من هم الرافضة ؟
السيد العلامة / بدرالدين الحوثي (رحمه الله ).
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه المبين{وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ}[الحجرات:11]. وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الوهاب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الهادي إلى الصواب، صلى الله عليه وآله وسلم الذين قُرنوا في الوصية بهم مع الكتاب وبعد:
فهذه كلمات في تفسير الرافضة، فنقول:
في مجموع الهادي (عليه السلام) في كتاب فيه معرفة الله...الخ ((وإنما فرق بين زيد وجعفر قومٌ كانوا بايعوا زيد بن علي، فلما بلغهم أن سلطان الكوفة يطلب من بايع زيداً ويعاقبهم، خافوا على أنفسهم، فخرجوا من بيعة زيد ورفضوه مخافة من هذا السلطان، ثم لم يدروا بم يحتجون على من لامهم وعاب عليهم فعلهم، فقالوا بالوصية حينئذ فقالوا: كانت الوصية من علي بن الحسين إلى ابنه محمد، ومن محمد إلى جعفر؛ ليموهوا به على الناس، فضلّوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، اتبعوا أهوائهم، وآثروا الدنيا على الآخرة، وتبعهم على قولهم من أحب البقاء وكره الجهاد في سبيل الله.
ثم جاء قومٌ من بعد ذلك فوجدوا كلاماً مرسوماً في كتب ودفاتر، فأخذوا بذلك على غير تمييز ولا برهان، بل كابروا عقولهم...)) إلى أن قال: ((وكذلك هؤلاء الذين رفضوا زيد بن علي وتركوه ثم لم يرضوا بما أتوا من الك[U][/U]بائر حتى نسبوا ذلك إلى المصطَفَين من آل الرسول ً فلما كان فعلهم على ما ذكرنا سمَّاهم حينئذٍ زيد روافض ورفع يديه فقال: اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي على هؤلاء الذين رفضوني وخرجوا من بيعتي كما رفض أهل حروراء علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى حاربوه، فهذا كان خبر من رفض زيد بن علي وخرج من بيعته.
وروي عن رسول الله ً أنه قال لعلي: يا علي، سيخرج قومٌ في آخر الزمان لهم نَبَزٌ يعرفون به يقال لهم الرافضة، فإن أدركتهم فاقتلهم فإنهم مشركون)).انتهى المراد.وقد سقط من هذه الرواية زيادة ((قتلهم الله)).
وقال (عليه السلام) في الأحكام، في كتاب الطلاق: ((وقول هذا الحزب الضال، مما لا يلتفتُ إليه من المقال؛ لما هم عليه من الكفر والإيغال والقول بالكذب والفسوق والمحال، فهم على الله ورسوله في كل أمرهم كاذبون)).... إلى قوله: ((وأظهروا المنكر والفجور وولدوا الكذب والهروج، وفيهم ما حدثني أبي وعماي محمد والحسن عن أبيهم القاسم بن إبراهيم رضي الله عنهم عن أبيه عن جده عن إبراهيم بن الحسن عن أبيه عن جده الحسن بن علي عن علي بن أبي طالب(عليه السلام) عن النبي ً أنه قا ل: يا علي، يكون في آخر الزمان قومٌ لهم نَبَزٌ يعرفون به، يُقال لهم الرافضة، فإن أدركتهم فاقتلهم، قتلهم الله، فإنهم مشركون))( )انتهى.
