بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه
إن الهدف الرئيسي لبعثة الأنبياء هو هداية الناس إلى طريق الحق والخير ليعرف الناس الطريق الحقيقي لتكاملهم من خلال الوحي عن طريق الأنبياء، حتى يتشكل المجتمع المثالي القائم على أساس عبادة اللَّه تعالى، وعلى منهج القيم والتعاليم الإلهية، بما يحقق العدل والقسط في كل الأرض، وقد عمل الأنبياء وأوصيائهم في سبيل ذلك بما توفر لديهم من ظروف وما استطاعوا أن يحققوا من شروط.
وكل نبي أتى ليكمل طريق الأنبياء السابقين عليه حتى انتهت إلى خاتم الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليه وآله، ولكن مع وجوده الشريف، وبعد وفاته لم يتحقق الهدف في إقامة الحكومة الإلهية على كل المعمورة، ولم يتحقق الوعد الإلهي، واللَّه لا يخلف وعده:
﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾1.
فلا بد من إنسان يتصف بصفات الأنبياء والأوصياء يكمل هذا الطريق، هذا الإنسان هو الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه ، والذي بشر بظهوره المبارك الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وبشرت بذلك الآيات المباركة:
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون﴾2.﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الَأْرِض وَنَجْعَلَهُمْ أَئمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾3.
ولكي نقف على حقيقة الأمر في الغيبة المباركة للإمام الحجة عجل اللهتعالىفرجه ، لا بد من الإجابة عن الأسئلة التالية:
× هل غاب الإمام الحجة؟
× هل يمكن أن يبقى الإنسان حياً طيلة هذه القرون؟
× ما هو الهدف من الغيبة والفائدة منها؟
غيبة الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه:
يمكن إثبات غيبة الإمام من خلال الأحاديث الشريفة، والتي منها:
1- عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله:
"إن علياً وصيي، ومن ولده القائم المنتظر المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً إن الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر".
فقام إليه جابر بن عبد اللّه فقال: يا رسول اللّه، وللقائم من ولدك غيبة؟
قال صلى الله عليه وآله:
"أي وربي، ليمحص اللّه الذين آمنوا ويمحق الكافرين".
ثم قال صلى الله عليه وآله:
"يا جابر إن هذا أمر اللّه وسر من سر اللّه، فإياك والشك فإن الشك في أمر اللَّه (عز وجل) كفر"4.
2- ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام:
"للقائم منا غيبة أمدها طويل، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقسُ قلبه لطول غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة"5.
3- ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام:
"وإن للقائم منا غيبتين: إحداهما أطول من الأخرى، فلا يثبت على إمامته إلا من قوي يقينه وصحّت معرفته"6.
وهناك العديد من الروايات في مصادر المسلمين عموماً تتحدث عن الغيبة. فغيبة الإمام وظهوره بعد ذلك أمر واضح في الروايات.
ما معنى الغيبة والظهور؟
لقد اختلف المسلمون في معنى ظهور الإمام المهدي آخر الزمان، حيث فسره غير الشيعة بمعنى الوجود والولادة في ذلك الزمان، حيث لم يؤمنوا بوجود الإمام وبكونه حياً طوال هذه الفترة، ولكن هذا التفسير تعارضه الروايات التي تحدثت عن الغيبة والظهور بشكل واضح، فإن الغيبة تعني الاختفاء عن الأنظار بعد الوجود والولادة، والظهور بعد الغيبة يعني الخروج من حالة الاختفاء ليشاهده الناس ويظهر لهم جميعاً، وهذا واضح في اللغة.
وهناك روايات تؤكد على ضرورة وجود إمام في كل زمان وعدم إمكانية وجود إنسان على الأرض مع غياب الحجة، فعن الإمام الرضا عليه السلام:
"لو خلت الأرض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها"7.
ومن هذا المنطلق كان التأكيد على ضرورة معرفة الإمام في كل زمان كما في الحديث الشريف:
"من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية"8.
غيبتان للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف:
كما مرَّ معنا في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام أن للقائم غيبتان غيبة صغرى وغيبة كبرى.
الغيبة الصغرى: بدأت حينما هجم جيش الخليفة، على دار الإمام العسكري عليه السلام إثر وفاته أي من سنة 260ه إلى انتهاء هذه الغيبة سنة 329ه أي 69 عاماً وعدة أشهر كان يتصل بشيعته ويرعى شؤونهم من خلال سفرائه الأربعة الذين هم:
1 - عثمان بن سعيد العمري خمس سنوات.
2 - محمد بن عثمان العمري أربعون سنة.
3 - الحسين بن روح النوبختي إحدى وعشرين سنة.
4 - علي بن محمد السمري ثلاث سنوات.
انتهت الغيبة الصغرى وبدأت الغيبة الكبرى بوفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري سنة 329هـ.
