تحقيق في عُمر الإمام علي (عليه السلام) يوم إسلامه
لا أحد من المحدِّثين والمفسِّرين والمؤرخين يختلف في أنَّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) أول مَن أسلم وآمن وأول مَن صلَّى وأول من اتبع الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولذا لا يدَّعي خلاف ذلك إلا النواصب والضالّين المُغرَّر بهم لدوافع سياسية ونفوس شيطانية وعصبيات جاهلية وأساليب أموية برزت بشكل واسع على الساحة الإسلامية منذ حرب الناكثين والقاسطين والمارقين – الجمل وصفين والنهروان – ولمّا انكشفت للعيان نوايا هؤلاء وبانت دوافعهم السيئة المعادية لأمير المؤمنين (عليه السلام) وخليفة المسلمين وثبت يقيناً أنَّهم منقسمون إلى طائفتين تلتقيان في جملة من الأهداف المشتركة ، فطائفة لم يكن في عنقها بيعة للإمام الشرعي وهي على جاهلية ثانية عمياء كما هو حال معاوية بن أبي سفيان ومَن تابعه من البُغاة المفسدين في الأرض وطائفة أخرى بايعت ولكن لمَّا لم تكن الأمور تجري وفق أهواءهم ومصالحهم نقضوا بيعتهم وأصبحوا أيضاً في جاهلية عمياء بلا إمام هدى ورشاد كما هو حال عائشة وطلحة والزبير وهكذا حال الخوارج ، وكلا الطائفتين ناصبت العداء لأمير المؤمنين (عليه السلام) وحاربته بشتى الوسائل وسفكت دماء المؤمنين ظلماً وبغياً وعدواناً كما هو المتفق عليه بين المسلمين حيث لا مشروعية لهم أصلاً في الامتناع عن البيعة أو نقضها وإعلان الحرب على إمام زمانهم وصيرورة قتلاهم وأحياءهم آنذاك بلا إمام مهدي راشد أي في جاهلية عمية حتى انكشف للقاصي والداني بغيهم وفُسقهم وجرمهم و... ، ولذا فإنَّ هؤلاء القوم وأتباعهم وأشياعهم بعدما صاروا إليه من أفعال قبيحة منكرة محرمة قطعاً وقد انطبقت عليهم الكثير من العناوين كالفسق والبغي والضلالة و...، فإنَّه وبلا شك لا يصح اعتماد مروياتهم واجتهاداتهم ومواقفهم وخصوصاً ما يتعلق منها بشأن إمام زمانهم من جهة الإنكار أو التأويل أو التقليل من عظمة فضائله ومناقبه وخصائصه في الدنيا والآخرة لأنهم خصوم أعداء ومحاربون الِدَّاء ولذا لا يُقبل تحكيمهم ولا تُقبل شهادتهم أصلاً وخصوصاً فيما لو كانت شهادة سلبية ؟! ، ولأجل تمرير بدعهم وضلالاتهم ومواقفهم وذرائعهم فقد لجاءوا في سياساتهم الماكرة إلى إحداث مسارات جديدة في الحرب ومتابعة وسائل عدوانية متعددة الأبعاد لها أثر يمتد إلى الأجيال البعيدة يكتنفه التحزب السياسي والعصبي والمذهبي بلحاظ اختلافهم في الانتماء والولاء والآراء والمواقف حتى شاعت بين المسلمين روح الشقاق والنفاق والعداء والانقسام الولائي والعقدي والفقهي عن طريق زرعهم الخلاف وتضليل الناس في مختلف القضايا باستعمال الكذب والتحريف والتأويل الباطل والتلاعب بأحكام الشريعة من خلال تجنيد عناصر باعت ذممها للظالم تحت عناوين تلبست بالعلم والقضاء والرواية كذباً وزورا وتحدثت وكتبت تحت رعاية وإشراف وأوامر سلاطين الجور والاستبداد ، وكان من جملة ممارساتهم هو سب أمير المؤمنين (عليه السلام) ولعنه على المنابر في عموم البلاد الإسلامية لما يُقارب التسعين سنة واتهامه بأمور لا أساس لها واقعاً إضافة إلى العمل على سلب فضائله ومناقبه وخصائصه وصفاته وتقسيمها بين رموزهم ، وكذا إنكار الكثير منها أو تأويلها إلى غير دلالتها الصحيحة ، ولكن لا يخفى هذا السلوك المنحرف على المؤمنين الواعين والعلماء المستقلين . وكان من جملة ما تلاعب به القوم هو تحريف الحقيقة القرآنية والتاريخية في مسألة أسبقية علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى الإسلام والإيمان والصلاة والجهاد و... من خلال الكلام في عمره وأنَّه حينما أسلم كان صبياً لم يصل إلى سن التكليف ، فأقرّوا أسبقيته ولكنهم أخَّروا مرتبته بهذه الحيلة المبتدعة ، ولذا قالوا بأسبقية الكبير بلحاظ كونه مكلفاً فيكون مقدّماً على الصغير ويكتسب بذلك فضيلة السبق ، وأيضاً جاء المتأخرون من أهل الحديث فابتدعوا ما زعموا أنه يُزيل الخلاف فيمن هو أسبق مما أشاعه أسلافهم ممن هُم على نفس الخط والمنهج من أجل تضييع وتذويب حقيقة أسبقية علي بن أبي طالب مطلقاً على غيره فقالوا : بأنَّ أول مَن أسلم من الصبيان علي ومن الموالي زيد بن حارثة ومن النساء خديجة ومن الرجال أبو بكر .
