إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

عقيدة التوحيد

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عقيدة التوحيد

    عقيدة التوحيد

    للشيخ اسماعيل الجيطالي


    قال مولّفها: ينبغي أن يلقَّن الصبي هذه العقيدة مشروحة في أوَّل نشأته، حتّى يحفظها حفظاً، وهي هذه:

    إنَّ الله تعالى أوجب على كلِّ بالغ سالمٍ عاقل من الآفات أن يعتقد: أنَّ الله سبحانه إله واحد لا شريك له، منفرد لا نِدَّ له، قديم لا أوَّل له، مستمرُّ الوجود لا آخر له؛ ليس بجسم مصوَّر ولا بجوهر مقدَّر؛ ولا يماثل الأجسام ولا يتجزَّأ بالانقسام؛ ولا تحلُّه الجواهر والأعراض؛ ولا تعتريه الخواطر والأغراض، ولا تحويه الأقطار والجهات، ولا تكتنفه الأرض ولا السموات؛ منزَّه عن التمييز والانتقال، مقدَّس من الزوال؛ حيُّ قادر جبَّار قاهر، لا يعترضه قصور ولا عجز، ولا تأخذه سنة ولا نوم، له ملك الملكوت والعزَّة والجبروت، منفرد بالخلق والاختراع، متوحِّد بالإيجاد والإبداع، عالم بجميع المعلومات، محيط بما يجري من تخوم الأرض إلى أعلى السموات. لا يعزب عنه مثقال ذرَّة في الأرض ولا في السماوات، يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصمَّاء في الليلة الظلماء، يعلم حركة الخواطر وما يختلج في مكنون الضمائر، عالم بما كان وبما يكون من ظاهر ومكنون، يعلم ذلك بنفسه وبذاته، لا بعلم متجدد قائم بالذات، تعالى الله عن حلول المعاني والصفات، وهو تعالى مريد للكائنات، مدّبر للحادثات، خالق لجميع الموجودات وأفعالِها، مقدِّر لأرزاقها وآجالها؛ لا يقع كفر ولا إيمان، ولا نكر ولا عرفان، ولا سهو ولا نسيان، إلاَّ بقضائه ومشيئته وحكمه وإرادته، لا معقِّب لحكمه ولا رادَّ لقضائه.
    لم يزل قادراً مريداً في الأزل لوجود الأشياء في أوقاتها التي قدَّرها لها، فوجدت في أوقاتها كما قدَّرها، من غير تقدُّم ولا تأخُّر، بل وقعت على وفق علمه وإرادته.
    وهو سبحانه سميع لا تخفى عليه الأصوات، بصير لا تغيب عنه الألوان، لا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفي، ولا يغيب عن رؤيته مرئي وإن دقَّ؛ يرى من غير حدقة ولا أجفان، ويسمع من غير أصمغة ولا آذان، كما يعلم من غير قلب ولا جنان، وهو تعالى متكلم بلا شفة ولا لسان.
    أمر بالطاعة والإحسان، ناه عن الإساءة والعصيان؛ وأعدَّ على طاعته ثواب الخلد والجِنان، متوعِّد على معصيته عقاباً بين أطباق النيران.
    وإنَّه تعالى حكيم في أفعاله، عادل في حُكمه، متفضِّلٌّ بالإنعام، متمِّيزٌ بالإحسان، لا يظلم الناس شيئاً، ولكنَّ الناس أنفسهم يظلمون، لا يسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون.
    وأنّه تعالى بعث رسوله النبي الأمين، محمدبن عبد الله خاتم النبيين إلى الجنِّ والإنس أجمعين، فنسخ بشريعته جميع الشرائع المتقدِّمة إلاَّ ما لا ينسخ، من التوحيد ومكارم الأخلاق، فختم به الأنبياء، وفضَّله على جميع أوليائه من الأنبياء والأصفياء، ومنع سبحانه كمال التوحيد الذي هو قوله: لا إله إلاَّ الله، ما لم تقترن به الشهادة لرسول الله، وألزم الخلق تصديقَه في جميع ما قاله وأخبر عنه: من أنَّ الموت حقٌّ، وأنَّ البعث حقٌّ، وأنَّ الحساب حقٌّ، وأنَّ الجنة حقٌّ، وأنَّ لله جملة الأنبياء والرسل، وجملة الملائكة والكتب، والإيمان بالقضاء والقدر، وولاية أولياء الله من الأوَّلين والآخرين، والعداوة لأعدائه من الإنس والجنِّ أجمعين، ومعرفة الشرك وأحكامه، ومعرفة كبائر النفاق، وفرز كبائر الشرك من كبائر النفاق، ومعرفة تحريم دماء المسلمين وأموالهم، وسبي ذراريهم بالتوحيد الذي معهم، ومعرفة تحليل دماء المشركين وأموالهم وسبي ذراريهم، بالشرك الذي معهم، ومعرفة الملل وأحكامها، واعتقاد العبودية لله بجميع أوصافها._

  • #2
    بسم الله الرحمن الرحيم
    كلام جميل ما عدا

    ومعرفة تحريم دماء المسلمين وأموالهم، وسبي ذراريهم بالتوحيد الذي معهم، ومعرفة تحليل دماء المشركين وأموالهم وسبي ذراريهم، بالشرك الذي معهم،
    معقول هذا الكلام يخرج عن مسلم عاقل؟؟؟
    التوحيد مسألة خاصة بالمسلم نفسه
    فالتوحيد مختلف من شخص إلى شخص كل بحسب إيمانه وتقواه وورعه..
    الدماء لا تحرم والذراري لا تسبى بالتوحيد بل بالإسلام.
    كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.

    تعليق


    • #3
      التوحيد هو الإسلام . الشيخ لم يخطي في كلامه . لا يمكن يكون توحيد بدون اسلام .

      تعليق


      • #4
        سبحان الواحد الفرد الصمد الذي لم يكن له شريك او صاحبة او ولد !!! سبحان من بيده الجنة والنار وليست بيد احد غيره !!!! سبحان الذي لا ينبغي السجود الا له !!! سبحان الذي لا ينبغي ان يذل ويخضع الا له . سبحان الله .

        تعليق


        • #5
          بل اخطأ
          انت لا تسأل الناس هل انت موحد حتى تأكل من اكله
          بل تسأله هل أنت مسلم أم لا.
          وقالت الأعراب امنا
          فماذا كان الجواب...
          بالإسلام - الشهادتين تحرم الدماء والأعراض والأموال

          تعليق


          • #6
            كمال التوحيد قوله لا إله إلا الله محمد رسول الله . فهل يكون غير مسلم ؟ ركز بارك الله فيك . أنته لا تعلمنا عقيدتنا لا يوجد كالإباضيه يحرمون الدماء وأعراض وأموال المسلمين وأما غيرنا لا تكفيهم قول لا إله إلا الله محمد رسول الله . التكفير عندهم كشربة الماء . أستغفرك ربي وأتوب إليك .

            تعليق


            • #7
              نحن لا خِلاف بيننا و بينكم يا إباضية في التوحيد إلا في العدل لأن مذهبكم في الكسب الاشعري الذي اخذتموه من الأشاعرة يؤول للجبر وهذا خِلاف العدل .
              (خالق لجميع الموجودات وأفعالِها، مقدِّر لأرزاقها وآجالها؛ لا يقع كفر ولا إيمان، ولا نكر ولا عرفان، ولا سهو ولا نسيان، إلاَّ بقضائه ومشيئته وحكمه وإرادته، لا معقِّب لحكمه ولا رادَّ لقضائه.
              لم يزل قادراً مريداً في الأزل لوجود الأشياء في أوقاتها التي قدَّرها لها، فوجدت في أوقاتها كما قدَّرها، من غير تقدُّم ولا تأخُّر، بل وقعت على وفق علمه وإرادته.)
              هذا الكلام ليس كله صحيح بل الله تعالى ليس خالق الفعل للعباد تكويناً لأن هذا معناه ان الله تعالى هو من خلق فعل -الحركة باليد- التي قتل بها قتلة الحسين الحسين ، وهذا جبر ، نعم خالق تقديري ومعنى الخلق التقديري العلم بها .
              والجبر نتيجته نسبة الظلم لله تعالى بل جعل الله تعالى أظلم من إبليس والعياذ بالله ، وابطال التكاليف أي الشريعة الإسلامية وابطال ثواب الإيمان والعبادات وابطال عقاب الكفر والمعاصي لأن الله خالق الفعل تكويناً وبالتالي لا ذنب على العباد ولا يستحقون ثواب لأنهم لم يفعلوا شيئاً .


              (وإنَّه تعالى حكيم في أفعاله، عادل في حُكمه، متفضِّلٌّ بالإنعام، متمِّيزٌ بالإحسان، لا يظلم الناس شيئاً، ولكنَّ الناس أنفسهم يظلمون، لا يسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون.)
              الكلام صحيح ، لكن لا يمكن الجمع بين هذا القول وبين كون الله تعالى خالق افعال العِباد تكويناً .