لماذا غيبتان أو ما هو الهدف من الغيبة الصغرى:
لماذا غاب الإمام عجل اللهتعالىفرجه غيبتين ولم يغب غيبة واحدة أو ما هو الهدف من الغيبة الأولى.
إن هناك هدفان أساسيان للغيبة الصغرى وإقامة السفارة مقامه عجل اللهتعالىفرجه :
1 - تهيئة الأمة لاستيعاب مفهوم الغيبة الكبرى وتعويدهم عليها تدريجياً وعدم مفاجئتهم بذلك خصوصاً أن ولادة الإمام عجل اللهتعالىفرجه كانت في ظرف صعب وخطرٍ من السلطات العباسية حتى أخفيت ولادته المباركة.
2 - قيام السفارة والنيابة بالقيام بشؤون الأمة وتعويد الناس على الارتباط بالعلماء أثناء غيبة الإمام سياسياً واجتماعياً.
هل يمكن أن يبقى الإنسان حياً طيلة هذه القرون؟
إن امتداد العمر إلى مئات السنين هو مسألة ليست مستحيلة وإذا كنا نجهل الحكمة من ذلك أو العلة فيها فإن ذلك لا يبرر الإنكار والرفض وعدم قبول هذه الفكرة بل إذا رجعنا إلى التاريخ فإنه يحدثنا عن أشخاص عاشوا مئات السنين ونحن نصدق بذلك ونقطع به، حتى أن المؤرخ السجستاني جمع كتاباً في أخبار المعمِّرين وسمَّاه )المعمّرون( وفيه أمثال:
- النبي آدم عليه السلام روى التاريخ بأنه عمَّر ألف سنة.
- لقمان صاحب النسور عمَّر ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة.
- وسلمان الفارسي المحمدي رضي الله عنه عمَّر طويلاً حتى قيل بأنه عاصر المسيح وأدرك الإسلام وتوفي في عهد عمر.
وكذلك القرآن الكريم أثبت طول عمر بعض الأنبياء عليهم السلام أمثال:
- النبي نوح عليه السلام الذي لبث في قومهم يدعوهم تسعمائة وخمسين عاماً يدعوهم واللَّه أعلم كم عاش قبل ذلك وبعده.
قال تعالى:
"ولََقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً..."9.
والنبي يونس عليه السلام ذكر القرآن الكريم أنه لبث في بطن الحوت مدَّة طويلة ولولا فضل اللَّه لبقي في بطنه إلى يوم القيامة.
قال تعالى:
﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ء لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون﴾10.
وكذلك أصحاب الكهف الذين ناموا ثلاثمائة وتسع سنين ولا ندري كم عاشوا قبل ذلك.
قال تعالى:
﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً﴾11.
هذا بالإضافة إلى ما تناقله أصحاب السير والتاريخ من طول عمر الخضر عليه السلام وبقائه حياً من زمان موسى إلى حيث يشأ اللّه تعالى.
طول العمر والعلم الحديث:
- هذا بالإضافة إلى أن العلم الحديث لم ينفي بقاء حياة الإنسان بل أثبت من خلال التجربة والدراسات بأن الإنسان يمكن أن يبقى آلاف السنين لو تهيأ له من وسائل المحافظة على القوى البدنية ما يساعده على البقاء، حيث يقولون أن كل الأنسجة من جسم الحيوان تقبل البقاء إلى ما لا نهاية له وأنه في الامكان أن يبقى الإنسان حياً ألوفاً من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته.
وقد ورد في مجلة المقتطف "أن الإنسان لا يموت لأنه عمَّر كذا من السنين سبعين أو
ثمانين أو مائة أو أكثر بل لأن العوارض تنتاب بعض أعضائه فتتلفها، ولارتباط أعضائه بعضها ببعض تموت كلها، فإذا استطاع العلم أن يزيل هذه العوارض أو يمنع فعلها لم يبق مانع يمنع استمرار الحياة مئات من السنين"12.
وإن العالم "جان روستان" يعتقد بضوء الاكتشافات والتجارب العلمية أن أتباع طريقة حفظ الإنسان لم يعد يبدو مستحيلاً، فإن الاكتشافات التي سجلها عدد من مشاهير العلماء منذ حوالي قرن تترك بعض الأمل في إمكانية التوصل إلى مركب متناسق يساعد في تحقيق المزيد من التقدم، اعتماداً على تجارب علمية سجلها براون سيكوارد، وألكسي كاريل، وفورنوف، وميتشبنكوف، وبوغر مولتيز، وفيلانوف وغيرهم.
أما روبرت ايتنجر الذي وضع أخيراً كتاباً قيماً بعنوان "الإنسان هل يمكن أن يخلد حياً" فقد خلق آمالاً جديدة إذ قال: إن الإنسان الذي يعيش ويتنفس الآن يملك البقاء من الناحية الفيزيائية13.
