قال العلامة الجزائري رحمه الله في شرح الصحيفة السجادية عند "دعاؤه عليه السلام في الاستقالة من الذنوب" : لا بد من ذكر وجوه في سبب إضافة الذنوب إليهم عليهم السلام بعضها من سوانح البال و بعضها من فحول الرجال .
الأوّل : ما قيل إنه تعليم لشيعتهم كيف يتضرعون إليه سبحانه ، ومن البعيد أن يصرف سيد الساجدين عمره الشريف لمثله مع إمكانه بالقول .
الثاني : أنه قد صدرت منهم الأفعال المكروه كالصلاة في الثياب السود و نحوه وهو كالأوّل ، لأن ارتكابهم عليهم السلام للمكروهات إنما هو لأجل التعليم و التفهيم حتى لا يظن به الحرمة بسبب النهي فيه ، فصدوره منهم إما على طريق الوجوب عليهم أو الاستحباب .
الثالث : ما قيل من أنه يجوز أن يوسوس لهم الشيطان في فعل من الأفعال فيرجعوا إليه تعالى وتكون تلك الوسوسة وسيلة إلى أعالي الدرجات التي لا تحصل إلا بالتضرع والندم ، وليس هو من قبيل تسلط الشياطين الباعث على حط رتبة الأولياء ، وهذا و أمثاله ، وهذا و أمثاله وإن وقع من آدم و أمثاله –عليهم السلام- إلا أنه لم ينقل وقوعه من أحد من الأئمة عليهم السلام .
الرابع : إن ما صدر منهم عليهم السلام إنما هو من باب إنشاء التواضع كقوله عليه السلام : أنا مثل الذرة أو دونها وليس هو من باب الإخبار .
الخامس : ما أفاده علي بن عيسى الأربلي من أنهم عليهم السلام أوقاتهم المستغرقة بذكره تعالى و خواطرهم متعلقة بالملأ الأعلى وهم أبداً بالمراقبة ، كما قال عليه السلام اعبد الله كأنك تراه فإن لم تره فإنه يراك ، فهم أبداً يتوجهون إليه و منقلبون بكليتهم عليه فمتى انحطوا –الأولى أن يقول نزلوا- عن تلك المرتبة العالية والمنزلة الرفيعة إلى الاشتغال بالمأكل و المشرب والتفرغ للنكاح و غيره من المباحات عدّوه ذنباً و استغفروا من ، ألا ترى بعض عبيد أبناء الدنيا لو قعد يأكل و يشرب و ينكح وهو يعلم أنه بمرأى من سيده و مسمعه لكان ملوماً عند الناس و مقصّراً فيما يجب عليه من خدمة سيده و مالكه ، فما ظنك بسيد السادات ومالك الأملاك ، وإلى هذا أشار عليه السلام بقوله إنه ليران على قلبي وإني لأستغفر الله بالنهار سبعين مرة ، وقوله –وهذا قول منسوب للرسول- حسنات الأبرار سيئات المقربين ، فإن قلوبهم عليهم السلام أتم القلوب صفاء وأكثرها ضياء وأعرفها عرفاً ، وكانوا مع ذلك قد عينوا لتشريع الملة فلم يكن لهم بد من النزول إلى الرخص و الالتفاف إلى حظوظ النفس مع ما كانوا ممتحنين به من الأحكام البشرية ، فكانوا إذا تعاطوا شيئا من ذلك أسرعت كدورة ما إلى قلوبهم لكمال رقّتها وفرط نورانيّتها ، فإن الشيء كلما كان أرق وأصفى كانت كدورات المكدرات عليه أبين و أهدى ، وكانوا عليهم السلام إذا أحسوا بشيء من ذلك عدوه على النفس ذنباً و استغفروا منه .
السادس : إن مراتبهم في معرفة الله تعالى والاطلاع إلى علم الملكوت متجددة بتجدد الايام والليالي متزايدة آناً فآناً فكلما ترقوا من مرتبة إلى أخرى عدّوا تلك السابقة ذنباً بالنسبة إلى ما هم فيه .