والمهم أنَّ أسبقية علي بن أبي طالب مطلقاً لا خلاف فيها ومن هنا قال الحاكم النيسابوري
[ولا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أولهم إسلاما وإنما اختلفوا في بلوغه] .
ونقل السيوطي الإجماع على أسبقيته (عليه السلام) فقال : [قال ابن عباس وأنس وزيد بن أرقم وسلمان الفارسي وجماعة : إنه أول من أسلم ونقل بعضهم الإجماع عليه] .
بل عدَّه مالك بن الحويرث من الرجال وليس من الصبيان فقال : [كان أول مَن أسلم من الرجال علياً ومن النساء خديجة] .
وأيضاً عن شدّاد بن أوس قال: [سألت خبّاب بن الأرت عن إسلام علي ، فقال : أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة ، ولقد رأيته يُصلِّي قبل الناس مع النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يومئذٍ بالغ مستحكم البلوغ] .
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ، عن الحسن : [كان أول مَن آمنَ
به علي بن أبي طالب ، وهو ابن خمس عشرة أو ست عشرة] .
وقال ابن شهاب، و عبد الله بن محمد بن عقيل، وقتادة، وابن إسحاق : [أول من أسلم من الرجال علي].
وعن عمر مولى غفرة، قال:[ سئل محمد بن كعب القرظي عن أول من أسلم علي أو أبو بكر ؟ قال : سبحان الله أولهما إسلاما علي .... ، ولا شك عندنا أن عليا أولهما إسلاما].
وقال معمر عن قتادة، عن الحسن : [أسلم علي، وهو ابن خمس عشرة سنة، قاله الحسن بن علي الحلواني، عن عبد الرزاق عن معمر].
وعن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة عن الحسن :[أول من أسلم بعد خديجة علي بن أبي طالب، وهو ابن ثماني عشرة سنة أو ست عشرة سنة].
وذكر عمر بن شبة ، عن ابن عمر قال: [أسلم علي وهو ابن ثلاث عشــرة سنة. وعن سريج بن النعمان، عن فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر مثله. وزاد: وتوفي وهو ابن ثلاث وستين. قال أبو عمر: هذا أصح ما قيل في ذلك، وقد روي عن ابن عمر من وجهين جيدين].
وعن سريج بن النعمان عن فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر : [أسلم علي وهو ابن ثلاث عشرة. قال ابن عبد البر : هذا أصح ما قيل في ذلك].
وتوجد أخبار أخرى تذكر إسلام علي بن أبي طالب (عليه السلام) دون السن الذي ذكرناه ، وإن كُنّا نعتقد بأنَّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) سواء كان بالغاً أم مميزاً أم لم يكن إلا أنَّه كان مدركاً وواعياً لحقيقة الرسالة والدعوة وسائراً في تفاصيل الدعوة ومتحملاً لأعبائها بعد أن خاطبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالدعاء إلى الإسلام وقد أجاب من دون تردد أو تلعثم أو خوف أو ريبة وهذا يكشف عن واقع صحة إسلامه وإيمانه وصلاته وإلا لمَا خاطبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالدعوة إلى الإسلام ، إذ كيف يدعوه رسول الله (صلى الله عليه وآله) للإسلام وهو صبي لا يعقل وغير مخاطب بالتكليف ؟!!! ، ثُمَّ لماذا دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً للإسلام وهو صبي ولم يدعوا غيره من الصبيان سواء كانوا من عشيرته أم من غيرهم ؟!!! ، ولو تنزلنا جدلاً بأنَّه كان صبياً حين قبول إسلامه فإنَّ هذا يكشف عن ثبوت خصوصية له في هذا الأمر كما هو الحال بورود خصائص كثيرة بشأنه (عليه السلام) دون غيره كسد أبواب الصحابة المُطلة على المسجد وفتح بابه كما أنَّ له أن يُجنب في المسجد وليس ذلك لغيره ، ولا عجب ولا غرابة في اختصاصه بهذا الأمر دون غيره لوجود الإستعداد والأهلية لذلك ولا يعلم هذا الشيء في علي (عليه السلام) إلا الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) ولذا دعاه للإسلام وقبله منه ثُمَّ جعله وزيره ووصيه وخليفته كما في حديث الدار ، وأمَّا البيهقي فقد قال : [في أكثر الروايات كان (رضي الله عنه) بلغ من السن حين صلّى مع النبي (صلى الله عليه وآله) قدراً يُحتمل أن يكون احتلم فيه ، فإسلامه كان محكوماً بصحته لأنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) خاطبه بالدعاء إلى الإسلام ... أو لأنَّ الصبي المميز إذ ذاك كان محكوماً بصحته ... أو كان قد احتلم فصار بالغاً به] .