              الدماء لا تحرم والذراري لا تسبى بالتوحيد بل بالإسلام.
              كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.
              الكلام صحيح بالعنوان الاولي -لأن التوحيد من شروط الإسلام بانتفائه انتفى الإسلام- وهو محل اجماع المسلمين بخاصتهم وعامتهم
              راجع منهاج الصالحين للسيد الخوئي قدس سره ابواب الجهاد

              أما عنوان ثانوي كعدم وجود القدرة او الإذن من الله تعالى للجهاد أو وجود هدنة و ما شابه هذا شيء آخر ولا شبهة في عدم وجود جهاد للكفار اليوم لعدم توافر الشروط

              تعليق


              • #8
                التوحيد شيئ
                والشهادتين شيئ اخر
                التوحيد علم قائم بذاته
                والإسلام فيه التوحيد وفيه ايضا محمد رسول الله

                تعليق


                • #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة المعتمد في التاريخ
                  التوحيد شيئ
                  والشهادتين شيئ اخر
                  التوحيد علم قائم بذاته
                  والإسلام فيه التوحيد وفيه ايضا محمد رسول الله
                  نعم ، وبانتفاء كون "لا إله إلا الله" في عقيدة شخص ينتفي الإسلام له لأن هذا شرط
                  كمثل واحد يقول اكو إلهان لكن محمد رسول من عندهما مثلاً والعياذ بالله

