السؤال: شبهات حول واقعة الطف
بسم الله الرحمن الرحيم
حدث شيء أريد أن أطلعكم عليه, وهو أن جمعية يعود دعمها إلى الحركة الوهابية وبعض الجمعيات المتعصبة في مصر يسمون جمعيتهم هنا في لبنان ب "جمعية الاستجابة" ومن انشطتها محاربة البدعة في مدينة صيدا والتي معظم سكانها من المذهب السني, وبعد أن انتشر مذهب أهل البيت في هذه المنطقة رأى هؤلاء محاربة المستبصرين ولذلك سخّروا الكثير من الامكانيات حتى يوقفوا هذا الانتشار ومن هنا بدأوا بطبع كتب مجانية وكتيبات وتوزيعها مجاناً على الناس حتى لا يتأثروا بالامتداد الشيعي, ولقد وقع بيدي كتاب كان يوزع في العاشر من المحرم, والآن هم يوزعون منه بمناسبة الأربعين لاستشهاد الامام الحسين عليه السلام وهذا الكتيب أسمه "البرهان الجلي في مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما" وبما أني إذا أرسلت هذا الكتيب في البريد سوف يأخذ وقتاً طويلاً, وللسرعة رأيت أن أرسله لكم طباعة هنا على البريد الالكتروني, وحتى ترسلوا لي الرد بالطريقة التي تروها, حتى ندافع عن هذا المذهب الأحق بعون الله.
وهذا الكتيب كتب فيه:
(( بويع يزيد للخلافة سنة ستين للهجرة, وكان له من العمر أربع وثلاثون سنة, ولم يبايع الحسين بن علي ولا عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم.
ذكر ابن كثير عن عبد الله بن مطيع وأصحابه أنهم مشوا إلى محمد ابن الحنفية ( محمد بن علي بن أبي طالب أخو الحسن والحسين ) فراودوه على خلع يزيد فأبى عليهم, قال: ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمرة ويترك الصلاة.
وبلغ الخبر أهل العراق أن الحسين لم يبايع ليزيد, فأرسلوا إليه الرسل والكتب أنا قد بايعناك ولا نريد إلا أنت, حتى بلغت أكثر من خمسمائة كتاب كلها جاءت من الكوفة.
فأرسل الحسين رضي الله عنه ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة ليتقصى الأمور ويعرف حقيقة الأمر.
فلما وصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة جاء الناس أرتالاً يبايعون مسلماً على بيعة الحسين رضي الله عنه, فتمت البيعة عند أهل الكوفة للحسين.
فما كان من يزيد إلا أن أرسل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ليمنع مسألة الحسين أن يأخذ الكوفة لكي لا تعود الأمور كما كانت قبل عام الجماعة فيرجع القتال بين أهل العراق وأهل الشام, ولم يأمر عبيد الله بن زياد بقتل الحسين.
وبعد أن استقرت الأحوال وبايع الناس لمسلم بن عقيل, أرسل إلى الحسين رضي الله عنه أن أقدم وأن الجو قد تهيأ.
فخرج الحسين رضي الله عنه من مكة في يوم التروية قاصداً الكوفة.
فلما علم عبيد الله بن زياد بذلك أمر بقتل مسلم بن عقيل, فما كان من الأخير إلا أن خرج مع أربعة آلاف من أهل الكوفة وحاصر قصر بن زياد، إلا أن اهل الكوفة ما زالوا يتخاذلون عن مسلم بن عقيل حتى بقي معه ثلاثون رجلاً من أربعة آلاف, فقتل رحمه الله يوم عرفة.
وكان الحسين رضي الله عنه قد خرج قاصداً العراق يوم التروية, وكان كثير من الصحابة نهوا الحسين عن الخروج، منهم أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباي وكذلك أخوه محمد بن الحنفية وابن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم.
قال الشعبي: " كان ابن عمر بمكة, فلما علم أنه توجه إلى العراق لحق به إلى العراق على مسيرة ثلاثة أميال فقال: أين تريد ؟ فقال: العراق, وأخرج له الكتب التي أرسلت له من العراق وأنهم معه. فقال له: هذه كتبهم وبيعتهم. فقال ابن عمر: لا تأتيهم, فأبى الحسين إلا أن يذهب، فقال ابن عمر: إني محدثك حديثاً: أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والأخرة فاختار الأخرة ولن يريد الدنيا وأنك بضعة منه, والله لا يليها أحد منكم أبدا ولا صرفها الله عنكم إلا الذي هو خير لكم, أبى أن يرجع, فاعتنقه ابن عمر فبكى وقال: استودعك الله من قتيل.
وكلمه أبو سعيد الخدري, قال: " يا أبا عبد الله إني ناصح لك وإني عليكم مشفق وقد بلغنا أن قوما من شيعتكم قد كاتبوكم من الكوفة فلا تخرج إليهم فإني سمعت أباك يقول: والله إني مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني....
ولما علم عبيد الله بن زياد بقرب وصول الحسين أمر الحر بن يزيد التميمي أن يخرج بألف رجل ليلقى الحسين في الطريق, فلقيه قريباً من القادسية, وأخبره بخبر مسلم بن عقيل وأن أهل الكوفة قد خدعوك وخذلوك, فهم الحسين رضي الله عنه أن يرجع, فتكلم أبناء مسلم بن عقيل قالوا: " لا والله لن نرجع حتى نأخذ بثأر أبينا. عند ذلك رفض الحسين رضي الله عنه الرجوع.
وأراد أن يتقدم فجاء الحر بن يزيد فسايره وقال: إلى أين تذهب يا أبن بنت رسول الله ؟ قال إلى العراق, قال: ارجع من حيث أتيت أو اذهب إلى الشام حيث يزيد بن معاوية ولكن لا ترجع إلى الكوفة. فأبى الحسين, ثم سار إلى العراق والحر بن يزيد يمنعه، فقال الحسين: ابتعد عني ثكلتك أمك, فقال الحر بن يزيد: والله لو غيرك قالها من العرب لاقتصصت منه ولكن ماذا أقول وأمك سيدة نساء العرب.
فعند ذلك امتنع الحسين عن الذهاب. ثم جاءت مؤخرة الجيش وكان مقدارها أربعة آلاف بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص وواجهوا الحسين في مكان يقال له كربلاء.
ولما رأى الحسين رضي الله عنه أن الأمر جد قال لعمر بن سعد إني أخيرك بين ثلاث فاختر منها ما تشاء, قال: ما هي ؟ قال الحسين: أن تدعني أرجع أو تتركني إلى ثغر من ثغور المسلمين أو تتركني أذهب إلى يزيد.
وأرسل عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد بالخبر, فرضي عبيد الله بأي واحدة يختارها الحسين, وكان عند عبيد الله بن زياد رجل يقال له شمر بن ذي الجوشن, قال: لا حتى ينزل على حكمك, فقال ابن زياد: نعم حتى ينزل على حكمي بأن يأتي إلى الكوفة وأنا أسيره إلى الشام أو إلى الثغور أو أرجعه إلى المدنية, وأرسل عبيد الله شمر بن ذي الجوشن إلى الحسين, إلا أن الحسين أبى أن ينزل على حكم ابن زياد.
فتوافق الفريقين وكان مع الحسين اثنان وسبعون فارسا قال الحسين لجيش بن زياد: راجعوا انفسكم وحاسبوها هل ينفعكم مثل هذا القتال وانا ابن بنت نبيكم وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي ولأخي: سيدا شباب أهل الجنة.
فانضم الحر بن يزيد إلى الحسين, فقيل له: كيف جئت معنا أمير المقدمة والآن تذهب إلى الحسين ؟ قال: ويحكم والله إني أخير نفسي بين الجنة والنار والله لأختار الجنة على النار لو قطعت وأحرقت.