السابع : إن العبد الممكن المتلوث بشوائب النقص و العجز قابل التلبس بجميع المعاصي لولا الألطاف الإلهية فاعترافهم عليهم السلام بالذنوب إنما هو بالنسبة إلى المادة البشرية لا باعتبار العصمة الإلهية ، وقد أشير إلى هذا في قول يوسف عليه السلام ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ) وقوله تعالى (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ) وقوله عليه السلام : اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، ولقد عد هذا الوجه أستاذنا العلامة سلمه الله تعالى من الإلهامات الإلهية .
الثامن : إن التكاليف إنما هي بإزاء النعم فكلما كانت النعمة على العبد أتم كان تكليفه أشد من غيره ، ولذا كلّفوا بتكاليف شاقة ولا ريب في أنه تعالى قد منهم من النعم ما لم يمنحه غيرهم ، فهم يهمون بالشكر الذي هو ثمن النعمة ولم يطيقوه فيعدون أنفسم في مرتبة التقصير والذنب فيستغفرون منه .
روي (هاهنا يذكر أمثلة لهذا القول وما استشهد به ويطيل) عن عطاء أنه قال دخلت على إحدى زوجات النبي صل الله عليه و آله فقلت أخبرني بأعجب ما رأيت من رسول الله صل الله عليه و آله فبكت و قالت وأي شأنه لم يكن عجباً إنه أتاني في ليلتي فدخل معي في فراشي أو قالت في لحافي حتى مس جلدي جلده ثم قال ذريني أتعبد لربي فقلت إني أحب قربك فأذنت له فقام إلى قربة ماء فتوضأ فلم يكثر صب الماء ثم قام يصلي فبكى حتى سالت دموعه على صدره ثم ركع فبكى ثم سجد فبكى ثم رفع رأسه فبكى فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فأذنه بالصلاة فقلت : يا رسول الله وما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، قال أفلا أكون عبدا شكورا ولم لا أفعل وقد أنزل الله علي (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ –الآية- ) ؛ وهذا يدل على أن البكاء لا ينقطع أبدا ، روي أنه مر بعض الأنبياء بحجر صغير يخرج منه ماء كثير فتعجب فأنطقه الله تعالى فقال منذ سمعت قوله تعالى (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) وأنا أبكي من خوفه فاسأله أن يجيره من النار فأجاره ثم رآه بعد مدة مثل ذلك فقال لِمَ تبكي الآن ؟ فقال ذاك البكاء الخوف وهذا بكاء الشكر و السرور .
وروي أن داود عليه السلام عليه السلام بكى أربعين يوماً ساجداً لا يرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموعه حتى غطى رأسه ، فنودي يا داوود أجائع أنت فتطعم أم ظمآن فتسقى أم عارٍ فتكسى فنَحَبَ نحبة هاج لها العود فاحترق من حر جوفه ، ثم أنزل الله التوبة والغفران ، فقال يا رب اجعل خطيئتي في كفّي ، فصارت خطيئته في يده مكتوبة ، وكان لا يبسط كفّه لطعام ولا لشراب ولا لغيرهما إلا رآها فأبكته ؛ قال وكان يؤتى بالقدح ثلثاه ماء فإذا تناوله أبصر خطيئته فما يضعه على شفته حتى يفيض من دموعه ، وروي أنه ما رفع رأسه إلى السماء حتى مات حياء من الله تعالى وكان يقول في مناجاته إذا ذكرت خطيئتي ضاقت عليّ الأرض ما رحبت وإذا تذكرت رحمتك ارتدت إلي روحي سبحانك إلهي أتيت أطباء عبادك ليداووا خطيئتي فكلهم يدلوني عليك فبؤسا للقانطين من رحمتك ، وكان إذا أراد أن ينوح مكث قبل ذلك سبعاً لا بأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يقرب النساء فإذا كان قبل ذلك أخرج له المنبر إلى البر فيأمر سليمان عليه السلام ينادي بصوت يستقري البلاد وما حولها من الغياض والآكام والجبال و البراري والصوامع والبيع فينادي فيها ألا من أراد أن يسمع نوح داوود قال فتأتي الوحوش من البراري والآكام وتأتي السباع من الغياض وتأتي الهوام من الجبال وتأتي الطير من الأوكار وتأوي الهوام من الجبال وتأتي الطير من الأوكار ، وتأتي العذارى من خدورهن وتجتمع الناس لذلك اليوم ويأتي داوود عليه السلام حتى يرثى المنبر ويحيط به بنو إسرائيل وكل صنف على حدته يحيطون به و سليمان عليه السلام قائم على رأسه فيأخذ في الثناء على ربه فيضجون بالبكاء والصراخ ثم يأخذ في أهوال القيامة وفي النياحة على نفسه فيموت من كل نوع طائفة ، فإذا رأى سليمان ومن الوحوش و الهوام فيأخذ في الدعاء فبينما هو كذلك إذ ناداه بعض عباد بني إسرائيل يا داوود عجلت بطلب الجزاء على ربك ، فَخَرَّ داوود مغشيا عليه فلما نظر سليمان إلى احبه وما أصابه أتى بسرير فحمله عليه ثم أمر منادٍ ينادي ألا من كان له مع داوود حميم فيأت بسريره يحمله عليه فإن الذين كانوا معه قتلهم ذكر الجنة و النار ، ثم إذا أفاق داوود دخل بيت عبادته .
