أجمع معظم علماء النفس والتربية على أن الأسرة هي مصنع الأجيال وان لها الأهمية الكبيرة في تحديد مصير الطفل وخصوصاً الأم (في السنوات الأولى) والأثر الواضح في ذلك على شخصية الطفل وسلوكه الاجتماعي في مستقبل حياته.تعتبر فترة ما قبل الولادة من الفترات الهامة في حياة الطفل، فالطفل يولد صفحة بيضاء في جميع اتجاهاته غير المكتسبة وهي كثيرة، إذ إنه يكيف سلوكه في أشهره الأولى تبعاً لأمه وتعتبر الاستجابات الاجتماعية للناس هي من أهم ألوان السلوك التي يتعلمها الطفل في البداية كنتيجة للتفاعل بينه وبين أمه.
وقد بينت التجارب كيف ان استجابات الطفل الاجتماعية لأمه أو من يقوم مقامها يطرأ عليها التعميم بعد ذلك، فالطفل يكيف بكاءه ليصبح لغة التخاطب مع والدته.
لقد قام أحد الباحثين بتحليل بكاء (16) طفلاً في الأيام الأولى للولادة ليجد أن الأمهات موضع الاختبار صنّفن بكاء الرضع إلى أربعة أصناف:
1 ـ البكاء الذي يعبر عن حالة عاجلة أو طارئة.
2 ـ البكاء الذي يعبر عن اليأس والحزن.
3 ـ البكاء الذي يهدف إلى الحث من أجل الاستجابة له.
4 ـ البكاء الذي يعبر عن الألم والمرض.
إن من لطف الله وحكمته البالغة أن جعل هذا الخزين الهائل من العاطفة والحنان في قلب المرأة الذي يعتبره البعض ضعفاً في المرأة أو أنه يشكل خللاً في ممارسة الأدوار المهمة بايجابية كبيرة في الحياة.
إلا ان ما تؤكده الدراسات والتجارب عكس هذا، فإن لتلك العاطفة ولذلك الحنان وظيفة أخرى هي من الوظائف المهمة جداً في حياة الإنسان ومستقبله. إذ أن حرمان الطفل من عطف أمه له تأثير لا يقاوم على الصحة العقلية للطفل وتبلد احساساته، وقد يؤدي هذا الحرمان إلى تبني سلوك يوصف باللااجتماعية فيما بعد.
فالحاجة للأم بالنسبة للطفل ليس لتلبيتها حاجاته الجسمية فقط، بل أن الأمر أكبر من ذلك، فالطفل يولد كائناً اجتماعياً وهو بهذا الاعتبار يحتاج إلى الآخر منذ ولادته ليشبع هذه النزعة الفطرية وتأتي الأم لتشبع إحساسه بالأمن الاجتماعي.
تناغم الطفل مع أمه
يبدو وبكل وضوح عمق العلاقة بين الطفل (في سنواته الأولى) وأمه. وإن عمق هذه العلاقة له بالغ الأهمية في النمو الاجتماعي للطفل ونمو اتجاهاته الأساسية بما فيها العدوان والانسحاب والسيطرة على الذات، كما ان هذه العلاقة مع شكل العناية التي يتلقاها الطفل في السنة الأولى من عمره تحددان اتجاهاته السلوكية تجاه الناس الذي يحيطون به في مجمل حياته.
إن معظم الباحثين يبنون اقتراحاتهم في علم نفس الطفل وتربيته على أساس ذلك، إذ إن الطفل يعمم تجربته مع والديه من خلال تعلقه بهما مع كل الراشدين الآخرين.
وقد تبين من اختبار أجري على أطفال في السنة الثالثة من العمر مع دراسة لهم ولأمهاتهم في مراحل سابقة وزيارات منزلية، اثر الأمهات أو من يقوم بدورهن في زيادة التنافس الاجتماعي بين الأطفال حتى في نهاية السنة الأولى من العمر. وتبعاً لطبيعة الأم الخاصة الانفعالية ولاستجاباتها الفعالة في السلوك جاءت استجابات الأطفال للمنافسة مع الأقران أو لنضج معرفي أكبر عندما يتفاعلون مع راشدين أو أقران في غياب أمهاتهم.
