إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الفقه المقارن

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفقه المقارن

    المسح على الأرجل أو غسلها في الوضوء
    اختلف علما، الإسلام في نوع طهارة الأرجل من أعضا، الوضوء ،فذهب فقها، الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة إلى وجوب الغسل فرضاً على التعيين، وأوجب داود بن علي، والناصر للحق من أئمة الزيدية الجمع بين الغسل والمسح1 ورب قائلٍ منهم بالتخيير بينهما2 والذي عليه الامامية تبعاً لأئمة العترة الطاهرة مسحها فرضاً معيناً3.

    حجة الامامية

    هي قوله تعالى: ﴿وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ﴾4.

    وقد كفانا الأمام الرازي بيان الوجه في الاحتجاج بهذه الآية بما صدع به مفصلاً إذ قال: حجة من قال بوجوب المسح مبني على القراءتين

    7

    المشهورتين في قوله وأرجلكم قال: فقرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو وعاصم _ في رواية أبي بكر عنه _ بالجر، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم _ في رواية فص عنه _ بالنصب قال: فنقول: أما القراءة بالجر فهي تقتضي كون الأرجل معطوفة على الرؤوس، فكما وجب المسح في الرأس فكذلك في الأرجل، قال: فإن قيل لم لا يجوز أن يقال هذا كسر على الجوار؟ كما في قوله: جحر ضب خرب وقوله: كبير أناس في بجاد مزمل، قلنا: هذا باطل من وجوه:

    الأول: ان الكسر على الجوار معدود في اللحن الذي قد يتحمل لأجل الضرورة في الشعر وكلام الله يجب تنزيهه عنه.

    وثانيها: أن الكسر على الجوار إنما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس كما في قوله: جحر ضب خرب، فإن من المعلوم بالضرورة أن الخرب لا يكون نعتاً للضب بل للجحر، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل.

    وثالثها: أن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف، وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب قال: وأما القراءة بالنصب فقالوا أيضاً أنها توجب المسح وذلك لأن قوله: وامسحوا برؤوسكم، فرؤوسكم في محل النصب _ بامسحوا لأنه المفعول به _ ولكنها مجرورة لفظاً بالبا، فإذا عطفت الأرجل على الرؤوس جاز في الأرجل النصب عطفاً على محل الرؤوس5 وجاز الجر عطفاً على الظاهر قال: إذا ثبت هذا فنقول ظهر أنه

    8

    يجوز أن يكون عامل النصب في قوله وأرجلكم هو قوله وامسحوا6 ويجوز أن يكون هو قوله فاغسلوا7 أ لكن العاملان إذا اجتمعا على معمول واحد كان أعمال الأقرب أولى8. قال: فوجب أن يكون عامل النصب في قوله وأرجلكم هو قوله وامسحوا. قال: فثبت أن قراءة وأرجلكم بنصف اللام توجب المسح أيضاً. قال: ثم قالوا ولا يجوز دفع ذلك بالأخبار لأنها بأسرها من باب الآحاد9 ونسخ القرآن بخبر الواحد لايجوز.

    هذا كلامه بلفظه10 لم يتعقبه، ولكنه قال: إن الأخبار الكثيرة وردت بإيجاب الغسل والغسل مشتمل على المسح ولا ينعكس فكان الغسل أقرب إلى الاحتياط، فوجب المصير إليه11. قال: وعلى هذا الوجه يجب القطع بأن غسل الأرجل يقوم مقام مسحها... الخ.

    قلت: أما أخبار الغسل فستعلم رأي أئمة أهل البيت وأوليائهم فيها قريباً إن شاء الله تعالى.

    وأما قوله بأن الغسل مشتمل على المسح فمغالطة واضحة بل هما حقيقتان لغة وعرفاً وشرعاً12 فالواجب إذا هو القطع بأن غسل الأرجل لا

    9

    بنصف عبد عطفاً على موضع دينار.

    يقوم مقام مسحها، لكن الإمام الرازي وقف بين محذورين هما مخالفة الآية المحكمة ومخالفة الأخبار الصحيحة في نظره فغالط نفسه بقوله ان الغسل مشتمل على المسح وأنه أقرب إلى الاحتياط وأنه يقوم مقام المسح ظناً منه بأنه قد جمع بهذا بين الآية والأخبار، ومن أمعن في دفاعه هذا وجده في ارتباك ولولا أن الآية واضحة الدلالة على وجوب المسح ما احتاج إلى جعل الغسل قائماً مقامه فأمعن وتأمل ملياً.

    وعلى هذا المنهاج جرى جماعة من جهابذة الفقه والعربية منهم الفقيه البحاثة الشيخ إبراهيم الحلبي إذ بحث الآية في الوضوء من كتابه - غنية المتملي في شرح منية المصلي على المذهب الحنفي _ فقال: قرئ في السبعة بالنصب والجر، والمشهور ان النصب بالعطف على وجوهكم والجر على الجوار. قال: والصحيح ان الأرجل معطوفة على الرؤوس في القراءتين، ونصبها على المحل، وجرها على اللفظ، قال: وذلك لامتناع العطف على وجوهكم للفصل بين العاطف والمعطوف عليه بجملة أجنبية هي (وامسحوا برؤوسكم ). قال: والأصل أن لا يفصل بينهما بمفرد فضلاً عن الجملة. قال: ولم نسمع في الفصيح ضربت زيداً ومررت ببكر وعمراً بعطف عمراً على زيداً. قال: وأما الجر على الجوار فإنما يكون على قلة في النعت كقول بعضهم: هذا جحر ضب خرب، وفي التأكيد كقول الشاعر:

    يـا صــاح بلــغ ذوي الزوجات كلهم
    أن ليـس وصـل لم ذا انحلت عري الذنـب

    بجر كلهم على ما حكاه القراء قال: وآما في عطف النسق فلا يكون

    10

    لأن العاطف يمنع المجاورة هذا كلامه بنصه13.

    وممن نمج هذا المنهاج الواضح أبو الحسن الإمام محمد بن عبد الهادي المعروف بالسندي في حاشيته على سنن ابن ماجة إذ قال: (بعد ان جزم بأن ظاهر القرآن هو المسح) وإنما كان المسح هو ظاهر الكتاب لأن قراءة الجر ظاهرة فيه وحمل قراءة النصب عليها بجعل العطف على المحل أقرب من حمل قراءة الجر على قراءة النصب كما صرَّح به النحاة. قال: لشذوذ الجوار واطراد العطف على المحل. قال: وأيضاً فيه خلوص عن الفصل بالأجنبي بين المعطوف والمعطوف عليه فصار ظاهر القرآن هو المسح هذا نصه14 لكنه كغيره أوجب حمل القرآن على الأخبار الصريحة بالغسل.

    وتفلسف الإمام الزمخشري في كشافه حول هذه الآية إذ قال: الأرجل من بين الأعضاء المغسولة الثلاثة تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه فعطفت على الثالث الممسوح لا لتمسح ،ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها. قال: وقيل إلى الكعبين فجي، بالغاية إماطة لظن ظان يحسبها ممسوحة لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة.

    هذه فلسفته ني عطف الأرجل على الرؤوس وني ذكر الغاية من الأرجل، وهي كما ترى ليت في شي، من استنباط الأحكام الشرعية عن

    11

    الآية المحكمة ولا شي، من تفسيرها ولا الآية بدالة على شي، منهابشي، من الدوال وإنما هي تحكم في تطيق الآية على مذهبه بدلاً من استنباط المذهب من الأدلة ،وقد أغرب في تكهنه بما لا يصغي إليه إلاَّ من كان غسل الأرجل عنده مفروغاً عنه بحكم الضرورة الأولية أما مع كونه محل النزاع فلا يؤبه به ولا سيما مع اعترافهم بطهور الكتاب ي وجوب المسح وحسبنا في ذلك ما توجبه القواعد العربية من عطف الأرجل على الرؤوس الممسوحة بالإجماع نصاً وفتوى.

    نظرة في أخبار الغسل

    أخبار الغسل قسمان:

    منها: ما هو غير دال عليه ،كحديث عبد الله بن عمرو بن العاص إذ قال - كما في الصحيحين _ تخلَّف عنا النبي |في سفر سافر ناه معه فأدركنا وقد حضرت صلاة العصر فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى: ويل للأعقاب من النار15

    وهذا لو صح لاقتضى المسح إذ لم ينكره صلى الله عليه وآله وسلمعليهم بل أقرَّهم عليه كما ترى وإنما أنكر عليهم قذارة أعقابهم، ولا غرو فإن فيهم أعراباً حفاة جهلة بوَّالين على أعقابهم ولا سيما في السفر نتوعَّدهم بالنار لئلاَّ يدخلوا في الصلاة بتلك ألأعقاب المتنجسة.

    ومنها: ما هو دال على الغسل ،كحديث حمران مولى عثمان بن عفان إذ قال: رأيت عثمان وقد أفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات ثم أدخل يمينه ني الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر،

    12

    الحدث16. وقد جاء فيه: ثم غسل كل رجل ثلاثاً. ثم قال: رأيت النبي |يتوضأ نحو وضوئي. ومثله حديث عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري وقد قيل له: توضأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمفدعا بإناء فأكفأ منها على يديه، الحديث17. وفي آخره: ثم غسل رجليه إلى الكعبين. ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. إلى غير ذلك من أخبار جاءت في هذا المعنى.

    وفيها نظر من وجوه:

    أحدها: أنها جاءت مخالفة لكتاب الله عزَّ وجل ولما أجمعت عليه أئمة العترة الطاهرة عليهم السلام18 والكتاب والعترة ثقلا رسول الله(ص)لن يفترقا أبدا ولن تضل الأمة ما إن تمسكت بهما فليضرب بكل ما خالفهما عرض الجدار.

    وحسبك في انكار الغسل ووهن أخباره ما كان من حر الأمة وعيبة الكتاب والسنَّة عبد الله بن عباس إذ كان يحتج للمسح فيقول19: افترض الله غسلتين ومسحتين الا ترى أنه ذكر التيمم فجعل مكان الغسلتين مسحتين وترك المسحتين.

    وكان يقول20: الوضوء غسلتان ومسحتان21، ولما بلغه أن الربيع

    13

    بنت معوذ بن عفرا، الأنصارية تزعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلمتوضَّأ عندها فغسل رجليه، أتاها يسألها عن ذلك وحين حدَّثته به قال _ غير مصدق بل منكراً ومحتجا _ ان الناس أبوا إلأ الغسل ولا أجد في كتاب الله إلا المسح22.

    ثانيها: أنها لو كانت حقا لا ربت على التواتر لأن الحاجة إلى معرفة طهارة الأرجل في الوضوء حاجة عامة لرجال الأمة ونسائها أحرارها ومماليكها وهي حاجة لهم ماسة في كل يوم وليلة، فلو كانت غير المسح المدلول عليه بحكم الآية لعلمه المكلفون في عهد النبوة وبعده ،ولكان مسلمّاً بينهم، ولتواترت أخباره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل عصر ومصر فلا يبقى مجال لانكاره ولا للريب فيه، ولما لم يكن الأمر كذلك ظهر لنا الوهن المسقط لتلك الأخبار عن درجة الاعتبار.

    ثالثها: أن الأخبار في نوع طهارة القدمين متعارضة بعضها يقتضي الغسل، كحديثي حمران وابن عاصم وقد سمعتها، وبعضها يقتضي المسح ،كالحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه، وروه كل من أحمد وابن أبي شيبة وابن أبي عمر والبغوي والطبراني والماوردي كلهم من طريق كل رجاله ثقات 23 عن أبي الأسود عن عباد بن تميم عن أبيه قال: رأيت رسول الله |يتوضأ ويمسح على رجليه.

    وكالذي أخرجه الشيخ في الصحيح عن زرارة وبكير ابني أعين عن

    14

    الباقر عليه السلام أنه حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمفمسح رأسه وقدميه إلى الكعبين بفضل كفيه لم يجدد ماء.

    وعن ابن عباس أنه حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمفمسح - كما في مجمع البيان - على قدميه.

    وحيث تعارضت الأخبار كان المرجع كتاب الله عزَّ وجلَّ لا نبغي عنه حولاً.

    نظرة في احتجاجهم هنا بالاستحسان:

    ربما احتج الجمهور على غسل الأرجل أنهم رأوه أشد مناسبة للقدمين من المسح ،كما أن المسح ،أشد مناسبة للرأس من الغسل ،إذكان القدمان لا ينقى دنسهما إلا بالغسل غالباً بخلاف الرأس فإنه ينقى غالباً بالمسح.

    وقد قالوا: إن المصالح المعقولة لا يمتنع أن تكون أسباباً للعبادات المفروضة حتى يكون الشرع لاحظ فيها معنيين معنى مصلحياً ومعنى عبادياً، وعنوا بالمصلحي ما يرجع إلى الأمور المحسوسة، وبالعبادي ما يرجع إلى زكاة النفس.

    فأقول: نحن نؤمن بأن الشارع المقدس لاحظ عباده في كل ما ينههم إلأ عما فيه مفسدة لهم، لكنه مع ذلك لم يجعل شيئاً من مدارك كلفهم به من أحكامه الشرعية فلم يأمرهم إلاَّ بما فيه مصلحتهم ولم تكن تلك الأحكام منوطاً من حيث المصالح والمفاسد بآراء العباد بل تعبدهم بأدلة قويمة عينها لهم، فلم يجعل لهم مندوحة عنها الى ما سواها، وأول تلك الأدلة الحكيمة كتاب الله عز وجل وقد حكم بمسح الرؤوس والأرجل في الوضوء فلا مندوحة عن البخوع لحكمه، أما نقا، الأرجل من الدنس فلا بد

    15

    من احو ازه قبل المسح عليها عملاً بأدلة خاصة دلت على اشتراط الطهارة في أعضاء الوضوء قبل الشروع فيه24، ولعلَّ غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمرجليه المدعي في أخبار الغسل إنما كان من هذا الباب، ولعله كان من باب التبرد، أو كان من باب المبالغة في النظافة بعد الفراغ من الوضوء والله تعالى أعلم.

    تنبيه:

    أخرج ابن ماجة فيما جاء في غسل القدمين من سننه من طريق أبي اسحاق عن أبي حية قال: رأيت علياً توضأ لغسل قدميه إلى الكعبين ثم قال: أردت أن أريكم طهور نبيكم.

    قال السندي - حيث انتهي إلى هذا الحديث في تعليقته على السنن _هذا رد بليغ على الشيعة القائلين بالمسح على الرجلين حيث الغسل من رواية علي قال: ولذلك ذكره المصنف من رواية علي وبدأ به الباب ولقد أحسن المصنف وأجاد في تخريج حديث علي في هذا الباب، جزا ه الله خيرا. قال: وظاهر القرآن يقتضي المسح كما جاء عن ابن عباس، فيجب حمله على الغسل25، هذا كلامه بلفظه عفا الله عنه وعن الإمام ابن ماجة وسائر علما، الجمهور فإنهم يعلمون سقوط هذا الحديث بسقوط سنده من عدة جهات.

    الأولى: أن أبا حية راوي هذا الحديث نكرة من أبهم النكرات، وقد

    16

    أورده الذهبي في الكنى من ميزانه فنصَّ على أنه: لا يعرف، ثم نقل عن ابن المديني وأبي الوليد الفرضي النص على أنه: مجهول، ثم قال: وقال أبو زرعة: لا يسمى، قلت: أمعنت بحثاً عن أبي حية فما أفادني البحث إلاَّ مزيد الجهل به، ولعلَّه إنما اختلقه مختلق حديثه والله تعالى أعلم.

    الثانية: أن هذا الحديث تفرَّد به أبو اسحاق26 وقد شاخ ونسي واختلط فتركه الناس27 ولم يروه عنه إلاَّ أبو الأحوص وزهير بن معاوية الجعفي28 فعابهم الناس بذلك29 ولا غرو فإن المحدث إذا اختلط سقط من حديثه كل ما لم يحرز صدوره عنه قبل الاختلاط، سوا، أعلم صدوره بعد الاختلاط كهذا الحديث أم جهل تاريخ صدوره، لأن العلم الإجمالي في الشبهات المحصورة يوجب اجتناب الأطراف كلها كما هو مقرر في أصول الفقه.

    الثالثة: أن هذا الحديث يعارض الأحاديث الثابتة عن أمير المؤمنين وعن أبنائه الميامين أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي والتنزيل، ويخالف كتاب الله عزَّ وجلّ فليضرب به عرض الجدار.

    17

    إلى الكعبين

    الكعبان في آية الوضوء، هما: مفصلا الساقين عن القدمين30 بحكم الصحيح عن زرارة وبكير ابني أعين إذ سألا الإمام الباقر عنهما31 وهو الظاهر مما رواع الصدوق عنه أيضاً32 وقد نصَّ أئمة اللغة على أن كل مفصل للعظام كعب33

    وذهب الجمهور إلى أن الكعبين هنا إنما هما العظمان الناتئان في جانبي كل ساق، واحتجوا بأنه لوكأن الكعب مفصل الساق عن القدم لكان الحاصل في كل رجل كعبا واحدا فكان ينبغي أن يقول: وأرجلكم إلى الكعاب.. كما أنه لما كان الحاصل في كل يد مرفقاً واحداً قال: وأيديكم إلى الموافق.

    قلت: ولو قال هنا إلى المرفقين لصحَّ بلا إشكال، ويكون المعنى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى مرفقي كل منكم، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين من كل منكم، فتثنية الكلمتين في الآية وجمعهما في الصحة سوا، وكذلك جمع إحداهما وتنثية الأخرى ولعل التفنن في التعبير قد اقتضاه.

    هذا إذا كان الحاصل في كل رجل كعباً واحداً، أما إذا كان الحاصل

    18

    في كل رجل كعبين فلا يبقى لكلامهم وجه، وقد أجمع علما، التشريح على أن هناك عظماً مستديراً مثل كعب البقر والغنم تحت عظم الساق حيث يكون مفصل الساق والقدم يسمى كعباَ أيضاً34. وعليه فمسح كل رجل ينتهي إلى كعبين اثنين هما المفصل نفسه والكعب المستدير تحته، وفي تثنية الكعب في الآية دون المرفق نكتة لطيفة وإشارة إلى ما لا يعلمه إلاَّ علما، التشريح فسبحان الخلاَّق الحكيم.


    19

    هوامش
    1- نقل عنهما فخر الدين الرازي حول آية الوضوء، من تفسيره الكبير وكأنهما وقعا في حيرة فالتبس الأمر عليهما بسبب التعارض بين الآية والأخبار، فأوجبا الجمع عملاً بهما مع.
    2- كالحسن البصري، ومحمد بن جرير الطبري فيما نقله عنهما الرازي وغيره وكأنهما حيث كان كل من الكتاب والسنة حقاً لا يأتيه الباطل رأياً ان كلأ من المسح والغسل حق وان الواجب أحدهما على سبيل التخيير.
    3- وهذا مذهب ابن عباس وأنس بن مالك وعكرمة والشعبي والإمام ابي جعفر الباقر فيما ذكره الرازي في تفسيره نقلاً عن تفسير القفال . قلت وعليه سائر أئمتنا عليهم السلام.
    4- سورة المائدة، الآية: 6.
    5- وهذا في كلامه كثير، قالو: ليس فلان بعالم ولا عاملاً و.نشد بعضهم: معاوي أننا بشر فاسجح فلسنا بالجبال ولا الحديدا وقال تأبط شراً: هل أنت باعث على دينار لحاجتنا أو بعد رب أخا عون بن مخراق
    6- بل يجب ذلك، ولا يجوز كون العامل فأغسلوا لما ستسمعه.
    7- بل لا يجوز ذلك قطعاً لاستلزامه عطف الأرجل على الوجوه، وهذا ممنوع باتفاق اهل اللغة لعدم جواز الفصل بين العاطف والمعطوف عليه بمفرده فضلاً عن الجملة الأجنبية.
    8- ليس هنا إلاَّ عامل واحد وهو وامسحوا لما بيناه.
    9- بل هي مما لم يثبت عندنا أصل.
    10- فراجعه في ص 37، من الجز، الثالث من تفسيره الكبير حول آية الوضو، من المائدة.
    11- لا يأتي الاحتياط إلاَّ بالجمع بين المسح والفسل لكونهما حقيقتين مختلفتين.
    12- لأن الغسل مأخوذ في مفهومه سيلان الم، على المغسول ولو قليلاً والمسح مأخوذ في مفهومه عد م السيلان والاكتفاء بمرور اليد على الممسوح.
    13- فراجعه في ص 16 من غنية المتملي المعروف بحلبي كبير وهو موجود أيضاً في مختصره المعروف بحلبي صغير وكلاهما منشور مشهور.
    14- في تعليقه على ما جاد في غسل القدمين ص 88 من الجزء الأول من شرح سنن ابن ماجه والذين صرحوا بما صرح به الرازي والحلبي والسندي كثيرون لا يسعنا استقصاؤهم فحسبنا هؤلاء الأئمة الثلاثة عليهم رحمة اله تعالى
    15- هذه الكلمة _ ويل للأعقاب من النار _ جاءت أيضاً في حديث كل من عمرو وعائشة وأبي هريرة صحيحة على شرط الشيخين.
    16- أخرجه البخاري.
    17- أخرجه مسلم.
    18- أجمعوا عليهم السلام على وجوب المسح وتلك نصوصهم في وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة وفي سائر المؤلفات في فقههم وحديثهم.
    19- كما في صفحة 103 من الجزء الخامس من كنز العمال وهو الحديث 2213.
    20- كما في ص103 من الجزء الخامس من كنز العمال هو الحديث 2211.
    21- ومنه أخذ الإمام الشريف بحر العلوم في منظومته الفقهية (درة النجف ) إذ يقول: الوضوء غسلتان عندنا ومسحتان والكتاب معنا فالغسل للوجه ولليدين والمسح للرأس وللرجلين
    22- أخرجه ابن ماجه فيما جاء في غسل القدمين من سننه وغير واحد من أصحاب المسانيد.
    23- وصفهم بكونهم كلهم ثقات ابن حجر العسقلاني حيث أورد هذا الحديث في ترجمة تميم بن زيد من القسم الأول من الإصابة نقلاً عمن ذكرناهم من أصحاب المسانيد.
    24- ولذا ترى حفاة الشيعة والعمال منهم كاهل الحرث وأمثالهم وسائر من لا يبالون بطهارة أرجلهم في غير أوقات العبادة المشروطة الطهارة إذا أرادوا الوضوء غسلوا أرجلهم ثم توضأ وا فمسحوا عليها نقية جافة.
    25- تطبيقاً للقرآن على مذهبه بدلاً عن استنباط المذهب من القرآن.
    26- كما نص عليه الذهبي حيت أورد إباحية في الكنى من ميزانه فقال: تفرد عنه أبو اسحاق بوضوء علي فمسح رأسه وغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثاً ثلاث.
    27- كما هو مذكور في أحواله - واسمه عمر بن عبد الله السبعي _ من معاجم التراجم كميزان الاعتدال وغيره.
    28- كما نصَّ عليه الذهبي إذ أورد اباحية وحديثه هذا في ميزان الاعتدال.
    29- حتى قال الامام أحمد وقد ذكر زهير بن معاوية هو ثبت فيما يرويه عن المشايخ (قال ): وفي حديثه عن أبي اسحاق لين سمع منه بآخرة انتهى. وقال أبو زرعة: زهر بن معاوية ثقة إلاَّ أنه سمع من أبي اسحاق بعد الاختلاط.. ه. وقال الذهبي (بعد أن نقل عن أحمد وأبي زرعة ما قد سمعت ) قلت : لين روايته عن أبي اسحاق من قبل أبي اسحاق لا من قبله
    30- وقيل هما قبتا القدمين والأول أحوط وأقوى.
    31- في حديث رواه الشيخ الطوسي بسنده الصحيح اليهما وقد قالا للإمام فأين الكعبان ؟ قال عليه السلام: هاهنا يعني المفصل دون الساق.
    32- روى الصدوق عن الباقر وقد حكى صفة وضوء رسول الله |فقال: ومسح على مقدم رأسه وظهر قدميه دون عظمي الساقين.
    33- ومعاجم اللغة تعلن ذلك فراجع
    34- وقد ذهب محمد بن الحسن الشيباني والأصمعي إلى ان الكعب في آية الوضوء إنما هو هذا العظم تحت الساق. وكان الأصمعي يقول: إن العظمين الناتئين في جانب الساق يسميان المنجمين، وظن الرازي أن هذا هو مذهب الامامية فردَّ عليهم بأن العظم المستدير الموضوع تحت الساق شي ،خفي لا يعرفه إلاَّ المشرحون بخلاف الناتئين في طرفي كل ساق فانهما محسوسان. قال: ومناط التكاليف العامة يجب أن يكون أمراً ظاهراً لا خفياً والجواب: ان الرازي لما رأى الامامية يمسحون إلى مفصل الساق ظنهم يقولون بما قُاله الشيباني والأصمعي ولم يدر أن الكعب عندهم هو المفصل نفسه المحسوس المعلوم لكل حد.






    يتبع

  • #2
    هل المسح على الخفين والجوربين
    اختلف فقها، الإسلام في المسح على الخفين والجوربين اختلافاً كثيراً لا يحاط به في هذ، العجلة، وبالجملة فالبحث عنه يتعلق بالنظر في جوازه وعدم جوازه، وفي تحديد محله، وفي تعيين محله، وفي صفة محله، وفي توقيته، وفي شروطه، وفي نواقضه.

    أما الجواز ففيه ثلاثة أقوال:

    أحدها: الجواز مطلقاً سفراً وحضراً.

    ثانيها: الجواز في السفر دون الحضر.

    ثالثها: عدم الجواز بقول مطلق لعدم ثبوته في الدين.

    والأقوال الثلاثة مروية عن الصدر الأول وعن مالك35.

    وأما تحديد محله فاختلفوا فيه أيضاً بين قائل بأن الواجب من ذلك مسح أعلى الخف وان مسح أسفله مستحب36 وقائل بأن الواجب مسح

    21

    ظهورها وبطونه37 وقائل ثالث بأن الواجب مسح الظهور دون البطون فإن مسح البطون لا واجب ولا مستحب38. وربّ قائلٍ بالتخيير بين مسح الباطن والأعلى فأيهما مسح كان واجباً39.

    وأما نوع المحل فإن القائلين بالمسح على الخفين اختلفوا في المسح على الجوربين فأجازه قوم ومعه آخرون40.

    وأما صفة الخف فقد اختلفوا في المسح على الخف المخرق، فمنهم من قال بجواز المسح عليه ما دام يسمى خفاً وان تفاحش خرقه41، ومنهم من منع أن يكون في مقدم الخف خرق يظهر منه القدم ولو يسيرا42، ومنهم من أجاز المسح عليه بشرط أن يكون الخرق يسيراً43.

    وأما التوقيت فقد اختلفوا فيه، فمنهم من ذهب إلى أنه غير مؤقت وأن لابس الخفين يمسح عليهما ما لم ينزعهما أو تصيبه جنابة44، ومنهم من ذهب إلى أن ذلك مؤقت بوقت خاص للحاضر ووقت آخر للمسافر45، ولهم ها اختلاف في وصف السفر واختلاف في مسافته.

    وأما شرط المسح على الخفين فهو أذ تكون الرجلان طاهرتين عند لبس الخفين بطهر الوضوء وهذا الشرط قال به أكرهم، لكن روي عن مالك عدم اشتراطه46، واختلفوا في هذا الباب فيمن غسل رجليه ولبس

    22

    خفيه ثم أتم وضوءه على أن يكتفي بما كان منه من غسل رجليه تبل لبسهما أم لا بد من المسح عليها فهنا قولان47.

    وأما النواقض المختلف فيها فمنها نزع الخف، نقد تال توم ببقاء طهارته إذ نزع خفيه، حتى يحدث حدثاً ينقض الوضوء وليس عليه غسل رجليه48، وقال بعضهم بانتقاض طهارته بمجرد نزع خفيه49، وقال آخرون ببقاء طهارته إذ غسل قدميه بعد نزع الخفين، أما إذا صلى ولم يغسلهما أعاد الصلاة بعد غسلهما50 إلى غير ذلك من أقوال لهم مختلفة، ومذاهب تتعلق بالمسح على الخفين متباينة، لسنا الآن في صدد تفصيلها.

    ولذي عليه الامامية خلفاً عن سلف _ تبعاً لأئمة العترة الطاهرة عليهم السلام _ عدم جواز المسح على الخفين، سوا، أكان ذلك في الحضر أم في السفر، وحسبنا حجة على هذا قوله عزَّ من قائل: ﴿ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ﴾51، لاقتضائه فرض المسح على الأرجل أنفسها، فمن أين جاء المسح على الخفين ؟ أنسخت هذه الآية ؟ أم هي من المتشابهات ؟ كلا بل هي _ إجماعاً وقولاً واحداً _ من المحكمات اللاتي هن أم الكتاب، وقد أجمع المفسرون52 على أن لا منسوخ في سورة المائدة المشتملة على آية الوضوء إلاَّ آية واحدة هي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ

    23

    آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ﴾53 إذ قال بعضهم بنسخها دون ما سواها من آيات تلك السورة المباركة.

    أما الأخبار الدالة على الترخيص بالمسح على الخفين فلم يثبت منها شي، على شرطنا، وقد دلنا على وهنها مضافاً إلى ذلك أمور:

    احدها: أنها جاءت مخالفة لكتاب الله عز وجل، والمأثور عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنه قال:، إذا روي لكم مني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه و إلاَّ فردُّوه54.

    ثانيها: أنها جاءت متعارضة في أنفسها، ولذا كثر الاختلاف بين مصححيها العاملين على مقتضاها كما علمته مما أشرنا إليه قريبا، فإنهم إنما تعارضوا في أقوالهم لتعارضها إذ هي مستندهم في تلك الأقوال55.

    ثالثها: إجماع أئمة العترة الطاهرة علي وبنيه الأوصياء عليهم السلام على القول بعدم جواز المسح على كل حائل سوا، في ذلك الخف والجورب

    24

    والحذاء وغيرها من سائر الأجناس والأنواع56، وأخبارهم صريحة بالمعارضة لأخبار الجمهور57 الدالة على الجواز، والقاعدة المسلمة في الأخبار المتعارضة تقديم ما وافق منها كتاب الله عز وجل هذا إذا تكافأت سندا ودلالة وأنى يكافأ ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإعدال كتاب الله تعالى وسفن نجاة الأمة وباب حطتها وأمانها من الاختلاف.