وكان الخليل عليه السلام إذا ذكر خطيئته يغشى عليه ويسمع اضطراب قلبه ميلا في ميل فيأتيه جبرائيل عليه السلام فيقول له : الجبار يقرؤك السلام ويقول هل رأيت خليلاً يخاف خليله فيقول : يا جبرائيل إني إذا ذكرت خطيئتي نسيت خلّتي ، ومثل هذا كثير .
التاسع : إنه تعالى معشوقهم الحقيقي و مقصودهم التحقيقي فهم يحبون أن لا يعصى فإذا رأوا من غيرهم معصية انكمدت خواطرهم حيث أنه وقع بحضرتهم فهم يعدونه ذنباً كما لو جلس أحدنا في مجلس سمع فيه غيبة أخيه .
العاشر : إنهم عليهم السلام الملوك و القادة فهم يعاتبونَ على ذنوب رعيتهم ، بل قد نسبها تعالى إليهم في قوله (لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ) أي من ذنب أمتك كما في الرواية ، ولولا مخافة التطويل لذكرنا وجوهاً كثيرة في هذا الباب .
الأوّل : ما قيل إنه تعليم لشيعتهم كيف يتضرعون إليه سبحانه ، ومن البعيد أن يصرف سيد الساجدين عمره الشريف لمثله مع إمكانه بالقول .
الثاني : أنه قد صدرت منهم الأفعال المكروه كالصلاة في الثياب السود و نحوه وهو كالأوّل ، لأن ارتكابهم عليهم السلام للمكروهات إنما هو لأجل التعليم و التفهيم حتى لا يظن به الحرمة بسبب النهي فيه ، فصدوره منهم إما على طريق الوجوب عليهم أو الاستحباب .
الثالث : ما قيل من أنه يجوز أن يوسوس لهم الشيطان في فعل من الأفعال فيرجعوا إليه تعالى وتكون تلك الوسوسة وسيلة إلى أعالي الدرجات التي لا تحصل إلا بالتضرع والندم ، وليس هو من قبيل تسلط الشياطين الباعث على حط رتبة الأولياء ، وهذا و أمثاله ، وهذا و أمثاله وإن وقع من آدم و أمثاله –عليهم السلام- إلا أنه لم ينقل وقوعه من أحد من الأئمة عليهم السلام .
الرابع : إن ما صدر منهم عليهم السلام إنما هو من باب إنشاء التواضع كقوله عليه السلام : أنا مثل الذرة أو دونها وليس هو من باب الإخبار .
