إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

حقائق واكاذيب حول البرهان النفي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حقائق واكاذيب حول البرهان النفي

    يحيى سادوفسكي *
    Yahya SADOWSKY

    تقدم ادارة بوش العديد من الاسباب لتبرير حربها. ازالة اسلحة الدمار الشامل؟ لماذا اذن الامتناع عن مهاجمة كوريا الشمالية؟ محاربة الارهاب؟ العراق ليس حتى واردا في اللائحة السوداء لوزارة الخارجية الاميركية. رفع التهديد عن جيران العراق؟ صفقت واشنطن لصدام حسين يوم اجتاح ايران عام 1980 وستكون سعيدة على الارجح اذا كرر فعلته هذه. تحرير المرأة؟ هناك على الارجح نساء في البرلمان والجيش في العراق اكثر من الولايات المتحدة. ان الرأي العام كشف زيف هذه الادعاءات ويشك في ان لواشنطن مصالح ملموسة اكثر.

    اما شعار "لا للحرب من اجل النفط" فإنه اقرب الى الحقيقة من الدعاية التي تبثها الولايات المتحدة، فادارة بوش مهتمة بالعراق (كما لم تهتم يوما بباكستان حيث النظام ديكتاتوري وغير مستقر اضافة الى الاسلحة النووية والارهاب المعشش) لانه يقع وسط ثلثي المخزون العالمي من الذهب الاسود. تحتل بغداد موقعا يسمح لها بالتأثير على اسعار النفط وتدفقه، هذه السلعة الاستراتيجية التي تغذي الاقتصاد المعولم وآلة الحرب الاميركية. لكن العديدين من مناهضي الحرب يقدمون انطلاقا من هذه المعطيات قراءة تبسيطية عندما يعتقدون ان واشنطن تنصاع لمصالح كبريات شركات النفط بالاطباق على قسم من مخزون العراق. ان الواقع اكثر تعقيدا بكثير. من المعروف ان لادارة بوش علاقات وثيقة مع اوساط الصناعة النفطية الاميركية لكن مع قطاع هامشي منها. فالرئيس ومعاونوه لا يعرفون الكثير عن النفط واقتصاده وبالرغم من تكريسهم شهورا لبلورة السيناريوهات العسكرية والسياسية فإنهم بالكاد بدأوا يدركون المعطيات الاولية حول دور العراق في الصناعة النفطية العالمية.

    ان الذين يملكون طموحات واضحة في مجال النفط هم الاكثر حماسة للحرب داخل الادارة الاميركية: عصبة المحافظين الجدد حول السيد بول وولفويتز، مساعد وزير الخارجية، والسكرتير المساعد في وزارة الدفاع السيد دوغلاس فايث اضافة الى السكرتير العام في نيابة الرئاسة السيد لويس ليبي واصدقاؤهم. انهم اصحاب المشروع حول عراق "محرر" يشتمل على اطلاق بغداد ابحاثا حول مخزونات جديدة والزيادة السريعة للقدرة الانتاجية من اجل اغراق السوق العالمي في اسرع وقت ممكن. وهم يعرفون ان ذلك سيؤدي الى انهيار اسعار النفط الذي سيصل الى ما دون الـ15 دولارا للبرميل ـ بعدما كان يراوح في منتصف آذار/مارس حول الثلاثين دولارا. وهم يراهنون على هذا التراجع من اجل تحفيز النمو في الولايات المتحدة والغرب وتدمير منظمة الدول المصدرة للنفط، اوبيك، وتخريب اقتصاد الدول "المارقة" (ايران، سوريا، ليبيا) وايجاد بالتالي شروط جديدة لتغيير الانظمة والاتجاه نحو الديموقراطية.

    تبدو هذه الرؤية مقنعة للوهلة الاولى. فالمخزون المحقق للعراق يبلغ 112 مليار برميل ويعتقد العديد من الخبراء ان اعتماد تقنيات التنقيب الجديدة من شأنه مضاعفة هذا الرقم مما يقرب المخزون العراقي مما تملكه السعودية اي 245 مليار برميل. بالطبع ان الموقع المحوري للسعودية داخل أوبيك والذي يسمح لها بتعديل انتاجها للمحافظة على الاسعار التي تحددها المنظمة، ليس عائدا الى حجم مخزونها بل الى قدرتها الانتاجية: اكثر من 10 ملايين برميل يوميا. لكن قدرة العراق في هذا المجال بالكاد تتجاوز الـ 3،8 ملايين برميل يوميا. وفي ذهن المحافظين الجدد ان بغداد قادرة على زيادة انتاجها بنسبة مليوني برميل يوميا لتصل الى 6 ملايين عام 2010 خصوصا اذا قرر النظام الجديد خصخصة حقول النفط وتسليمها الى الشركات المتعددة الجنسية المزودة التكنولوجيا والرساميل الضرورية للقيام بعملية زيادة متسارعة للانتاج.

