، و الموسم ممتدٌّ مَدَّ البصَر، و كنت أسمع أصوات البائعين والمشترين و قولهم: بعت و اشتريت كدوىِّ النحل... .( [4])
ولكن من أين كلّ هذه الثروات الهائلة؟!
إنّ «ابن بشر النجدي» لم يتعرّض لذكر مصدر هذه الثروات الهائلة، لكن المستفاد من التاريخ هو أنّ ابن عبدالوهّاب كان يحصل عليها من خلال الهجمات التي كان يشنّها ـ مع أتباعه ـ على القبائل و المدن التي ترفض الانجراف إليه، و كان يسلب أموالها و ينهب ثرواتها و يوزّعها على أهل الدرعيَّة.
و كان محمّد بن عبدالوهّاب ينتهج اُسلوباً خاصّاً في تقسيم الغنائم ـ المسلوبة من المسلمين الرافضين للانحراف ـ فقد كان يتصرّف فيها حسب رغبته الشخصيَّة، فمرَّة كان يُقسّمها ـ رغم كثرتها ـ بين اثنين أو ثلاثة من أتباعه، و كان أمير نجد يأخذ نصيبه من الغنائم، بموافقة ابن عبدالوهّاب نفسه.
و من أهمّ نقاط الانحراف في ابن عبدالوهّاب هو هذه المعاملة السيّئة مع المسلمين الذين ما كانوا يخضعون لأهوائه و آرائه، فقد كان يُعاملهم معاملة الكافر المحارب، يُبيح أموالهم وأعراضهم.
و خلاصة القول: إنّ محمّد بن عبدالوهّاب كان يدعو إلى التوحيد، ولكن لتوحيد خاطئ من صُنع نفسه، لا التوحيد الَّذي يُنادي به القرآن الكريم، فَمن خضع له و لـ «توحيده» سلمتْ نفسه وأمواله، و من أبى فهو كافر حربي، و دمه وماله هَدَر!!
و على هذا الأساس كان الوهّابيّون يشنَّون المعارك في نجد و خارجها ـ كاليمن و الحجاز ونواحي سوريا و العراق ـ و كانوا يبيحون التصرّف بالمُدن ـ التي يسيطرون عليها ـ كيفما يشاءُون، فإن أمكنهم ضَمّ تلك الأراضي إلى ممتلكاتهم و عقاراتهم فعلوا ذلك، و إلاّ اكتفوا بنهب الغنائم منها.( [5])
و كان قد أمر كلّ من ينخدع بدعوته أن يتقدَّم إليه بالبيعة، و مَن رفض البيعة وجب قتله وتوزيع أمواله!!
و لهذا عند ما رفض أهالي قرية الفصول ـ من ضواحي الأحساء ـ بيعةَ هذا الرجل الشاذ هَجم عليهم و قتل ثلاثمائة رجل و نَهب أموالهم و ثرواتهم!( [6]) و أخيراً... مات محمّد بن عبدالوهّاب عام 1206 هـ ،( [7]) ولكنّ أتباعه واصلوا طريقه و أحيوا بدعه و ضلاله.
ففي عام 1216 هـ أعدَّ الأمير سعود ـ الوهّابي ـ جيشاً ضخماً يتألّف من عشرين ألفاً و شنّوا هجوماً عنيفاً على مدينة كربلاء المقدّسة بالعراق. و كانت كربلاء ـ و لا زالت ـ مدينة مقدّسة، تتمتّع بشهرة بالغة و محبَّة في قلوب المؤمنين و يقصدها الزوّارـ بمختلف جنسيّاتهم من إيرانيين وأتراك و عرب وغيرهم ـ فحاصر الجيش الوهّابي هذه المدينة المقدّسة ثم اقتحمها و دخلها وأكثر فيها القتل و النهب و الخراب و الفساد.
و قد ارتكب الوهّابيّون - في مدينة كربلاء المقدّسة ـ جرائم و فجائع لا يمكن و صفها، فقد قتلوا خمسة آلاف مسلم أو أكثر.
وعندما انتهى الأمير سعود من العمليات الحربية هناك، عَمد إلى خزانة حرم الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) و التي كانت مليئة بالذخائر النفيسة و الهدايا القيّمة التي أهداها الملوك و الأُمراء وغيرهم إلى الروضة المقدّسة فابتزَّها نهباً.
و بعد هذه الفاجعة الأليمة اتّخذت مدينة كربلاء لنفسها طابع الحزن والكآبة، حتى نظم الشعراء قصائد في رثائها.( [8])
و كان الوهّابيّون يشنّون بين فترة و أُخرى ـ و خلال مدّة تتراوح بين اثني عشر عاماً ـ هجماتهم و غاراتهم الحاقدة على كربلاء المقدّسة و ضواحيها، وعلى مدينة النجف الأشرف، ويعودون ناهبين سارقين، و كانت البداية هي الهجوم على مدينة كربلاء عام 1216 هـ ، كما سبقت الإشارة إليه.
و قد اتفقت كلمات المؤلّفين من الشيعة على أن ذلك الهجوم كان في يوم عيد الغدير المجيد، ذكرى تعيين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمامَ علي بن أبي طالب خليفة له من بعده.( [9])
يقول العلاّمة المرحوم السيد محمّد جواد العاملي( [10]):
«و قد منَّ الله سبحانه بفضله و إحسانه و ببركة محمّد و آله ـ صلَّى اللّهُ عليهم أجمعين ـ لإتمام هذا الجزء من كتاب «مفتاح الكرامة»، بعد انتصاف الليل من الليلة التاسعة من شهر رمضان المبارك سنة 1225 هـ على يد مصنّفه...و كان مع تشويش البال و اختلال الحال و قد أحاطت الأعراب ـ من عُنيزة القائلين بمقالة الوهّابيّ الخارجي ـ بالنجف الأشرف و مشهد الإمام الحسين (عليه السلام) و قد قطعوا الطّرق و نَهبوا زوّار الحسين (عليه السلام) بعد منصرفهم من زيارة نصف شعبان، وقتلوا منهم جماعة غفيرة، و أكثر القتلى من العجم، و ربّما قيل بأنهم مائة وخمسون، و قيل أقل...».
نعم، إنّ التوحيد الَّذي كان يدعو إليه محمّد بن عبدالوهّاب و جماعته ـ وكانوا يبيحون دماء وأموال مَن يرفض دعوتهم ـ هو القول بأنّ الله على العرش، يقول في الرسالة الحموية: إنّ الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء، وعلى كل شيء، وإنّه فوق السماء . ثم يستدل على أنّه فوق السماء بقصة معراج الرسول إلى ربه ونزول الملائكة من عند الله وصعودهم إليه، إلى غير ذلك من الروايات.
ويستشهد بشعر عبد الله بن رواحة الّذي أنشده للنبي ـ حسب زعمه ـ:
شهدت بأنّ وعد الله حق *** وانّ النار مثوى الكافرينا
وانّ العرش فوق الماء طاف *** وفوق العرش رب العالمينا
إلى أمثال هذه الروايات الّتي استنتج منها أنّه سبحانه على العرش وله جهة.( [11])
ونحن نقتصر على ذلك فمن حاول أن يقف على التوحيد الّذي دعا إليه فليرجع إلى كتابنا «بحوث في الملل والنحل» الجزء الرابع، ولكن نقتصر في المقام بما ذكره ابن بطوطة في رحلته، يقول: حضرت يوم الجمعة بدمشق المسجد الّذي يخطب فيه على منبر الجامع أحمد بن تيمية، فكان من جملة كلامه: انّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء، وأنكر ما تكلّم به، فقامت العامة إلى هذا الفقيه، وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً .( [12])
و يظهر من كتاب «الردّ على الأخنائي» لابن تيمية أنّه كان يعتبر الأحاديث المرويَّة في فضل زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أحاديث موضوعة، و يصرّح بأنّ من يعتقد بحياة رسول الله بعد وفاته، كحياته زمن حياته فقد ارتكـب خطـأً كبيراً. و هذا ما يعتقده محمّد بن عبدالوهّاب و أتباعه، و قد زادوا على ابن تيمية في الانحراف والباطل.
لقد أدَّت معتقدات الوهّابيّين الباطلة إلى أن يعتبر بعض الباحثين حول الإسلام ـ ممّن نظروا في كُتبهم و تعرَّفوا على الإسلام من مطبوعاتهم ـ أَنْ يعتبروا الإسلام ديناً جامداً محدوداً لا يُنتفع به في كلّ العصُور و الأزمان.
يقول «لو تروب ستو دارد» الأمر يكي:
«... و قام على أثر ذلك عدد من النَّقَدة، اتّخذوا الوهّابية دليلا لكلامهم وقالوا: إنّ الإسلام ـ بجوهره و طبائعه ـ غير قابل للتكيّف على حسَب مقتضيات العصور و مُماشاة أحوال الترقّي و التبدّل، و ليس إلفاً لتطوّرات الأزمنة و تغيّرات الأيام...».( [13])
و من الجدير بالذكر أنّ علماء المذهب الحنبلي ثاروا ضدّ محمّد بن عبدالوهّاب و حكموا بانحرافه و بطلان عقائده منذ البداية.
و أوّل من تصدّى له و أعلن الحرب عليه هو أبوه الشيخ عبدالوهّاب، ثم أخوه الشيخ سليمان و كلاهما من علماء الحنابلة.
و قد كتب الشيخ سليمان كتاباً بعنوان: «الصواعق الإلهية في الردّ على الوهّابيّة» ردَّ فيه على أباطيل أخيه و خزعبلاته.
يقول زيني دحلان ـ ما معناه ـ :
«...و كان عبدالوهّاب ـ والد الشيخ محمّد ـ رجلا صالحاً من أهل العلم، وكان الشيخ سليمان ـ أخو محمّد ـ من أهل العلم أيضاً، و بما أنّ الشيخ عبدالوهّاب و الشيخ سليمان كانا من بداية الأمر ـ أي من يوم كان محمّد يواصل دراسته في المدينة المنوّرة ـ على علم بأفكار محمّد الشاذّة، لذلك كانا يلومانه على أقواله و يُحذّران الناس منه...»( [14]).