الخامس : ما أفاده علي بن عيسى الأربلي من أنهم عليهم السلام أوقاتهم المستغرقة بذكره تعالى و خواطرهم متعلقة بالملأ الأعلى وهم أبداً بالمراقبة ، كما قال عليه السلام اعبد الله كأنك تراه فإن لم تره فإنه يراك ، فهم أبداً يتوجهون إليه و منقلبون بكليتهم عليه فمتى انحطوا –الأولى أن يقول نزلوا- عن تلك المرتبة العالية والمنزلة الرفيعة إلى الاشتغال بالمأكل و المشرب والتفرغ للنكاح و غيره من المباحات عدّوه ذنباً و استغفروا من ، ألا ترى بعض عبيد أبناء الدنيا لو قعد يأكل و يشرب و ينكح وهو يعلم أنه بمرأى من سيده و مسمعه لكان ملوماً عند الناس و مقصّراً فيما يجب عليه من خدمة سيده و مالكه ، فما ظنك بسيد السادات ومالك الأملاك ، وإلى هذا أشار عليه السلام بقوله إنه ليران على قلبي وإني لأستغفر الله بالنهار سبعين مرة ، وقوله –وهذا قول منسوب للرسول- حسنات الأبرار سيئات المقربين ، فإن قلوبهم عليهم السلام أتم القلوب صفاء وأكثرها ضياء وأعرفها عرفاً ، وكانوا مع ذلك قد عينوا لتشريع الملة فلم يكن لهم بد من النزول إلى الرخص و الالتفاف إلى حظوظ النفس مع ما كانوا ممتحنين به من الأحكام البشرية ، فكانوا إذا تعاطوا شيئا من ذلك أسرعت كدورة ما إلى قلوبهم لكمال رقّتها وفرط نورانيّتها ، فإن الشيء كلما كان أرق وأصفى كانت كدورات المكدرات عليه أبين و أهدى ، وكانوا عليهم السلام إذا أحسوا بشيء من ذلك عدوه على النفس ذنباً و استغفروا منه .
السادس : إن مراتبهم في معرفة الله تعالى والاطلاع إلى علم الملكوت متجددة بتجدد الايام والليالي متزايدة آناً فآناً فكلما ترقوا من مرتبة إلى أخرى عدّوا تلك السابقة ذنباً بالنسبة إلى ما هم فيه .
السابع : إن العبد الممكن المتلوث بشوائب النقص و العجز قابل التلبس بجميع المعاصي لولا الألطاف الإلهية فاعترافهم عليهم السلام بالذنوب إنما هو بالنسبة إلى المادة البشرية لا باعتبار العصمة الإلهية ، وقد أشير إلى هذا في قول يوسف عليه السلام ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ) وقوله تعالى (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ) وقوله عليه السلام : اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، ولقد عد هذا الوجه أستاذنا العلامة سلمه الله تعالى من الإلهامات الإلهية .
الثامن : إن التكاليف إنما هي بإزاء النعم فكلما كانت النعمة على العبد أتم كان تكليفه أشد من غيره ، ولذا كلّفوا بتكاليف شاقة ولا ريب في أنه تعالى قد منهم من النعم ما لم يمنحه غيرهم ، فهم يهمون بالشكر الذي هو ثمن النعمة ولم يطيقوه فيعدون أنفسم في مرتبة التقصير والذنب فيستغفرون منه .
روي (هاهنا يذكر أمثلة لهذا القول وما استشهد به ويطيل) عن عطاء أنه قال دخلت على إحدى زوجات النبي صل الله عليه و آله فقلت أخبرني بأعجب ما رأيت من رسول الله صل الله عليه و آله فبكت و قالت وأي شأنه لم يكن عجباً إنه أتاني في ليلتي فدخل معي في فراشي أو قالت في لحافي حتى مس جلدي جلده ثم قال ذريني أتعبد لربي فقلت إني أحب قربك فأذنت له فقام إلى قربة ماء فتوضأ فلم يكثر صب الماء ثم قام يصلي فبكى حتى سالت دموعه على صدره ثم ركع فبكى ثم سجد فبكى ثم رفع رأسه فبكى فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فأذنه بالصلاة فقلت : يا رسول الله وما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، قال أفلا أكون عبدا شكورا ولم لا أفعل وقد أنزل الله علي (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ –الآية- ) ؛ وهذا يدل على أن البكاء لا ينقطع أبدا ، روي أنه مر بعض الأنبياء بحجر صغير يخرج منه ماء كثير فتعجب فأنطقه الله تعالى فقال منذ سمعت قوله تعالى (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) وأنا أبكي من خوفه فاسأله أن يجيره من النار فأجاره ثم رآه بعد مدة مثل ذلك فقال لِمَ تبكي الآن ؟ فقال ذاك البكاء الخوف وهذا بكاء الشكر و السرور .