ويكفي في قبول وصحة إسلام علي (عليه السلام) هو ما كشفه حديث الدار الذي اتفق عليه المسلمون في مروياتهم الصحيحة حينما جمع النبي (صلى الله عليه وآله) عشيرته بما يُعرف ذلك اليوم بيوم الدار وعرض عليهم الإسلام وخاطبهم بجملة خصائص وامتيازات بقوله (صلى الله عليه وآله):[ أيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي] ، وكانت خطوة الاجتماع بالعشيرة ودعوتها امتثالاً لقوله تعالى:[وأنذر عشيرتك الأقربين]، ولم يقبل هذا العرض من عشيرته إلاّ عليّ (عليه السلام) بكل ثقة وإيمان وجرأة وقد أظهر أمام الجميع إسلامه ولم يخشى أحداً منهم بعدما كان لا يعلم بإسلامه إلا الله عزّ وجل ورسوله (صلى الله عليه وآله) باعتبار أنَّه أول من آمن به وصلّى خلفه ، فقبله النّبي (صلى الله عليه وآله) وخاطبه بأنّك : أخي ووصي وخليفتي ووزيري وهذا يكشف عن أهليته للتكليف وصحة إسلامه على نحو خاص أو عن بلوغه ، والمصادر الحديثية والتفسيرية والتاريخية تنقل هذه الواقعة بألفاظ متقاربة ذات مضمون واحد فنذكر منها: [قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا علي اصنع رجل شاة بصاع من طعام واجمع لي بني هاشم وهم يومئذ أربعون رجلاً غير رجل
فقال لهم الرسول (صلى الله عليه وآله) : [إنِّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأحجم القوم عنها جميعاً وقلت : وإني لأحدثهم سنَّاً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي ثم قال : أن هذا أخي ، ووصيي ، وخليفتي فيكم فأسمعوا له وأطيعوا ... ] .
ولذا ينبغي أن لا يشك أحد في أنَّ دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) في اليوم الثاني من نبوته وخطابه له بقبول الإسلام لم تكن لهوا ومزاحاً وإنما يكشف ذلك عن أهلية علي (عليه السلام) للتكليف فكان أول مَن آمن به وصلّى معه من دون تردد أو خوف أو ريبة أو عصبية أو مصلحة وهذه شهادة على صحة إسلامه وقبول صلاته وأسبقيته إلى ذلك .
وصار من تداعيات هذه المسألة أن نشأ الخلاف الفقهي في قبول إسلام الصبي أو عدم قبوله وإن كان هذا لا يجري في حق علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى لو ثبت أنَّه دون سن البلوغ مع العلم أنَّ كثيراً من الفقهاء بل كبارهم قالوا بصحة إسلام الصبي حتى وصل أحدهم إلى القول بقبول إسلام ابن ثلاث سنين كما سيتضح من عرض أقوالهم ، فقال النووي : [وقد اختلف القائلون بصحة إسلام الصبا في حد السن، فقال ألخرقي عشر سنين لان النبي (صلى الله عليه وآله) أمر بضربه على الصلاة لعشر، وقال ابن قدامة أكثر المصححين لإسلامه لم يشترطوا ذلك ولم يحدوا له حدا من السنين وحكاه ابن المنذر عن أحمد، لان المقصود متى ما حصل لا حاجة إلى زيادة عليه وروى عن أحمد إذا كان ابن سبع سنين فإسلامه إسلام لقوله (صلى الله عليه وآله) مروهم بالصلاة لسبع وقال ابن أبى شيبة (إذا أسلم وهو ابن خمس سنين صح إسلامه) وقال أبو أيوب (أجيز إسلام ابن ثلاث سنين فمن أصاب الحق من صغير أو كبير أجزناه] .
وقال : [أبو حنيفة وصاحباه وأحمد بن حنبل وسائر أصحابه، وإسحاق وابن أبى شيبة وأبو أيوب يصح إسلام الصبي إذا كان له عشر سنين وعقل الإسلام لعموم قوله (صلى الله عليه وآله) (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) وقوله (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) وقوله (صلى الله عليه وآله) (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه حتى يعرب عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا) وهذه الأخبار يدخل في عمومها الصبي، ولأن الإسلام عبادة محضة فصحت من الصبي العقال كالصلاة والحج، ولان الله تعالى دعا عباده إلى دار السلام وجعل طريقها الإسلام، وجعل من لم يجب دعوته في الجحيم والعذاب الأليم] .
ونقل النووي آراء الفقهاء ومشهور أهل السُنَّة في صحة وقبول إسلام الصبي ، فقال: [قال أبو حنيفة وغيره تصح ردة الصبي ولكن لا يُقتل حتى يبلغ ، بينما يخالف الشافعي وزفر مشهور أهل السُنَّة برأيهما وهو : أنَّ الصبي لا يصح إسلامه حتى يبلغ لقول النبي (صلى الله عليه وآله) (رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يبلغ) ولأنه قول تثبت به الأحكام فلم يصح من الصبي كالهبة] .
مع أنهما لا يختلفان مع أحد في صحة وقبول إسلام علي بن أبي طالب (عليه السلام)
وإن قيل بصغره ، ومن هنا احتمل البيهقي في قوله : [أو لأنَّ النبي (صلى الله عليه وآله)
خاطبه (أي لعلي بن أبي طالب) بالدعاء إلى الإسلام ، وغيره من الصبيان غير مخاطب] .
