إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

حقيقة الأخوة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حقيقة الأخوة

    حقيقة الأخوة

    هل أنت أخ حقًّا؟

    أهميّة الأخوّة:

    يُعتبر التآخي في الإسلام أمرًا هامًّا وحاجة لا يُمكن للإنسان المؤمن الإستغناء عنها، حيث يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:

    "ما استفادَ امرؤٌ مسلمٌ فائدةً بعدَ فائدةِ الإسلامِ مثلَ أخٍ يستفيدُهُ في اللهِ"1.

    فإنّ كون الأخوّة بهذه المكانة الّتي تجعلها أعظم فائدة بعد الإسلام ليَكشف عن جوانب عظيمة، وأبعاد مختلفة يُراد للمؤمن أنْ يحيا بها كجزء من كلّ، مجسِّدًا في علاقته بالآخرين أسمى المعاني الّتي تسير به نحو الكمال الّذي يَنشده ليلًا ونهارًا، مُتشوِّقًا إلى أن يكون ذلك الرجل الخالص من العيوب الّذي طالما قرأ عنه في أحاديث المعصومين عليهم السلام كما في حديث الصادق عليه السلام:

    "المؤمنُ أخو المؤمِن؛ عينهُ ودليلهُ لا يخونهُ ولا يظلمهُ ولا يغشُّه، ولا يعِدُه عدةً فيخلِفهُ"2.

    وليس اتّخاذ الإخوان أمرًا يُمكن الزهد فيه أو الاقتصار

    9

    فيه على فردين أو ثلاثة، بل طالما أمكن ذلك وتيسّر فإنّ الواحد منّا يجدر به أنْ يُبادر - مع مراعاة موازين الإخاء وسلوك الطريق الصحيح في الاختيار- إلى إضافة اسم جديد للائحة إخوانه في الله راميًا إلى اكتساب ثمرتين: أولاهما في الدنيا، وثانيتهما في الآخرة، وممّا ورد في الحثّ على الاستكثار قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

    "استكثروا من الإخوانِ فإنَّ لكلّ مؤمنٍ شفاعةً يومَ القيامةِ"3.

    ويبرز عنصر جميل في التآخي هو السكينة والاطمئنان، لأنّ المؤمن يشعر شعورًا صادقًا براحة نفسيّة مع أخيه المؤمن كأنّه المُبحِر في أمواج هائجة وقد وصل إلى شاطىء الأمان، أو كأنّه التائه في الصحراء مع حرّ الظمأ وقد انتهى إلى ريّ الماء، ورد في الحديث:

    "إنّ المؤمنَ ليسكنُ إلى المؤمنِ كما يسكنُ الظمآنُ إلى الماءِ"4.

    وعن الإمام الصادق عليه السلام:

    "لِكلِّ شيءٍ شيءٌ يستريحُ إليهِ وإنَّ المؤمنَ ليستريحُ إلى أخيهِ المؤمنِ كما يستريحُ الطيرُ إلى شكلِهِ"5.

    ومن منَّا لا يرغب بهذه الراحة الّتي لو لم يكن للأخوّة فائدة غيرها لكفت وأغنت؟ فكيف إذا كان لها من

    10

    الثمرات ما لا يُمكن عدّه واحصاؤه من قبيل ما جاء في الحديث:

    "من استفاد أخًا في اللهِ عزَّ وجلَّ استفادَ بيتًا في الجنَّةِ"6، أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "النظرُ إلى الأخِ تَوَدُّه في اللهِ عزَّ وجلَّ عبادةٌ"7؟

    دور التآخي في بناء الفرد:

    إنّ للأخوّة الدينيّة دورًا رائدًا في بناء الشخصيّة المؤمنة، حيث تساعدها على الاتّصاف بمجموعة من الفضائل وتشعرها بمسؤوليّة ولو على نطاق خاصّ، انطلاقًا من معرفة ما لها من مدلول وعمق في الإسلام، فيعرف الإنسان قدره من خلال معرفة قدر أخيه وما له من حقّ عليه. ويكون الالتزام بآداب العلاقة بالآخرين باعثًا على إنتاج صورة متكاملة ومسلك مستقيم، أوّل المستفيدين منه صاحب هذا الدور مع ما يتركه من ذكر حسن وسمعة طيّبة إن هو بقي على ما بدأ به في بداية الطريق. لذلك من وُصِفَ بأنّه أخٌ حقًّا وصِدقًا، بحيث إنّه أقام حدود الأخوّة وراعى حقوقها والتزم آدابها، فهو على الصعيد الفرديّ في سعادة وتقدّم دائمين، كما أنّ النجاح في هذه المدرسة الأخويّة سيفتح له نجاحًا في مدارس ومجالات أخرى ربما اتّسعت ميادينها إلى ساحة