    رابعها: أنها لو كانت حقا لتواترت في كل عصر ومصر لأن الحاجة إلى معرفة طهارة الأرجل في الوضوء حاجة _ كما قلنا سابقا _ عامة لرجال الأمة ونسائها وهي حاجة لهم ماسة في كل يوم وليلة من أوقات حضرهم وسفرهم، فلو كانت غير المسح المدلول عليه بالآية لعلمه المكلفون في عهد النبوة وبعده ولكان مسلما بينهم في كل خلف ولا سيما مع مجيئه عبادة محضة غير معقولة المعنى58 غريبة في باب العبادات تستوجب الشهرة بغرابتها، ولما لم يكن الأمر كذلك ظهر لنا وهن أخبارها المسقط لاعتبارها.

    خامسها: أنه لو فرض صحتها لوجب أن تكون منسوخة بآية المائدة، لأنها آخر سورة نزلت وبها أكمل الله الدين وأتم النعمة ورضي الإسلام دينا، فواجبها واجب إلى يوم القيامة وحرامها حرام إلى يوم القيامة

    25

    كما نصت عليه أم المؤمنين عائشة وقد قالت لجبير بن نفير _ إذا حجَّ فزارها _ يا جبير تقرأ المائدة ؟ قال: نعم. قالت: أما أنها أخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم فيها من حرام فحرموه59.

    لكن الجمهور يتشبثون في بقا، حكم المسح على الخفين بعد نزولها بحديث جرير: إذ بال فتوضأ فمسح على خفيه. فقيل له: تفعل هذا؟ قال:نعم رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بال ثم توضأ فمسح على خفيه.

    روى مسلم وروى أن هذا الحديث كان يعجبهم، وعلل ذلك بأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة60.

    قلت: بل أسلم قبل نزول المائدة بدليل حضوره حجة الودع مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أمره صلى الله عليه وآله وسلم يومئٍذ_كما في ترجمته من الاصابة نقلاً عن الصحيحين _أن تستنصت الناس.

    فاسلامه لا بد أن يكون قبل تلك الحجة، ونزول المائدة لم يكن قبليا يقين61.

    26

    وأيضاً أخرج الطبراني عن جرير _كما في ترجمته من الاصابة _قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن أخاكم النجاشي قد مات، وموت النجاشي إنما كان قبل نزول المائدة إذ لا كلام في أنه مات قبل السنة العاشرة.

    وللقسطلاني هنا تشبث آخر غريب اذ قال _ حول المسح على الخفين - وليس المسح بمنسوخ لحديث المغيرة الصريح بمسح النبي صلى الله عليه وآله وسلم خفيه في غزوة تبرك وهي آخر غزواته، والمائدة نزلت قبلها في غزوةالمريسيع.. إلى آخر كلامه.

    قلت: غزوة المريسيع هي غزوة بني المصطلق كانتا لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس، وقيل: سنة أربع كما في البخاري نقلاً عن ابن عقبة وعليه جرى النووي في الروضة، وقيل: سنة ست للهجرة، وقد نزلت بعدها المائدة وكثير من السور، وإنما نزلت فيها آية التيمم وهي قوله تعالى في سورة النساء: ﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾62.

    والرواية في ذلك ثابتة عن عائشة أخرجها الواحدي في كتابه أسباب النزول فراجع لتكون على يقين من أن القسطلاني قد اشتبهت عليه آية الوضوء بآية التيمم، على آن المغيرة وجريراً ممن لا نحتج بهم وعن قريب تقف على ما أرابنا في المغيرة، ولجرير سيرة مع الوصي أوجبت لنا الريب فيه أيضاً.

    سادسها: أن عائشة أو المؤمنين كانت - على مكانتها من السنة والفطنة ومكانها من مهبط الوحي والتشريع _ تنكر المسح على الخفين أشد

    27

    الإنكار، وابن عباس. وهو حبر الأمة وعيبة الكتاب والسنة لا يدافع – كان من أشد المنكرين أيضاً، وقد بلغا في إنكارهما أبعد غاية يند فع فيها المنكر اندفاع الثائر، ألا تمعن معي في قوله63: لأن تقطع قدماي أحب إلي من أن امسح على الخفين. وفي قوله: لأن أمسح على جلد حمار أحبُّ إلي من أن أمسح على الخفين.

    بجدك هل يجتمع هذا الشكل من الانكار مع اعتبار تلك الأخبار؟! كلا بل لا يجتمع مع احترامها، واذا كانت هذه أقوال المشافهين بها العارفين بغثها وسمينها فكيف يتسنى لنا الركون إليها على بعدنا المتنائي عنها قروناً وأحقاباً.

    ومن أمعن محرراً في إنكار الأدنين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كزوجته وابن عمه وسائر الهداة القادة من عترته اضطره ذلك إلى الريب في تلك الأخبار.

    ومن هنا تعلم أن القول بتواترها إسراف وبزاف، أتبلغ حد التواتر ثم يجهلها هؤلاء السفرة البررة ؟ ! أم يتجاهلون بها ؟ ! سبحانك هذا بهتان عظيم.

    بل لو كانت متواترة ما أنكرها عبد الله بن عمر64 والإمام مالك في إحدى الروايتين عنه65 ولا غيرهما من السلف الصالح صالح المؤمنين.

    28

    وأجحف كل الإجحاف من قال: أخاف الكفر على من لا يرى المسح الى الخفين66، روي أن المسح على الخفين لا هو من فصول الدين ولا هو من الضروريات من فروعه ولا هو مما افترضه الكتاب ولا هو _ بإجماع الأمة _ مما أوجبته السنة، وإنما هو مجرد رخصة عند قوم من المسلمين دون آخرين منهم فأي جناح بتركه عملاً بما افترضته أية الوضوء؟ وقد أجمع اللهل القبلة على صحة العمل بمقضتاها وتصافقوا على استباحة الصلاة بذلك بخلاف المسح على الخفين فإن صحة الوضوء معه ورفع الحدث به واستباحة الصلاة فيه محل خلاف بين المسلمين فهل يخشى الكفر على من أخذ بالاحتياط ؟ ! وما رأيكم في عائشة وعلي وابن عباس وسائر أهل البيت إذ لم يروا المسح على الخفين يا مسلمون ؟!

    29

    المسح على العمامة

    ذهب علماؤنا إلى عدم جواز المسح على العمامة، وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك،وخالف الإمام أحمد بن حنبل وأبو ثور والقاسم بن سلام والأوزاعي والنوري67، والخلاف منقول عن غيرهم أيضاً ،قالوا بالجواز قياساً على الخف، وعملاً بحديث المغيرة بن شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسح بناصيته وعلى العمامة، وفي بعض طرقه أنه مسح على العمامة ولم يذكر الناصية.

    وحسبنا كتاب الله عز وجل ﴿وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ﴾ وسنة رسوله مسحه بناصيته صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا مسلم لا يحتاج إلى بيان، والاجماع منعقد عليه منقولاً ومحصلاً والحمد لله رب العالمين.

    ولا حجة لهم بالقياس على الخف، لأن دين الله لا يصاب بالقياس ،على أن المسح على الخف ممنوع كما علمت.

    أما حديث المغيرة، فباطل وإن أخرجه مسلم، وقد قال فيه أبو عمر بن عبد البر: انه حديث معلول68. قلت: ولعل أبا حنيفة والشافعي ومالكاً إنما لم يأبهوا به لكونه معلولاً عندهم أيضاً.

    وللمغيرة سيرة مكر وخدع وتقلب واحتيال وارتماس في الموبئات

    31

    وانغماس في الشهوات وانطلاق في الغدر وتجاوز للحدود فيما يحب وفيما يكره، ولا سيما مع من يواليهم من أعدا، آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومع من يعاديهم من أوليا، الله ورسوله.

    دخل في الإسلام حقناً لدمه من بني مالك، وذلك أنه وفد مع جماعة من أشرافهم على المقوقس وهو في الإسكندرية، ففاز المالكيون دونه بجائزة الملك، فحمله الطمع بها على الغدر بهم فدعاهم إلى الشراب وهم مستسلمون لصحبته فجعل يسقيهم حتى إذا أخذ السكر مأخذه من مشاعرهم عدا عليهم فقتلهم عن آخرهم فصفيت له أموالهم، وحيث لم يجد معتصماً من أهلهم غير الالتحاق بالإسلام وفد على رسول الله ،وهو في المدينة فدخل عليه يشهد أن لا إله إلاّ الله وان محمداً رسول الله، فقبل إسلامه جرياً على سنته في ذلك مع المؤمنين ومع المنافقين، وحين عرض عليه أموال بني مالك ترفع عنها وكان له أخذها لأنها من أموال المحاربين المستحلين منه ما حرم الله تعالى، لكن لما كان أخذها غدراً أبت نفسه القدسية قبولها فأوفرها علي69، هذا إسلامه يعطيك صورة من مبادعه ودواهيه، وقد شهد عليه أبو بكرة _ وهو من فضلا، الصحابة _وأصحابه بما يوجب الحد في قضية مشهورة من حوادث سنة 17 للهجرة70 فكيف نعارض القرآن الحكيم بحديثه يا أولى الألباب ؟!

    32

    هل لمسح الرأس حد؟

    ذهب علماؤنا إلى أنه لا حد في مسح الرأس لا للماسح ولا للممسوح، بل يكفي عندهم مسماه ولو بأقل مصاديقه العرفية71، وهذا مذهب الشافعي أيضاً.

    وذهب الامامان مالك وأحمد وجماعة آخرون إلى ان الواجب مسح الرأس كله.

    وذهب الامام أبر حنيفة إلى أن الواجب مسح ر بعه بثلاثة أصابع حتى أن مسحه بأقل من ذلك لا يجزي عنده.

    حجتنا قوله تعالى: ﴿وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ﴾ إذ المراد الصاق المسح بالرأس مطلقاً، وهذا كما يتحقق بالاستيعاب وبالربع يتحقق بأقل مسمى المسح ولو بجز، من أصبع ممرً له على جز، من الرأس، ولا دليل على شي، مما قالوه بالخصوص، ولو أراد الاستيعاب لقال سبحانه: وامسحوا رؤوسكم كما قال: فاغسلوا وجوهكم، ولو كان المراد قدراً مخصوصاً لبينه كما فعله في غسل اليدين إذ قال إلى المرافق وفي مسح الرجلين إذ قال إلى الكعبين.
    33

    هوامش
    35- نص على هذا الإمام الفقيه الأصولي الفيلسوف ابن رشد في ص 14 من الجز، الأول من كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد.
    36- هذا رأي الشافعي.
    37- هذا مذهب ابن نافع.
    38- هذا مذهب أبي حنيفة وداود وسفيان وجماعة آخرين.
    39- هذا رأي أشهب.
    40- أجازه سفيان الثوري وأبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني ومنعه أبو حنيفة والشافعي وآنوون
    41- هذا مروي عن سفيان.
    42- هذا أحد قولي الشافعي في المسألة .
    43- هذا مروي عن مالك وأصحابه وحدد الخرق أبو حنيفة بأن يكون أقل من ثلاثة أصابع.
    44- هذا مروي عن مالك
    45- هذا مذهب أبي حنيفة والشافعي.
    46- ذكر ذلك ابن لبانة في المنتخب وقد روي عن ابن القاسم عن مالك.
    47- فمن قال بالاكتفاء أبو حنيفة، وممن قال بعدمه الشافعي.
    48- وممن قال بهذا القول داود وابن ليلى.
    49- هذا رأي الحسن بن حي.
    50- فمن قال بذلك الشافعي وبكل واحد من هذه الأقوال الثلاثة قالت طائفة من فقه، التابعين.
    51- سورة المائدة، الآية: 6.
    52- نقل هذا الإجماع فخر الدين الرازي ص 37من الجزء3من تفسيره الكبير.
    53- سورة المائدة،الآية: 2.
    54- تجد هذا الحديث في آخر ص 371من الجز، الثالث من تفسير الرازي.
    55- كما اعترف به ابن رشد في أول صفحة 15 من الجز، الأول من بدايته حيث ذكر اختلافهم في تحديد محل المسح. فقال: وسبب اختلافهم تعارض الأخبار في ذلك،واعترف به أيضا في ص 16 حيث ذكر اختلافهم في توقيت المسح إذ قال: والسبب في اختلافهم اختلاف الآثار في ذلك قال: وذلك ~نه ورد في هذا ثلاثة أحاديث ثم.وردها بنصها فكان الأول فيها صريحا في كون الوقت ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويومأ وليلة للمقيم، وكان الثاني نصاً في الترخيص بالمسح على الخفين ما بدا للمكلف أن يمسح من غير توقيت لا في الحضر ولا في السفر وكان نص الثالث مخالفا لسابقيه.ومن أراد التوسع في معرفة اختلاف الأئمة الأربعة حول هذه المسألة فعليه بكتاب الفقه على المذهب الأربعة الذي أخرجته وزارة الأوقاف المصرية تحقيقا لرج، الملك فؤاد الأول.
    56- روى إجماعهم عليهم السلام على هذا غير واحد من أعلام الامامية احدهم الإمام السيد علي الطباطبائي في كتابه البرهان القاطع، وأعلام الامامية يدينون الله متقربين إليه بالعمل على ما يقتضيه مذهب أئمة اهل البيت في الفروع والأصول منذ عهدهم عليهم السلام إلى يومنا فهم اعرف الناس بفقههم وحديثهم ومرهم وعلانيتهم.
    57- أخبارهم المعارضة لأخبار الجمهور في هذه» المسالة كثيرة حتى قال الإمام الطباطبائي في برهانه القاطع حيث ذكره: ولا يبعد تواتره.
    58- لكن الإمام أبا حنيفة يرى ان الوضوء من الواجبات التوصلية لا تتوقف محته على نية كغل الثوب المتنجس وهذا الرأي في المسح على الخفين في الخوص كما ترى.
    59- أخرجه الحاكم في أول تفسير صورة المائدة ص 314 من الجز، الثاني من المستدرك، ثم أخرج نحوه عن عبدالله بن عمرو بن العاص وقال بعد إيراد كل من الحديثين: هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد أورده الذهبي في تلخيصه مرمزا إلى صحته على شرط الشيخين.
    60- قال النووي في تعليقه على هذا الكلام: معناه أنا الله تعالى قال في سورة المائدة: { فاغسلوا وجوهكم و.يديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين }. فلو كان إسلام جرير متقدماً على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه في مسح الخف منسوخاً بآية المائدة فلما كان إسلامه متأخراً علمنا )ن حديثه يعمل به.. إلى آخر كلامه. قلت: من أين لنا العلم بتأخره وقد بينا في الأصل تأخر المائدة.
    61- وحسبك ما أخرجه البخاري من نزول بعض آياتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عرفة وهو على راحلته في حجة الوداع.
    62- سورة النساء، الآية. 43.
    63- تجد قولها هذا في أول صفحة 371 من الجز، الثالث من تفسير الرازي، وهناك كلمة ابن عباس.
    64- قال عط، كما في ص 372من الجز» الثالث من تفسير الرازي: كان ابن عمر يخالف الناس في المح على الخفين لكنه لم يمت حتى وافقهم. قلت: وإنكاره على سعد إذ رالله يمسح على خفيه ثابت في صحيح البخاري.\
    65- تجد الروايتين عنه في ص 372 من الجز، الثالث من تفسير الرازي وفي مظان ذلك من الكتب الفقهية.
    66- فمن قال ذلك الكرخي كما نقله عنه القسطلاني في صفحة 4 من الجز، الثاني من ارشاد الساري.
    67- هذا الخلاف نقله ابن رشد في بدايته عن أحمد وأبي ثور والقاسم ونقله الرازي في تفسيره عن الاوزاعي والثوري وأحمد.
    68- نقله عنه ابن رشد في ص 1، من الجز، الأول من بدايته.
    69- أخرج هذه القضية ابن سعد في ترجمة المغيرة ص 25من الجزء الرابع من كتاب الطبقات يسنده إلى المغيرة نفسه قال: كنا قوماً من العرب متمسكين بديننا ونحن سدنة اللات ذراني لو رأيت قومنا قد أسلموا ما تبعتهم لكن أجمع نفر من بني مالك الوفود على المقوقس في جمعت الخروج معهم. الحديث قد سمعت مضمونه.
    70- تجد تفصيلها في ترجمة يزيد بن زياد الحميري من وفيات الأعيان لابن خلكان وأشار إليها أصحاب المعاجم في التراجم إذ ترجموا المغيرة والشهود عليه وهم: أبو بكرة وشبل بن معبد الصحابيان ونافع بن الحارث بن كلدة وزياد بن أبيه وهي مما لا يخلو منها كتاب يشتمل على حوادث سنة 17للهجرة.
    71- وحيث كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح على مقدم رأسه اختصوه بالمسح اقتصارا على القدر المتيقن.



    يتبع

    تعليق


    • #3
      مسح الأذنين وستة فروع
      ا- مسح الأذنين هل هو من الوضوء؟

      أجمع الامامية - تبعاً لأئمة العترة الطاهرة عليهم السلام - على ان مسح الأذنين ليس من الوضوء في شي، ، إذ لا دليل عليه من كتاب أو سنة او إجماع، بل صريح الكتاب أن الوضوء غسلتان - للوجه ولليدين - ومسحتان: للرأس وللرجلين.

      وقال الحنابلة: بافتراض مسح الأذنين مع صماخيهما، ونقل ابن رشد هذا القول عن أبي حنيفة وأصحابه72.

      وقال الشافعي ومالك مسحهما سنة، واختلفوا في تجديد الماء لهما وعدم تجديده، وشذ قوم منهم فذهبوا الى أنهما يغسلان مع الوجه، وقال آخرون: يمسح باطنهما مع الرأس ويغسل ظاهرهما مع الوجه.

      والشافعي يستحب فيهما التكرار كما تستحبه في مسح الرأس.

      احتجوا بأخبار واهية لم يثبت شي، منها عندنا، والشيخان البخاري ومسلم لم يأبها في شي، منها، وإنما اعتبرها معتبروها مع ضعفها عندهم لجبرها بشهرة العمل فيما بينهم.

      35

      لكن أئمة الهدى من ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يأبهوا بها، وهم أهل بيت النبوة وأهل البيت أدرى فيه وحسبنا الثقلان.

      2- هل يجزئ غسل الرأس بدلاً عن مسحه ؟

      أهل المذاهب الأربعة متفقون على أن غسل الرأس في الوضوء يكفي عن مسحه، غير أنهم اختلفوا في كراهة ذلك وعدم كراهته، فالحنفية والمالكية قالوا: بكراهته محتجين بأنه خلاف ما أمر الله به، والشافعية قالوا: إنه ليس بمكروه لكنه خلاف الأولى، والحنابلة قالوا: إنه إنما يجزئ الغسل هنا بدل المسح بشرط امرار اليد على الرأس.

      أما الامامية فمجمعون على عدم الأجزا، لأنه خلاف ما أمر الله به، وخلاف الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مسح ناصيته الشريفة دون غسلها، وإذن يكون تشريعاً في العبادة باطلاً في نفسه مبطلاً لها، وقد علمت مما قلماه آنفاً أن الغسل والمسح حقيقتان مختلفتان لا يغني أحدهما عن الآخر.

      3- الترتيب في الوضوء

      أجمع الامامية _ تبعاً لأئمة العترة الطاهرة عليهم السلام - على اشتراط الترتيب في أفعال الوضوء على نسق ما هو مرتب في آيته الكريمة73.

      وذهب المالكية والحنفية وسفيان الثوري وداود إلى عدم اشتراطه وعدم وجوبه واعتبروه سنة لا يبطل الوضوء بمخالفته، وقالوا بصحة وضوء المتوضئ إذا ابتدأ بغسل رجله اليسرى منتهياً من الوضوء بغسل وجهه على عكس. الآية في كل أفعاله.

      36

      حجتنا: الكتاب والسنة. أما الكتاب: فلتبادر الترتيب منه وإن كان العطف فيه بالواو، لا بثم ولا بالفاء، لأن الواو كثيراً ما يعطف بها الأشياء المرتبة ولا تجوز في ذلك وهذا ثابت باستقراء كلام العرب لا ريب فيه لأحد، ولذا قال الكوفيون من النحاة بأنها حقيقة في الترتيب والنسق بالخصوص، وإن كانت ثم والفاء أظهر منها في ذلك.

      وأما السنة: فقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيح المشهور: إنما الأعمال سواء أكان وضوؤه لأحدى الفرائض الخمس أم كان لغيرها من واجب أو ندب، وقد كان مدة حياته صلى الله عليه وآله وسلم على طهارة يسبغ الوضوء كلما انتقض، ويسبغ الوضوء على الوضوء، وربما قال: انه نور على نور. وقد أجمعت الأمة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يتوضأ قط إلاَّ مرتباً، ولولا اشتراط الترتيب وافتراضه في الوضوء لخالفه ولو مرة واحدة، أو صدع بجواز المخالفة بياناً للحكم كما هي سنته، وحيث لم يخالف الترتيب، ولم يصدع بجواز المخالفة علمنا عدم جوازها، على أن الأصل العملي يوجب هنا احراز الشيء المشكوك في شرطيته واستصحاب الحدث جار مع عدم إحرازه.

      4- الموالاة

      ذهب علماؤنا _ تبعاً لأئمتهم عليهم السلام _ إلى أن الموالاة بين أفعال الوضوء شرط في صحته، وضابطها أن لا يجف العضو السابق- عند اعتدال الزمان والمكان ومزاج المتوضئ _ قبل الفراغ من العضو اللاحق.

      وذهب الشافعية والحنفية إلى أن الموالاة ليست بفرض ولا بشرط ولا بواجب ونما هي سنة فيكره عندهم التفريق بين الأعضاء إذا كان بغير عذر أما للعذر فلا يكره وذلك كما إذا كان ناسياً أو فرغ الماء المعد لوضوئه فذهب ليأتي بغيره ليكمل به وضوءه.

      37

      وذهب المالكية إلى أن الموالاة فرض مع الذكر والقدرة، ساقطة مع النسيان ومع العذر.

      حجتا: فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ كان يوالي في وضوئه كما كان يرتبه ولم يرو عنه التراخي في أفعال الوضوء مطلقاً كما لم يرو عنه عدم ترتيبها، ولولا اشتراط الموالاة لتركها ولو مرة واحدة، أو صدع بجواز تركها بياناً للحكم الشرعي جرياً على سنته في التشريع عن الله تعالى، وحيث لم يفعل علما عدم الجواز.

      على أنه لا خلاف في صحة الوضوء جامعاً لهذه الشرائط، أما إذا لم يكن جامعاً لها فصحته محل النزاع، وأئمة أهل البيت عليهم السلام لا يرونه حينئذ رافعاً للحدث ولا مبيحاً للصلاة فاحتط لدينك، والاحتياط هنا مما لا بد منه، لأن الأصل العملي يوجب إحراز الشيء المشكوك في شرطيته، واستصحاب الحدث جار مع عدم إحرازه كما أسلفناه.

      5-النية

      أجمح الامامية _ تبعاً لأئمة الثقلين عليهم السلام _ على اشتراط النية في صحة الوضوء والغسل لكونهما من العبادات التي أمر الله بها ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين﴾ وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وداود وأبي ثور وكثير من أئمة الجمهور.

      وقال الحنفية: إن وجوب الوضوء والغسل بالماء المطلق ليس إلاَّ توصلياً إلى الطهارة التي تحصل بمجرد سيلانه على الأعضاء، سوا، أكان ذلك عن نية أم لم يكن عن نية بل ولا عن اختيار نظير غسل الثوب المتنجس لأن الماء مطهر بطبعه، وقالوا إذا سقط شخص بالماء بدون اختيار أو دخل الماء عابثاً أو بقصد التبرد أو النظافة أو كان حاكياً لفعل

      38

      غيره أو مرائياً فشمل الماء أعضاء وضوئه صح له أن يملي بهذا الوضوء حتى لو كان مد دخول الماء كافراً، فأسلم عند خروجه، إذ لم يشترطوا الإسلام في صحة الوضوء.

      نعم اشترطوا النية في صحة التيمم، لأن الصعيد غير مطهر بطبعه وإنما طهوريته تعبدية، فلا بد في التيمم به من نية، وكذا الوضوء والغسل بنبيذ التمر أو سؤر الحمار أو البغل، لأن طهورية هذا النبيذ والسؤرين وبالجملة فصلوا في الوضوء والغسل بين ما كان منهما بنبيذ تمر أو سؤر الحمار أو بغل وبين ما كان بغير ذلك من المياه المطلقة، فاعتبروا الأول عبادة غير معقولة المعنى فأوجبوا لها النية كالتيمم واعتبروا الثاني من الواجبات التوصلية إلى النظافة المحسوسة كالطهارة من النجاسة.

      وما أدري من أين علموا ان غرض الشارع من الوضوء والغسل ليس إلاَّ الطهارة المحسوسة التي يوجدها سيلان الماء بمجرد طبعه ؟! وقد علم كل مسلم ومسلمة أن الوضوء والغسل إنما هما لرفع اثر الحدث استباحة للصلاة ونحوها مما هو مشروط برفعه، وهذا غير محسوس ولا مفهوم لولا التعبد بالأوامر المقدسة الصادرة من لدن حكيم مطلق، بكل حقيقة ودقيقة تخفى على الأنس والجن والملائكة وسائر المخلوقات، نعم نؤمن بأن الوضوء لرفع أثر الحدث الأصغر وان الغسل لرفع الحاث الأكبر تعبداً كما نؤمن بفرائض الصلاة والصوم والزكاة والحج كيفاً وكماً ووقتاً.

      ومجرد حصول النظافة المحسوسة بالوضوء، والغسل في كثير من الأوقات لا يجعلهم توصليين إليها كما أن إنعاش مستحقي الزكاة بأدائها إليهم لا يخرجها عن العبادة فيجعلها توصيلة إلى إنعاشهم، وكذلك

      39

      الخمس والكفارات وسائر الصدقات والعبادات المالية، ولو كان الغرض من الوضوء والغسل مجرد الطهارة المحسوسة لما وجبا على المحدث إذا كان في غاية النظافة والنقاء وهذا خارج لإجماع المسلمين مخالف لما هو ثابت عن سيد النبيين إذ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ". وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول".

      وقد يستدل على اشتراط النية هنا بالكتاب والسنة مضافاً إلى ما يقتضيه الأصل العملي من وجوب احراز الشرط المشكوك في شرطيته واستصحاب بقا، الحد في صورة التوضؤ بغير نية.

      أما الكتاب: فمجموع آيتي المائدة والبينة فإن آية المائدة وهي: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ﴾74 إلى آخرها تثبت الصغرى في شكل القياس وهي أن الوضوء والغسل مما أمرنا به، وآية البينة وهي: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾75 تثبت كبرى الشكل وهي كل ما أمرنا به يجب الإخلاص لله فيه، لكن في هذا الاستدلال نظراً بل إشكالاً.

      وأما السنة: فوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذ كان ملتزماً فيه بالترتيب وبالنيات بنا، على أن التقدير إنما صحة الأعمال كائنة بالنيات، لكن للحنفية أن يقولوا: تقديره إنما كمال الأعمال بالنيات، وحينئذ لا يصلح دليلاً على ما نقول، وقد يقال في جوابهم: إن التقدير الأول أولى، لأن الصحة أكثر لزوماً للحقيقة الكمال، فالحمل عليها أولى لأن ما كان

      40

      ألزم للشيء كان أقرب خطوراً للذهن عند اطلاق اللفظ. ومع ذلك فإن فيه تأملاً.

      ونحن الامامية في كل ما ندين الله به تبع لأئمة العترة الطاهرة عليهم السلام ومذهبهم عندنا حجة بنفسه، لأنهم أعدال كتاب الله وعيبة سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسفن نجاة الأمة يسلم من ركبها ويغرق من تخلف عنها، وباب حطة يأمن من دخلها، والعروة الوثقى لا انفصام لها، وأمان الأمة من الاختلاف وأمنها من العذاب، وبيضة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي تفقأت عنه
      وأولياؤه وأوصياؤه ووارثوا علمه وحكمه، وأولى الناس به وشرائعه عن الله تعالى كما مبرهن عليه في محله من مراجعاتنا الأزهرية وغيرها.

      6- الوضوء بالنبيذ

      أجمع الامامية- تبعاً للائمة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم – على اشتراط لاطلاق في ما، الوضوء والغسل، سواء أكان في الحضر أم في السفر ,وأجمعوا أيضاً على أنه إن تعذر الماء تعين على المكلف تيمم الصعيد طيباً، وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وغيرهم.

      وذهب الامام أبو حنيفة وسفيان الثوري إلى جواز الوضوء والغسل بنبيذ التمر76 في السفر مع فقد الماء77 وكرهه الحسن البصري وأبو العالية رفيع بن مهران وقال عطا، بن أبي رباح: التيمم أحب إلي من الوضوء

      41

      بالحليب واللبن78 وجوَّز الأوزاعي الوضوء والغسل بسائر النبيذ79 بل بسائر المائعات الطاهرة (3).

      حجة الامامية ومن يرى في هذه المسألة رأيهم _ مضافا إلى الأصول العملية _كتاب الله عز وجل، وستة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وإجماع الأمة.

      آما الكتاب: فقوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾80 إذ أطلق الأمر بالتيمم مع فقد الماء ولم يجعل وسطاً بينه وبين الصعيد.

      وأما السنة: فحسبنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم الصعيد الطيب وضوء المسلم إن لم يجد الماء، الحديث. وهو كالآية في الإطلاق وعدم الواسطة.

      وأما الاجماع: فلأن أهل القبلة كافة في هذه المسألة على رأي واحد ومن خالف فيه فإنما هو شاذ خارق لإجماع المسلمين لا يعبأ بشذوذه كمن شذ بقوله لا يجوز الوضوء بما، البحر81 مثلا.

      احتج أبو حنيفة والثوري ومن رأى رأيهما بما روي عن ابن مسعود من طريقين:

      أولهما: عن العباس بن الوليد بن صبيح الخلال الدمشقي، عن

      42

      مروان بن محمد الطاطري الدمشقي، عن عبد الله بن لهيعة، عن قيس بن الحجاج، عن حنش الصناعي، عن عبد الله بن عباس، عن ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال له ليلة الجن: معك ماء؟ قال: لا إلا نبيذا في سطحية82 قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تمرة طيبة وما، طهور صب علي ! قال: فصببت عليه فتوضأ به".