وفي دراسات تمت على أطفـال أمهات عاملات يجبرن بسبب العمل على ترك هؤلاء الأطفال لفـترات تزيد على (35) ساعة في الأسبوع وخاصة في السنة الأولى من العمر، تبين أنهم يستجيبون بسلوك يتسم بالاضطراب أو انعدام الأمن تجاه آبائهم أكثر من غيرهم من الأطفال وقد تبين أيضاً ان الذكور منهم يتأثرون بذلك الحرمان المؤقت من عناية الأم أكثر من الإناث، كما أكدت على طبيعة التفاعل بين الأم والطفل ونوع هذا التفاعل وأثره الكبير في النمو المعرفي والاجتماعي للطفل.
كما ان لفعالية العلاقة بين الأم والطفل في السنة الأولى من العمر ومقدار التفاعل المتبادل بينهما، يؤديان إلى تسريع النمو المعرفي للطفل الرضيع، إذ ان الطفل الرضيع يؤثر في سلوك والدته تجاهه بأسلوبه المميز في إثارة
اهتمامها. إن المبادرات التي تقوم بها الأم ومن مجمل عملية التفاعل بين الطفل وأمه تؤمن للطفل تغيراً مستمراً في محيطه الاجتماعي وخبراته في اللعب والحركة، كما إن هذا التفاعل يؤدي فيما يؤدي اليه إذا سار على نحو إيجابي، إلى نمو مفهوم الذات عند الطفل في مرحلة مبكرة، وإن هذا النمو الذي ما يعنيه أن يبدأ بتميز ذاته عن الأشياء الجامدة أو الحية التي تحيط به.
وقد أكدت دراسة هامة على أثر سلوك التعلق بالأم من قبل الطفل بما يدفعه في حال تجاوب الأم إلى نمو أسرع في تمييز ذاته عن الأشياء الجامدة أو الحية التي تحيط به بما فيها الأم ذاتها في نهاية السنة الأولى من العمر، ذلك أن سلوك الأم نحو الإسراع في إشباع حاجات الطفل المختلفة البيولوجية والاجتماعية يؤدي بالفعل إلى بروز حالة من التكافؤ بين الأم والطفل، وهذا يعني نمواً أفضل وأكثر صحية وأسرع في ذات الوقت لنمو شخصيته وادراكه لهويته.
وقد ظلت أشكال الاتصالات بأنواعها بين الأم وطفلها موضع دراسات عديدة لمعرفة أثر ذلك على نمو الاتجاهات والسلوك الاجتماعي للطفل بشكل عام، وقد نحت هذه الدراسات إلى معرفة أثر دقة طرائق الاتصال اليومي بين الوالدين والطفل على نمو مهاراته الاجتماعية والمعرفية:
1 ـ الاستماع
2 ـ القراءة
3 ـ الذكاء
وقد أجريت تجربة مقارنة على أطفال اميركيين ويابانيين من طبقات اجتماعية مختلفة والأطفال في عمر أربع سنوات حتى ست سنوات وقد تم اختيار مدى فهم الطفل لما يقال له بأن يطبّق ما سمع باختيار أشياء معينة وعلى مدى فعالية التفاعل بين الأبوين والطفل تبعاً لذلك. وكانت النتائج في دقة الاتصالات وأثرها لصالح الطبقة الأعلى اجتماعياً في اليابان وأميركا معاً ولكنها في الولايات المتحدة أكبر منها في اليابان، وثبت في العموم إن دقة الاتصالات أكثر فائدة في السنوات المبكرة للمرحلة قبل المدرسية عنها في السنوات المتأخرة منها (6 سنوات).
تأثيرات الوالدين في توجه الطفل
في دراسة على أطفال الطبقة الفقيرة في الولايات المتحدة شملت اطفالاً من عمر 4 إلى 5 سنوات تناولت أثر اتجاهات الأبوين والمعاملة في المنزل على سلوك الطفل الاجتماعي في الروضة، واعتمدت هذه الدراسة على زيارات منزلية للأطفال وتسجيل ملاحظات حول نظام المنزل وقيم الأبوين وانماط الأطفال موضع البحث:
عدواني ـ غيري، يسعى للمنافسة.. الخ.