    11

    حياته جمعاء، وأمّا إذا لم يوفّق لاكتساب الإخوان وفشل في هذه المهمّة الّتي تعتبر مفصلًا في دورة حياته، فإنّ ذلك سيترك عوامل سلبيّة ونتائج غير مرضية سرعان ما تظهر في كثير من قضاياه وربما حوّلتها إلى مشاكل مستعصية لا سيّما وأنّ هذا العجز ليس بالشيء الّذي يُمكن التغاضي عنه، وقد اعتبره أمير المؤمنين عليه السلام خطيرًا ووصف صاحبه بأعجز الناس، يقول عليه السلام:

    "أعجزُ الناسِ من عجزَ عن اكتسابِ الإخوانِ، وأعجزُ منهُ من ضيّعَ من ظفرَ بهِ منهُم"8.

    وهنا أوضح عليه السلام أنّ هناك صنفًا من الناس تكون درجة العجز لديهم أكبر وأخطر من الصنف الآخر وهم الّذين لا يُحسنون الاستمرار مع الآخرين في العلاقة الأخويّة بعد أن كان بينهم في بداية أمرهم ترابط وتآزر، ولكن ضاعت المودّة وعادت كأن لم يكن شيء بينهما، أو كأنّ الزمان لم يكن لأيّامه ولياليه وجود ينبّههم إلى ما أنساهم الشيطان. وما هذه الظاهرة بعزيزة في الحياة، فكم نشاهد من أشخاص دامت العلاقة بينهم سنين عديدة ثمّ افترقوا إلى غير رجعة حيث أخذت العداوة بينهم مأخذها وأبدت ثغرات أحكم من خلالها غلق الباب الّذي منه يسري نسيم المودّة وتدوم ذكريات التعاون. ومع غضّ النظر عن الجوانب السلبيّة في حدود ما تتركه

    12

    هذه الأزمة من مشاكل على الصعيد الفرديّ، بحيث لا يقرّ لشخصيّة الإنسان المؤمن قرار، ولا يهدأ له بال حتّى في علاقته بالله تعالى فيتخبّط قائمًا وقاعدًا يستحضر ما لديه من الكمّ الهائل من سيرته مع أخيه، سواء في محطّاتها الجميلة الّتي يؤدّي تذكّرها إلى الرغبة والشوق لإعادة المياه إلى مجاريها، وتجديد العلاقة به، أم في المحطات السيّئة وكان السوء صادرًا عنه وليس عن أخيه فيؤدّي ذلك إلى الندم والمؤاخذة ليظلّ معذّبًا وهو يقارن بين فترة المواصلة وفترة المقاطعة، يتّضح أنّ التخلّي عن الأخ والزهد فيه هو عامل هدّام في حياة الفرد، كما كان التآخي عاملًا بنّاءً على هذا الصعيد، فقد جاء عن مولانا الصادق عليه السلام في الحثّ والتأكيد على طلب المؤاخاة قوله عليه السلام:

    "واطلبْ مؤاخاةَ الأتقياءِ ولو في ظلماتِ الأرضِ وإنْ أفنيْتَ عمرَك في طلبِهم، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لمْ يخلقْ على وجهِ الأرضِ أفضلَ منهُم بعدَ النبيّينَ، وما أنعمَ اللهُ على العبدِ بمثلِ ما أنعمَ بهِ من التوفيقِ لصحبتِهم"9.

    فنعمة مصادقة الإخوان هي نعمة إلهيّة لا مثيل لها على الإطلاق.

    13

    دور التآخي في بناء المجتمع:

    إنّ الله تعالى يحبّ لنا أن نعيش متماسكين، يساعد بعضنا بعضًا، وليس أشتاتًا متفرّقين قد ذهبت بنا المذاهب كلّ مذهب، فضاعت الأهداف ومعها فقدنا السبل والوسائل إليها. ولا يُتصوّر مجتمع واحد يشترك أهله في تحمّل شؤونه وشجونه، وهو لا تحكمه روح المؤاخاة، حتّى لو سادت روحيّة الأخوّة فيه شكلًا لا مضمونًا ومظهرًا لا جوهرًا، كذلك لا يُقدَّر لهذا المجتمع النجاح. فحتّى يُؤتي أُكُلَه ويتّجه إلى حيث أراد الله تعالى له لا بدّ أن تكون الأعمال ترجمان الأقوال، والمواقف مُعربة عمّا تحويه الضمائر وتكنّه السرائر، فترى من يتغنَّى بالصلة المميّزة بفلان من الناس ويعتبره أخاه، هو لا يخذله في وقت الشدّة، ولا يتركه للدهر فيكون عونًا له على الدهر لا عونًا للدهر عليه، وكذلك من يكثر الثناء والمديح أو إبداء الاعجاب بشخص ما لِما يتحلّى به من صفات، لا يترك زيارته إذا مرض ولا السؤال عن حاله فيؤلمه ما آلمه ويُسعِده ما أسعده.