      أخرج هذا الحديث من هذا الطريق محمد بن يزيد بن ماجة القزويني في باب الوضوء بالنبيذ من سننه ولم يخرجه من هذا الطريق أحد من أصحاب السنن سواه فيما أعلم، لظلماته المتراكم بعضها على بعض، فإن العباس بن الوليد لم يكن بثقة ولا مأمونا وقد تركه جهابذة الجرح والتعديل حتى سئل عنه أبو داود - كما في ميزان الاعتدال _ فقال: كان عالما بالرجال والأخبار لا أحدث عنه. وأنت تعلم أنهم إنما تركوه لوهنه، أما شيخه مروان بن محمد الطاطري فقد كان من ضلال المرجئة، وأورده العقيلي في كتاب الضعفاء، ومرح بضعفه ابن حزم تعلم هذا كله من ترجمته في ميزان الاعتدال، على أن شيخه عبد الله بن لهيعة ممن ضعفه أئمتهم في الجرح والتعديل فراجع أقوالهم في أحواله من معاجم التراجم كميزان الاعتدال وغيره تجده مشهودا عليه بالضعف من ابن معين وابن سعيد وغيرهما، وهناك مغامز أخر في غير هؤلاء الثلاثة من رجال هذا الطريق لسنا في حاجة إلى بيانها.

      أما الطريق الثاني من طريقي الحديث فينتهي إلى أبي زيد مولى عمرو بن حريث عن عبد الله بن مسعود: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له ليلة

      43

      الجن: عندك طهور؟ قال: لا إلا شي، من نبيذ في أداوة، قال صلى الله عليه وآله وسلم: تمرة طيبة وماء طهور، فتوضأ به.

      أخرجه ابن ماجة والترمذي وأبو داود، وليس فيما رواه أبو داود "فتوضأ به".

      وهذا الحديث باطل من هذا الطريق أيضا كما هو باطل من طريقه الأول. وحسبك في بطلانه ان مداره على أبي زيد مولى عمرو بن حريث وهو مجهول عند أهل الحدث كما نص عليه الترمذي وغيره، وقد ذكره الذهبي في الكنى من ميزانه فنص على أنه لا يعرف، وأنه روى عن ابن مسعود وأنه لا يصح حديثه، وان البخاري ذكره في الضعفاء، وان متن حديثه: ان نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم توضأ بالنبيذ، وان الحاكم قال: انه رجل مجهول. وانه ليس له سوى هذا الحدث (الباطل).

      وبالجملة فإن علما، السلف أطبقوا على تضعيف هذا الحديث83 بكلا طريقيه، على أنه معارض بما أخرجه الترمذي في صحيحه وأبو داود في باب الوضوء من سننه وصححه الأئمة كافة عن علقمة أنه سأل ابن مسعود فقال له: من كان منكم مع رسول الله ليلة الجن ؟ فقال: ما كان معه أحد منا.

      ولو فرض صحته وعدم معارضته لكانت آية التيمم ناسخة له، لأن ليلة الجن كانت في مكة قبل الهجرة وآية التيمم مدنية بلا خلاف84.

      44

      ويجوز حمل الحديث - لو فرضت صحته. على أنه كان في الاداوة مع الماء تميرات قليلة يابسة لم تخرج الماء عن الاطلاق وما غيرت له وصفا.

      واحتج الأوزاعي والأصم ومن رأى رأيهما في الوضوء والغسل بسائر المائعات الطاهرة وان الله تعالى إنما أمر بالغسل والمسح وهما كما يتحققان بالماء المطلق يتحققن بغيره من المائعات الطاهرة.

      والجواب: أن الله عز وجل أوجب التيمم عند عدم الماء فتجويز الوضوء بغيره يبطل ذلك وهذا ما يجعل الغسل المأمور به في الآية مقيدا بالماء كما هو واضح والحمد لله على الفهم.

      ولعل الحنفية إنما جوزوا الوضوء باللبن الممزوج بالماء فيما حكي عنهم85 استنادا إلى ما استند إليه الأوزاي والأصم حاتم بن عنوان البلخي.
      45

      هوامش
      72- راجح من كتابه بداية المجتهد ص 11 من جزئه الأول تجده ينقل ذلك عن أبي حنيفةوأصحابه.
      73- واشترطوا الترتيب في نفس الأعضاء ، فأوجبوا غسل الأعلى قبل الأسفل اقتداء بأئمتهم وعملاً بنصوصهم عليهم السلام.
      74- سورة المائدة، الآية: 6.
      75- سورة البينة، الآية: 5.
      76- النبيذ: فعيل بمعنى مفعول، وهو الماء الذي ينبذ فيه نحو التمر والزبيب لتخرج حلاوته إلى الماء وهو نوعان: مسكر وغير مسكر» ومحل النزع هنا إنما هو غير المسكر» أما المسكر فلا خلاف في عدم جواز الوضوء به نبيذا كان أم غير نبيذ.
      77- هذا القول متواتر عن أبي حنيفة وقل نقله عنه ابن رشد في بداية المجتهد والامام الرازي حول آية التيمم ص 375من الجزء3من تفسيره الكبير وأورده السندي في بابه الوضوء بالنبيذ من تعليقته على سنن ابن ماجة نقلا عن أبي حنيفة والثوري.
      78- نقل البخاري في )ول باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر من صحيحه عن كل من الحسن البصري وأبي العالية وعط، ها قد نقلناه في الأصل عنهم فراجع.
      79- كما نص عليه القسطلاني في ص 47 من الجز، الثاني من إرشاد الساري. كما نقل ذلك عنه الامام الرازي في ص 775 من الجزء7 من تفسيره إذ قال: ذهب الأوزاعي والأصم إلى أنه يجوز الوضوء والغسل بسائر المائعات الطاهرة.
      80- سورة المائدة،الآية: 6.
      81- كان عبد الله بن عمرو بن العاص لا يجيز الوضوء بم، البحر كما هو مشهور عنه. وقد نقل الرازي عنه ذلك حول آية الوضوء من سورة المائدة.
      82- السطيحة: من أواني الماء ما كان من جلدين، قوبل.حدهما بالآخر فسطح عليه ؟ تكون صغيرة وكبيرة
      83- كما نص عليه القسطلاني والشيخ زكريا الأنصاري في شرحيهما للبخاري فراجع باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر ص 47والتي بعدها من الجزء» الثاني من كل من الشرحين المطبوعين مع.
      84- كان الوضوء قبلها سنة مستحبة ولم يكن التيمم مشروعاً حتى نزلت آيته بعد الهجر ة.
      85- ممن حكى ذلك عنهم الامام القسطلاني في باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر ص 44من الجز، الثاني من إرشاد الساري واليك نصه بلفظه،قال: و.ما اللبن الخالص فلا يجوز التوضؤ به اجماعاً فإن خالطه م، فيجوز عند الحنفية.



      يتبع

      تعليق


      • #4
        زيادة "الصلاة خير من النوم" في الآذان
        وذلك إنا تتبعنا السنن المختصة بفصول الأذان والإقامة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يكن فيها (الصلاة خير من النوم) بل لم يكن هذا الفصل على عهد أبي بكر، كما يعلمه جهابذة السنن ونقدة الحديث، وإنما أمر به عمر بعد مضي شطر من خلافته، حيث استحبه واستحسنه في أذان الفجر فاشترعه حينئذٍ وأمر به، والنصوص في ذلك متواترة عن أئمة العترة الطاهرة.

        وحسبك من غيرها ما تراه في سنن غرهم من حفظة الآثار كالامام مالك في موطئه: "إذ بلغه ان المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه بصلاة الصبح فوجده نائما، فقال: الصلاة خير من النوم، فأمره عمر أن يجعلها في ندا، الصبح". انتهى بلفظه.

        قال الزرقاني في تعليقته على هذه الكلمة من شرحه للموطئ مما هذا لفظه86. هذا البلاغ أخرجه الدار قطني في السنن من طريق وكيع في مصنفه، عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر قال وأخرج عن سفيان عن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه قال لمؤذنه: إذا بلغت حي على الفلاح في الفجر فقل: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم.

        47

        قلت وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث هشام بن عروة، ورواه غير واحد من إثبات أهل السنة والجماعة.

        ولا وزن لما جاء عن محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن اسحاق، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استشار الناس لما يهمهم إلى الصلاة فذكروا البوق فكرهه من أجل اليهود، ثم ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصارى،فأري النداء في تلك الليلة رجل من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب، فطرق الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلاً فأمر رسول الله بلالاً فأذن به.

        قال: قال الزهري: وزاد بلال في ندا، صلاة الغداة: الصلاة خير من النوم، فأقرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم. .. (الحديث). أخرجه ابن ماجة في باب الأذان من سننه.

        وحسبك في بطلانه أنه من حديث محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي الذي قال فيه يحيى: كان رجل سوء، وقال مرة: هو لا شيء،وقال ابن عدي: أشد ما أنكر عليه أحمد ويحيى روايته عن أبيه، ثم له مناكير غير ذلك، وقال أبو زرعة: ضعيف، وقال يحيى بن معين:محمد بن خالد بن عبد الله كذاب إن لقيتموه فاصفعوه.

        قلت: وذكره الذهبي في ميزانه فنقل عن أئمة الجرح والتعديل ما قد ذكرناه فراجع.

        ونحو هذا الحديث في البطلان ما قد جاء عن أبي محذورة، إذ قال: قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان، قال: فمسح مقدم رأسي وقال: تقول "الله أكبر" "الله أكبر" ترفع بها صوتك، ثم تقول: "أشهد أن لا إله إلاَّ الله" "أشهد أن لا إله إلاَّ الله"، "أشهد أن محمداً رسول الله" "أشهد أن

        48

        محمداً رسول الله"، تخلص بها صوتك، ثم ترفع صوتك بالشهادة "أشهد أن لا إله إلاَّ الله" "أشهد أن لا إله إلاَّ الله"، "أشهد أن محمداً رسول الله" "أشهد أن محمداً رسول الله"، "حيَّ على الصلاة"، "حي على الصلاة"، "حي على الفلاح"، "حي على الفلاح"، فإن كانت لصلاة الصبح قلت: "الصلاة خير من النوم"، "الصلاة خير من النوم"، "الله أكبر" "الله أكبر"، "لا إله إلا الله". أخرجه أبو داود عن أبي محذورة من طريقين:

        (أحدهما): عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبيه، عن جده. ومحمد بن عبد الملك هذا ممن لا يحتج بهم بنص الذهبي إذ أورده في ميزان الاعتدال.

        (ثانيهما): عن عثمان بن السائب، عن أبيه. وأبوه من النكرات المجهولة بنص الذهبي حيث أورده الميزان.

        على أن مسلما أخرج هذا الحديث87 بلفظه عن أبي محذورة نفسه، ولا أثر فيه لقولهم: الصلاة خير من النوم.

        وستسمع قريبا ما أخرجه أبو داود وغيره، عن محمد بن عبد الله بن زيد من فصول الأذان الذي تام به بلال يمليه عليه عبد الله بن زيد، وليس فيه "الصلاة خير من النوم"، مع أنه إنما كان لصلاة الصبح.

        على أن أبا محذورة إنما كان من الطلقاء والمؤلفة قلوبهم في الإسلام بعد فتح مكة، وبعد أن قفل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حنين منتصراً على هوازن،ولم يكن شي، أكره إلى أبي محذورة يومئذ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا مما يأمر به، وكان يسخر بمؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيحكيه رافعاً صوته استهزاء، لكن صرة الفضة التي اختصه بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغنائم حنين

        49

        التي أسبغها على الطلقاء من أعدائه ومحاربيه، وأخلاقه العظيمة التي وسعت كل من اعتصم بالشهادتين من أولئك المنافقين مع شدة وطأته على من لم يعتصم بها، دخول العرب في دين الله أفواجاً، كل ذلك ألجأ أبا محذورة وأمثاله إلى الدخول فيما دخل فيه الناس، ولم يهاجر حتى مات في مكة88 والله يعلم بواطنه.

        على أن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلمة قالها لثلاثة: أبي محذورة، وأبي هريرة، وسمرة بن جدب، حيث أنذرهم بقوله أخركم موتا في النار89.

        وهذا أسلوب حكيم من أساليبه صلى الله عليه وآله وسلم في إقصاء المنافقين عن التصرف في شؤون الإسلام والمسلمين، فانه صلى الله عليه وآله وسلم لما كان عالما بسوء بواطن هؤلاء الثلاثة أراد أن يشرب في قلوب أمته الويب فيهم، والنفرة منهم، إشفاقا عليها أن تركن إلى واحد منهم في شي، مما يناط بعدول المؤمنين وثقاتهم، فنص بالنار على واحد منهم وهو آخرهم موتا، لكنه، صلى الله عليه وآله وسلمأجمل القول فيه على وجه جعله دائرا بين الثلاثة على السواء، ثم لم يتبع هذا الإجمال بشي، من البيان، وتمضي الأيام والليالي على ذلك، ويلحق صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى ولا بيان، فيضطر أولي الألباب من أمته إلى إقصائهم جميعا عن كل أمر يناط بالعدول والثقات من الحقوق المدنية في دين الإسلام، لاقتضاء العلم الإجمالي ذلك بحكم القاعدة العقلية في الشبهات المحصورة، فلولا أنهم في وجوب الإقصاء على السواء لاستحال عليه -وهو سيد الحكماء- عدم البيان في مثل هذا المقام.

        50

        فأن قلت: لعله صلى الله عليه وآله وسلمسن هذا الأجمال بقرينة خفيت علينا بتطاول المدة.

        قلنا: لو كان ثمة قرية ما كان كلأ من هؤلاء الثلاثة في الوجل من هذا الانذار على السواء90.

        على أنه لا فرق في هذه المشكلة بين عدم البيان واختفائه بعد صدوره لاتحاد النتيجة فيهما بالنسبة الينا، إذ لا مندوحة لا عن العمل بما يوجبه العلم الاجمالي من تنجيز التكليف في الشبهة المحصورة على كلا الفرضين.

        فإن قلت: إنما كان المنصوص عليه بالنار منهم مجملا قبل موت الأول والثاني ويسبقهما إلى الموت تبين وتعين أنه إنما هو الباقي بعدهما بعينه دون سابقيه وحينئذ لا إجمال ولا إشكال.

        قلنا: أولا: إن الأنبياء عليهم السلام كما يمتنع عليهم ترك البيان مع الحاجة إليه يستحيل عليهم تأخيره عن وقت الحاجة، ووقت الحاجة هنا متصل بصدور هذا الانذار لو كان لواحد من الثلاثة شي، من الاعتبار، لأنهم منذ أسلموا كانوا محل ابتلا، المسلمين في الحقوق المدنية شرعا كالإمامة في الصلاة جماعة، وقبول الشهادة في المرافعات الشرعية ونحوها، وكالإفتاء والقضاء، مع استجماعهم لشروطهما، ونحو ذلك مما يشترط فيه العدالة والورع، فلولا وجوب إقصائهم عنها ما أخر صلى الله عليه وآله وسلم البيان اتكالا على صروف الزمان، وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقصي أحدا عن حقه طرفة عين، ومعاذ الله أن يخزي من لا يستحق الخزي ثم يبقيه على خزيه حتى

        51

        يموت مخزيا إذ لا نعرف براءته -بنا، على هذا الفرض الفاسد- إلا بتقديم موته.

        وثانيا: أننا (شهد الله) بذلنا الطاقة بحثا وتنقيبا فلم يكن بالوسع أن نعلم أيهم المتأخر موتا، لأن الأقوال في تاريخ وفياتهم بين متناقض متساقط91 وبين مجمل متشابه لا يركن إليه كما يعلمه المتتبعون.

        وثالثاً: لم يكن من خلق رسول انه صلى الله عليه وآله وسلم -وهو العزيز عليه عنت لمؤمنين الحريص عليهم الرؤوف بهم الرحيم لهم- أن يجابه بهذا القول من يحترمه، وما كان وإنه لعلى خلق عظم ليفاجئ به غير مستحقه، ولو أن في واحد من هؤلاء الثلاثة خيرا ما أشركه في هذه المفاجئة القاسية، والمجابهة الغليظة، لكن اضطره الوحي إلى ذلك نصحا لله تعالى وللأمة ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ 92.
        52

        هوامش
        86- راجع منه ما جاء في النداء للصلاة ص 25من جزئه الأول.
        87- في باب صفة الأذان من صحيحه.
        88- كل ها نقلناه هنا عن أبي محذورة موجود في ترجمته من الإصابة وغيرها وهو مما لا خلاف فيه.
        89- كما في ترجمة سمرة من الاستيعاب والاصابة وغيره.
        90- كما يعلمه متتبعوا شؤونهم حول هذا الوعيد.
        91- ما تناقضها فلان بعضها نص بموت سمرة منة ثمان وخمسين وموت أبي هريرة سنة تسع وخمسين وهذا منقوص بالقول بأن موت أبي هريرة كان سنة سبع وخمسين وهكذا بقية الأقوال في موت الثلاثة. وأما المجمل المتشابه منها فكالقول بموت الثلاثة كلهم في سنة تسع وخمسين، من غير بيان الساعة واليوم والشهر الذي وقع فيه الموت.
        92- لهذا الكلام بقية فلتراجع في خاتمة كتاب (أبو هريرة ) للسيد عبد الحسين شرف الدين.


        يتبع

        تعليق


        • #5
          تشريع الآذان والإقامة
          أن من عرف رأي إخواننا - من أهل المذاهب الأربعة- في بدء، الأذان والإقامة واشتراعها لا يعجب من استسلامهم للزيادة فيهما أو للقيمة مهما، فانهم - هدانا الله وإياهم - لا يرون أن الأذان والاقامة مما شرعه الله تعالى بوحيه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا مما ابتدأ به النبي صادعاً به عن الله عز وجل كسائر النظم والأحكام، وإنما كان طيف رآه، بعض الصحابة في المنام كما صرحوا ه ونقلوا الاجماع عليه ورووا فيه أحادث صححوها وادعوا تواترها.

          وإليك منها ما هو من أصحها عندهم، فعن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار، قال: أهتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها.فقيل له: أنصب راية فإذا رأوها أذن بعضهم فلم يعجبه ذلك، فذكروا له القبع - يعني الشبور شبور اليهود - فلم يعجبه ذلك، وقال: هو من أمر اليهود، فذكروا له الناقوس، نقال هو من أمر النصارى - وكأنه كرهه أولا ثم أمر به فعمل من خشب - فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأري الأذان في منامه. قال: فغدا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره نقال له: يا رسول الله إني لبين نائم ويقظان إذا أتاني آتٍ فأراني لأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يومأ، ثم خبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: ما منعك أن تخبرني؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بلال قم فانظر ما

          53

          يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله، قال: فأذن بلال.. (الحديث)93.

          وعن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري، عن أبيه عبد الله بن زيد قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمعهم للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت له: أتبيع هذا الناقوس؟ قال: وما تصنع به ؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة. قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ فقلت: بلى. فقال: تقول الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله94. قال: ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال: وتقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، لا إله إلا الله.

          فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته بما رأيت، فقال: إنها لرؤيا حق إن شا، الله تعالى، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به أندى صوتا منك، فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول: والذي

          54

          بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى... (الحديث )95.

          واختصره الامام مالك في ما جاء في النداء للصلاة من موطأه، فحدث عن يحيى بن سعيد أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يتخذ خشبتين96 يضرب بهما ليجمع الناس للصلاة، فأري عبد الله بن زيد الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج خشبتين في النوم، فقال: إن هاتين الخشبتين لنحو مما يريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجمع به الناس للصلاة، فقيل
          له: ألا تؤذنون للصلاة ؟ وأسمعه الأذان، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين استيقظ فذكر له ذلك فأمر رسول الله بالأذان. انتهى ما في الموطأ مختصرا مرسلاً97.

          وقال الامام ابن عبد البر: روى قصة عبد الله بن زيد هذه في بدا الأذان جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة، ومعان متقاربة، والأسانيد في ذلك متواترة وهي من وجوه حسان. هذا كلامه بلفظه98.
          قلت: في ثبوت هذه الأحاديث نظر من وجوه:

          أحدها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن ليؤآمر الناس في اشتراع الشرائع الإلهية، وإنما كان يتبع فيها الوحي ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ

          55

          يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾99. والأنبياء كلهم صلوات الله وسلامه عليهم لا يؤآمرون أممهم فيما يشترعون ﴿... بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾100. وحسبنا قوله عز وجل لعبده وخاتم رسله: ﴿... قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾101 ﴿... قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم﴾102. ﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِين﴾103. وقد حظر (عز سلطانه) عليه العجل ولو بحركة اللسان فقال جل وعلا: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَه﴾104. وأثنى (جل ثناؤه ) على قول رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فقال وهو أصدق القائلين: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾105. ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ﴾106.

          ثانيهما: أن الشورى المذكورة في هذه الأحاديث لمما يحكم العقل مستقلا بعدم اعتبارها في تشريع الشرائع الإلهية، فالعقل بمجرده يحيل

          56

          وقوعها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهل رأي الناس فيها إلاَّ تقول محض على الله تعالى؟ ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِين﴾107.

          نعم كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتألف أصحابه بمشورتهم في أمور الدنيا، كلقاء العدو ومكائد الحرب ونحوها عملا بقوله تعالى: ﴿... وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ...﴾ 108. وفي مثل ذلك يجوز عليه ان يتألفهم بمشاورتهم فيها مع استغنائه بالوحي عن آرائهم لكن شرائع الدين لا يجوز فيها عليه إلا إتباع الوحي المبين.

          ثالثها: إن هذه الأحاديث تضمنت من حيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما لا يجوز على مثله من المتصلين بالله عز وجل، حتى مثلته وقد ضاق في أمره ذرعا فات ج إلى مشورة الناص، وأنه كره الناقوس أولاً، ثم أمر به بعل تلك الكراهة، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن أمر به عدل عنه إلى ما اقتضته رؤيا عبد الله بن زيد، وان عدوله عن الناقوس كان قبل حضور وقت العمل به، وهذا من البدا، المستحيل على الله تعالى وعلى موضع رسالته، ومختلف ملائكته، ومهبط وحيه وتنزيله، وسيد أنبيائه وخاتم رسله.

          على أن رؤيا غير الأنبياء لا يبتني عليها شي، من الأشياء بإجماع الأمة.

          رابعها: ان في أحاديثهم هذه من التعارض ما يوجب سقوطها، وحسبك منها الحديثان اللذان أوردناهما آنفا - حديث أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار، وحديث محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه -

          57

          فأمعن فيما يتعلق منهما برؤيا عمر تجد التعارض بينا بأجلى مظاهره.

          وأيضا فإن هذين الحديثين المشار اليهما يقصران الرؤيا على ابن زيد وابن الخطاب، ولكن حديث الرؤيا للطبراني في الأوسط صريح في صدورها من أبي بكر أيضا، وهناك من أحاديثهم ما هو صريح بأن تلك الرؤيا كانت من أربعة عشر رجلا من الصحابة، كما في شرحه التنبيه للجبيلي، وروي أن الرائين تلك الليلة كانوا سبعة عشر من الأنصار، وعمر وحده من المهاجرين، وفي رواية أن بلالا ممن رأى الأذان أيضا وثمة متناقضات في هذا الموضوع، أورد الحلبي منها ما يورث العجب العجاب، وحاول الجمع بينها فحبط عمله109.

          إذ قـــال يجمــــع شمــلاً غيــر مجتمـــــع
          منهـــا ويجيـــر كســـراً غيــــر مجبـــــــر

          خامسها: أن الشيخين - البخاري ومسلما - قد أهملا هذه الرؤية بالمرة فلم يخرجاها في صحيحيهما أصلاً، لا عن ابن زيد، ولا عن ابن الخطاب، ولا عن غيرهما، وما ذاك إلا لعدم ثبوتها عندهما. نعم أخرجا في باب بد، الأذان من صحيحيهما عن ابن عمر، قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يومأ في ذلك، فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقا مثل بوق اليهود. فقال عمر: ألا تبعثون رجلا ينادي للصلاة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بلال قم فناد الصلاة. فنادى بالصلاة.

          هذا كل ما في صحيحي البخاري ومسلم مما يتعلق ببد، الأذان

          58

          ومشروعيته، وقد اتفق الشيخان على إخراجه كما اتفقا على إهمال ما عداه مما يتعلق بهذا الموضوع، وكفى به معارضا لما رووه من أحاديث الرؤيا كلها، لأن مقتضى هذا الحديث أن بد، الأذان إنما كان برأي عمر لا برؤياه، ولا برؤيا عبد الله بن زيد ولا غيرهما، ومقتضى تلك أن بدأه وبدء الإقامة إنما كان بالرؤيا التي سبق فيها عبد الله بن زيد، عمر بن الخطاب، ولذلك يدعى عندهم برائي الأذان، وربما قالوا صاحب الأذان.

          وأيضا فان حديث الشيخين هذا صريح في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم إنما أمر بلالا - بالند، للصلاة - في مجلس التشاور، وعمر حاضر عند صدور الأمر منه صلى الله عليه وآله وسلم، وتلك الأحاديث - أحاديث الرؤيا كلها- صريحة بأنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما أمر بلالاً بالنداء، عند الفجر إذ قص ابن زيد عليه رؤياه، وذلك بعد الشورى بليلة في أقل ما يتصور، ولم يكن عمر حينئذ حاضرا وإنما سمع الأذان هو في بيته فخرج آنذاك يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى.

          بجدك قل لي هل يمكن الجمع بين هذا وتلك ؟ كلا. وشرف الإنصاف، وعلو الحق، وعزة ربنا عز سلطانه.

          على ان الحاكم قد أهمل أحاديث رؤيا الآذان والاقامة، فلم يرو في مستدركه منها شيئا أصلا كما أهملها الشيخان فلم يرويا في الصحيحين شيئا منها بالمرة، هذا مما يلمسك سقوطها عن درجة الصحة عندهما، وذلك لان الحاكم قد أخذ على نفسه أن يستدرك عليهما كل ما لم يخرجاه في صحيحيهما من السنن الصحاح من شرطهما، وقد قام في مستدركه بما أخذه على نفسه أتم قيام، وحيث، أنه مع ذلك كله - لم يخرج من أحاديث الرؤيا في المستدرك شيئا، علمنا انه لم يثبت منها على شرط الشيخين

          59

          شي، لا في صحيحهما ولا في غير الصحيحين كما لا يخفى.

          وللحاكم هنا كلمة تفيد جزمه ببطلان أحاديث الرؤيا وأنها كأضاليل، ألا وهي قوله: وإنما ترك الشيخان حديث عبد الله بن زيد في الأذان والرؤيا لتقدم موت عبد الله. قلت: هذا لفظه بعينه110.

          ويؤيد ذلك: أن ابتداء الأذان عند الجمهور إنما كان بعد وقعة أحد. وقد أخرج أبو نعيم في ترجمة عمر بن عبد العزيز من كتاب حلية الأولياء بسند صحيح111 عن عبد الله الصميري، قال: دخلت ابنة عبد الله بن زيد بن ثعلبة على عمر بن عبد العزيز فقالت له: أنا ابنة عبد الله بن زيد شهد أبي بدرا وقتل بأحد، فقال سلي ما شئت فأعطاها. قلت: لو كان عبد الله بن زيد كما يقولون أنه رأى الأذان لذكرت ابنته ذلك عنه كما نقلت حضوره بدرا وشهادته في أحدكما لا يخفى.

          سادسها: أن الله عز وجل حظر على الذين آمنوا أن يتقدموا بين يدي الله ورسوله، وأن يرفعوا أصواتهم فوق صوته، وأن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض، وأنذرهم بحبوط أعمالهم الصالحة إذا ارتكبوا شيئامن ذلك، فقال عز من قائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُون﴾112 (الآيات ).

          60

          وكان سبب نزولها أن قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ركب من بني تميم يسألونه أن يؤمر رجلا منهم، فقال أبو بكر- فيما أخرجه البخاري في تفسيرالحجرات من الجز، الثالث من صحيحه ص 117 يا رسول الله أمر عليهم القعقاع بن معبد متقدما بقوله هذا ومبادراً برأيه، فقال عمر على الفور من قول صاحبه: بل أمر الأقرع بن حابس أخا بني مجاشع يا رسول الله. فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، وتماريا جدالا وخصومة، وارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآيات الحكيمة بسبب تسرعهما في الرأي، وتقدمهما فيه بين يدي رسول الله ورفع أصواتهما فوق صوته صلى الله عليه وآله وسلم

          خاطب المؤمنين كافة بهذه الآيات لتكون قانونهم المتبع وجوبا في آدابهم وأخلاقهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.وهذه الآيات كلها كما تراها قد منعت كل مؤمن ومؤمنة عن كل افتئات على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكل إقدام على أمر بين يديه، فان معنى قوله تعالى: ﴿لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾113 أن لا تفتشوا عندهما برأي ما حتى يقضي الله على لسان نبيه ما شاء، وكان المقترحين المتقدمين بين يديه كانا قد جعلا لأنفسهما وزنا ومقدارا ومدخلا في الشؤون العامة، فنبه الله المؤمنين على طاهما فيما رأياه، وأوقفهما على حدهما الذي يجب أن يقفا عليه.

          وقوله تعالى: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِي﴾114 نهى عن القول المشعر بأن لهم مدخلاً في الأمور، أو وزناً عند الله ورسوله، لأن من رفع صوته فوق صوت غيره فقد جعل لنفسه اعتباراً خاصاً، وصلاحية

          61

          خاصة، وهذا مما لا يجوز ولا يحسن من أحد عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

          ومن أمعن في قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾115، وقوله عز من قائل: ﴿أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾116 علم الحقيقة بكنهها.

          ومن علم أن الله أقرَّ أبا بكر الصديق وعمر الفاروق على تقدمهما بين يدي الله ورسوله لا يقران الناس على تشاورهم في اشتراع شرائعه، ونظمه وأحكامه، بطريق أحق لو كان قومنا يعلمون.