                  تعليق


                  • #10
                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    الحمدلله رب العالمين، الحمدلله الذي لا يجري شيء في ملكه إلا بأمره، ولا يعذب أحدا من خلقه إلا بما جناه من إصره، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين ومن تبعهم بإحسان.
                    رأيت هنا كلاما كثيرا عن مسألة القضاء والقدر، والتي هي أشهر ما خالف فيه المعتزلة جمهور الأمة في القضايا العقدية، ومما هو معلوم أن هناك ثلاث مسارات في هذا الأمر، فالمسار الأول هو مسار الجبرية ويمثله الجهمية وجماعة من الأشاعرة، والمسار الثاني مسار القدرية ويمثله المعتزلة، والمسار الثالث وهو مسار الخلق والاكتساب ويمثله الإباضية، والأصل أن هذا المسار هو وسط بين المسارين وقد صرح بذلك كثير من غير الإباضية.
                    ولم أكن مقتنعا بأن يقول المعتزلة ذاك القول حرفيا، أي خلق الإنسان لفعله واستقلاله استقلالا تاما عن مشيئة الله سبحانه في إجراء فعله، حتى تبينت ذلك من عدة مواقف، ثم ما تبع ذلك من اتهام الإباضية بأنهم جبرية وأن القول بالكسب ما هو إلا غطاء على الجبر لا معنى له إلا الهروب من التصريح بحقيقة معتقدهم.
                    وحقيقة لم أكن أريد الخوض في مسألة القدر، وقد انسحبت من عدة نقاشات فيها لما رأيت فيها من خطر عند الخوض فيها، ولكن لما رأيت هذا الهجوم الشرس واتهام الإباضية بالجبر، رأيت ألا أسكت عن الموضوع وأن أبين ما عندنا بكلام شاف وافٍ إن شاء الله تعالى، وأسأله التوفيق إلى ذلك.
                    اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وأعنّا على اجتنابه.
                    ظهور مسألة القضاء والقدر:
                    المشهور أن الخوض في هذه المسألة واختلاف المتكلمين فيها كان عندما وقع الحريق ببيت الله الحرام، واختلف الناس هل احترق بيت الله تعالى بقدر الله أم لم يكن ذلك بقدر الله
                    وهناك من يقرر أن معاوية بن أبي سفيان هو مؤسس قاعدة الجبر لتبرير حكمه على الناس واستيلائه على الخلافة.
                    تباين مواقف الناس من مسألة القضاء والقدر:
                    كغيرها من المسائل المستحدثة، تباينت مواقف الناس في مسألة القضاء والقدر، فمنهم من قال بجبر الناس على أفعالهم ولا قدرة لهم على تسيير أنفسهم، حتى قالوا أن الإنسان كالخيط في مهب الريح تحركه كيف شاءت ولا يملك من أمره شيئا، وهذا الاتجاه يمثله الجهمية وجماعة من الأشاعرة، ومنهم من قال بأن الإنسان خالق لأفعاله ومكتسب لها بنفسه ولا دخل لله عز وجل في أفعال الإنسان، وهذا الاتجاه يمثله المعتزلة، وظهر هناك اتجاه حاول التوسط، إذ كل واحد من الاتجاهين السابقين قد جمع أدلة من القرآن الكريم ليبرهن بها على قوله، فحاول هذا الاتجاه التوسط بين الاتجاهين بالجمع بين أدلتهما، فقال أن الله عز وجل خالق كل شيء ومن ذلك أفعال الإنسان، وإنما للإنسان من أمره الكسب وهو ما يحاسبه الله عليه، ويمثل هذا الاتجاه الإباضية.
                    ولسنا بصدد مناقشة الجبرية، فلا يكاد يوجد منهم أحد في عصرنا الحالي إلا نزرا يسيرا لا يكاد يسمع لهم حس، ولكن أكتفي بمناقشة قول المعتزلة وتفنيد اتهامهم الإباضية بالجبر، حيث أن هذا هو سبب المبحث.
                    مسألة الكسب عند الإباضية وتفصيلات القضية:
                    نظرة الإباضية إلى المسألة تنطلق من أمور وهي:
                    {خالق كل شيء} فحكموا بذلك أن كل شيء هو مخلوق لله سبحانه وتعالى، أجساما وأعراضا.
                    {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله} أي لا تنفذ مشيئتكم إلا بمشيئة الله، فهذا تصريح أن مشيئة الناس متعلقة بمشيئة الله سبحانه وتعالى ولا تخرج عنها، وخصوصا إذا نظرنا إلى سياق الآيات {إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا*وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما}
                    والآيات التي تعلق مشيئة الناس على مشيئة الله في الهداية أكثر من هذه، ففي سورة الأنعام:
                    {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون}
                    وفي المدثر {كلا إنه تذكرة*فمن شاء ذكره*وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة}
                    وغيرها..
                    وكذا انطلقوا من قوله تعالى {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا}
                    وقوله {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}
                    فهذه تدل على الإنسان له مشيئة ولا يرغمه الله عز وجل عليها.
                    فكيف يكون الجمع بين الآيات؟ خصوصا الآيتين الأخيرتين مع تقريرنا سابقا أن مشيئة الله غالبة، وكذا آيات أخرى مثل {من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا} ؟
                    لو نظرنا إلى آيات القرآن الكريم لوجدنا هناك توضيحا لهذه المعاني، وخير ما فسر القرآنَ القرآنُ، فنرى في سورة الأنفال قوله تعالى {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون*ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولّوا وهم معرضون}
                    فهنا تصريح من الله عز وجل بأن هؤلاء صم بكم، ونرى مثل هذه الآيات في سورة البقرة حيث يقول الله عز وجل {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم} ويقول {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون*صم بكم عمي فهم لا يرجعون} تصريح بأن سبب صممهم وبكمهم وعماهم هو فعل الله عز وجل ذلك بهم، هو الذي أذهب عنهم النور، هو الذي ختم على قلوبهم، فتأتي آية الأنفال موضحة ذلك {ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} هذا هو سبب الختم على قلوبهم، لأنهم لا خير فيهم، مهما رأوا من براهين وآيات فإنهم سيختارون الضلال، استكبار وعتوا فلا فائدة من إسماعهم وتبصيرهم، لأنه {ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون}.
                    فهكذا يتبين أن الله عز وجل يضل من لا يريد الهداية باختياره بنفسه، فهو في الأساس مخير ولكنه اختار العمى على الهدى، فزاده الله غيا في عماه.
                    ونرى مثل ذلك في سورة محمد {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم*أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم}
                    ويقول في حق المؤمنين {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}.
                    فالله عز وجل هو الذي يهدي ويضل، ولكن بحسب ما يعلم من نفس عبده إن كان يريد الهدى هداه وبصره بالطريق، وإن كان يريد الضلال أضله وأعماه وختم على قلبه وسمعه وبصره.
                    والتخاذل عن السعي والجد في طلب الحق لدرجة الجهاد يعد ركونا إلى الضلال، فلا يكفي للإنسان أن يقول لو رأيت الحق لاتبعته والله عز وجل يعلم ذلك مني، فإن أنا لم أهتد إلى الحق فسيحاسبني على ما يعلم من نفسي، هذا متخاذل لا يستحق أن يصل إلى الهدى، بل لا بد أن يجاهد في طلب الحق ولا يعذر نفسه أبدا في إخطائه، فالله عز وجل قد بيّن من هم الذين يهديهم إذ قال {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}.
                    فمن مجموع كل هذه الآيات وغيرها انطلق الإباضية إلى قولهم بأن الإنسان مخير في اختياره فعله ولكنه في نفس الوقت عاجز عن إتيانه إلا بتوفيق من الله عز وجل له، أو بلفظة أعم لا ينال فعله إلا بمشيئة الله سواء كان الفعل خيرا أو شرا، فإنه إن عزم على أمر وفعله فإنما أجرى الله له أمره وهيأ الأسباب لذلك، وإن عجز عنه فذلك أيضا بمشيئة الله، كأن يريد الإنسان أن يمشي إلى بقعة معينة، فإن مشى حتى بلغها فهذه إرادة الله له أن يبلغها، وإن لم يشأ الله له أن يبلغها فلن يبلغها، إما أن تشل قدماه، أو يسقط مريضا أو يحصل له ظرف أو يصاب بحادث في طريقه، أو حتى فجأة بينما كان يبدو له أن يذهب هكذا يتغير ما في نفسه فيقعد عن الذهاب بلا سبب بيّن، وكل ذلك مشاهد وواضح للعيان. وعلى ذلك فقس.
                    فمن هنا أمر الله عز وجل أن نعلق أي نية لفعل قادم بالمشيئة إذ قال {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} فعبر عن العزيمة إلى الفعل بقوله {إني فاعل ذلك غدا} وعبّر عن أن مشيئة الله هي مبلغته لذلك الفعل بأمره بالاعتراف بذلك {إلا أن يشاء الله}
                    الشبهات المثارة وتفنيدها:
                    احتج المخالفون لهذا القول من القائلين باستقلال الإنسان بفعله لقولهم على أمور لينقضوا بها القول السابق، فحاولوا نقض استقلال الله عز وجل بالخلق –وهذا خاص بالمتأخرين منهم، أما المتقدمون من جيل واصل بن عطاء فكانوا لا يتجاسرون على القول بخلق الإنسان لفعله وإنما يقولون أنه مخترع، فمن بعدهم تجاسر وقال أن الاختراع هو الخلق، فاستعملوا لفظة الخلق- واستدلوا على ذلك بقوله تعالى في سورتي المؤمنون والصافات:
                    {أحسن الخالقين} فقالوا بأن مجيء اسم التفضيل دلالة على أن هناك فاضلا ومفضولا، فالفاضل هو الله والمفضول هم من دونه، والتفاضل في الخلق، فالله خالق وهناك غيره خالقون وإنما خلقه أحسن من خلقهم.
                    وقبل أن نفرع في مسألة خلق الله لا بد أن نبين أولا فساد الاستدلال من أساسه، فإن وجود أسلوب التفضيل لا يقتضي بضرورة أبدا وجود صفة التفاضل في كلا الفاضل والمفضول، فالله عز وجل يقول {أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمّن يمشي سويا على صراط مستقيم} ويقول {أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة} ويقول {اعدلوا هو أقرب للتقوى}.