    وهنا، يتجلّى الدور الفعّال للتآخي في الحياة الاجتماعيّة، إذا قام كلّ فرد بما توجبه عليه أخوّته الإيمانيّة اتّجاه الآخرين، يقول الإمام الصادق عليه السلام:

    "المؤمنُ أخو المؤمنِ كالجسدِ الواحدِ، إنِ اشتكى شيئًا منه وُجدَ ألمُ ذلكَ في سائرِ جسدِه،

    14

    وأرواحُهما من روحٍ واحدةٍ، وإنَّ روحَ المؤمنِ أشدُّ اتّصالًا بروحِ اللهِ من اتصالِ شعاعِ الشمسِ بِها"10.

    فالتآخي يُكسب المجتمع قوّة في جوانب عديدة منها:

    1ــ القدرة العالية على تجاوز ما يعصف به من مُلمّات صعبة وفتن ومحن.

    2ــ الارتقاء إلى قمّة البذل والعطاء والإيثار.

    3ــ توحيد المنطلق الإيمانيّ في النظريّة والتطبيق.

    4ــ سيادة روحيّة الجماعة واضمحلال روحيّة الفرد والشخصانيّة.

    5ــ الحصانة الأخلاقيّة في اتجاهاتها الثلاثة مع الله تعالى ومع الناس ومع النفس.

    ويُمكننا قراءة هذه الجوانب بأجمعها عبر التاريخ الممتدّ من زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مع صفوة أصحابه ومع أمير المؤمنين عليه السلام ومن خيرة من وقف معه في حربه وسلمه، وكذلك في حياة أصحاب الإمامين الحسن والحسين L خصوصًا في كربلاء حيث اجتمعت كلّ معاني الأخوّة الجليلة والجميلة في تلك المواقف العظيمة المشهودة الّتي جعلت أصحاب السبط الشهيد عليه السلام في مقام خاصّ لا يبلغه غيرهم، وقلّدتهم وسام العطاء الأبديّ.

    15

    لماذا سُمّوا إخوانًا؟

    ليس خفيًّا على أحد من الناس ما معنى أن يكون المؤمن أخًا للمؤمن، لكنّ هذا الوضوح ظاهريّ، ما لم تنكشف حقيقة الأخوّة كما يراها الإسلام في بُعدها الجوهريّ كما حدّد معناها وأسّس مبناها وكشف عن عمق الارتباط بين الاسم والمسمّى، حيث يقول الإمام الصادق عليه السلام:

    "إنّما سمّوا إخوانًا لنزاهَتِهم عن الخيانةِ وسمّوا أصدقاءً لأنَّهم تصادَقوا حقوقَ المودّةِ"11.

    فمن يكون خائنًا لا يُؤتمن؛ ليس أخًا حقيقةً ولا تصحّ تسميته بذلك، ومن لا يراعي حقوق المودّة الّتي تدوم معها الأخوّة وتستمر بحيث يكذب على الآخر ولا يصادقه، فإنّ إطلاق اسم الصديق عليه ليس صحيحًا. وعليه لا تتحقّق الأخوّة بمجرّد أن يقول الإنسان للآخر أنت أخي بل بالقيام بما يمليه هذا الرابط الدينيّ المبارك عليه من التزامات لا يسوغ له تجاهلها وإلَّا خرج عن عهد الأخوّة إلى نقيضه وسمّي أخًا بالتجوّز لا الحقيقة.