و يقول عبّاس محمود العقّاد المصري: «... و أكبر مَن خالف الشيخ في ذلك أخوه الشيخ سليمان ـ صاحب كتاب الصواعق الإلهية ـ و هو لا يُسلّم لأخيه بمنزلة الاجتهاد و الاستقلال بفهم الكتاب و السنّة...»( [15]).
و يرى الشيخ سليمان أنّ البدَع التي يمرّ بها الأئمة ـ جيلا بعد جيل ـ و لا يُكفّرون أصحابها، لا يكون الكفر فيها من اللزوم الَّذي يوجب القطع به ويُستباح من أجله القتال، و يقول الشيخ سليمان في ذلك: إنّ هذه الأُمور حدثت من قبل زمن الإمام أحمد بن حنبل في زمان أئمة الإسلام و أنكرها من أنكرها منهم، و لا زالت حتى ملأت بلاد الإسلام كلّها، و فُعلتْ هذه الأفاعيل كلّها التي تُكفِّرون بها، ولم يُروَ عن أحد من أئمة المسلمين أنّهم كفَّروا بذلك، و لا قالوا هؤلاء مرتدُّون، و لا أمروا بجهادهم، ولا سمُّوا بلاد المسلمين بلاد شرك وحرب كما قلتم أنتم، بل كفَّرتم من لم يُكفّر بهذه الأفاعيل و إن لم يفعلها...».( [16]) هذا...و قد سبق أنّ محمّد بن عبدالوهّاب ليس أوّل مبتدع في آرائه وأفكاره، بل سبقه إلى ذلك ـ بقرون عديدة ـ ابن تيميّة الحرّاني و تلميذه ابن القيّم الجوزيّة و أمثالهما، إلاّ أنّ أفكارهم لم تتّخذ لنفسها طابع المذهب كما أحدث ذلك ابن عبدالوهّاب.
الردود على قائد الوهابيين
إنّ حركة محمد بن عبد الوهاب هي امتداد لحركة أُستاذه ابن تيمية الحراني الدمشقي الّذي خرج من «حران» دمشق في القرن الثامن الهجري ،وقد تبنّى عقائد منحرفة وآراء شاذة بلبلت أذهان المسلمين، ومزّقت وحدتهم، وفرّقت جماعتهم، وأوقدت نيران الفتنة في مجتمعهم، ونظراً لآرائه السقيمة وأفكاره المنحرفة فقد تصدى علماء عصره. لنقد آرائه و الحكم بانحرافه وخاصّة بعد ما كتب عقائده الباطلة و نشَرها بين الناس.
و قد تلخّصت الحرب الدينية ضدّ ابن تيميّة في نقطتين:
الأُولى: تأليف الكتب و كتابة الردود على أفكاره الباطلة، و تزييفها على ضوء القرآن و السنَّة الشريفة.
و كنموذج من ذلك نُشير إلى بعض ما صدر ضدّه من الكتب:
1ـ شفاء السقام في زيارة قبر الإمام: بقلم تقىّ الدين السبكي.
2ـ الدرّة المضيئة في الردّ على ابن تيميّة: بقلم المؤلّف السابق.
3ـ المقالة المرضيّة: تأليف قاضي قضاة المالكيّة تقىّ الدين أبي عبدالله الأخنائي.
4ـ نجم المهتدي و رجم المقتدي: بقلم فخر بن محمّد القرشي.
5ـ دفع الشبهة: بقلم تقىّ الدين الحصني.
6ـ التحفة المختارة في الردّ على منكر الزيارة: بقلم تاج الدين.
هذه بعض الردود التي كُتبت ضدّ عقائد ابن تيميّة و آرائه السقيمة، وكشفتْ عن سفاهتها وقشريَّتها.
الثانية: هجوم العلماء و الفقهاء عليه، و إصدار الحكم و الفتوى
بفسقه تارةً، وبكفره تارةً أُخرى، و التحذير من البدَع التي أحدثها في
الدين الحنيف.
و منهم قاضي القضاة في مصر «البدر بن جماعة» فقد كتبوا إليه رأي ابن تيميّة في زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكتب قاضي القضاة:
«إنّ زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سُنَّة مستحبة، و قد اتّفق العلماء على ذلك، و كلّ من يرى حرمة زيارته فيجب على العلماء زجره و نهيه عن مثل هذه الآراء، فإن لم يردعه ذلك لزم حبسُه و فضحه بين الناس حتى لا يقتدوا به».
و ليس هذا القاضي الشافعي في مصر وحيداً في فتواه هذه، بل أصدر قضاة المالكية والحنبلية فتاوى مماثلة في تفسيق ابن تيميّة والحكم بضلاله وانحرافه.( [17])
وبالإضافة إلى ذلك كلّه، فقد كتب الذهبي الَّذي يُعتبر من علماء القرن الثامن الهجري، و له تأليفات قيّمة في الحديث و الرجال ـ و كان مُعاصراً لابن تيميّة ـ كتب رسالة ودّية إليه ينهاه فيها عن منكراته، و شبَّهه فيها بالحجّاج الثقفي في ضلاله و فساده.( [18])
إلى أن أهْلك الله ابنَ تيميّة في عام 728 هـ في سجن الشام، فحاول
تلميذه ابن القيّم أن يواصل نهج أُستاذه، لكنّه لم يفلح في ذلك، فماتت
أفكار ابن تيميّة بموته، و فنيتْ بفنائه، و زالت بزواله، واستراح المؤمنون من بدعه وضلالاته.
إلى أن ألقى الشيطان حبائله من جديد، فجاء محمّد بن عبدالوهّاب حاملا أفكار ابن تيميّة البائدة و اتفق مع آل سعود ليقوم كلّ منهما بتأييد الآخر، هذا في الحكم و ذاك في التشريع، فعاد الضلال يَنشر خيوطه في «نجد» وانتشرت الوهّابيّة في بلاد نجد انتشار السرطان الأثيم في الجسم، فانخدع جمعٌ من الناس، و تحزَّبوا ـ و مع كلّ أسف ـ باسم التوحيد للقضاء على أهل التوحيد، و أراقوا دماء المسلمين باسم الجهاد مع المشركين، و راح الأُلوف من الناس ـ رجالا ونساءً و صغاراً و كباراً ـ ضحيَّة لهذه البِدَع و الأباطيل، و توسَّعت شُقّة الخلاف بين المسلمين، و أُضيف على مذاهبهم المتعدّدة، مذهب جديد.
و قد بلغت المصيبةُ ذروتَها عندما سقط الحَرَمان الشريفان ـ مكّة والمدينة ـ في قبضة هذه الزمرة المنحرفة، و عَمد النجديّون الوهّابيّون ـ وبالتعاون مع بريطانيا الحاقدة التي كانت تهدف إلى تقسيم الدولة الإسلامية إلى دويلات صغيرة تحدُّها الحدود الجغرافية ـ عمدوا إلى محو الآثار الإسلامية في مكّة والمدينة، و هدْم قبور أولياء الله و هتك حرمة آل رسول الله، و غير ذلك من الجرائم و المنكرات التي يهتزّ لها ضمير المسلم.
يقول بعض المؤرّخين:
«بادر الوهّابيّون ـ لمّا استولوا على مكّة ـ بالمساحي فهدموا ـ أوّلا ـ ما في «المعلّى» مقابر قريش ـ من الِقباب، و هي كثيرة، منها قُبَّة سيّدنا عبدالمطّلب جدّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قُبَّة سيّدنا أبي طالب ـ رضوان الله عليه ـ و قبَّة السيدة خديجة ـ رضوان الله عليها ـ كما هدموا قبَّة مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و مولد أبي بكر، و مولد الإمام علي (عليه السلام) و هدموا قبَّة زمزم و القباب التي حول الكعبة، و تتبّعوا جميع المواضع التي فيها آثار الصالحين فهدموها، و كانوا ـ عند الهدم ـ يرتجزون و يضربون بالطبول ويُغنُّون ويُبالغُون في شتم القبور... حتى قيل إنّ بعضهم بال على قبر السيّد المحجوب!!...».( [19])
قال العلاّمة السيد صدر الدين الصدر ـ المغفور له ـ :
لعمري إنّ فاجِعةَ البقيع *** يُشيبُ لهولها فؤود الرضيع
و سوف تكون فاتحة الرزايا *** إذا لم يُصحَ من هذا الهجوع
أما مِن مسلم للّه يرعى *** حقوق نبيِّه الهادي الشفيع
و قال آخر:
تبّاً لأحفاد اليهود بما جَنَوا *** لم يكسبوا من ذاك إلاّ العارا هتكـوا حريـم محمّد في آلِه *** ياويلهم قد خالفـوا الجبّارا
هَدموا قبور الصالحيـن بحقـدهم *** بُعداً لهم قد أغضبوا المختارا
و انطلاقاً من قول النّبي ـ صلّى الله عليه و آله ـ :
«إذا ظهرت البِدَع فعلى العالِم أن يُظهر عِلمه، و إلاّ فعليه لعنة الله».
فقد تصدّى علماء الشيعة ـ و علماء السنّة أيضاً كما ذكرنا ـ لهذا الغزو الوهّابي الحاقد، وكتبوا الكتب و نشروا المنشورات، في فضح هذا الرجل ـ الَّذي جاء يُحقق أهداف بريطانيا في ثوب جديد ـ و كشف القناع عن حقيقته والردّ على آرائه الشاذّة.
و أوّل كتاب صدر في الردّ على ابن عبدالوهّاب هو كتاب «الصواعق الإلهية في الردّ على الوهّابيّة» بقلم أخيه الشيخ سليمان.
كما أنّ أوّل كتاب صدر ضدَّه من علماء الشيعة هو كتاب «منهج الرشاد» للشيخ الكبير المرحوم الشيخ جعفر كاشف الغطاء (المتوفّى سنة 1228 هـ ) و قد كتب كتابه هذا جواباً على رسالة بعثها إليه الأمير عبدالعزيز بن سعود ـ أحد الأُمراء السعوديّين في وقته ـ و قد زيَّف في كتابه أفكار محمّد بن عبدالوهّاب وأثبت بطلانها على ضوء القرآن و السنّة. و قد طبع الكتاب في عام 1343 هـ في النجف الأشرف في العراق.