وبات الحسين تلك الليلة يصلي ويدعو الله ويستغفر هو ومن معه, وكان جيش بن زياد بقيادة الشمر بن ذي الجوشن يحاصره ومن معه فلما أصبح الصبح شب القتال بين الفريقين, وذلك لأن الحسين رفض أن يستأثر عبيد الله بن زياد.
ولما رأى الحسين بأنه لا طاقة لهم بمقاتلة هذا الجيش, أصبح همهم الوحيد الموت بين يدي الحسين رضي الله عنه, فأصبحوا يموتون الواحد تلو الآخر, حتى فنوا جميعاً, لم يبق منهم أحد إلا الحسين بن علي رضي الله عنهما, وبقي بعد ذلك نهاراً طويلاً لا يقدم عليه أحد حتى يرجع, لأنه لا يريد أن يبتلي بالحسين, فعند ذلك صاح الشمر بن ذي الجوشن: ويحكم ما حل بكم أقدموا نحو الحسين فقتلوه, كان ذلك في العاشر من محرم سنة 61 هجرية, والذي باشر بقتله أنس بن سنان النخعي, وقيل أنه الشمر بن ذي الجوشن.
قتل مع الحسين كثير من أهل بيته وممن قتل من أولاد علي بن أبي طالب: الحسين وجعفر بن علي والعباس وأبو بكر وعثمان ومحمد ثمانية عشر رجلاً كلهم من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما بلغ يزيد قتل الحسين ظهر التوجع عليه وظهر البكاء في داره, ولم يسب لهم حريماً أصلاً, بل أكرم أهل البيت وأجازهم حتى ردهم إلى ديارهم.
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية: " لم يكن في خروج الحسين لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا، أي أن خروجه ما كان سليماً, لذلك نهاه كبار الصحابة عن ذلك, يقول: بل يمكن أولئك الطغاة من سبط النبي صلى الله عليه وسلم وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن ليحصل لو بقي في بلده, ولكنه أمر من الله تعالى وقدر الله كان ولو لم يشأ الناس.
وطبعاً مقتل الحسين ليس هو بأعظم من قتل الأنبياء, وقد قدم رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام لبغي ونشر زكريا وأرادوا قتل موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام وكذلك قتل عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين, وهؤلاء كلهم أفضل من الحسين, ولذلك لا يجوز إذا جاء ذكرى الحسين اللطم والشطم وما شابه ذلك, بل هذا منهي عنه, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب" والواجب على الانسان المسلم أمثال هذه المصائب أن يقول كما قال تعالى: (( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون )).
اللهم ارحم شهداء آل البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر شهداء وموتى المسلمين واحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن واجمعنا على كتابك المنزل وعلى سنة نبيك المرسل صلى الله عليه و وآله وصحبه وسلم... )).
انتهى نص الكتيب.
هذا النص أضعه بين يديكم الكريمة, وبأذن الله ترون كيف تردون عليهم.
الجواب:
إن شبيه هذا الكتاب الذي أرسلتموه تم توزيعه في الكويت وغيرها من الدول التي يحيي فيها الشيعة مراسم عاشوراء, وقد تصدى (الشيخ عبد الله حسين) للرد عليه رداً علمياً, ولأهميته نورده اليكم بنصّه, إذ فيه فوائد كثيرة ونكات ظريفة, قال:
إن نعم الله تعالى على أمة الإسلام أكثر من نعمه على جميع الأمم.. فقد حظيت هذه الامة بمقومات تجعلها أفضل أمة, فدينها مرضي عند الله, وقرآنها لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, ورسولها أكرم خلق الله عنده تبارك وتعالى, ولكن..
وعلى رغم تلك النعم الإلهية المباركة فإن تاريخ هذا الدين العظيم يصدم قارئة بما يحويه بين دفتيه مما تعرض له المسلمون من ظلم وقتل وسبي وتشريد.
بل الأدهى من ذلك أن رسول الله (ص) نفسه لم يسلم من الأذى والتكذيب عليه, وأما آله فقد سامهم بعض من ادعى الاسلام ألوان العذاب والإضطهاد, حى كأن الله قد أوصى الأمة بقتلهم لا بمودتهم واتباعهم.
ويتضح ذلك بجلاء في مصاب رسول الله (ص), بقتل سبطه سيد الشهداء الإمام الحسين (ع), فقد ارتكبت حكومة بني أمية أسوأ جريمة في حقه عليه السلام وحق أهل بيته وكوبة أصحابه الذين قل نظيرهم على هذه الأرض, وسجل لنا التاريخ ذلك ونقله إلينا المؤرخون والمحدثون بما يندى له الجبين!
لقد اهتزت الأمة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها لقتل الإمام الحسين عليه السلام, في عصره وفي كل العصور.. على اختلاف مذاهبها ومشاربها... لكن للأسف أن هناك شرذمة لا يتعاطفون من أهل البيت (ع), بل كانوا يرصدون - كما ينقل ابن كثير وابن عساكر - لشيعة أهل البيت (ع) ومحبيهم ويسفكون دماءهم ويحبسوهم ليمنعوهم حتى من إظهار الحزن, كما حدث في بغداد في أحداث دامية في أيام تسلطهم.
وقد حالت بعد ذلك رحمة الله زمنا بين تلك الشرذمة وما يفعلون من إثارة الفتن, وبدأنا نلمس من المنصفين من اخواننا من أهل السنة التعاون الجميل والتعاطف النبيل مع إخوانهم الشيعة في أيام العزاء, بل إن بعضهم ليشارك ويحترم تلك الأيام كما شيعة أهل البيت (ع), ولكن بوادر الشيطان قد ظهرت, فعادت الشرذمة للظهور, وجاءوا بقلوب قاسية وعقول خاوية يريدون النيل من هذا التعاون وهذه الألفة بين المسلمين, ليفرقوا صدورا مؤتلفة على محبة أهل البيت (ع), وهذا دين النواصب أني كانوا, فلا غرابة ولكن الواجب يقتضي توعية الجميع تجاه سمومهم التي ينشرونها باسم الدين, لذا كانت هذه السطور.
الهدف من هذه الرسالة
قد أثبتت الأيام بأن كثيرا من أهل السنة يتعاطفون مع مصاب أهل البيت (ع) كما الشيعة, بل ويتوسلون بهم, فهؤلاء يحيطون بمراقد أهل البيت (ع) في المدينة المنورة والعراق ومصر وخراسان, متوسلين باكين متباركين مما أوغر صدورا خصبة يرتع فيها الشيطان, فجاء أولئك الجهلة وقد اختلط عليهم الامر ليهدموا تلك العلاقة بين المسلمين وأهل البيت المطهرين (ع).
إننا نعتقد جازمين بأن المنصفين من أهل السنة لا يقيمون وزنا لأمثال اولئك المتعصبين الذين يتقنون رسم النصوص دون أن يعوها, وحمل الأسفار دون أن يفهموها.
حيث يلاحظ الجميع تلك المنشورات الخبيثة التي توزع في أيام عزاء سيد الشهداء وإحياء ذكرى مصابه, منددة بمثل هذه الشعائر الإسلامية مفرقة بيننا كمسليمن. يستغل أصحابها اختلافنا في الإجتهادات, غافلين عن اجتماعنا على محبة أهل البيت (ع) الذين نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم.