وقال القاسم بن إبراهيم (عليه السلام) في كتاب (الرد على الرافضة)( ): ((وكيف يكون بالله موقناً ومعتصماً أو عند الله مؤمناً أو مسلماً من يشبه الله بصورة آدم، وبما فيه من صور الشعر واللحم والدم، أولئك أصحاب هشام بن سالم( )، أو كيف يكون كذلك من قال بقول ابن الحكم( ) وهو يقول: إن الله نور من الأنوار، وأنه –سبحانه- جثة مسدسة المقدار، وأنه يُعْلَم بالحركات ويعقل، وتحف به الأماكن وينتقل، وتبدو له البدوات، وتخلو السموات، فهم يزعمون أنه على العرش دون ما سواه، وأنه لا يبصر ما حجبته عنه الحواجب ولا يراه)).. إلى أن قال: ((فلو كان كما قال هشام وأصحابه نوراً وجسماً، أو كما قال ابن الحكم لحماً ودماً، لكانت أكفاؤه عدداً وأمثاله سبحانه أشياءً بدداً))..إلى أن قال (عليه السلام): ((وما قالت به الرافضة من هذا، فقد علمت أن كثيراً منها لم يقصد فيه لما قصد، أو يعتقد من الشرك بالله في قوله به ما اعتقد، ألا وإن ما قالوا به في الله، أشرك الشرك بالله))( ). انتهى
وقال (عليه السلام) في كتاب الرد على الروافض من أصحاب الغلو: ((ويُقال للروافض: أخبرونا عن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وعليهم وسلم مشركون أو كفار أو مسلمون؟ فإن زعموا أنهم مسلمون. يقال: فقد أجمع أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وعليهم وسلم، وعلماؤهم بأنكم على غير طريقة الإسلام)) ( ). انتهى
فظهر من كلام الهادي (عليه السلام) في الأحكام أنه يعني بالرافضة فرقة إباحية، فهم كالقرامطة الذين كانوا في عهده (عليه السلام) وكانوا ينتمون إلى الشيعة الإسماعيلية فيما قيل، ومن كان على طريقة القرامطة من سائر الباطنية.
وظهر من كلام القاسم (عليه السلام) أنه يعني بالرافضة فرقة مشبهة مشركة.
وأما المنصور بالله عبد الله بن حمزة (عليه السلام)، فقال في (الشافي): ((أما ما تسميه الرافضة الذين رفضوا أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم، فالصحيح أن الرافضة هم الذين رفضوا زيد بن علي (عليه السلام)، وستجد ما يدل عليه إن شاء الله تعالى، ولسنا نمنع من التسمية وإنما حكينا له أصلها ومبتداها))( ). انتهى
فهذا يدل على أن الحكم الصحيح عنده (عليه السلام) هو على أصل التسمية ومبتداها لا للاصطلاح الحادث بعد ذلك.
وفي الحاشية( ) على كلامه (عليه السلام) ما لفظه على قوله: ((إن الرافضة الذين رفضوا زيد بن علي، وهو المعنى المجمع عليه كما نص على ذلك أهل اللغة في القاموس( ) وغيره، وكما في كتب الحديث كشرح مسلم للنووي( )، وهو ما لا نزاع فيه)). انتهى من كلام شيخنا رضي الله عنه -أي مجد الدين حفظه الله-.
وفي الشافي أيضاً حكاية عن محي الدين: ((والرافضة هم الذين رفضوا زيد بن علي والتحقوا بالإمامية)) .انتهى( ).
وهناك من كلام الإمام( ) ((وكان بدء ظهور أمرهم رفض زيد بن علي (عليه السلام) وأتبعوه بما ذكرنا))، ثم حكى صاحب (الخارقة)( ).أنه قال في الباطنية: ((ولا يبعد أن يكونوا رافضة باطنية، فما الذي يمنع من ذلك)).
وأجاب الإمام (عليه السلام) بقوله: ((فالجواب أنا لا ننكر ذلك، لكن الاسم يختص بمن سمي به وإن شاركه فيه غيره على وجه لم يتميز به عن غيره، وبهذا لا يكون النصراني يهودياً بإقراره بموسى، ولا المسلم نصرانياً لإقراره بعيسى، وإنما سُمِّي كل واحد من هؤلاء بما يتميز به عن سائر الفرق وإن شاركه غيره في بعض ما يعتقده)). انتهى المراد.
وفي الشافي: ((والشيعة فرق كثيرة إلى ثلاث عشرة فرقة أكثرها يضلله أهل البيت (عليهم السلام)، ومنهم من يكفرونه، والعمدة في التشيع مذهب زيد بن علي وعدلية الإمامية))( ). انتهى
وهذا يشير إلى مثل كلام محي الدين أن بعض الإمامية ليسوا رافضة لما مر من كلام القاسم والهادي (عليهما السلام) في الرافضة، وأن الرافضة أهل تلك العقائد، ويمكن الجمع بأن الرافضة الذين رفضوا زيد بن علي وتطور فسادهم حتى أشركوا وشبهوا الله بخلقه وأباحوا المحرمات.