وكذلك مدى قسوة النظام المنزلي تجاه الطفل وما يمكن ان يلحقه به من أذى في سلوكه الاجتماعي وطريقة حله للمشكلات التي تواجهه وشكل المنافسة مع الأقران.
وقد وجد الباحثون ان تحليلاتهم لعوامل الكبت الذي عانى منه الأطفال نتيجة المعاملة الأبوية يؤثر بدرجة كبيرةعلى علاقاتهم بأقرانهم، أما قيم الآباء واتجاهاتهم وتوقعاتهم فإنها تقوم بدور العوامل الوسيطة عند الأطفال في تأثيرها على أساليب السلوك الاجتماعي لهم وطريقة حلهم للمشكلات، وبالتالي فإنهم يوصون بأخذ العلاقات الأسرية في المنزل بعين الاعتبار عند وضع البرامج الخاصة بالتطبع الاجتماعي للأطفال في الروضة وذلك لأثره البالغ عليهم. إن قيم الأبوين وشكل العلاقات بينهم وبين أطفالهم يؤدي فيما يؤدي اليه أيضاً إلى تأثير حاسم على شكل اختيارات الأطفال والطريقة التي يصنفون بها أو نموذج التصنيف الذي يتبعونه للأشياء التي تمر بهم في حياتهم قبولا أو رفضاً.
إن التصنيف الذي يعبر بالفعل عن اتجاهات الأطفال الإيجابية أو السلبية تجاه ما يحيط بهم يعبر عن مدى العلاقة بين اتجاهات الأبوين واتجاهات أطفالهم. يقول المجدد الثاني الإمام الشيرازي (قدس سره الشريف):
(( وكيف كان فالعائلة عش لا للجهات الجسدية للأولاد، بل للجهات النفسية أيضاً، فإنهم يتعلمون من الأبوين ويتربون بأخلاقهما وسلوكهما، ولذا كان اللازم عليهما تحسين السلوك حتى لا يخرج الأولاد منحرفين كما أن اللازم عليهما مداراة الأولاد حتى لا يصبحوا معقدين.))
البناء الأخلاقي للطفل
إن مسألة التأسي والاقتداء في العائلة هي من المسائل الجديرة بالاهتمام والملاحظة، لما لها من أهمية كبيرة في نشأة الطفل بشكل سليم وصالح، فالطفل يرى ومنذ الأيام الأولى لولادته، جميع حركاتنا وسلوكنا وأعمالنا، ويتعلمها تدريجياً ويتأثر بها، إضافة إلى كثير من العادات التي تحصل للصبي في الأيام الأولى من حياته، وذلك نتيجة التجربة والعمل وتبقى مع الإنسان حتى نهاية عمره.
إن الأبوين أو من يقوم مقامهما هم الأسوة الأولى للطفل، وعن طريقهم تنتقل إلى الأبناء، الشجاعة أو الخوف، الأمانة في العمل أو الخيانة، الصدق او الكذب، السيطرة على النفس أو الانهيار، والآباء بإمكانهم أن يكونوا أسوة حسنة أو سيئة لأولادهم: ويصبح الأفراد على هذا الأساس، سعداء، أو بؤساء.
إذ أن الصبي يعيش في هذه المرحلة مع أمه بشكل كامل ويتعلم منها، وحالة التأثر العميق التي لدى الطفل أزاء الوالدين وخاصة التأثر بالأم، تستلزم على الأم أن تهذب نفسها أكثر من غيرها وأن تجعل حتى ضحكها وبكاءها وحزنها وفرحها وكلامها وفعلها قائم على أساس عيار دقيق.
إن بناء الأخلاق الحميدة أو المذمومة يعود إلى فترة تسبق مرحلة نمو العقل والادراك والمشاعر والعواطف إذ يتولى الأبوين قيادة هذه المرحلة. وما يجب الالتفات اليه فيما يخص الأخلاق هو الأساس الفكري والأخلاقي الذي يشمل التعاليم الخاصة في مجال الأعراف والتقاليد والنمط الفكري والعقيدة والإيمان بأمر ما والتي تتبلور على شكل ملكة في الأفراد من خلال المشاهدات، السماع، القراءة، العمل، وأيضاً الأعمال والسلوك الناجمة عن رؤية وتعلم عمل الغير وعمل نفس الشخص بالإقتداء.