من الذي يفرق بين المسلمين؟
إننا لنعجب ممن ينشر تلك المنشورات, فبينما يجعل كاتبهم عنوان منشوره البغيض بعبارة ( لماذا يزرع الشقاق بين المسلمين سنويا) إلا أنه يغفل عن أنه هو زارع الفرقة بما عحويه مشوراته من مغالطات وأكاذيب, فيا عجبا لهذا الكاتب الجاهل الذي يعتبر إقامة مظاهر الحزن على الحسين (ع) زرعا للشقاق بين المسلمين, ويغفل عن أنه غارق في إيذاء المسلمين ينشر أكاذيبه في كل سنة.
وللمتابع أن يلاحظ أن الشيعة منذ زمن طويل يقيمون الشعائر والمراسم الحسينية في الحسينيات العامرة بجوار إخوانهم السنة وفي قلب مناطقهم بكل رحابة صدر, فأي شقاق تحقق لولا بروز تلك الدعوات الشاذة ؟ نعم إن بذر الشقاق تزامن مع ظهور بعض العقليات السلفية المتحجرة في مجتمع عرف بالتسامح والمودة ؟
ولو أن هذا الكاتب الجاهل يعلم ما يدور في هذه الحسينيات من تربية وتعليم ونصح وتذكير, ومفاهيم أخلاقية تبني الإنسان المؤمن ليؤمن شر لسانه ويده وقلبه ببركة هذه الحسينيات, ولساهم بنفسه في إعمار هذه الشعائر كغيره من أهل السنة والشيعة المحبين لأهل البيت (ع), ولكن كيف ذلك ؟ وهل يرجى القبول بالحق ممن سيطر عليه قرينه؟
المنشور الأسود
تناولت الشرذمة المتسلفة في منشورها قصة مقتل الحسين (ع), وأظهروا قراطيسهم بمظهر البحث العلمي في عرض ذلك الحدث الأليم, ولكن من خلال الأسطر التالية التي نكتبها سيتبين لك أيها القارئ مدى الجهل الذي يعيشونه في معرفة التاريخ الإسلامي وانقيادهم لبعض مشايخهم المتعصبين دون دراسة أو تمحيص لمصادر التاريخ ومجرياته, وسيتبين لك من خلال هذه المناقشة أنهم انتقائيون في قراءتهم للتاريخ قائدهم الهوى, فلا أصول علمية عندهم ولاهم يحزنون!
وهنا نتعرض لنقاط وردت في إحدى تلك المنشورات مع بعض الردود الكافية لفضح تعصبهم, والله المستعان.
1- لماذا لم يتخذ يوم وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) مأتما ؟
في البدء ذكر الكاتب قول ابن كثير: "ورسول الله سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة, وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله ولم يتخذ أحد يوم موتهم مأتما".
نقول: إن هذا الكاتب وأمثاله يتغافلون عن الحق, فالشيعة يحيون ذكرى وفاة الرسول (ص) وعلي (ع) وغيره من الأئمة.
وإن كان يقصد التميز الموجود في إحياء ذكرى سيد الشهداء (ع) فليعلم أن ذكرى شهادة الإمام الحسين (ع) هي ذكرى مأساة لا مثيل لها, فقتله جريمة عالمية نظهر موقفنا منها وبراءتنا ممن قتل سبط الرسول وحبيبه, ونعلن أننا نواليه وندين ما فعله أعداؤه.
إن زيارة خاطفة يقوم بها أي من المنصفين لهذه المجالس ودور العبادة والحسينيات المباركة, يجد أننا نبكي على رسول الله (ص) وأهل بيته جميعا ونتبرك بذلك, فليس البكاء مخصوصا للحسين (ع), هذا فضلا عن الأحاديث النبوية وعن أهل البيت عليهم السلام التي تبين خصوصية ظلامة الحسين عليه السلام وأهميتها عند الرسول وأهل بيته, فتحن نتأسى بهم.
2- ظهور الكرامات عند مقتل الحسين (عليه السلام)
قال الكاتب:" ولاذكر أحد أنه ظهر يوم موتهم وقبلهم شيء مما ادعاه هؤلاء يوم مقتل الحسين من الأمور المتقدمة"
نقول: أن هذا جهل من الكاتب, أو كذب مبين, فإن الأحاديث والنصوص في كتبهم ذكرت حدوث ظواهر كونية في ذلك اليوم, وقد كذب من قال أنه لم يتحقق في السابقين شيء من تلك الأمور, فهذا ابن كثير نفسه يقول في تفسيره ج3 ص28"
وقد روى ابن جرير... عن يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ظهر بختنصر على الشام فخرب بيت المقدس وقتلهم ثم أتى دمشق فوجد بها دما يغلي على كبا فسألم ما هذا الدم ؟ فقالوا: أدركنا آباءنا على هذا وكلما ظهر عليه الكبا ظهر قال فقتل على ذلك الدم سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم فسكن, وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب وهذا هو المشهور".
وقال في كتابه ( قصص الأنبياء ) ص416:"وقال أبو عبيدة القاسم بن سلام... عن سعيد بن المسيب قال: قدم بختنصر دمشق فإذا هو بدم يحيى بن زكريا يغلي فسأل عنه فأخبروه فقتل على دمه سبعين ألفا فسكن, وهذا إسناد صحيح إلى.. سعيد بن المسيب وهو يقتضي أنه قتل بدمشق وإن قصة بختنصر كانت بعد المسيح كما قاله عطاء والحسن البصري... فالله أعلم.
ثم روى قصة مقتل يحيى عن ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز عن قاسم مولى معاوية ثم قال:"
قال سعيد بن عبد العزيز: وهي دم كل نبي, ولم يزل يفور حتى وقف عنده أرميا (ع) فقال: أيها الدم أفنيت بني إسرائيل فاسكن بإذن الله فسكن..."
جريمة قتل الحسين (ع) وجريمة قتل نبي الله يحيى (ع)!
إن الروايات الصحيحة الواردة في مصادر السنة تقارن بين جريمة قتل يحيى عليه السلام وقتل الحسين (ع) فقد روى الحاكم في مستدركه ج3 ص178 (195) بستة طرق عن أبي نعيم: ثنا عبدالله بن حبيب بن أبي ثابت عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (رض) قال: " أوحى الله تعالى إلى محمد (ص) إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين الفا", إن هذه الحديث الشريف يعتبر قتل الحسين عليه السلام خطرا عظيما يعادل قتل نبي الله يحيى عليه السلام!!! فكيف يصح لمن يدعي العلم أن ينكر الظواهر الكونية يوم مقتل الحسين (ع) ويستنكر البكاء على الحسين ؟!!!
وفي حديث القاضي أبي بكر بن كامل:" إني قتلت على دم يحيى بن زكريا وإينا قاتل على دم ابن ابنتك". قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقد صححه الذهبي في التلخيص على شرط مسلم.
إن المنصف يرى أن قتل الحسين عليه السلام وبشهادة حده المصطفى صلى الله عليه وآله جريمة عظيمة من جرائم التاريخ البشري, أراد تعالى أن يخلدها كما هو الحال في جريمة قتل نبي الله يحيى (ع), إذ لا يقل الحسين (ع) عن خاصة أولياء الله كما هو واضح في الأحاديث النبوية الشريفة.
3- مقتل الامام الحسين عليه السلام
قال الكاتب مدعيا أنه ينقل قصة مقتل الإمام الحسين كما أثبتها الثقات من أهل العلم:" بلغ أهل العراق أن الحسين لم يبايع يزيد بن معاوية وذلك سنة 60هـ فأرسلوا إليه الرسل والكتب يدعونه فيها إلى البيعة وذلك أنهم لا يريدون يزيد ولا أباه ولا عثمان ولا عمر ولا أبا بكر إنهم لا يرون إلا عليا وأولاده".
نقول: أولا: لم يحدد الكاتب المصدر الذي اعتمده, وهذا أول التدليس!