ثم تتابَع الردّ و النقد في ظروف مختلفة، و صدرت الكُتب تترى واحدة تلو الأُخرى، حتى زماننا هذا. و في عصرنا الحاضر صعَّد الوهّابيّون حَملاتهم المسعورة ضدّ مخالفيهم من المسلمين، بفضل الثروة الطائلة التي يجنيها آل سعود من أرباح البترول العائدة إليهم فقط.
لقد خصّصت السلطة السعودية جزءاً كبيراً من أرباح البترول لترويج هذا المذهب المفرِّق و نشره بين المسلمين، ولولا هذه الأموال الطائلة لما عاش هذا المذهب الواهي إلى هذا الوقت.
لقد وَجد الاستعمار ضالَّته في هذا المذهب، و اتّخذه خير وسيلة لإلقاء التفرقة بين المسلمين وتشتيت صفوفهم، و ضرْب بعضهم البعض.
و قد حقّق هذا المذهب أهداف الاستعمار الغاشم الأثيم، فتراه قد أوجد الفتنة بين المسلمين، هذا يُفسّق ذاك و ذاك يُكفّر هذا... و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العلىّ العظيم.
عقائد الوهابية
1
تحريم بناء القبور وهدم المشاهد عليها
إنّ مسألة بناء القبور وتشييد مراقد الأنبياء وأولياء الله الصالحين من المسائل الحسّاسة عند الوهابيّين، وقد كان ابن تيمية وبعده ابن قيم أوّل من أفتى بحرمة بنائها ووجوب هدمها، يقول ابن القيم:
يجب هدم المشاهد الّتي بنيت على القبور، ولا يجوز إبقاؤها ـ بعد القدرة على هدمها وإبطالها ـ يوماً واحداً .( [20])
وعلى هذا الأصل لمّا استولى السعوديّون على الحرمين الشريفين هدموا المراقد المقدسة في البقيع، وبيوت أهل البيت (عليهم السلام) ، بعدما رفعوا سؤالاً إلى علماء المدينة المنورة، وإليك السؤال والجواب:
السؤال: ما قول علماء المدينة المنورة ـ زادهم الله فهماً وعلماً ـ في البناء على القبور، واتّخاذها مساجد، فهل هو جائز أم لا؟ وإذا كان غير جائز بل ممنوع منهي عنه نهياً شديداً، فهل يجب هدمها ومنع الصلاة عندها أم لا ؟
وإذا كان البناء في مسبلة كالبقيع، وهو مانع من الانتفاع بالمقدار المبني عليه، فهل هو غصب يجب رفعه لما فيه من ظلم المستحقين ومنعهم استحقاقهم أم لا ؟ الجواب: أمّا البناء على القبور فهو ممنوع إجماعاً، لصحّة الأحاديث الواردة في منعه، ولذا أفتى كثير من العلماء بوجوب هدمه، مستندين بحديث علي (رضي الله عنه) أنّه قال لأبي الهياج: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله، ان لا تدع تمثالاً إلاّ طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلاّ سويته. ( [21])
يلاحظ على ما ذكره: انّه كيف يدّعي إجماع المسلمين على حرمة البناء مع أنّ سيرة المسلمين وعملهم منذ أن ارتحل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يومنا هذا هي البناء على القبور، فقد دفن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيته الرفيع ولم يخطر ببال أحد من الصحابة الحضور أن البناء على القبر حرام، وانّه (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عنه نهياً شديداً، ولمّا كان البيت متعلّقاً بزوجته عائشة جعلوا في وسطه ساتراً، ولمّا توفّى الشيخان أوصيا بدفنهما في حجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تبركاً بذاته ومكانه، ولم يخطر ببال أحد انّه على خلاف الدين والشرع.
وأمّا الحديث الّذي استدلّ به، فلا يدلّ على ما رامه لأنّ محل الشاهد في الحديث هو قوله: «إلاّ سويته» وهو يستعمل على وجهين :
أ ـ يطلق ويراد منه مساواة شيء بشيء، فيتعدى إلى المفعول الثاني بحرف التعدية كالباء، قال سبحانه: ( إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) ( [22]) .
أي نعد الآلهة المكذوبة متساوين مع رب العالمين، فنضيف إليكم ما نضيف إلى رب العالمين. ب ـ يطلق ويراد منه ما هو وصف لنفس الشيء لا بملاحظة شيء آخر، فيكتفي بمفعول واحد، قال سبحانه: ( الذِي خَلَقَ فَسَوَّى )( [23]) وقال سبحانه: ( بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) ( [24]) ، ففي هذين الموردين وضعت التسوية وصفاً لنفس الشيء بلا إضافة إلى غيره، وعندئذ يكتفي بمفعول واحد، ويكون المراد من التسوية حسب اختلاف الموارد تارة كمال الخلقة واستقامتها في مقابل نقصها واعوجاجها، وهذا هو المراد في الآيتين المذكورتين، وأُخرى تسطيحه مقابل اعوجاجه وبسطه مقابل كونه كالسنام.
إذا عرفت هذا فلنعد إلى الحديث ولنطبق الضابطة عليه، فبما انّه استعمل مع مفعول واحد فلا يراد منه المعنى الأوّل أي مساواته بالأرض، وإلاّ كان عليه أن يقول سويته بالأرض، بل يراد ما هووصف لنفس القبر، والمعنى المناسب هو تسطيح القبر في مقابل تسنيمه، وبسطه في مقابل اعوجاجه، وهذا هو الّذي فهمه شراح الحديث.
قال القرطبي: قال علماؤنا ظاهر حديث أبي الهياج منع تسنيم القبور ورفعها وان تكون واطئة. ( [25])
وقال النووي في شرح الحديث: إنّ السنّة ان القبر لا يرفع عن الأرض رفعاً كثيراً، ولا يسنّم، بل يرفع نحو شبر. وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه. ( [26])
ويؤيّد ذلك انّ مسلماً صاحب الصحيح ذكر الحديث تحت عنوان باب تسوية القبور. ( [27])
عقائد الوهابية
2
حرمة بناء المساجد على القبور والصلاة فيها
ذهبت الوهابية إلى حرمة بناء المساجد على القبور، وحرمة قصد الصلاة فيها حتّى قال ابن تيمية: إنّ المسجد والقبر لا يجتمعان. ( [28])مستدلاًّ بما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد. ( [29])
وقد استغلت الوهابية هذا الحديث وخرجوا بالنتيجة التالية:
حرمة بناء المساجد على القبور وحرمة قصد الصلاة فيها .
وقبل تحليل الحديث نعرض المسألة على القرآن الكريم .
إنّ القرآن صادق مصدق لا يأتيه الباطل، يذكر سبحانه فيه قصة أصحاب الكهف وأنّ القوم لمّا عثروا على أجسادهم الطرية في الغار اختلفوا على قولين:
1- ( فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ) .
2- ( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ) . فالآية صريحة في أنّ القوم بعدما عثروا عليهم اختلفوا في كيفية تكريمهم على قولين:
1-البناء على قبورهم: ( ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً ) .
2-بناء المسجد على قبورهم: ( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ) .
والقرآن الكريم يذكر كلا القولين من دون رد وطعن، فلو كان كلّ من القولين خصوصاً القول الثاني على خلاف الهداية وفي جانب الضلالة لأشار إلى ردّه وطعنه، فسكوت القرآن تجاه هذين القولين ونقلهما عن القوم بصورة كونه عملاً مستحسناً (لأنّهم اقترحوا ذينك العملين لتكريم أصحاب الكهف) أقوى شاهد على جواز العمل في الأُمّة المحمدية.
وقد اتّفق المفسرون على أنّ القول الثاني كان للموحّدين، ويدلّ على ذلك ما جاء في التاريخ انّ العثور على أصحاب الكهف وانكشاف أمرهم كان في عصر انتصار التوحيد على الشرك، وكان قادة المشركين ـ الداعين إلى عبادة الأصنام ـ مندحرين مغلوبين، فاقتراح بناء المسجد جاء من المؤمنين بالله الموحّدين له سبحانه. فإذا كان بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها علامة على الشرك فلماذا صدر هذا الاقتراح من المؤمنين؟!
إنّ هذا تقرير من القرآن على صحّة اقتراح أُولئك المؤمنين، ومن المعلوم أنّ تقرير القرآن حجة شرعية لا ينازعه شيء.
وأمّا الحديث الّذي استدلّت به الوهابية على حرمة بناء المساجد على القبور، فالمراد بناء المساجد على القبور والسجدة لصاحب القبر أو اتّخاذه قبلة، لا مجرد من اتّخذ القبور مسجداً مجرداً عن أي شرك، أو إذا كانت إقامة الصلاة عند قبورهم من باب التبرّك بهم.
وممّا يدلّ على أنّ المراد هو بناء المساجد على القبور والسجود لهم أو إليها هو انّ بعض الروايات وصفت هؤلاء بأنّهم شرار الناس، ففي حديث: فاعلموا أنّ شرار الناس الذين اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ان توصيفهم بأنّهم شرار الخلق عند الله يميط الستر عن حقيقة عملهم، إذ لا يوصف الإنسان بالشر المطلق، إلاّ إذا كان مشركاً، قال سبحانه: ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ) ( [30]) .
كلّ ذلك يكشف عن مغزى الحديث، وانّ عملهم لم يكن عملاً مجرداً مثل صرف بناء المسجد على القبر والصلاة فيه، أو إقامة الصلاة عند القبور، بل كان عملاً مقترناً بالشرك بألوانه وصوره المختلفة كاتخاذ القبر إلهاً ومعبوداً أو قبلة عند الصلاة أو السجدة عليها بمعنى اتّخاذها مسجوداً .
وقد فهم غير واحد من العلماء نفس ما ذكرناه من الحديث، يقول القسطلاني في «إرشاد الساري» نقلاً عن البيضاوي:
لمّا كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيماً لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجّهون في الصلاة نحوها واتّخذوها أوثاناً، لعنهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنع المسلمون عن مثل ذلك، فأمّا من اتّخذ مسجداً في جوار صالح وقصد التبرّك بالقرب منه ـ لا للتعظيم ولا للتوجه إليه ـ فلا يدخل في الوعيد المذكور. ( [31]) هذا كلّه حول بناء المساجد، وأمّا الصلاة على القبور فلأجل انّ لمشاهد الأولياء ومراقدهم شرفاً وفضيلة خاصّة لا توجد في غيرها.