وينبغي أن تعمل الأسرة والمدرسة بشكل وقائي وعلاجي، فعوامل الفساد تتسرب إلى الطفل من خلال طرق عديدة، إذ انها كثيراً ما تمهد لعناصر السقوط والانحراف من كل جانب، فوظيفة المربي هي إبعاد الصبي عن هذه الأمور والظروف والعوامل، وعلاجها في حالة الإصابة بها.
فالطفل وهو في المراحل الأولى من حياته، يتقبل القواعد الأخلاقية، قبل ان تتوفر لديه إمكانية الإدراك والجرأة على التقييم والنقد، ومن هنا فعلى الأبوين والمربين أن يواجهوا الطفل بشكل صحيح ودقيق.
إن تربية الطفل حق له على الأبوين والمربين يجب أداءه، فهم أمانة الله بين أيديهم، وهناك بعض الصعوبات في أداء هذا التكليف، ولمواجهتها تحتاج إلى الدعاء والاستعانة بالله تعالى، وفي نفس الوقت بذل الجهود والمساعي المؤدية إلى ذلك.
يقول الإمام الشيرازي (قدس سره الشريف):
(( إن الطفل الذي لم يتوجه إليه توجهاً كافياً من ناحية الأبوين يكون في مستقبل عمره سيء العمل، ويفرط في الخشونة مع أولاده ومع غيرهم.))(1)
ونجد ما جاء في الإسلام من خلال الايات القرآنية أو في نصوص الروايات والأحاديث، من دعوات الوالدين إلى الاستعانة بالله في أمر تربية الأولاد، يقول الإمام السجاد (عليه السلام) في دعاءه: (وأعني على تربيتهم وتأديبهم) ويقول النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)
لأن يؤدب أحدكم ولده خير له من أن يتصدق بنصف صاع كل يوم)(2).
وعنه (صلى الله عليه وآله): (اكرموا أولادكم واحسنوا أدبهم يغفر لكم) (3).
وعن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام): (تجب للولد على الوالد ثلاث خصال: اختياره لوالدته، وتحسين اسمه، والمبالغة في تأديبه)(4)
ــــــــــــــــــــ
وقد بينت التجارب كيف ان استجابات الطفل الاجتماعية لأمه أو من يقوم مقامها يطرأ عليها التعميم بعد ذلك، فالطفل يكيف بكاءه ليصبح لغة التخاطب مع والدته.
لقد قام أحد الباحثين بتحليل بكاء (16) طفلاً في الأيام الأولى للولادة ليجد أن الأمهات موضع الاختبار صنّفن بكاء الرضع إلى أربعة أصناف:
1 ـ البكاء الذي يعبر عن حالة عاجلة أو طارئة.
2 ـ البكاء الذي يعبر عن اليأس والحزن.
3 ـ البكاء الذي يهدف إلى الحث من أجل الاستجابة له.
4 ـ البكاء الذي يعبر عن الألم والمرض.
إن من لطف الله وحكمته البالغة أن جعل هذا الخزين الهائل من العاطفة والحنان في قلب المرأة الذي يعتبره البعض ضعفاً في المرأة أو أنه يشكل خللاً في ممارسة الأدوار المهمة بايجابية كبيرة في الحياة.
إلا ان ما تؤكده الدراسات والتجارب عكس هذا، فإن لتلك العاطفة ولذلك الحنان وظيفة أخرى هي من الوظائف المهمة جداً في حياة الإنسان ومستقبله. إذ أن حرمان الطفل من عطف أمه له تأثير لا يقاوم على الصحة العقلية للطفل وتبلد احساساته، وقد يؤدي هذا الحرمان إلى تبني سلوك يوصف باللااجتماعية فيما بعد.