فأين الثقاة الذين قال إنه ينقل عنهم ؟!!
ثانيا: حاول الكاتب أن يظهر أن قتلة الحسين هم الشيعة الذين يرفضون أبا بكر وعمر وأنهم لايريدون إلا عليا وأولاده.
والجواب: أنهم شيعة آل أبي سفيان كما خاطبهم الإمام الحسين عليه السلام, وهذه بعض النصوص التي تبين مذهب أهل الكوفة في ذلك الزمن, فقد نقل ابن بطة أحد علماء السنة في ( المنتقى ) ص360: "عن عبد الله بن زياد بن جدير قال: قدم أبو إسحاق السبيعي الكوفه قال لنا شمر بن عطية: قوموا إليه فجلسنا إليه فتحدثوا فقال أبو إسحاق: خرجت من الكوفة وليس أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما وقدمن الآن وهم يقولون ويقولون ولا والله ما أدري ما يقولون".
وقال محب الدين الخطيب في حاشية المنتقى:"هذا نص تاريخي عظيم في تحديد تطور التشيع فإن أبا إسحاق السبيعي كان شيخ الكوفه وعالمها ولد في خلافة أمير المؤمنين عثمان قبل شهادته بثلاث سنين وعمر حتى توفي سنة 127هـ وكان طفلا في خلافة أمير المؤمنين علي...".
إذا, فأبو إسحاق شيخ الكوفة وعالمها كان يبلغ من العمر ثمان وعشرين عاما في سنة استشهاد الإمام الحسين (ع), ومنه نفهم بأن الناس في الكوفة - في ذلك العام بالذات - كانوا على حسب قوله: " ليس منهم أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما", وبناءا على ذلك فالذين كاتبوا الإمام الحسين (ع) ثم خانوه وقتلوه لم يكونوا شيعة يقدمون علي بن أبي طالب (ع) على أبي بكر وعمر.
وقد ذكر التاريخ أن عبيد الله بن زياد قد سجن الشيعة المخلصين للإمام الحسين عليه السلام, حتى امتلأت سجونه منهم.. فهؤلاء هم الشيعة في ذلك الوقت!
ولذا قال الذهبي في (ميزان الإعتدال ) ج1 ص5: "التشيع بلا غلو ولا تحرف فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة... فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا رضي الله عنه وتعرض لسبهم".
هذا ما يرد كلامه من نصوص السنة, وأما من نصوص الشيعة:
فمنه ما ذكره الكليني في ( روضة الكافي ) ص50 في خطبة لأمير المؤمنين (ع) قال عنها العلامة المجلسي في مرآة العقول ج25 ص131: "إن الخبر عندي معتبر لوجوه ذكرها محمد بن سليمان في كتاب ( منتخب البصائر )": عن سليم بن قيس الهلالي قال: خطب أمير المؤمنين (ع)... فقال: " قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله (ص) متعمدين لخلافه, ناقضين لعهده مغيرين لسنته ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله (ص) لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله وسنة رسول الله (ص)... إذا لتفرقوا عني والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري من يقاتل معي: يا أهل الإسلام غيرت سنة عمر, ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ما لقيت من هذا الأمة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار".
وهذا يثبت للقارئ بأن أكثرية الذين راسلوا الحسين (ع) من أهل الكوفة لم يكونوا ممن يقدمونه على غيره كما يفغل الشيعة الموالون, كيف وأهل الكوفة لم يقدموا عليا (ع) على الخليفتين وهو أولى بالتقديم من الحسين (ع) ؟ وهذا يخالف ادعاء الكاتب, الذي ينسب كلامه للثقات من أهل العلم, ولم يذكر مصدرا واحدا يثبت مزاعمه الباطلة!!
4- الصحابة ومنعهم الامام الحسين (عليه السلام) عن الخروج:
قال الكاتب: "وحاول منعه كثير من الصحابة ونصحوه بعدم الخروج مثل ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي سعيد الخدري وابن عمرو وأخيه محمد بن الحنفية وغيرهم ".
وندعو القارئ هنا لتفحص حقيقة كلام الكاتب:
نقول: لو كانت هناك فطرة سليمة لقيل إنه يجب على الصحابة الذين ذكروا نصرة الإمام الحسين (ع) وطاعته, لا أنه يجب عليه أن يطيعهم كما يطلب الكاتب!!
فنحن نعرف أن النبي صلى الله عليه وآله أخبر المسلمين بأن أمته سوف تقتل ولده الحسين في كربلاء! وكان الحسين والصحابة يعلمون بذلك ؟
نعم, الحسين كان أدرى من غيره بما سيحدث له بإخبار مسبق من رسول الله صلى الله عليه وآله, وروايات الشيعة والسنة تؤكد ذلك, فهذه عمرة بنت عبد الرحمن كما ذكر ابن كثير في ج8 ص176 ترسل إليه تطلب منه عدم الخروج وتقول: "أشهد لسمعت عائشة تقول إنها سمعت رسول الله (ص) يقول: " يقتل الحسين بأرض بابل", فلما قرأ كتابها قال: فلا بد لي إذا من مصرعي ومضى ".
وذكر أيضا في ص180 قال (ع) للفرزدق " لو لم أعجل لأخذت".
وكذلك ما رواه في ص183 عن يزيد الرشك من قوله (ع):" ولا أراهم إلا قاتلي"!
وعن معاوية بن قرة أن الإمام الحسين قال: "والله لتعتدن علي كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت وعن جعفر الضبعي عنه (ع): " والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي:.
وذكر ابن كثير في ص 185 قول الإمام الحسين لمن طلب منه الرجوع: " إنه ليس بخفي علي ما قلت وما رأيت ولكن الله لا يغلب على أمره, ثم ارتحل قاصدا الكوفة فخروج الحسين عليه السلام كان بعلم منه بقتله, بل كان يعلم بتفاصيل مقتله الشريف أيضا.
وأما نصائح من ذكرهم الكاتب, فنقول:
- نصيحة ابن عباس للإمام الحسين (عليه السلام):
نقل ابن كثير ج8 ص172 عن ابن عباس قال: "استشارني الحسين بن علي في الخروج فقلت لولا أن يزري بي وبك الناس لشبثت يدي في رأسك فلم أتركك تذهب فكان الذي رد على أن قال لأن أقتل في مكان كذا وكذا أحب إلى من أن أقتل بمكة قال فكان هذا الذي سلى نفسي عنه".
إذا, فقد استسلم ابن عباس لرأي الحسين عليه السلام عندما علم أن بني أمية قد عزموا على قتله أينما كان, وأن خروجه إنما هو لئلا يستحل بيت الله الحرام, وتفهم ابن عباس موقف الحسين عليه السلام!
وبهذا يظهر لك زيف قول الكاتب إن ابن عباس نهاه ومنعه!!
روى الحاكم عن ابن عباس (رض) قال أوحى الله تعالى إلى محمد (ص):" إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا", هذا لفظ حديث الشافعي, وفي حديث القاضي أبي بكر بن كامل:" إني قتلت على جم يحيى بن زكريا وإني قاتل على دم بن ابنتك" وقد مر تصحيح الحاكم والذهبي للحديث, وهذا الحديث له دلالة عظيمة جدا بمكانة الإمام الحسين (ع) عند الله تعالى, لا ينالها إلا صاحب حق, وإلا فهل يدعي الكاتب أن المخطىء الذي كان في خروجه فساد عظيم.. يقارنه الله بيحيى النبي (ع), بل يغضب له غضبا يفوق غضبه وانتقامه له ؟ البصير يفهم.. وأما عمى القلب فمرض عضال.