إنّ القرآن الكريم يأمر حجاج بيت الله الحرام بإقامة الصلاة عند مقام إبراهيم وهي الصخرة الّتي وقف عليها إبراهيم لبناء الكعبة، فيقول:
( وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَ أَمْنًا وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) ( [32]) .
إنّ الصلاة في مقام إبراهيم لأجل التبرّك بمقام النبي إبراهيم، فلو كانت عبادة الله تبارك وتعالى مقرونة بالتبرّك بمكان المخلوق شركاً، فلماذا أمر به سبحانه، فهل هناك فرق بين مقامهم ومثواهم؟!
إنّ المسلمين جميعاً يصلّون في حجر إسماعيل مع أنّ الحجر مدفنه ومدفن أُمّه هاجر، فأي فرق بين مرقد النبي ومدفن أبيه إسماعيل؟!
إذا كانت الصلاة عند القبر محرمة في الشريعة الإسلامية، فلماذا قضت عائشة عمرها في البيت الّذي دفن فيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
وانّ السيدة فاطمة الزهراء ـ الّتي قال في حقّها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّ الله يرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضبها ـ كانت تزور قبر عمّها حمزة كلّ جمعة أو في كل أُسبوع مرّتين، فتصلّي وتبكي عنده . ( [33])
عقائد الوهابية
3
جواز زيارة القبور وحرمة شدّ الرحال إليها
اتّفق المسلمون على استحباب زيارة القبور لما فيه من فوائد تربوية ذكرها النبي في حديثه المعروف .
روى أصحاب السنن عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنّها تزهّد في الدنيا وتذكّر الآخرة». ( [34])
وقد اتّفق المسلمون أيضاً على استحباب زيارة قبر النبي خصوصاً ـ غير ابن تيمية ـ وأفضل دليل على ذلك هو السيرة المستمرة من عصر رحيل الرسول إلى يومنا هذا، مضافاً إلى الروايات المتوفرة من أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من زار قبري وجبت له شفاعتي». ( [35])
ولكن المروي عن محمد بن عبد الوهاب في الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية: تسنّ زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ أنّه لا يُشدّ الرحال إلاّ لزيارة المسجد والصلاة فيه. والدليل الّذي يتمسّكون به في تحريم الزيارة هو الحديث المذكور في صحاحهم عن أبي هريرة انّه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :
لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، والمسجد الأقصى.
وروي هذا الحديث بصورة أُخرى، وهي:
إنّما يسافر إلى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي، ومسجد إيليا.
وروي أيضاً بصورة ثالثة، وهي:
تشدّ الرحال إلى ثلاثة مساجد... .( [36])
لكن مفاد الحديث لا يصلح للاستدلال، لأنّ الاستثناء في الحديث مفرغ بمعنى انّ المستثنى منه غير مذكور، وبما انّ المستثنى هو المساجد الثلاثة فيكون قرينة على أنّ المستثنى منه هو لفظة مسجد، فيكون معنى الحديث لا تشدُّ إلى أي مسجد من المساجد سوى المساجد الثلاثة، وأين هذا من شدّ الرحال إلى زيارة قبر النبي؟!
نعم لو كان المستثنى منه وهو لفظة مكان لدلّ على ما يرتئيه الوهابيون من تحريم شدّ الرحال، فيكون معنى الحديث: لا يشدّ إلى مكان من الأمكنة إلاّ السفر إلى المساجد الثلاثة، ومن المعلوم أنّ هذا باطل، إذ لو كان الهدف منع كافة السفرات الدينية ـ غير المساجد الثلاثة ـ محرّمة، فلماذا يُشدّ الرحال إلى هذه المناطق؟ مع أنّ القرآن الكريم أشار إلى بعض السفرات الدينية ورغب فيها كالسفر لأجل الجهاد وطلب العلم وصلة الرحم وزيارة الوالدين.
وفي الختام لابد من الإشارة إلى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما قال: «لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد...» فانّه لا يعني انّ شدّ الرحال إلى المساجد الأُخرى حرام، بل معناه أنّ المساجد الأُخرى لا تستحقّ شدّ الرحال إليها، وتحمّل مشاق السفر من أجل زيارتها، لأنّ المساجد الأُخرى لا تختلف من حيث الفضيلة مع الآخر اختلافاً كبيراً، فلا داعي إلى أن يشدّ الإنسان الرحال إلى المسجد، أمّا إذا شدّ الرحال إليه فليس عمله هذا حراماً ولا مخالفاً للسنّة الشريفة، ويدلّ عليه ما رواه أصحاب الصحاح والسنن:
«كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأتي مسجد قبا راكباً وماشياً فيصلي فيه ركعتين».( [37])
ولنا ان نتساءل: كيف يمكن أن يكون شدّ الرحال وقطع المسافات من أجل إقامة الصلاة مخلصاً لله في بيت من بيوته سبحانه حراماً ومنهياً عنه؟!
إذا كانت الصلاة في المسجد مستحبة، فانّ الظاهر انّ مقدّمة المستحب مستحبة أيضاً .
عقائد الوهابية
4
حرمة التوسّل بالأنبياء والصالحين
يعتبر التوسّل بأولياء الله وأحبّائه من المسائل المعروفة بين المسلمين في كافة أنحاء العالم، وقد وردت أحاديث كثيرة في جوازه واستحبابه، فهو ليس ظاهرة غريبة، بل هو أمر ديني تعارف عليه المسلمون منذ فجر الإسلام حتّى هذا اليوم، ولا تجد مسلماً ينكره.
وطوال أربعة عشر قرناً لم ينكره أحد سوى ابن تيمية وتلاميذه في القرن الثامن الهجري، وبعد قرنين جاء محمد بن عبد الوهاب فاعتبر التوسّل بأولياء الله بدعة تارة وعبادة للأولياء أُخرى .
فنقول: إنّ القرآن الكريم حثّ المسلمين على الإتيان إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وطلب الاستغفار منه، وهو نوع توسّل بدعاء النبي في حياته، قال سبحانه: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً ) ( [38]) . وقال سبحانه: ( وَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ) ( [39]) .
وقال سبحانه ناقلاً عن أبناء يعقوب: ( يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) ( [40]) .
ولأجل هذا قبل الوهابيون التوسّل بدعاء النبي في حال حياته وانّما يمنعون موردين آخرين :
1-التوسّل بدعاء النبي بعد رحيله .
2-التوسّل بذات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجاهه وحرمته مطلقاً، سواء أكان النبي حيّاً أم ميتاً .
وليس لهم دليل صالح على المنع مع أنّ الأدلّة تؤيّد كلا التوسّلين، فإليك دراسة التوسّل بمقام النبي وذاته وجاهه وحرمته، ثم دراسة التوسّل بدعاء النبي بعد رحيله .
يتبع
لمحة إلى حياة مؤسّس الوهّابيّة
تُنسب الطريقة الوهّابيّة إلى الشيخ محمّد بن عبدالوهّاب النجدي، وتُسمّى طريقته باسم أبيه «عبدالوهّاب» . أمّا السبب في عدم تسميتها بـ «المحمّدية» نسبة الى مؤسّسها محمّد، فهو ـ كما يقول البعض ـ للحذر من وقوع التشابه بينها و بين المسلمين أتباع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الحيلولة دون استغلاله. ( [1])
وُلد الشيخ محمّد عام 1115 هـ في قرية «عُيينة» إحدى القرى التابعة لـ «نجد» و كان والده قاضياً فيها.
كان محمّد بن عبدالوهّاب ـ منذ طفولته ـ ذا علاقة شديدة بمطالعة كتب التفسير و الحديث والعقائد، و قد درس الفقه الحنبلي عند أبيه الَّذي كان من علماء الحنابلة. و كان ـ منذ شبابه ـ يستقبح كثيراً من الشعائر الدينية التي كان يمارسها أهالي نجد. و لم يقتصر ذلك على «نجد» بل تعدّاه إلى المدينة المنوَّرة بعد ما انصرف من مناسك الحج، فقد كان يستنكر على الذين يتوسّلون برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند مرقده المقدّس. ثم عاد إلى نجد و بعدها ارتحل إلى البصرة ـ و هو في طريقه إلى الشام ـ وهناك في البصرة طفق يستنكر على الناس شعائرهم الدينية و ينهاهم عنها، فثار عليه أبناء البصرة الغيارى وأخرجوه مدحوراً من ديارهم، فتوجَّه إلى مدينة الزبير.
و في الطريق ـ بين البصرة و الزبير ـ تعب من المشيو نال منه الحرُّ والعطش نيلا شديداً بحيث كاد أن يهلك فأدركه رجل من الزبير فعطف عليه عندما رآه مرتدياً زىَّ رجال الدين، و سقاه الماء و أركبه و أوصله إلى المدينة.
كان محمّد بن عبدالوهّاب عازماً على السفر إلى الشام، لكنّه لم يكن يملك ما يكفيه من المال و الزاد، فسافر إلى الأحساء و منها إلى حريملة التابعة لـ «نجد».
في تلك السنة ـ و كانت سنة 1139 هـ ـ انتقل والده عبدالوهّاب من عُيينة الى حريملة فلازَم الولد والده و تتلمذ على يده، و واصل حملاته المسعورة ضدّ الشعائر الدينية في نجد، ممّا أدّى إلى نشوب النزاع و الخلاف بينه و بين أبيه من جهة، و بينه و بين أهالي نجد من جهة أُخرى، و استمرّت الحالة على هذه حتى عام 1153 هـ حيث توفّي والده.( [2])
عند ذلك خلا الجوّ لمحمّد بن عبدالوهّاب، فراح يُعلن عن عقائده الشاذّة، و يستنكر على الناس ما يمارسونه من الشعائر الدينية، و يدعوهم إلى الانخراط في حزبه و تحت لوائه، فانخدع بعضٌ ورَفض آخرون، و اشتهر أمره في المدينة. عندها قَفل راجعاً إلى «عُيينة» و كان يحكم عليها عثمان بن حمد، فاستقبله و أكرمه، و وقع القرار بينهما على أن يُدافع كلٌّ عن صاحبه، باعتبار أنّ لأحدهما السلطة التشريعية و للآخر السلطة التنفيذية، فحاكم عيينة يمدّه بالقوّة و محمّد بن عبدالوهّاب يدعو الناس إلى طاعة الحاكم و اتّباعه.