          سابعها: أن الأذان والإقامة من معدن الفرائض اليومية نفسه، فمنشئها هو منشئ الفرائض نفسه، بحكم كل نسابة للألفاظ والمعاني،خبير بأساليب العظماء وأهدافهم، وأنهما لمن أعظم شعائر الله عز وجل، امتازت بهما الملة الإسلامية على سائر الملل والأديان، إذ جاءت آخرا ففاقت مفاخرا فليمعن معي الممعنون من أولي الألباب بما في فصولهما من بلاغة القول وفصاحته، وفخامة المعاني وسموها، وشرف الأهداف، وإعلان الحق بكل صراحة - الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن حمداً رسول الله، مع الدعوة إليه، بكل ترغيب فيه، وكل ثنا، عليه، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على خير العمل، لا تأخذ الداعي لومة لائم ولا سطوة مخالف غاشم.

          تلك دعوة حية - كما قال عنها بعض الأعلام - كأنما تجد الإصغاء والتلبية من عالم الحياة بأسرها، وكأ نما يبدأ الإنسان في الصلاة من ساعة مسراها إلى سمعه، ويتصل بعالم الغيب من ساعة إصغائه إليها.

          62

          دعوة تلتقي فيها الأرض والسماء، ويمتزج فيها خشوع المخلوق بعظمة الخالق، وتعيد الحقيقة الأبدية إلى الخواطر البشرية في كل موعد من مواعيد الصلاة، كأنها نبأ جديد.

          الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله لا إله إلا الله.

          تلك هي دعوة الأذان التي يدعو بها المسلمون إلى الصلاة، وتلك هي الدعوة الحية التي تنطق بالحقيقة الخالدة ولا تومي إليها، وتلك هي الحقيقة البسيطة غاية البساطة، العجيبة غاية العجب، لأنها أغنى الحقائق عن التكرار في الأبد الأبيد، وأحوج الحقائق الى التكرار بين شواغل الدنيا وعوارض الفناء.

          المسلم في صلاة منذ يسمعها تدعوه للصلاة، لأنه يذكر بها عظمة الله، وهي لب لباب الصلوات.

          وتنفرج عنها هدأة الليل فكأنها ظاهرة من ظواهر الطبيعة الحية تلبيها الأسماع والأرواح وينعت لها الطير والشجر، ويخف لها الماء والهواء، وتبرز الدنيا كلها بروز التأمين والاستجابة منذ تسمع هتفة الداعي الذي يهتف بها... إلى آخر كلامه117

          وبالجملة نون الأذان والإقامة لمما لا يأتي به البشر ولو اجتمعوا له، فنعوذ بالله من مخ الحقائق الناصعة ولا سيما لم إذا كانت من شرائع الله السائغة، وآياته البالغة.

          ثامنها: ان سنهم في بد، الأذان والإقامة كلها يناقض المأثور الثابت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، ولا وزن عندنا لما خالف الثابت عنهم من رأي أو رواية مطلقاً.

          63

          ففي باب الأذان والإقامة من كتاب وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة بالسند الصحيح عن الأمام أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام، قال: لما هبط جبرائيل على رسول الله بالأذان أذن جبرائيل وأقام، وعندها أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً أن يدعو له بلالاً فدعاه فعلمه رسول الله الأذان وأمره به، وهذا ما رواه كل من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني، والصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي، وشيخ الامامية محمد بن الحسن الطوسي، وناهيك بهؤلاء صدقا وورعا، وروى شيخنا الشهيد السعيد محمد بن مكي في كتابه (الذكرى) أن الصادق - الامام جعفر بن محمد الباقر - ذم قوما زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد الأنصاري، فقال: ينزل الوحي به على نبيكم فتزعمون أنه أخذه عن عبد الله بن زيد!

          وعن أبي العلا، - كما في السيرة الحلبية - قال: قلت لمحمد بن الحنفية: إنا لنتحدث أن بد، الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه، قال: ففزع لذلك محمد بن الحنفية فزعاً شديداً، وقال عمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم فزعمتم أنه كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه تحتمل الصدق والكذب وقد تكون أضغاث أحلام، قال: فقلت له هذا الحديث قد استفاض في الناس، قال :هذا والله هو الباطل.. إلى آخر كلامه.

          وعن سفيان بن الليل، قال: لما كان من الحسن بن علي ما كان قدمت عليه المدينة قال: فتذاكروا عنده الأذان، فقال بعضنا إنما كان بدء الأذان برؤيا عبد الله بن زيد، فقال له الحسن بن علي: إن شأن الأذان أعظم من ذلك، أذن جبرائيل في السماء مثنىً مثنىً وعلمه رسول الله، وأقام مرة

          64

          مرَّة فعلَّمه رسول الله... ( الحديث )118.

          وعن هارون بن سعد، عن الشهيد زيد بن الأمام علي بن الحسين، عن آبائه، عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم الأذان ليلة: أسري به وفرضت عليه الصلاة119.
          65

          هوامش
          93- أخرجه أبو داود في باب بد، الأذان من الجز، الأول من سننه، ورواه غير واحد من أصحاب السنن والمسانيد وأرسله أهل السير والأخبار منهم إرسال المسلمات فراجح.
          94- هذا الأذان كان _ بزعم المحدثين به عن عبد الله بن زيد _ أول أذان في الإسلام وهو كما تراه ليس فيه (الصلاة خير من النوم ) مع كونه إنما كان لصلاة الفجر فمن أين جاء هذا الفصل يا مسلمون ؟ !
          95- أخرجه أبو داود السجستاني في باب كيف الأذان من سننه، والترمذي في صحيحه وقال: حسن صحيح، ورواه كل من ابن حيان وابن خزيمة وصححاه وابن ماجة في باب بد، الأذان من سننه وغير واحد من أصحاب السنن والأخبار.
          96- قال الزرقاني في تعليقه على هذا الحديث من شرحه للموط: هما الناقوس وهي خشبة طويلة تضرب بخشبة أصفر منها فيخرج منهما صوت (قال ) كما في الفتح وغيره. قلت: وللزرقاني هنا (حول حديث عبد الله بن زيد في الأذان والإقامة ) كلام الفت اليه الباحثين فليراجعوه في ص 12، الى منتهى ص 125 من الجزء الأول من شرح الموط.
          97- والتفصيل في شرح الزرقاني فليراجع.
          98- نقله الزرقاني عنه فيما تقدمت الإشارة اليه من شرح الموط.
          99- سورة النجم ؟ الآية: 7.
          100- سورة الأنبياء ؟ الآية: 26.
          101- سورة الأعراف ؟ الآية: 207.
          102- سورة يونس ؟ الآية: 15.
          103- سورة الاحقاف ؟ الآية 9.
          104- سورة القيامة ؟ الآية: 16_19.
          105- سورة الحاقة ؟ الآية :، 4.
          106- سورة التـكوير ؟ الآية: 19.
          107- سوره الحاقة، الآية: 44.
          108- سوره آل مران ؟ الآيه: 129.
          109- فلتراجع في باب بد» الأذان ومشروعيته من الجز، الثاني من سيرته الحلبية، فان هناك ما يوجب العجب والاستغراب.
          110- فراجعه في باب رد الصدقة ميراثا ، من كتاب الفرائض ص 748من جزئه الرابع.
          111- صرح بصحته ابن حجر العسقلاني إذ نقله عن الحلية في ترجمة عبد الله بن زيد الانصاري في إصابته فراجع.
          112- سورة الحجرات، الآية. 1.
          113- سورة الحجرات، الآية: 1
          114- سورة الحجرات،الآية: 1.
          115- سورة الحجرات، الآية: 1.
          116- سورة الحجرات، الآية: 1.
          117- فراجعه في ص 136 الى ص 141 من كتاب - داعي السماء - لكاتب الشرق الأستاذ العقاد.
          118- أخرجه الحاكم في كتاب معرفة الصحابة من المستدرك ص 17 من جزئه الثالث.
          119- أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار، وابن مردويه فيما نقله المتقي الهندي ص 277 من الجز، السادس من كنز العمال وهو الحديث 397من أحاديث الكنز



          يتبع

          تعليق


          • #6
            إسقاط "حي على خير العمل" من الآذان والإقامة
            وذلك أن هذا الفصل كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جزءا من الأذان ومن الاقامة، لكن أولي الأمر على عهد الخليفة الثاني كانوا يحرصون على أن تفهم العامة ان خير العمل انما هو الجهاد في سبيل الله ليندفعوا إليه، وتعكف هممهم عليه، ورأوا أن النداء على الصلاة بغير العمل مقدمة لفرائضها الخمس ينافي ذلك.

            بل أوجسرا خيفة من بقا، هذا الفصل في الأذان والاقامة أن يكون سببا في تثبيط العامة عن الجهاد، إذ لو عرف الناس أن الصلاة خير من العمل مع ما فيها من الدعة والسلامة لاقتصروا في ابتناء الثواب عليها، واعرضوا عن خطر الجهاد المفضول بالنسبة اليها.

            وكانت همم أولي الأمر يومئذٍ منصرفة إلى نشر الدعوة الإسلامية، وفتح المشارق والمغارب، وفتح الممالك لا يكون إلا بتشويق الجند الى التورط في سبيله بالمهالك، بحيث يشربون في قلوبهم الجهاد، حتى يعتقدون أنه خير عمل يرجونه يوم المعاد.

            ولذا ترجح في نظرهم اسقاط هذا الفصل تقديما لتلك المصلحة على التعبد بما جاء به الشرع الأقدس، فقال الخليفة الثاني وهو على المنبر _ فيما نص عليه القوشجي120 في أواخر مبحث الامامة من شرح التجريد،

            67

            وهو من أئمة المتكلمين على مذهب الأشاعرة _: ثلاث كن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أنهى عنهن، وأحرمهن، وأعاقب عليهن: متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير العمل 121.

            وتبعه في اسقاطها عامة من تأخر عنه من المسلمين، حاشا أهل البيت ومن يرى رأيهم، " احي على خير العمل " من شعارهم، كما هو بديهي من مذهبهم، حتى أن شهيد فخ _ الحسين بن علي بن الحسن بن أمير المؤمنين عليه السلام _ لما ظهر بالمدينة أيام الهادي من ملوك العباسيين، أمر المؤذن أن ينادي بها ففعل. نص على ذلك أبو الفرج الأصبهاني حيث ذكر صاحب فخ ومقتله في كتابه مقاتل الطالبيين122.

            وذكر العلامة الحلبي في باب بد، الأذان ومشروعيته ص 11، على الجز، الثاني من سيرته أن ابن عمر رضي الله عنه والأمام زين العابدين علي بن

            68

            الحسين عليه السلام ، كانا يقولان في الأذان – بعد حي على الفلاح – حي على خير العمل.

            قلت: وهذا متواتر على أئمة أهل البيت، فراجع حديثهم وفقههم لتكون على بصيرة من رأيهم وروايتهم عليهم السلام .
            69

            هوامش
            120- القوشجي هو علا ، الدين علي بن محمد ذكره طاش كبري زاده في كتابه (الشقائق النعمانية ) وغير واحد من أصحاب المعاجم فذكروا أنه قرأ على علم، سمرقند، وأخذ العلوم الرياضية عن المولى الفاضل القاضي زادة الرومي وعلى الأمير الغ بيك . ثم ذهب الى بلاد كرمان فقرأ على علمائه، ثم عاد الى سمرقند ثم أتى القسطنطينية على عهد السلطان محمد خان فأكرمه وأعطاه مدرسة أيا صوفيا ورتب له في كل يوم مائتي درهم، وعين لكل من أولاده وأتباعه منصب. وله من التصانيف شرح التجريد المشهور بالشرح الجديد في علم الكلام، والرسالة المحمدية في علم الحساب نسبها إلى السلطان محمد خان، والرسالة الفتحية في علم الهيئة سماها بذلك لفتح السلطان محمد خان عراق العجم، وله حاشية على أوائل شرح الكشاف للتفتازاني وقد جمع عشرين متناً في عشرين علما سناه محبوب الحمائل. كان بعض تلامذته يحمله ولا يفارقه. أما شرحه للتجريد تجريد الخواجه نصير الدين الطوسي أعلى الله مقامه – فمن أحسن الشروح علما وهو منتشر بطبعه ،وتوفي القوشجي في القسطنطينية سنة 879 ودفن بجوار أبي أيوب الانصاري رضي الله عنهم.
            121- واعتذر بعد أن أرسله عنه ارسال المسلمات بأنه قد اجتهد في ذلك.
            122- وكل من ذكر شهيد فخ _ وثورته المبرورة على الظلم والظالمين _نص على ذلك.


            يتبع

            تعليق


            • #7
              الشهادة لـ علي عليه السلام بالولاية في الآذان والإقامة
              فصول الأذان عندنا ثمانية عشر، الله أكبر أربعا، أشهد أن لا إله إلاَّ الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على خير العمل، الله أكبر، لا إله إلاَّ الله. كل منها مرتان.

              وفصول الإقامة سبعة عشر، هي فصول الأذان غير أنها مثنى مثنى إلاَّ "لا إله إلاَّ الله" فمرَّة واحدة، ويزاد فيها "يعد الحيعلات الثلاث قبل التكبير" قد قامت الصلاة، مرتين.

              ويستحب الصلاة على محمد وآل محمد بعد ذكره صلى الله عليه وآله وسلم كما يستحب إكمال الشهادتين بالشهادة لعلي بالولاية لله تعالى وإمرة المؤمنين في الأذان والإقامة.

              وقد أخطأ وشذ من حرم ذلك وقال بأنه بدعة، فان كل مؤذن في الإسلام يقدم كلمة للأذان يوصلها به، كقوله: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا...﴾123، أو نحوها، ويلحق به كلمة يوصله بها كقوله: (الصلاة والسلام عليك يا رسول الله) أو نحوها، وهذا ليس من المأثور عن الشارع في الأذان، وليس ببدعة ولا هو محرم قطعا، لأن المؤذنين كلهم لا يرونه من فصول الأذان، وإنما يأتون به عملا بأدلة عامة تشمله، وكذلك الشهادة

              69

              لعلي بعد الشهادتين في الأذان، فإنما هي عمل بأدلة عامة تشملها.

              على ان الكلام القليل من سائر كلام الآدميين لا يبطل به الأذان ولا الاقامة ولا هو حرام في أثنائها، فمن أين جاءت البدعة والحرام ؟ وما الغاية بشق عصا المسلمين في هذه الأيام ؟
              70

              هوامش
              123- سوره الاسراء، آلاية: 111




              يتبع

              تعليق


              • #8
                الجمع بين الصلاتين
                لا خلاف - بين أهل القبلة من أهل المذاهب الإسلامية كلها – في جواز الجمع بعرفة وقت الظهر بين الفريضتين - الظهر والعصر - وهذا في اصطلاحهم جمع تقديم، كما لا خلاف بينهم في جواز الجمع في المزدلفة وقت العشاء بين الفريضتين124 - المغرب والعشاء - وهذا في الاصطلاح جمع تأخير125، بل لا خلاف في استحباب هذين الجمعين وأنهما من السنن النبوية، وإنما اختلفوا في جواز الجمع بين الصلاتين فيما عدا هذين.

                ومحل النزع هنا: إنما هو جواز الجمع بين الفريضتين بأدائهما معا في وقت أحداهما تقديما على نحو الجمع بعرفة، أو تأخيرا على نحو الجمع بالمزدلفة.

                وقد صدع الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بجوازه مطلقا غير أن التفريق أفضل، وتبعهم في هذا شيعتهم في كل عصر ومصر فإذا هم يجمعون غالبا بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء سفرا وحضرا لعذر أو لغير عذر، وجمع التقديم وجمع التأخير عندهم في الجواز سواء.

                أما الحنفية: فمنعوا الجمع فيما عدا جمعي عرفة والمزدلفة بقول

                71

                مطلق مع توفر الصحاح الصريحة بجواز الجمع ولا سيما في السفر، لكنهم تأولوها على صراحتها فحملوها على الجمع الصوري وسيتضح لك بطلان ذلك قريبا إن شاء الله تعالى.

                وأما الشافعية والمالكية والحنبلية: فأجازوه في السفر على خلاف بينهم فيما عداه من الأعذار كالمطر والطين والمرض والخوف وعلى تنازع في شروط السفر المبيح له126.

                حجتنا التي نتعبد فيما بيننا وبين الله سبحانه في هذه المسألة وفي غيرها إنما هي صحاحنا عن أئمتنا عليهم السلام، وقد نحتج على الجمهور بصحاحهم لظهورها فيما نقول، وحسبنا منها ما قد أخرجه الشيخان في صحيحيهما، واليك ما أخرجه مسلم في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر من صحيحه إذ قال :

                حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا127 في غير خوف ولا سفر.

                قال: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن ديار،عن أبي الشعثاء جابر بن زيد،عن ابن عباس قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً. قال عمرو بن ديار قلت: يا أبا

                72

                الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء . قال :وأنا أظن ذلك . قلت : إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا .
                قال : حدثنا أبو الربيع الزهراني ، حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو بندينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس : ان رسول الله ’صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء .

                قال : وحدثني: أبو الربيع الزهراني، حدثنا حماد عن الزبير بن الخريت ، عن عبد الله بن شقيق قال : خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة ،قال :فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني : الصلاة الصلاة ،قال : فقال ابن عباس : اتعلمني بالسنة لا : أم لك ؟ ثم قال : رأيت رسول الله ’جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء . قال عبد الله بن شقيق فحاك في صدري
                من ذلك شي ، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته .

                قال : وحدثا ابن أبي عمر، حدثنا وكيع ، حدثنا عمران بن حدير، عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال : قال رجل لابن عباس : الصلاة فسكت ،ثم قال : الصلاة فسكت ، ثم قال : الصلاة فسكت ،فقال ابن عباس : لا أم

                73

                لك، أتعلمنا بالصلاة كنا نجمح بين الصلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

                قلت: وللنسائي عن طريق عمرو بن هرم، عن أبي الشعثاء: أن ابن عباس صلى في البصرة الظهر والعصر ليس بينهما شي، فعل ذلك من شغل، وفيه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم128.

                قال مسلم: وحدثا أحمد بن يونس وعون بن سلام جميعا، عن زهير، قال ابن يونس: حدثا زهير، حدثنا أبو الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الظهر والعصر جميعا بالمدينة في غير خوف ولا سفر129. قال أبو الزبير: فسألت سعيداً لم فعل ذلك ؟ فقال :سألت ابن عباس كما سألتني، فقال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته.

                قال: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية، وحدثنا أبو كريب، وأبو سعيد الأشج واللفظ لأبي كريب قالا - يعني أبا كريب وأبا معيد - حدثنا وكيع وأبو معاوية كلاهما، عن الأعمش،عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر.

                قال: وفي حديث وكيع قال: قلت لابن عباس لم فعل ذلك ؟ قال كيلا يحرج أمته. وفي حديث أبي معاوية قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك ؟ قال: أراد ان لا يحرج أمته.

                قال: وحدثنا يحيى بن حبيب الحارثي، حدثنا خالد بن الحرث،

                74

                حدثنا قرة بن خالد، حدثنا أبو الزبير، حدثنا سعيد بن جبير، حدثنا ابن عباس: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء. قال سعيد نقلت لابن عباس: ما حمله على ذلك ؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته.

                قال: حدثنا يحيى بن حبيب، حدثنا خالد بن الحرث،حدثنا قرة بن خالد،حدثنا أبو الزبير، حدثنا عامر بن وائلة أبو الطفيل، حدثنا معاذ بن جبل قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء. قال فقلت: ما حمله على ذلك ؟ فقال: أراد أن لا يحرج أمته.

                قلت: هذه الصحاح صريحة في أن العلة في تشريع الجمع إنما هي التوسعة بقول مطلق على الأمة وعدم إحراجها بسبب التفريق رأفة بأهل الأشغال وهم أكثر الناس،والحديثان الأخيران - حديث معاذ والذي قبله. لا يختصان بموردهما. اعني السفر. إذ علة الجمع فيهما مطلقة لا دخل فيها للسفر من حيث كونه سفرا، ولا للمرض والمطر والطين والخوف من حيث هي هي وإنما هي كالعام يرد في مورد خاص،فلا يتخصص به بل يطرد في جميع مصاديقه، ولذا ترى الإمام مسلما لم يوردهما في باب الجمع في السفر إذ لا يختصان به وإنما أوردهما في باب الجمع في الحضر ليكونا أدلة من جواز الجمع بقول مطلق وهذا من فهمه وعلمه وإنصافه.

                وصحاحه - في هذا الموضوع. التي سمعتها والتي لم تسمعها كلها على شرط البخاري، ورجال أسانيدها كلهم قد احتج البخاري بهم في صحيحه، فما المانع له يا ترى من إيرادها بأجمعها في صحيحه ؟ وما الذي

                75

                دعاه إلى الاقتصار على الزر اليسير منها ؟ ولماذا لم يعقد في كتابه باباً للجمع في الحضر ولا بابا للجمع في السفر؟ مع توفر الصحاح - على شرطه - الواردة في الجمع، ومع أن أكثر الأئمة قائلون به في الجملة، ولماذا اختار من أحاديث الجمع ما هو أخسها دلالة عليه ؟ لم وضعه في باب يوهم صرفه عن معناه ؟ فإني أربأ بالبخاري وأحاشيه أن يكون كالذين يحرفون الكلم عن مواضعه،أو الذين يكتمون الحق وهم يعلمون.

                وإليك ما اختاره في هذا الموضوع، ووضعه في غير موضعه، إذ قال- في باب تأخير الظهر إلى العصر من كتاب مواقيت الصلاة من صحيحه130-: حدثنا أبو النعمان قال: حدثنا حماد بن زيد،عن عمرو بن دينار،عن جابر بن زيد،عن ابن عباس: ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فقال أيوب: لعله في ليلة مطرية، قال: عسى. قلت: إن يتبعون إلا الطن.

                وأخرج في باب وقت المغرب عن آدم قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن زيد عن ابن عباس قال: صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبعا جميعا وثمانيا جميعاً.

                76

                وأرسل في باب " ذكر العشاء والعتمة " عن ابن عمر، وأبي أيوب، وابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى المغرب والعشاء - يعني جمعهما - في وقت أحداهما دون الأخرى.

                وهذا النزر اليسير من الجم الكثير من صحاح الجمع كاف في الدلالة على ما نقول كما لا يخفى، ويؤيده ما عن ابن مسعود إذ قال: جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم - يعني في المدينة - بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فقيل له ذلك، فقال: صنعت هذا لئلا تحرج أمتي. أخرجه الطبراني131.

                والمأثور عن عبد الله بن عمر132 إذ قيل له: لم ترى النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع ين الظهر والعصر والمغرب والعشاء مقيما غير مسافر،أنه أجاب بقوله :فعل ذلك لئلا تحرج أمته.

                وبالجملة فإن علما، الجمهور كافة ممن يقول بجواز الجمع وممن لا يقول به متصافقون على صحة هذه الأحاديث وظهورها فيما نقول من الجواز مطلقا،فراجع ما شئت مما علقوه عليها يتضح لك ذلك 133. نعم

                77

                تأولوها حملا لها على مذاهبهم، وكانوا في تأولها على غمة وفي ليل من الحيرة مظلم، وحسبك ما نقله النووي عنهم في تعليقه على هذه الأحاديث من شرحه لصحيح مسلم إذ قال - بعد اعتبارها ظاهرة في الجمع حضرا -: وللعلماء، فيها تأويلات ومذاهب:

                فمنهم: من تأولها على أنه جمع لعذر المطر. قال: وهذا مشهور عن جماعة من كبار المتقدمين134. قال: وهو ضعيف بالرواية الثانية عن ابن عباس من غير خوف ولا مطر.

                قال: ومهم: من تأولها على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم وظهر أن وقت العصر دخل فصلاها فيه135 136. قال: وهذا أيضا باطل، لأنه إذ كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء،.

                قال: ومنهم: من تأولها على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه فلما فرغ منها دخل وقت العصر فصلاها فيه فصار جمعه للصلاتين صورياً137. قال: وهذا ضعيف أيضا أو باطل، لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل.

                قال: وفعل ابن عباس حين خطب فناداه الناس الصلاة الصلاة ! وعدم مبالاته بهم واستدلاله بالحديث لتصويب فعله بتأخيره صلاة

                78

                المغرب إلى وقت العشاء، وجمعهما جميعا في وقت الثانية وتصديق أبي هريرة له وعدم إنكاره صريح في رد هذا التأويل.

                قلت: ورده ابن عبد البر والخطابي وغيرهما بان الجمع رخصة فلو كان صوريا لكان أعظم ضيقا من الإتيان بكل صلاة في وقتها لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلا عن العامة (قالوا) ومن الدليل على أن الجمع رخصة قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته (قالوا) وأيضا فصريح إخبار الجمع بين الفريضتين إنما هو بأدائهما معا في وقت أحداهما دون الأخرى إما بتقديم الثانية على وقتها وأدائها مع الأولى في وقتها أو بتأخير الأولى عن وقتها إلى وقت الثانية وأدائهما وقتئذ معا. (قالوا) وهذا هو المتبادر إلى الفهم من إطلاق لفظ الجمع في السنن كلها وهذا هو محل النزاع.

                قال النووي: ومنهم: من تأولها فحملها على الجمع لعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه. قال: وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي والمتولي ولروياني من أصحابنا، وهو المختار في تأويلها، لظاهر الأحاديث.

                قلت: لا ظهور في الأحاديث ولا دلالة فيها عليه بشي، من الدوال، والقول به تحكم كما اعترف به القسطلاني في شرحه لصحيح البخاري138. وقد تعقبه الأعلام أيضاً إذ قال: وقيل إن الجمع كان

                79

                للمرض، وقواه النووي، وفيه نظر: لأنه لو جمع للمرض لما صلى معه إلا من به المرض، والظاهر أنه صلى الله عليه وآله وسلم جمع بأصحابه، وبه صرح ابن عباس في رواية ثابتة عنه. انتهى 139.

                قلت: ولما لم يكن لصحاح الجمع تأويل يقبله العلماء، رجح قوم من الجمهور إلى رأينا في المسألة تقريبا من حيث لا يقصدون، وقد ذكرهم النووي بعد أن زيف التأولات بما سمعت فقال: وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال ألشاشي الكبير من أصحاب الشافعي، وعن أبي إسحاق المروزي، وعن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر قال: ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته، إذ لم يعلله بمرض ولا غيره والله أعلم هذا كلامه140 وبه صرح غير واحد من أعلامهم141.

                ولعل المحققين منهم في هذا العصر على رأينا كما شافهني به غير واحد منهم، غير أنهم لا يجرأون على مبادهة العامة بذلك، وربما يمنعهم الاحتياط، فإن التفريق بين الصلوات مما لا خلاف فيه، وهو أفضل بخلاف الجمع، لكن فاتهم أن التفريق قد أدى بكثير من أهل الأشغال إلى

                80

                ترك الصلاة كما شاهدناه عيانا، بخلاف الجمع فإنه أقرب إلى المحافظة على أدائها، وبهذا يكون الأحوط للفقها، أن يفتوا العامة بالجمع وأن ييسروا ولا يعسروا ﴿... يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ...﴾142، ﴿...وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ...﴾143 والدليل على جواز الجمع مطلقا موجود والحمد لله سنة صحيحة صريحة كما سمعت، بل كتابا محكما مبينا، ألا تصغون لأتلو عليكم من محكماته ما يتجلى به أن أوقات الصلوات المفروضة ثلاثة فقط، وقت لفريضتي الظهر والعصر مشتركا بينهما، ووقت لفريضتي المغرب والعشاء على الاشتراك بينهما أيضا،وثالث لفريضة الصبح خاصة، فاستمعوا له وأنصتوا ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾144.

                قال الأمام الرازي حول تفسيرها - من سورة الإسراء، ص 428 من الجزء الخامس من تفسيره الكبير - ما هذا لفظه: فإن فسرنا الغسق بظهور أول الظلمة كان الغسق عبارة عن أول المغرب145 وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات: وقت الزوال، ووقت أول المغرب، ووقت الفجر. قال: وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتا للظهر والعصر فيكون هذا الوقت مشتركا بين هاتين الصلاتين، وأن يكون أول المغرب وقتا للمغرب والعشاء، فيكون هذا الوقت مشتركا أيضا بين هاتين الصلاتين. قال: فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر وبين

                81

                المغرب والعشاء، مطلقا146، قال: إلا أنه دل الدليل على أن الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز فوجب أن يكون الجمع جائزاً لعذر السفر وعذر المطر وغيره.