                    ولا يختلف اثنان على أن صفة التفاضل منعدمة تماما عن المفضول في الآيات الثلاث، فلا نسبة من الهدى لمن يمشي مكبا على وجهه، ولا نسبة من الخير لمن يلقى في النار، ولا نسبة من التقوى للجور والحيف، فأسلوب التفضيل يأتي أحيانا لتقرير انعدام صفة التفاضل عن المفضول تماما، ومن ذلك أيضا {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا}، فإنهم في قولهم هذا لم يريدوا المفاضلة في الخير بينهم وبين المؤمنين بل أرادوا إثابته لهم ونفيه عن المؤمنين، فعلى هذا في الآية {أحسن الخالقين} يكون التنزيه والتعظيم لله عز وجل في جعل التفضيل هنا نافيا لصفة الفضل عن غير الله سبحانه وتعالى، لا أن الآية جاءت لتقرر اشتراكه سبحانه وغيره في تلك الصفة، ويعضد ذلك قوله تعالى {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه} ويقول {أفمن يخلق كمن لا يخلق}، ويقول: {ألا له الخلق والأمر} وكأنه حصر لهذين في الله سبحانه واختصاصه بهما دون غيره، ويقول {هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض} وهذه الآية لا تخلو من أحد ثلاثة أمور: إما نفي خالق غير الله، أو نفي رازق غير الله، أو نفي الجميع عن غير الله، وكما رأيت من بعضهم فإنه قد كتب يقرر أن "مقدار الرزق الشخصي المكتسب يقدره الإنسان لنفسه زيادة أو نقصانا، إلا أحيانا يدخل تحت ما يسمى بـ(اللطف الإلهي) كأن يوسع الله أعمال رجل غني حتى يحصل آخر فقير على فرصة عمل عنده، فالآية المذكورة آنفا لا تخلو من تنفيد قوله بتقدير الإنسان لرزقه الشخصي زيادة أو نقصانا، أو تفنيد أساس كلامه وهو تفنيد كون الإنسان خالقا أيضا فبذلك هو مشارك لله عز وجل في صفة الخلق، أو تفنيدهما معا.
                    وعندما نناقش معنى الخلق، فإنه عندما يكون لله تعالى فيعني الإيجاد بعد العدم، وهذا مطلقا في كل شيء، ولا يمكن أن يشترك الله عز وجل في صفة خلقه بحيث يكون كصفة الخلق عندما يضاف إلى الإنسان التي هي تركيب النواميس الكونية، ولو دل على ذلك كلام ظاهر في الآيات إلا أن التأمل فيها يقود إلى التقرير بما قلته سابقا أن خلق الله عز وجل مطلقا يكون بمعنى الإيجاد بمعنى العدم.
                    فلو جئنا مثلا إلى خلق الإنسان، فالله عز وجل يقول {يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب} فظاهر هذه الآية أن ما فعله الله عز وجل هو تركيب نواميس كونية أي أن الخلق هنا كخلق الإنسان، ولكن لو عدنا وتأملنا، فإن التراب أصلا أوجده الله عز وجل من العدل، فعندما نتسلسل بالقاعدة المنطقية نقول: خلق اللهُ الإنسان من التراب، ووخلق التراب من العدم، إذًا خلق الله الإنسان من العدم.
                    أما بالنسبة للإنسان فقد يوصف بأنه خالق، ولكن خلقه يكون عبارة عن تركيب نواميس كونية قد خلقها الله سابقا من العدم وذلك مثل قول الله حكاية عن عيسى عليه السلام {أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير} فبيّن هنا بأنه إنما يخلق من الطين، والظاهر أنه يعني التشكيل بدليل قوله {كهيئة الطير}، فلا توجد أي مشابهة بين الخلقين سوى في اللفظ، وهذا أيضا دليل آخر على فساد الاستدلال بالآية {أحسن الخالقين} أنها تقرير لوجود صفة المفاضلة في الله وغيره، فكما قلنا بأن خلق الله شيء، وخلق الإنسان شيء آخر، وإنما تكون المفاضلة في نفس الشيء عند المتفاضلين. ، ولعل المعتزلة يقولون أن مقصدهم من خلق الإنسان لفعله هو ما ذكرناه آنفا، أي تركيب نواميس كونية، لا إيجاد من العدم.
                    لكن عندما نرجع إلى أصل سبب قولهم أن الإنسان خالق لفعله فإنهم عمدوا إلى ذلك من أجل الهروب من القول بخلق الله عز وجل لأفعال الشر، فكأنه تقرير بأن الإنسان أوجدها ابتداء بلا تدخل من الله سبحانه فيها.
                    وما نقوله بأن الله عز وجل هو خالق الخير والشر، وخالق أفعال الخير والشر، والأدلة على ذلك متظافرة، فأولا عموم قول الله سبحانه {خالق كل شيء} فجعل "شيء" مضافة إلى "كل" ولم يقل مثلا (خالق الأشياء) كي يقال بأن هذا لفظ عام ودلالة العام ظنية، فيمكن أن يستثنى منه بعض الأمور، بل صرّح تصريحا بقوله {خالق كل شيء}.
                    وكل موجود فهو شيء، ولا تخرج الموجودات المشاهدة عندنا عن أمرين: إما أن تكون أعراضا أو أجساما.
                    والخير والشر أعراض، فهما شيئان، فيدخلان في {كل شيء}.
                    ومن الأدلة أيضا قوله تعالى {ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء} فالضلال شر، وتقرير الله عز وجل بأنه يضل تقرير منه سبحانه بإيجاده للضلالة التي هي من مجمل الشرور.
                    وكذا قوله تعالى {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا}
                    فقد قرر سبحانه أن الحسنة والسيئة من عنده لا من عند غيره، والسيئة شر.
                    ويُفهم أن المعتزلة أرادوا تنزيه الله عن إيجاده للشر لأن ذلك قبح، غير أنهم وقعوا في القول بخروج أمور عن إرادة الله عز وجل، وهذا محال وسنتطرق إلى هذه النقطة فيما بعد إن شاء الله.
                    نقول إن الله عز وجل أوجد كل إنسان وكلّ مخلوق، وعلم ما سيفعل هذا المخلوق من خير أو شر، ومن يقول بغير هذا فقد كفر.
                    فعلى هذا يكون الله عز وجل علم عن إبليس أنه سيرفض السجود لآدم وسيستكبر ثم يتوعد بإضلال البشر ويسحب أكثرهم معه في جهنم والعياذ بالله، وعلم أن فرعون سيعلو في الأرض ويستضعف بني إسرائيل ويدعي الألوهية ويحارب موسى عليه السلام، وعلم أن قارون سيبغي على قوم موسى، وعلم أن بني إسرائيل سيكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق، وأن اليهود سيقولون عزير ابن الله وسيكذبون بالمسيح عليه السلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم وسيحيكون الدسائس والمؤامرات على المسلمين ويكون شرا مستطيرا عليهم وعلى العالم أجمع، وعلم أن النصارى ستقول إن الله ثالث ثلاثة وسيأتي منهم قوم يكونون وبالا على المسلمين والعالم، وعلم أن أبا لهب وأبا جهل سيضطهدان المسلمين ويكذبان النبي عليه الصلاة والسلام ويصدان الناس عن دعوته، وعلم أن معاوية سيشق عصا المسلمين ويتسبب بفرقتهم شيعا وأحزابا، إلى غير ذلك مما علمه الله عن أشخاص سيكونون وبالا على البشرية وعلى أولياء الله، ومع هذا فإن الله عز وجل خلقهم، وهيأ لهم من الأسباب ما مكنهم من بلوغ شرورهم، فهل يقال أن هذا قبح في حقه تعالى؟ بل في إبليس اللعين الذي هو أحد أساسات البلاء في الدنيا، تعالوا لنرَ كيف وصل به الأمر إلى هذه المرحلة:
                    {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} هنا كانت بداية القصة، ثم بدأت الأحداث تتصاعد:
                    {فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين} ما السبب؟!!
                    {قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين * قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} تمرد صريح على الله عز وجل واستكبار على أوامره، فجاء الحكم:
                    {قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} صدر الحكم الصارم بحلول اللعنة إلى الأبد! فها قد بانت سريرته للجميع وكان الله يعلمها من الأزل، لكن القصة لم تنته هنا، بل أراد إبليس أن يواصل المسيرة:
                    {قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون} لماذا؟ طبعا أي مرء يرى مجرما خطيرا قد أيقن بالهلاك، وليس لديه أي شيء قد بقي لكي يتسلى به أو يقضيه قبل حلول موعد هلاكه، ويريد هذا المجرم تمديد مدة إنفاذ الحكم، ماذا قد يريد؟ إلا أنه قد امتلأ حقدا وحنقا على بقية الناس، فأراد أن يفرغه فيهم بقدر ما يستطيع!
                    لكن مع هذا جاء جواب الله عز وجل على طلبه: {قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم} لُبي طلب المجرم، والقاضي لا يعود في كلامه، فهنا صرّح المجرم بسبب طلبه هذا:
                    {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين} !!!
                    توعد صريح أنه سيسعى لكي يذوق بقية الناس مرارة حقده وحنقه بعد أن أيقن بالهلاك! ويقسم بعزة الله سبحانه!
                    لماذا أجاب الله طلبه بما أن هذه غايته؟ فالله عز وجل يعلم قطعا ما يريده من هذا الطلب، والقائل بغير هذا فهو كافر.
                    وتعالوا فنحن لم نعرف بعد ردة فعل القاضي على توعد المجرم، هل هو سيقول له بأنني سأحبسك مثلا حتى لا تفرغ حنقك في الناس؟ أو يتراجع عن تلبية الطلب؟ أو يقول سوف يعين حراسا لمراقبة الناس كي لا يطال المجرم أحدهم بسوء؟ أو أو أو؟؟؟؟؟
                    جواب القاضي: {قال فالحقُّ والحقَّ أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين}
                    أقسم المجرم على النيل من الناس، فتوعد القاضي وأكّد تأكيدا بدوره أن أولئك الناس الذين سيقعون في مصيدة هذا المجرم سيكون مصيرهم نفس مصيره!!
                    والقاضي هو الله، والمجرم هو إبليس.
                    فانظر أن الله عز وجل قد أخلى الطريق أمام إبليس ليعيث في الأرض فسادا، فهو خلقه، وهو جعله من نار والتي هي نظريا أفضل من الطين من ناحية طبيعتها، وهو أجابه إلى طلبه بأن يبقيه حيّا إلى يوم القيامة ليغوي الناس ويأخذ معه إلى جهنم قدر استطاعته حتى لا ينجو منهم إلا قليل {قال أرأيتك هذا الذي كرّمت علي لئن أخرتنِ إلى يوم القيامة (لأحتنكنّ ذريته إلا قليلا) * قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا * (واستفزز من استطعت منهم) بصوتك، وأجلب عليهم بخيلك، ورجلك، وشاركهم في الأموال، والأولاد، وعدهم، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا}، أفليس كل ذلك شرا مستطيرا على البشرية جمعاء؟ بل هذا هو أساس الشرور، ولكن الله صرح بأنه هو مسبب هذا الشر، الذي هو أساس الشرور، ولا يقدح ذلك في الله ولا يعد وصفا له بالقبيح، فما دون هذا الشر أهون من ذلك.