و وصل الخبر إلى حاكم الأحساء بأنّ محمّد بن عبدالوهّاب يدعو إلى آرائه و مبتدعاته، و يعضده حاكم عُيينة فأرسل حاكم الأحساء رسالة تحذيرية الى حاكم عُيينة، فاستدعى الحاكم محمّد بن عبدالوهّاب و اعتذر من تأييده، فقال له ابن عبدالوهّاب: لو ساعدتني في هذه الدعوة لملكت نجد كلَّها، فرفضه الحاكم و أمره بمغادرة عُيينة مذموماً مدحوراً.
كان ذلك في عام 1160 هـ عندما خرج ابن عبدالوهّاب من عيينة و توجَّه إلى الدرعية التي كانت من أشهر المدن التابعة لنجد، و كان حاكمها ـ يومذاك ـ محمّد بن سعود ـ الجدّ الأعلى لآل سعود ـ فزاره الحاكم و أكرمه و وعده بالخير.
و بالمقابل بشَّره ابن عبدالوهّاب بالهيمنة على بلاد نجد كلّها، و هكذا وقع الاتّفاق المشؤوم.( [3])
و الجدير بالذكر: أنّ أهالي الدرعية كانوا يعانون من فقر مُدقع و حرمان فظيع، حتى وصول ابن عبدالوهّاب و عقد الاتفاقية بينه و بين محمّد بن سعود.
يقول ابن بشر النجدي ـ فيما يرويه عنه الآلوسي ـ : ... و كان أهل الدرعيّة ـ يومئذ ـ في غاية الضيق و الحاجة، و كانوا يحترفون لأجل معاشهم...
ولقد شاهدتُ ضيقهم في أول الأمر، ثم رأيتُ الدرعيّة بعد ذلك ـ في زمن سعود ـ و ما عند أهلها من الأموال الكثيرة و الأسلحة المحلاّة بالذهب و الفضَّة والخيل الجياد و النجائب العُمانيات والملابس الفاخرة، و غير ذلك من أسباب الثروة التامَّة، بحيث يعجز عن عدّه اللسان و يكلُّ عن تفصيله البيان.
و نظرتُ إلى موسمها يوماً ـ في الموضع المعروف بالباطن ـ فرأيتُ موسم الرجال في جانب، و موسم النساء في جانب آخر، فرأيت من الذهب و الفضّة والأسلحة و الإبل و الغنم و الخيل والألبسة الفاخرة و سائر المآكل ما لا يمكن وصفه، و الموسم ممتدٌّ مَدَّ البصَر، و كنت أسمع أصوات البائعين والمشترين و قولهم: بعت و اشتريت كدوىِّ النحل... .( [4])
ولكن من أين كلّ هذه الثروات الهائلة؟!
إنّ «ابن بشر النجدي» لم يتعرّض لذكر مصدر هذه الثروات الهائلة، لكن المستفاد من التاريخ هو أنّ ابن عبدالوهّاب كان يحصل عليها من خلال الهجمات التي كان يشنّها ـ مع أتباعه ـ على القبائل و المدن التي ترفض الانجراف إليه، و كان يسلب أموالها و ينهب ثرواتها و يوزّعها على أهل الدرعيَّة.
و كان محمّد بن عبدالوهّاب ينتهج اُسلوباً خاصّاً في تقسيم الغنائم ـ المسلوبة من المسلمين الرافضين للانحراف ـ فقد كان يتصرّف فيها حسب رغبته الشخصيَّة، فمرَّة كان يُقسّمها ـ رغم كثرتها ـ بين اثنين أو ثلاثة من أتباعه، و كان أمير نجد يأخذ نصيبه من الغنائم، بموافقة ابن عبدالوهّاب نفسه.
و من أهمّ نقاط الانحراف في ابن عبدالوهّاب هو هذه المعاملة السيّئة مع المسلمين الذين ما كانوا يخضعون لأهوائه و آرائه، فقد كان يُعاملهم معاملة الكافر المحارب، يُبيح أموالهم وأعراضهم.
و خلاصة القول: إنّ محمّد بن عبدالوهّاب كان يدعو إلى التوحيد، ولكن لتوحيد خاطئ من صُنع نفسه، لا التوحيد الَّذي يُنادي به القرآن الكريم، فَمن خضع له و لـ «توحيده» سلمتْ نفسه وأمواله، و من أبى فهو كافر حربي، و دمه وماله هَدَر!!
و على هذا الأساس كان الوهّابيّون يشنَّون المعارك في نجد و خارجها ـ كاليمن و الحجاز ونواحي سوريا و العراق ـ و كانوا يبيحون التصرّف بالمُدن ـ التي يسيطرون عليها ـ كيفما يشاءُون، فإن أمكنهم ضَمّ تلك الأراضي إلى ممتلكاتهم و عقاراتهم فعلوا ذلك، و إلاّ اكتفوا بنهب الغنائم منها.( [5])
و كان قد أمر كلّ من ينخدع بدعوته أن يتقدَّم إليه بالبيعة، و مَن رفض البيعة وجب قتله وتوزيع أمواله!!
و لهذا عند ما رفض أهالي قرية الفصول ـ من ضواحي الأحساء ـ بيعةَ هذا الرجل الشاذ هَجم عليهم و قتل ثلاثمائة رجل و نَهب أموالهم و ثرواتهم!( [6]) و أخيراً... مات محمّد بن عبدالوهّاب عام 1206 هـ ،( [7]) ولكنّ أتباعه واصلوا طريقه و أحيوا بدعه و ضلاله.
ففي عام 1216 هـ أعدَّ الأمير سعود ـ الوهّابي ـ جيشاً ضخماً يتألّف من عشرين ألفاً و شنّوا هجوماً عنيفاً على مدينة كربلاء المقدّسة بالعراق. و كانت كربلاء ـ و لا زالت ـ مدينة مقدّسة، تتمتّع بشهرة بالغة و محبَّة في قلوب المؤمنين و يقصدها الزوّارـ بمختلف جنسيّاتهم من إيرانيين وأتراك و عرب وغيرهم ـ فحاصر الجيش الوهّابي هذه المدينة المقدّسة ثم اقتحمها و دخلها وأكثر فيها القتل و النهب و الخراب و الفساد.
و قد ارتكب الوهّابيّون - في مدينة كربلاء المقدّسة ـ جرائم و فجائع لا يمكن و صفها، فقد قتلوا خمسة آلاف مسلم أو أكثر.
وعندما انتهى الأمير سعود من العمليات الحربية هناك، عَمد إلى خزانة حرم الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) و التي كانت مليئة بالذخائر النفيسة و الهدايا القيّمة التي أهداها الملوك و الأُمراء وغيرهم إلى الروضة المقدّسة فابتزَّها نهباً.
و بعد هذه الفاجعة الأليمة اتّخذت مدينة كربلاء لنفسها طابع الحزن والكآبة، حتى نظم الشعراء قصائد في رثائها.( [8])
و كان الوهّابيّون يشنّون بين فترة و أُخرى ـ و خلال مدّة تتراوح بين اثني عشر عاماً ـ هجماتهم و غاراتهم الحاقدة على كربلاء المقدّسة و ضواحيها، وعلى مدينة النجف الأشرف، ويعودون ناهبين سارقين، و كانت البداية هي الهجوم على مدينة كربلاء عام 1216 هـ ، كما سبقت الإشارة إليه.
و قد اتفقت كلمات المؤلّفين من الشيعة على أن ذلك الهجوم كان في يوم عيد الغدير المجيد، ذكرى تعيين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمامَ علي بن أبي طالب خليفة له من بعده.( [9])
يقول العلاّمة المرحوم السيد محمّد جواد العاملي( [10]):
«و قد منَّ الله سبحانه بفضله و إحسانه و ببركة محمّد و آله ـ صلَّى اللّهُ عليهم أجمعين ـ لإتمام هذا الجزء من كتاب «مفتاح الكرامة»، بعد انتصاف الليل من الليلة التاسعة من شهر رمضان المبارك سنة 1225 هـ على يد مصنّفه...و كان مع تشويش البال و اختلال الحال و قد أحاطت الأعراب ـ من عُنيزة القائلين بمقالة الوهّابيّ الخارجي ـ بالنجف الأشرف و مشهد الإمام الحسين (عليه السلام) و قد قطعوا الطّرق و نَهبوا زوّار الحسين (عليه السلام) بعد منصرفهم من زيارة نصف شعبان، وقتلوا منهم جماعة غفيرة، و أكثر القتلى من العجم، و ربّما قيل بأنهم مائة وخمسون، و قيل أقل...».
نعم، إنّ التوحيد الَّذي كان يدعو إليه محمّد بن عبدالوهّاب و جماعته ـ وكانوا يبيحون دماء وأموال مَن يرفض دعوتهم ـ هو القول بأنّ الله على العرش، يقول في الرسالة الحموية: إنّ الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء، وعلى كل شيء، وإنّه فوق السماء . ثم يستدل على أنّه فوق السماء بقصة معراج الرسول إلى ربه ونزول الملائكة من عند الله وصعودهم إليه، إلى غير ذلك من الروايات.