فالحاجة للأم بالنسبة للطفل ليس لتلبيتها حاجاته الجسمية فقط، بل أن الأمر أكبر من ذلك، فالطفل يولد كائناً اجتماعياً وهو بهذا الاعتبار يحتاج إلى الآخر منذ ولادته ليشبع هذه النزعة الفطرية وتأتي الأم لتشبع إحساسه بالأمن الاجتماعي.
تناغم الطفل مع أمه
يبدو وبكل وضوح عمق العلاقة بين الطفل (في سنواته الأولى) وأمه. وإن عمق هذه العلاقة له بالغ الأهمية في النمو الاجتماعي للطفل ونمو اتجاهاته الأساسية بما فيها العدوان والانسحاب والسيطرة على الذات، كما ان هذه العلاقة مع شكل العناية التي يتلقاها الطفل في السنة الأولى من عمره تحددان اتجاهاته السلوكية تجاه الناس الذي يحيطون به في مجمل حياته.
إن معظم الباحثين يبنون اقتراحاتهم في علم نفس الطفل وتربيته على أساس ذلك، إذ إن الطفل يعمم تجربته مع والديه من خلال تعلقه بهما مع كل الراشدين الآخرين.
وقد تبين من اختبار أجري على أطفال في السنة الثالثة من العمر مع دراسة لهم ولأمهاتهم في مراحل سابقة وزيارات منزلية، اثر الأمهات أو من يقوم بدورهن في زيادة التنافس الاجتماعي بين الأطفال حتى في نهاية السنة الأولى من العمر. وتبعاً لطبيعة الأم الخاصة الانفعالية ولاستجاباتها الفعالة في السلوك جاءت استجابات الأطفال للمنافسة مع الأقران أو لنضج معرفي أكبر عندما يتفاعلون مع راشدين أو أقران في غياب أمهاتهم.
وفي دراسات تمت على أطفـال أمهات عاملات يجبرن بسبب العمل على ترك هؤلاء الأطفال لفـترات تزيد على (35) ساعة في الأسبوع وخاصة في السنة الأولى من العمر، تبين أنهم يستجيبون بسلوك يتسم بالاضطراب أو انعدام الأمن تجاه آبائهم أكثر من غيرهم من الأطفال وقد تبين أيضاً ان الذكور منهم يتأثرون بذلك الحرمان المؤقت من عناية الأم أكثر من الإناث، كما أكدت على طبيعة التفاعل بين الأم والطفل ونوع هذا التفاعل وأثره الكبير في النمو المعرفي والاجتماعي للطفل.
كما ان لفعالية العلاقة بين الأم والطفل في السنة الأولى من العمر ومقدار التفاعل المتبادل بينهما، يؤديان إلى تسريع النمو المعرفي للطفل الرضيع، إذ ان الطفل الرضيع يؤثر في سلوك والدته تجاهه بأسلوبه المميز في إثارة
اهتمامها. إن المبادرات التي تقوم بها الأم ومن مجمل عملية التفاعل بين الطفل وأمه تؤمن للطفل تغيراً مستمراً في محيطه الاجتماعي وخبراته في اللعب والحركة، كما إن هذا التفاعل يؤدي فيما يؤدي اليه إذا سار على نحو إيجابي، إلى نمو مفهوم الذات عند الطفل في مرحلة مبكرة، وإن هذا النمو الذي ما يعنيه أن يبدأ بتميز ذاته عن الأشياء الجامدة أو الحية التي تحيط به.
وقد أكدت دراسة هامة على أثر سلوك التعلق بالأم من قبل الطفل بما يدفعه في حال تجاوب الأم إلى نمو أسرع في تمييز ذاته عن الأشياء الجامدة أو الحية التي تحيط به بما فيها الأم ذاتها في نهاية السنة الأولى من العمر، ذلك أن سلوك الأم نحو الإسراع في إشباع حاجات الطفل المختلفة البيولوجية والاجتماعية يؤدي بالفعل إلى بروز حالة من التكافؤ بين الأم والطفل، وهذا يعني نمواً أفضل وأكثر صحية وأسرع في ذات الوقت لنمو شخصيته وادراكه لهويته.