                قلت: أمعنا بحثاً عما ذكره من دلالة الدليل على أن الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز فلم نجد له - شهد الله - عينا ولا أثرا، نعم كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجمع في حال العذر، وقد جمع أيضا في حال عدمه لئلا يحرج أمته، ولا كلام في أن التفريق أفضل، ولذلك كان يؤثره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا لعذركما هي عادته في المستحبات كلها صلى الله عليه وآله وسلم.
                82

                هوامش
                124- إنما انعقد إجماع أهل القبلة على جوازز الجمع بعرفة والمزدلفة للحجاج خاصة , أنا غيرهم فمحل خلاف.
                125- وذلك لتأخير الصلاة عن وقتها وجمعها مع العشاء في وقتها كما أن الجمع في عرفة إنما كان جمع تقديم لتقديم صلاة العصر عن وقتها وجمعها مع الظهر في وقته.
                126- وذلك أن منهم من اشترط سفر القربة كالحج والعمرة والغزو ونحو ذلك دون غيره، ومنهم من اشترط الإباحة دون مفر المعصية، ومنهم من اشترط ضربا خاصا من السير، ومنهم من لم يشترط شيئا فأي سفر كان وبأي صفة كان يراه مبيحا للجمع، والتفصيل في فقههم.
                127- لعلك لا تجهل أن اصطلاحهم في الجمع بين الصلاتين إنما هو إيقاعهما معا في وقت إحداهما دون الأخرى جمع تقديم أو جمع تأخير. هذا هو مراد المتقدمين منهم والمتأخرين من عهد الصحابة إلى يومنا هذ، وهذا هو محل النزاع كما سمعته في الأصل.
                128- كما نقله الزرقاني في الجمع بين الصلاتين من شرح الموطأ ص 267من جزئه الأول.
                129- وهذا الحديث مما أخرجه مالك في باب الجمع بين الصلاتين من الموطأ ؟ والامام أحمد عن ابن عباس في مسنده.
                130- تعقبه شيخ الإسلام الأنصاري عند بلوغه إلى هذا الباب من شرحه – تحفة الباري – فقال: المناسب للحديث باب: صلاة الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء , ففي التعبير بما قاله تجوز وقصور إلى أن قال: وتأويل ذلك بأنه فرغ من الأولى فدخل في وقت الثانية فصلاها عقبها خلاف الظاهر , انتهى بلفظه في آخر 293 في الجزء الثاني من شرحه إرشاد الساري: وتأوله على الجمع الصوري بأن يكون آخر الظهر إلى آخر وقتها وعجل العصر في أول وقتها ضعيف لمخالفة الظاهر وهكذا قال أكثر علمائهم ولا سيما شارحو صحيح البخاري كما ستسمعه في الأصل إن شاء الله.
                131- كما في أواخر ص 263من الجز، الأول من شرح الموطأ للزرقاني قال: وإرادة نفي الحرج تقدح في حمله على الجمع الصوري لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج.
                132- في حديث تجده في صفحة 242 من الجز، الرابع من كنز العمال عدده في تلك الصفحة 5، 78 مسنداً إلى عبد الله.
                133- وحسبك تعليق النووي شرحه لصحيح مسلم، والزرقاني في شرحه لموطأ مالك، والعسقلاني والقسطلاني وزكريا الانصاري في شروحهم لصحيح البخاري، وسائر من علق على أي كتاب من كتب السنن يشتمل على حديث ابن عباس في الجمع بين الصلاتين
                حيث صححوه بكل طرقه التي نقلناها عن صحيحي مسلم والبخاري واستظهروا منها جواز الجمع في الحضر لمجرد وقاية الأمة من الحرج، وما أدري والله ما الذي حملهم على الإعراض عنه، ولعل هذا من حظ أهل البيت عندهم.
                134- كالإمامين مالك والشافعي وجماعة من أهل المدينة.
                135- على أنه بعيد عن اللفظ غاية البعد ولا قرينة عليه.
                136- هذا خرط ومجازفة ورجم بالغيب.
                137- وقد تعلم أن أبا حنيفة وأصحابه تأولوا صحاح الجمع حضرا وسفرا بحملها كلها على الجمع الصوري فقالوا بمنع الجمع مطلق، وهذا غريب منهم إلى.بعد غاية وقد كفانا مناقشتهم والبحث معهم عدة من الأعلام تسمع في الأصل كلامهم.
                138- فراجع من شرحه إرشاد الساري باب تأخير الظهر إلى العصر تجد في ص 293 من جزئه الثاني ما هذا لفظه: وحمله _ أي حديث ابن عباس في الجمع حضرا _ بعضهم على الجمع للمرض، وقواه النووي، فتعقبوه أنه مخالف لظاهر الحديث، وتقييده به ترجيح بلا مرجع وتخصيص بلا مخصص.
                139- فراجعه في ص 267من الجز، الأول من شرح الزرقاني لموطأ هالك في باب الجمع بين الصلاتين.
                140- في ص 455 من الجز، الرابع من شرحه لصحيح مسلم المطبوع في هامش إرشاد الساري وتحفة الباري شرحي صحيح البخاري ولا يخفى ميل النووي إليه في آخر كلامه إذ أيده بقول ابن عباس وعلق على قول ابن عباس قوله فلم يعلله بمرض ولا غيره فكان آخر كلامه ناقصا لتأويله.
                141- كالزرقاني في شرحه للموطأ وسائر من علق على حديث ابن عباس في الجمع بين الصلاتين ممن شرح الصحاح والسنن العسقلاني والقسطلاني وغيرهما
                142- سورة البقرة، آية: 185.
                143- سورة الحج، آية: 78.
                144- سورة الإسراء، آية: 78.
                145- هذا المعنى نقله الرازي _ حول الآية من تفسيره الكبير - عن ابن عباس وعط، والنضر بن شميل، ونقله الإمام الطبرسي _ في مجمع البيان - عن ابن عباس وقتادة.
                146- أما إذا فسرنا الفسق بتراكم الظلمة وشدتها نصف الليل _ كما عن الصادق عليه السلام فوقت الفرائض الأربع الظهر والعصر والمغرب والعشاء ممتد من الزوال إلى نصف الليل ،فالظهر والعصر يشتركان في الوقت من الزوال إلى الغروب إلا أن الظهر قبل العصر، ويشترك المغرب والعشاء، من الغروب إلى نصف الليل غير أن المغرب قبل العشاء،أما فريضة الصبح فقد اختصها الله بوقتها المنوه به في قوله سبحانه: {وقرأن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً }.



                يتبع

                تعليق


                • #9
                  تكبيرة الإحرام
                  أجمع الامامية - تبعا لأئمة العترة الطاهرة عليهم السلام- على أن تكبيرة الإحرام ركن من كل فريضة وكل نافلة لا تنعقد الصلاة إلا بها: وصورتها "الله أكبر" خاصة، فلو افتتح المصلي صلاته بتسبيح الله أو تهليله أو بقول "الله كبير" أو "الله الأكبر" أو "الله أعظم" أو نحوها لا يصح، فضلا عن رطانتها بإحدى اللغات الأعجمية، وحسبنا في ثبوت افتراضها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يفتتح صلاة من صلواته كلها إلا بها، وقد عرفت قريبا أن الأصل فيما يفعله في صلاته صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو الوجوب لقوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي".

                  على أن افتراضها ثابت في الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، قال الله تعالى: ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ وقد انعقد الإجماع على أن المراد به تكبيرة الإحرام لأن الأمر للوجوب، وغيرها ليس بواجب اجماعاً. وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم" رواه أبو داود في سننه.

                  وقال الحنفية أن التحريم ليس ركناً في الصلاة، وإنما هو متصل بالقيام الذي هو ركن، فيجب فيه استقبال القبلة وستر العورة والكون على طهارة لا لنفسه بل لاتصاله بالركن، وقالوا لا يشترط فيها اللغة العربية واكتفوا بترجمتها بأي لغة شاء المصلي، سواء أكان عاجزا عن العربية أم قادرا عليها فتعقد الصلاة عندهم بقول المصلي: "خدا بزرك" مثلاً عوضاً

                  83

                  عن الله أكبر، قالوا ويصح الإحرام بالتسبيح أو التهليل وبكل اسم من أسمائه تعالى بدون أن يزاد عليه شيء ، كأن يفتتحها بقول "الله " أو "الرحمن" أو نحو ذلك من أسمائه الحسنى مجردة مع الكراهة، هذا مذهبهم لا يختلفون فيه، وحجتهم إنما هي الاستحسان كما سمعت، والجواب هوا لجواب والله الموفق للصواب.



                  يتبع

                  تعليق


                  • #10
                    القراءة في الصلاة
                    اختلف الفقهاء في القراءة في الصلاة، فذهب أبو بكر الأصم وإسماعيل بن علية وسفيان بن عيينة والحسن بن صالح إلى أنها ليست بفرض في صلاة ما وإنما هي مستحبة.

                    وهذا شذوذ في الرأي وخروج على الأدلة وخرق لإجماع الأمة.

                    احتجوا بما رواه أبو سلمة ومحمد بن علي، عن عمر بن الخطاب إذ صلى المغرب فلم يقرأ فيها، فقيل له في ذلك فقال: كيف كان الركوع والسجود؟ قالوا: حسن. فقال: لا بأس إذا.

                    والجواب: أنه إذ لم يرفعه فهو رأيه، ولعله كان ممن يرى أن ترك القراءة سهوا لا يبطل الصلاة والله أعلم.

                    وذهب الحسن البصري وآخرون إلى أن القراءة إنما تفرض في ركعة واحدة. وهذا كسابقه في الشذوذ وخرق الإجماع.

                    احتجوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب متشبثين بأن الاستثناء من النفي إثبات، وأنه إذا حصلت قراءة الفاتحة في الصلاة ولو مرة واحدة وجب القول بصحتها بحكم الاستثناء.

                    والجواب: إن هذا الحديث غير ناظر - يحكم العرف - إلى حال الصلاة حين تكون مع الفاتحة ولا هو حاكم عليها - وهي في تلك الحال - بإيجاب ولا بسلب وإنما هو ناظر إليها حين تكون خالية من الفاتحة وحاكم

                    85

                    عليها بأنها - وهي في تلك الحال -ليست بصلاة نظير قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا صلاة إلا بطهور" اهتماما منه بالفاتحة وهي جز، الصلاة وبالطهور وهو شرطها، ونظائر هذا في الكلام كثير، ألا ترى أنه لو قيل لا " سكنجبين " إلا بخل مثلا، لا يفهم أحد من ذلك أن مسمى الخل ولو قطرة أو دونها كاف، أو ليس بكاف وإنما يفهمون أن السكنجبين مركب وأن الخل من مهمات أجزائه فإذا انتفى الخل ينتفي السكنجبين.

                    على أنه لو تم استدلالهم بهذا الحديث على ما زعموا لاطردت دلالته على عدم وجوب شي، من أفعال الصلاة وأقوالها إذا حصلت فيها قراءة الفاتحة كما هو واضح لمن أمعن.

                    وقال الإمام أبو حنيفة وأصحابه: لا تفرض قراءة الفاتحة بخصوصها في صلاة ما وإنما يفرض في الصلوات مطلق القراءة واكتفى أبو حنيفة بقراءة أية آية من القرآن ولو كانت كلمة واحدة نحو "مدهامتان" لكن صاحبه أبا يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني إنما اكتفيا بثلاث آيات قصار نحو: "ثم نظر، ثم عبس وبسر، ثم أدبر واستكبر " أو بآية واحدة تعادل ثلاث آيات قصار أو تزيد عليها وعلى هذا عمل الحنفية147.

                    وأباح أبو حنيفة ترجمة ما يقرأ من الصلاة في القرآن بأية لغة من اللفات الأعجمية حتى لمن يحسن العربية148، واكتفى من القراءة بدلا من الفاتحة والسورة بقول: "دوبلك سبز" - ترجمة مدهامتان بالفارسية - لكن

                    86

                    صاحبيه إنما أجازا الترجمة للعاجز عن العربية دون القادر عليها وعلى هذا عمل الحنفية.

                    والقراءة تفرض عندهم في الركعتين الأوليين من كل ثنائية كصلاة الجمعة والصبح وظهر المسافر وعصره وعشاءه، أما غير الثنائيات كصلاة المغرب وعشا، المقيم وظهره وعصره فإنما تفرض القراءة عندهم في ركعتين من كل منها لا على التعيين فللمصلي أن يختار القراءة في الأوليين أو الأخريين أو الأولى والثالثة أو الأولى والرابعة أو الثانية والثالثة أو الثانية والرابعة فإذا قرأ في الأولين – مثلاً – كان في الأخريين مخيراً إن شا، قرأ وإن شا، سبح وإن شاء سكت بقدر تسبيحة، هذا مذهبهم منتشراً في فقههم.

                    احتجوا لكفاية مطلق القراءة في الصلاة بحديث أبي هريرة الموجود في الصحيحين149 إذ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعد أن رد رسول الله عليه السلام قال له: ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع الرجل فصلى كما كان صلى ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسلم عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وعليك السلام، ارجع فصل فانك لم تصل حتى فعل ذلك ثلاث مرات. فقال الرجل: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني. فقال صلى الله عليه وآله وسلم إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى

                    87

                    تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك قي صلاتك كلها.

                    ومحل الشاهد منه قوله: ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن لظهوره في دعواهم.

                    والجواب: أن أبا هريرة ممن لا نقيم لحديثه وزنا كما بيناه مفصلاً وأقمنا عليه الحجج القاطعة عقلية ونقلية في كتاب منتشر له فأردناه ليراجعه كل مولع بالبحث عن الحقائق الساطعة.

                    وحديثه هذا قد لا يجوز على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لوروده في مقام يجب فيه البيان، وقد أمعنا فلم نجد ثمة من البيان ما يليق بالأنبياء عليهم السلام لخلوه من كثير مما أجمعت الأمة على وجوبه في الصلاة كالنية والقعود في التشهد الأخير وترتيب أركان الصلاة وكذا التشهد الأخير والصلاة على النبي والتسليم وغيرها، على أن تركه ثلاث مرات يصلي صلاة فاسدة مما لا يتلاءم مع خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد لا يجوز ذلك عليه صلى الله عليه وآله وسلم.

                    وأبو داود أخرج هذه القصة – في باب صلاة من لا يقيم صلبه قي الركوع والسجود من سننه – بالإسناد إلى رفاعة بن رافع150 الأنصاري -وهو من أهل بدر – وفيها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للرجل الذي لم يحسن صلاته: إذا قمت وتوجهت إلى القبلة فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ.

                    وأخرج هذه القصة أيضاً بن حنبل وابن حبان بسنديهما إلى

                    88

                    رفاعة بن رافع وفيها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لذلك الرجل المسي، صلاته ثم اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت، الحديث151.

                    ومن المعلوم: أن أبا هريرة ممن لا يوازن رفاعة ولا يكايله في قول لا في عمل، فحديثه مقدم على حديث أبي هريرة عند التعارض بلا كلام، ولذلك ترى القسطلاني في فتح الباري يتأوّل ما جاء في حديث أبي هريرة بحمله على ما جاء في حديث رفاعة، ومن تتبع أقوال السلف والخلف فيما جاء في حديث أبي هريرة من قوله: فاقرأ ما تيسر معك من القرآن، تجدهم جميعا "غير الحنفية" بين مفند152 ومتأوّل153ودونك إن شئت كلامهم حول حديث أبي هريرة هذا من شروح الصحيحين كلها154.

                    على أن أبا هريرة نفسه عارض حديثه هذا بما صح عنه إذ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا تجزي، صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب155 وقال: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرني ان أخرج فأنادي في المدينة أن

                    89

                    لا صلاة إلا بقرآن ولو بفاتحة الكتاب فما زاد156. وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من صلى صلاة لا يُقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج فهي خداج157.

                    بقي الأمر الذي نتساءل عنه أعني السبب بأخذ فقها، الحنفية بظاهر قوله في حديث أبي هريرة "فاقرأ ما تيسر معك من القرآن" دون نصوصه الصريحة بوجوب الطمأنينة قياماً وقعوداً وركوعاً وسجوداً، على أن ما أخذوا به معارض بصحاح صريحة، ومخالف لجمهور المسلمين، وما لم يأخذوا به مؤيد بالصحاح وعليه الجمهور.

                    وربما استدل الحنفية على رأيهم في هذه المسألة بقوله تعالى: ﴿.... فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ...﴾158.

                    والجواب: ان هذه الآية لا دخل لها فيما نحن فيه من القراءة في الصلاة قطعاً، يشهد بذلك سياقها في سورة المزمّل فليراجعها من شاء وليمعن فيما قاله المفسرون حولها تتضح له الحقيقة.

                    واحتج الحنفية لجواز ترجمة ما يقرأ في الصلاة من القرآن باللغات الأجنبية بوجه:

                    أحدها: أن ابن مسعود أقرأ بعض الأعاجم: إن شجرة الزقوم طعام

                    90

                    الأثيم، فكان الأعجمي يقرأ طعام اليتيم. فقال له: قل طعام الفاجر، ثم قال: ليس الخطأ في القرآن أن يقرأ: الحكيم، مكان العليم، بل أن يضع آية الرحمة مكان آية العذاب.

                    والجواب: إن هذا أجنبي عما نحن فيه، لا دلالة به على المدعي بشي، من الدوال، على أنه لو صح لكان رأياً لابن مسعود مقصوراً عليه لا تثنيه به حجة.

                    الثاني: قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾159 ومثله: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾160

                    ووجه الاستدلال بهذه الآيات: أن الأمة مجمعة على أن القرآن لم يكن بألفاظه العربية في زبر الأولين ولا في صحف إبراهيم وموسى، وإنما كانت فيها معانيه بألفاظ العبرانية والسريانية.

                    والجواب: إن هذا كسابقه في عدو الدلالة على المدعي بل هو أبعد وأبعد بكثير.

                    الثالث: أنه تعالى قال: ﴿... وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ ...﴾. والأعاجم لا يفهمون اللفظ العربي إلا أن يذكر لهم معناه بلفتهم فيكون الإنذار بها.

                    والجواب: إن هذا إنما يصلح دليلا على جواز تفسير القرآن بلغاتهم ليأخذوا بحكمه وآدابه وأوامره وزواجره وهذا شيء، والرطانة في الصلاة المأمور فيها بقراءة القرآن شي، آخر، وأي عربي أو عجمي لا يتبادر إلى ذهنه من لفظ قراءة الفاتحة تلاوة أم الكتاب بألفاظها المدونة في

                    91

                    المصاحف، وأي ذي ذوق لايصح عنده سلب لفظ قراءة الفاتحة وقراءة القرآن عن الرطانة بهما في الفارسية أو غيرها من اللغات الأجنبية شرقية وغربية.

                    وللأمام الرازي في تزييف هذه الوجوه – إذ نقلها من الحنفية – كلام آخر فليراجع.

                    وأنا أربأ بالامام أبي حنيفة أن يخفق في استدلاله هذا الاخفاق أو يسف فيه إلى هذا الحضيض، لكنه عول في استنباط الأحكام الشرعية الفرعية على القياس والاستحسان، ومن هنا أتي الرجل، وكأنه استحسن للأعاجم أن تترجم لهم القراءة في الصلاة بلغاتهم، إذ وجد ذلك اقرب إلى فهمهم لمعانيها وأرجى لخشوعهم فيها، وهنه قاس قراءة الأعجمي بلغته على سماعه الموعظة وتلقيه دروس العلم بلغته، وهذه نظرية أتاتورك في الصلاة لم يأخذها من أبي حنيفة وإنما هي خواطر متواردة، وساعد أتاتورك على هذه النظرية انه لا يقدر الأدلة الشرعية بل لا يعرفها ولا يتعرف عليها فيما يستحسنه من وجوه الإصلاح في نظره، ولو كان في الأدلة الشرعية ما يساعد على جواز العمل بالاستحسان لكان لما رأوه وجه، وقد أبته وحظرته فهيهات هيهات.

                    وذهب الشافعي ومالك وأحمد وغيرهم إلى افتراض قراءة الفاتحة باللغة العربية في جميع ركعات الفرض والنفل، ودليلهم على ذلك: حديث أبي هريرة في قصة الأعرابي الذي لم يحسن صلاته لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث علمه الصلاة فأمره بالقراءة ثم قال له: "إفعل ذلك في صلاتك كلها"161.

                    92

                    وقد عرفت رأينا في هذا الحديث إذ قلنا أنا لا نقيم له وزنا..

                    والذي عليه الامامية - تبعا لأئمة العترة الطاهرة عليهم السلام - أن قراءة الفاتحة بالعربية الصحيحة فرض في الركعتين الأوليين من كل فرض ونفل162 على المنفرد والامام، أما المأموم فيتحمل القراءة عنه إمامه163 ،وأما الركعتان الأخريان فيجب فيهما إما قراءة الفاتحة أو التسبيح على سبيل التخيير بينهما ولا يتحمل الإمام فيهما عن المأموم قراءة ولا تسبيحا.

                    وحجتنا على هذا كله: نصوص أئمتنا - وهم اعتدال الكتاب عليهم السلام -

                    93

                    على أن قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل من الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب ثابت في الصحاح والمسانيد كلها من حديث أبي قتاد الحرث بن ربعي وغيره، والأصل فيما بفعله في صلاته صلى الله عليه وآله وسلم هو الوجوب164، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: صلوا كما رأيتموني أصلي، ولئن ثبت عنه قراءة الفاتحة في الركعتين الأخريين فقد بت عنه أيضاً الذكر فيهما، وصورته: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، مأثورة من طرق الأئمة من عترته الطاهرة، وقد يشهد له حديث سعد بن أبي وقاص الموجود في صحيح البخاري وغيره من الصحاح والمسانيد إذ شكاه أهل الكوفة إلى عمر حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فقال سعد: والله لقد كنت أصلي بهم صلاة رسول الله ما أخرم عنها ،فأركد – أطيل القيام بقراءة الفاتحة والسورة – في الركعتين الأوليين، وأخف في الركعتين الأخريين – أي أسرع فيها اقتصاراً على التسبيح أو الفاتحة مجردة عن غيرها – والله تعالى أعلم.
                    94

                    هوامش
                    147- فراجع فقههم وحسبك غنية المتملي الكبير والصفير المنتشران كرسائل عملية.
                    148- هذا متواتر عنه، وممن نقله فخر الدين الرازي أول صفحة 1، 8من الجز، الأول من تفسيره الكبير ثم قال: واعلم أن مذهب أبي حنيفة في هذه المسألة بعيد جدا ولهذا السبب فإنالفقيه أبا الليث السمرقندي والقاضي أبا زيد الدبوسي صرحا بتركه.
                    149- واحتجوا أيضا بما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا صلاة إلا بقراءة حيث أطلق القراءة وهذا ما يدعون. والجواب أن هذا لو صح لوجب حمله على قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب , ولا غرو فإن المطلق يحمل على المقيد إجماعاً وقول واحد.
                    150- شهد بدراً وأحداً وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وشهد معه بدر أخواه خلاد ومالك ابنا رفاعة، وشهد رفاعة هذا أمير المؤمنين الجمل وصفين وكان من أشد أوليائه له نصرة بالقول والفعل ، يعلم ذلك من ترجمته في الإصابة وغيرها من المؤلفات في أحوال الصحابة.
                    151- تجده في آخر باب وجوب القراءة للأمام والمأموم في الصلاة كلها صفحة 441 من الجزء الثاني من إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري أثن، شرحه لحديث أبي هريرة هذا بنقلهعن كل من أبي داود وأحمد وابن حبان.
                    152- كبعض المعتزلة والشيعة.
                    153- كأعلام غير الحنفية من الجمهور .
                    154- قال الامام النووي حول حديث أبي هريرة هذا في باب وجوب قراءة الفاتحة من شرح صحيح مسلم. وأما قوله: اقرأ ما تيسر معك من القرآن فمحمول على الفاتحة فإنها متيسرة أو على ما زاد على الفاتحة أو على من عجز عن الفاتحة.وقال الامام السندي أثن، كلامه في حديث أبي هريرة هذا من تعليقه على صحيح البخاري ما هذا لفظه: قوله اقرأ ما تيسر معك كأنه قال له ذلك بن، على أن المتيسر لمثله هي الفاتحة قال: على أنه ورد في بعض الروايات أنه عين له الفاتحة.
                    155- أخرجه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه بسند صحيح وكذا رواه أبو حاتم بن حبان ونقله عنهما مصرحا بصحته الإمام النووي في باب وجوب قراءة الفاتحة من شرحه لصحيح مسلم
                    156- أخرجه أبو داود في باب من ترك القراءة في صلاته من السنن وأخرج ثمة عن أبي هريرة أيضا من طريق آخر قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أنادي لا صلاة إلا بقر، ة الفاتحمة فما زاد
                    157- أخرجه أبو داود في الباب الآنف الذكر ومسلم عن أبي هريرة من طرق كثيرة في باب وجوب قراءة الفاتحة من كل ركعة من صحيحه.
                    158- سورة المزمل، الآية: 20.
                    159- سورة الشعراء، الآية: 196.
                    160- سورة الأعلى. الآية: 18، 19.
                    161- قال الامام النووي الشافعي في باب وجوب قراءة الفاتحة من شرحه لصحح مسلم: والذي عليا جمهور العلماء من السلف والخلف وجوب الفاتحة في كل ركعة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم للإعرابي الذي لم يحسن صلاته: افعل ذلك في صلاتك كله. قلت: وقد تعلم أن النووي والشافعي وغيرهما ممن يوجب قراءة الفاتحة في كل ركعة من ركعات الصلاة لا يسنى له اعتبار حديث أبي هريرة إلا بعمل قوله فيه: فاقرأ ما تيسر معك من القرآن على خصوص الفاتحة.
                    162- يجب عندنا في كل من الركعتين الأوليين من الفرائض الخمس قراءة سورة كاملة بعد الفاتحة لثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أبي قتادة وقد أخرجا البخاري في صحيحه وأخرجه غيره، ويجوز عندنا ترك السورة في بعض الأحوال بل قد يجب مع ضيق الوقت ونحوه من موارد الضرورة، أما النافلة فيجب فيها الفاتحة فقط ومعنى وجوبها فيها أنها شرط في صحته.
                    163- لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة، وهذا حديث مأثور عند الجمهور من عدة طرق تجده في مبحث قراءة الفاتحة من كتاب الفقه على المذاهب الأربعة وتجد ثمة القول بمنع المأموم عن القراءة مأثورا عن أمير المؤمنين والعبادلة في ثمانين من كبار الصحابة، بل تجد القول بفساد صلاة المأموم إذ قرأ خلف لم أمامه مأثورا عن عدة أخرى من الصحابة. والأحوط عندنا بل الأقوى للمأموم ترك القراءة في الركعتين الأوليين من الاخفاتية ،وكذا في الأوليين من الجهرية إذا سمع من صوت إمامه ولو الهمهمة عملا بقولا تعالى: {وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلك ترحمون }. إما إذا لم يسع حتى الهمهمة جاز للمأمون بل استحب له القراءة.
                    164- كما نص علبه الإمام السندي في تعليقه على حديث سعد من صحيح البخاري الذي أشرنا إليه في الأصل.



                    يتبع

                    تعليق


                    • #11
                      هل البسلمة آية قرآنية ؟
                      وهل تقرأ في الصلاة ؟

                      اختلفت آراء أهل الرأي من المسلمين في ذلك، فذهب مالك والأوزاعي إلى أنها ليست من القرآن ومنعا من قراءتها في الفرائض بقول مطلق سوا، أكانت في افتتاح الحمد أم في افتتاح السورة بعدها، وسواء قرئت جهرا أم اخفاتاً، نعم أجازا قراءتها في النافلة165.

                      أما أبو حنيفة والثوري وأتباعهما فقرأوها في افتتاح أم القرآن، لكن أوجبوا اخفاتها حتى في الجهريات، وهذا يشعر بموافقتهما لمالك والاوزاعي وربما كان دالاً عليه إذ لا نعرف وجهاً لا خفاتهما في الجهريات سوى أنها ليست من أم الكتاب.

                      لكن الشافعي قرأها في الجهريات جهرا وفي الاخفاتيات اخفاتاً وعدها آية من فاتحة الكتاب، وهذا قول أحمد بن حنبل وأبي ثور وأبي عبيد، واختلف المنقول عن الشافعي في أنها آية من كل سورة عدا براءة أم أنها ليست بآية من غير أم الكتاب فنقل عنه القولان جميعا، لكن المحققين

                      95

                      من أصحابه قد اتفقوا على أن البسملة قرآن من سائر السور166 وتأولوا القولين المنقولين عن إمامهم الشافعي167.

                      أما نحن - معشر الإمامية - فقد أجمعنا - تبعا لأئمة الهدى من أهل بيت النبوة عليهم السلام - على أنها آية تامة من السبع المثاني ومن كل سورة من القرآن العظيم ما خلا براءة، وان من تركها في الصلاة عمدا بطلت صلاته سوا، أكانت فرضا أم كانت نفلاً، وأنه يجب الجهر بها فيما يجهر فيه بالقراءة وأنه يستحب الجهر بها فيما يخافت فيه168 وأنها بعض آية من سورة النمل، ونصوص أثمتنا في هذا كله متضافرة متواترة تواترا معنويا وأساليبها ظاهرة في الإنكار على مخالفيهم فيها، كقول الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام169 ما لهم ؟! عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله عز وجل فزعموا أنها بدعة إذا ظهروها وهي بسم الله الرحمن الرحيم.

                      وحجتنا من طريق الجمهور صحاحه وهي كثيرة:

                      أحدها: ما هو ثابت عن ابن جريج، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾170. قال: فاتحة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب

                      96

                      العالمين وقرأ السورة. قال ابن جريح: فقلت لأبي: لقد أخبرك سعيد عن ابن عباس أنه قال: بسم الله الرحمن الرحيم آية ؟ قال: نعم. وهذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وأورده الذهبي في تلخيصه وصرحا بصحة إسناده171

                      ثانيها: ما صح عن ابن عباس أيضا. قال: ان النبي صلى الله وعليه وآله وسلم كان إذا جاءه جبرائيل فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم علم أنها سورة172.

                      ثالثها: ما صح عن ابن عباس أيضا. قال: كان النبي صلى الله وعليه وآله وسلم لا يعلم ختم السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم173.

                      رابعها: ما صح عنه أيضا. قال: كان المسلمون لا يعلمون السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم فإذا نزلت بسم الله الرحيم علموا أن السورة قد انقضت174.

                      خامسها: صح عن أم سلمة قالت: كان النبي صلى الله وعليه وآله وسلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين إلى آخرها يقطعها حرفاً حرفا175.

                      97

                      وعن أم سلمة أيضاً من طريق آخر قالت: رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية، الحمد لله رب العالمين آيتين ،الرحمن الرحيم ثلاث آيات، مالك يوم الدين أربع، إياك نعبد وإياك نستعين فجمع خمس أصابعه. الحديث176.

                      سادسها: ما صح عن نعيم المجمر. قال: كنت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ ولا الضالين قال آمين، فقال الناس آمين،177 فلما سلم قال والذي نفسي بيده اني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم178.

                      وعن أبي هريرة أيضا قال: كان رسول الله يجهر – في الصلاة – ببسم الله الرحمن الرحيم179.

                      سابعها: ما صح عن أنس بن مالك قال: صلى معاوية بالمدينة صلاة، فجهر فيها بالقراءة فقرأ فيها بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعدها حتى قضى تلك القراءة،

                      98

                      فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والأنصار من كل مكان: يامعاوية أسرقت الصلاة أم نسيت ؟ فلما صلى بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أم القرآن. الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه على شرط مسلم180، وأخرجه غير واحد من أصحاب المسانيد كالإمام الشافعي في مسنده181 وعلق عليه تعليقة يجدر بنا إيرادها، إذ قال182: إن معاوية كان سلطانا عظيم القوة شديد الشوكة فلولا أن الجهر بالتسمية كان كالأمر المقرر عند كل الصحابة من المهاجرين والأنصار لما قدروا على إظهار الإنكار عليه بسبب ترك التسمية.