وذكر المناوي أيضاً في علي بن أبي طالب (عليه السلام) إنه : [أول صبي أسلم إجماعا وصح إسلامه لأن الأحكام إذ ذاك كانت منوطة بالتمييز ولم يعبد وثنا قط] .
ولذا لا يجرؤ أحد من المسلمين مهما حصل الخلاف والاختلاف على القول بعدم قبول إسلام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أو عدم صحته بناءً على دعوى كونه صغيراً وإلا لما جعلوه من أصناف أوائل المسلمين بقولهم أول من أسلم من الصبيان علي ومن الرجال أبو بكر ومن النساء خديجة ومن الموالي زيد ، إضافة إلى أنَّ القول بعدم مقبولية إسلامه يصطدم مع واقع ما ثبت قطعاً مما ذكرناه في أسبقية أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الإسلام والإيمان والصلاة والجهاد .
ولقد حاول الرازي وغيره من المفسرين والمحدِّثين أن يُثبتوا أسبقية إسلام أبي بكر إلا أنَّهم لم يقدروا على ذلك إلا بحيلة ابتدعوها ولكنها مخالفة للنص القرآني والسُنَّة المُطهرة والواقع التاريخي حيث قال:[ اتفق أهل الحديث على أن أول من أسلم من الرجال أبو بكر ، ومن النساء خديجة ، ومن الصبيان علي ، ومن الموالي زيد] .
وهذا التصنيف لم يكن معروفاً بين المسلمين الأوائل حيث أنَّهم حينما يذكرون السابق إلى الإيمان لا يتعدون علي بن أبي طالب من دون شك أو اعتراض من أحد على تعيينه الأول بالسابقية للإيمان وإنَّما هذا التصنيف مما ابتدعه المتأخرون لدوافع سياسية مرتبطة بالسلطان المعادي لأهل البيت(E) ورعاية لمصالح مذهبية عصبية يبغون سلب فضائل ومناقب وخصائص علي بن أبي طالب (عليه السلام) و تذويب أسبقيته إلى الإيمان والصلاة والجهاد و ... فلجئوا إلى التلاعب والتحريف من أجل تضليل الناس عن الواقع الإسلامي الصحيح وابتدعوا هذا التصنيف في بيان أوائل من أسلم متجاوزين في ذلك أنَّ هذا التصنيف منافي لمبدأ المساواة في طبيعة الإسلام والإيمان بين الذكر والأنثى وبين الحُر والعبد وبين الصغير و الكبير بدليل عموم الآيات الكريمة الشاملة لجميع الأصناف على حَدٍّ سواء ، بل الآيات تتجاوز مسألة العُمر الإنساني في قضية الإيمان والرسالة ولذا فهي تتحدث عن مسؤولية هي أعظم من مجرد الإيمان كما في نبوة الصبيان حيث نبوة يحيى بن زكريا ونبوة عيسى بن مريم (H)، ولذا فالقرآن يتحدث عن يحيى بقوله تعالى : [يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا].
ونزل بشأن عيسى بن مريم (عليه السلام) قوله تعالى : [فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا] .
وبالرغم من ذلك كلِّه يُريد الرازي وغيره صرف دلالة الآية [السابقون الأولون] عن كون الأسبقية في الإيمان إلى الأسبقية في الهجرة وذلك لأنَّ السبق إلى الإيمان ثابت قطعاً في علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومشكو كية ثبوته في غيره ولوجود أدلة في تأخر إسلام غيره عنه وإلى وقت بعيد ، وهذا ما دعاه لترجَّيح السبق إلى الهجرة على السبق إلى الإيمان ، ومما هو ثابت أنَّ أبا بكر لم يَدَّع أسبقيته إلى الإسلام حتى في أصعب مراحل ما يقتضيه الاحتجاج عند الخصومة وبالأخص في مرحلة احتجاجه أمام مُنافسيه الأنصار يوم الانقلاب في السقيفة بل قام بترشيح غيره على نفسه في الخلافة ، وقد قال أبو جعفر الإسكافي ألمعتزلي محتجاً على الجاحظ : [أمَّا ما احتَّجَ به الجاحظ لإمامة أبي بكر بكونه أوَّل الناس إسلاما ، فلو كان هذا احتجاجاً صحيحاً لاحتج به أبو بكر يوم السقيفة ، وما رأيناه صنع ذلك ، لأنَّه أخذ بيد عُمَر ويَد أبي عبيدة بن الجرّاح وقال للناس : قد رضيتُ لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا منهما مَن شئتم ، على أنَّ جمهور المُحدِّثين لَم يذكروا أنَّ أبا بكر أسلم إلاّ بعد عدّة من الرجال منهم علي بن أبي طالب وجعفر أخوه وزيد بن حارثة وأبو ذر الغفاري وعمرو بن عنبسة السلمي وخالد بن سعيد بن العاص وخبّاب بن الأرت ، وإذا تأملنا الروايات الصحيحة والأسانيد القوية الوثيقة ، وجدناها كلَّها ناطقة بأنَّ علياً (عليه السلام) أوَّل مَن أسلم] .
وإلى هنا يكفي ما ذكرنا في إثبات أسبقية إيمان علي بن أبي طالب (صلى الله عليه وآله) باتفاق المسلمين على غيره .