                    ولكن الدنيا دار بلاء واختبار، فالله عز وجل خلق أولئك الأقوام مع علمه بما سيفعلونه باختيارهم الحر، ليجازيهم على أعمالهم وليكونوا بلاء يبتلي به عباده، فينجح فريق ويهلك فريق في هذا الابتلاء.
                    فذاك مثل ذاك، خلق الله عز وجل أفعال الشر والقبح بلاء يبتلي به عباده، فكل ذلك منصب في حكمته تعالى ولا يعد قبحا بحال من الأحوال.
                    والمالك يتصرف في ملكه كيف يشاء، فكل شيء هو ملك الله فهو يتصرف فيه كيف يشاء سبحانه، على أن الأفعال التي نعدها قبيحة لم تكن قبيحة لذاتها، بل لأن الله سبحانه أوجد فيها عرض القبح والشر فكانت كذلك، ويظهر هذا جليا في أمور كثيرة.
                    فمثلا في الاتصال الجنسي، هل هو حسن أم قبيح؟
                    أحيانا يكون حسنا وأحيانا يكون قبيحا، فإن كان زواجا أو تسريا فهو حسن، وإن كان زنا والعياذ بالله فهو قبيح.
                    ولعل بعضهم يعترض ويقول أن الزواج هو تكوين أسرة وبيت لاستمرارية الجنس البشري والنهوض به بعكس الزنا الذي هو إتيان للشهوة بلا مراعاة للعواقب واحترام للإنسانية.
                    نقول إن في المجتمعات الغربية ظاهرة اتخاذ الأخدان، فيتخذ الرجل خدنا له ويسكن معها في شقة واحدة بعلم أهلهما وأصدقائهما، ويعاشرها كما يعاشر الرجل زوجته، ولعله ينجب منها أطفالا ويعدهم أبناءه، ثم بعد مدة طويلة لعلهما يقرران الزواج، فهل فعلهما السابق يُعد حسنا لأنه شابه الزواج؟ يأبى الله ذلك والمؤمنون!
                    كما أن هناك مسألة أخرى وهي مسألة التسري، حيث يغنم الرجل جارية من الحرب أو يشتريها من السوق (وهذا منعدم في وقتنا الحالي ولكنه كان ظاهرة عادية أقرها الإسلام وشرع لها أحكاما خاصة) فهذه الجارية التي يملكها الرجل يقضي منها وطره، كما أنها ملك يمينه قد يمسكها وقد يبيعها لرجل غيره، وهكذا تتناقل بين الرجال وتعد كالسلعة، فهل يكون هذا الفعل قبيحا مع أنه إلى حد ما يشبه الزنا؟ كلا أبدا، بل هو أمر مشروع في الإسلام! -وإن كان قد أرسى القواعد لإنهائه بشرع العتق والحث عليه في كثير من الأحكام، ولعله سيأتيني أحد هؤلاء الذين حدثوا اليوم وتأثروا بنداءات العلمانيين الذين صوروا هذا الأمر كفعل مشوه يعد وصمة عار في الإسلام، إلا أنه لا التفات إليهم فإن الأمر مجمع عليه وكان العمل عليه متواترا إلى وقت قريب، ولم ينكره أحد من فقهاء المسلمين-.
                    الشاهد مما سبق هو أن الفعل لا يكون قبيحا لذاته، بل لتقبيح الله عز وجل إياه بخلقه عرض القبح فيه.
                    وتعالوا نرى شيئا صريحا آخر، بعد أن أخرج الله إبليس من الجنة قال لآدم: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين}
                    الجنة هي خلق الله عز وجل الخالص الذي لم يتدخل أحد آخر ليتصرف فيه كما نتصرف نحن بنواميس الدنيا، فتلك الشجرة داخلة في الجنة إذن هي من خلق الله سبحانه، وهي شيء سيء قبيح بما أن الله نهى آدم وزوجه عن قربها، بل وترتب عليه أمر مؤسف بعد ذلك:
                    {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين}
                    مع أن إبليس قد طُرد من رحمة الله، إلا أنه كانت هناك طريقة باقية له ليستطيع التوصل إلى إغواء سيدنا آدم وزوجه عليهما السلام، وطبعا لم يكن الله غافلا عنها -ويكفر من قال بذلك-، ولو شاء لقطع جميع السبل عن إبليس، ولكنه تركها له وهو يعلم ما سيحدث، وفي كل الآيات القرآنية تصريح بأن سبب زلل آدم عليه السلام هو إغواء إبليس.
                    وبماذا أغواه؟ بالأكل من الشجرة التي في الجنة التي هي من خلق الله الخالص، فماذا حدث؟ حكم الله عليه بالخروج من الجنة ليبقى هو وذريته يعانون في الأرض إلى يوم القيامة! فهذا مثال آخر على خلق الله للقبيح، ولا يقدح ذلك في الله عز وجل فإنما خلقه ليبتلي عباده، وهذا هو أساس الدار الدنيا فإنها دار بلاء، والآخرة دار الجزاء. -وحتى لا يتصيد أحد في الماء العكر ويتهمني بالدعوة إلى إهمال الدنيا وإلقائها خلف ظهورنا، فأنا أقول بأننا مأمورون أيضا بتعمير الدنيا، ولكن بالانصباب في كل وقتنا في عبادة الله سبحانه، ومن عبادة الله تعمير الأرض بمختلف أنواع التعمير من بناء وتعليم وغيرهما-.
                    وهناك تصريح آخر من الله عز وجل أن الضرر لا يجري إلا بإرادته ولو أراده غيره، نجد ذلك في سورة البقرة حيث يقول سبحانه وتعالى في معرض ذكر الشياطين والسحر {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله}
                    فالسحر شيء قبيح، وقد ذكر الله سبحانه من أصناف ذلك صنف التفريق بين المرء وزوجه، وأن أولئك المتعاطين للسحر يستخدمونه بحيث يتبعون ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان عليه السلام، وأنها هذه الشياطين تعلمهم السحر وما أنزل على الملكين هاروت وماروت، ومما يتعلمونه من الملكين التفريق بين المرء وزوجه، ولا شك أن هذا من أقبح القبيح، ولا يوجد فيه جانب من الحسن، وهم يضرون بذلك الناس، ولكن مع هذا يصرح الله سبحانه {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} فثبت أن سعي العباد للضر لا يجري إلا بإذن الله عز وجل، فلا يوجد هناك شيء يجري في هذا الكون وتخلو منه إرادة الله سبحانه سواء كان خيرا أم شرا، نفعا أم ضرا، كله لا يجري إلا بإذن الله عز وجل.
                    هذا من ناحية تصريح الله عز وجل بخلقه للقبيح وإذنه به، وإذا نظرنا إلى أمر آخر من الناحية الأساسية التي ذكرناها وهي تصرف المالك –الذي هو الله- في ملكه كيف يشاء، فقتل أي كائن حي هو أمر مستشنع في ذاته، لكن قتل الأعداء في الحرب مثلا يعد واجبا مقدسا، وهو من أعلى درجات الشرف في كل الشعوب والحضارات والثقافات.
                    ولننظر إلى أمر آخر، وهو قتل البهيمة، أفليست كائنا حيا له حقه في الحياة؟ لكن مع ذلك فإنه يقتل ويؤكل لحمه ويباع على مرأى ومسمع من العالم، وهو شيء اعتيادي! لماذا؟ لأن البهيمة هي ملك الله عز وجل وهو يتصرف في ملكه كيف يشاء، وقد شاء في البهيمة أن يجوز قتلها بالذبح وأكل لحمها بعد ذلك -وهي قطعا تتألم أثناء ذبحها-، ولا يعد هذا قبحا في حقه سبحانه وتعالى، مع أنه لو شاء لأغنانا عن أكل الذبائح وأوجد لنا مصدرا آخر، والحقيقة أن المصدر الآخر موجود ولكن هذا المصدر –الذي هو اللحم- لا يمكن الاستغناء عنه، فهذا من تصرّف الله عز وجل في ملكه كيف يشاء ولا اعتراض عليه.
                    فمما سبق يظهر لك الأمر في عدم اتسام الله سبحانه بالقبح وإن خلق الفعل القبيح، فهو من ناحية أوجد فيه بنفسه عرض القبح فلم يكن الفعل قبيحا بذاته، وهو من ناحية يتصرف في ملكه كيف يشاء.
                    هذا، وإن القول باستقلال الإنسان بفعله يفضي إلى القول باستغنائه عن الله سبحانه وتعالى، وهذا لا يصح فإن الله سبحانه يقول {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد*إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد*وما ذلك على الله بعزيز}
                    حتى في جانب الشر فإن الإنسان عاجز ما لم يقدره الله على فعل الشر، ومثال ذلك أن يزني المرء فإنه لا يقدر إلا إن أقدره الله سبحانه، وهو يقول {أفرأيتم ما تُمنون*أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون} فهذا تصريح واضح بتمنن الله عز وجل على الإنسان بخلقه لمنيّه الذي يمنيه، فإن الزاني حين يزني ويقذف المني فإنما يقذف بالمني الذي خلقه الله له، وربما شاء الله ألا يقدر على ذلك فيصيبه بعجز أو ضعف في ذلك الوقت أو يكسله عن الجماع، ولكن يحاسبه على عزيمته وتوجهه إلى الفعل فإذا فعله كان الإصر أعظم، وإن كان إنما قدر على فعله بإقدار الله إياه، ولا يقدح هذا في الله سبحانه أن يُقدر الإنسانَ على المعصية ثم يحاسبه عليها، فإن الإنسان من الأساس عاجز في كل شؤونه ما لم يقدره الله عليها، وإنما له الإرادة والتوجه إلى الفعل بحريته التامة فلا حجة له بعد ذلك على الله أن يكون عصيانه بتمكين الله له من ذلك، وقد فصلنا سابقا بما فيه الكفاية من أدلة إيجاد الله للقبيح وإرادته إياه وعدم إتيان أحد للقبيح إلا بإذنه، وأن إيجاد الله للقبيح لا يعد قبحا منه سبحانه ولا يقدح في ذاته.
                    وأذكر أنه دار نقاش بيني وبين أحد الإخوة هنا وهو الأخ محمد رياض، وكنت أقول بأنه إن نفينا وجود إرادة الله في فعل الإنسان لفعله فهذا إقرار بعجز الله فهو إما أن يكون مريدا أو عاجزا، وكان ينفي ذلك ويقول أنه يمكن ألا يكون مريدا ولا عاجزا، ومثّل ذلك بأن يرى الأب أطفاله يلعبون بشيء هو يكرهه، فلو شاء لمنعهم ولكنه تركهم لحاجة في نفسه. وفي ذلك الوقت قد أشكل علي هذا الأمر فاستأذنت منه وصرحت بأنني أحتاج لإعادة النظر والتأمل في المسألة.
                    فأعدت النظر وتأملت وفكرت فيها، حتى توصلت إلى أنه لا يمكن إلا أن يكون قولي السابق فعدتُ إليه، وسبب التوصل إليه من وجوه، منها أن الإرادة هي صفة ذاتية لله عز وجل ولا يمكن أن تزول عنه بحال من الأحوال، وإنما الصفات التي يمكن أن يتصف بها ويتصف بضدها في اختلاف المحل هي الصفات الفعلية، كالرحمة والعقاب، والإعطاء والمنع، والإعزاز والإذلال.
                    هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن قياسه الأمر على أب وأطفاله هو قياس مع الفارق، فإن الأطفال مستغنون عن الأب في حركتهم وذهابهم وإيابهم وسائر أفعالهم، أما البشر مع الله عز وجل فإنهم فقراء عاجزون لا يجري أمر من أمورهم إلا بأمر الله ومشيئته سبحانه {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله} {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله}.