ويستشهد بشعر عبد الله بن رواحة الّذي أنشده للنبي ـ حسب زعمه ـ:
شهدت بأنّ وعد الله حق *** وانّ النار مثوى الكافرينا
وانّ العرش فوق الماء طاف *** وفوق العرش رب العالمينا
إلى أمثال هذه الروايات الّتي استنتج منها أنّه سبحانه على العرش وله جهة.( [11])
ونحن نقتصر على ذلك فمن حاول أن يقف على التوحيد الّذي دعا إليه فليرجع إلى كتابنا «بحوث في الملل والنحل» الجزء الرابع، ولكن نقتصر في المقام بما ذكره ابن بطوطة في رحلته، يقول: حضرت يوم الجمعة بدمشق المسجد الّذي يخطب فيه على منبر الجامع أحمد بن تيمية، فكان من جملة كلامه: انّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء، وأنكر ما تكلّم به، فقامت العامة إلى هذا الفقيه، وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً .( [12])
و يظهر من كتاب «الردّ على الأخنائي» لابن تيمية أنّه كان يعتبر الأحاديث المرويَّة في فضل زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أحاديث موضوعة، و يصرّح بأنّ من يعتقد بحياة رسول الله بعد وفاته، كحياته زمن حياته فقد ارتكـب خطـأً كبيراً. و هذا ما يعتقده محمّد بن عبدالوهّاب و أتباعه، و قد زادوا على ابن تيمية في الانحراف والباطل.
لقد أدَّت معتقدات الوهّابيّين الباطلة إلى أن يعتبر بعض الباحثين حول الإسلام ـ ممّن نظروا في كُتبهم و تعرَّفوا على الإسلام من مطبوعاتهم ـ أَنْ يعتبروا الإسلام ديناً جامداً محدوداً لا يُنتفع به في كلّ العصُور و الأزمان.
يقول «لو تروب ستو دارد» الأمر يكي:
«... و قام على أثر ذلك عدد من النَّقَدة، اتّخذوا الوهّابية دليلا لكلامهم وقالوا: إنّ الإسلام ـ بجوهره و طبائعه ـ غير قابل للتكيّف على حسَب مقتضيات العصور و مُماشاة أحوال الترقّي و التبدّل، و ليس إلفاً لتطوّرات الأزمنة و تغيّرات الأيام...».( [13])
و من الجدير بالذكر أنّ علماء المذهب الحنبلي ثاروا ضدّ محمّد بن عبدالوهّاب و حكموا بانحرافه و بطلان عقائده منذ البداية.
و أوّل من تصدّى له و أعلن الحرب عليه هو أبوه الشيخ عبدالوهّاب، ثم أخوه الشيخ سليمان و كلاهما من علماء الحنابلة.
و قد كتب الشيخ سليمان كتاباً بعنوان: «الصواعق الإلهية في الردّ على الوهّابيّة» ردَّ فيه على أباطيل أخيه و خزعبلاته.
يقول زيني دحلان ـ ما معناه ـ :
«...و كان عبدالوهّاب ـ والد الشيخ محمّد ـ رجلا صالحاً من أهل العلم، وكان الشيخ سليمان ـ أخو محمّد ـ من أهل العلم أيضاً، و بما أنّ الشيخ عبدالوهّاب و الشيخ سليمان كانا من بداية الأمر ـ أي من يوم كان محمّد يواصل دراسته في المدينة المنوّرة ـ على علم بأفكار محمّد الشاذّة، لذلك كانا يلومانه على أقواله و يُحذّران الناس منه...»( [14]).
و يقول عبّاس محمود العقّاد المصري: «... و أكبر مَن خالف الشيخ في ذلك أخوه الشيخ سليمان ـ صاحب كتاب الصواعق الإلهية ـ و هو لا يُسلّم لأخيه بمنزلة الاجتهاد و الاستقلال بفهم الكتاب و السنّة...»( [15]).
و يرى الشيخ سليمان أنّ البدَع التي يمرّ بها الأئمة ـ جيلا بعد جيل ـ و لا يُكفّرون أصحابها، لا يكون الكفر فيها من اللزوم الَّذي يوجب القطع به ويُستباح من أجله القتال، و يقول الشيخ سليمان في ذلك: إنّ هذه الأُمور حدثت من قبل زمن الإمام أحمد بن حنبل في زمان أئمة الإسلام و أنكرها من أنكرها منهم، و لا زالت حتى ملأت بلاد الإسلام كلّها، و فُعلتْ هذه الأفاعيل كلّها التي تُكفِّرون بها، ولم يُروَ عن أحد من أئمة المسلمين أنّهم كفَّروا بذلك، و لا قالوا هؤلاء مرتدُّون، و لا أمروا بجهادهم، ولا سمُّوا بلاد المسلمين بلاد شرك وحرب كما قلتم أنتم، بل كفَّرتم من لم يُكفّر بهذه الأفاعيل و إن لم يفعلها...».( [16]) هذا...و قد سبق أنّ محمّد بن عبدالوهّاب ليس أوّل مبتدع في آرائه وأفكاره، بل سبقه إلى ذلك ـ بقرون عديدة ـ ابن تيميّة الحرّاني و تلميذه ابن القيّم الجوزيّة و أمثالهما، إلاّ أنّ أفكارهم لم تتّخذ لنفسها طابع المذهب كما أحدث ذلك ابن عبدالوهّاب.
الردود على قائد الوهابيين
إنّ حركة محمد بن عبد الوهاب هي امتداد لحركة أُستاذه ابن تيمية الحراني الدمشقي الّذي خرج من «حران» دمشق في القرن الثامن الهجري ،وقد تبنّى عقائد منحرفة وآراء شاذة بلبلت أذهان المسلمين، ومزّقت وحدتهم، وفرّقت جماعتهم، وأوقدت نيران الفتنة في مجتمعهم، ونظراً لآرائه السقيمة وأفكاره المنحرفة فقد تصدى علماء عصره. لنقد آرائه و الحكم بانحرافه وخاصّة بعد ما كتب عقائده الباطلة و نشَرها بين الناس.
و قد تلخّصت الحرب الدينية ضدّ ابن تيميّة في نقطتين:
الأُولى: تأليف الكتب و كتابة الردود على أفكاره الباطلة، و تزييفها على ضوء القرآن و السنَّة الشريفة.
و كنموذج من ذلك نُشير إلى بعض ما صدر ضدّه من الكتب:
1ـ شفاء السقام في زيارة قبر الإمام: بقلم تقىّ الدين السبكي.
2ـ الدرّة المضيئة في الردّ على ابن تيميّة: بقلم المؤلّف السابق.
3ـ المقالة المرضيّة: تأليف قاضي قضاة المالكيّة تقىّ الدين أبي عبدالله الأخنائي.
4ـ نجم المهتدي و رجم المقتدي: بقلم فخر بن محمّد القرشي.
5ـ دفع الشبهة: بقلم تقىّ الدين الحصني.
6ـ التحفة المختارة في الردّ على منكر الزيارة: بقلم تاج الدين.
هذه بعض الردود التي كُتبت ضدّ عقائد ابن تيميّة و آرائه السقيمة، وكشفتْ عن سفاهتها وقشريَّتها.
الثانية: هجوم العلماء و الفقهاء عليه، و إصدار الحكم و الفتوى
بفسقه تارةً، وبكفره تارةً أُخرى، و التحذير من البدَع التي أحدثها في
الدين الحنيف.
و منهم قاضي القضاة في مصر «البدر بن جماعة» فقد كتبوا إليه رأي ابن تيميّة في زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكتب قاضي القضاة:
«إنّ زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سُنَّة مستحبة، و قد اتّفق العلماء على ذلك، و كلّ من يرى حرمة زيارته فيجب على العلماء زجره و نهيه عن مثل هذه الآراء، فإن لم يردعه ذلك لزم حبسُه و فضحه بين الناس حتى لا يقتدوا به».
و ليس هذا القاضي الشافعي في مصر وحيداً في فتواه هذه، بل أصدر قضاة المالكية والحنبلية فتاوى مماثلة في تفسيق ابن تيميّة والحكم بضلاله وانحرافه.( [17])
وبالإضافة إلى ذلك كلّه، فقد كتب الذهبي الَّذي يُعتبر من علماء القرن الثامن الهجري، و له تأليفات قيّمة في الحديث و الرجال ـ و كان مُعاصراً لابن تيميّة ـ كتب رسالة ودّية إليه ينهاه فيها عن منكراته، و شبَّهه فيها بالحجّاج الثقفي في ضلاله و فساده.( [18])
إلى أن أهْلك الله ابنَ تيميّة في عام 728 هـ في سجن الشام، فحاول
تلميذه ابن القيّم أن يواصل نهج أُستاذه، لكنّه لم يفلح في ذلك، فماتت
أفكار ابن تيميّة بموته، و فنيتْ بفنائه، و زالت بزواله، واستراح المؤمنون من بدعه وضلالاته.
إلى أن ألقى الشيطان حبائله من جديد، فجاء محمّد بن عبدالوهّاب حاملا أفكار ابن تيميّة البائدة و اتفق مع آل سعود ليقوم كلّ منهما بتأييد الآخر، هذا في الحكم و ذاك في التشريع، فعاد الضلال يَنشر خيوطه في «نجد» وانتشرت الوهّابيّة في بلاد نجد انتشار السرطان الأثيم في الجسم، فانخدع جمعٌ من الناس، و تحزَّبوا ـ و مع كلّ أسف ـ باسم التوحيد للقضاء على أهل التوحيد، و أراقوا دماء المسلمين باسم الجهاد مع المشركين، و راح الأُلوف من الناس ـ رجالا ونساءً و صغاراً و كباراً ـ ضحيَّة لهذه البِدَع و الأباطيل، و توسَّعت شُقّة الخلاف بين المسلمين، و أُضيف على مذاهبهم المتعدّدة، مذهب جديد.
و قد بلغت المصيبةُ ذروتَها عندما سقط الحَرَمان الشريفان ـ مكّة والمدينة ـ في قبضة هذه الزمرة المنحرفة، و عَمد النجديّون الوهّابيّون ـ وبالتعاون مع بريطانيا الحاقدة التي كانت تهدف إلى تقسيم الدولة الإسلامية إلى دويلات صغيرة تحدُّها الحدود الجغرافية ـ عمدوا إلى محو الآثار الإسلامية في مكّة والمدينة، و هدْم قبور أولياء الله و هتك حرمة آل رسول الله، و غير ذلك من الجرائم و المنكرات التي يهتزّ لها ضمير المسلم.