وقد روى الشهرستاني في الملل والنحل( ) ما يوافق كلام الهادي والقاسم، فذكر أن أصحاب أبي الخطاب يقولون بإلاهية جعفر. والله أعلم بصحة ذلك.
وفي كلام الهادي (عليه السلام) الذي نقلته أول البحث: ((أنهم كانوا معاندين للحق متعمدين للكذب على الأخيار من أهل البيت)).ثم قال: ((فلما كان فعلهم على ما ذكرنا سماهم حينئذٍ روافض))، فيظهر من هذا أن زيداً (عليه السلام) عرفهم بتمردهم وتعمدهم للكذب على الأخيار من أهل البيت حين رفضوه، أنهم الروافض الذين جاء فيهم الحديث، فرفضهم له (عليه السلام) هو سبب اشتقاق الاسم لهم، وأفعالهم الخبيثة هي مع رفضهم له (عليه السلام) سبب تسميته لهم روافض ولعنهِ لهم.
ومثل رواية الهادي (عليه السلام)، روى الطبري في (تاريخه) حيث أفاد أنهم كانوا قد بايعوا زيداً وأنه إنما دعاهم إلى رفض زيد (عليه السلام) الخوفُ، ثم قال: ((فقالوا جعفر إمامنا اليوم بعد أبيه، ولا نتبع زيد بن علي فليس بإمام)) ( ).
فسماهم زيد: الرافضة فظاهر هذا تمردهم وعنادهم، وأن سبب رفضهم للإمام(عليه السلام)هو الخوف( ).
وفي شرح الأساس للشرفي في مسائل الإمامية وذلك في مسألة الخلافة هل طريقها الدعوة أو النص ما لفظه: ((وروى صاحب المحيط بإسناد رفعه إلى أبي الطيب أحمد بن محمد بن فيروز الكوفي قال: حدثنا أبي عن أبيه قال: لما ظهر زيد بن علي (عليه السلام) ودعا الناس إلى نصرة الحق فأجابته الشيعة وكثير من غيرهم، وقعد قوم عنه.
وقالوا له: لست الإمام.
قال: فمن هو ؟!
قالوا: ابن أخيك جعفر.
قال: إن قال جعفر هو الإمام فقد صدق، فاكتبوا إليه وسلوه.
فقالوا: الطريق مقطوعة ولا نجد رسولاً إلا بأربعين ديناراً.
فقال: هذه أربعون ديناراً، فاكتبوا إليه وأرسلوا.
فلما كان من الغد أتوه
فقالوا: إنه يداريك.
فقال: ويلكم، إمام يداري من غير بأس أو يكتم حقاً أو يخشى في الله أحداً!! اختاروا إما أن تقاتلوا معي وتبايعوني على ما بويع عليه علي والحسن والحسين (عليهم السلام) أو تعينوني بسلاحكم وتكفوا عني ألسنتكم.
قالوا: لا نفعل.
فقال: الله أكبر، أنتم والله الروافض الذين ذكرهم جدي رسول الله ً قال: سيكون من بعدي قومٌ يقولون ليس عليهم أمر بمعروف ولا نهي عن منكر يقلدون دينهم ويتبعون أهواءهم)) انتهى( ).
وهذه الرواية والرواية التي نقلتها من مجموع الهادي لا يتنافيان بل يمكن الجمع بينهما، فيكون الحاصل أنهم لما خافوا على أنفسهم من سلطان الكوفة بعد أن بايعوا زيداً خرجوا من بيعته وادعوا الوصية لجعفر وقالوا لزيد: ((لست الإمام))، ونسبوا القول بالوصية التي ادعوها إلى الأخيار من آل الرسول ً متعمدين للكذب عليهم ليبرروا موقفهم مع زيد، ويموهوا بذلك على الناس، فجادلهم زيد بقوله: ((إن قال جعفر هو الإمام فقد صدق))..الخ فأبوا، فقال: ((اختاروا إما أن تقاتلوا معي وتبايعوني بيعة جديدة لتخرجوا من الرفض أو تعينوني بسلاحكم وتكفوا عني ألسنتكم))، فقالوا: ((لا نفعل))، فقال: ((الله أكبر أنتم والله الروافض الذين ذكر جدي رسول الله ً)) قال: ((سيكون من بعدي قومٌ يرفضون الجهاد مع الأخيار من أهل بيتي...)) إلى آخر الحديث، وقال: ((اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي على هؤلاء الذين رفضوني وخرجوا من بيعتي كما رفض أهل حروراء علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى حاربوه)). فهذا الجمع بين الروايتين وعلى ضوئه يستخلص في الرافضة أمور:
الأول: أنهم قد كانوا بايعوا زيداً كما في أول الرواية الأولى وفي قوله (خرجوا من بيعتي).