وروي أن داود عليه السلام عليه السلام بكى أربعين يوماً ساجداً لا يرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموعه حتى غطى رأسه ، فنودي يا داوود أجائع أنت فتطعم أم ظمآن فتسقى أم عارٍ فتكسى فنَحَبَ نحبة هاج لها العود فاحترق من حر جوفه ، ثم أنزل الله التوبة والغفران ، فقال يا رب اجعل خطيئتي في كفّي ، فصارت خطيئته في يده مكتوبة ، وكان لا يبسط كفّه لطعام ولا لشراب ولا لغيرهما إلا رآها فأبكته ؛ قال وكان يؤتى بالقدح ثلثاه ماء فإذا تناوله أبصر خطيئته فما يضعه على شفته حتى يفيض من دموعه ، وروي أنه ما رفع رأسه إلى السماء حتى مات حياء من الله تعالى وكان يقول في مناجاته إذا ذكرت خطيئتي ضاقت عليّ الأرض ما رحبت وإذا تذكرت رحمتك ارتدت إلي روحي سبحانك إلهي أتيت أطباء عبادك ليداووا خطيئتي فكلهم يدلوني عليك فبؤسا للقانطين من رحمتك ، وكان إذا أراد أن ينوح مكث قبل ذلك سبعاً لا بأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يقرب النساء فإذا كان قبل ذلك أخرج له المنبر إلى البر فيأمر سليمان عليه السلام ينادي بصوت يستقري البلاد وما حولها من الغياض والآكام والجبال و البراري والصوامع والبيع فينادي فيها ألا من أراد أن يسمع نوح داوود قال فتأتي الوحوش من البراري والآكام وتأتي السباع من الغياض وتأتي الهوام من الجبال وتأتي الطير من الأوكار وتأوي الهوام من الجبال وتأتي الطير من الأوكار ، وتأتي العذارى من خدورهن وتجتمع الناس لذلك اليوم ويأتي داوود عليه السلام حتى يرثى المنبر ويحيط به بنو إسرائيل وكل صنف على حدته يحيطون به و سليمان عليه السلام قائم على رأسه فيأخذ في الثناء على ربه فيضجون بالبكاء والصراخ ثم يأخذ في أهوال القيامة وفي النياحة على نفسه فيموت من كل نوع طائفة ، فإذا رأى سليمان ومن الوحوش و الهوام فيأخذ في الدعاء فبينما هو كذلك إذ ناداه بعض عباد بني إسرائيل يا داوود عجلت بطلب الجزاء على ربك ، فَخَرَّ داوود مغشيا عليه فلما نظر سليمان إلى احبه وما أصابه أتى بسرير فحمله عليه ثم أمر منادٍ ينادي ألا من كان له مع داوود حميم فيأت بسريره يحمله عليه فإن الذين كانوا معه قتلهم ذكر الجنة و النار ، ثم إذا أفاق داوود دخل بيت عبادته .
وكان الخليل عليه السلام إذا ذكر خطيئته يغشى عليه ويسمع اضطراب قلبه ميلا في ميل فيأتيه جبرائيل عليه السلام فيقول له : الجبار يقرؤك السلام ويقول هل رأيت خليلاً يخاف خليله فيقول : يا جبرائيل إني إذا ذكرت خطيئتي نسيت خلّتي ، ومثل هذا كثير .
التاسع : إنه تعالى معشوقهم الحقيقي و مقصودهم التحقيقي فهم يحبون أن لا يعصى فإذا رأوا من غيرهم معصية انكمدت خواطرهم حيث أنه وقع بحضرتهم فهم يعدونه ذنباً كما لو جلس أحدنا في مجلس سمع فيه غيبة أخيه .
العاشر : إنهم عليهم السلام الملوك و القادة فهم يعاتبونَ على ذنوب رعيتهم ، بل قد نسبها تعالى إليهم في قوله (لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ) أي من ذنب أمتك كما في الرواية ، ولولا مخافة التطويل لذكرنا وجوهاً كثيرة في هذا الباب .