يقول بعض المؤرّخين:
«بادر الوهّابيّون ـ لمّا استولوا على مكّة ـ بالمساحي فهدموا ـ أوّلا ـ ما في «المعلّى» مقابر قريش ـ من الِقباب، و هي كثيرة، منها قُبَّة سيّدنا عبدالمطّلب جدّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قُبَّة سيّدنا أبي طالب ـ رضوان الله عليه ـ و قبَّة السيدة خديجة ـ رضوان الله عليها ـ كما هدموا قبَّة مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و مولد أبي بكر، و مولد الإمام علي (عليه السلام) و هدموا قبَّة زمزم و القباب التي حول الكعبة، و تتبّعوا جميع المواضع التي فيها آثار الصالحين فهدموها، و كانوا ـ عند الهدم ـ يرتجزون و يضربون بالطبول ويُغنُّون ويُبالغُون في شتم القبور... حتى قيل إنّ بعضهم بال على قبر السيّد المحجوب!!...».( [19])
قال العلاّمة السيد صدر الدين الصدر ـ المغفور له ـ :
لعمري إنّ فاجِعةَ البقيع *** يُشيبُ لهولها فؤود الرضيع
و سوف تكون فاتحة الرزايا *** إذا لم يُصحَ من هذا الهجوع
أما مِن مسلم للّه يرعى *** حقوق نبيِّه الهادي الشفيع
و قال آخر:
تبّاً لأحفاد اليهود بما جَنَوا *** لم يكسبوا من ذاك إلاّ العارا هتكـوا حريـم محمّد في آلِه *** ياويلهم قد خالفـوا الجبّارا
هَدموا قبور الصالحيـن بحقـدهم *** بُعداً لهم قد أغضبوا المختارا
و انطلاقاً من قول النّبي ـ صلّى الله عليه و آله ـ :
«إذا ظهرت البِدَع فعلى العالِم أن يُظهر عِلمه، و إلاّ فعليه لعنة الله».
فقد تصدّى علماء الشيعة ـ و علماء السنّة أيضاً كما ذكرنا ـ لهذا الغزو الوهّابي الحاقد، وكتبوا الكتب و نشروا المنشورات، في فضح هذا الرجل ـ الَّذي جاء يُحقق أهداف بريطانيا في ثوب جديد ـ و كشف القناع عن حقيقته والردّ على آرائه الشاذّة.
و أوّل كتاب صدر في الردّ على ابن عبدالوهّاب هو كتاب «الصواعق الإلهية في الردّ على الوهّابيّة» بقلم أخيه الشيخ سليمان.
كما أنّ أوّل كتاب صدر ضدَّه من علماء الشيعة هو كتاب «منهج الرشاد» للشيخ الكبير المرحوم الشيخ جعفر كاشف الغطاء (المتوفّى سنة 1228 هـ ) و قد كتب كتابه هذا جواباً على رسالة بعثها إليه الأمير عبدالعزيز بن سعود ـ أحد الأُمراء السعوديّين في وقته ـ و قد زيَّف في كتابه أفكار محمّد بن عبدالوهّاب وأثبت بطلانها على ضوء القرآن و السنّة. و قد طبع الكتاب في عام 1343 هـ في النجف الأشرف في العراق.
ثم تتابَع الردّ و النقد في ظروف مختلفة، و صدرت الكُتب تترى واحدة تلو الأُخرى، حتى زماننا هذا. و في عصرنا الحاضر صعَّد الوهّابيّون حَملاتهم المسعورة ضدّ مخالفيهم من المسلمين، بفضل الثروة الطائلة التي يجنيها آل سعود من أرباح البترول العائدة إليهم فقط.
لقد خصّصت السلطة السعودية جزءاً كبيراً من أرباح البترول لترويج هذا المذهب المفرِّق و نشره بين المسلمين، ولولا هذه الأموال الطائلة لما عاش هذا المذهب الواهي إلى هذا الوقت.
لقد وَجد الاستعمار ضالَّته في هذا المذهب، و اتّخذه خير وسيلة لإلقاء التفرقة بين المسلمين وتشتيت صفوفهم، و ضرْب بعضهم البعض.
و قد حقّق هذا المذهب أهداف الاستعمار الغاشم الأثيم، فتراه قد أوجد الفتنة بين المسلمين، هذا يُفسّق ذاك و ذاك يُكفّر هذا... و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العلىّ العظيم.
عقائد الوهابية
1
تحريم بناء القبور وهدم المشاهد عليها
إنّ مسألة بناء القبور وتشييد مراقد الأنبياء وأولياء الله الصالحين من المسائل الحسّاسة عند الوهابيّين، وقد كان ابن تيمية وبعده ابن قيم أوّل من أفتى بحرمة بنائها ووجوب هدمها، يقول ابن القيم:
يجب هدم المشاهد الّتي بنيت على القبور، ولا يجوز إبقاؤها ـ بعد القدرة على هدمها وإبطالها ـ يوماً واحداً .( [20])
وعلى هذا الأصل لمّا استولى السعوديّون على الحرمين الشريفين هدموا المراقد المقدسة في البقيع، وبيوت أهل البيت (عليهم السلام) ، بعدما رفعوا سؤالاً إلى علماء المدينة المنورة، وإليك السؤال والجواب:
السؤال: ما قول علماء المدينة المنورة ـ زادهم الله فهماً وعلماً ـ في البناء على القبور، واتّخاذها مساجد، فهل هو جائز أم لا؟ وإذا كان غير جائز بل ممنوع منهي عنه نهياً شديداً، فهل يجب هدمها ومنع الصلاة عندها أم لا ؟
وإذا كان البناء في مسبلة كالبقيع، وهو مانع من الانتفاع بالمقدار المبني عليه، فهل هو غصب يجب رفعه لما فيه من ظلم المستحقين ومنعهم استحقاقهم أم لا ؟ الجواب: أمّا البناء على القبور فهو ممنوع إجماعاً، لصحّة الأحاديث الواردة في منعه، ولذا أفتى كثير من العلماء بوجوب هدمه، مستندين بحديث علي (رضي الله عنه) أنّه قال لأبي الهياج: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله، ان لا تدع تمثالاً إلاّ طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلاّ سويته. ( [21])
يلاحظ على ما ذكره: انّه كيف يدّعي إجماع المسلمين على حرمة البناء مع أنّ سيرة المسلمين وعملهم منذ أن ارتحل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يومنا هذا هي البناء على القبور، فقد دفن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيته الرفيع ولم يخطر ببال أحد من الصحابة الحضور أن البناء على القبر حرام، وانّه (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عنه نهياً شديداً، ولمّا كان البيت متعلّقاً بزوجته عائشة جعلوا في وسطه ساتراً، ولمّا توفّى الشيخان أوصيا بدفنهما في حجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تبركاً بذاته ومكانه، ولم يخطر ببال أحد انّه على خلاف الدين والشرع.
وأمّا الحديث الّذي استدلّ به، فلا يدلّ على ما رامه لأنّ محل الشاهد في الحديث هو قوله: «إلاّ سويته» وهو يستعمل على وجهين :
أ ـ يطلق ويراد منه مساواة شيء بشيء، فيتعدى إلى المفعول الثاني بحرف التعدية كالباء، قال سبحانه: ( إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) ( [22]) .
أي نعد الآلهة المكذوبة متساوين مع رب العالمين، فنضيف إليكم ما نضيف إلى رب العالمين. ب ـ يطلق ويراد منه ما هو وصف لنفس الشيء لا بملاحظة شيء آخر، فيكتفي بمفعول واحد، قال سبحانه: ( الذِي خَلَقَ فَسَوَّى )( [23]) وقال سبحانه: ( بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) ( [24]) ، ففي هذين الموردين وضعت التسوية وصفاً لنفس الشيء بلا إضافة إلى غيره، وعندئذ يكتفي بمفعول واحد، ويكون المراد من التسوية حسب اختلاف الموارد تارة كمال الخلقة واستقامتها في مقابل نقصها واعوجاجها، وهذا هو المراد في الآيتين المذكورتين، وأُخرى تسطيحه مقابل اعوجاجه وبسطه مقابل كونه كالسنام.
إذا عرفت هذا فلنعد إلى الحديث ولنطبق الضابطة عليه، فبما انّه استعمل مع مفعول واحد فلا يراد منه المعنى الأوّل أي مساواته بالأرض، وإلاّ كان عليه أن يقول سويته بالأرض، بل يراد ما هووصف لنفس القبر، والمعنى المناسب هو تسطيح القبر في مقابل تسنيمه، وبسطه في مقابل اعوجاجه، وهذا هو الّذي فهمه شراح الحديث.
قال القرطبي: قال علماؤنا ظاهر حديث أبي الهياج منع تسنيم القبور ورفعها وان تكون واطئة. ( [25])
وقال النووي في شرح الحديث: إنّ السنّة ان القبر لا يرفع عن الأرض رفعاً كثيراً، ولا يسنّم، بل يرفع نحو شبر. وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه. ( [26])
ويؤيّد ذلك انّ مسلماً صاحب الصحيح ذكر الحديث تحت عنوان باب تسوية القبور. ( [27])
عقائد الوهابية
2
حرمة بناء المساجد على القبور والصلاة فيها
ذهبت الوهابية إلى حرمة بناء المساجد على القبور، وحرمة قصد الصلاة فيها حتّى قال ابن تيمية: إنّ المسجد والقبر لا يجتمعان. ( [28])مستدلاًّ بما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد. ( [29])
وقد استغلت الوهابية هذا الحديث وخرجوا بالنتيجة التالية:
حرمة بناء المساجد على القبور وحرمة قصد الصلاة فيها .
وقبل تحليل الحديث نعرض المسألة على القرآن الكريم .
إنّ القرآن صادق مصدق لا يأتيه الباطل، يذكر سبحانه فيه قصة أصحاب الكهف وأنّ القوم لمّا عثروا على أجسادهم الطرية في الغار اختلفوا على قولين:
1- ( فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ) .
2- ( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ) . فالآية صريحة في أنّ القوم بعدما عثروا عليهم اختلفوا في كيفية تكريمهم على قولين:
1-البناء على قبورهم: ( ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً ) .
2-بناء المسجد على قبورهم: ( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ) .