يتبع ..
لا أحد من المحدِّثين والمفسِّرين والمؤرخين يختلف في أنَّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) أول مَن أسلم وآمن وأول مَن صلَّى وأول من اتبع الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولذا لا يدَّعي خلاف ذلك إلا النواصب والضالّين المُغرَّر بهم لدوافع سياسية ونفوس شيطانية وعصبيات جاهلية وأساليب أموية برزت بشكل واسع على الساحة الإسلامية منذ حرب الناكثين والقاسطين والمارقين – الجمل وصفين والنهروان – ولمّا انكشفت للعيان نوايا هؤلاء وبانت دوافعهم السيئة المعادية لأمير المؤمنين (عليه السلام) وخليفة المسلمين وثبت يقيناً أنَّهم منقسمون إلى طائفتين تلتقيان في جملة من الأهداف المشتركة ، فطائفة لم يكن في عنقها بيعة للإمام الشرعي وهي على جاهلية ثانية عمياء كما هو حال معاوية بن أبي سفيان ومَن تابعه من البُغاة المفسدين في الأرض وطائفة أخرى بايعت ولكن لمَّا لم تكن الأمور تجري وفق أهواءهم ومصالحهم نقضوا بيعتهم وأصبحوا أيضاً في جاهلية عمياء بلا إمام هدى ورشاد كما هو حال عائشة وطلحة والزبير وهكذا حال الخوارج ، وكلا الطائفتين ناصبت العداء لأمير المؤمنين (عليه السلام) وحاربته بشتى الوسائل وسفكت دماء المؤمنين ظلماً وبغياً وعدواناً كما هو المتفق عليه بين المسلمين حيث لا مشروعية لهم أصلاً في الامتناع عن البيعة أو نقضها وإعلان الحرب على إمام زمانهم وصيرورة قتلاهم وأحياءهم آنذاك بلا إمام مهدي راشد أي في جاهلية عمية حتى انكشف للقاصي والداني بغيهم وفُسقهم وجرمهم و... ، ولذا فإنَّ هؤلاء القوم وأتباعهم وأشياعهم بعدما صاروا إليه من أفعال قبيحة منكرة محرمة قطعاً وقد انطبقت عليهم الكثير من العناوين كالفسق والبغي والضلالة و...، فإنَّه وبلا شك لا يصح اعتماد مروياتهم واجتهاداتهم ومواقفهم وخصوصاً ما يتعلق منها بشأن إمام زمانهم من جهة الإنكار أو التأويل أو التقليل من عظمة فضائله ومناقبه وخصائصه في الدنيا والآخرة لأنهم خصوم أعداء ومحاربون الِدَّاء ولذا لا يُقبل تحكيمهم ولا تُقبل شهادتهم أصلاً وخصوصاً فيما لو كانت شهادة سلبية ؟! ، ولأجل تمرير بدعهم وضلالاتهم ومواقفهم وذرائعهم فقد لجاءوا في سياساتهم الماكرة إلى إحداث مسارات جديدة في الحرب ومتابعة وسائل عدوانية متعددة الأبعاد لها أثر يمتد إلى الأجيال البعيدة يكتنفه التحزب السياسي والعصبي والمذهبي بلحاظ اختلافهم في الانتماء والولاء والآراء والمواقف حتى شاعت بين المسلمين روح الشقاق والنفاق والعداء والانقسام الولائي والعقدي والفقهي عن طريق زرعهم الخلاف وتضليل الناس في مختلف القضايا باستعمال الكذب والتحريف والتأويل الباطل والتلاعب بأحكام الشريعة من خلال تجنيد عناصر باعت ذممها للظالم تحت عناوين تلبست بالعلم والقضاء والرواية كذباً وزورا وتحدثت وكتبت تحت رعاية وإشراف وأوامر سلاطين الجور والاستبداد ، وكان من جملة ممارساتهم هو سب أمير المؤمنين (عليه السلام) ولعنه على المنابر في عموم البلاد الإسلامية لما يُقارب التسعين سنة واتهامه بأمور لا أساس لها واقعاً إضافة إلى العمل على سلب فضائله ومناقبه وخصائصه وصفاته وتقسيمها بين رموزهم ، وكذا إنكار الكثير منها أو تأويلها إلى غير دلالتها الصحيحة ، ولكن لا يخفى هذا السلوك المنحرف على المؤمنين الواعين والعلماء المستقلين . وكان من جملة ما تلاعب به القوم هو تحريف الحقيقة القرآنية والتاريخية في مسألة أسبقية علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى الإسلام والإيمان والصلاة والجهاد و... من خلال الكلام في عمره وأنَّه حينما أسلم كان صبياً لم يصل إلى سن التكليف ، فأقرّوا أسبقيته ولكنهم أخَّروا مرتبته بهذه الحيلة المبتدعة ، ولذا قالوا بأسبقية الكبير بلحاظ كونه مكلفاً فيكون مقدّماً على الصغير ويكتسب بذلك فضيلة السبق ، وأيضاً جاء المتأخرون من أهل الحديث فابتدعوا ما زعموا أنه يُزيل الخلاف فيمن هو أسبق مما أشاعه أسلافهم ممن هُم على نفس الخط والمنهج من أجل تضييع وتذويب حقيقة أسبقية علي بن أبي طالب مطلقاً على غيره فقالوا : بأنَّ أول مَن أسلم من الصبيان علي ومن الموالي زيد بن حارثة ومن النساء خديجة ومن الرجال أبو بكر .