وعلى هذا الأساس أي بعدما أثبتا ولادة الإمام والشواهد التاريخية والآيات القرآنية حول وقوع طول الحياة لعدد من الناس منهم الأنبياء عليهم السلام فلا مجال لإنكار ذلك في حق الإمام المهدي عجل اللهتعالىفرجه وإن الوقوع هو خير دليل على الامكان وخصوصاً بعد أن أثبتت التجارب العلمية ذلك بنحو لا يقبل الشك والريب.
كيف يستفاد من الإمام عجل الله تعالى فرجه في عصر الغيبة؟
السؤال الآخر الذي يطرح ههنا هو أنى للناس الاستفادة من الإمام الغائب عن الأنظار وهنا تأتي الروايات التي تشبه لنا الاستفادة منه كالاستفادة من الشمس التي تغطيها الغيوم ففي الرواية عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه :
"أما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء"14.
وفي رواية أخرى عن النبي صلى الله عليه وآله حين سأله جابر: يا رسول اللَّه فهل ينتفع الشيعة به في غيبته؟
فقال صلى الله عليه وآله:
"إي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينتفعون به، يستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس، وإن جللها السحاب، يا جابر هذا مكنون سر اللَّه ومخزون علمه فاكتمه إلا عن أهله"15.
ويستفاد من التشبيه في هذه الروايات عدة أمور:
1 - كما أن الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ينتظرون في كل آن انكشاف السحاب عنها وظهورها، ليكون انتفاعهم بها أكثر، فكذلك في أيام غيبته عجل اللهتعالىفرجه ، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره، في كل وقت وزمان، ولا ييأسون منه، وهذا ما يبعث فيهم الأمل دائماً للتحرك والتمهيد لظهوره من خلال تجهيز أنفسهم وتدعيمها بعناصر القدرة على النصرة.
2 - أن الشمس كما أن شعاعها يدخل البيوت، بقدر ما فيها من منافذ الضوء، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع، فكذلك إنما ينتفع الشيعة بأنوار هدايته عجل اللهتعالىفرجه بقدر ما يرفعون الموانع من الشهوات والأهواء، عن حواسهم ومشاعرهم التي هي نوافذ قلوبهم، وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من آثار الذنوب، التي تمنع من الاستفادة من نور وجوده المقدس إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.
3 - أن منكر وجوده عجل اللهتعالىفرجه مع شدّة ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس إذا غيبها السحاب عن الأبصار16.
هذا إلى أن الكثير من الروايات أشارت إلى أن الأرض لا تخلو من الحجة ولولا ذلك لساخت بأهلها لأن الإمام عليه السلام سبب لتنزّل الرحمة ورفع العذاب عن أمته:
﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾17.
وإمامة أهل البيت عليهم السلام امتداد لخط النبوة والهداية نسأل اللَّه تعالى أن يثبتنا على ولايتهم في الدنيا والآخرة.
الهدف الرئيسي لبعثة الأنبياء عليهم السلام هو هداية الناس، وكل نبي أتى ليكمل طريق الأنبياء السابقين وبعد الأنبياء لا بد من إنسان يتصف بصفاتهم حتى يكمل الطريق.
يمكن إثبات غيبة الإمام المنتظر صلى الله عليه وآله من خلال الأحاديث الشريفة.
اختلف المسلمون في معنى ظهور الإمام ففسره غير الشيعة بمعنى الوجود والولادة، وفسره الشيعة بالظهور بعد الاختفاء عن الأنظار والخروج ليشاهده الناس ويظهر لهم جميعاً.
هناك غيبتان للإمام الغيبة الصغرى ومدتها تسع وستون عاماً وعدة أشهر، واتصل الإمام بشيعته بواسطة السفراء الأربعة.
الغيبة الكبرى بدات في سنة 329 هجرية عند وفاة آخر السفراء علي بن محمد السمري.
هناك هدفان أساسيان للغيبة الصغرى:
1 - تهيئة الأمة لاستيعاب مفهوم الغيبة الكبرى.
2 - تعويد الناس على الارتباط بالعلماء من خلال الدور الذي قام به السفراء.
امتداد عمر الإنسان لمئات السنين ليس مستحيلا وأثبته القرآن وأيده التاريخ، والعلوم الطبيعية.
الاستفادة من الإمام صلى الله عليه وآله في غيبته، كاستفادة الأرض وأهلها من شعاع الشمس حين تحجبها الغيوم.