الثاني: أنهم متمردون وأن الباعث لهم على الرفض هو الخوف من سلطان الكوفة.
الثالث: أنهم إنما افتروا دعوى الوصية لجعفر افتراء ليحتجوا بذلك على من لامهم وعاب عليهم فعلهم كما في الرواية الأولى.
الرابع: أنهم افتروا ذلك على المصطفين الأخيار من آل الرسول ً كما في الرواية الأولى.
الخامس: أن زيد بن علي (عليه السلام) سماهم روافض من أجل ذلك كله كما أفاده قول الهادي (عليه السلام) في الرواية الأولى، فلما كان فعلهم على ما ذكرنا سماهم زيد روافض.
السادس: أنهم امتنعوا من أخذ الحقيقة عن جعفر.
السابع: أنهم رموه بالمداراة في الدين من غير بأس.
الثامن: أنهم كما امتنعوا من معاونة زيد امتنعوا من كف ألسنتهم عنه.
التاسع: أن زيداً رتَّب تسميتهم روافض على هذه الثلاثة الأمور الأخيرة كما رتبه على غيرها في الرواية الأولى، ومقتضى الجمع بين الروايتين أن تسميتهم روافض ترتبت على الأمور التي في الرواية الأولى والتي في الأخيرة.
العاشر: أنهم يرفضون الجهاد مع الأخيار من أهل البيت.
الحادي عشر: أنهم يقلدون في دينهم ويتبعون أهواءهم، وهذا كله يدل على أنهم لا يلتزمون بالدين، ويقرب إلى أنهم مثل القرامطة، وأنهم كما وصفهم الهادي والقاسم فيما مر، فهم أهل هذا الاسم (الرافضة) يختص بهم هذا الاسم.
فأما من سب أبا بكر وعمر فلا يثبت له هذا الاسم بالوضع الأصلي وإن اصطلح على ذلك شيعة الشيخين، فهو اصطلاح حادث لا يحكم عليه، ولو فرض أن الرافضة الذين رفضوا زيداً كانوا يشتمون أبا بكر وعمر؛ لأن اسم الرفض إنما هو لأولئك أهل الخصال الذميمة الإحدى عشر، لا من شاركهم في خصلة من خصالهم، فأما ما رواه المخالفون عن النبي ً أنه قال ((وآيتهم أنهم يشتمون أبا بكر وعمر)) فلا يصح هذا عندنا عن النبي ً، ومن رواه من شيعة الشيخين أراد نصرة مذهبه فلا يقبل منه لأنه متهم بوضعه أو قبوله من واضعه؛ لتعظيم شأن الشيخين لشدة حرصهم على ذلك كما لا يخفى، ولشدة كراهيتهم لسب الشيخين، وبغضهم لمن سبهم إلى حد لا يصبرون عليه، ويغضبون على فاعله غضباً شديداً، فكيف تقبل ممن رواه منهم رواية في ذلك، وأبعد من هذا أنهم يسمون الإمامية والزيدية روافض، تسمية ما أنزل الله بها من سلطان من أجل تفضيلهم علياً (عليه السلام) على الشيخين، وهذا اصطلاح لا أصل له، وبنوا عليه سب الكثير الطيب من ذرية رسول الله ً وأضاعوا فيهم وصية رسول الله ً بقوله: ((اذكركم الله في أهل بيتي ثلاثاً)) وتسميتهم روافض هو من النبز بالألقاب، والله تعالى يقول: {وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ…}الآية
وفي الحديث الثابت عن رسول الله ً ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) فترى الغلاة في أبي بكر يسبون بعض الأخيار من آل رسول الله ً، ولا يتحرجون من ذلك، فيقولون: غلاة روافض، بل ربما قالوا: دجالين.
نعوذ بالله من الضلال ونسأله السداد
وصلى الله على محمد وآله وسلم
منقول والقراءة تأتي
السيد العلامة / بدرالدين الحوثي (رحمه الله ).