والمهم أنَّ أسبقية علي بن أبي طالب مطلقاً لا خلاف فيها ومن هنا قال الحاكم النيسابوري

ونقل السيوطي الإجماع على أسبقيته (عليه السلام) فقال : [قال ابن عباس وأنس وزيد بن أرقم وسلمان الفارسي وجماعة : إنه أول من أسلم ونقل بعضهم الإجماع عليه] .
بل عدَّه مالك بن الحويرث من الرجال وليس من الصبيان فقال : [كان أول مَن أسلم من الرجال علياً ومن النساء خديجة] .
وأيضاً عن شدّاد بن أوس قال: [سألت خبّاب بن الأرت عن إسلام علي ، فقال : أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة ، ولقد رأيته يُصلِّي قبل الناس مع النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يومئذٍ بالغ مستحكم البلوغ] .
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ، عن الحسن : [كان أول مَن آمنَ
به علي بن أبي طالب ، وهو ابن خمس عشرة أو ست عشرة] .
وقال ابن شهاب، و عبد الله بن محمد بن عقيل، وقتادة، وابن إسحاق : [أول من أسلم من الرجال علي].
وعن عمر مولى غفرة، قال:[ سئل محمد بن كعب القرظي عن أول من أسلم علي أو أبو بكر ؟ قال : سبحان الله أولهما إسلاما علي .... ، ولا شك عندنا أن عليا أولهما إسلاما].
وقال معمر عن قتادة، عن الحسن : [أسلم علي، وهو ابن خمس عشرة سنة، قاله الحسن بن علي الحلواني، عن عبد الرزاق عن معمر].
وعن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة عن الحسن :[أول من أسلم بعد خديجة علي بن أبي طالب، وهو ابن ثماني عشرة سنة أو ست عشرة سنة].
وذكر عمر بن شبة ، عن ابن عمر قال: [أسلم علي وهو ابن ثلاث عشــرة سنة. وعن سريج بن النعمان، عن فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر مثله. وزاد: وتوفي وهو ابن ثلاث وستين. قال أبو عمر: هذا أصح ما قيل في ذلك، وقد روي عن ابن عمر من وجهين جيدين].
وعن سريج بن النعمان عن فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر : [أسلم علي وهو ابن ثلاث عشرة. قال ابن عبد البر : هذا أصح ما قيل في ذلك].
وتوجد أخبار أخرى تذكر إسلام علي بن أبي طالب (عليه السلام) دون السن الذي ذكرناه ، وإن كُنّا نعتقد بأنَّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) سواء كان بالغاً أم مميزاً أم لم يكن إلا أنَّه كان مدركاً وواعياً لحقيقة الرسالة والدعوة وسائراً في تفاصيل الدعوة ومتحملاً لأعبائها بعد أن خاطبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالدعاء إلى الإسلام وقد أجاب من دون تردد أو تلعثم أو خوف أو ريبة وهذا يكشف عن واقع صحة إسلامه وإيمانه وصلاته وإلا لمَا خاطبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالدعوة إلى الإسلام ، إذ كيف يدعوه رسول الله (صلى الله عليه وآله) للإسلام وهو صبي لا يعقل وغير مخاطب بالتكليف ؟!!! ، ثُمَّ لماذا دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً للإسلام وهو صبي ولم يدعوا غيره من الصبيان سواء كانوا من عشيرته أم من غيرهم ؟!!! ، ولو تنزلنا جدلاً بأنَّه كان صبياً حين قبول إسلامه فإنَّ هذا يكشف عن ثبوت خصوصية له في هذا الأمر كما هو الحال بورود خصائص كثيرة بشأنه (عليه السلام) دون غيره كسد أبواب الصحابة المُطلة على المسجد وفتح بابه كما أنَّ له أن يُجنب في المسجد وليس ذلك لغيره ، ولا عجب ولا غرابة في اختصاصه بهذا الأمر دون غيره لوجود الإستعداد والأهلية لذلك ولا يعلم هذا الشيء في علي (عليه السلام) إلا الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) ولذا دعاه للإسلام وقبله منه ثُمَّ جعله وزيره ووصيه وخليفته كما في حديث الدار ، وأمَّا البيهقي فقد قال : [في أكثر الروايات كان (رضي الله عنه) بلغ من السن حين صلّى مع النبي (صلى الله عليه وآله) قدراً يُحتمل أن يكون احتلم فيه ، فإسلامه كان محكوماً بصحته لأنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) خاطبه بالدعاء إلى الإسلام ... أو لأنَّ الصبي المميز إذ ذاك كان محكوماً بصحته ... أو كان قد احتلم فصار بالغاً به] .