    لكن المحافطين الجدد واجهوا اعتراضات مختلفة يوم اقترحوا مشروعهم هذا في العام 2002، ذلك ان خفض اسعار النفط ولو عرّض للخطر اقتصاد الدول "المارقة" فإنه يهدد ايضا مصالح العديدين من اصدقاء واشنطن امثال المكسيك وكندا والنروج واندونيسيا والكويت والسعودية. من جهة اخرى فإن الاستثمارات في العراق مرتهنة الى سعر النفط، فكلما انخفض سعر البرميل، فقدت الاستثمارات في هذا القطاع من فائدتها. والسعوديون اكدوا من جهتهم علانية انهم سيدافعون عن منظمة اوبيك من طريق زيادة انتاجهم عند الحاجة لخفض الاسعار ومنع الشركات من استثمار رساميلها بحثا عن مخزون جديد في العراق. وانه لمن السخرية ملاحظة كيف ان مجموعة المعارضين العراقيين المهاجرين بمن فيهم حلفاء المحافظين الجدد في المؤتمر الوطني العراقي، يعارضون بدورهم فكرة خصخصة النفط العراقي. فهم يدركون وعلى غرار العديد من مواطنيهم من مختلف الانتماءات ان النفط هو رأسمال بلدهم الوحيد وهم مصممون على الاحتفاظ به تحت اشرافهم.

    والاكثر غرابة هو ان مقاومة توجه المحافظين الجدد جاءت من عائلة بوش نفسها. فمع انها لم تجن دائما الفوائد من العمل في المجال النفطي (حتى ان شركة السيد جورج والكر بوش، "اربوستو اويل" تعرضت للافلاس)، الا ان الرئيس حافظ على شبكة من العلاقات الشخصية ليس مع الشركات النفطية المتعددة الجنسية بل مع القطاع "المستقل" اي عشرات الشركات الصغيرة والعديد منها في تكساس وتقوم باستخراج النفط من باطن الارض الاميركية او من الاعماق البحرية. لكن هذه الشركات بحاجة لاسعار نفط مرتفعة كي تستمر. ففي السعودية لا تزيد كلفة انتاج البرميل عن الدولار ونصف الدولار لكن استخراج البرميل الواحد في خليج المكسيك قد يزيد في كلفته على الثلاثة عشر دولار. بالتالي فإن هذه الشركات تخشى قبل كل شيء انهيار اسعار النفط واذا زالت من الوجود كما سارعت الى التحذير من ذلك اللوبيات الوطنية في واشنطن، فإن الولايات المتحدة تكون عندها مرتهنة اكثر فأكثر للواردات البترولية الاجنبية "غير الموثوق بها" من حيث النوعية.

    اما الشركات العملاقة امثال الاميركية اكسون موبيل وشفرون تكساكو او البريطانية بريتيش بتروليوم كما الفرنسية توتال الف فينا، فإنها لا تخشى بالقدر نفسه انهيار الاسعار بعدما نوعت مصادر انتاجها. لكن ادارة بوش بالكاد تصغي اليها وخصوصا ان البعض منها ليس اميركيا. وقد مارست بعد انتخاب السيد جورج والكر بوش ضغوطا كبيرة من اجل رفع العقوبات الاميركية عن ايران وليبيا اضافة الى باقي العقوبات التي تعوق نمو نشاطاتها في الشرق الاوسط. بيد ان فريق عمل بوش رفض مرافعتها وكشف نائب الرئيس ريتشارد شيني عن خطة وطنية للطاقة ترتكز على اطلاق التنقيب في مناطق اميركية جديدة [2] .

  • #2
    تكملة

    وفي صلب الخطة فكرة السماح بالتنقيب داخل المحمية الطبيعية الكبرى في الاسكا. والشركات المستقلة متحمسة لذلك بينما لا ترى فيها الشركات المتعددة الجنسية فائدة ترجى اذ ان المخزون المتواضع الذي يمكن اكتشافه لا يوازي الضرر اللاحق بصورتها من خلال تدمير هذه المحمية الطبيعية الشاسعة. ففي الشرق الاوسط يحتوي حقل متوسط الحجم مثل مجنون في العراق اكثر من 10 مليارات برميل بينما تقدر مجلة Oil and Gas ان المحمية البرية في الاسكا لا يمكن ان تعطي اكثر من 2،6 مليارات برميل قابلة للاستثمار.