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه المبين{وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ}[الحجرات:11]. وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الوهاب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الهادي إلى الصواب، صلى الله عليه وآله وسلم الذين قُرنوا في الوصية بهم مع الكتاب وبعد:
فهذه كلمات في تفسير الرافضة، فنقول:
في مجموع الهادي (عليه السلام) في كتاب فيه معرفة الله...الخ ((وإنما فرق بين زيد وجعفر قومٌ كانوا بايعوا زيد بن علي، فلما بلغهم أن سلطان الكوفة يطلب من بايع زيداً ويعاقبهم، خافوا على أنفسهم، فخرجوا من بيعة زيد ورفضوه مخافة من هذا السلطان، ثم لم يدروا بم يحتجون على من لامهم وعاب عليهم فعلهم، فقالوا بالوصية حينئذ فقالوا: كانت الوصية من علي بن الحسين إلى ابنه محمد، ومن محمد إلى جعفر؛ ليموهوا به على الناس، فضلّوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، اتبعوا أهوائهم، وآثروا الدنيا على الآخرة، وتبعهم على قولهم من أحب البقاء وكره الجهاد في سبيل الله.
ثم جاء قومٌ من بعد ذلك فوجدوا كلاماً مرسوماً في كتب ودفاتر، فأخذوا بذلك على غير تمييز ولا برهان، بل كابروا عقولهم...)) إلى أن قال: ((وكذلك هؤلاء الذين رفضوا زيد بن علي وتركوه ثم لم يرضوا بما أتوا من الك[U][/U]بائر حتى نسبوا ذلك إلى المصطَفَين من آل الرسول ً فلما كان فعلهم على ما ذكرنا سمَّاهم حينئذٍ زيد روافض ورفع يديه فقال: اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي على هؤلاء الذين رفضوني وخرجوا من بيعتي كما رفض أهل حروراء علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى حاربوه، فهذا كان خبر من رفض زيد بن علي وخرج من بيعته.
وروي عن رسول الله ً أنه قال لعلي: يا علي، سيخرج قومٌ في آخر الزمان لهم نَبَزٌ يعرفون به يقال لهم الرافضة، فإن أدركتهم فاقتلهم فإنهم مشركون)).انتهى المراد.وقد سقط من هذه الرواية زيادة ((قتلهم الله)).
وقال (عليه السلام) في الأحكام، في كتاب الطلاق: ((وقول هذا الحزب الضال، مما لا يلتفتُ إليه من المقال؛ لما هم عليه من الكفر والإيغال والقول بالكذب والفسوق والمحال، فهم على الله ورسوله في كل أمرهم كاذبون)).... إلى قوله: ((وأظهروا المنكر والفجور وولدوا الكذب والهروج، وفيهم ما حدثني أبي وعماي محمد والحسن عن أبيهم القاسم بن إبراهيم رضي الله عنهم عن أبيه عن جده عن إبراهيم بن الحسن عن أبيه عن جده الحسن بن علي عن علي بن أبي طالب(عليه السلام) عن النبي ً أنه قا ل: يا علي، يكون في آخر الزمان قومٌ لهم نَبَزٌ يعرفون به، يُقال لهم الرافضة، فإن أدركتهم فاقتلهم، قتلهم الله، فإنهم مشركون))( )انتهى.