ويكفي في قبول وصحة إسلام علي (عليه السلام) هو ما كشفه حديث الدار الذي اتفق عليه المسلمون في مروياتهم الصحيحة حينما جمع النبي (صلى الله عليه وآله) عشيرته بما يُعرف ذلك اليوم بيوم الدار وعرض عليهم الإسلام وخاطبهم بجملة خصائص وامتيازات بقوله (صلى الله عليه وآله):[ أيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي] ، وكانت خطوة الاجتماع بالعشيرة ودعوتها امتثالاً لقوله تعالى:[وأنذر عشيرتك الأقربين]، ولم يقبل هذا العرض من عشيرته إلاّ عليّ (عليه السلام) بكل ثقة وإيمان وجرأة وقد أظهر أمام الجميع إسلامه ولم يخشى أحداً منهم بعدما كان لا يعلم بإسلامه إلا الله عزّ وجل ورسوله (صلى الله عليه وآله) باعتبار أنَّه أول من آمن به وصلّى خلفه ، فقبله النّبي (صلى الله عليه وآله) وخاطبه بأنّك : أخي ووصي وخليفتي ووزيري وهذا يكشف عن أهليته للتكليف وصحة إسلامه على نحو خاص أو عن بلوغه ، والمصادر الحديثية والتفسيرية والتاريخية تنقل هذه الواقعة بألفاظ متقاربة ذات مضمون واحد فنذكر منها: [قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا علي اصنع رجل شاة بصاع من طعام واجمع لي بني هاشم وهم يومئذ أربعون رجلاً غير رجل
فقال لهم الرسول (صلى الله عليه وآله) : [إنِّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأحجم القوم عنها جميعاً وقلت : وإني لأحدثهم سنَّاً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي ثم قال : أن هذا أخي ، ووصيي ، وخليفتي فيكم فأسمعوا له وأطيعوا ... ] .
ولذا ينبغي أن لا يشك أحد في أنَّ دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) في اليوم الثاني من نبوته وخطابه له بقبول الإسلام لم تكن لهوا ومزاحاً وإنما يكشف ذلك عن أهلية علي (عليه السلام) للتكليف فكان أول مَن آمن به وصلّى معه من دون تردد أو خوف أو ريبة أو عصبية أو مصلحة وهذه شهادة على صحة إسلامه وقبول صلاته وأسبقيته إلى ذلك .
وصار من تداعيات هذه المسألة أن نشأ الخلاف الفقهي في قبول إسلام الصبي أو عدم قبوله وإن كان هذا لا يجري في حق علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى لو ثبت أنَّه دون سن البلوغ مع العلم أنَّ كثيراً من الفقهاء بل كبارهم قالوا بصحة إسلام الصبي حتى وصل أحدهم إلى القول بقبول إسلام ابن ثلاث سنين كما سيتضح من عرض أقوالهم ، فقال النووي : [وقد اختلف القائلون بصحة إسلام الصبا في حد السن، فقال ألخرقي عشر سنين لان النبي (صلى الله عليه وآله) أمر بضربه على الصلاة لعشر، وقال ابن قدامة أكثر المصححين لإسلامه لم يشترطوا ذلك ولم يحدوا له حدا من السنين وحكاه ابن المنذر عن أحمد، لان المقصود متى ما حصل لا حاجة إلى زيادة عليه وروى عن أحمد إذا كان ابن سبع سنين فإسلامه إسلام لقوله (صلى الله عليه وآله) مروهم بالصلاة لسبع وقال ابن أبى شيبة (إذا أسلم وهو ابن خمس سنين صح إسلامه) وقال أبو أيوب (أجيز إسلام ابن ثلاث سنين فمن أصاب الحق من صغير أو كبير أجزناه] .
وقال : [أبو حنيفة وصاحباه وأحمد بن حنبل وسائر أصحابه، وإسحاق وابن أبى شيبة وأبو أيوب يصح إسلام الصبي إذا كان له عشر سنين وعقل الإسلام لعموم قوله (صلى الله عليه وآله) (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) وقوله (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) وقوله (صلى الله عليه وآله) (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه حتى يعرب عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا) وهذه الأخبار يدخل في عمومها الصبي، ولأن الإسلام عبادة محضة فصحت من الصبي العقال كالصلاة والحج، ولان الله تعالى دعا عباده إلى دار السلام وجعل طريقها الإسلام، وجعل من لم يجب دعوته في الجحيم والعذاب الأليم] .
ونقل النووي آراء الفقهاء ومشهور أهل السُنَّة في صحة وقبول إسلام الصبي ، فقال: [قال أبو حنيفة وغيره تصح ردة الصبي ولكن لا يُقتل حتى يبلغ ، بينما يخالف الشافعي وزفر مشهور أهل السُنَّة برأيهما وهو : أنَّ الصبي لا يصح إسلامه حتى يبلغ لقول النبي (صلى الله عليه وآله) (رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يبلغ) ولأنه قول تثبت به الأحكام فلم يصح من الصبي كالهبة] .
مع أنهما لا يختلفان مع أحد في صحة وقبول إسلام علي بن أبي طالب (عليه السلام)
وإن قيل بصغره ، ومن هنا احتمل البيهقي في قوله : [أو لأنَّ النبي (صلى الله عليه وآله)
خاطبه (أي لعلي بن أبي طالب) بالدعاء إلى الإسلام ، وغيره من الصبيان غير مخاطب] .