الغيبة:
بعض أهل المدائن قال: كنت حاجا مع رفيق لي، فوافينا إلى الموقف فإذا شاب قاعد عليه إزار ورداء، وفي رجليه نعل صفراء، قومت الازار والرداء بمائة وخمسين دينارا وليس عليه أثر السفر، فدنا منا سائل فرددنا، فدنا من الشاب فسأله، فحمل شيئا من الارض وناوله، فدعا له السائل واجتهد في الدعاء وأطال، فقام الشاب وغاب عنا، فدنونا من السائل فقلنا له ويحك ما أعطاك؟ فأرانا حصاة ذهب مضرسة قدرناها عشرين مثقالا، فقلت لصاحبي: مولانا عندنا ونحن لا ندري، ثم ذهبنا في طلبه فدرنا الموقف كله، فلم نقدر عليه، فسألنا كل من كان حوله من أهل مكة والمدينة، فقالوا شاب علوي يحج، في كل سنة ماشيا ً18.
- ومنها: ما روي عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال: فلما وصلت بغداد في سنة تسع وثلاثين (وثلاثمائة) للحج، وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت، كان أكبر همي الظفر بمن ينصب الحجر، لانه يمضي في أثناء الكتب قصة أخذه وأنه ينصبه في مكانه الحجة في الزمان، كما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين عليه السلام في مكانه فاستقر. فاعتللت علة صعبة خفت منها على نفسي، ولم يتهيأ لي ما قصدت له، فاستنبت المعروف بابن هشام، وأعطيته رقعة مختومة، أسأل فيها عن مدة عمري، وهل تكون المنية في هذه العلة؟ أم لا؟ وقلت: همي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه، وأخذ جوابه، و إنما أندبك لهذا قال: فقال المعروف بابن هشام: لما حصلت بمكة وعزم على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه، وأقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس، فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون، حسن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام كأنه لم يزل عنه، وعلت لذلك الاصوات، وانصرف خارجا من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه، وأدفع الناس عني يمينا وشمالا، حتى ظن بي الاختلاط في العقل، والناس يفرجون لي، وعيني لا تفارقه، حتى انقطع عن الناس، فكنت أسرع السير خلفه، وهو يمشي على تؤدة ولا ادركه. فلما حصل بحيث لا أحد يراه غيري، وقف والتفت إلي فقال: هات ما معك. فناولته الرقعة. فقال من غير أن ينظر فيها: قل له: لا خوف عليك في هذه العلة، ويكون ما لابد منه بعد ثلاثين سنة. قال: فوقع علي الزمع حتى لم أطق حراكا، وتركني وانصرف. قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة. فلما كان سنة تسع وستين اعتل أبو القاسم فأخذ ينظر في أمره، وتحصيل جهازه إلى قبره، وكتب وصيته، واستعمل الجد في ذلك19.
اقرا
كتاب الغيبة
المؤلف: الشيخ الجليل ابي عبد الله محمد بن ابراهيم بن جعفر الكاتب المعروف ب(ابن ابي زينب النعمانى) المتوفى حدود سنة 360ه ق..
منهج الكتاب: روائي.
أثر ثمين خصه مؤلفه في الإمام الحجة المهدي المنتظر صلى الله عليه وآله من مطالبه.
1 - طائفة من النصوص على إمامته عليه السلام.
2 - الأحاديث الدالة على أن الله لا يخلي الأرض من حجة.
3 - ويذكر بعد ذلك عدة أحاديث في غيبة الإمام المهدي صلى الله عليه وآله، وصفته، وسيرته، وحكمه وآياته، وفضله عليه السلام.
4 - العلامات التي تكون قبل قيام القائم عليه السلام..
ومواضيع اخرى كلها تتعلق بالإمام الثاني عشر المهدي عليه السلام..
تحقيق: فارس حسون كريم.
﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾.
عن أمير المؤمنين عليه السلام:
"وإن للقائم منا غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، فلا يثبت على إمامته إلا من قوي يقينه وصحت معرفته".
عن الإمام الرضا عليه السلام:
"لو خلت الأرض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها".
عن الإمام المهدي صلى الله عليه وآله:
"أما وجه الانتفاع بي في غيبتي، كالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء".
1- سورة التوبة، الآية/33، سورة الفتح، الآية/28، سورة الصف، الآية/9.
2-سورة الأنبياء، الآية/105.
3- سورة القصص، الآية/5.
4- ينابيع المودة، ص448.
5- كمال الدين وتمام النعمة، ص303.
6-منتخب الأثر، ص251.
7-بصائر الدرجات، ص508.
8- ميزان الحكمة، ج1، ص12
9- سورة العنكبوت، الآية/14.
10- سورة الصافات، الآية/144143.
11-سورة الكهف، الآية/25.
12- المهدي المنتظر بين التصور والتصديق للشيخ آل ياسين، ص78، نقلاً عن مجلة المقتطف، ج3
13- نفس المصدر، ص79، نقلاً عن جريدة الأنباء البغدادية، العدد 40.
14- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج1، ص184
15-بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج63، ص250
16- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج48، ص94 93، بتصرف وتلخيص
17- سورة الأنفال، الآية/33.
18- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص332
19- الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي، ج1، ص47.