وقال القاسم بن إبراهيم (عليه السلام) في كتاب (الرد على الرافضة)( ): ((وكيف يكون بالله موقناً ومعتصماً أو عند الله مؤمناً أو مسلماً من يشبه الله بصورة آدم، وبما فيه من صور الشعر واللحم والدم، أولئك أصحاب هشام بن سالم( )، أو كيف يكون كذلك من قال بقول ابن الحكم( ) وهو يقول: إن الله نور من الأنوار، وأنه –سبحانه- جثة مسدسة المقدار، وأنه يُعْلَم بالحركات ويعقل، وتحف به الأماكن وينتقل، وتبدو له البدوات، وتخلو السموات، فهم يزعمون أنه على العرش دون ما سواه، وأنه لا يبصر ما حجبته عنه الحواجب ولا يراه)).. إلى أن قال: ((فلو كان كما قال هشام وأصحابه نوراً وجسماً، أو كما قال ابن الحكم لحماً ودماً، لكانت أكفاؤه عدداً وأمثاله سبحانه أشياءً بدداً))..إلى أن قال (عليه السلام): ((وما قالت به الرافضة من هذا، فقد علمت أن كثيراً منها لم يقصد فيه لما قصد، أو يعتقد من الشرك بالله في قوله به ما اعتقد، ألا وإن ما قالوا به في الله، أشرك الشرك بالله))( ). انتهى
وقال (عليه السلام) في كتاب الرد على الروافض من أصحاب الغلو: ((ويُقال للروافض: أخبرونا عن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وعليهم وسلم مشركون أو كفار أو مسلمون؟ فإن زعموا أنهم مسلمون. يقال: فقد أجمع أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وعليهم وسلم، وعلماؤهم بأنكم على غير طريقة الإسلام)) ( ). انتهى
فظهر من كلام الهادي (عليه السلام) في الأحكام أنه يعني بالرافضة فرقة إباحية، فهم كالقرامطة الذين كانوا في عهده (عليه السلام) وكانوا ينتمون إلى الشيعة الإسماعيلية فيما قيل، ومن كان على طريقة القرامطة من سائر الباطنية.
وظهر من كلام القاسم (عليه السلام) أنه يعني بالرافضة فرقة مشبهة مشركة.
وأما المنصور بالله عبد الله بن حمزة (عليه السلام)، فقال في (الشافي): ((أما ما تسميه الرافضة الذين رفضوا أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم، فالصحيح أن الرافضة هم الذين رفضوا زيد بن علي (عليه السلام)، وستجد ما يدل عليه إن شاء الله تعالى، ولسنا نمنع من التسمية وإنما حكينا له أصلها ومبتداها))( ). انتهى
فهذا يدل على أن الحكم الصحيح عنده (عليه السلام) هو على أصل التسمية ومبتداها لا للاصطلاح الحادث بعد ذلك.
وفي الحاشية( ) على كلامه (عليه السلام) ما لفظه على قوله: ((إن الرافضة الذين رفضوا زيد بن علي، وهو المعنى المجمع عليه كما نص على ذلك أهل اللغة في القاموس( ) وغيره، وكما في كتب الحديث كشرح مسلم للنووي( )، وهو ما لا نزاع فيه)). انتهى من كلام شيخنا رضي الله عنه -أي مجد الدين حفظه الله-.
وفي الشافي أيضاً حكاية عن محي الدين: ((والرافضة هم الذين رفضوا زيد بن علي والتحقوا بالإمامية)) .انتهى( ).
وهناك من كلام الإمام( ) ((وكان بدء ظهور أمرهم رفض زيد بن علي (عليه السلام) وأتبعوه بما ذكرنا))، ثم حكى صاحب (الخارقة)( ).أنه قال في الباطنية: ((ولا يبعد أن يكونوا رافضة باطنية، فما الذي يمنع من ذلك)).
وأجاب الإمام (عليه السلام) بقوله: ((فالجواب أنا لا ننكر ذلك، لكن الاسم يختص بمن سمي به وإن شاركه فيه غيره على وجه لم يتميز به عن غيره، وبهذا لا يكون النصراني يهودياً بإقراره بموسى، ولا المسلم نصرانياً لإقراره بعيسى، وإنما سُمِّي كل واحد من هؤلاء بما يتميز به عن سائر الفرق وإن شاركه غيره في بعض ما يعتقده)). انتهى المراد.
وفي الشافي: ((والشيعة فرق كثيرة إلى ثلاث عشرة فرقة أكثرها يضلله أهل البيت (عليهم السلام)، ومنهم من يكفرونه، والعمدة في التشيع مذهب زيد بن علي وعدلية الإمامية))( ). انتهى
وهذا يشير إلى مثل كلام محي الدين أن بعض الإمامية ليسوا رافضة لما مر من كلام القاسم والهادي (عليهما السلام) في الرافضة، وأن الرافضة أهل تلك العقائد، ويمكن الجمع بأن الرافضة الذين رفضوا زيد بن علي وتطور فسادهم حتى أشركوا وشبهوا الله بخلقه وأباحوا المحرمات.