                    فلا يكون الإنسان إلا إذا خلقه الله، ولا يبطش بيده إلا إذا أذن الله فجعلها يدا سليمة، وخلق لها عرض الحركة -أو طاقة الحركة باصطلاح الفيزيائيين- ولم يعترضها عارض أثناء فعلها، وكل ذلك بإذن وأمر من الله سبحانه.
                    ومما يرويه لنا سيدي سماحة الشيخ أحمد الخليلي حفظه الله أنه عندما كان ذاهبا للعلاج الولايات المتحدة الأمريكية كان الطبيب "هيمن" –وهو ملحد- يوصيه بوصايا، يقول سيدي: (فكنت أقول له: إن شاء الله.
                    فقال لي: لماذا تقول إن شاء الله؟ فالأمر يعود إلى مشيئتك ولا يعود إلى مشيئة الله!
                    قلت: وما تشاؤون إلا أن يشاء الله. فصار حوار بيني وبينه، فلما طال الحوار قال: أنا أقرر أن أفعل شيئا فأفعله بدون تدخل مشيئة الله
                    قلت له: ألا يمكن أن تأتي يوما إلى المستشفى –وكان جراح أعصاب- وقصدك عمل عمليات لمرضى وقد جهزت كل شيء وعندما تصل إلى المستشفى تسقط ميتا ويتعطل كل شيء؟
                    قال: محتمل
                    قلت: هذا لأن مشيئة الله لم تقتض نفاذ مشيئتك، ثم قلت: ألا يمكن أن تأتي يوما وقد قررت أن تعمل عمليات، فإذا بك أنت بنفسك تحتاج إلى عملية؟
                    قال: نعم محتمل هذا"
                    يقول سيدي: "فوقع هذا فعلا، الرجل جاء إلى المستشفى في يوم من الأيام وسقط في المستشفى، فقالوا أنه يحتاج إلى إجراء عملية قلب سريعة!
                    فصار يكتب لي رسائل–وهو يأتي إلى زيارة عمان- ويقول: "سآتي لزيارة عمان إن شاء الله، وسأزورك إن شاء الله، وسأفعل كذا إن شاء الله" وكتب لي في يوم من الأيام "زوجتي أصيبت بالسرطان وقد قرر الأطباء أنها لن تعيش إلا عاما واحدا، وقد مضى العام وهي حية لا تزال!" فكتبتُ إليه: "هذا دليل على أن مشيئة الله سبحانه وتعالى هي التي تصرّف الوجود، وليس ما يقوله العباد ولا ما يشاؤه العباد!" وذكر سيدي أنه توفي قبل زوجته! ) ونكتفي بهذا من القصة إذ أخذنا موضع الشاهد، والقصة سمعتها بنفسي مشافهة منه، ولدي تسجيلها.-
                    ومما سبق أريد تبيين أمر، وهو أنه لا يمكننا أن ننفي الجبر تماما، فالإنسان عندما يُخلق يكون مجبورا على ذلك ولا اختيار لأحد في أن يُخلق أو لا، ويكون مجبورا على جنسه ولونه وشكله ووطنه وأهله ومجتمعه وقوته وطبائعه وأمراضه ومواهبه، بل هو مجبور على كونه إنسانا لا حيوانا أو جمادا أو جنيا أو مَلَكًا، وما يقع عليه من مصائب وأفراح بفعل غيره من غير سعي منه لذلك، كله مجبور عليه ولا يد له فيه، ومع هذا فلا يحق له الاعتراض على الله في ذلك فإنه قدّر كل شيء بحكمة بالغة وإن لم نفقهها {لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون} وعليه فإن الجبر هو الجانب الأكبر المسيطر على حياتنا، سوى نسبة من الحرية وهي حرية التوجه إلى الأفعال والقصد إليها بالعزيمة والنية، فقد منحنا الله سبحانه ذلك وهو ما يُحاسب عليه العباد.
                    ومما أثير أيضا في شبهة خلق الإنسان لفعله هو ما جاء في قوله تعالى {وتخلقون إفكا} فهذا تصريح بخلق الأفاكين للإفك.
                    والرد عليه من وجوه، أولها ما ذكرناه سابقا من التفريق بين خلق الله وخلق الإنسان، ثانيها وهو الأقرب للمعنى هو أن معنى الخلق هنا ليس الصنع، بل هو معنى الافتراء والكذب، ففي لسان العرب:
                    (والخَلْق: الكذب. وخَلَق الكذبَ والإفك يخلُقه وتخَلَّقه واختلقه وافتراه: ابتدعه؛ ومنه قوله تعالى: {وتخلقون إفكا}, ويقال: هذه قصيدة مخلوقة أي منحولة إلى غير قائلها، ومنه قوله تعالى: {إنْ هذا إلا خَلْقُ الأولين} فمعناه كذِبُ الأولين، و{خُلُق الأولين} قيل: شيمة الأولين، وقيل: عادة الأولين، ومن قرأ {خَلْقُ الأولين} فمعناه افتراء الأولين، قال الفراء: من قرأ {خَلْق الأولين} أراد اختلاقهم وكذبهم، ومن قرأ {خُلُق الأولين} –وهو أحب إلي- الفراء: أراد عادة الأولين، قال: والعرب تقول حدثنا فلان بأحاديث الخَلْق، وهي الخرافات والأحاديث المفتعَلة، وكذلك قوله: {إن هذا إلا اختلاق}، وقيل في قوله تعالى {إن هذا إلا اختلاق} أي تخرُّص. وفي حديث أبي طالب: {إنْ هذا إلا اختلاق} أي كذب، وهو افتعال من الخَلْق والإبداع كأن الكاذب تخلّق قوله.) ا.هـ المراد ابن منظور لسان العرب مادة "خلق".
                    فيتبين جليا أنه لا حجة في هذه الآية لقولهم، مع وجود المعنى الأنسب عند تركيب الألفاظ.
                    وبعد ذكر شبهة نسبة الخلق إلى العباد يتناسب أن ننتقل إلى شبهة أخرى كخاتمة، وهي شبهة وصف الإباضية بالجبرية واتهامهم أن استعمالهم مصطلح الكسب إنما هو غطاء على الجبر.
                    وحجتهم في ذلك أن القول بخلق الله لفعل الإنسان إقرار بالجبر، ونحن عندما نقول أن الإنسان له الكسب وله إرادته الحرة، يبادرون بالسؤال "والكسب والإرادة أهما مخلوقان؟" نقول: "نعم، وما سبب مخالفتنا لكم إلا قولنا بأن الله سبحانه خالق كل شيء" فيردون: "فإن كان الفعل مخلوقا والكسب مخلوقا والإرادة مخلوقة، فماذا بقي لنا من استقلال؟ وما يكون هذا غير الجبر المحض؟"
                    وقبل أن أخوض في تفنيد هذا الكلام، أقول بأنني أعجب من المعتزلة أن يقعوا في مثل هذا القول! أي استقلال العبد بالخلق دون الله سبحانه!
                    وأذكر أنني كنت أشاهد مناقشة لأحدهم مع بعض الوهابية، وكان ذلك حول إثبات المكان لله عز وجل، فكان ذلك الوهابي يقول بأن الله كان ولا شيء غيره، أي العدم، ثم خلق الخلق وخلق المكان، فكان خلقه في جهة وهو في الجهة الأخرى فإذن هو في مكان.
                    فرد عليه الأخ المعتزلي بأنه هل نقول أن هذا المكان مخلوق أم لا؟
                    فإن كان مخلوقا فقد أثبتّ حلول الله في خلقه، وإن كان غير مخلوق فقد أثبتّ شيئا لم يخلقه الله!
                    وقد أعجبني منطقه في هذه القضية وأكبرته، لكنني بعد ذلك عندما أرى كلامهم في هذه القضية "خلق الأفعال" أعجب من هذا! فإنه يناقض احتجاجهم على الأقل في تلك القضية، فكيف يحتج بالإنكار على ذلك الشخص بإثبات شيء لم يخلقه الله، ثم يعود هنا ويقول أن الفعل يخلقه الإنسان بإرادته المستقلة لا الله! إذن لا وجه لاحتجاجه في المسألة السابقة.
                    وعلى كلٍّ، فإن القول بخلق الله للفعل والكسب والإرادة لا بد منه، فقد قدمنا سابقا بأدلة خلق الله عز وجل لكل شيء وناقشنا بعض تفصيلات المسألة، والفعل والكسب والإرادة كلها أعراض، والأجسام والأعراض مخلوقة لله سبحانه جميعا، ولو وُجد صنف ثالث لكان أيضا مخلوقا لله سبحانه، إذ كلها داخلة تحت عموم قوله {خالق كل شيء}.
                    على أن القول بخلقها لا يقتضي إقرار الجبر بحال من الأحوال، فإنما هم مريدون بإرادة الله لهم ذلك، ولو أراد لهم أن يكونوا مجبرين لكان.
                    وبإثباتنا أن لهم "إرادة" فقد نفينا الجبر، فإنه نقيض الإرادة، ولا يقدح في ذلك قولنا بأن الإرادة مخلوقة، فالله الذي خلق الإنسان خلق جميع أحاسيسه ومشاعره وقدراته، ومنها الإرادة حتى يجعله مستطيعا للتوجه إلى ما يريده من أفعال بحريته التامة بلا جبر من الله له على ذلك.
                    وكذا احتجوا في اتهام الإباضية بالجبر بإطلاق بعض علمائهم أن الاستطاعة مقارنة للفعل فلا هي قبله ولا بعده.
                    والحقيقة أن ظاهر هذا القول يوهم بذلك أي بالجبر، ولكن من نظر في كلام أهل المذهب وتفسيرهم لهذا الكلام علم مقصودهم منه، وإنهم إنما قالوا ذلك هروبا من القول باستقلال الإنسان بفعله استقلالا تاما عن إرادة الله سبحانه.
                    وقد حققها سيدي الشيخ أحمد الخليلي حفظه الله وخلص إلى نتيجة فقال: "بهذا يتبين أن التحقيق بأن الاستطاعة استطاعتان:
                    _استطاعة ينبني عليها التكليف الشرعي –وقد استخدم هذا المصطلح لأنه كان يمثّل بالحج وأن وجوبه أو تكليفه على الإنسان باستطاعته له، أي توفر الأسباب لذلك، فيمكن أن نفهم أنه يقصد بمصطلح استطاعة اتكليف أي توفر الأسباب- وهي تهيؤ الإنسان للعمل، بحيث يكون مئنة لذلك العمل الذي يعمله.
                    _واستطاعة هي التوفيق لإنجاح العمل، هذه الاستطاعة هي التي تكون مع الفعل.
                    لأن الإنسان قد تعترضه عوارض مع أنه هو متهيئ قادر على فعل الشيء" ثم ذكر قصته مع الطبيب التي ذكرتها سابقا، وأعاد مرة أخرى أن الاستطاعة التي يترتب عليها تمام العمل ونجاحه تكون مقارنة للفعل، أما الاستطاعة التي تجعل الإنسان مئنة للعمل فهي سابقة وهي التي يترتب عليها التكليف، ونبه أن قضية الكسب والجبر بينهما خط دقيق، ولا بد من الانتباه لهذا الخط.
                    هذا وأكتفي بذلك فقد بلغت ما أريده، ولعل هناك أمورا لم أتطرق إليها وذلك لأن المسألة مبثوثة أصلا في كتب عقائد الإباضية ومناقشة من قبل، وأبرز كتب العقائد هي "بهجة الأنوار" و"مشارق أنوار العقول" للإمام نور الدين السالمي رحمه الله، و"شرح غاية المراد في الاعتقاد" لسيدي سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي حفظه الله، فمن شاء فليرجع إليها، وإنما كتبت هذا المبحث للسبب الذي ذكرته في المقدمة، وأرجو من الله أن أكون قد وُفقت في ذلك، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
                    سليمان بن سامي الحسني
                    ليلة الأربعاء 11 من ربيع الأول 1434 هـ
                    ملاحظة : هذا الرد جاء على المعتزلة في صفحتهم في الفيس بوك