العلوية خادمة الزهراء
اللهم صل على محمد وآل محمد
غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه
إن الهدف الرئيسي لبعثة الأنبياء هو هداية الناس إلى طريق الحق والخير ليعرف الناس الطريق الحقيقي لتكاملهم من خلال الوحي عن طريق الأنبياء، حتى يتشكل المجتمع المثالي القائم على أساس عبادة اللَّه تعالى، وعلى منهج القيم والتعاليم الإلهية، بما يحقق العدل والقسط في كل الأرض، وقد عمل الأنبياء وأوصيائهم في سبيل ذلك بما توفر لديهم من ظروف وما استطاعوا أن يحققوا من شروط.
وكل نبي أتى ليكمل طريق الأنبياء السابقين عليه حتى انتهت إلى خاتم الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليه وآله، ولكن مع وجوده الشريف، وبعد وفاته لم يتحقق الهدف في إقامة الحكومة الإلهية على كل المعمورة، ولم يتحقق الوعد الإلهي، واللَّه لا يخلف وعده:
﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾1.
فلا بد من إنسان يتصف بصفات الأنبياء والأوصياء يكمل هذا الطريق، هذا الإنسان هو الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه ، والذي بشر بظهوره المبارك الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وبشرت بذلك الآيات المباركة:
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون﴾2.﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الَأْرِض وَنَجْعَلَهُمْ أَئمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾3.
ولكي نقف على حقيقة الأمر في الغيبة المباركة للإمام الحجة عجل اللهتعالىفرجه ، لا بد من الإجابة عن الأسئلة التالية:
× هل غاب الإمام الحجة؟
× هل يمكن أن يبقى الإنسان حياً طيلة هذه القرون؟
× ما هو الهدف من الغيبة والفائدة منها؟
غيبة الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه:
يمكن إثبات غيبة الإمام من خلال الأحاديث الشريفة، والتي منها:
1- عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله:
"إن علياً وصيي، ومن ولده القائم المنتظر المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً إن الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر".
فقام إليه جابر بن عبد اللّه فقال: يا رسول اللّه، وللقائم من ولدك غيبة؟
قال صلى الله عليه وآله:
"أي وربي، ليمحص اللّه الذين آمنوا ويمحق الكافرين".
ثم قال صلى الله عليه وآله:
"يا جابر إن هذا أمر اللّه وسر من سر اللّه، فإياك والشك فإن الشك في أمر اللَّه (عز وجل) كفر"4.
2- ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام:
"للقائم منا غيبة أمدها طويل، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقسُ قلبه لطول غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة"5.
3- ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام:
"وإن للقائم منا غيبتين: إحداهما أطول من الأخرى، فلا يثبت على إمامته إلا من قوي يقينه وصحّت معرفته"6.
وهناك العديد من الروايات في مصادر المسلمين عموماً تتحدث عن الغيبة. فغيبة الإمام وظهوره بعد ذلك أمر واضح في الروايات.
ما معنى الغيبة والظهور؟
لقد اختلف المسلمون في معنى ظهور الإمام المهدي آخر الزمان، حيث فسره غير الشيعة بمعنى الوجود والولادة في ذلك الزمان، حيث لم يؤمنوا بوجود الإمام وبكونه حياً طوال هذه الفترة، ولكن هذا التفسير تعارضه الروايات التي تحدثت عن الغيبة والظهور بشكل واضح، فإن الغيبة تعني الاختفاء عن الأنظار بعد الوجود والولادة، والظهور بعد الغيبة يعني الخروج من حالة الاختفاء ليشاهده الناس ويظهر لهم جميعاً، وهذا واضح في اللغة.
وهناك روايات تؤكد على ضرورة وجود إمام في كل زمان وعدم إمكانية وجود إنسان على الأرض مع غياب الحجة، فعن الإمام الرضا عليه السلام:
"لو خلت الأرض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها"7.
ومن هذا المنطلق كان التأكيد على ضرورة معرفة الإمام في كل زمان كما في الحديث الشريف:
"من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية"8.
غيبتان للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف:
كما مرَّ معنا في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام أن للقائم غيبتان غيبة صغرى وغيبة كبرى.
الغيبة الصغرى: بدأت حينما هجم جيش الخليفة، على دار الإمام العسكري عليه السلام إثر وفاته أي من سنة 260ه إلى انتهاء هذه الغيبة سنة 329ه أي 69 عاماً وعدة أشهر كان يتصل بشيعته ويرعى شؤونهم من خلال سفرائه الأربعة الذين هم:
1 - عثمان بن سعيد العمري خمس سنوات.
2 - محمد بن عثمان العمري أربعون سنة.
3 - الحسين بن روح النوبختي إحدى وعشرين سنة.
4 - علي بن محمد السمري ثلاث سنوات.
انتهت الغيبة الصغرى وبدأت الغيبة الكبرى بوفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري سنة 329هـ.