                      ولنا تعليقة على هذا الحديث ألفت إليها كل بحاثة فأقول: إن من أمعن في هذا الحديث وجده من الأدلة على مذهبنا في البسملة وفي عدم جواز التبعيض في السورة التي تقرأ في الصلاة بعد أم القرآن، إذ لا وجه لانكارهم عليه إلاَّ بنا، مذهبنا في المسألتين.

                      ثامنها: ما صح عن أنس أيضاً من طريق آخر قال: سمعت رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم يجهر – في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم 183

                      تاسعها: ما صح عن محمد بن السري العسقلاني. قال: صليت

                      99

                      خلف المعتمر بن سليمان ما لا أحصي صلاة الصبح والمغرب فكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل فاتحة الكتاب وبعدها - للسورة - وسمعت المعتمر يقول: ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي، وقال أبي: ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم184. قلت: آنت من هذا الحديث وغيره أنهم كانوا يقرأون بعد أم القرآن سورة تامة من بسملتها حتى منتهاها كما هو مذهبنا ويدل عليه كثير من الأخبار185.

                      وعن قتادة، قال: سئل أنس بن مالك كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم ؟قال: كانت مداً ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد الرحمن ويمد الرحيم.

                      وعن حميد الطويل، عن أنس بن مالك. قال: مليت خلف النبي صلى الله وعليه وآله وسلم وخلف أبي بكر وخلف عمر وخلف عثمان وخلف علي فكلهم كانوا يجهرون بقراءة بسم الله الرحمن الرحيم.

                      أخرج هذه الأحاديث كلها وما قبلها أمام المحدثين أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري في مستدركه ثم قال بعد الأخير منها ما هذا نصه: إنما ذكرت هذا الحديث شاهدا لما تقدمه. ففي هذه الأخبار التي ذكرناها معارضة لحديث قتادة الذي يرويه أثمتنا عنه - ولفظه عن أنس قال: صليت خلف النبي صلى الله وعليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم -.

                      100

                      ثم قال الحاكم: وقد بقي في الباب عن أمير المؤمنين عثمان ،وعلي، وطلحة بن عبد الله، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر،والحكم بن عمير الثمالي، والنعمان بن بشير، وسمرة بن جندب ،وبريده الاسلمي، وعائشة بنت الصديق (ض)، كلها مخرجه عندي في الباب تركتها إيثاراً للتخفيف واختصرت منها ما يليق بهذا الباب وكذلك ذكرت في الباب من جهر ببسم الله الرحمن الرحيم من الصحابة والتابعين وأتباعهم رضي الله عنهم. انتهى كلامه186.

                      قلت: وذكر الرازي في تفسيره الكبير187 أن البيهقي روى الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في سننه عن عمر بن الخطاب، وابن عباس وابن عمر ابن الزبير ثم قال الرازي ما هذا لفظه: وأما ان علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يهجر بالتسمية فقد ثبت بالواتر ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى. قال: والدليل عليه قول رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم " اللهم أدر الحق مع علي حيث دار".

                      وحسبنا حجة - على أن البسملة آية قرآنية في مفتتح السور كلها ما خلا براءة - أن الصحابة كافة فالتابعين أجمعين فسائر تابعيهم وتابعي التابعين في كل خلف من هذه الأمة منذ دون القرآن إلى يومنا هذا مجمعون إجماعا عمليا على كتابة البسملة في مفتتح كل سورة خلا براءة.

                      كتبوها كما كتبوا غيرها من سائر الآيات بدون ميزة، مع أنهم كافة متصافقون على أن لا يكتبوا شيئاً من غير القرآن إلا بميزة بينة حرصا منهم على أن لا يختلط فيه شي، من غيره، ألا تراهم كيفه ميزوا عنه أسماء سوره

                      101

                      ورموز أجزائه وأحزابه وأرباعه وأخماسه وأعشاره فوضعوها خارجة عن السور على وجه يعلم منه خروجها عن القرآن احتفاظا به واحتياطا عليه، ولعلك تعلم أن الأمة قل ما اجتمعت بقضها وقضيضها على أمر كاجتماعها على ذلك، وهذا بمجرده دليل على أن بسم الله الرحمن الرحيم أية مستقلة في مفتتح كل سورة رسمها السلف والخلف في مفتتحها والحمد لله على الاعتدال.

                      وأيضاً فإن من المأثور المشهور عن رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم قوله: كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع188، وكل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر أو أجذم189، ومن المعلوم أن القرآن أفضل ما أوحاه الله تعالى إلى أنبيائه ورسله وان كل سورة منه ذات بال وعظمة، تحدى الله بها البشر فعجزوا عن أن يأتوا بمثلها، فهل يمكن أن يكون القرآن أقطع ؟! تعالى الله وتعالى فرقانه الحكيم وتعالت سوره عن ذلك علواً كبيراً.

                      والصلاة هي الفلاح وهي خير العمل كما ينادى به في أعلى المنائر والمنابر ويعرفه البادي والحاضر لا يوازنها ولا يكايلها شي، بعد الإيمان بالله تعالى وكتبه ورسوله واليوم الآخر، فهل يجوز أن يشرعها الله تعالى بترا، جذما، ؟ إن هذا لا يجرا على القول به بر ولا فاجر، لكن الأئمة البررة مالكاً والأوزاعي وأبا حنيفة (رضي الله عنهم) ذهلوا عن هذه اللوازم ،وكل مجتهد في الاستنباط من الأدلة الشرعية معذور ومأجور إن أصاب وإن أخطأ.

                      102

                      حجه مخالفينا في المسألة

                      احتجوا بأمور:

                      أحدها: أنها لو كانت آية من الفاتحة للزم التكرار فيها بالرحمن الرحيم، ولو كانت جزءاً من كل سورة للزم تكرارها في القرآن مئة وثلاث عشرة مرة.

                      والجواب: ان الحال قد تقتضي ذلك اهتماما ببعض الشؤون العظمى وتأكيدا لها وعناية بها، وفي الذكر الحكيم من هذا شي، كثير وحسبك سورة الرحمن وسورتا المرسلات والكافرون، وأي شأن من أهم مهمات الدنيا والآخرة يستوجب التأكيد الشديد ويستحق أعظم العنايات كاسم الله الرحمن الرحيم، وهل بعثت الأنبياء وهبطت الملائكة ونزلت الكتب السماوية إلاَّ باسم الله الرحمن الرحيم والهداية إليه عز وجل ؟ وهل قامت السماوات والأرض ومن فيهن إلاَّ باسم الله الرحمن الرحيم ؟190﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾191.

                      ثانيها: ما جاء عن أبي هريرة مرفوعا إذ قال: يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين،

                      103

                      يقول الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال: الرحمن الرحيم، يقول الله تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال: مالك يوم الدين، يقول الله تعالى: مجدني عبدي. وإذا قال: إيك نعبد وإياك نستعين، يقول الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي. الخبر.

                      ووجه الاستدلال به أنه لم يذكر في آيات الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم ولو كانت آية لذكرها.

                      والجواب: ان هذا معارض بخبر ابن عباس مرفوعا، وفيه قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فإذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى: دعاني عبدي... الحديث192 وهو طويل، وشاهدنا فيه أنه قد اشتمل على البسملة، فنقض حديث أبي هريرة، على أن أبا هريرة روى عن رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، وكان هو يجهر بها ويقول: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم وقد مر عليك حديثاه في ذلك193.

                      ثالثها: ما جاء عن عائشة: أن النبي صلى الله وعليه وآله وسلم كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين.

                      ولا حجة لهم به، لأنها جعلت الحمد لله رب العالمين اسماً لهذه السورة كما تقول: قرأت قل هو الله أحد، وقرأ فلان إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً، وما أشبه ذلك، فيكون معنى الحديث: أنه صلى الله وعليه وآله وسلم كان يفتتح الصلاة

                      104

                      بالتكبير وبقراءة هذه السورة التي أولها بسم الله الرحمن الرحيم194.

                      رابعها: خبر ابن مغفل إذ قال: سمعني أبي وأنا أقرأ باسم الله الرحمن الرحيم قال: يا بني إياك والحدث فإني صليت مع رسولصلى الله وعليه وآله وسلموأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع رجلا منهم يقرأها195.

                      والجواب: أن أئمة الجرح والتعديل لا يعرفون ابن مغفل ولا أثر لحديثه عندهم، وقد أورده ابن رشد حول البسملة من كتابه " بداية المجتهد"196 فأسقطه بما نقله عن أبي عمر بن عبد البر من النص على أن ابن مغفل رجل مجهول.

                      خامسها: خبر شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك197 قال: صليت مع رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. ونحوه حديث حميد الطويل عن أنس أيضاً198 قال: قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم.

                      والجواب: أنك سمعت في حججنا ما صح عن أنس مما يناقض

                      105

                      هذين الخبرين فأمعن فيما أسلفناه، وقد أورد الإمام الرازي خبر أنس هذا في حجج مخالفيه، ثم قال: والجواب عنه من وجوه:

                      الأول: قال الشيخ أبو حامد الاسفرايني: روي عن أنس في هذا الباب ست روايات، أما الحنفية فقد رووا عنه ثلاث روايات:

                      إحداها: صليت خلف رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين.

                      وثانيتها: قوله: أنهم ما كانوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم.

                      وثالثتها: قوله: لم أسمع أحداً منهم قال: بسم الله الرحمن الرحيم.

                      فهذه الروايات الثلاث توافق قول الحنفية قال: وثلاث أخرى تناقضه:

                      إحداها: حديثه في أن معاوية لما ترك بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة أنكر عليه المهاجرون والأنصار، وهذا يدل أن الجهر بالبسملة كان كالأمر المواتر عندهم المسلم فيما بينهم.

                      قال: وثانيتها: روى أبو قلابة عن أنس أن رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم199

                      قال: وثالثتها: أنه سئل عن الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والإسرار به فقال: لا أدري هذه المسألة قال: فثبت أن الرواية عن أنس في هذه المسألة قد عظم فيها الخبط والاضطراب فبقيت متعارضة فوجب الرجوع إلى غيرها من سائر الأدلة. قال الأمام الرازي: وأيضا ففيها تهمة أخرى وهي أن عليا عليه السلام كان يبالغ في الجهر بالتسمية فلما وصلت

                      106

                      الدولة إلى بني أمية بالغوا في المنع من الجهر بها سعيا في إبطال آثار علي عليه السلام200 قال: فلعل أنسأ خاف منهم فلهذا السبب اضطربت أقواله، قال: ونحن مهما شككنا في شي، فلا نشك في أنه إذا وقع التعارض بين قول أمثال أنس وابن المغفل وبين قول علي بن أبي طالب عليه السلام الذي بقي عليه طول عمره فإن الأخذ بقول علي أولى. قال: فهذا جواب قاطع في المسألة إلى أن قال: ومن اتخذ عليا إماما لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه إلى أخر كلام201ه قلت: فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
                      107

                      هوامش
                      165- نقل ابن رشد هذا كله عن مالك في صفحة 96 من الجزء الأول من كتابه بداية المجتهد، وقال الرازي حول البسملة في تفيسره الكبير صفحة 100 من جزئه الأول ما هذا نصه : قال مالك والأوزاعي أنها ليست من القرآن إلا في سورة النهل ولا تقرأ في الصلاة لا سرا ولا جهرا إلا في قيام شهر رمضان .
                      166- نقل اتفاقهم هذا وتأولهم لقولي أمامهم جماعة من الإعلام احدهم الرازي حول البسملة من تفسيره الكبير صفحة ، 4 1 من جزئه الأول .
                      167- وذلك أنهم قالوا لم يختلف النقل عنه في أصل المسألة وإنما اختلف النقل عنه في أنها آية تامة من سائر السور أو إنها بعض آية من كل سورة .
                      168- ان للامام الرازي حول البسلة من تفسيره الكبير عدة حجج على الجهر بها وقد نقل في الثالثة منها أن عليا رضي الله عنه كان مذهبه الجهر بسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات . وقال : ان هذه الحجة قوية في نفسي راسخة في عقلي لا تزول البتة .
                      169- نقله عنه الامام الطبرسي حول البسملة من الجز ، الأول من مجمع البيان .
                      170- سورة الحجر ، آية : 87.
                      171- فراجع تفسير سورة الفاتحة من كتاب التفسير من المستدرك للحاكم ومن تلخيصه للهذبي صفحة 257من جزئهما الثاني تجد الحديث منصوصا على صحته من الحاكم والذهبي كليهما .
                      172- أخرجه الحاكم في كتاب الصلاة من ستدركه صفحة 231من جزئه الأول فقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
                      173- أخرجه الحاكم في كتاب الصلاة من مستدركه وأورده الذهبي في التلخيص مصرحين بصحته على شرط الشيخين فراجع صفحة 231 من الجزء الأول من المستدرك وتلخيصه المطبوعين معا .
                      174- أخرجه الحاكم في صفحة 232من الجزء الأول من المستدرك ثم قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وصححه الذهبي على شرطهما أيضاً إذ أورده في التلخيص .
                      175- أخرجه الحاكم في المستدرك وأورده الذهبي في تلخيص مصرحين بصحته على شرط الشيخين فراجع من المستدوك وتلخيصه صفحة 232من جزئهما الأول .
                      176- أخرجه الحاكم عن أم سلمة بعد حديثها السابق شاهداً له .
                      177- ليس من مذهبنا قول آمين عند انتهاء الفاتحة من الصلاة لا للمنفرد ولا للمأموم ولا للامام لكونه ليس منها ولا من القرآن في شي ، إجماعا وقولا واحدا ، ولم يرو فيه أثر من طريقنا ولم ينقل عن أحد من أثمتنا ، بخلاف الجمهور فانه من شعارهم وقد رووا فيه أخبارا صحاحا على شرطهم ، وحديث أبي هريرة هذا من جملتها فهو من السنن أثنا ، الصلاة عندهم .
                      178- أخرجه الحاكم في المستدرك بعد حديثي أم سلمة بلا فصل ، وأورده الذهبي ثمة ني تلخيصه مصرحين بصحته على شرط الشيخين .
                      179- أخرجه الحاكم بعد الحديث المتقدم شاهدا له وأخرجه البيهقي في السنن الكبيرة كما في صفحة 1 ، 5 من الجزء الأول من تفسير الرازي .
                      180- وأورده الذهبي في تلخيص المستدرك وصححه على شرط مسلم وجعله الحاكم والذهبي علة ونقيضا لحديث قتادة عن انس . إذ قال : مليت خلف النبي(ص ) وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع احد منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ،وهذا باطل كما سنوضحه في الأصل قريبا إنشاء الله تعالى وقد أخرجه الحاكم وما بعده تزييفا له وشواهد لبطلانه .
                      181- راجع من مسنده صفحة 13 .
                      182- فيما نقله عنه الرازي في الحجة الرابعة من حججه على الجهر بالبسلة صفحة 1 ، 5 من الجزء الأول من تفسيره الكبير .
                      183- أخرجه الحاكم وأورده الذهبي في باب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم من كتابيهما وقالا : رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات وجعلاه علة ونقيضا لحديث قتادة عن أنس .
                      184- أخرجه الحاكم في المستدرك وأورده الذهبي في التلخيص ونصا على أن رواته عن آخرهم ثقات وجعلاه علة ونقيضا لحديث قتادة عن أنس ، الباطل .
                      185- فعن ابن عمر : أنه كان لا يدع بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن وللسورة التي بعدها . أخرجه الامام الشافعي في صفحة 17 من مسنده .
                      186- فراجعه في صفحة 234الجزءالأول من المستدرك .
                      187- أثناء الحجة الخامسة من حججه على الجهر بالبسملة صفحة501 من جزئه الأول .
                      188- أخرجه بهذا اللفظ الشيخ عبد القادر الرهاوي في اربعينه بسنده إلى أبي هريرة ، ورواه السيوطي ني حرف الكاف من جامعه الصغير صفحة 91 من جزئه الثاني، وأورده المتقي الهندي في صفحة 193 من الجز ، الأول من كنز العمال وهو الحديث 2497.
                      189- أرسله الأمام الرازي بهذا اللقط حول البسلة من الجز ، الأول من تفسيره .
                      190- فالمؤمن يفتتح أعماله باسم الله الرحمن الرحيم فإذا أكل أو شرب أو قام أو قعد دخل أو خرج أو أخذ أو أعطى أو قرأ أو كتب أو أملى أو خطب أو ذبح أو نحر قال : بسم الله الرحمن الرحيم .والقابلة إذا أخذت الولد حين ولادته تقول : بسم الله . وإذا مات قال بسم الله ، وإذا دخل القبر قيل بسم الله ، وإذا قام من قبره قال بسم الله ، وإذا حضر الموقف قال بسم الله ، وهل منجى يومئذٍ أو ملجأ إلا بالله ؟ ثبتنا الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
                      191- سورة فاطر ، الآية : 3 .
                      192- نقله المتقي الهندي حول البسملة صفحة 32 ، من الجزء الأول من الكنز عن شعب الإيمان للبيهقي .
                      193- فراجع الحديث السادس والذي بعده من حججنا .
                      194- هذا ملخص ما قاله الإمام الشافعي في الجواب عن احتجاجهم بهذا الحديث .
                      195- حديث ابن مغفل هكذا أورده الإمام الرازي في حجج مخالفيه في المسألة صفحة 106 من الجزء الأول من تفسيره . ثم قال : إن أنساً وابن مغفل خصصا عدم ذكر بسم الله الرحمن الرحيم بالخلفاء الثلاثة ولم يذكرا عليا وذلك يدل على ان عليا كان يجهر بسم الله الرحمن الرحيم .
                      196- صفحة 97 من جزءه الأول.
                      197- أخرجه مسلم عن طريقين عن شعبة عن انس في باب حجة من قال : لا يجهر بالبسملة من صحيحه .
                      198- فيما أخرجه مالك في العمل في القراءة من موطئه .
                      199- وقد أوردنا في حججنا رواية حميد الطويل عن أنس قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعثمان وعلي فكلهم كانوا يجهرون بقراءة بسم الله الرحمن الرحيم .
                      200- هذه سيرتهم مع أمير المؤمنين وبنيه في كثير من شرائع الله تعالى حتى التبس الحق بالباطل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
                      201- فراجعه في صفحة 106 وآخره في صفحة 107 من الجزء الأول من تفسيره الكبير.



                      يتبع

                      تعليق


                      • #12
                        التكتف في الصلاة1
                        إن قبض اليد اليسرى باليمنى مما اشتهر ندبه بين فقها، أهل السنة.

                        فقالت الحنفية: إن التكتف مسنون وليس بواجب، والأفضل للرجل أن يضع باطن كفه اليمنى على ظاهر كفه اليسرى تحت سرته، وللمرأة أن تضع يديها على صدرها.

                        وقالت الشافعية: يسن للرجل والمرأة، والأفضل وضع باطن يمناه على ظهر يسراه تحت الصدر وفوق السرة مما يلي الجانب الأيسر.

                        وقالت الحنابلة: أنه سنة، والأفضل أن يضع باطن يمناه على ظاهر يسراه، ويجهلها تحت السرة.

                        وشذت عنهم المالكية فقالوا: يندب إسدال اليدين في الصلاة الفرض، وقالت به جماعة أيضاً قلبهم، منهم: عبد الله بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعطاء، وابن جريح، والنخعي، والحسن البصري، وابن سيرين، وجماعة من الفقهاء.

                        والمنقول عن الإمام الأوزاعي التخيير بين القبض والسدل2.

                        وأما الشيعة الإمامية، فالمشهور أنه حرام ومبطل، وشذ منهم من

                        109

                        قال بأنه مكروه، كالحلبي في الكافي3.

                        ومع أن غير المالكية من المذاهب الأربعة قد تصوبوا وتصعدوا في المسألة، لكن ليس لهم دليل مقنع على جوازه في الصلاة، فضلاً عن كونه مندوباً، بل يمكن أن يقال: ان الدليل على خلافهم، والروايات البيانية عن الفريقين التي تبين صلاة الرسول خالية عن القبض، ولا يمكن للنبي الأكرم أن يترك المندوب طيلة حياته أو أكثرها، وإليك نموذجين من هذه الروايات: أحدها من طريق أهل السنة، والآخر من طريق الشيعة الامامية، وكلاهما يبينان كيفية صلاة النبي، وليست فيها أية إشارة على القبض فضلاً عن كيفيته.

                        أ- حديث أبي حميد الساعدي

                        روى حديث أبي حميد الساعدي غير واحد من المحدثين، نحن نذكر بنص البيهقي، قال: أخبرناه أبو علي عبد الله الحافظ.

                        فقال أبي حميد الساعدي: انا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: لم، ما كنت أكثرنا له تبعا، ولا أقدمنا له صحة ؟! قال: بلى ،قالوا: فأعرض علينا، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قام الى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يكبر حتى يقر كل عضو منه في موضعه معتدلا، ثم يقرأ، ثم يكبر ويرفع ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل ولا ينصب رأسه ولا يقنع، ثم يرفع رأسه، فيقول: سمع الله لمن حمده، ثم يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، حتى يعود كل عظم منه إلى موضعه معتدلاً، ثم يقول: الله أكبر ثم يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن جنبيه، ثم يرفع رأسه فيثني رجله

                        110

                        اليسرى فيقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذا سجد، ثم يعود، ثم يرفع فيقول: الله أكبر، ثم يثني برجله فيقعد عليها معتدلا حتى رجع أو يقر كل عظم موضعه معتدلا، ثم يصنع في الركعة الأخرى مثل ذلك، ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، كما فعل أو كبر عن افتتاح صلاته، ثم يصنع من ذلك في بقية صلاته، حتى إذا كان في السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركاً على شقه الأيسر، فقالوا جميعا: صدق هكذا كان يصلي رسول الله4.

                        والذي يوضح صحة الاحتجاج الأمور التالية:

                        1- تصديق أكابر الصحابة5 وبهذا العدد لأبي حميد يدل على قوة الحديث، وترجيحه على غيره من الأدلة.

                        2- أنه وصف الفرائض والسنن والمندوبات ولم يذكر القبض، ولم ينكروا عليه، أو يذكروا خلافه، وكانوا حريصين على ذلك، لأنهم لم يسلموا له أول الأمر أنه أعلمهم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل قالوا جميعاً: صدقت هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي، ومن البعيد جداً نسيانهم وهم عشرة، وفي مجال المذاكرة.

                        3- الأصل في وضع الدين هو الإرسال، لأنه الطبيعي فدل ّ الحديث عليه.

                        4- لا يقال آن هذا الحديث عام وقد خصصته أحاديث القبض، لأنه

                        111

                        وصف وعدد جميع الفرائض والسنن والمندوبات وكامل هيئة الصلاة ،وهو في معرض التعليم والبيان، والحذف فيه خيانة، وهذا بعيد عنه وعنهم.

                        5- روى بعض من حضر من الصحابة أحاديث القبض، فلم يعترض، فدل على أن القبض منسوخ، أو على أقل أحوال بأنه جائز للاعتماد لمن طول صلاته، وليس من سنن الصلاة، ولا من مندوباتها، كما هو مذهب الليث بن سعد، والأوزاعي، ومالك6.

                        هذا هو الحديث الذي قام ببيان كيفية صلاة النبي، وقد روي عن طريق أهل السنة، وقد عرفت وجه الدلالة، وإليك ما رواه الشيعة الإمامية.

                        ب – حديث حمّاد بن عيسى

                        روى حماد بن عيسى عن الامام الصادق عليه السلام قال، قال: "ما أقبح بالرجل أن يأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة" ؟، قال حماد: فأصابني في نفسي الذل، فقلت: جعلت فداك فعلمني الصلاة، فقام أبو عبد الله مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه، قد ضم أصابعه وقر ب بين قدميه حتى كان بينهما ثلاثة أصابع مفرجات، واستقبل بأصابع رجليه جميعا لم يحرفهما عن القبلة بخشوع واستكانة، فقال: الله أكبر، ثم قرأ الحمد بترتيل، وقل هو الله أحد، ثم صبر هنيئة بقدر ما تنفس وهو قائم، ثم قال: الله أكبر، وهو قائم، ثم ركع وملا كفيه من ركبتيه مفرجات، ورد ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره، حتى لو صُب عليه قطرة ما، أودهن لم تزل لاستواء ظهره

                        112

                        وتردد ركبتيه إلى خلفه، ونصب عنقه، وغمض عينيه ثم سبح ثلاثا بترتيل وقال: سبحان رتبي العظيم وبحمده، ثم استوى قائما، فلما استمكن من القيام قال: سمع الله لمن حمده، ثم كبر وهو قائم، ورفع يديه حيال وجهه، وسجد، ووضع يديه إلى الأرض قبل ركبتيه فقال: سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرات، ولم يضع شيئاً من بدنه على شي، منه، وسجد على ثمانية أعظم: الجبهة، والكفين ،وعيني الركبتين، وأنامل إبهامي الرجلين، والأنف، فهذه السبعة فرض، ووضع الأنف على الأرض سنة، وهو الإرغام، ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالسا قال: الله أكبر، ثم قعد على جانبه الأيسر، ووضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى، وقال: استغفر الله ربي وأتوب إليه، ثم كبر وهو جالس وسجد الثانية وقال: كما قال في الأولى ولم يستعن بشي، من بدنه على شي، منه في ركوع ولا سجود، وكان مجنحا ،ولم يضع ذراعيه على الأرض، فصلى ركعتين على هذا.

                        ثم قال: " يا حماد هكذا صل، ولا تلتفت، ولا تعبث بيدك وأصابعك، ولا تبزق عن يمينك ولا عن يسارك ولا بين يديك"7.

                        ترى أن الروايتين بصدد بيان كيفية الصلاة المفروضة على الناس، وليست فيهما أية إشارة إلى القبض أقسامه المختلفة، فلو كان سنة لما تركه الإمام في بيانه، وهو بعمله يجسد لنا صلاة الرسول، لأنه أخذها عن أبيه الإمام الباقر،وهو عن أبيه عن آبائه، عن أمير المؤمنين، عن الرسول الأعظم - صلوات الله عليهم أجمعين - فيكون القبض بدعة ،لأنه إدخال شي، في الشريعة وهو ليس منه.

                        113

                        ثم إن للقائل بالقبض أدلة على دراستها:

                        إن مجموع ما يمكن الاستدلال به على أن القبض سنة في الصلاة لا يعدو عن مرويات ثلاثة:

                        1- حديث سهل بن سعد. رواه البخاري.

                        2- حديث وائل بن حجر. رواه مسلم ونقله البيهقي بأسانيد ثلاثة.

                        3- حديث عبد الله بن مسعود. رواه البهقي في سننه. وإليك دراسة كل حديث:

                        ج – حديث سهل بن سعد

                        روى البخاري عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة " قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم8.

                        قال إسماعيل9: ينمى ذلك ولم يقل ينمي.

                        والرواية متكفلة لبيان كفيقة القبض إلا إن الكلام في دلالتها بعد تسليم سندها. لكنها لا تدل عليه بوجهين.

                        أولاً: لو كان النبي الأكرم هو الآمر بالقبض فما معنى قوله: "كان الناس يؤمرون" ؟ أو ما كان الصحيح عندئذ أن يقول: كان النبي يأمر ؟

                        114

                        أوليس هذا دليلا على أن الحكم نجم بعد ارتحال النبي الأكرم، حيث إن الخلفاء وأمراءهم كانوا يأمرون الناس بالقبض بتخيل أنه أقرب للخشوع ؟ ولأجله عقد البخاري بعده بابا باسم باب الخشوع. قال ابن حجر: حكمه في هذه الهيئة أنه صفة السائل الذليل، وهو أمنع عن العبث، وأقرب إلى الخشوع، كان البخاري قد لاحظ ذلك وعقبه بباب الخشوع.

                        وثانيا: إن في ذيل السند ما يؤيد أنه كان من عمل الآمرين، لا الرسول الأكرم نفسه حيث قال: قال إسماعيل: "لا أعلمه إلا ينمى ذلك إلى النبي بنا، على قراءة الفعل بصيغة المجهول.

                        ومعناه أنه لا يعلم كونه أمراً مسنونا في الصلاة، غير أنه يعزى وينسب إلى النبي، فيكون ما يرويه سهل بن سعد مرفوعاً.

                        قال ابن حجر: ومن اصطلاح أهل الحديث إذا قال الراوي: ينميه، فمراده: يرفع ذلك إلى النبي10.

                        هذا كله إذا قرأناه بصيغة المجهول، وأما إذا قرأناه بصيغة المعلوم ،فمعناه أن سهلاً ينسب ذلك إلى النبي، فعلى فرض صحة القراءة وخروجه بذلك من الإرسال والرفع، يكون قوله: "لا أعلمه إلا..." معرباً عن ضعف النسبة، وأنه سمعه عن رجل آخر ولم يسم.

                        د – حديث وائل بن حجر

                        وقد روي هذا الحديث بصور:

                        ا- روى مسلم، عن وائل بن حجر: إنه رأى النبي رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر، ثم التحف بثوبه، ثم ووضع يده اليمنى على

                        115

                        اليسرى، فلتا أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما، ثم كبر فركع..11..

                        والاحتجاج بالحديث احتجاج بفعل النبي وهو متوقف على تمام دلالته على ذلك، لأن ظاهر الحديث أن النبي جمع أطراف ثوبه فغطى صدره به، ووضع يده اليمنى على اليسرى ،أما هل فعل ذلك لكونه أمراً مسنوناً في الصلاة، أو فعله لئلا يسترخي الثوب بل يلصق بالبدن ليقي به نفسه من البرد ؟ والفعل أمر مجهول العنوان، لايكون حجة إلا إذا علم أنه فعل ذلك به لكونه مسنوناً. ثم إن النبي الأكرم صلى مع المهاجرين والأنصار أزيد من عشر سنوات، فلو كان ذلك ثابتاً من النبي لكثر النقل وذاع، ولما انحصر نقله بوائل بن حجر، مع ما في نقله من الاحتمالين.