    لماذا تؤاخي؟

    من الصواب أن نسأل أنفسنا لماذا نؤاخي فلانًا من الناس ونزهد بغيره، وربّما كان الجواب: لأنّه يحمل مؤهّلات أخلاقيّة عالية، وقد تمّ اختباره قبل اختياره،

    16

    بينما الآخر لا رغبة بإقامة علاقة به لما هو معروف عنه من سوء السمعة، وربّما كان الجواب أيضًا أنّ لنا مصلحة ماليّة معه، ولذلك قدّمنا العلاقة به على غيره وآثرناه بما يحقّق لنا من نفع وكسب، رغم ما تنطوي عليه شخصيّته من رذائل الأخلاق، بحيث يصعب أن يكمل الإنسان طريق الأخوّة معه، وسرعان ما يتعرّض للتزلزل أو الشقاق، وربّما كان الجواب غير ذلك حيث إن تصوّر الأسباب الداعية للعلاقة بالناس لا تكاد تُحصى وتختلف من شخص إلى آخر. والّذي نريد تسليط الضوء عليه هنا ليس إلَّا ميزان اتّخاذ الإخوان كما أرشدتنا إليه الأحاديث الشريفة الواردة عن أئمّتنا عليهم السلام والّتي صنّفت نوعين من الأخوّة أحدهما مذموم والآخر مطلوب، والمستفاد هو طالما كان الدافع إلهيًّا ولوجهه تعالى فالأخوّة مرغوب بها، وإلَّا إذا كان دنيويًّا فهي مرغوب عنها.

    ولذا، حريّ بنا أن نقف موقف السؤال لأنفسنا ونقول: "لماذا نؤاخي فلانًا دون فلانٍ؟".

    والحقيقة أنّ الأخوّة النفعيّة الدنيويّة هي عداوة، لأنّها تستبطن خيانة للطرف الآخر حيث لا تقوم على الصدق في بذل المودّة له لقاء ما حثّ عليه الدين الحنيف أو رجاء ثواب الآخرة، بل لأجل المكاسب التجاريّة والمصالح الزائلة. وليس غريبًا في حالة كهذه أن ينتهي الأمر بالفراق أو القطيعة حينما تنقضي المصالح أو عندما يوجد بديل عنه يُمكن الاستفاة منه أكثر من سابقه، فقد

    17

    جاء عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال:

    "كلُّ مودّةٍ مبنيّةٌ على غيرِ ذاتِ اللهِ ضلالٌ، والاعتمادُ عليها مُحالٌ"12.

    وعنه عليه السلام:

    "الناسُ إخوانٌ فمنْ كانَت أخوّتهُ في غيرٍ ذاتِ اللهِ فهي عداوةٌ.

    وذلك قوله عزّ وجلّ:

    ﴿الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلَّا الْمُتَّقِينَ﴾"13.

    وليس بالإمكان أن يُزان نجاح الأخوّة وفشلها بالغُنم والغُرم الدنيويّين، بل ما دامت لمحض المصلحة الدنيويّة فهي فاشلة يبوء صاحبها بالحرمان. جاء في الحديث:

    "من آخى في اللهِ غَنِمَ ومن آخى في الدنيا حُرِمَ"14.

    ومن يوقن أنّ الآخر إنّما يزعم أنّه أخوه لكن ليس في الله فإنّ عليه الحذر منه والانتباه الدائم، صيانة لنفسه وحفاظًا على دينه. جاء في الخبر عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

    "منْ لمْ تكنْ مودّتهُ في اللهِ فاحذرْه، فإنَّ مودّتهَ لئيمةٌ وصُحبَتهُ مشؤومةٌ"15.

    وينشأ الشؤم في هذه الصحبة بِلحاظ أهدافها

    18

    والبواعث عليها باعتبارها غير منزّهة عن إظهار شيء وإضمار شيء آخر، إضافة إلى أنّها في غير السبيل الّذي أراده الله لها؛ حيث أراد أن تكون أخوّة في ذاته لكنّ الإنسان إذا أرادها في غير الله، فما عساها تكون؟!

    كيف تختار أخًا لك؟

    في كثير من الأحيان، يسارع الإنسان إلى إقامة علاقة ويتواصل مع غيره من دون أن تكون خطوته مدروسة ومتأنّية، فيسارع إلى مدِّ جسوره بشكل اعتباطيّ أو فوضويّ دون حسبان لما يترتّب على هذا التسرّع من نتائج؛ إذ كثيرًا ما يبدو في وجهة جماليّة ملؤها الرغبة بالاستمرار والمكاشفة بالأسرار، خصوصًا في فترة التعارف الأولى بسبب إبداء المناقب وإخفاء المثالب، وهذا النمط العجول يُعتبر مغامرة ومخاطرة مع الآخر، طالما لم تعرفه حقّ المعرفة ولم تختبره الاختبار الّذي يؤدّي إلى الاختيار، وهذا يشابه تمامًا ما يحصل من فشل بين زوجين؛ كان اختيار كلّ منهما لشريكه باستعجال، بل السبب عينه هو ما يؤدّي إلى فشل علاقة بين أخوين مؤمنين أو وقوعهما بما لا يرغبان.