لماذا غيبتان أو ما هو الهدف من الغيبة الصغرى:
لماذا غاب الإمام عجل اللهتعالىفرجه غيبتين ولم يغب غيبة واحدة أو ما هو الهدف من الغيبة الأولى.
إن هناك هدفان أساسيان للغيبة الصغرى وإقامة السفارة مقامه عجل اللهتعالىفرجه :
1 - تهيئة الأمة لاستيعاب مفهوم الغيبة الكبرى وتعويدهم عليها تدريجياً وعدم مفاجئتهم بذلك خصوصاً أن ولادة الإمام عجل اللهتعالىفرجه كانت في ظرف صعب وخطرٍ من السلطات العباسية حتى أخفيت ولادته المباركة.
2 - قيام السفارة والنيابة بالقيام بشؤون الأمة وتعويد الناس على الارتباط بالعلماء أثناء غيبة الإمام سياسياً واجتماعياً.
هل يمكن أن يبقى الإنسان حياً طيلة هذه القرون؟
إن امتداد العمر إلى مئات السنين هو مسألة ليست مستحيلة وإذا كنا نجهل الحكمة من ذلك أو العلة فيها فإن ذلك لا يبرر الإنكار والرفض وعدم قبول هذه الفكرة بل إذا رجعنا إلى التاريخ فإنه يحدثنا عن أشخاص عاشوا مئات السنين ونحن نصدق بذلك ونقطع به، حتى أن المؤرخ السجستاني جمع كتاباً في أخبار المعمِّرين وسمَّاه )المعمّرون( وفيه أمثال:
- النبي آدم عليه السلام روى التاريخ بأنه عمَّر ألف سنة.
- لقمان صاحب النسور عمَّر ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة.
- وسلمان الفارسي المحمدي رضي الله عنه عمَّر طويلاً حتى قيل بأنه عاصر المسيح وأدرك الإسلام وتوفي في عهد عمر.
وكذلك القرآن الكريم أثبت طول عمر بعض الأنبياء عليهم السلام أمثال:
- النبي نوح عليه السلام الذي لبث في قومهم يدعوهم تسعمائة وخمسين عاماً يدعوهم واللَّه أعلم كم عاش قبل ذلك وبعده.
قال تعالى:
"ولََقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً..."9.
والنبي يونس عليه السلام ذكر القرآن الكريم أنه لبث في بطن الحوت مدَّة طويلة ولولا فضل اللَّه لبقي في بطنه إلى يوم القيامة.
قال تعالى:
﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ء لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون﴾10.
وكذلك أصحاب الكهف الذين ناموا ثلاثمائة وتسع سنين ولا ندري كم عاشوا قبل ذلك.
قال تعالى:
﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً﴾11.
هذا بالإضافة إلى ما تناقله أصحاب السير والتاريخ من طول عمر الخضر عليه السلام وبقائه حياً من زمان موسى إلى حيث يشأ اللّه تعالى.
طول العمر والعلم الحديث:
- هذا بالإضافة إلى أن العلم الحديث لم ينفي بقاء حياة الإنسان بل أثبت من خلال التجربة والدراسات بأن الإنسان يمكن أن يبقى آلاف السنين لو تهيأ له من وسائل المحافظة على القوى البدنية ما يساعده على البقاء، حيث يقولون أن كل الأنسجة من جسم الحيوان تقبل البقاء إلى ما لا نهاية له وأنه في الامكان أن يبقى الإنسان حياً ألوفاً من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته.
وقد ورد في مجلة المقتطف "أن الإنسان لا يموت لأنه عمَّر كذا من السنين سبعين أو
ثمانين أو مائة أو أكثر بل لأن العوارض تنتاب بعض أعضائه فتتلفها، ولارتباط أعضائه بعضها ببعض تموت كلها، فإذا استطاع العلم أن يزيل هذه العوارض أو يمنع فعلها لم يبق مانع يمنع استمرار الحياة مئات من السنين"12.
وإن العالم "جان روستان" يعتقد بضوء الاكتشافات والتجارب العلمية أن أتباع طريقة حفظ الإنسان لم يعد يبدو مستحيلاً، فإن الاكتشافات التي سجلها عدد من مشاهير العلماء منذ حوالي قرن تترك بعض الأمل في إمكانية التوصل إلى مركب متناسق يساعد في تحقيق المزيد من التقدم، اعتماداً على تجارب علمية سجلها براون سيكوارد، وألكسي كاريل، وفورنوف، وميتشبنكوف، وبوغر مولتيز، وفيلانوف وغيرهم.
أما روبرت ايتنجر الذي وضع أخيراً كتاباً قيماً بعنوان "الإنسان هل يمكن أن يخلد حياً" فقد خلق آمالاً جديدة إذ قال: إن الإنسان الذي يعيش ويتنفس الآن يملك البقاء من الناحية الفيزيائية13.