وقد روى الشهرستاني في الملل والنحل( ) ما يوافق كلام الهادي والقاسم، فذكر أن أصحاب أبي الخطاب يقولون بإلاهية جعفر. والله أعلم بصحة ذلك.
وفي كلام الهادي (عليه السلام) الذي نقلته أول البحث: ((أنهم كانوا معاندين للحق متعمدين للكذب على الأخيار من أهل البيت)).ثم قال: ((فلما كان فعلهم على ما ذكرنا سماهم حينئذٍ روافض))، فيظهر من هذا أن زيداً (عليه السلام) عرفهم بتمردهم وتعمدهم للكذب على الأخيار من أهل البيت حين رفضوه، أنهم الروافض الذين جاء فيهم الحديث، فرفضهم له (عليه السلام) هو سبب اشتقاق الاسم لهم، وأفعالهم الخبيثة هي مع رفضهم له (عليه السلام) سبب تسميته لهم روافض ولعنهِ لهم.
ومثل رواية الهادي (عليه السلام)، روى الطبري في (تاريخه) حيث أفاد أنهم كانوا قد بايعوا زيداً وأنه إنما دعاهم إلى رفض زيد (عليه السلام) الخوفُ، ثم قال: ((فقالوا جعفر إمامنا اليوم بعد أبيه، ولا نتبع زيد بن علي فليس بإمام)) ( ).
فسماهم زيد: الرافضة فظاهر هذا تمردهم وعنادهم، وأن سبب رفضهم للإمام(عليه السلام)هو الخوف( ).
وفي شرح الأساس للشرفي في مسائل الإمامية وذلك في مسألة الخلافة هل طريقها الدعوة أو النص ما لفظه: ((وروى صاحب المحيط بإسناد رفعه إلى أبي الطيب أحمد بن محمد بن فيروز الكوفي قال: حدثنا أبي عن أبيه قال: لما ظهر زيد بن علي (عليه السلام) ودعا الناس إلى نصرة الحق فأجابته الشيعة وكثير من غيرهم، وقعد قوم عنه.
وقالوا له: لست الإمام.
قال: فمن هو ؟!
قالوا: ابن أخيك جعفر.
قال: إن قال جعفر هو الإمام فقد صدق، فاكتبوا إليه وسلوه.
فقالوا: الطريق مقطوعة ولا نجد رسولاً إلا بأربعين ديناراً.
فقال: هذه أربعون ديناراً، فاكتبوا إليه وأرسلوا.
فلما كان من الغد أتوه
فقالوا: إنه يداريك.
فقال: ويلكم، إمام يداري من غير بأس أو يكتم حقاً أو يخشى في الله أحداً!! اختاروا إما أن تقاتلوا معي وتبايعوني على ما بويع عليه علي والحسن والحسين (عليهم السلام) أو تعينوني بسلاحكم وتكفوا عني ألسنتكم.
قالوا: لا نفعل.
فقال: الله أكبر، أنتم والله الروافض الذين ذكرهم جدي رسول الله ً قال: سيكون من بعدي قومٌ يقولون ليس عليهم أمر بمعروف ولا نهي عن منكر يقلدون دينهم ويتبعون أهواءهم)) انتهى( ).
وهذه الرواية والرواية التي نقلتها من مجموع الهادي لا يتنافيان بل يمكن الجمع بينهما، فيكون الحاصل أنهم لما خافوا على أنفسهم من سلطان الكوفة بعد أن بايعوا زيداً خرجوا من بيعته وادعوا الوصية لجعفر وقالوا لزيد: ((لست الإمام))، ونسبوا القول بالوصية التي ادعوها إلى الأخيار من آل الرسول ً متعمدين للكذب عليهم ليبرروا موقفهم مع زيد، ويموهوا بذلك على الناس، فجادلهم زيد بقوله: ((إن قال جعفر هو الإمام فقد صدق))..الخ فأبوا، فقال: ((اختاروا إما أن تقاتلوا معي وتبايعوني بيعة جديدة لتخرجوا من الرفض أو تعينوني بسلاحكم وتكفوا عني ألسنتكم))، فقالوا: ((لا نفعل))، فقال: ((الله أكبر أنتم والله الروافض الذين ذكر جدي رسول الله ً)) قال: ((سيكون من بعدي قومٌ يرفضون الجهاد مع الأخيار من أهل بيتي...)) إلى آخر الحديث، وقال: ((اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي على هؤلاء الذين رفضوني وخرجوا من بيعتي كما رفض أهل حروراء علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى حاربوه)). فهذا الجمع بين الروايتين وعلى ضوئه يستخلص في الرافضة أمور:
الأول: أنهم قد كانوا بايعوا زيداً كما في أول الرواية الأولى وفي قوله (خرجوا من بيعتي).