يتبع
بسم الله الرحمن الرحيم
حدث شيء أريد أن أطلعكم عليه, وهو أن جمعية يعود دعمها إلى الحركة الوهابية وبعض الجمعيات المتعصبة في مصر يسمون جمعيتهم هنا في لبنان ب "جمعية الاستجابة" ومن انشطتها محاربة البدعة في مدينة صيدا والتي معظم سكانها من المذهب السني, وبعد أن انتشر مذهب أهل البيت في هذه المنطقة رأى هؤلاء محاربة المستبصرين ولذلك سخّروا الكثير من الامكانيات حتى يوقفوا هذا الانتشار ومن هنا بدأوا بطبع كتب مجانية وكتيبات وتوزيعها مجاناً على الناس حتى لا يتأثروا بالامتداد الشيعي, ولقد وقع بيدي كتاب كان يوزع في العاشر من المحرم, والآن هم يوزعون منه بمناسبة الأربعين لاستشهاد الامام الحسين عليه السلام وهذا الكتيب أسمه "البرهان الجلي في مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما" وبما أني إذا أرسلت هذا الكتيب في البريد سوف يأخذ وقتاً طويلاً, وللسرعة رأيت أن أرسله لكم طباعة هنا على البريد الالكتروني, وحتى ترسلوا لي الرد بالطريقة التي تروها, حتى ندافع عن هذا المذهب الأحق بعون الله.
وهذا الكتيب كتب فيه:
(( بويع يزيد للخلافة سنة ستين للهجرة, وكان له من العمر أربع وثلاثون سنة, ولم يبايع الحسين بن علي ولا عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم.
ذكر ابن كثير عن عبد الله بن مطيع وأصحابه أنهم مشوا إلى محمد ابن الحنفية ( محمد بن علي بن أبي طالب أخو الحسن والحسين ) فراودوه على خلع يزيد فأبى عليهم, قال: ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمرة ويترك الصلاة.
وبلغ الخبر أهل العراق أن الحسين لم يبايع ليزيد, فأرسلوا إليه الرسل والكتب أنا قد بايعناك ولا نريد إلا أنت, حتى بلغت أكثر من خمسمائة كتاب كلها جاءت من الكوفة.
فأرسل الحسين رضي الله عنه ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة ليتقصى الأمور ويعرف حقيقة الأمر.
فلما وصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة جاء الناس أرتالاً يبايعون مسلماً على بيعة الحسين رضي الله عنه, فتمت البيعة عند أهل الكوفة للحسين.
فما كان من يزيد إلا أن أرسل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ليمنع مسألة الحسين أن يأخذ الكوفة لكي لا تعود الأمور كما كانت قبل عام الجماعة فيرجع القتال بين أهل العراق وأهل الشام, ولم يأمر عبيد الله بن زياد بقتل الحسين.
وبعد أن استقرت الأحوال وبايع الناس لمسلم بن عقيل, أرسل إلى الحسين رضي الله عنه أن أقدم وأن الجو قد تهيأ.
فخرج الحسين رضي الله عنه من مكة في يوم التروية قاصداً الكوفة.
فلما علم عبيد الله بن زياد بذلك أمر بقتل مسلم بن عقيل, فما كان من الأخير إلا أن خرج مع أربعة آلاف من أهل الكوفة وحاصر قصر بن زياد، إلا أن اهل الكوفة ما زالوا يتخاذلون عن مسلم بن عقيل حتى بقي معه ثلاثون رجلاً من أربعة آلاف, فقتل رحمه الله يوم عرفة.
وكان الحسين رضي الله عنه قد خرج قاصداً العراق يوم التروية, وكان كثير من الصحابة نهوا الحسين عن الخروج، منهم أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباي وكذلك أخوه محمد بن الحنفية وابن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم.
قال الشعبي: " كان ابن عمر بمكة, فلما علم أنه توجه إلى العراق لحق به إلى العراق على مسيرة ثلاثة أميال فقال: أين تريد ؟ فقال: العراق, وأخرج له الكتب التي أرسلت له من العراق وأنهم معه. فقال له: هذه كتبهم وبيعتهم. فقال ابن عمر: لا تأتيهم, فأبى الحسين إلا أن يذهب، فقال ابن عمر: إني محدثك حديثاً: أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والأخرة فاختار الأخرة ولن يريد الدنيا وأنك بضعة منه, والله لا يليها أحد منكم أبدا ولا صرفها الله عنكم إلا الذي هو خير لكم, أبى أن يرجع, فاعتنقه ابن عمر فبكى وقال: استودعك الله من قتيل.
وكلمه أبو سعيد الخدري, قال: " يا أبا عبد الله إني ناصح لك وإني عليكم مشفق وقد بلغنا أن قوما من شيعتكم قد كاتبوكم من الكوفة فلا تخرج إليهم فإني سمعت أباك يقول: والله إني مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني....
ولما علم عبيد الله بن زياد بقرب وصول الحسين أمر الحر بن يزيد التميمي أن يخرج بألف رجل ليلقى الحسين في الطريق, فلقيه قريباً من القادسية, وأخبره بخبر مسلم بن عقيل وأن أهل الكوفة قد خدعوك وخذلوك, فهم الحسين رضي الله عنه أن يرجع, فتكلم أبناء مسلم بن عقيل قالوا: " لا والله لن نرجع حتى نأخذ بثأر أبينا. عند ذلك رفض الحسين رضي الله عنه الرجوع.
وأراد أن يتقدم فجاء الحر بن يزيد فسايره وقال: إلى أين تذهب يا أبن بنت رسول الله ؟ قال إلى العراق, قال: ارجع من حيث أتيت أو اذهب إلى الشام حيث يزيد بن معاوية ولكن لا ترجع إلى الكوفة. فأبى الحسين, ثم سار إلى العراق والحر بن يزيد يمنعه، فقال الحسين: ابتعد عني ثكلتك أمك, فقال الحر بن يزيد: والله لو غيرك قالها من العرب لاقتصصت منه ولكن ماذا أقول وأمك سيدة نساء العرب.
فعند ذلك امتنع الحسين عن الذهاب. ثم جاءت مؤخرة الجيش وكان مقدارها أربعة آلاف بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص وواجهوا الحسين في مكان يقال له كربلاء.
ولما رأى الحسين رضي الله عنه أن الأمر جد قال لعمر بن سعد إني أخيرك بين ثلاث فاختر منها ما تشاء, قال: ما هي ؟ قال الحسين: أن تدعني أرجع أو تتركني إلى ثغر من ثغور المسلمين أو تتركني أذهب إلى يزيد.
وأرسل عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد بالخبر, فرضي عبيد الله بأي واحدة يختارها الحسين, وكان عند عبيد الله بن زياد رجل يقال له شمر بن ذي الجوشن, قال: لا حتى ينزل على حكمك, فقال ابن زياد: نعم حتى ينزل على حكمي بأن يأتي إلى الكوفة وأنا أسيره إلى الشام أو إلى الثغور أو أرجعه إلى المدنية, وأرسل عبيد الله شمر بن ذي الجوشن إلى الحسين, إلا أن الحسين أبى أن ينزل على حكم ابن زياد.
فتوافق الفريقين وكان مع الحسين اثنان وسبعون فارسا قال الحسين لجيش بن زياد: راجعوا انفسكم وحاسبوها هل ينفعكم مثل هذا القتال وانا ابن بنت نبيكم وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي ولأخي: سيدا شباب أهل الجنة.
فانضم الحر بن يزيد إلى الحسين, فقيل له: كيف جئت معنا أمير المقدمة والآن تذهب إلى الحسين ؟ قال: ويحكم والله إني أخير نفسي بين الجنة والنار والله لأختار الجنة على النار لو قطعت وأحرقت.