                    تعليق


                    • #11
                      كمقدمة ، قول أغلب المعتزلة بالاستقلال التام أي أن لله قدرة وللعبد قدرة لا تحتاج الله تعالى بعد ان خلق العبد مرفوض عندنا جملةً و تفصيلاً بل نحن نقول ان لله قدرة وقدرة كل شيء آخر إنما هي بمشيئة الله تعالى وبإذنه لكن العبد حُر كيف يتصرَّف بها بعد ان أعطاه الله تعالى القدرة على استخدامها

                      ونحن لا نحكم على المجبرة بالكفر إلا لو التزموا بنفي الشرائع ونسبة الظلم لله وما سوى ذلك نقول ضلال منحرفون لكن يبقون مسلمون للتغاير من الإسلام والإيمان

                      ويُلاحظ على كل ما يأتي به المجبرة أنه لا أكثر من ظهور وليس نص والظهور يُترك لما هو أظهر منه من قرائن منفصلة

                      فمنهم من قال بجبر الناس على أفعالهم ولا قدرة لهم على تسيير أنفسهم، حتى قالوا أن الإنسان كالخيط في مهب الريح تحركه كيف شاءت ولا يملك من أمره شيئا، وهذا الاتجاه يمثله الجهمية وجماعة من الأشاعرة، ومنهم من قال بأن الإنسان خالق لأفعاله ومكتسب لها بنفسه ولا دخل لله عز وجل في أفعال الإنسان، وهذا الاتجاه يمثله المعتزلة، وظهر هناك اتجاه حاول التوسط، إذ كل واحد من الاتجاهين السابقين قد جمع أدلة من القرآن الكريم ليبرهن بها على قوله، فحاول هذا الاتجاه التوسط بين الاتجاهين بالجمع بين أدلتهما، فقال أن الله عز وجل خالق كل شيء ومن ذلك أفعال الإنسان، وإنما للإنسان من أمره الكسب وهو ما يحاسبه الله عليه، ويمثل هذا الاتجاه الإباضية.
                      ولسنا بصدد مناقشة الجبرية، فلا يكاد يوجد منهم أحد في عصرنا الحالي إلا نزرا يسيرا لا يكاد يسمع لهم حس، ولكن أكتفي بمناقشة قول المعتزلة وتفنيد اتهامهم الإباضية بالجبر، حيث أن هذا هو سبب المبحث.
                      سيتبيَّن بعد قليل أن القول بالجبر لا يفرِّق بين من يقول ان العبد له قدرة لا يحدِث بها بنفسه وبين قول من يقول انه لا قدرة له ، المهم الناتج مادام لم يقل بأن العبد له قدرة لها تأثير (ولا يحاول الجمع بين المتناقضان كما يفعل السلفية) فهو عين الجبر .
                      والقول بالجبر هو قول اغلب اهل القبلة من سلفية واشاعرة واباضية ولم يخالف في الجبر إلا الشيعة بإماميهم وزيديهم وأيضاً المعتزلة ، لكن المعتزلة والزيدية وقعوا في التفويض أي ابطال مشيئة الله تعالى وهذا أشر من الجبر .


                      {خالق كل شيء} فحكموا بذلك أن كل شيء هو مخلوق لله سبحانه وتعالى، أجساما وأعراضا.
                      نحن نزاعنا في خلق أفعال العباد تكويناً (خصوص الأعراض التي تشملها) لأن هذا عين الجبر

                      وينقض هذا الاستدلال قوله تعالى
                      اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
                      فهل الله تعالى وكيل على الربا وعلى اجور الزانيات ؟!!؟!؟!


                      {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله} أي لا تنفذ مشيئتكم إلا بمشيئة الله، فهذا تصريح أن مشيئة الناس متعلقة بمشيئة الله سبحانه وتعالى ولا تخرج عنها، وخصوصا إذا نظرنا إلى سياق الآيات {إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا*وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما}
                      مُسلَّم ، ومعنى مشيئة الله أي إرادة الله في إعطائنا القدرة على الفعل ، فنحن ممكنات وجود نحتاج واجباً (الله تعالى) وإلا لا يمكن تصوُّر كوننا موجودين ولو للحظة واحدة إذن انعدم الفيض الإلهي الذي يبقينا "نختفي" إن جاز التعبير .

                      والآيات التي تعلق مشيئة الناس على مشيئة الله في الهداية أكثر من هذه، ففي سورة الأنعام:
                      {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون}
                      وفي المدثر {كلا إنه تذكرة*فمن شاء ذكره*وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة}
                      الآيات الأولى هي من باب أن الله قادر على الجبر للكفار لا في مقام الإثبات .
                      والثانية في مقام ما وضحناه من المشيئة .


                      فكيف يكون الجمع بين الآيات؟ خصوصا الآيتين الأخيرتين مع تقريرنا سابقا أن مشيئة الله غالبة، وكذا آيات أخرى مثل {من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا} ؟
                      إذا حصل تنازع في المشيئة فلا محالة لا وجود اصلا لمشيئة للعبد فإذا قلت أن المشيئة هي فعل الله وإحداثه لفعلنا وقتها لا محالة لا وجود اصلاً لفعل لنا .


                      لو نظرنا إلى آيات القرآن الكريم لوجدنا هناك توضيحا لهذه المعاني، وخير ما فسر القرآنَ القرآنُ، فنرى في سورة الأنفال قوله تعالى {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون*ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولّوا وهم معرضون}
                      فهنا تصريح من الله عز وجل بأن هؤلاء صم بكم، ونرى مثل هذه الآيات في سورة البقرة حيث يقول الله عز وجل {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم} ويقول {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون*صم بكم عمي فهم لا يرجعون} تصريح بأن سبب صممهم وبكمهم وعماهم هو فعل الله عز وجل ذلك بهم، هو الذي أذهب عنهم النور، هو الذي ختم على قلوبهم، فتأتي آية الأنفال موضحة ذلك {ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} هذا هو سبب الختم على قلوبهم، لأنهم لا خير فيهم، مهما رأوا من براهين وآيات فإنهم سيختارون الضلال، استكبار وعتوا فلا فائدة من إسماعهم وتبصيرهم، لأنه {ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون}.
                      هذا عين الجبر ! ولا يوجد تفسير لهذا الكلام إلا الجبر وان الله هو سبب الكفر ولا ذنب على من كفر لأنه لم يفعل شيئاً !
                      وهذه الآيات لها الكثير من التفاسير وليس فقط هذا المعنى وما دخل فيه الاحتمال بطل به الاستدلال

                      ونحن نذكر هذه الآية الكريمة خصوصاً لأن ظهورها قوي لعوام الناس ولا حاجة لرد الباقي
                      خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

                      فالمقصود بالختم يحتمل معانٍ :
                      1-العلامة ، أي وضع علامة كفرهم عليهم لتعرفها مثلاً الملائكة .
                      2-طبع عليهم جزاءاً للكفر وعقوبة عليه ، وهذا يجوز كما يجوز أن يُقال عن الذي أُعجِبَ بامرأة "أهلكته فلانة" مع انها لم تفعل شيئاً له .
                      3-أن المقصود بالختم على القلوب ان الله شهد عليها وحكم انها لا تقبل الحق .
                      4- (وهذا كلام قوي) أن الله تعالى ذمهم بأنها كالمختوم عليها في أنه لا يدخلها الإيمان ولا يخرج عنها الكفر كقوله تعالى صم بكم عمي ، وكقول الشاعر (أصمُ عمى ساءه سميع) ، وقول آخر : لقد أسمعت لو ناديت حيّا * ولكن لا حياة لمن تُنادي .
                      أي الكفر تمكن من قلوبهم فصارت كالمختوم عليها و صاروا بمنزلة من لا يفهم ولا بصر ولا يسمع .
                      وغيرها من احتمالات

                      أما الواو فسهلٌ القول أنها استئنافية أي أنهم هم من جعلوا الغشاوة على ابصارهم وعلى سمعهم وليس الله ، وإن قيل عاطفة فيرد على الكلام تقريباً كل ما قيل .

                      فهكذا يتبين أن الله عز وجل يضل من لا يريد الهداية باختياره بنفسه، فهو في الأساس مخير ولكنه اختار العمى على الهدى، فزاده الله غيا في عماه.
                      كلام لا يرجع لمعنى مُحصَّل ، لو كان الله فاعل ضلالته فهو لم يختر شيئاً أصلاً وهذا الكلام يرجع لاحتماع النقيضين في المحاولة للجمع بين اختياره وبين كون الله خالق أفعال العباد تكويناً .