    اما الضربة القاضية التي تلقاها مخطط المحافظين الجدد فلم تأت من مجموعة منافسة بل من واقع الارقام الاليم. ففي كانون الثاني/يناير 2003 انشأ البنتاغون فريقه الخاص للتخطيط برئاسة السيد دوغلاس فايث ومن المواضيع المطروحة امام هذا الفريق دراسة كيفية التصرف بالنفط العراقي بعد "تحرير" بغداد. وبعد مضي شهر من الزمن، تعلمت المجموعة ما يكفي حول اقتصاد النفط كي تبتعد عن المقترحات الاولى للمحافظين الجدد.

    وكان المسؤولون في وزارة الدفاع (والبيت الابيض) افترضوا ان في مقدورهم استعادة كلفة الحرب من خلال المداخيل النفطية العراقية وانهم اذا احتاجوا الى المال لن يكون عليهم سوى فتح الحنفية في بغداد. لكنهم عندما شرعوا في دراسة الحسابات وقعوا على بعض المفاجآت المزعجة. اولا ليس لان زيادة الانتاج العراقي تتطلب وقتا طويلا بل انها ايضا بحاجة الى استثمارات مالية ضخمة. فمجرد اعادة المنشآت الحالية الى وضعها الطبيعي (إصلاح الآبار والانابيب المتلفة الى درجة انها اضرت كثيرا بخزانات البلاد) ستبلغ كلفتها اكثر من مليار دولار، شرط ان لا يعتمد صدام خطة الارض المحروقة. ان رفع الانتاج الى مستواه التاريخي اي 3،5 ملايين برميل يوميا يتطلب ثلاثة اعوام على الاقل وتقدر الاستثمارات في حقول النفط بثمانية مليارات دولار، اضافة الى عشرين ملياراً لاصلاح شبكة الكهرباء الوطنية (التي تغذي المضخات والمصافي). اما ايصال الانتاج الى 6 ملايين برميل يوميا فإن كلفته تبلغ ايضا 30 ملياراً اضافية.

    انها ليست مبالغ ضئيلة بالنسبة الى بلد يبلغ مردود صادراته النفطية 15 مليار دولار سنويا. ومع ذلك فإنها لا تمثل سوى النذر اليسير مما كان الاميركيون يأملون تغطيته من خلال الصادرات النفطية العراقية. لا احد يعرف بالضبط ماذا ستكون عليه كلفة اجتياح العراق لكن ادراة بوش تقدم رقم 100 مليار دولار.

    ويقدر مكتب الموازنة في الكونغرس كلفة مرابطة القوات الاميركية في العراق بما بين 12 و 45 مليار دولار سنويا. من جهتها خدمة الدين الخارجي العراقي البالغ اكثر من 110 مليارات دولار تتطلب ما بين 5 و12 مليار دولار سنويا. ما ان اكتشف الاميركيون ذلك حتى هرعوا الى الضغط على الدائنين الكبار كالدول العربية وروسيا وفرنسا كي يعمدوا الى الغاء هذه الديون فور انتهاء الحرب. ان التعويضات التي يطالب بها العراق اثر اجتياحه الكويت تصل الى ما يقارب الثلاثمئة مليار دولار مع ان الوكالة المسؤولة عن جبايتها تقدر ما سيدفعه العراق في النهاية 40 مليارا فقط (يعود هذا الخفض الى الضغوط الاميركية على الكويت كي تتخلى عن المطالبة بتعويضاتها) [3] . اخيرا لا احد يستطيع تقدير عدد العراقيين المرشحين للتشرد وبالتالي حجم المساعدة الانسانية المطلوبة علما بأنه حتى في زمن السلم يستورد العراق سنويا اغذية وادوية بمبلغ 14،5 مليارات دولار.