وبات الحسين تلك الليلة يصلي ويدعو الله ويستغفر هو ومن معه, وكان جيش بن زياد بقيادة الشمر بن ذي الجوشن يحاصره ومن معه فلما أصبح الصبح شب القتال بين الفريقين, وذلك لأن الحسين رفض أن يستأثر عبيد الله بن زياد.
ولما رأى الحسين بأنه لا طاقة لهم بمقاتلة هذا الجيش, أصبح همهم الوحيد الموت بين يدي الحسين رضي الله عنه, فأصبحوا يموتون الواحد تلو الآخر, حتى فنوا جميعاً, لم يبق منهم أحد إلا الحسين بن علي رضي الله عنهما, وبقي بعد ذلك نهاراً طويلاً لا يقدم عليه أحد حتى يرجع, لأنه لا يريد أن يبتلي بالحسين, فعند ذلك صاح الشمر بن ذي الجوشن: ويحكم ما حل بكم أقدموا نحو الحسين فقتلوه, كان ذلك في العاشر من محرم سنة 61 هجرية, والذي باشر بقتله أنس بن سنان النخعي, وقيل أنه الشمر بن ذي الجوشن.
قتل مع الحسين كثير من أهل بيته وممن قتل من أولاد علي بن أبي طالب: الحسين وجعفر بن علي والعباس وأبو بكر وعثمان ومحمد ثمانية عشر رجلاً كلهم من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما بلغ يزيد قتل الحسين ظهر التوجع عليه وظهر البكاء في داره, ولم يسب لهم حريماً أصلاً, بل أكرم أهل البيت وأجازهم حتى ردهم إلى ديارهم.
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية: " لم يكن في خروج الحسين لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا، أي أن خروجه ما كان سليماً, لذلك نهاه كبار الصحابة عن ذلك, يقول: بل يمكن أولئك الطغاة من سبط النبي صلى الله عليه وسلم وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن ليحصل لو بقي في بلده, ولكنه أمر من الله تعالى وقدر الله كان ولو لم يشأ الناس.
وطبعاً مقتل الحسين ليس هو بأعظم من قتل الأنبياء, وقد قدم رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام لبغي ونشر زكريا وأرادوا قتل موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام وكذلك قتل عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين, وهؤلاء كلهم أفضل من الحسين, ولذلك لا يجوز إذا جاء ذكرى الحسين اللطم والشطم وما شابه ذلك, بل هذا منهي عنه, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب" والواجب على الانسان المسلم أمثال هذه المصائب أن يقول كما قال تعالى: (( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون )).
اللهم ارحم شهداء آل البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر شهداء وموتى المسلمين واحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن واجمعنا على كتابك المنزل وعلى سنة نبيك المرسل صلى الله عليه و وآله وصحبه وسلم... )).
انتهى نص الكتيب.
هذا النص أضعه بين يديكم الكريمة, وبأذن الله ترون كيف تردون عليهم.
الجواب:
إن شبيه هذا الكتاب الذي أرسلتموه تم توزيعه في الكويت وغيرها من الدول التي يحيي فيها الشيعة مراسم عاشوراء, وقد تصدى (الشيخ عبد الله حسين) للرد عليه رداً علمياً, ولأهميته نورده اليكم بنصّه, إذ فيه فوائد كثيرة ونكات ظريفة, قال:
إن نعم الله تعالى على أمة الإسلام أكثر من نعمه على جميع الأمم.. فقد حظيت هذه الامة بمقومات تجعلها أفضل أمة, فدينها مرضي عند الله, وقرآنها لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, ورسولها أكرم خلق الله عنده تبارك وتعالى, ولكن..
وعلى رغم تلك النعم الإلهية المباركة فإن تاريخ هذا الدين العظيم يصدم قارئة بما يحويه بين دفتيه مما تعرض له المسلمون من ظلم وقتل وسبي وتشريد.
بل الأدهى من ذلك أن رسول الله (ص) نفسه لم يسلم من الأذى والتكذيب عليه, وأما آله فقد سامهم بعض من ادعى الاسلام ألوان العذاب والإضطهاد, حى كأن الله قد أوصى الأمة بقتلهم لا بمودتهم واتباعهم.
ويتضح ذلك بجلاء في مصاب رسول الله (ص), بقتل سبطه سيد الشهداء الإمام الحسين (ع), فقد ارتكبت حكومة بني أمية أسوأ جريمة في حقه عليه السلام وحق أهل بيته وكوبة أصحابه الذين قل نظيرهم على هذه الأرض, وسجل لنا التاريخ ذلك ونقله إلينا المؤرخون والمحدثون بما يندى له الجبين!
لقد اهتزت الأمة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها لقتل الإمام الحسين عليه السلام, في عصره وفي كل العصور.. على اختلاف مذاهبها ومشاربها... لكن للأسف أن هناك شرذمة لا يتعاطفون من أهل البيت (ع), بل كانوا يرصدون - كما ينقل ابن كثير وابن عساكر - لشيعة أهل البيت (ع) ومحبيهم ويسفكون دماءهم ويحبسوهم ليمنعوهم حتى من إظهار الحزن, كما حدث في بغداد في أحداث دامية في أيام تسلطهم.
وقد حالت بعد ذلك رحمة الله زمنا بين تلك الشرذمة وما يفعلون من إثارة الفتن, وبدأنا نلمس من المنصفين من اخواننا من أهل السنة التعاون الجميل والتعاطف النبيل مع إخوانهم الشيعة في أيام العزاء, بل إن بعضهم ليشارك ويحترم تلك الأيام كما شيعة أهل البيت (ع), ولكن بوادر الشيطان قد ظهرت, فعادت الشرذمة للظهور, وجاءوا بقلوب قاسية وعقول خاوية يريدون النيل من هذا التعاون وهذه الألفة بين المسلمين, ليفرقوا صدورا مؤتلفة على محبة أهل البيت (ع), وهذا دين النواصب أني كانوا, فلا غرابة ولكن الواجب يقتضي توعية الجميع تجاه سمومهم التي ينشرونها باسم الدين, لذا كانت هذه السطور.
الهدف من هذه الرسالة
قد أثبتت الأيام بأن كثيرا من أهل السنة يتعاطفون مع مصاب أهل البيت (ع) كما الشيعة, بل ويتوسلون بهم, فهؤلاء يحيطون بمراقد أهل البيت (ع) في المدينة المنورة والعراق ومصر وخراسان, متوسلين باكين متباركين مما أوغر صدورا خصبة يرتع فيها الشيطان, فجاء أولئك الجهلة وقد اختلط عليهم الامر ليهدموا تلك العلاقة بين المسلمين وأهل البيت المطهرين (ع).
إننا نعتقد جازمين بأن المنصفين من أهل السنة لا يقيمون وزنا لأمثال اولئك المتعصبين الذين يتقنون رسم النصوص دون أن يعوها, وحمل الأسفار دون أن يفهموها.
حيث يلاحظ الجميع تلك المنشورات الخبيثة التي توزع في أيام عزاء سيد الشهداء وإحياء ذكرى مصابه, منددة بمثل هذه الشعائر الإسلامية مفرقة بيننا كمسليمن. يستغل أصحابها اختلافنا في الإجتهادات, غافلين عن اجتماعنا على محبة أهل البيت (ع) الذين نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم.