وعلى هذا الأساس أي بعدما أثبتا ولادة الإمام والشواهد التاريخية والآيات القرآنية حول وقوع طول الحياة لعدد من الناس منهم الأنبياء عليهم السلام فلا مجال لإنكار ذلك في حق الإمام المهدي عجل اللهتعالىفرجه وإن الوقوع هو خير دليل على الامكان وخصوصاً بعد أن أثبتت التجارب العلمية ذلك بنحو لا يقبل الشك والريب.
كيف يستفاد من الإمام عجل الله تعالى فرجه في عصر الغيبة؟
السؤال الآخر الذي يطرح ههنا هو أنى للناس الاستفادة من الإمام الغائب عن الأنظار وهنا تأتي الروايات التي تشبه لنا الاستفادة منه كالاستفادة من الشمس التي تغطيها الغيوم ففي الرواية عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه :
"أما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء"14.
وفي رواية أخرى عن النبي صلى الله عليه وآله حين سأله جابر: يا رسول اللَّه فهل ينتفع الشيعة به في غيبته؟
فقال صلى الله عليه وآله:
"إي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينتفعون به، يستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس، وإن جللها السحاب، يا جابر هذا مكنون سر اللَّه ومخزون علمه فاكتمه إلا عن أهله"15.
ويستفاد من التشبيه في هذه الروايات عدة أمور:
1 - كما أن الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ينتظرون في كل آن انكشاف السحاب عنها وظهورها، ليكون انتفاعهم بها أكثر، فكذلك في أيام غيبته عجل اللهتعالىفرجه ، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره، في كل وقت وزمان، ولا ييأسون منه، وهذا ما يبعث فيهم الأمل دائماً للتحرك والتمهيد لظهوره من خلال تجهيز أنفسهم وتدعيمها بعناصر القدرة على النصرة.
2 - أن الشمس كما أن شعاعها يدخل البيوت، بقدر ما فيها من منافذ الضوء، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع، فكذلك إنما ينتفع الشيعة بأنوار هدايته عجل اللهتعالىفرجه بقدر ما يرفعون الموانع من الشهوات والأهواء، عن حواسهم ومشاعرهم التي هي نوافذ قلوبهم، وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من آثار الذنوب، التي تمنع من الاستفادة من نور وجوده المقدس إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.
3 - أن منكر وجوده عجل اللهتعالىفرجه مع شدّة ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس إذا غيبها السحاب عن الأبصار16.
هذا إلى أن الكثير من الروايات أشارت إلى أن الأرض لا تخلو من الحجة ولولا ذلك لساخت بأهلها لأن الإمام عليه السلام سبب لتنزّل الرحمة ورفع العذاب عن أمته:
﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾17.
وإمامة أهل البيت عليهم السلام امتداد لخط النبوة والهداية نسأل اللَّه تعالى أن يثبتنا على ولايتهم في الدنيا والآخرة.
الهدف الرئيسي لبعثة الأنبياء عليهم السلام هو هداية الناس، وكل نبي أتى ليكمل طريق الأنبياء السابقين وبعد الأنبياء لا بد من إنسان يتصف بصفاتهم حتى يكمل الطريق.
يمكن إثبات غيبة الإمام المنتظر صلى الله عليه وآله من خلال الأحاديث الشريفة.
اختلف المسلمون في معنى ظهور الإمام ففسره غير الشيعة بمعنى الوجود والولادة، وفسره الشيعة بالظهور بعد الاختفاء عن الأنظار والخروج ليشاهده الناس ويظهر لهم جميعاً.
هناك غيبتان للإمام الغيبة الصغرى ومدتها تسع وستون عاماً وعدة أشهر، واتصل الإمام بشيعته بواسطة السفراء الأربعة.
الغيبة الكبرى بدات في سنة 329 هجرية عند وفاة آخر السفراء علي بن محمد السمري.
هناك هدفان أساسيان للغيبة الصغرى:
1 - تهيئة الأمة لاستيعاب مفهوم الغيبة الكبرى.
2 - تعويد الناس على الارتباط بالعلماء من خلال الدور الذي قام به السفراء.
امتداد عمر الإنسان لمئات السنين ليس مستحيلا وأثبته القرآن وأيده التاريخ، والعلوم الطبيعية.
الاستفادة من الإمام صلى الله عليه وآله في غيبته، كاستفادة الأرض وأهلها من شعاع الشمس حين تحجبها الغيوم.