                        نعم روي بصور أخرى ليس فيه قوله: "ثم التحف بثوبه" وإليك صورته:

                        2- روى البيهقي بسنده عن موسى بن عمير: حدثني علقمة بن وائل عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قام في الصلاة قبض على شماله بيمينه، ورأيت علقمة يفعله12.

                        116

                        وبما أنه إذا دار الأمر بين الزيادة والنقيصة فالثانية هي المتعينة، فيلاحظ على الرواية بما لوحظ على الأولى، وهو أن وجه الفعل غير معلوم فيها. فلو كان النبي مقيما على هذا العمل، لاشتهر بين الناس، مع ان قوله: " ورأيت علقمة يفعله، يعزب عن أن الراوي تعر ف على ألسنة من طريقه.

                        3- رواه البيهقي أيضاً بسند آخر عن وائل بن حجر13 ويظهر الإشكال فيه بنفس ماذكرناه في السابق.

                        هـ - حديث عبد الله بن مسعود رضوان الله عليه

                        روى البيهقي مسندا عن ابن مسعود رضوان الله عليه أنه كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمنى فرآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى14.

                        يلاحظ عليه: مضافاً إلى أنه من البعيد أن لا يعرف مثل عبد الله بن مسعود ذلك الصحابي الجليل ما هو المسنون في الصلاة مع أنه من السابقين في الإسلام: أن هشيم بن بشير وهو مشهور بالتدليس 15.

                        ولأجل ذلك نرى أن أئمة أهل البيت كانوا يتحرزون عنه، ويرونه أنه من صنع المجوس أمام الملك.

                        روى محمد بن مسلم عن الصادق أو الباقر عليهما السلام قال: قلت له:

                        117

                        الرجل يضع يده في الصلاة – وحكى – اليمنى على اليسرى ؟ فقال: ذلك التكفير، لا يفعل.

                        وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال وعليك بالإقبال على صلاتك، ولا تكفر، فإنما يصنع ذلك المجوس.

                        وروى الصدوق بإسناده عن علي عليه السلام أنه قال: وعليك بالإقبال على صلاتك ولا تكفر فإنما يصنع ذلك المجوس.

                        وروى الصدوق باسناده عن علي عليه السلام: أنه قال: لا يجمع المسلم يديه في صلاته، وهو قائم بين يدي الله عز وجل، يتشبه بأهل الكفر - يعني المجوس -16.

                        وفي الختام نلفت نظر القارئ الى كلمة صدرت من الدكتور علي السالوس: فهو بعدما نقل آراء، الفقا، الفريقين، وصف القائلين بالتحريم والإبطال بقوله: "وأولئك الذين ذهبوا الى التحريم والإبطال، أو التحريم فقط، يمثلون التعصب المذهبي وحب الخلاف، تفريقا بين المسلمين"17.

                        ما ذنب الشيعة إذا هداهم الاجتهاد والفحص في الكتاب والسنة إلى أن القبض أمر حدث بعد النبي الأكرم، وكان الناس يؤمرون بذلك أيام الخلفاء، فمن زعم أنه جز، من الصلاة فرضا أو استحبابا، فقد أحدث في الدين ما ليس منه، أفهل جزا، من اجتهد أن يرمى بالتعصب المذهبي وحب الخلاف ؟!.

                        ولو صح ذلك، فهل يمكن توصيف الإمام مالك به ؟ لأنه كان يكره


                        118

                        القبض مطلقاً، أو في الفرض، أفهل يصح رمي إمام دار الهجرة بأنه كان يحب الخلاف ؟.

                        أجل، لماذا ياترى لايكون عدم الإرسال ممثلاً للتعصب المذهبي وحب الخلاف بين المسلمين ؟!..
                        119

                        هوامش
                        1- أخذنا هذا البحث من كتاب سبع مساثل فقهية للشيخ جعفر السبحاني.
                        2- محمد جواد مغنية ، الفقه على المذاهب الخمسة : 110 - ولاحظ رسالة مختصرة في السدل للدكتور عبد الحميد : 5.
                        3- النجفي ، جواهر الكلام 11: 15-16.
                        4- البيهقي، السنن 2: 72-73، 101 – 102 - أبو داود، باب افتتاح الصلاة ، الحديث 730-736-الترمذي2: 98باب صفة الصلاة.
                        5- منهم أبو هريرة ، وسهل الساعدي، وأبو أسيد الساعدي، وأبو قتادة الحارث بن ربيعة ، ومحمد بن مسلمة.
                        6- الدكتور عبد الحميد ، رسالة مختصرة في السدل: 11.
                        7- الحر العاملي ، الوسائل الجزء 4، البا1 من أبواب أفعال الصلاة ،الحديث 1_ ولاحظ الباب 17 ، الحديث ا و2.
                        8- ابن حجر، فتح الباري في شرح صحيح ، 224:2 باب وضع اليمنى على اليسرى _ ورواه البيهقي في السنن الكبرى 28:2 ، باب وضع اليمنى على اليسرى الصلاة.
                        9- المراد: إسماعيل بن أبي أويس شيخ البخاري كما جزم به الحميدي ، لاحظ فتح الباري 325:5
                        10 المصدر السابق ، هامش رقم 1
                        11- مسلم ، الصحيح 1 : 782 ، الباب 15 من كتاب الصلاة، باب وضع يده اليمنى على اليسرى، وفي سند الحديث: همام ولو كان المقصود ، هو همام بن يحيى فقد قال ابن عمار فيه : كان يحيى القطان لا يعبأ بـ همام وقال عمر بن شيبة : حدثنا عفان قال: كان يحي بن سعيد يعترض على همام في كثير من حديثه. وقال أبو حاتم : ثقة في حفظه. لاحظ هدى الساري 1: 449.
                        12- سنن البيهقي 2/ 28، وفي سند الحديث عبد الله بن جعفر، فلو كان هو ابن نجيح قال ابن معين: ليس بشي ، ، وقال النسائ : مترو ، وكان وكيع إذا أتى على حديثه جز عليه ، متفق على ضعفه. لاحظ دلائل الصدق للشيخ محمد حسه المظفر 1: 87.
                        13- المصدر نفسه وفي سنده عبد الله بن رجاء ، قال عمرو بن علي الفلاس : كان كثير الخلط والتصحيف، ليس بحجة، لاحظ هدى الساري ا: 437.
                        14- سنن البيهقي: 2: 28 ، باب وضع اليد اليمنى على اليسرى.
                        15- هدى الساري: ا: 449.
                        16- الحر ألعاملي : الوسائل 4 : الباب 15 من أبواب قواطع الصلاة ، الحديث 1 و2و7.
                        17- فقه الشيعة الإمامية ومواضع ألخلاف بينه وبين المذاهب الأربعة : 187.



                        يتبع

                        تعليق


                        • #13
                          السجود على الأرض1
                          لعل من أوضح مظاهر العبودية والانقياد والتذلل من قبل المخلوف خالقه، هو السجود، وبه يؤكد المؤمن عبوديته المؤكدة لله تعالى، ومن هنا فإن البارئ عز اسمه يقدر لعبده هذا التصاغر وهذه الطاعة فيضفي على الساجد فيض لطفه وعظيم إحسانه، لذا روي في بعض المأثورات "أقرب ما يكون العبد إلى ربه حال سجوده".

                          ولما كانت الصلاة من بين العبادات معراجا يتميز بها المؤمن عن الكافر، وكان السجود ركنا من أركانها، فليس هناك أوضح في إعلان التذلل لله تعالى من السجود على التراب والرمل والحجر والحصى، لما فيه من التذلل شي، أوضح وأبين من السجود على الحصر والبواري، فضلا عن السجود على الألبسة الفاخرة والفرش الوثيرة والذهب والفضة، وان كان الكل سجوداً، إلا أن العبودية تتجلى في الأول بما تتجلى في غيره.

                          والإمامية ملتزمة بالسجدة على الأرض في حضرهم وسفرهم، ولا يعدلون عنها إلا إلى ما أنبت منها من الحصر والبواري بشرط أن لا يؤكل ولا يلبس، ولا يرون السجود على غيرهما صحيحاً في حال الصلاة أخذاً بالسنة المتواترة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وصحبه. وسيظهر – في ثنايا البحث - أن الالتزام بالسجود على الأرض أو ما أنبت، كان هي السنة

                          121

                          بين الصحابة، وأن العدول عنها حدث في الأزمنة المتأخرة. ولأجل توضيح المقام نقدم أمورا:

                          1- اختلاف الفقهاء في شرائط المسجود عليه

                          اتفق المسلمون على وجوب السجود في الصلاة في كل ركعة مر تين، ولم يختلفوا في المسجود له، فإنه هو الله سبحان الذي له يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرهاً2 وشعار كل مسلم قوله سبحانه: ﴿... لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ...﴾3 وإنما اختلفوا في شروط المسجود عليه - أعني ما يضع الساجد جبهته عليه - فالشيعة الأمامية تشترط كون المسجود عليه أرضا أو ما ينبت منها غير مأكول ولا ملبوس كالحصر والبواري، وما أشبه ذلك. وخالفهم في ذلك غرهم من المذاهب، وأليك نقل الآراء:

                          1 – قال الشيخ الطوسي4 – وهو يبين آراء الفقهاء -: لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض مما يؤكل ولا يلبس من قطن أو كتان مع الاختيار. وخالف جميع الفقها في ذلك حيث أجازوا السجود على القطن والكتان والشعر والصوف وغير ذلك – إلى أن قال -: لا يجوز السجود على شي، هو حامل له ككور العمامة، وطرف الرداء، وكم القميص، وبه قال الشافعي، وروي ذلك عن علي عليه السلام وابن عمر،

                          122

                          وعبادة بن الصامت، ومالك، وأحمد بن حنبل.

                          وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا سجد على ما هو حامل له كالثياب التي عليه أجزأه.

                          وإن سجد على ما لا يفضل منه مثل أن يفترش ويسجد عليها أجزأه لكنه مكروه، وروي ذلك عن الحسن البصري5.

                          وقال العلامة الحلي6 - وهو يبين آراء الفقهاء فيما يسجد عليه -: لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ولامن نباتها كالجلود والصوف عند علمائنا أجيع، وأطبق الجمهور على الجواز:

                          وقد اقتفت الشيعة في ذلك أئمتهم الذين هم أعدال الكتاب وقرناؤه في حديث الثقلين ونحن نكتفي هنا بإيراد شي، مما روي في هذا الجانب:

                          روى الصدوق بإسناده عن هشام بن الحكم أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام أخبرني عتا يجوز السجود عليه، وعما لا يجوز؟ قال: "السجود لا يجوز إلا على الأرض، أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس". فقال له: جعلت فداك ما العلة في ذلك ؟

                          قال: "لأن السجود خضوع لله عز جل فلا ينبعي أن يكون على ما يؤكل ويلبس ؟ لأن أبنا، الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبنا، الدنيا الذين اغتزوا بغرورها"7.

                          123

                          فلا عتب على الشيعة إذا التزموا بالسجود على الأرض أو ما أنبتته إذالم يكن مأكولا ولا ملبوساً اقتداء بأئمتهم، على أن ما رواه أهل السنة في المقام، يدعم نظرية الشيعة، وسيظهر لك فيما سيأتي من سرد الأحاديث من طرقهم، ويتضح أن السنة كانت هي السجود على الارض، ثم جاءت الرخصة في الحصر والبراري فقط، ولم يثبت الترخيص الآخر بل ثبت المنع عنه كما سيوافيك.

                          روى المحدث النوري في المستدرك عن دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليه السلام، أن رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم: قال: "إن الأرض بكم برة، تتيتمون منها، وتصلون عليها في الحياة (الدنيا) وهي لكم كفاة في الممات، ذلك من نعمة الله، له الحمد، فأفضل ما يسجد عليه المصلي الأرض النقية".

                          وروى أيضاً جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال "ينبغي للمصلي أن يباشر بجبهته الأرض، ويعفر وجهه في التراب، لأنه من التذلل لله"8.

                          وقال الشعراني – ما هذا نصه -: المقصود إظهار الخضوع بالرأس حتى يمس الأرض بوجهه الذي هو أشرف أعضائه، سوا، كان ذلك بالجبهة أو الأنف والكبرياء، فإذا وضعه على الأرض، فكأنه خرج عن الكبرياء التي عنده بين يدي الله تعالى إذ الحضرة الالهية محرم دخولها على

                          124

                          من فيه أدنى ذرة من كبر فإنها هي الجنة الكبرى حقيقة وقد قالصلى الله عليه وآله وسلم: يدخل الجنة من في قلبه مثال ذرة من كبر"9.

                          نقل الامام المغربي المالكي الروداني: عن ابن عباس رفعه: من لم يلزق أنفه مع جبهته بالأرض إذا سجد لم تجز صلاته10

                          2- الفرق بين المسجود له والمسجود عليه

                          كثيرا ما يتصور أن الالتزام بالسجود على الأرض أو ما أنبتت منها بدعة ويتخيل الحجر المسجود عليه وثناً، وهؤلاء هم الذين لا يفرقون بين المسجود له والمسجود عليه، ويزعمون أن الحجر أو التربة الموضوعة أمام المصلي وثنا يعبده المصلي بوضع الجبهة عليه. ولكن لا عتب على الشيعة إذا قصر فهم المخالف، ولم يفرق بين الأمرين، وزعم المسجود عليه مسجوداً له، وقاس أمر الموحد بأمر المشرك بحجة المشاركة في الظاهر، فأخذ بالصور والظواهر، مع أن الملاك هو الأخذ بالبواطن والضمائر، فالوثن عند الوثني معبود ومجسود له يضعه أمامه ويركع ويسجد له، ولكن الموحد الذي يريد إن يصلي في إظهار العبودية إلى نهاية مراتبها، يخضع لله تعالى سبحانه ويسجد له، ويضع جبهته ووجهه على التراب والحجر والرمال والحصى، مظهرا بذلك مساواته معها عند التقييم قائلا: أين التراب ورب الأرباب.

                          نعم: الساجد على التربة غير عابد لها، بل يتذلل إلى ربه بالسجود

                          125

                          عليها، ومن توهم عكس ذلك فهو من البلاهة بمكان، وسيؤدي إلى إرباك كل المصلين والحكم بإشراكهم، فمن يسجد على الفرش والقماش وغيره لا بد أن يكون عابداً لها على هذا المنوال فيا للعجب العجاب !!

                          3- السنة في السجود في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبعده

                          إن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه كانوا ملتزمين بالسجود على الأرض مدة لا يستهان بها، محتملين شدة الرمضاء، وغبار التراب، ورطوبة الطين، طيلة أعوام. ولم يسجد أحد يوم ذاك على الثوب وكور العمامة بل وعلى الحصر والبواري والخمر، وأقصى ما كان عندهم لرفع الأذى عن الجبة، هو تبريد الحصى بأكفهم ثم السجود عيها، وقد شكى بعضهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من شدة الحر، فلم يجبه، إذ لم يكن له أن يبدل الأمر الإلهي من تلقاء نفسه، إلى أن وردت الرخصة بالسجود على الخمر والحصر، فوسع الأمر للمسلمين لكن في إطار محدود، وعلى ضوء هذا فقد مرت في ذلك الوقت على المسلمين مرحلتان لا غير:

                          ا - ما كان الواجب فيها على المسلمين السجود على الأرض بأنواعها المختلفة من التراب والرمل والحصى والطين، ولم تكن هناك أية رخصة لغيرها.

                          2- المرحلة التي ورد فيها الرخصة بالسجود على نبات الأرض من الحصى والبواري والخمر، تسهيلاً للأمر، ورفعاً للحرج والمشقة، ولم تكن هناك أية مرحلة أخر توسع الأمر للمسلمين أكثر من ذلك كما يدعيه البعض، وإليك البيان:

                          126

                          المرحلة الأولى:

                          السجود على الأرض

                          روى الفريقان عن النبي الأكرمصلى الله عليه وآله وسلمأنه قال: "وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا"11.

                          والمتبادر من الحديث أن كل جز، من الأرض مسجد وطهور يسجد عليه ويقصد للتيمم، وعلى ذلك فالأرض تقصد للجهتين: السجود تارة، وللتيتم أخرى.

                          وأما تفسير الرواية بأن العبادة والسجود لله سبحانه لا يختص بمكان دون مكان، بل الأرض كلها مسجد للمسلمين بخلاف غيرهم حيث خصوا العبادة بالبيع والكنائس، فهذا المعنى ليس مغايراً لما ذكرناه، فإنه إذا كانت الأرض على وجه الإطلاق مسجدا للمصلي فيكون لازمه كون الأرض كلها مالحة للعبادة، فما ذكر معنى التزامي لما ذكرناه، ويعرب عن كونه المراد ذكر «طهوراً» بعد «مسجداً» وجعلهما مفعولين لــ "جعلت" والنتيجة هو توصيف الأرض بوصفين: كونه مسجدا وكونه طهورا، وهذا هو الذي فهمه الجصاص وقال: إن ما جعله من الأرض مسجدا هو الذي جعله طهوراً 12.

                          ومثله غيره شرّاح الحديث.

                          تبريد الحصى للسجود عليها

                          1- عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم

                          127

                          الظهر، فآخذ قبضة من الحصى، فأجعلها في كفي ثم أحولها الى الكف الأخرى حتى تبرد ثم أضعها لجبيني، حتى أسجد عليها من شدة الحر13.

                          وعلق عليه البيهقي بقوله: قال الشيخ: ولو جاز االسجود على ثوب متصل به لكان ذلك أسهل من تبريد الحصى بالكف ووضعها للسجود14.

                          ونقول: ولو كان السجود على مطلق الثياب سوا، كان متصلا أم منفصلا جائزاً لكان أسهل من تبريد الحصى، ولأمكن حمل منديل أو ما شابه للسجود عليه.

                          2- روى أنس قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شدة الحر فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه15.

                          3- عن خباب بن الارت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شدة الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكن16.

                          قال ابن الأثير في معنى الحديث: إنهم لما شكوا إليه ما يجدون من ذلك لم يفسح لهم أن يسجدوا على طرف ثيابهم17.

                          هذه المأثورات تعرب عن أن السنة في الصلاة كانت جارية على السجود على الأرض فقط، حتى أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يفسح للمسلمين العدول عنها إلى الثياب المتصلة أو المنفصلة، وهو صلى الله عليه وآله وسلم مع كونه

                          128

                          بالمؤمنين رؤوفاً رحيما أوجب عليهم مس جباههم الأرض، وإن آذاهم شدة الحر.

                          والذي يعرب عن التزام المسلمين بالسجود على الأرض، وعن إصرار النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بوضع الجبهة عليها لا على الثياب المتصلة ككور العمامة أو المنفصلة كالمناديل والسجاجيد، ما روى من حديث الأمر بالترتيب في غير واحد من الروايات.

                          الأمر بالتتريب

                          ا - عن خالد الجهني: قال: رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم صهيبا يسجد كأنه يتقي التراب فقال له: "ترب وجهك يا صهيب"18.

                          2- والظاهر أنّ صهيبا كان يتقي عن التتريب، بالسجود على الثوب المتصل والمنفصل، ولا أقل بالسجود على الحصر والبواري و الأحجار الصافية، وعلى كل تقدير، فالحديث شاهد على أفضلية السجود على التراب في مقابل السجود على الحصى لما مر من جواز السجدة على الحصى في مقابل السجود على الأرض.

                          3- روت أم سلمة رضي الله عنها عنها: رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم غلاما لنا يقال له أفلح ينفخ إذا سجد، فقال: "يا أفلح ترب"19.

                          4- وفي رواية: "يا رباح ترب وجهك"20.

                          5 - روى أبو صالح قال: دخلت على أم سلمة، فدخل عليها ابن

                          129

                          أخ لها فصلى في بيتها ركعتين، فلما سجد نفخ التراب، فقالت أم سلمة: ابن أخي لا تنفخ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لغلام له يقال له يسار - ونفخ -: "ترب وجهك لله21.

                          الأمر بحسر العمامة عن الجبهة

                          1- روي: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سجد رفع العمامة عن جبهته22.

                          2- روي عن علي أمير المؤمنين أنه قال: "إذا كان أحدكم يصلي فليحسر العمامة عن وجهه"، يعني حتى لا يسجد على كور العمامة23.

                          3- روى صالح بن حيوان السبائي: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلا يسجد بجبه وقد اعتم على جبهته فحسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن جبهته24.

                          4- عن عياض بن عبد الله القرشي: رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يسجد على كور عمامته فأومأ بيده: "ارفع عمامتك" وأومأ إلى جبهته25.

                          هذه الروايات تكشف عن أنه لم يكن للمسلمين يوم ذاك تكليف إلا السجود على الأرض، ولم تكن هناك أية رخصة سوى تبريد الحصى، ولو كان هناك ترخيص لما فعلوا ذلك، ولما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتتريب، وحسر العمامة عن الجبهة.

                          130

                          المرحلة الثانية:

                          الترخيص في السجود على الخمر والحصر

                          هذه الأحاديث والمأثورات المبثوثة في الصحاح والمسانيد وسائر كتب الحديث تعرب عن التزام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بالسجود على الأرض بأنواعها، وأنهم كانوا لا يعدلون عنه، وإن صعب الأمر واشتد الحر، لكن هناك نصوصاً تعرب عن ترخيص النبي صلى الله عليه وآله وسلم – بإيحاء من الله سبحانه إليه – السجود على ما أنبتت الأرض، فسهل لهم بذلك أمر السجود، ورفع عنهم الأصر والمشقة في الحر والبرد، وفيما إذا كانت الأرض مبتلة، وإليك تلك النصوص:

                          ا- عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الحمرة26.

                          2– عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الحمرة وفي لفظ: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الخمرة27.

                          3– عن عائشة: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الحمرة28.

                          4– عن أنم سلمة: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الحمرة29.

                          5– عن ميمونة: ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الحمرة فيسجد30.

                          131

                          6– عن أم سلمة قالت: كان "رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" يصلي على الخمرة31.

                          7- عن عبد الله بن عمر: كان رسول الله يصلي على الحمر32.

                          السجود على الثياب لعذر

                          قد عرفت المرحلتين الماضيتين، ولو كانت هناك مرحلة ثالثة فإنما هي مرحلة جواز السجود على غير الأرض، وما ينبت منها لعذر وضرورة. ويبدو أن هذا الترخيص جاء متأخرا عن المرحلتين لما عرفت أن النبيصلى الله عليه وآله وسلملم يجب شكوى الأصحاب من شدة الحر والرمضاء، وراح هو وأصحابه يسجدون على الأرض متحملين الحر والأذى، ولكن الباري عز اسمه رخص لرفع الحرج السجود على الثياب لعذر وضرورة، وإليك ما ورد في هذا المقام:

                          1- عن أنس بن مالك: كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يستطيع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض، طرح ثوبه ثم سجد عليه.

                          2- وفي صحيح البخاري: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيضح أحدنا طرف الثوب من شدة الحر. فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض، بسط ثوبه.

                          3- وفي لفظ ثالث: كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود33.

                          132

                          هذه الرواية التي نقلها أصحاب الصحاح والمسانيد تكشف حقيقة بعض ما روي في ذلك المجال الظاهر في جواز السجود على الثياب في حالة الاختيار أيضا. وذلك لان رواية أنس نص في أنهم كانوا يفعلون ذلك حالة الضرورة، فتكون قرينة على المراد من هذه المطلقات، واليك بعض ما روي في هذا المجال:

                          1- عبد الله بن محرز عن أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على كور عمامته34.

                          إن هذه الرواية مع أنها معارضة لما مر من نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن السجود عليه، محمولة على العذر والضرورة، وقد صرح بذلك الشيخ البيهقي في سننه، حيث قال: قال الشيخ: «وأما ما روي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من السجود على كور العمامة فلا يثبت شي، من ذلك، وأصح ماروي في ذلك قول الحسن البصري حكاية عن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم 35.

                          وقد روي عن ابن راشد قال: رأيت مكحولاً يسجد على عمامته فقلت: لما تسجد عليها ؟ قال أتقي البرد على أسناني36.

                          2- ما روي عن أنس: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسجد أحدنا على ثوبه37.

                          والرواية محمولة على صورة العذر بقرينة ما رويناه عنه، وبما رواه عنه البخاري: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا

                          133

                          أن يمكن وجه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه38.

                          ويؤيده ما رواه النسائي أيضا: كنا إذا صلينا خلف النبيصلى الله عليه وآله وسلمبالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر39.

                          وهناك روايات قاصرة الدلالة حيث لا تدل إلا على أن النبيصلى الله عليه وآله وسلمصلى على الفرو. وأما أنه سجد عليه فلا دلالة عليه.

                          3- عن المغيرة بن شعبة: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الحصير والفرو المدبوغة40.

                          الرواية مع كونها ضعيفة بيونس بن الحرث، ليست ظاهرة في السجود عليه. ولا ملازمة بين الصلاة على الفرو والسجود عليه، ولعله صلى الله عليه وآله وسلم وضع جبهته على الأرض أو ما ينبت منها. وعلى فرض الملازمة لا تقاوم هي وما في معناها ما سردناه من الروايات في المرحلتين الماضيتين.

                          حصيلة البحث

                          إن المتأمل في الروايات يجد وبدون لبس أن قضية السجود في الصلاة مرت بمرحلتين أو ثلاث مراحل ففي المرحلة الأولى كان الفرض السجود على الأرض ولم يرخص للمسلمين السجود على غيرها، وفي الثانية جاء الترخيص فيما تنبته الأرض، وليست وراء هاتين المرحلتين مرحلة أخرى إلا جواز السجود على الثياب لعذر وضرورة، فما يظهر من بعض الروايات من جواز السجود على الفرو وأمثاله مطلقا فمحمولة على

                          134

                          الضرورة، أو دلالة لها على السجود عليها، بل غايتها الصلاة عليها.

                          من ها يظهر بوضوح أن ما التزمت به الشيعة هو عين ما جاءت به السنة النبوة، ولم تحرف عنه قيد أنملة، ولعل الفقهاء أدرى بذلك من غيرهم، لأنهم الأمناء على الرسالة والأدلاَّء في طريق الشريعة، ونحن ندعو إلى قليل من التأمل لإحقاق الحق وتجاوز البدع.

                          ما هو السر في اتخاذ تربة طاهرة ؟

                          بقي ها سؤال يطرحه كثيرا إخواننا أهل السنة حول سبب اتخاذ الشيعة تربة طاهرة في السفر والحضر والسجود عليها دون غيرها. وربما يتخيل البسطاء - كما ذكرنا سابقاً - أن الشيعة يسجدون لها لا عليها، ويعبدون الحجر والتربة، وذلك لأن هؤلاء المساكين لا يفرّقون بين السجود على التربة، والسجود لها.

                          وعلى أي تقدير فالإجابة عنها واضحة، فإذ المستحسن عد الشيعة هو اتخاذ تربة طاهرة طيبة ليتيقن من طهارتها، من أي أرض أخذت، ومن أي صقع من أرجاء العالم كانت، وهي كلها في ذلك سواء.

                          وليس هذا الالتزام إلا مثل التزام المصلي بطهارة جسده وملبسه ومصلاه، وأما سر الالتزام في اتخاذ التربة هو أن الثقة بطهارة كل أرض يحل بها، ويتخذها مسجداً، لا تتأتى له في كل موضع من المواضع التي يرتادها المسلم في حله وترحاله، بل وأنى له ذلك وهذه الأماكن ترتادها أضاف مختلفة من البشر، مسلمين كانوا أم غيرهم، ملتزمين بأصول الطهارة أم غير ذلك، وفي ذلك محنة كبيرة تواجه المسلم في صلاته لا يجد مناصا من أن يتخذ لنفسه تربة طاهرة يطمئن بها وطهارتها، يسجد عليها لدى صلاته حذرا من السجود على الرجاسة والنجاسة، والأوساخ

                          135

                          التي يتقرب بها إلى الله قط ولا تجوز السنة السجود عليهما ولا يقبله العقل السليم، خصوصا بعد ورود التأكيد التام البالغ في طهارة أعضاء المصلي ولباسه والنهي عن الصلاة في مواطن منها:

                          المزبلة، والمجزرة، وقارعة الطريق، والحمام، ومعاطن الإبل، بل والأمر بتطهير المساجد وتطييبه41.

                          وهذه القاعدة كانت ثابتة عند السلف الصالح وإن غفل التاريخ عن نقلها، فقد روي: أن التابعي الفقيه مسروق بن الأجدع المتوفى عام 62 كان يصحب في أسفاره لبنة من المدينة يسجد عليها. كما أخرجه بن أبي شيبة في كتابه المصنف، باب من كان حمل في السفينة شيئاً يسجد عليه. فأخرج بإسنادين أن مسروقا كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها42.

                          إلى هنا تبين أن التزام الشيعة باتخاذ التربة مسجدا ليس إلا لتسهيل الأمر للمصلي في سفره وحضره خوفا من أن لا يجد أرضا طاهرة أو حصيرا طاهرا فيصعب الأمر عليه، وهذا كادّخار المسلم تربة طاهرة لغاية التيمم عليها.

                          وأما السرّ في التزام الشيعة استحبابا بالسجود على التربة الحسينية فإن من الأغراض العالية والمقاصد السامية منها، أن يتذكر المصلي باصطحابه تلك التربة، تضحية ذلك الإمام بنفسه وأهل بيته والصفوة من أصحابه في سبيل العقيدة والمبدأ ومقارعة الجور والفساد.

                          ولما كان السجود أعظم أركان الصلاة، وفي الحديث "أقرب ما

                          136

                          يكون العبد إلى ربه حال سجوده، فيناسب آن يقتدي بوضع جبهته على تلك التربة الزاكية، بأولئك الذين جعلوا أجسامهم ضحايا للحق، وارتفعت أرواحهم إلى الملا الأعلى، ليخشع ويخضع ويتلازم الوضع والرفع، وتحتقر هذه الدنيا الزائفة، وزخارفها الزائلة، ولعل هذا هو المقصود من أن السجود عليها يخرق الحجب السبع كما في الخبر، فيكون حينئذٍ في السجود سر الصعود والعروج من التراب إلى رب الأرباب43.

                          وقال العلامة ألأميني: نحن نتخذ من تربة كربلاء قطعاً لمعاً، وأقراصاً نسجد عليها كما كان فقيه السلف مسروق بن الأجدع يحمل معه لبنة من تربة المدينة المنورة يسجد عليها، والرجل تلميذ الخلافة الراشدة، فقيه المدينة، ومعلم السنة بها، وحاشاه من البدعة. فليس في ذلك أي حزازة وتعسف أو شي، يضاد نداء القرآن الكريم أن يخالف سنة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أو خروج من حكم العقل والاعتبار.