    من هنا كان للإسلام دوره في هذا الشأن إذ دلّنا كيف ينبغي أن نختار الإخوان وعرّفنا السبيل إلى هذا الأمر محذّرًا من الوقوع في صُحبة من لا ينبغي أن نصحبه أو معاشرة من لا يسوغ لنا أن نعاشره، فبيّن

    19

    أنّ الاختبار هو ميزان على وفقه يتمّ الاختيار، وإلَّا كان الواحد عُرضة لما لا يحبّ أن يلقاه، أو مشى إلى حيث لا يريد الوصول. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

    "قدّمِ الاختبارَ في اتخاذِ الإخوانِ؛ فإنَّ الاختبارَ معيارٌ يفرِّقُ بينَ الأخيارِ والأشرارِ"16.

    فالواجب عدم إخاء الأشرار والانتباه منهم، وهذا ما لا يتمّ إلَّا بعد معرفتهم؛ ومعرفتهم تكون بالتفريق بينهم وبين الأخيار بحيث لا يختلط الأمر علينا؛ من هو الخيّر ومن هو الشرّير، ونساوي بينهما، والسبيل إلى ذلك هو الاختبار الّذي ينتج من نؤاخي ومن لا نؤاخي، وإلَّا وقعنا في سوء الاختيار بمقارنتهم كما جاء في الحديث:

    "قدّمِ الاختبارَ وأَجدَّ الاستظهارَ في اختيارِ الإخوانِ، وإلَّا ألجأَكَ الاضطرارُ إلى مقارنةِ الأشرارِ"17.

    ولا أظنّني منصِفًا إذا عدت باللائمة على غيري عندما لم يحفظ حقّ الأخوّة وضيّعه، فيما إذا كنت لم أعتمد الطريق القويم في حسن اختياره، بل إنّ الجزء الأكبر الّذي قدّم لهذه المشكلة، ومهّد لهذا الفشل هو الانتقاء دون معرفته حقّ المعرفة، والسير في الظلام الّذي ربما أودى إلى الهلكة، أو المفاجآت غير المحبّذة. وهنا تتجدّد أسئلة عديدة وهي: بماذا أختبر الإخوان،

    20

    وفي أيّ ميدان، وما هي عناصر الاختبار الّذي يعتبر الخطوة الأولى؟ وكم هي المدّة؟ وهل يشمل ذلك علاقته بنفسه إضافة إلى علاقته بغيره؟

    إنّ هذا ما يتّضح الجواب عنه في ما يأتي ضمن عنوان (لا تؤاخِ هؤلاء). ولنأخذ نموذجًا واحدًا ينظر إلى جنبتين: الأولى ترتبط بالبعد العباديّ الفرديّ، والثانية بالبعد الحياتيّ الاجتماعيّ، وقد جمعهما حديث مولانا الإمام الصادق عليه السلام حينما يرشدنا إلى هذين الموردين الهامّين للاختبار للكشف عن مدى اهتمام هذا الإنسان بالصلة الإلهيّة كميدان خاصّ وبالصلة البشريّة كميدان عامّ قائلًا:

    "اختبِروا إخوانكَمُ بخصلتَينِ فإنْ كانَتا فيهِم وإلَّا فاعزُبْ ثمّ اعزبْ ثمّ اعزب: محافظةٌ على الصلواتِ في مواقيتِها، والبرُّ بالإخوانِ في العسرِ واليسرِ"18.

    21

    هوامش
    1- تنبيه الخواطر، ج2، ص179.
    2- الكافي، ج2، ص166.
    3- كنز العمال، ج9، ص4.
    4- النوادر للراوندي، ص8.
    5- بحار الأنوار، ج47 ص274.
    6- ثواب الأعمال، ج1، ص182.
    7- بحار الأنوار، ج47، ص279.
    8- نهج البلاغة، ج4، ص4.
    9- مصباح الشريعة، ص150.
    10- الكافي، ج2، ص133، ح4.
    11- بحار الأنوار، ج17، ص180.
    12- غرر الحكم، ح6915.
    13- كنز الفوائد، ص43.
    14- غرر الحكم، ح77740.
    15- م.ن. ح8978.
    16- ميزان الحكمة، ح 283.
    17- م.ن. ح 284.
    18- م.ن. ح 286.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
استجابة 1
12 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
يعمل...
X