الثاني: أنهم متمردون وأن الباعث لهم على الرفض هو الخوف من سلطان الكوفة.
الثالث: أنهم إنما افتروا دعوى الوصية لجعفر افتراء ليحتجوا بذلك على من لامهم وعاب عليهم فعلهم كما في الرواية الأولى.
الرابع: أنهم افتروا ذلك على المصطفين الأخيار من آل الرسول ً كما في الرواية الأولى.
الخامس: أن زيد بن علي (عليه السلام) سماهم روافض من أجل ذلك كله كما أفاده قول الهادي (عليه السلام) في الرواية الأولى، فلما كان فعلهم على ما ذكرنا سماهم زيد روافض.
السادس: أنهم امتنعوا من أخذ الحقيقة عن جعفر.
السابع: أنهم رموه بالمداراة في الدين من غير بأس.
الثامن: أنهم كما امتنعوا من معاونة زيد امتنعوا من كف ألسنتهم عنه.
التاسع: أن زيداً رتَّب تسميتهم روافض على هذه الثلاثة الأمور الأخيرة كما رتبه على غيرها في الرواية الأولى، ومقتضى الجمع بين الروايتين أن تسميتهم روافض ترتبت على الأمور التي في الرواية الأولى والتي في الأخيرة.
العاشر: أنهم يرفضون الجهاد مع الأخيار من أهل البيت.
الحادي عشر: أنهم يقلدون في دينهم ويتبعون أهواءهم، وهذا كله يدل على أنهم لا يلتزمون بالدين، ويقرب إلى أنهم مثل القرامطة، وأنهم كما وصفهم الهادي والقاسم فيما مر، فهم أهل هذا الاسم (الرافضة) يختص بهم هذا الاسم.
فأما من سب أبا بكر وعمر فلا يثبت له هذا الاسم بالوضع الأصلي وإن اصطلح على ذلك شيعة الشيخين، فهو اصطلاح حادث لا يحكم عليه، ولو فرض أن الرافضة الذين رفضوا زيداً كانوا يشتمون أبا بكر وعمر؛ لأن اسم الرفض إنما هو لأولئك أهل الخصال الذميمة الإحدى عشر، لا من شاركهم في خصلة من خصالهم، فأما ما رواه المخالفون عن النبي ً أنه قال ((وآيتهم أنهم يشتمون أبا بكر وعمر)) فلا يصح هذا عندنا عن النبي ً، ومن رواه من شيعة الشيخين أراد نصرة مذهبه فلا يقبل منه لأنه متهم بوضعه أو قبوله من واضعه؛ لتعظيم شأن الشيخين لشدة حرصهم على ذلك كما لا يخفى، ولشدة كراهيتهم لسب الشيخين، وبغضهم لمن سبهم إلى حد لا يصبرون عليه، ويغضبون على فاعله غضباً شديداً، فكيف تقبل ممن رواه منهم رواية في ذلك، وأبعد من هذا أنهم يسمون الإمامية والزيدية روافض، تسمية ما أنزل الله بها من سلطان من أجل تفضيلهم علياً (عليه السلام) على الشيخين، وهذا اصطلاح لا أصل له، وبنوا عليه سب الكثير الطيب من ذرية رسول الله ً وأضاعوا فيهم وصية رسول الله ً بقوله: ((اذكركم الله في أهل بيتي ثلاثاً)) وتسميتهم روافض هو من النبز بالألقاب، والله تعالى يقول: {وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ…}الآية
وفي الحديث الثابت عن رسول الله ً ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) فترى الغلاة في أبي بكر يسبون بعض الأخيار من آل رسول الله ً، ولا يتحرجون من ذلك، فيقولون: غلاة روافض، بل ربما قالوا: دجالين.
نعوذ بالله من الضلال ونسأله السداد
وصلى الله على محمد وآله وسلم
منقول والقراءة تأتي
تعليق