                          وليس اتخاذ تربة كربلاء مسجدا لدى الشيعة من الفرض المحتَّم، ولا من واجب الشرع والدين، ولا مما ألزمه المذهب، ولا يفرق أي أحدمنهم منذ أؤل يومها بينها وبين غيرها من تراب جميع الأرض في جواز السجود عليها خلاف ما يزعمه الجاهل بهم وبآرائهم، وإن هو عندهم إلاَّ استحسان عقلي ليس إلا، واختيار لما هو الأولى بالسجود لدى العقل والمنطق والاعتبار فحسب كما سمعت، وكثير من رجال المذهب يتَّخذون معهم في أسفارهم غير تربة كربلاء مما يصح السجود عليه كحصير طاهر نظيف يوثق بطهارته أو حمرة مثله ويسجدون عليه في صلواتهم (2).
                          137

                          هوامش
                          1- أخذنا هذا البحث من كناب الاعتصام بالكتاب والسنة للشيخ جعفر السبحاني.
                          2- إشارة إلى قوله سبحانه: {ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدُوَّ والآصال} سورة الرعد، الآية: 15.
                          3- سورة فصلت، الآية: 37. (3) من أعلام الشيعة في القرن الخامس صاحب التصانيف والمؤلفات ولد 785هـ وتوفي عام، 46هــ من تلاميذ الشيخ المفيد 776-417هــ، والسيد الشريف المرتضى 755-476هــ رضي. الله عنهما.
                          4- من أعلام الشيعة في القرن الخامس صاحب التصانيف والمؤلفات ولد سنة 385 هـ. وتوفي عام 460 هـ. من تلاميذ الشيخ المفيد 336- 413 هـ. والسيد الشريف المرتضى 335- 436هـ. رضي الله عنهما.
                          5- الخلاف: 1 كتاب الصلاة / 358.357، المسالة 12 ا -113.
                          6- الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي 141. 726هـ وهو زعيم الشيعة في القرن السابع، لا يسمح الدهر بمثله إلا في فترات خاصة.
                          7- الوسائل: ج 3، الباب 1 من أبواب ما يسجد عليه، الحديث 1، وهناك روايات بمضمونه. والكل يتضمن أن الغاية من السجود التي هي التذلل لا تحصل بالسجود على غيرها فلاحظ.
                          8- مستدرك الوسائل: 4 باب 1، من أبواب ما يسجد عليه. ولعل الحديث ورد في أوائل الهجرة وقد كان المسلمون آنذاك يسجدون على الأرض فقط ولا منافاة بينه وبين ما يأتي من الرخصة بالنسبة إلى ما أنبتته الأرض.
                          9- اليواقيت والجوزاهر في عقائد الأكابر: عبد الوهاب بن أحمد بن علي الأنصاري المصري المعروف بالشعراني (من أعيان علماه القرن العاشر): 1/ 164» الطبعة الأولى.
                          10- محمد بن محمد بن سليمان المغربي (المتوفى عام 1049): جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد: 1/ 214برقم 1515.
                          11- صحيح البخاري: 1/ ا 9 كتاب التيتم الحديث 2 وسنن البيهقي: 2/ 433 باب: أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد، ورواه غيرهما من أصحاب الصحاح والسنن.
                          12- أحكام القرآن للجصاص: 2/389 نشر بيروت.
                          13- مسند أحمد: 3/ 327من حديث جابر وسنن البيقهي: 1/327 باب ما روي في التعجيل بها في شدة الحر.
                          14- سنن البيهقي:2/1، 5.
                          15- السنن الكبرى: 2/ 1، 6.
                          16- سننن البيهقي: 2/ 1، 5 باب الكشف عن الجبهة.
                          17- ابن الأثير: النهاية: 2/ 497مادة شكى.
                          18- المتقي الهندي: كنز العمال: 7/ 465برقم 19810.
                          19- المصدر نفسه: 7/ 459 برقم 19776.
                          20- المتقي الهندي: كنز العمال: 7/ 459برقم 19777.
                          21- المصدر نفسه: 7/ 465، برقم 1981، ومسند أحمد: 6/ 3، 1 ( 2) ابن سعد: الطبقات الكبرى: 1/ 151كما في السجود على الأرض 41.
                          22- ابن سعد الطبقات الكبرى 1/151 كما في السجود على الأرض 41.
                          23- منتخب كنز العمال المطبوع في هامش المسند: 7/ 194.
                          24- البيهقي: السنن الكبرى: 2/ 1، 5.
                          25- المصدر نفسه.
                          26- أبو نعيم الأصفهاني: أخبار اصبهان: 2/ 141.
                          27- مسند أحمد: 1/269 - 3 0 3 – 3 0 9 و358.
                          28- المصدر نفسه: 6/ 179 وفيه أيضاً قال للجارية وهو في المسجد: ناوليني الخمرة.
                          29- المصدر نفسه: 3 0 2 (5) مسند أحمد: 6/ 331- 335.
                          30- مسند أحمد 6/331- 335.
                          31- المصدر نفسه: 377.
                          32- المصدر نفسه: 2/92-98.
                          33- صحيح البخاري: 1/ 101، صحيح مسلم: 2/109 مسند أحمد: 1/100، السنن الكبرى: 2/106.
                          34- كنز العمال 8/130 برقم 22238.
                          35- البيهقي: السنن 2/106.
                          36- المصنف لعبد الرزاق: 1/ 400 كما في سيرتنا وسنَّتنا، والسجدة على التربة 93.
                          37- البيهقي: السنن الكبرى 2/1 106 باب من بسط ثوباً فسجد عليه.
                          38- البخاري: 2/ 64كتاب الصلاة باب بسط الثوب في الصلاة للسجود.
                          39- ابن الأثير: الجامع الأصول: 5/ 468برقم 3660.
                          40- أبو داود: السنن: باب ما جاء في الصلاة على الخمرة برقم 331.
                          41- العلامة الأميني: سيرتنا وسنَّتنا 158-159.
                          42- أبو بكر بن أبي شيبة: المصنف: 1/ 400كما في السجدة على التربة 93.
                          43- الأرض والتربة الحسينية: 24.



                          يتبع

                          تعليق


                          • #14
                            تقصير المسافر وإفطاره
                            تشريع التقصير

                            تقصد الفرائض الرباعية في السفر إلى ركعتين، سوا، أكان ذلك في حال الخوف أم كان في حال الأمن، إجماعا من الأمة المسلمة وقولاً واحداً.

                            قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ...﴾1.

                            وعن يعلي بن أمية، قال: قلت لعمر بن الخطاب: ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا وقد أمن الناس. فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال صلى الله عليه وآله وسلم: صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته. أخرجه مسلم في صحيحه.

                            وعن ابن عمر - فيما أخرجه مسلم في الصحيح أيضا - قال: إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله. ثم صحبت عثمان فلم يزد

                            139

                            على ركعتين حتى قبضه الله. وقد قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ...﴾2.

                            وعن أنس بن مالك - فيما أخرجه الشيخان في صحيحيهما - قال:خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة.

                            وعن ابن عباس. فيما أخرجه البخاري في صحيحه - قال: أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة تسعة عشر يقصر، الحديث. قلت: وإنما قمر مع إقامته تسعة عشر يومأ لعدم نية الإقامة.

                            وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يصلي بأهل مكة إماما بعد الهجرة فيسلم في الرباعيات على رأس الركعتين الأوليين، وكان قد تقدم إلى القوم بأن يتموا صلاتهم أربع ركعات معتذرا عن نفسه وعمن جاء معه بأنهم قوم سفر.

                            وروى ابن أبي شيبة بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن خيار أمتي من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ،والذين إذا أحسنوا استبشروا وإذا أساؤوا استغفروا وإذا سافروا قصروا".

                            وعن أنس - فيما أخرجه ملم في صحيحه من طريقين - قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر في المدينة أربعا وصليت معه العصر بذي الحلية - مسافرا - ركعتين، إلى كثير من الصحاح الصراح بأن الله عز وجل قد شرع التقصير في السفر.

                            140

                            تشريع الإفطار

                            لا كلام في أن الله عز وجل شرع الإفطار في شهر رمضان لكل من سافر فيه سفرا تقصر فيه الصلاة ،وهذا القدر مما أجمعت الأمة المسلمة عليه ،والكتاب والسنة يثبتانه بصراحة.

                            قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ...﴾ 3 الآية.

                            وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سافر في شهر رمضان يفطر ويعلن للناس إفطاره، وقد عد الصوم في السفر معصية وأكدها وقال: "ليس من البر أن تصوموا في السفر"، وستسمع ذلك كله بنصه صلى الله عليه وآله وسلم .

                            وجاء في حديث آبي قلابة - وهو في الصحاح - أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل من بني عامر: "إن الله وضع عن المسافر الصوم، وشطره الصلاة".

                            ومن تتبع السنن وأقوال الأئمة حول صلاة المسافر وصومه وجد النص والفتوى وإجماع الأمة على أن القصر والإفطار سفرا مما شرعه الله عز وجل في دين الإسلام، وان المقتضي من السفر لأحدهما هو بعينه المقتضي للآخر بلا كلام.

                            حكم التقصير

                            اختلف أئمة المسلمين في حكم القصر في السفر على أقوال:

                            فمنهم من رأى أن القصر هو فرض المسافر المتعين عليه وهذا قول

                            141

                            الإمامية تبعا لأثمتهم، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه والكوفيون بأسرهم4.

                            ومنهم من رأى القصر والإتمام كلاهما فرض على التخيير كالخيار في واجب الكفارة، وهذا قول بعض أمحاب الشافعي.

                            ومهم من رأى أن القصر سنة مؤكدة، وهذا قول مالك في أشهر الروايات عنه.

                            ومنهم من رأى أن القصر رخصة وأن الإتمام أفضل، وبه قال الشافعي في أشهر الروايات عه، وهو المتصور عند أصحابه.

                            والحنابلة قالوا بجواز القصر وهو أفضل من الإتمام ولا يكره الإتمام.

                            حجتنا

                            احتج الامامية لوجوب التقصير بصحاح من طريق الجمهور، ونصوص ثابتة عن أئمة الهدى من أهل البيت عليهم السلام.

                            فمن صحاح الجمهور: ما أخرجه مسلم - في كتاب صلاة المسافرين وقصرها من صحيحه - عن ابن عباس من طريقين قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين.

                            وهذا صريح بأن المسافر إنما أمر بأداء الظهر والعصر والعشاء

                            142

                            ركعتين، كما أن الحاضر إنما أمر بأدائها أربع ركعات، وإذاً لا تصح من المسافر إلا أن تكون ركعتين حسبما فرضت عليه، كما لا تصح من الحاضر إلا أن تكون أربعا كما فرضت عليه لأن صحة العبادة إنما هي مطابقتها للأمر.

                            وفي صحيح مسلم أيضا، بالإسناد إلى موسى بن سلمة الهذلي، قال: سألت ابن عباس كيفه أصلي بمكة - مسافرا -؟ فقال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وآله وسلم .

                            فأرسل الجواب بكونها ركعتين، وكونها سنَّة أبي القاسم ارسال المسلمات ،وهذا من الظهور بتعيين القصر بمثابة لا تخفى على أهل العرف.

                            وأخرج مسلم أيضا في صحيحه من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة: أن الصلاة فرضت أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر. قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم في السفر؟ قال: انها تأوَّلت كتأول عثمان.

                            وفي صحيح مسلم عن عائشة من طريق آخر قالت: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ثم أتمها في الحضر فأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى.

                            قلت: من البديهي إذا كان هذا صحيحا أن لا تصح من المسافر رباعية إذا لم يتوجه إليه من الشارع أمر بها، وإنما أمر من أول الأمر بأدائها ركعتين وأقرها الله على ذلك فلو.أداها المسافر أربعا كان مبتدعا، كما لو أدى فريضة الصبح أربعا، وكما لو أدى الحاضر فرائضه الرباعيات مثنى مثنى مثنى.

                            143

                            ومن نصوص أئمة الهدى عليهم السلام، ما صح عن زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم إذ سألا الإمام أبا جعفر الباقر عليه السلام: فقالا له: ما تقول في الصلاة في السفر؟ كيف هي، وكم هي؟ قال: إن الله سبحانه يقول: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَة﴾5.

                            فالتقصير واجب في السفر كوجوب التمام في الحضر، قالا: قلنا انه قال: "لا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة"، ولم يقل: قصروا، فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام ؟ قال: أوليس قال تعالى في الصفا والمروة: ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾6 ألا ترى أن الطواف واجب مفترض لأن الله تعالى ذكره في كتابه، وصنعه نبيه، وكذا التقصير في السفر شي، صنعه رسول الله وذكره الله في الكتاب، قالا: قلنا فمن صلى في السفر أربعا أيعيد أم لا؟ قال: "إن كانت قرأت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا أعاد، وإن لم يكن قرأت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه" قال عليه السلام: "والصلاة في السفر كل فريضة ركعتان إلاَّ المغرب فإنها ثلاث ليس فيها تقصير تركها رسول صلى الله عليه وآله وسلم في السفر والحضر ثلاث ركعات".

                            قال الإمام الطبرسي بعد إيراد هذا الخبر: وفي هذا دلالة على أن فرض المسافر مخالف لفرض المقيم. قال: وقد أجمعت الطائفة على ذلك، وأجمعت على أنه ليس بقصر، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "فرض المسافر ركعتان غير قصر"، انتهى ما قلناه عن مجمع البيان.

                            وفي الكشاف حول آية التقصير، قال: وعند أبي حنفية القصر في

                            144

                            السفر عزيمة غير رخصة لا يجوز غيره. قال: وعن عمر بن الخطاب صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم7.

                            حجه الشافعي ومن لا يوجب القصر

                            احتجوا بأمور:

                            أحدها: الظاهر من قوله تعالى: ﴿... فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ ...﴾8. لان الجناح وهو الإثم إنما يوجب بمجرده الإباحة لا الوجوب.

                            وقد عرفت الجواب بنص الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام، وكأن الناس يومئذٍ ألفوا الإتمام فكانوا - كما أفاده الإمام الزمخشري في كشافه - مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصاناً في القصر فنفى عنهم الجناح لتطيب أنفسهم بالقصر ويطمئنوا إليه.

                            ثانيها: أن عثمان وعائشة كانا يتمان في السفر.

                            والجواب: أنهما تأولا أدلة التقصير فأخطآ، وقد فسر بعض علماء الجمهور تأولهما هذا بأن عثمان كان أمير المؤمنين وعائشة كانت أمهم فهما من سفرهما في حضر مستمر، على اعتبار أنهما حيث ما كانا مسافرين فهما في أهل ودار ووطن، وهذا اجتهاد طريف نرى وجه الطرافة فيه بانكشافه عن غربة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: في دنيا المؤمنين إذ لم يرو عنه في السفر التقصير وكذلك أبو بكر وعمر وعلي غربا، لهم الله على هذا الأساس.

                            145

                            ثالثها: أحاديث مشهورة أخرجها مسلم في صحيحه صريحة بأن الصحابة كانوا يسافرون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيكون منهم القاصر، ومنهم المتم، ومنهم الصائم في شهر رمضان، ومنهم المفطر فيه لا يعيب بعضهم على بعض.

                            والجواب: ان هذه الأحاديث لم يثبت شي، منها عن طريقنا على أنها تعارض صحاحنا المروية عن أئمتنا أعدال الكتاب، بل تعارض نفسها بنفسها كما يعلمه الملم بها وكما ستسمعه قريبا إن شاء الله تعالى.

                            وما من شك في أن حديث الأوصياء من آل محمد عليهم السلام هو المقدم في مقام التعارض، ولا سيما بعد تأييده بثلة من صحاح الجمهور.

                            حكم الإفطار

                            اختلف فقهاء الإسلام في حكم الإفطار في السفر، فذهب الجمهور إلى أنه رخصة، وأن المسافر إذا صام صح صومه وأجزأه مستدلين على ذلك بأحاديث أخرجها مسلم في صحيحه.

                            فمنها: ما عن أبي سعيد الخدري قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لست عشرة مضت من رمضان، فمنا من صام، ومنا من أفطر، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.

                            وعنه: من طريق آخر قال: كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان فما يعاب على الصائم صومه ولا على المفطر إفطاره.

                            والجواب: أن هذه الأحاديث - لو فرض صحتها - فهي منسوخة لا محالة بصحاح من طريق الجمهور، وصحاح آخر من طريقنا عن أئمة أهل البيت عليهم السلام.

                            146

                            وإليك ما صح في هذا الباب من طريق غيرنا عن جابر بن عبد الله قال - كما في صحيح مسلم -: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب. فقيل له بعد ذلك: ان بعض الناس قد صام فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أولئك العصاة أولئك العصاة.

                            وأخرج عن جابر أيضا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فرأى رجلاً قد اجتمع الناس عليه وقد ظلل عليه فقال: ما له ؟ قالوا: صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ليس من البر أن تصوموا في السفر".

                            وإنما قلنا ان هذه السنن ناسخة لتلك لتأخر صدورها عنها باعتراف الجمهور، ويدل على ذلك ما في صحيح مسلم وغيره، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس: أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج عام الفتح فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر قال: وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره.

                            وعن الزهري - كما في صحيح مسلم وغيره - بهذا الإسناد مثله. قال الزهري: وكان الفطر آخر الأمرين، وإنما يؤخذ أمر رسول الله بالآخر فالآخر.

                            وعن ابن شهاب - كما في صحيح مسلم وغيره بهذا الإسناد أيضاً مثله. قال ابن شهاب: كانوا يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره ويرونه الناسخ المحكم.

                            ومجمل الأمر أنه لو فرض صحة صوم البعض من أصحابه في السفر معه فإنما كان ذلك قبل التزامهم بالإفطار وقبل قوله صلى الله عليه وآله وسلم ليس من البر أن

                            147

                            تصوموا في السفر، وقبل قوله صلى الله عليه وآله عن الصائمين: أولئك العصاة أولئك العصاة.

                            أما الإمامية فقد أجمعوا على أن الإفطار في السفر عزيمة، وهذا مذهب داود بن علي الامفهاني وأمحابه وعليه جماعة من الصحابة كعمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وعبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة، وعروة بن الزبير، وهو المتواتر عن أئمة الهدى من العترة الطاهرة.

                            وروي أن عمر بن الخطاب أمر رجلا صام في السفر أن يعيد صومه. - كما هو مذهبنا ومذهب داود-.

                            وروى يوسف بن الحكم. قال: سألت ابن عمر عن الصوم في السفر فقال: أرأيت لو تصدقت على رجل صدق فردها عليك ألا تغضب ؟ فإنها صدقة من الله تصدق بها عليكم فلا تردوها.

                            وروى عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الصائم في السفر كالمفطر في الحضر".

                            وعن ابن عباس: الافطار في السفر عزيمة.

                            وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: "الصائم في شهر رمضان في السفر كالمفطر في الحضر".

                            وعنه عليه السلام: "لو أن رجلاً مات صائماً في السفر لما صليت عليه".

                            وعنه عليه السلام: قال "من سافر أفطر وقصر، إلا أن يكون سفره في معصية الله عز وجل".

                            وروى العياشي بسنده إلى محمد بم مسلم، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: نزلت هذه الآية ﴿... فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى

                            148

                            سَفَرٍ ...﴾9 بكراع الغميم عند صلاة الهجير، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باناء فيه ماء فشرب وأمر الناس أن يفطروا، فقال قوم: قد مضى النهار ولو تممنا يومنا هنا، فسماهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: العصاة فلم يزالوا يسمون العصاة حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

                            وحسبنا حجة لوجوب الافطار في السفر قوله عز وجل: ﴿... فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...﴾10 فإن في الآية دلالة على وجوب الافطار من وجوه.

                            أحدها: أن الأمر بالصوم في الآية إنما هو متوجه للحاضر دون المسافر، ولفظه كما تراه: فمن شهد منكم الشهر - أي حضر في الشهر – فليصمه، وإذا فالمسافر غير مأمور، فصومه إدخال في الدين ما ليس من الدين تكلفا وابتداعاً.

                            ثانيها: ان المفهوم من قوله تعالى: ﴿... فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه...﴾11 أن من لم يحضر في الشهر لا يجب عليه الصوم، ومفهوم الشرط حجة كما هو مقرر في أصول الفقه، وإذا فالآية تدل على عدم وجوب الصوم في السفر بكل منطوقها ومفهومها.

                            ثالثها: ان قوله عز وجل: ﴿... فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ...﴾12 تقديره فعليه عدة من أيام أخر، هذا إذا قرأت الآية برفع

                            149

                            عدة، وإن قرأتها بالنصب كان التقدير فليصم عدة من أيام أخر، وعلى كل فالآية توجب صوم أيام أخر، وهذا يقتضي وجوب افطار أيام السفر إذ لا قائل بالجمع بين الصوم والقضاء، على أن الجمع ينافي اليسر المدلول عليه بالآية.

                            رابعها: قوله تعالى: ﴿... يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...﴾13، واليسر هنا إنما هو الافطار كما أن العسر هنا ليس إلاَّ الصوم، وإذاً فمعنى الآية يريد الله منكم الافطار ولا يريد منكم الصوم.

                            قدر السفر المقتضي للتقصير والإفطار

                            اختلف أئمة المسلمين في تقديره، فقال أبو حنيفة وأصحابه والكوفيون: أقل ما تقصر فيه الصلاة ويفطر فيه الصائم سفر ثلاثة أيام وان القصر والإفطار إنما هما لمن سافر من أفق إلى أفق14.

                            وقال الشافعي ومالك وأحمد وجماعة كثيرون: تقصر الصلاة ويفطر في شهر رمضان بقطع مسافة تبلغ ستة عشر فرسخا ذهابا فقط15.

                            وقال أهل الظاهر: القصر والإفطار في كل سفر حتى القريب.

                            قال ابن رشد:" في صلاة السفر من البداية والنهاية ": والسبب في اختلافهم معارضة المعنى المعقول من التقصير والإفطار في السفر للفظ المنقول في هذا الباب، وذلك أن المعقول من تأثير السفر في القصر والإفطار أنه لكان المشقة فيه، وإذا كان الأمر على ذلك فإنما يكونان حيث

                            150

                            تكون المشقة، وعند أبي حنيفة لا تكون المشقة إلاَّ بقطع ثلاث مراحل، وعند الشافعي ومالك وأحمد تكون بقطع ستة عشر فرسخاً قال: وأما من لا يراعي في ذلك إلأ اللفظ فقط كأهل الظاهر فقد قالوا: ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص على أن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة فكل من أطلق عليه اسم مسافر جاز له القصر والفطر قال: وأيدوا ذلك بما رواه مسلم عن عمر بن الخطاب: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقصر في نحو السبعة عشر ميلاً.

                            وعلى هذا فإن أئمة المذاهب الأربعة لم يستندوا فيما حدوده من المسافة إلى دليل من أقوال النبي أو أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم وإنما استندوا إلى فلسفة أطلقوا عليها (المعنى المعقول ) وذلك ما لا يرتضيه أئمة أهل البيت ولا تطمئن إليه الامامية في استنباط الأحكام الشرعية.

                            وكان أهل مكة - على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر - إذ خرجوا من مكة إلى عرفات يقصرون في عرفات والمزدلفة ومنى وهذا ثابت لا ريب فيه.

                            وأخرج الشيخان في صحيحيهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا خرج من مكة إلى عرفات قصر، وأن أبا بكر وعمر قصرا بعده. وان عثمان قصر أيضاً ثم أتم صلاته بعد ست سنين مضت من خلافته فأنكر الناس عليه16، وهذا هو

                            151

                            مستند الامام مالك من قوله بأن تقصير الحجاج في هذه الأماكن سنة مؤكدة سواء في ذلك أهل مكة وأهل الاقطار النائية، فراجع فقه المالكية17، وهذا مستندنا في التقصير بسفر مسافته ثمانية فراسخ سواء أكانت امتدادية أو كانت ملفقة من أربعة في الذهاب أو أربعة في الإياب، كالمسافة بين مكة وعرفات، وهي أقل مسافة قصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها الصلاة، وانها لحجة بالغة والحمد لله.
                            152

                            هوامش
                            1- سورة النساء:101
                            2- سورة الأحزاب:21
                            3- سورة البقرة:185
                            4- أجمع الحنفية على أن قصر الصلاة واجب على المسافر ولا يجوز له الإتمام، فإذا أتم صلاته اعتبروه آثما لتأخير السلام عن نهاية القعود المفروض وهو القعود الأول في هذه الحال، ومع ذلك فهو متنفل عندهم بالركعتين الأخيرتين، لأن الفرض إنما هو الركعتان الأوليان، ولذا يحكمون ببطلان الصلاة إن ترك القعود الأول في هذه الصورة لأنه ترك فرضا من فرائض الصلاة.
                            5- سورة النساء:101
                            6- سورة البقرة:158
                            7- إذا كانت صلاة السفر ركعتين وكانت بالركعتين تماما غير قصر وكان ذلك كله على لسان نبينا بشهادة عمر فكيف يصح آن تكون رباعية ؟ وهل تصح العبادة إذا وقعت على خلاف ما شرعها الله عز وجل.
                            8- سورة النساء:101.
                            9- سورة البقرة:185.
                            10- سورة البقرة:185.
                            11- سورة البقرة:185.
                            12- سورة البقرة:185.
                            13- سورة البقرة:185.
                            14- نقل ابن رشد عنهم هذا في كتابه البداية والنهاية.
                            15- هذه المسافة تساوي ثمانين كيلو ونصف كيلو ومائة وأربعين متراً مسيرة يوم وليلة بسير الابل المحملة بالأثقال سيراً معتدلاً، ولا يضر عندهم نقصان المسافة عن المقدار المبين بشيء قليل كميل أو ميلين.
                            16- تجد ذلك كله في باب الصلاة بمنى وهو أحد أبواب التقصير وأحد أبواب الحج من الجزء الأول من صحيح البخاريوتجده في كتاب صلاة المسافرين وقصرها من صحيح مسلم. وتجد في ص 178 من كتاب الاستاذ الدكتور طه حسين - الفتنة الكبرى -ما هذا لفظه: ثم عاب المسلمون المعاصرون لعثمان عليه مخالفته للسنة المعروفة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن الشيخين وعن عثمان نفسه في صدر من خلافته وذلك حين أتم الصلاة في منى وقد قصرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم والشيخان وقصرها عثمان أيضاً أعواماً، وقد ذعر المسلمون حقاً حين أتم عثمان الصلاة في منى، فسعى بعضهم إلى بعض وقال بعضهم لبعض، ثم= أقبل عبد الرحمن بن عوف على عشان فقال له: ألم تصل هما مع النبي ركعتين ؟ قال عثمان: بلى. فقال عبد الرحمن: ألم تصل مع أبي بكر وعمر ركعتين ؟ قال عثمان: بلى. قال عبد الرحمن: ألم تصل أنت بالناس هنا ركعتين ؟ قال عثمان: بلى. قال عبد الرحمن: فما هذا الحدث الذي أحدثته ؟ قال عثمان: فإني قد بلغني أن الأعراب والجفاة من أهل اليمن يقولون ان صلاة المقيم اثنتان، فأجابه عبد الرحمن بأن خوفك على الأعراف والجفاة في غير محله إذ صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ركعتين ولم يكن الإسلام قد فشا بعدو، الآن قد ضرب الاسلام بجرانه فما ينبغي لك أن تخاف.
                            17- وقد نقله النووي عن مالك في شرحه لصحيح مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها



                            يتبع

                            تعليق


                            • #15
                              صلاة الجنائز
                              وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلمكان يكبر على الجنائز خمساً، لكن الخليفة الثاني راقه أن يكون التكبير في الصلاة عليها أربعاً فجمع الناس على الأربع، نص على ذلك جماعة من أعلام الأمة كالسيوطي ( نقلاً عن العسكري) حيث ذكر أوليات عمر من كتابه " تاريخ الخلفاء" وابن الشحنة حيث ذكر وفاة عمر سنة 23من كتابه " روضة المناظر" المطبوع في هامش تاريخ ابن الاثير وغيرهما من اثبات المتتبعين.

                              وحسبك ما في كتاب الديمقراطية لمؤلفه الاستاذ محمد خالد مما أوردناه آنفاً في مبحث الطلاق الثلاث فراجع.

                              وقد أخرج الامام أحمد من حديث زيد بن أرقم عن عبد الأعلى، قال: صليت خلف زيد بن أرقم على جنازة فكبر خمساً، فقام اليه أبو عيسى عبد الرحمن بن أبي ليلى فأخذ بيده فقال: أنسيت ؟ قال: لا، ولكني صليت خلف أبي القاسم خليلي صلى الله عليه وآله وسلم فكبر خمساً فلا أتركه أبداً. انتهى1.

                              قلت: وصلى زيد بن أرقم على سعد بن جبير المعروف بعد بن حبتة وهي أمه، وهو من الصحابة، فكبَّر على جنازته خمساً، فيما رواه ابن حجر في ترجمة سعد من اصابته. ورواه ابن قتيبة في أحوال أبي يوسف من معارفه، وكان سعد هذا جد أبي يوسف القاضي.

                              153

                              وأخرج الامام أحمد من حديث حذيفة من طريق يحيى بن عبد الله الجابر، قال: صليت خلف عيسى مولى الحذيفة بالمدائن على جنازة فكبر خمساً، ثم التفت الينا فقال: ما وهمت ولا نسيت ولكن كبرت كما كبر مولاي وولي نعمتي حذيفة بن اليمان صلى على جنازة وكبر خمساً ثم التفت الينا فقال: ما نسيت ولا وهمت ولكن كبرت كما كبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (الحديث)2.
                              154

                              هوامش
                              1- راجعه في ص:370 من الجزء الرابع من المسند.
                              2- راجعه في أول ص 406 من الجزء الخامس من المسند. ورواه الحافظ الذهبي في ترجمة يحيى بن عبد الله الجابر من ميزان الاعتدال عن جرير الضبي عن يحيى الجابر.



                              يتبع

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X