والقرآن الكريم يذكر كلا القولين من دون رد وطعن، فلو كان كلّ من القولين خصوصاً القول الثاني على خلاف الهداية وفي جانب الضلالة لأشار إلى ردّه وطعنه، فسكوت القرآن تجاه هذين القولين ونقلهما عن القوم بصورة كونه عملاً مستحسناً (لأنّهم اقترحوا ذينك العملين لتكريم أصحاب الكهف) أقوى شاهد على جواز العمل في الأُمّة المحمدية.
وقد اتّفق المفسرون على أنّ القول الثاني كان للموحّدين، ويدلّ على ذلك ما جاء في التاريخ انّ العثور على أصحاب الكهف وانكشاف أمرهم كان في عصر انتصار التوحيد على الشرك، وكان قادة المشركين ـ الداعين إلى عبادة الأصنام ـ مندحرين مغلوبين، فاقتراح بناء المسجد جاء من المؤمنين بالله الموحّدين له سبحانه. فإذا كان بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها علامة على الشرك فلماذا صدر هذا الاقتراح من المؤمنين؟!
إنّ هذا تقرير من القرآن على صحّة اقتراح أُولئك المؤمنين، ومن المعلوم أنّ تقرير القرآن حجة شرعية لا ينازعه شيء.
وأمّا الحديث الّذي استدلّت به الوهابية على حرمة بناء المساجد على القبور، فالمراد بناء المساجد على القبور والسجدة لصاحب القبر أو اتّخاذه قبلة، لا مجرد من اتّخذ القبور مسجداً مجرداً عن أي شرك، أو إذا كانت إقامة الصلاة عند قبورهم من باب التبرّك بهم.
وممّا يدلّ على أنّ المراد هو بناء المساجد على القبور والسجود لهم أو إليها هو انّ بعض الروايات وصفت هؤلاء بأنّهم شرار الناس، ففي حديث: فاعلموا أنّ شرار الناس الذين اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ان توصيفهم بأنّهم شرار الخلق عند الله يميط الستر عن حقيقة عملهم، إذ لا يوصف الإنسان بالشر المطلق، إلاّ إذا كان مشركاً، قال سبحانه: ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ) ( [30]) .
كلّ ذلك يكشف عن مغزى الحديث، وانّ عملهم لم يكن عملاً مجرداً مثل صرف بناء المسجد على القبر والصلاة فيه، أو إقامة الصلاة عند القبور، بل كان عملاً مقترناً بالشرك بألوانه وصوره المختلفة كاتخاذ القبر إلهاً ومعبوداً أو قبلة عند الصلاة أو السجدة عليها بمعنى اتّخاذها مسجوداً .
وقد فهم غير واحد من العلماء نفس ما ذكرناه من الحديث، يقول القسطلاني في «إرشاد الساري» نقلاً عن البيضاوي:
لمّا كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيماً لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجّهون في الصلاة نحوها واتّخذوها أوثاناً، لعنهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنع المسلمون عن مثل ذلك، فأمّا من اتّخذ مسجداً في جوار صالح وقصد التبرّك بالقرب منه ـ لا للتعظيم ولا للتوجه إليه ـ فلا يدخل في الوعيد المذكور. ( [31]) هذا كلّه حول بناء المساجد، وأمّا الصلاة على القبور فلأجل انّ لمشاهد الأولياء ومراقدهم شرفاً وفضيلة خاصّة لا توجد في غيرها.
إنّ القرآن الكريم يأمر حجاج بيت الله الحرام بإقامة الصلاة عند مقام إبراهيم وهي الصخرة الّتي وقف عليها إبراهيم لبناء الكعبة، فيقول:
( وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَ أَمْنًا وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) ( [32]) .
إنّ الصلاة في مقام إبراهيم لأجل التبرّك بمقام النبي إبراهيم، فلو كانت عبادة الله تبارك وتعالى مقرونة بالتبرّك بمكان المخلوق شركاً، فلماذا أمر به سبحانه، فهل هناك فرق بين مقامهم ومثواهم؟!
إنّ المسلمين جميعاً يصلّون في حجر إسماعيل مع أنّ الحجر مدفنه ومدفن أُمّه هاجر، فأي فرق بين مرقد النبي ومدفن أبيه إسماعيل؟!
إذا كانت الصلاة عند القبر محرمة في الشريعة الإسلامية، فلماذا قضت عائشة عمرها في البيت الّذي دفن فيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
وانّ السيدة فاطمة الزهراء ـ الّتي قال في حقّها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّ الله يرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضبها ـ كانت تزور قبر عمّها حمزة كلّ جمعة أو في كل أُسبوع مرّتين، فتصلّي وتبكي عنده . ( [33])
عقائد الوهابية
3
جواز زيارة القبور وحرمة شدّ الرحال إليها
اتّفق المسلمون على استحباب زيارة القبور لما فيه من فوائد تربوية ذكرها النبي في حديثه المعروف .
روى أصحاب السنن عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنّها تزهّد في الدنيا وتذكّر الآخرة». ( [34])
وقد اتّفق المسلمون أيضاً على استحباب زيارة قبر النبي خصوصاً ـ غير ابن تيمية ـ وأفضل دليل على ذلك هو السيرة المستمرة من عصر رحيل الرسول إلى يومنا هذا، مضافاً إلى الروايات المتوفرة من أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من زار قبري وجبت له شفاعتي». ( [35])
ولكن المروي عن محمد بن عبد الوهاب في الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية: تسنّ زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ أنّه لا يُشدّ الرحال إلاّ لزيارة المسجد والصلاة فيه. والدليل الّذي يتمسّكون به في تحريم الزيارة هو الحديث المذكور في صحاحهم عن أبي هريرة انّه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :
لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، والمسجد الأقصى.
وروي هذا الحديث بصورة أُخرى، وهي:
إنّما يسافر إلى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي، ومسجد إيليا.
وروي أيضاً بصورة ثالثة، وهي:
تشدّ الرحال إلى ثلاثة مساجد... .( [36])
لكن مفاد الحديث لا يصلح للاستدلال، لأنّ الاستثناء في الحديث مفرغ بمعنى انّ المستثنى منه غير مذكور، وبما انّ المستثنى هو المساجد الثلاثة فيكون قرينة على أنّ المستثنى منه هو لفظة مسجد، فيكون معنى الحديث لا تشدُّ إلى أي مسجد من المساجد سوى المساجد الثلاثة، وأين هذا من شدّ الرحال إلى زيارة قبر النبي؟!
نعم لو كان المستثنى منه وهو لفظة مكان لدلّ على ما يرتئيه الوهابيون من تحريم شدّ الرحال، فيكون معنى الحديث: لا يشدّ إلى مكان من الأمكنة إلاّ السفر إلى المساجد الثلاثة، ومن المعلوم أنّ هذا باطل، إذ لو كان الهدف منع كافة السفرات الدينية ـ غير المساجد الثلاثة ـ محرّمة، فلماذا يُشدّ الرحال إلى هذه المناطق؟ مع أنّ القرآن الكريم أشار إلى بعض السفرات الدينية ورغب فيها كالسفر لأجل الجهاد وطلب العلم وصلة الرحم وزيارة الوالدين.
وفي الختام لابد من الإشارة إلى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما قال: «لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد...» فانّه لا يعني انّ شدّ الرحال إلى المساجد الأُخرى حرام، بل معناه أنّ المساجد الأُخرى لا تستحقّ شدّ الرحال إليها، وتحمّل مشاق السفر من أجل زيارتها، لأنّ المساجد الأُخرى لا تختلف من حيث الفضيلة مع الآخر اختلافاً كبيراً، فلا داعي إلى أن يشدّ الإنسان الرحال إلى المسجد، أمّا إذا شدّ الرحال إليه فليس عمله هذا حراماً ولا مخالفاً للسنّة الشريفة، ويدلّ عليه ما رواه أصحاب الصحاح والسنن:
«كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأتي مسجد قبا راكباً وماشياً فيصلي فيه ركعتين».( [37])
ولنا ان نتساءل: كيف يمكن أن يكون شدّ الرحال وقطع المسافات من أجل إقامة الصلاة مخلصاً لله في بيت من بيوته سبحانه حراماً ومنهياً عنه؟!
إذا كانت الصلاة في المسجد مستحبة، فانّ الظاهر انّ مقدّمة المستحب مستحبة أيضاً .
عقائد الوهابية
4
حرمة التوسّل بالأنبياء والصالحين
يعتبر التوسّل بأولياء الله وأحبّائه من المسائل المعروفة بين المسلمين في كافة أنحاء العالم، وقد وردت أحاديث كثيرة في جوازه واستحبابه، فهو ليس ظاهرة غريبة، بل هو أمر ديني تعارف عليه المسلمون منذ فجر الإسلام حتّى هذا اليوم، ولا تجد مسلماً ينكره.
وطوال أربعة عشر قرناً لم ينكره أحد سوى ابن تيمية وتلاميذه في القرن الثامن الهجري، وبعد قرنين جاء محمد بن عبد الوهاب فاعتبر التوسّل بأولياء الله بدعة تارة وعبادة للأولياء أُخرى .
فنقول: إنّ القرآن الكريم حثّ المسلمين على الإتيان إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وطلب الاستغفار منه، وهو نوع توسّل بدعاء النبي في حياته، قال سبحانه: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً ) ( [38]) . وقال سبحانه: ( وَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ) ( [39]) .
وقال سبحانه ناقلاً عن أبناء يعقوب: ( يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) ( [40]) .
ولأجل هذا قبل الوهابيون التوسّل بدعاء النبي في حال حياته وانّما يمنعون موردين آخرين :
1-التوسّل بدعاء النبي بعد رحيله .
2-التوسّل بذات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجاهه وحرمته مطلقاً، سواء أكان النبي حيّاً أم ميتاً .
وليس لهم دليل صالح على المنع مع أنّ الأدلّة تؤيّد كلا التوسّلين، فإليك دراسة التوسّل بمقام النبي وذاته وجاهه وحرمته، ثم دراسة التوسّل بدعاء النبي بعد رحيله .
يتبع
تعليق