من الذي يفرق بين المسلمين؟
إننا لنعجب ممن ينشر تلك المنشورات, فبينما يجعل كاتبهم عنوان منشوره البغيض بعبارة ( لماذا يزرع الشقاق بين المسلمين سنويا) إلا أنه يغفل عن أنه هو زارع الفرقة بما عحويه مشوراته من مغالطات وأكاذيب, فيا عجبا لهذا الكاتب الجاهل الذي يعتبر إقامة مظاهر الحزن على الحسين (ع) زرعا للشقاق بين المسلمين, ويغفل عن أنه غارق في إيذاء المسلمين ينشر أكاذيبه في كل سنة.
وللمتابع أن يلاحظ أن الشيعة منذ زمن طويل يقيمون الشعائر والمراسم الحسينية في الحسينيات العامرة بجوار إخوانهم السنة وفي قلب مناطقهم بكل رحابة صدر, فأي شقاق تحقق لولا بروز تلك الدعوات الشاذة ؟ نعم إن بذر الشقاق تزامن مع ظهور بعض العقليات السلفية المتحجرة في مجتمع عرف بالتسامح والمودة ؟
ولو أن هذا الكاتب الجاهل يعلم ما يدور في هذه الحسينيات من تربية وتعليم ونصح وتذكير, ومفاهيم أخلاقية تبني الإنسان المؤمن ليؤمن شر لسانه ويده وقلبه ببركة هذه الحسينيات, ولساهم بنفسه في إعمار هذه الشعائر كغيره من أهل السنة والشيعة المحبين لأهل البيت (ع), ولكن كيف ذلك ؟ وهل يرجى القبول بالحق ممن سيطر عليه قرينه؟
المنشور الأسود
تناولت الشرذمة المتسلفة في منشورها قصة مقتل الحسين (ع), وأظهروا قراطيسهم بمظهر البحث العلمي في عرض ذلك الحدث الأليم, ولكن من خلال الأسطر التالية التي نكتبها سيتبين لك أيها القارئ مدى الجهل الذي يعيشونه في معرفة التاريخ الإسلامي وانقيادهم لبعض مشايخهم المتعصبين دون دراسة أو تمحيص لمصادر التاريخ ومجرياته, وسيتبين لك من خلال هذه المناقشة أنهم انتقائيون في قراءتهم للتاريخ قائدهم الهوى, فلا أصول علمية عندهم ولاهم يحزنون!
وهنا نتعرض لنقاط وردت في إحدى تلك المنشورات مع بعض الردود الكافية لفضح تعصبهم, والله المستعان.
1- لماذا لم يتخذ يوم وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) مأتما ؟
في البدء ذكر الكاتب قول ابن كثير: "ورسول الله سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة, وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله ولم يتخذ أحد يوم موتهم مأتما".
نقول: إن هذا الكاتب وأمثاله يتغافلون عن الحق, فالشيعة يحيون ذكرى وفاة الرسول (ص) وعلي (ع) وغيره من الأئمة.
وإن كان يقصد التميز الموجود في إحياء ذكرى سيد الشهداء (ع) فليعلم أن ذكرى شهادة الإمام الحسين (ع) هي ذكرى مأساة لا مثيل لها, فقتله جريمة عالمية نظهر موقفنا منها وبراءتنا ممن قتل سبط الرسول وحبيبه, ونعلن أننا نواليه وندين ما فعله أعداؤه.
إن زيارة خاطفة يقوم بها أي من المنصفين لهذه المجالس ودور العبادة والحسينيات المباركة, يجد أننا نبكي على رسول الله (ص) وأهل بيته جميعا ونتبرك بذلك, فليس البكاء مخصوصا للحسين (ع), هذا فضلا عن الأحاديث النبوية وعن أهل البيت عليهم السلام التي تبين خصوصية ظلامة الحسين عليه السلام وأهميتها عند الرسول وأهل بيته, فتحن نتأسى بهم.
2- ظهور الكرامات عند مقتل الحسين (عليه السلام)
قال الكاتب:" ولاذكر أحد أنه ظهر يوم موتهم وقبلهم شيء مما ادعاه هؤلاء يوم مقتل الحسين من الأمور المتقدمة"
نقول: أن هذا جهل من الكاتب, أو كذب مبين, فإن الأحاديث والنصوص في كتبهم ذكرت حدوث ظواهر كونية في ذلك اليوم, وقد كذب من قال أنه لم يتحقق في السابقين شيء من تلك الأمور, فهذا ابن كثير نفسه يقول في تفسيره ج3 ص28"
وقد روى ابن جرير... عن يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ظهر بختنصر على الشام فخرب بيت المقدس وقتلهم ثم أتى دمشق فوجد بها دما يغلي على كبا فسألم ما هذا الدم ؟ فقالوا: أدركنا آباءنا على هذا وكلما ظهر عليه الكبا ظهر قال فقتل على ذلك الدم سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم فسكن, وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب وهذا هو المشهور".
وقال في كتابه ( قصص الأنبياء ) ص416:"وقال أبو عبيدة القاسم بن سلام... عن سعيد بن المسيب قال: قدم بختنصر دمشق فإذا هو بدم يحيى بن زكريا يغلي فسأل عنه فأخبروه فقتل على دمه سبعين ألفا فسكن, وهذا إسناد صحيح إلى.. سعيد بن المسيب وهو يقتضي أنه قتل بدمشق وإن قصة بختنصر كانت بعد المسيح كما قاله عطاء والحسن البصري... فالله أعلم.
ثم روى قصة مقتل يحيى عن ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز عن قاسم مولى معاوية ثم قال:"
قال سعيد بن عبد العزيز: وهي دم كل نبي, ولم يزل يفور حتى وقف عنده أرميا (ع) فقال: أيها الدم أفنيت بني إسرائيل فاسكن بإذن الله فسكن..."
جريمة قتل الحسين (ع) وجريمة قتل نبي الله يحيى (ع)!
إن الروايات الصحيحة الواردة في مصادر السنة تقارن بين جريمة قتل يحيى عليه السلام وقتل الحسين (ع) فقد روى الحاكم في مستدركه ج3 ص178 (195) بستة طرق عن أبي نعيم: ثنا عبدالله بن حبيب بن أبي ثابت عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (رض) قال: " أوحى الله تعالى إلى محمد (ص) إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين الفا", إن هذه الحديث الشريف يعتبر قتل الحسين عليه السلام خطرا عظيما يعادل قتل نبي الله يحيى عليه السلام!!! فكيف يصح لمن يدعي العلم أن ينكر الظواهر الكونية يوم مقتل الحسين (ع) ويستنكر البكاء على الحسين ؟!!!
وفي حديث القاضي أبي بكر بن كامل:" إني قتلت على دم يحيى بن زكريا وإينا قاتل على دم ابن ابنتك". قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقد صححه الذهبي في التلخيص على شرط مسلم.
إن المنصف يرى أن قتل الحسين عليه السلام وبشهادة حده المصطفى صلى الله عليه وآله جريمة عظيمة من جرائم التاريخ البشري, أراد تعالى أن يخلدها كما هو الحال في جريمة قتل نبي الله يحيى (ع), إذ لا يقل الحسين (ع) عن خاصة أولياء الله كما هو واضح في الأحاديث النبوية الشريفة.
3- مقتل الامام الحسين عليه السلام
قال الكاتب مدعيا أنه ينقل قصة مقتل الإمام الحسين كما أثبتها الثقات من أهل العلم:" بلغ أهل العراق أن الحسين لم يبايع يزيد بن معاوية وذلك سنة 60هـ فأرسلوا إليه الرسل والكتب يدعونه فيها إلى البيعة وذلك أنهم لا يريدون يزيد ولا أباه ولا عثمان ولا عمر ولا أبا بكر إنهم لا يرون إلا عليا وأولاده".
نقول: أولا: لم يحدد الكاتب المصدر الذي اعتمده, وهذا أول التدليس!