وذكر المناوي أيضاً في علي بن أبي طالب (عليه السلام) إنه : [أول صبي أسلم إجماعا وصح إسلامه لأن الأحكام إذ ذاك كانت منوطة بالتمييز ولم يعبد وثنا قط] .
ولذا لا يجرؤ أحد من المسلمين مهما حصل الخلاف والاختلاف على القول بعدم قبول إسلام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أو عدم صحته بناءً على دعوى كونه صغيراً وإلا لما جعلوه من أصناف أوائل المسلمين بقولهم أول من أسلم من الصبيان علي ومن الرجال أبو بكر ومن النساء خديجة ومن الموالي زيد ، إضافة إلى أنَّ القول بعدم مقبولية إسلامه يصطدم مع واقع ما ثبت قطعاً مما ذكرناه في أسبقية أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الإسلام والإيمان والصلاة والجهاد .
ولقد حاول الرازي وغيره من المفسرين والمحدِّثين أن يُثبتوا أسبقية إسلام أبي بكر إلا أنَّهم لم يقدروا على ذلك إلا بحيلة ابتدعوها ولكنها مخالفة للنص القرآني والسُنَّة المُطهرة والواقع التاريخي حيث قال:[ اتفق أهل الحديث على أن أول من أسلم من الرجال أبو بكر ، ومن النساء خديجة ، ومن الصبيان علي ، ومن الموالي زيد] .
وهذا التصنيف لم يكن معروفاً بين المسلمين الأوائل حيث أنَّهم حينما يذكرون السابق إلى الإيمان لا يتعدون علي بن أبي طالب من دون شك أو اعتراض من أحد على تعيينه الأول بالسابقية للإيمان وإنَّما هذا التصنيف مما ابتدعه المتأخرون لدوافع سياسية مرتبطة بالسلطان المعادي لأهل البيت(E) ورعاية لمصالح مذهبية عصبية يبغون سلب فضائل ومناقب وخصائص علي بن أبي طالب (عليه السلام) و تذويب أسبقيته إلى الإيمان والصلاة والجهاد و ... فلجئوا إلى التلاعب والتحريف من أجل تضليل الناس عن الواقع الإسلامي الصحيح وابتدعوا هذا التصنيف في بيان أوائل من أسلم متجاوزين في ذلك أنَّ هذا التصنيف منافي لمبدأ المساواة في طبيعة الإسلام والإيمان بين الذكر والأنثى وبين الحُر والعبد وبين الصغير و الكبير بدليل عموم الآيات الكريمة الشاملة لجميع الأصناف على حَدٍّ سواء ، بل الآيات تتجاوز مسألة العُمر الإنساني في قضية الإيمان والرسالة ولذا فهي تتحدث عن مسؤولية هي أعظم من مجرد الإيمان كما في نبوة الصبيان حيث نبوة يحيى بن زكريا ونبوة عيسى بن مريم (H)، ولذا فالقرآن يتحدث عن يحيى بقوله تعالى : [يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا].
ونزل بشأن عيسى بن مريم (عليه السلام) قوله تعالى : [فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا] .
وبالرغم من ذلك كلِّه يُريد الرازي وغيره صرف دلالة الآية [السابقون الأولون] عن كون الأسبقية في الإيمان إلى الأسبقية في الهجرة وذلك لأنَّ السبق إلى الإيمان ثابت قطعاً في علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومشكو كية ثبوته في غيره ولوجود أدلة في تأخر إسلام غيره عنه وإلى وقت بعيد ، وهذا ما دعاه لترجَّيح السبق إلى الهجرة على السبق إلى الإيمان ، ومما هو ثابت أنَّ أبا بكر لم يَدَّع أسبقيته إلى الإسلام حتى في أصعب مراحل ما يقتضيه الاحتجاج عند الخصومة وبالأخص في مرحلة احتجاجه أمام مُنافسيه الأنصار يوم الانقلاب في السقيفة بل قام بترشيح غيره على نفسه في الخلافة ، وقد قال أبو جعفر الإسكافي ألمعتزلي محتجاً على الجاحظ : [أمَّا ما احتَّجَ به الجاحظ لإمامة أبي بكر بكونه أوَّل الناس إسلاما ، فلو كان هذا احتجاجاً صحيحاً لاحتج به أبو بكر يوم السقيفة ، وما رأيناه صنع ذلك ، لأنَّه أخذ بيد عُمَر ويَد أبي عبيدة بن الجرّاح وقال للناس : قد رضيتُ لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا منهما مَن شئتم ، على أنَّ جمهور المُحدِّثين لَم يذكروا أنَّ أبا بكر أسلم إلاّ بعد عدّة من الرجال منهم علي بن أبي طالب وجعفر أخوه وزيد بن حارثة وأبو ذر الغفاري وعمرو بن عنبسة السلمي وخالد بن سعيد بن العاص وخبّاب بن الأرت ، وإذا تأملنا الروايات الصحيحة والأسانيد القوية الوثيقة ، وجدناها كلَّها ناطقة بأنَّ علياً (عليه السلام) أوَّل مَن أسلم] .
وإلى هنا يكفي ما ذكرنا في إثبات أسبقية إيمان علي بن أبي طالب (صلى الله عليه وآله) باتفاق المسلمين على غيره .
يتبع ..
تعليق