                      ونرى مثل ذلك في سورة محمد {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم*أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم}
                      لا يتم القول بالجبر هاهنا إلا لو قيل أن المقصود هو الجارحة ، وهذا باطل فهذه كناية .
                      ويمكن القول ان كيفية جعلهم صم عمي أن الهل تعالى حكم ان اعراضهم بمنزلة الذي لا يسمع ولا يرى ، وإذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال .
                      ويقول في حق المؤمنين {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}.
                      فالله عز وجل هو الذي يهدي ويضل
                      أما أن الله يهدي فمُسلَّم لأننا إنما وصلنا للهداية بالعقل الذي انعم الله به علينا وبالأنبياء والرسل و والأئمة الذين بعثهم لنا ولولاهم لكنا كالبهائم .
                      أما أن الله يضل -أعوذ بالله من هذه الكلمة- حاشى لله أن يكون ظالماً وأيُّ ظُلمٍ أكبر من إضلال شخص ؟!!؟!؟!؟!
                      مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا


                      والتخاذل عن السعي والجد في طلب الحق لدرجة الجهاد يعد ركونا إلى الضلال، فلا يكفي للإنسان أن يقول لو رأيت الحق لاتبعته والله عز وجل يعلم ذلك مني، فإن أنا لم أهتد إلى الحق فسيحاسبني على ما يعلم من نفسي، هذا متخاذل لا يستحق أن يصل إلى الهدى، بل لا بد أن يجاهد في طلب الحق ولا يعذر نفسه أبدا في إخطائه، فالله عز وجل قد بيّن من هم الذين يهديهم إذ قال {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}.
                      في البداية كان الله خالق الاعراض ثم حاول الكاتب الجمع بين هذا القول وبين اختيار الإنسان والآن يقول أن الإنسان مختار ثم يصبح مجبراً !!!!!


                      فمن مجموع كل هذه الآيات وغيرها انطلق الإباضية إلى قولهم بأن الإنسان مخير في اختياره فعله ولكنه في نفس الوقت عاجز عن إتيانه إلا بتوفيق من الله عز وجل له، أو بلفظة أعم لا ينال فعله إلا بمشيئة الله سواء كان الفعل خيرا أو شرا،
                      كلام جميل لولا ان تفسيركم للمشيئة التي لا يفعل العبد إلا بها أن الله يُحدِثُ الفعل وليس إعطاءنا القدرة .


                      ثم اطال بالقول أن الآية أحسن الخالقين لا تقتضي بالضرورة وجود خالقين غير الله ، والحال إن سلمنا فهي من الظهورات حالها حال ما استدل به على مطلبه في الجبر
                      {ألا له الخلق والأمر} وكأنه حصر لهذين في الله سبحانه واختصاصه بهما دون غيره
                      يلزم تخصيص الأمر بالله تعالى وهذا باطل فرسول الله أمره حُجَّة كما هو محقَّق في الاصول ، فما تقولونه من جواب هو جوابنا عن الخلق .

                      وعندما نناقش معنى الخلق، فإنه عندما يكون لله تعالى فيعني الإيجاد بعد العدم، وهذا مطلقا في كل شيء، ولا يمكن أن يشترك الله عز وجل في صفة خلقه بحيث يكون كصفة الخلق عندما يضاف إلى الإنسان التي هي تركيب النواميس الكونية، ولو دل على ذلك كلام ظاهر في الآيات إلا أن التأمل فيها يقود إلى التقرير بما قلته سابقا أن خلق الله عز وجل مطلقا يكون بمعنى الإيجاد بمعنى العدم.
                      هذا يهدم ما استدل به الكاتب من آيات الخلق على اثبات خلق افعال العباد تكويناً فهو يثبت ان الخلق في كتاب الله كله لا من شيء وإذا ثبت هذا لم تشمل أفعال العباد فإنما يُحدثون الحركة بالجوارح .

                      فلو جئنا مثلا إلى خلق الإنسان، فالله عز وجل يقول {يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب} فظاهر هذه الآية أن ما فعله الله عز وجل هو تركيب نواميس كونية أي أن الخلق هنا كخلق الإنسان، ولكن لو عدنا وتأملنا، فإن التراب أصلا أوجده الله عز وجل من العدل، فعندما نتسلسل بالقاعدة المنطقية نقول: خلق اللهُ الإنسان من التراب، ووخلق التراب من العدم، إذًا خلق الله الإنسان من العدم.
                      أما بالنسبة للإنسان فقد يوصف بأنه خالق، ولكن خلقه يكون عبارة عن تركيب نواميس كونية قد خلقها الله سابقا من العدم وذلك مثل قول الله حكاية عن عيسى عليه السلام {أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير} فبيّن هنا بأنه إنما يخلق من الطين، والظاهر أنه يعني التشكيل بدليل قوله {كهيئة الطير}، فلا توجد أي مشابهة بين الخلقين سوى في اللفظ، وهذا أيضا دليل آخر على فساد الاستدلال بالآية {أحسن الخالقين} أنها تقرير لوجود صفة المفاضلة في الله وغيره، فكما قلنا بأن خلق الله شيء، وخلق الإنسان شيء آخر، وإنما تكون المفاضلة في نفس الشيء عند المتفاضلين. ، ولعل المعتزلة يقولون أن مقصدهم من خلق الإنسان لفعله هو ما ذكرناه آنفا، أي تركيب نواميس كونية، لا إيجاد من العدم.
                      مُسلَّم .

                      لكن عندما نرجع إلى أصل سبب قولهم أن الإنسان خالق لفعله فإنهم عمدوا إلى ذلك من أجل الهروب من القول بخلق الله عز وجل لأفعال الشر، فكأنه تقرير بأن الإنسان أوجدها ابتداء بلا تدخل من الله سبحانه فيها.
                      وما نقوله بأن الله عز وجل هو خالق الخير والشر، وخالق أفعال الخير والشر، والأدلة على ذلك متظافرة، فأولا عموم قول الله سبحانه {خالق كل شيء} فجعل "شيء" مضافة إلى "كل" ولم يقل مثلا (خالق الأشياء) كي يقال بأن هذا لفظ عام ودلالة العام ظنية، فيمكن أن يستثنى منه بعض الأمور، بل صرّح تصريحا بقوله {خالق كل شيء}.
                      كلمة كل لا تحوِّل الكلام إلى نص قطعي في خلق افعال العباد غاية ما في الامر تزيد ظهور هذا

                      قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ۗ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
                      هذه الآية في حجة على الكفار ولو كان المراد خلق افعال العباد تكويناً لوجب ان تكون حجة لهم على الله لأنهم وقتها سيقولون ان الله الخالق لعبادتهم فما ذنبهم ، بل يقولون أنك -تعالى- خلقت فينا الفعل فلماذا توبخنا على فعل فعبته فينا فيبطل فائدة الآية .
                      ثم ذمهم على فعلهم في نفس النص يصلح قرينة لفظية متصلة على خروج افعال العباد من هذا .

                      ثم يُلاحظ ان الكاتب لم يأتي بشاهد لغوي من كلام العرب على تسمية افعال العباد أشياء ليشملها القول .


                      ومن الأدلة أيضا قوله تعالى {ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء} فالضلال شر، وتقرير الله عز وجل بأنه يضل تقرير منه سبحانه بإيجاده للضلالة التي هي من مجمل الشرور.
                      لا يوجد شاهد من كلام العرب على كون الإضلال والهداية بمعنى خلق الفعل ، لماذا لا يكون -مثلاً- المعنى أن الله تعالى عندما بيَّن طريق الخير وطريق الشر فمن اتبع ما بيَّنه تعالى لنا هداه ومن تركه واتبع ما اخبرنا انه شر أضلَّه ؟ وهكذا الاحتمالات تجعل الاستناد لهذه الآيات مجرد ظنون لا تجوز في اصول الدين
                      وكذا قوله تعالى {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا}
                      فقد قرر سبحانه أن الحسنة والسيئة من عنده لا من عند غيره، والسيئة شر.
                      هذا تدليس وحذف للكلام قبلها .


                      والمالك يتصرف في ملكه كيف يشاء، فكل شيء هو ملك الله فهو يتصرف فيه كيف يشاء سبحانه، على أن الأفعال التي نعدها قبيحة لم تكن قبيحة لذاتها، بل لأن الله سبحانه أوجد فيها عرض القبح والشر فكانت كذلك، ويظهر هذا جليا في أمور كثيرة.
                      مجرد دعوى من الدعاوي


                      لا اطيل برؤية باقي الكلام الطويل ، فالفكرة التي يحاول ايصالها بالجمع بين خلق الله تعالى افعال العباد تكويناً وبين كون العباد مختارين وصلت ، وهي اجتماع نقيضين

                      تعليق


                      • #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة المسيب
                        التوحيد هو الإسلام . الشيخ لم يخطي في كلامه . لا يمكن يكون توحيد بدون اسلام .
                        " قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا"

                        هل التوحيد هو الاسلام أم الايمان؟

                        إن كان التوحيد هو الاسلام فلماذا نهى الله الاعراب عن قولهم أنهم آمنوا والقول بأنهم أسلموا فقط؟

                        ماذا ينقص الشخص إن كان موحدا حقا حتى يصح القول عنه أنه آمن؟

                        تعليق

                        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                        حفظ-تلقائي
                        x

                        رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                        صورة التسجيل تحديث الصورة

                        اقرأ في منتديات يا حسين

                        تقليص

                        المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                        أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
                        استجابة 1
                        9 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                        بواسطة ibrahim aly awaly
                         
                        أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
                        ردود 2
                        12 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                        بواسطة ibrahim aly awaly
                         
                        يعمل...
                        X