الغيبة:
بعض أهل المدائن قال: كنت حاجا مع رفيق لي، فوافينا إلى الموقف فإذا شاب قاعد عليه إزار ورداء، وفي رجليه نعل صفراء، قومت الازار والرداء بمائة وخمسين دينارا وليس عليه أثر السفر، فدنا منا سائل فرددنا، فدنا من الشاب فسأله، فحمل شيئا من الارض وناوله، فدعا له السائل واجتهد في الدعاء وأطال، فقام الشاب وغاب عنا، فدنونا من السائل فقلنا له ويحك ما أعطاك؟ فأرانا حصاة ذهب مضرسة قدرناها عشرين مثقالا، فقلت لصاحبي: مولانا عندنا ونحن لا ندري، ثم ذهبنا في طلبه فدرنا الموقف كله، فلم نقدر عليه، فسألنا كل من كان حوله من أهل مكة والمدينة، فقالوا شاب علوي يحج، في كل سنة ماشيا ً18.
- ومنها: ما روي عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال: فلما وصلت بغداد في سنة تسع وثلاثين (وثلاثمائة) للحج، وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت، كان أكبر همي الظفر بمن ينصب الحجر، لانه يمضي في أثناء الكتب قصة أخذه وأنه ينصبه في مكانه الحجة في الزمان، كما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين عليه السلام في مكانه فاستقر. فاعتللت علة صعبة خفت منها على نفسي، ولم يتهيأ لي ما قصدت له، فاستنبت المعروف بابن هشام، وأعطيته رقعة مختومة، أسأل فيها عن مدة عمري، وهل تكون المنية في هذه العلة؟ أم لا؟ وقلت: همي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه، وأخذ جوابه، و إنما أندبك لهذا قال: فقال المعروف بابن هشام: لما حصلت بمكة وعزم على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه، وأقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس، فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون، حسن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام كأنه لم يزل عنه، وعلت لذلك الاصوات، وانصرف خارجا من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه، وأدفع الناس عني يمينا وشمالا، حتى ظن بي الاختلاط في العقل، والناس يفرجون لي، وعيني لا تفارقه، حتى انقطع عن الناس، فكنت أسرع السير خلفه، وهو يمشي على تؤدة ولا ادركه. فلما حصل بحيث لا أحد يراه غيري، وقف والتفت إلي فقال: هات ما معك. فناولته الرقعة. فقال من غير أن ينظر فيها: قل له: لا خوف عليك في هذه العلة، ويكون ما لابد منه بعد ثلاثين سنة. قال: فوقع علي الزمع حتى لم أطق حراكا، وتركني وانصرف. قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة. فلما كان سنة تسع وستين اعتل أبو القاسم فأخذ ينظر في أمره، وتحصيل جهازه إلى قبره، وكتب وصيته، واستعمل الجد في ذلك19.
اقرا
كتاب الغيبة
المؤلف: الشيخ الجليل ابي عبد الله محمد بن ابراهيم بن جعفر الكاتب المعروف ب(ابن ابي زينب النعمانى) المتوفى حدود سنة 360ه ق..
منهج الكتاب: روائي.
أثر ثمين خصه مؤلفه في الإمام الحجة المهدي المنتظر صلى الله عليه وآله من مطالبه.
1 - طائفة من النصوص على إمامته عليه السلام.
2 - الأحاديث الدالة على أن الله لا يخلي الأرض من حجة.
3 - ويذكر بعد ذلك عدة أحاديث في غيبة الإمام المهدي صلى الله عليه وآله، وصفته، وسيرته، وحكمه وآياته، وفضله عليه السلام.
4 - العلامات التي تكون قبل قيام القائم عليه السلام..
ومواضيع اخرى كلها تتعلق بالإمام الثاني عشر المهدي عليه السلام..
تحقيق: فارس حسون كريم.
﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾.
عن أمير المؤمنين عليه السلام:
"وإن للقائم منا غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، فلا يثبت على إمامته إلا من قوي يقينه وصحت معرفته".
عن الإمام الرضا عليه السلام:
"لو خلت الأرض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها".
عن الإمام المهدي صلى الله عليه وآله:
"أما وجه الانتفاع بي في غيبتي، كالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء".
1- سورة التوبة، الآية/33، سورة الفتح، الآية/28، سورة الصف، الآية/9.
2-سورة الأنبياء، الآية/105.
3- سورة القصص، الآية/5.
4- ينابيع المودة، ص448.
5- كمال الدين وتمام النعمة، ص303.
6-منتخب الأثر، ص251.
7-بصائر الدرجات، ص508.
8- ميزان الحكمة، ج1، ص12
9- سورة العنكبوت، الآية/14.
10- سورة الصافات، الآية/144143.
11-سورة الكهف، الآية/25.
12- المهدي المنتظر بين التصور والتصديق للشيخ آل ياسين، ص78، نقلاً عن مجلة المقتطف، ج3
13- نفس المصدر، ص79، نقلاً عن جريدة الأنباء البغدادية، العدد 40.
14- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج1، ص184
15-بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج63، ص250
16- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج48، ص94 93، بتصرف وتلخيص
17- سورة الأنفال، الآية/33.
18- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص332
19- الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي، ج1، ص47.