وقد ظلت أشكال الاتصالات بأنواعها بين الأم وطفلها موضع دراسات عديدة لمعرفة أثر ذلك على نمو الاتجاهات والسلوك الاجتماعي للطفل بشكل عام، وقد نحت هذه الدراسات إلى معرفة أثر دقة طرائق الاتصال اليومي بين الوالدين والطفل على نمو مهاراته الاجتماعية والمعرفية:
1 ـ الاستماع
2 ـ القراءة
3 ـ الذكاء
وقد أجريت تجربة مقارنة على أطفال اميركيين ويابانيين من طبقات اجتماعية مختلفة والأطفال في عمر أربع سنوات حتى ست سنوات وقد تم اختيار مدى فهم الطفل لما يقال له بأن يطبّق ما سمع باختيار أشياء معينة وعلى مدى فعالية التفاعل بين الأبوين والطفل تبعاً لذلك. وكانت النتائج في دقة الاتصالات وأثرها لصالح الطبقة الأعلى اجتماعياً في اليابان وأميركا معاً ولكنها في الولايات المتحدة أكبر منها في اليابان، وثبت في العموم إن دقة الاتصالات أكثر فائدة في السنوات المبكرة للمرحلة قبل المدرسية عنها في السنوات المتأخرة منها (6 سنوات).
تأثيرات الوالدين في توجه الطفل
في دراسة على أطفال الطبقة الفقيرة في الولايات المتحدة شملت اطفالاً من عمر 4 إلى 5 سنوات تناولت أثر اتجاهات الأبوين والمعاملة في المنزل على سلوك الطفل الاجتماعي في الروضة، واعتمدت هذه الدراسة على زيارات منزلية للأطفال وتسجيل ملاحظات حول نظام المنزل وقيم الأبوين وانماط الأطفال موضع البحث:
عدواني ـ غيري، يسعى للمنافسة.. الخ.
وكذلك مدى قسوة النظام المنزلي تجاه الطفل وما يمكن ان يلحقه به من أذى في سلوكه الاجتماعي وطريقة حله للمشكلات التي تواجهه وشكل المنافسة مع الأقران.
وقد وجد الباحثون ان تحليلاتهم لعوامل الكبت الذي عانى منه الأطفال نتيجة المعاملة الأبوية يؤثر بدرجة كبيرةعلى علاقاتهم بأقرانهم، أما قيم الآباء واتجاهاتهم وتوقعاتهم فإنها تقوم بدور العوامل الوسيطة عند الأطفال في تأثيرها على أساليب السلوك الاجتماعي لهم وطريقة حلهم للمشكلات، وبالتالي فإنهم يوصون بأخذ العلاقات الأسرية في المنزل بعين الاعتبار عند وضع البرامج الخاصة بالتطبع الاجتماعي للأطفال في الروضة وذلك لأثره البالغ عليهم. إن قيم الأبوين وشكل العلاقات بينهم وبين أطفالهم يؤدي فيما يؤدي اليه أيضاً إلى تأثير حاسم على شكل اختيارات الأطفال والطريقة التي يصنفون بها أو نموذج التصنيف الذي يتبعونه للأشياء التي تمر بهم في حياتهم قبولا أو رفضاً.
إن التصنيف الذي يعبر بالفعل عن اتجاهات الأطفال الإيجابية أو السلبية تجاه ما يحيط بهم يعبر عن مدى العلاقة بين اتجاهات الأبوين واتجاهات أطفالهم. يقول المجدد الثاني الإمام الشيرازي (قدس سره الشريف):
(( وكيف كان فالعائلة عش لا للجهات الجسدية للأولاد، بل للجهات النفسية أيضاً، فإنهم يتعلمون من الأبوين ويتربون بأخلاقهما وسلوكهما، ولذا كان اللازم عليهما تحسين السلوك حتى لا يخرج الأولاد منحرفين كما أن اللازم عليهما مداراة الأولاد حتى لا يصبحوا معقدين.))