فأين الثقاة الذين قال إنه ينقل عنهم ؟!!
ثانيا: حاول الكاتب أن يظهر أن قتلة الحسين هم الشيعة الذين يرفضون أبا بكر وعمر وأنهم لايريدون إلا عليا وأولاده.
والجواب: أنهم شيعة آل أبي سفيان كما خاطبهم الإمام الحسين عليه السلام, وهذه بعض النصوص التي تبين مذهب أهل الكوفة في ذلك الزمن, فقد نقل ابن بطة أحد علماء السنة في ( المنتقى ) ص360: "عن عبد الله بن زياد بن جدير قال: قدم أبو إسحاق السبيعي الكوفه قال لنا شمر بن عطية: قوموا إليه فجلسنا إليه فتحدثوا فقال أبو إسحاق: خرجت من الكوفة وليس أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما وقدمن الآن وهم يقولون ويقولون ولا والله ما أدري ما يقولون".
وقال محب الدين الخطيب في حاشية المنتقى:"هذا نص تاريخي عظيم في تحديد تطور التشيع فإن أبا إسحاق السبيعي كان شيخ الكوفه وعالمها ولد في خلافة أمير المؤمنين عثمان قبل شهادته بثلاث سنين وعمر حتى توفي سنة 127هـ وكان طفلا في خلافة أمير المؤمنين علي...".
إذا, فأبو إسحاق شيخ الكوفة وعالمها كان يبلغ من العمر ثمان وعشرين عاما في سنة استشهاد الإمام الحسين (ع), ومنه نفهم بأن الناس في الكوفة - في ذلك العام بالذات - كانوا على حسب قوله: " ليس منهم أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما", وبناءا على ذلك فالذين كاتبوا الإمام الحسين (ع) ثم خانوه وقتلوه لم يكونوا شيعة يقدمون علي بن أبي طالب (ع) على أبي بكر وعمر.
وقد ذكر التاريخ أن عبيد الله بن زياد قد سجن الشيعة المخلصين للإمام الحسين عليه السلام, حتى امتلأت سجونه منهم.. فهؤلاء هم الشيعة في ذلك الوقت!
ولذا قال الذهبي في (ميزان الإعتدال ) ج1 ص5: "التشيع بلا غلو ولا تحرف فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة... فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا رضي الله عنه وتعرض لسبهم".
هذا ما يرد كلامه من نصوص السنة, وأما من نصوص الشيعة:
فمنه ما ذكره الكليني في ( روضة الكافي ) ص50 في خطبة لأمير المؤمنين (ع) قال عنها العلامة المجلسي في مرآة العقول ج25 ص131: "إن الخبر عندي معتبر لوجوه ذكرها محمد بن سليمان في كتاب ( منتخب البصائر )": عن سليم بن قيس الهلالي قال: خطب أمير المؤمنين (ع)... فقال: " قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله (ص) متعمدين لخلافه, ناقضين لعهده مغيرين لسنته ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله (ص) لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله وسنة رسول الله (ص)... إذا لتفرقوا عني والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري من يقاتل معي: يا أهل الإسلام غيرت سنة عمر, ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ما لقيت من هذا الأمة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار".
وهذا يثبت للقارئ بأن أكثرية الذين راسلوا الحسين (ع) من أهل الكوفة لم يكونوا ممن يقدمونه على غيره كما يفغل الشيعة الموالون, كيف وأهل الكوفة لم يقدموا عليا (ع) على الخليفتين وهو أولى بالتقديم من الحسين (ع) ؟ وهذا يخالف ادعاء الكاتب, الذي ينسب كلامه للثقات من أهل العلم, ولم يذكر مصدرا واحدا يثبت مزاعمه الباطلة!!
4- الصحابة ومنعهم الامام الحسين (عليه السلام) عن الخروج:
قال الكاتب: "وحاول منعه كثير من الصحابة ونصحوه بعدم الخروج مثل ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي سعيد الخدري وابن عمرو وأخيه محمد بن الحنفية وغيرهم ".
وندعو القارئ هنا لتفحص حقيقة كلام الكاتب:
نقول: لو كانت هناك فطرة سليمة لقيل إنه يجب على الصحابة الذين ذكروا نصرة الإمام الحسين (ع) وطاعته, لا أنه يجب عليه أن يطيعهم كما يطلب الكاتب!!
فنحن نعرف أن النبي صلى الله عليه وآله أخبر المسلمين بأن أمته سوف تقتل ولده الحسين في كربلاء! وكان الحسين والصحابة يعلمون بذلك ؟
نعم, الحسين كان أدرى من غيره بما سيحدث له بإخبار مسبق من رسول الله صلى الله عليه وآله, وروايات الشيعة والسنة تؤكد ذلك, فهذه عمرة بنت عبد الرحمن كما ذكر ابن كثير في ج8 ص176 ترسل إليه تطلب منه عدم الخروج وتقول: "أشهد لسمعت عائشة تقول إنها سمعت رسول الله (ص) يقول: " يقتل الحسين بأرض بابل", فلما قرأ كتابها قال: فلا بد لي إذا من مصرعي ومضى ".
وذكر أيضا في ص180 قال (ع) للفرزدق " لو لم أعجل لأخذت".
وكذلك ما رواه في ص183 عن يزيد الرشك من قوله (ع):" ولا أراهم إلا قاتلي"!
وعن معاوية بن قرة أن الإمام الحسين قال: "والله لتعتدن علي كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت وعن جعفر الضبعي عنه (ع): " والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي:.
وذكر ابن كثير في ص 185 قول الإمام الحسين لمن طلب منه الرجوع: " إنه ليس بخفي علي ما قلت وما رأيت ولكن الله لا يغلب على أمره, ثم ارتحل قاصدا الكوفة فخروج الحسين عليه السلام كان بعلم منه بقتله, بل كان يعلم بتفاصيل مقتله الشريف أيضا.
وأما نصائح من ذكرهم الكاتب, فنقول:
- نصيحة ابن عباس للإمام الحسين (عليه السلام):
نقل ابن كثير ج8 ص172 عن ابن عباس قال: "استشارني الحسين بن علي في الخروج فقلت لولا أن يزري بي وبك الناس لشبثت يدي في رأسك فلم أتركك تذهب فكان الذي رد على أن قال لأن أقتل في مكان كذا وكذا أحب إلى من أن أقتل بمكة قال فكان هذا الذي سلى نفسي عنه".
إذا, فقد استسلم ابن عباس لرأي الحسين عليه السلام عندما علم أن بني أمية قد عزموا على قتله أينما كان, وأن خروجه إنما هو لئلا يستحل بيت الله الحرام, وتفهم ابن عباس موقف الحسين عليه السلام!
وبهذا يظهر لك زيف قول الكاتب إن ابن عباس نهاه ومنعه!!
روى الحاكم عن ابن عباس (رض) قال أوحى الله تعالى إلى محمد (ص):" إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا", هذا لفظ حديث الشافعي, وفي حديث القاضي أبي بكر بن كامل:" إني قتلت على جم يحيى بن زكريا وإني قاتل على دم بن ابنتك" وقد مر تصحيح الحاكم والذهبي للحديث, وهذا الحديث له دلالة عظيمة جدا بمكانة الإمام الحسين (ع) عند الله تعالى, لا ينالها إلا صاحب حق, وإلا فهل يدعي الكاتب أن المخطىء الذي كان في خروجه فساد عظيم.. يقارنه الله بيحيى النبي (ع), بل يغضب له غضبا يفوق غضبه وانتقامه له ؟ البصير يفهم.. وأما عمى القلب فمرض عضال.
يتبع
تعليق