    حتى وفق السيناريوهات الاكثر تفاؤلا فإن هذه التكاليف اكبر بكثير من قدرة العراق على السداد. فعلى واشنطن اذن ان تواجه وحدها القسم الاكبر من الفاتورة (بما في ذلك التعويضات التي يمكن تركيا او غيرها من الدول انتزاعها مقابل تعاونها) والطلب من حلفائها القلائل دفع المتبقي. والآن تخلى المحافظون الجدد والمعارضة العراقية عن فكرة تحطيم منظمة اوبيك بعدما صفق لهم كورس الشركات البترولية الصغيرة التي لعبت دور الصقور في انتظار ارتفاع اسعار النفط وصفق لهم ايضا خبراء البنتاغون تحت وطأة الارقام.

    فاتفق اولا وبشكل سري على الابقاء على التكنوقراط الحاليين في وزارة النفط العراقية (بدل محاولة تطهير البعثيين) وتكليفهم اتخاذ كل القرارات لجهة السياسة البترولية. وستترك للمهندسين العاملين هناك القرارات الاساسية في ما يخص الانتاج وللمفاوضين المعتادين مهمة مناقشة العقود بسبب ما يمتلكونه من خبرة ومعلومات لا تتوافر لموظفي البنتاغون الذين لا يتمتعون في اقل تقدير بالمهارة اللازمة في ابرام الصفقات. يعني ذلك ان البترول العراقي لن يخصخص وان هؤلاء الخبراء سيسعون الى تحقيق افضل المداخيل النفطية تماما كالسعوديين والكويتيين من خلال تقديم الارباح الكافية للشركات الاجنبية لكي تتشجع على الاستثمار وذلك من خلال عقود واضحة حول تقاسم الانتاج.

    فسيكون للعراقيين والمشرفين الاميركيين فائدة في تشجيع المنافسة بين الشركات الاجنبية اذ ان مفتاح العقود المربحة يكمن في هذه المنافسة. وتلمح واشنطن الى انها قد تعاقب البلدان الذين لم تدعم سياستها، خصوصا روسيا وفرنسا. ان هذا التهديد يفقد الكثير من مصداقيته، فالروس وافقوا على اكبر استثمار غير مأمون النتائج في قطاع النفط العراقي لانهم بالضبط اكثر استعدادا للمخاطرة من الشركات الغربية. ويمكن لرساميلهم وحماستهم ان تشكل المفتاح لتحسن مردودية القطاع، كما ان شركة توتال استثمرت بمبالغ تفوق الاستثمارات الروسية وهي مؤهلة لتطوير انتاج النفط العراقي. لشركة شل مصالح كبيرة في العراق كما ان شركة "بريتيش بتروليوم" التي كانت تسيطر على البلاد في ما مضى تتشوق للعودة الى العراق.

    وستكتشف واشنطن ان فتح المزاد حول النفط العراقي لن يؤدي فقط الى تأمين افضل المداخيل بل سيدحض التهمة القائلة بأن الولايات المتحدة تسعى في العراق وراء مصالحها المادية.

    لا يعني ذلك ان الشركات الاميركية ستفقد دورها. فإذا استقرت الاحوال السياسية بسرعة (وهذا ما ليس مؤكدا) فإن شركتي اكسون موبيل وشيفرون تكساكو ستشاركان في المزاد كما ان شركات صغيرة مثل "كونوكو" قد تشارك ايضا من خلال كونسورسيوم دولي يوزع المخاطر على الاعضاء المشاركين. القطاع الوحيد الذي يمكن ان تهيمن عليه الولايات المتحدة هو عقود الخدمات الفرعية حيث ان شركات من امثال "هاليبورتون” (التي كان يرأسها نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني) و”شلومبرجه” تتفوق على غيرها لاسباب اقتصادية بحتة. لكن الامر المؤكد هو ان الشركات الاميركية لن تحتكر النفط العراقي وسيكون من المستغرب ان تتوصل في اي وقت من الاوقات الى التحكم بنصف انتاج بغداد من البترول.

    يمكن اتهام الشركات النفطية المتعددة الجنسية الاميركية او غير الاميركية بارتكابات كثيرة من نهب دلتا النيجر الى دعم ارهاب الدولة في اندونيسيا. لكن الحقيقة انها لا تشجع الحرب على العراق فإدارة بوش اعدت لحملتها على بغداد دون ادنى مساهمة من الشركات وفي جهل تام لقواعد الاقتصاد النفطي. فالذهب الاسود وارد في حسابات واشنطن العراقية كمورد استراتيجي اكثر منه اقتصادياً، فالحرب على صدام تهدف الى ترسيخ الهيمنة الاميركية اكثر منه الى مضاعفة ارباح شركة اكسون.




    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] استاذ مشارك في الجامعة الاميركية، بيروت

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

    يعمل...
    X