البناء الأخلاقي للطفل
إن مسألة التأسي والاقتداء في العائلة هي من المسائل الجديرة بالاهتمام والملاحظة، لما لها من أهمية كبيرة في نشأة الطفل بشكل سليم وصالح، فالطفل يرى ومنذ الأيام الأولى لولادته، جميع حركاتنا وسلوكنا وأعمالنا، ويتعلمها تدريجياً ويتأثر بها، إضافة إلى كثير من العادات التي تحصل للصبي في الأيام الأولى من حياته، وذلك نتيجة التجربة والعمل وتبقى مع الإنسان حتى نهاية عمره.
إن الأبوين أو من يقوم مقامهما هم الأسوة الأولى للطفل، وعن طريقهم تنتقل إلى الأبناء، الشجاعة أو الخوف، الأمانة في العمل أو الخيانة، الصدق او الكذب، السيطرة على النفس أو الانهيار، والآباء بإمكانهم أن يكونوا أسوة حسنة أو سيئة لأولادهم: ويصبح الأفراد على هذا الأساس، سعداء، أو بؤساء.
إذ أن الصبي يعيش في هذه المرحلة مع أمه بشكل كامل ويتعلم منها، وحالة التأثر العميق التي لدى الطفل أزاء الوالدين وخاصة التأثر بالأم، تستلزم على الأم أن تهذب نفسها أكثر من غيرها وأن تجعل حتى ضحكها وبكاءها وحزنها وفرحها وكلامها وفعلها قائم على أساس عيار دقيق.
إن بناء الأخلاق الحميدة أو المذمومة يعود إلى فترة تسبق مرحلة نمو العقل والادراك والمشاعر والعواطف إذ يتولى الأبوين قيادة هذه المرحلة. وما يجب الالتفات اليه فيما يخص الأخلاق هو الأساس الفكري والأخلاقي الذي يشمل التعاليم الخاصة في مجال الأعراف والتقاليد والنمط الفكري والعقيدة والإيمان بأمر ما والتي تتبلور على شكل ملكة في الأفراد من خلال المشاهدات، السماع، القراءة، العمل، وأيضاً الأعمال والسلوك الناجمة عن رؤية وتعلم عمل الغير وعمل نفس الشخص بالإقتداء.
وينبغي أن تعمل الأسرة والمدرسة بشكل وقائي وعلاجي، فعوامل الفساد تتسرب إلى الطفل من خلال طرق عديدة، إذ انها كثيراً ما تمهد لعناصر السقوط والانحراف من كل جانب، فوظيفة المربي هي إبعاد الصبي عن هذه الأمور والظروف والعوامل، وعلاجها في حالة الإصابة بها.
فالطفل وهو في المراحل الأولى من حياته، يتقبل القواعد الأخلاقية، قبل ان تتوفر لديه إمكانية الإدراك والجرأة على التقييم والنقد، ومن هنا فعلى الأبوين والمربين أن يواجهوا الطفل بشكل صحيح ودقيق.
إن تربية الطفل حق له على الأبوين والمربين يجب أداءه، فهم أمانة الله بين أيديهم، وهناك بعض الصعوبات في أداء هذا التكليف، ولمواجهتها تحتاج إلى الدعاء والاستعانة بالله تعالى، وفي نفس الوقت بذل الجهود والمساعي المؤدية إلى ذلك.
يقول الإمام الشيرازي (قدس سره الشريف):
(( إن الطفل الذي لم يتوجه إليه توجهاً كافياً من ناحية الأبوين يكون في مستقبل عمره سيء العمل، ويفرط في الخشونة مع أولاده ومع غيرهم.))(1)
ونجد ما جاء في الإسلام من خلال الايات القرآنية أو في نصوص الروايات والأحاديث، من دعوات الوالدين إلى الاستعانة بالله في أمر تربية الأولاد، يقول الإمام السجاد (عليه السلام) في دعاءه: (وأعني على تربيتهم وتأديبهم) ويقول النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)

وعنه (صلى الله عليه وآله): (اكرموا أولادكم واحسنوا أدبهم يغفر لكم) (3).
وعن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام): (تجب للولد على الوالد ثلاث خصال: اختياره لوالدته، وتحسين اسمه، والمبالغة في تأديبه)(4)
ــــــــــــــــــــ